في تحليل ظاهرة استقرار القيادات العربية

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

في عصر ما بعد الاستقلال كانت السمة المميزة لسياسات المنطقة العربية.  هي انتشار حالة استيلاء العسكريين على الحكم . وقد مر العديد من الدول العربية في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية بتجربة التعرض، لمرة على الأقل،  لمحاولات انقلاب جدية على نظام الحكم، إن لم يكن العديد منها. فما بين عامي 1960 و1969 مثلاً سجل ما لا يقل عن 27 انقلاباً ناجحاً أو محاولات انقلابية خطرة، كما سجلت محاولات جدية من قبل الجيش للاستيلاء على الحكم في تسع دول عربية.  ولكن ما يدعو للدهشة هو أن عهد الانقلابات ذاك حين انتهى خلف محله استقراراً في القيادات ملفتاً للنظر. فالملك حسين حكم الأردن لأكثر من أربعة عقـود ( منذ عام 1953 حتى وفاته في عام 1999). وحافظ الأسد تولى شؤون سوريا قرابة 30 عاماً (حتى توفي في عام 2000 وهو على سدة الرئاسة ). كذلك حكم صدام حسين العراق لحوالي 25 سنة، وحكم حسني مبارك مصر لفترة مقاربة منذ عام 1981. بل الأكثر من ذلك أن سوريا والأردن أفلحتا حتى في تحقيق انتقال سلمي للسلطة في السنوات الأخيرة بحيث أمكنهما، حتى الآن، تجنب الوقوع  في صراعات عنيفة من أجل السلطة، أو حدوث انقلابات وأعمال شغب. ويصبح هذا الاستقرار في القيادة أكثر مدعاة للانتباه عندما يؤخذ في الاعتبار ما للجيش من دور مركزي مستمر في هذه الأنظمة السلطوية.
فالمؤسسات العسكرية لا تزال تنهض بدور مركزي في السياسة، على الرغم من أفول زمن الاستعراضات الصريحة لنفوذ الجيش عبر القيام بالانقلابات العسكرية.  إن الدور المركزي للمؤسسة العسكرية ينبع من دورها كمستودع أساسي للقوة، وبالتالي كضامن نهائي لأمن النظام الحاكم. فمعظم الأنظمة الحاكمة تحافظ على وجود أجهزة أمن تتخصص في مراقبة وملاحقة الخصوم المحتملين للنظام. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأجهزة كيانات عالية التدريب والكفاءة ولكنها، ومع ذلك، غالباً ما تضطر إلى التنازع مع دوائر بيروقراطية أخرى لها سطوتها ونفوذها في سبيل الحصول على الموارد، وهي قد تخسر أحياناً هذا النزاع. ففي مصر على سبيل المثال كان ينظر تقليدياً إلى قوة الأمن المركزية التابعة لوزارة الداخلية، البالغ تعدادها 300000 فرد، على أنها قوة من الدرجة الثانية مؤلفة من مجندين فشلوا وفق معايير القبول في القوات المسلحة التقليدية. ولكن حتى في تلك المواقع التي أعدت هذه الكيانات الأمنية لشغلها بالذات، من خلال التدريب الجيد ورفع الكفاءة لتكون الحارس الواقي في وجه المعارضة الشعبية، بقيت القوات العسكرية التقليدية تمثل الضامن الأعلى للنظام. بل أن القوات العسكرية النظامية دأبت على توفير الحماية للنظام حتى من الأجهزة البوليسية والأمنية نفسها. فعندما تظاهر قرابة 20000 من أفراد قوات الأمن المركزي احتجاجاً على قلة أجورهم في عام 1986 رد الجيش بنشر ثلاث فرق ، أي ما يعادل ربع قوة الجيش النظامي تقريباً، من أجل قمع هذا التمرد. وفي سوريا ردت على الموقف الذي اتخذه رفعت الأسد ضد النظام في عام 1984 القوات الخاصة ووحدات عسكرية أخرى موالية، رغم أن رفعت الأسد كان يومها هو نفسه المسؤول عن خط القوة الرئيسي لأمن النظام. وبنفس الكيفية تطلب الأمر، إبان  الاضطرابات التي وقعت في الأردن في مدينتي الكرك عام 1996، ومعان عام 1998، تدخل الجيش لتهدئة الوضع. فالجيش هو القوة الأساسية التي يلجأ إليها كحل أخير. ويصف أحد المحللين الأمر بقوله:
