تحتل إيران مجددا واجهة ومركز مسرح الأحداث الدولية. إذ تواصل إدارة أحمدي نجاد تصعيدها و الدفع نحو رد فعل عالمي قد لا يخلو من هجمة عسكرية. خلال ذلك، يواصل الرئيس أحمدي نجاد تعزيز سلطته ليظهر بمظهر الرئيس الأقوى منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وما تصعيد التوتر بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي سوى مظهر آخر من العسكرة الفعلية للنظام الإسلامي. وقد أصبح هذا التوجه واضحا جدا غداة القمع الوحشي للإحتجاجات الشعبية التي تلت الانتخابات الرئاسية المزوّرة في حزيران (يونيو) الماضي.
لقد صمم هذا القمع للقضاء المبرم، وإلى الأبد، على الحركة الديمقراطية الواسعة، وتأسيس نظام عسكري بدلا عنها. فقد أسس أحمدي نجاد وحلفاؤه سيادتهم على حساب النخب الدينية للتغطية عن سلطة الخميني القائد الأعلى، وعلى مختلف المجالس الحاكمة ذات الغالبية الدينية.
لقد تغيرت مجموعة من المعطيات مع انتخاب أحمدي نجاد عام 2005. فبالرغم من أن السلطة السياسية مركزة بين يدي القائد الأعلى — إلا أن أحمدي نجاد أستخدم سلطاته الإدارية ليقوم بتعيين الموالين له في الحكومة المركزية وحكومات المحافظات، فضلا عن منحهم المناصب الرئيسة، الاقتصادية منها والتربوية.
كما أنه أولى أهتماما خاصا بهيئات الشرطة الأساسية، واستبدل قادتها الكبار، وحوّل الموارد الاقتصادية إلى أتباعه الموالين له – ومن بين هؤلاء شركة خاتم النبيين التي فازت بأول عقد لها بقيمة العديد من المليارات من الدولارات لتطوير أحد الحقول النفطية. وعلى مدى السنوات القليلة القادمة، ستمتد سيطرة قوات الأمن لتهيمن على الجيش، والإعلام، وجميع نواحي الاقتصاد الإيراني.
كما أن عسكرة النظام الإسلامي قد أتسعت لتحكم قبضتها على السياسة الخارجية للبلد. فموقف المواجهة المتزايد الذي تتخذه إيران بشأن برنامجها النووي إنما يعكس مصالح قوات الأمن في إبقاء إيران معزولة متغطرسة – فتطبيع العلاقات مع الغرب، ولا سيما مع الولايات المتحدة، يعبر تهديدا قويا لبقاء النظام ودورهم القوي.
سيكون الشرق الأوسط أول من يعاني من هذه السياسة الخارجية العدائية، سيما وأن النظام يستغل الفراغ الإقليمي من القوى الموازية، وغياب القوى القومية العربية المهيمنة. ولم يكن سقوط صدام حسين مجرد ضربة أخرى للقومية العربية، بل أنه أعطى لإيران فرصة ذهبية لبسط نفوذها إلى ما وراء حدودها. حيث أعطى التغيير السياسي في العراق فرصة لظهور سيطرة شيعية، و التي تبدو اليوم في انسجام تام مع القيادة الإيرانية. لكن هذه الفرصة الأولية للتأثير قد تفاقمت لتصبح نفوذا لا يُنكر، توّسع بشكل دراماتيكي وغير مقصود مع إعادة تشكيل الحكومة في العراق.
كما أن هذه التغيرات قد مكّنت إيران أيضا من توسيع دورها في الإقليم. فهي الآن قادرة على ممارسة نفوذها السياسي الإستراتيجي على البلدان العربية ذات الكثافة السكانية الشيعية الكبيرة.
فعلى سبيل المثال، لقد برز شيعة لبنان كقوة متحدية بمساعدة من إيران. كما أن ميزان القوى قد تحوّل لصالح إيران كدولة ذات نفوذ قوي. وبتطوير برنامجها النووي القادر على إنتاج الأسلحة النووية، هناك إمكانية متزايدة لإيران بأن تزيد من تهديدها للاستقرار في المنطقة.
كما أن الشيعة في العالم العربي اليوم – الذين كانوا يعاملون عادة كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل بعض الحكّام السنة المسيطرين – ينظرون إلى إيران كسلطة سياسية ومعنوية. فبالنسبة للعديد من العرب الشيعة، تتمتع طهران بأهمية تضاهي أهمية الفاتيكان للكاثوليك.
وقد استغلّ أحمدي نجاد هذه المشاعر الدينية بذكاء. إذ لا يستطيع المرء أن يجادل أن الفائز الوحيد في حرب العراق عام 2003 هي إيران. فقد حصدت انتصارا دون إراقة قطرة دم واحدة، مستفيدة من الدين، ممثلة دور المدافع عن الشيعة. فالهوية الدينية الشيعية قد انتشرت الحدود السياسية العربية وتخللتها. فكانت هذه الهوية أقوى من أن تقف بوجهها أية حدود سياسية. إن معطيات الأمور تتغير بسرعة لصالح إيران.
في غضون ذلك، لا يأبه النظام الإيراني العقوبات الاقتصادية العالمية، على الرغم من أن الناس في إيران لا يزالون يعانون سياسيا واقتصاديا، و التهميش التام لحقوق الإنسان. أما العقوبات العشوائية الجديدة فمن شأنها أن تزيد الطين بلّة، فتزيد من معاناتهم، وتقوي شوكة النظام.
تبرز الحاجة هنا إلى ضرورة إيجاد صيغة مزدوجة للتعامل مع إيران، تركّز على حقوق الإنسان وتوجّه العقوبات الاقتصادية نحو القادة السياسيين والعسكريين. ربما سيحظى ذلك الأمر بانتباه أحمدي نجاد وتمهد الطريق الطويل لاستعادة موازين القوى في المنطقة.
*رجا كمال : عميد كلية هاريس لدراسات السياسات العامة في جامعة شيكاغو.كريم باكرافان هو أستاذ مشارك زائر في العلوم المالية في جامعة دي باول.
© منبر الحرية، 31 دجنبر/كانون الأول2009