من المغرب غرباً إلى الخليج العربي والعراق شرقاً، ومن سوريا شمالاً وحتى السودان جنوباً، تكاد تتماثل الرؤية العربية تجاه قضيتين خطيرتين الأولى النظرة الدونية للمرأة، والثانية العداء المشترك للديمقراطية والتعددية السياسية، فهما يمثلان اختراق للخصوصية الثقافية للشعوب العربية، ودليل على انتهاك السيادة الوطنية لنظم الحكم القاهرة وشعوبها المقهورة في آن واحد.
وعلى ذلك لا يكون مستغرباً أن تبدو المنطقة العربية خارج إطار الزمن في خصوص هاتين القضيتين اللتان تشهدان تطورات بطيئة وغير محسوسة في المنطقة في بعض الأحيان، وتراجعات سريعة مذهلة في أحيان أخرى.
ولا يمكن فهم مشكلات المرأة العربية بغير فهم السياق الذي تجري فيه محاولات تطويرها، كما لا يمكن اختزال تلك المشكلات في نصوص القوانين فقط، فبقطع النظر عن أن نصوصاً هنا ونصوصاً هناك تعيق تطور قضايا تمكين النساء، فإن الثابت هو أن المنظومة القانونية العربية بشكل عام تتطور ربما بأسرع مما تتطور به الأوضاع الاجتماعية والثقافية والتي هي في حقيقة الأمر أصل الداء ومكمن البلاء.
وحاز موضوع الدور الإعلامي للمرآة العربية من حيث التمثيل والتمكين في وسائل الإعلام في إطار قضايا التحرر والديمقراطية، حيزا كبيرا في الشأن العربي منذ عقود خلت، وإذا ما كانت الظروف التي مرّت بها المنطقة العربية، قد أجّلت وخفّضت من حجم الاهتمام الحكومي والشعبي في إمكانية زيادة هذا الدور، فان ظروف تغير هيكلية النظام الدولي والإقليمي وجملة المتغيرات العالمية بما رافقها بالدرجة الأولى تصدير النموذج الأمريكي للحرية والديمقراطية وتغيير خريطة الشرق الأوسط ونشر العدالة العالمية من منظور غربي وحسب، وتكرير الدعوة للقضاء على التمييز العنصري على أساس الجنس، والدعوة لتنصيب المرأة أعلى المناصب السياسية والإدارية والقيادية في البلاد العربية، خاصة بعد أحداث 11 أيلول وما تلاها من نتائج إقليمية ودولية، فان جملة تلك المتغيرات دفعت العديد من الدول العربية لتغير نظرتها للمرآة العربية التي بدأت تخرج من دورها الجندري في المجتمع كعضو قاصر إلى عضو فاعلٍ يساهم في بناء الحياة الاجتماعية والسياسية وتشكيل أطر جديدة للتنمية المستدامة على أساس الحق الكامل للمرأة العربية في مقاسمة الرجل لشؤون الحياة العامة، كما هو الحال في القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم أن هذا التحول التدريجي لدور المرأة في وسائل الإعلام من حيث التمثيل والمشاركة في صناعة الصورة الإعلامية المناسبة منها وعنها، لم يأخذ صورته النهائية والمقبولة في كافة الأقطار العربية، نتيجة تركيبة بعض المجتمعات التي ما زالت تعمل بالنظام القبلي والعشائري، فإن مكمن الخوف الحقيقي لدور ومشاركة المرأة في السياسة الإعلامية يتجلى في جملة المنظومة الاجتماعية والدينية والتاريخية للأمة العربية وشعوبها، حيث ورغم ما أحرزته المرأة من تقدم ملحوظ خلال السنوات الماضية على مستوى العمل الإعلامي وتمثيل قضايا المرأة في مختلف وسائل الإعلام، إلا أن هناك تيارات اجتماعية ذات ارتباطات قبلية وعشائرية، فضلا عن النظرة التقليدية لبعض النساء، ما زالت ترفض أو غير متقبلة لمبدأ حرية المرأة في تولي المناصب الإعلامية والحرية بالتعبير عن قضاياها من واقعها القائم، كما هو الحال بالقبول بعملها في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الأخرى.
يضاف إلى ما سبق تحديات أصولية ثقافية واجتماعية أخرى تتعلق بالدور الجندري التقليدي للمرأة، وتحديات سياسية واقتصادية وقانونية تمس في جزء كبير منها الإطار القانوني لتكريس عمل المرأة الإعلامي، فعلى مستوى البعد الثقافي الأصولي يعتبر الصعود السريع للتيارات الأصولية في العالم العربي –والأردن جزء منها- واحدا من أشد المعوقات لتطوير ليس فقط أوضاع النساء الأردنيات والعربيات بل تطوير النظام السياسي العربي ككل.
أما المعوقات السياسية فتبدو في التحديات السياسية والممثلة في تدني المشاركة السياسية في العالم العربي وسيادة النظم التسلطية، ولا يستطيع أحد حتى الآن أن يحدد هل تدني نسبة المشاركة السياسية بشكل عام في المجتمعات العربية هو الذي يؤدي إلي سيادة النظم التسلطية أم أن وجود تلك النظم وسيطرتها على مقدرات الحياة داخل الوطن العربي هو الذي يؤدي إلي ضعف المشاركة السياسية ؟ ولكن ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن سيادة النظم التسلطية وغياب المشاركة النسائية في صنع القرار هما من المشكلات الحقيقة التي تعيق تمكين النساء من قضاياها وتهميش دورها الإعلامي.
ولا يمكن أن يكون الحديث عن علاقة الإعلام بموضوع المرأة مجرد حديث عن تقنية التواصل وارتباطها بمسألة إدماج النوع الاجتماعي في التنمية، بقدر ما هو مسألة شائكة تتعلق بمنظور فكري وسياسي تحمله وسائل الإعلام وتروجه داخل المجتمع انطلاقا من خلفيات ثقافية وتصور للنظام الاجتماعي.
وتبرز –في ظل هذه الحقيقة- الإشكالية الخاصة بموقف الإعلام من قضية تحرير المرأة أو آلية تعاطي الإعلام مع قضايا المرأة وكيفية تصويرها من خلال واقعها القائم، وهل يقوم بدور إيجابي في دفع قضايا المرأة إلى الأمام أم يكتفي برصد واقعها الراهن بسلبياته وإيجابياته أم يسعى –متعمداً- إلى تكريس أدوارها التقليدية متجاهلاً إنجازات بعض النساء في مجالات التعليم والعمل والإبداع الفكري والفني.
ورغم تباين مكانة المرأة في المجتمعات العربية من بلد عربي لآخر، فإن معظم الأفكار السائدة عن المرأة سواء في عقلية الرجال أو وسائل الإعلام المختلفة، تتناقض تماماً مع الموقف المعلن لغالبية الدول العربية، فتجد بعضها يعلن انحيازه المطلق لكافة حقوق المرأة ثم تُفاجأ بسلوكيات من شأنها ترسيخ مفاهيم التبعية وتثبيت صورة المرأة بوصفها كائنا ضعيفا يشغل الترتيب الثاني في سلم المجتمع، و تتباين بدورها مواقف مؤسسات الإعلام العربية في النظرة للمرأة، فهناك من ترى ظهور المرأة في وسائل الإعلام متعارضاً مع تقاليدها وربما مع التعاليم الإسلامية، غير أن الدول التي تملأ الدنيا طنيناً بالحديث عن حقوق المرأة تتورط هي الأخرى في ترسيخ مفاهيم تنال من الحقوق الأساسية للمرأة العربية.
© منبر الحرية، 29 مارس 2009