“لن يمكن لأية حكومة عربية أن تبقى ممسكة بزمام السلطة من دون مشاركة قادة الجيش مشاركة فعالة، أو من دون مباركتهم على أقل تقدير”.  مكونات السيطرة السياسية تقتضي إدامة السيطرة السياسية على الجيش  وتجريد قادةهذا الجيش من دوافع، ووسائل، تحدي النظام الحاكم. والقادة السياسيون يلجأون إلى أنواع من وسائل الإغراء والاحتياط بقصد التأثير على تكاليف، ومكاسب، التآمر على النظام الحاكم. ويتمثل العديد من هذه الوسائل في استخدام تكتيكات معينة في إدارة المنظمة العسكرية، في حين يتأثر بعضها الآخر بأحداث وقوى خارجية لا يكاد النظام الحاكم يملك قدرة التصرف بها بشكل فعال”. و أحد الأسيجة الأساسية التي توضع في وجه تدخلات الجيش هو الإبقاء على قاعدة دعم اجتماعي للنظام من خارج المؤسسة العسكرية، حيث من الممكن للمصالح الاقتصادية، والأقليات الدينية، والبيروقراطيات المدنية، والأداة الحزبية، والجماعات أو التكتلات الشعبية أن تكون عناصر مهمة في تكوين البنية الاجتماعية التحتية للأنظمة العربية الحاكمة. وتكون حصيلة ذلك أن يوازن الدعم المدني القوة العسكرية .
وتتراوح استراتيجيات القيادات  السياسية لمنع تدخلات الجيش فى الشئون السياسية ما بين الإبقاء على قاعدة دعم اجتماعي للنظام من خارج المؤسسة العسكرية، حيث من الممكن للمصالح الاقتصادية، والأقليات الدينية، والبيروقراطيات المدنية، والأداة الحزبية، والجماعات أو التكتلات الشعبية أن تكون عناصر مهمة في تكوين البنية الاجتماعية التحتية للأنظمة العربية الحاكمة. وتكون حصيلة ذلك أن يوازن الدعم المدني القوة العسكرية. او  إقامة التحالفات مع جماعات الأقلية.
فبهذا الأسلوب تتشكل جماعة من المستفيدين من بقاء النظام ودوامه. وإذا ما أمكن توريط جماعات الأقلية هذه في نشاطات النظام القمعية، أو إذا ما جُعلت هدفاً للسخط بسبب ما تحظى به من امتيازات، أصبحت لها أسباب مرتبطة بمصالحها الذاتية تدفعها لحماية الوضع الراهن وإبقائه على ما هو- عليه. وبذلك، تكون هذه الجماعات حلفاء مأمونة الجانب تماماً. فخلال الفترة التي حكم فيها البعثيون العراق احتل أبناء عشائر الأقلية السنية، ومعظمهم يقطنون بلدات وقرى تقع في وسط العراق، المناصب الأساسية المهمة في النظام الحاكم. كما يبدو الانحياز الطائفي جلياً في سوريا أيضاً، حيث يتبوأ أفراد طائفة العلويين، وهي الطائفة الدينية التي تنحدر منها عشيرة الأسد، الكثير من المناصب المهمة، بما في ذلك المناصب العليا في الجيش. أما في الأردن، فإن العوائل البدوية التي تسكن الضفة الشرقية لنهر الأردن تكون الأرضية الصلبة التي يرتكز عليها النظام، ودعمها المستمر للسلالة الهاشمية مسألة حيوية حاسمة وأبناء هذه العوائل البارزة يحتلون مناصب عالية في الجيش ومواقع البيروقراطية المدنية.
© منبر الحرية، 15 دجنبر/كانون الأول2009

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018