من المؤسف والمؤلم حقا أن الاستبداد أضحى سمة من سمات المجتمعات العربية، ذلك أن ديمومة الاستبداد عبر التاريخ العربي الإسلامي منذ معاوية بن أبي سفيان وحتى معاويات القرن العشرين والواحد والعشرين في العالم العربي هي بمثابة واقع الحال المستعصي على التحول والتبدل.
فبعد أن رحل الاستعمار من العالم العربي في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم استلمت طغم عسكرية زمام الحكم في البلدان العربية ونادت بشعارات قوموية وصفق لها الجمهور كثيرا وازداد الوهم بقدرتها على تحرير فلسطين، ولكن الهزائم تلو الهزائم لاحقتها لكنها رغم كل ذلك بقيت صامدة وسيدة مستبدة جاثمة على صدور الموطنين من المحيط إلى الخليج فارضة أحكاما عرفية وقوانين طارئة مكبلة الحريات الأساسية ومعيقة التطور الطبيعي والتحول الاعتيادي لهذه المجتمعات مما أوقعها في شباك الاستبداد الذي أفسح المجال كثيرا أمام الفساد وذلك كشرط أساسي لديمومة الهيمنة والسيطرة. وادعت هذه الأنظمة أن الجماهير ليست واعية وهي لا تستحق الديمقراطية والإصلاح لذلك فهي البديل الأبدي الذي لا يمكن أن يتزحزح، وعندما لاح أفق التغيير من الخارج في المثال العراقي بإسقاط صدام حسين الذي كان نموذج الاستبداد العربي بامتياز هاجت هذه الأنظمة وماجت ووضعت العصي في عجلة أي تغيير يأتي من الخارج فوقفت مساندة للإرهاب بعد أن كانت متحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى في الحرب ضد الإرهاب (حرب أفغانستان) وبالتالي أعطت صورة مشوهة لنموذج التغيير الديمقراطي في العراق( طبعا لا ننسى الأخطاء الأمريكية في هذا المجال ) وذلك بالوصول إلى نتيجة صادمة ومحرجة وهي إما أن يكون هناك استبداد في العالم العربي أو القتل والتفخيخ والتفجير وعدم الاستقرار، فغدا الاستقرار ميزة الاستبداد، الاستقرار الذي يؤمن الأرضية المهيئة للفساد وذلك لأن الفساد ينتعش في جو الحروب والاقتتال والإرهاب، وهكذا أوصلت الأنظمة العربية عبر جهودها الحثيثة لترسيخ سيطرتها واستمرارها في الحكم وعبر وسائل الإعلام التي تحولت إلى ناطق رسمي باسمها وباسم استبدادها، أوصلت الشعوب العربية إلى قناعة بقبول الأمر الواقع وهو الاستبداد والفساد وخراب البلاد والعباد، وسادت وتسود هذه المجتمعات ثقافة اليأس والبؤس والقنوط، وكثرت موجات الهجرة إلى الدول الغربية للبحث عن ملاذ آمن من عصي وسياط هذه الأنظمة وقمعها وإفقارها للناس، ناهيك عن حجم الدمار البنيوي الكاسح الذي يضرب المجتمعات العربية التي أضحت فريسة لهذه الأنظمة الكابوسية القابعة على صدور المواطنين، ولم يعد هناك ثمة تفكير بأي طريق خلاصي لا من الداخل ولا من الخارج، في حالة هي أشبه ما تكون بنومة كهف طويلة طويلة ولا يعرف من الذي سيوقظ هذه المجتمعات، بعد أن ترسخ لديها قناعة بديمومة الفساد والاستبداد.
© منبر الحرية ، 13 يوليو / تموز 2010