نوح الهرموزي3 مارس، 20110
لقد أثبتت الثورتان المجيدتان أن هذه الشعوب كانت تغلي فوق صفيح ساخن وتعيش مرحلة ما قبل العاصفة. العاصفة التي دمرت سفينة القبطان مبارك، وهناك سفن عربية أخرى تبدو كبيرة ومتعالية ولكن تسير بمحركات إما انتهت صلاحيتها أو تدور في هياكل غير مزيتة.....

على مدى شهرين ونصف تزايد الاهتمام بشكل كبير وواضح بالتحولات التي تعرفها المنطقة العربية. وتعددت الآراء والاستنتاجات حول هذه الظاهرة في ظل عالم يشهد تطورا عميقا ومتسارعا، وطرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت الدول العربية كلها معنية -بما فيها الدول الخليجية الغنية بالنفط والمغرب- بهذا التحول. ولا أود تفويت هذه الفرصة لإبداء الرأي فيما يحصل حولنا ولاستخلاص الدروس من التجربتين الرائدتين، فلا أحد يختلف حول كون العالم العربي، ومنذ زمن بعيد، يمر بفترة عصيبة تتزامن المصالح الأجنبية المتزايدة مع انهيار الإرادة المستقلة ووجود الفساد والظلم الداخلي. لقد تحولت الكثير من الأنظمة العربية إلى وكلاء لواحدة أو أكثر من القوى الأجنبية المهيمنة. وتوهم الحكام العرب أنهم يؤدون خدمات جليلة لهذه القوى، والتي بدورها عليها أن توفر لهم الغطاء والدعم، أما الشعوب البئيسة فقوانين الطوارئ والإرهاب والدساتير التأليهية كفيلة بتأديبهم وترويضهم.
وهذا الشعب الذي أبعد واستبعد وقف ينظر صامتا ومتأملا إلى حكومات شكلية لا تحكم، وبرلمانات مزورة لا تراقب وقضاء منقوص لا يعدل. ينظر إلى هذا المشهد وهو يدرك أن السلطة والثروة متمركزة في أيدي عائلة واحدة يتحرك حولها بضع عائلات من رجال “البيزنس”. يتفرع عن هذه الدائرة الضيقة، أعيان وإقطاعيون وأقلام مأجورة وكبار رجال الأمن والمخابرات، وأسماء حزبية… أنظر إلى الثروة ومن يستحوذ عليها تتعرف سريعا على النظام السياسي السائد، فالثروة هي غاية استبداد الطاغية. والشيء الوحيد الذي لا يستوعبه الطغاة هو صمت الشعب. فالشعب على حد قول ديكارت عندما يصمت فهذا يعني أنه يستجمع عناصر حركته، فصمت الشعوب صمت مخادع.
لقد أثبتت الثورتان المجيدتان أن هذه الشعوب كانت تغلي فوق صفيح ساخن وتعيش مرحلة ما قبل العاصفة، العاصفة التي دمرت سفينة القبطان مبارك. وهناك سفن عربية أخرى تبدو كبيرة ومتعالية ولكن تسير بمحركات إما انتهت صلاحيتها أو تدور في هياكل غير مزيتة. وسياسة الدول كملاحة السفن تحتاج إلى قبطان محنك له تجربة غنية في فن الملاحة، ولكن السفينة تحتاج هي الأخرى ليس فقط إلى محرك قوي ولكن إلى قدر كبير من الانتظام من ناحية تزييت وتشحيم المحركات.
ومع غرق كل سفينة تلوح لنا في الأفق سفينة جديدة تشق طريقها بثبات. ورغم أنها مصنوعة على عجل وتتقاذفها الأمواج، لكن الشيء المؤكد أنها لن تغرق وسوف ترسو على الشاطئ في النهاية.
ومع كل سفينة جديدة تنزل إلى المرفأ، يتعزز أسطول الحرية العربية. ومع كل دورة من دوراته حول العالم تنضم إليه سفن جديدة، ولقد توقع مارك بالمر في مؤلفه الشهير “تحطيم المحور الحقيقي للشر: كيف نطيح بآخر طغاة العالم” أن تكون عام 2025 آخر سنة لآخر طاغية. وعلى هذا النحو، فإن أسطول الحرية العربية سيستكمل تشكيلته في أقصى الحدود قبل عام 2025. وهذا يعني أن الأنظمة العربية الاستبدادية صلاحيتها ستنتهي قبل هذا الموعد، وهذا ما يفسر في اعتقادي سباق الشعوب العربية المحموم مع الزمن.
وليس هناك شعب عربي يرضى على نفسه أن يسجل عليه التاريخ أنه كان آخر من التحق بأسطول الحرية، فآخر من يلتحق ربما سوف يتم تحنيطه وحفظه في صندوق زجاجي تحت يافطة: آخر طاغية في العالم.
ولكي تتمكن الشعوب العربية من ربح سباق آخر طاغية في العالم، عليها أن تستخلص الدروس والعبر من ثورتي تونس ومصر، وقد ارتأينا أن نقدمها إلى القارئ العربي أكان حاكما مستبدا أو ثائرا كالأتي:
الدرس الأول: عندما خرجت الشعوب العربية في تونس ومصر إلى الشارع كان لديهم إحساس عميق بأن كرامتهم وحريتهم لم تحترم قط. ولم يكونوا متأكدين من أن انتفاضتهم سوف تحدث كل هذا التغيير. لكنهم أصبحوا الآن على يقين بأن الأوضاع التي كانوا مذعنين لها أصبحت من الماضي. والدرس الذي يجب أن يستوعبه كل من يسير على نهج المستبدين المخلوعين، أن الشعوب لا تريد إلا الحرية والديمقراطية التي تستدعي أن نترك الفرد يردد بطلاقة ومن دون وصاية وتوجيه أنا أفكر إذا أنا موجود، لا أن نحجر عليه ونلزمه بالتخلي عن حريته الفردية ليهتف للزعيم مطيعا .
الدرس الثاني: ما يلفت الانتباه في الاحتجاجات الأخيرة التي عرفتها كل من تونس ومصر، هو دور الشارع العربي في صنع التغيير. فهو بكل المقاييس قوة متغيرة حقيقية. والسؤال حول المفهوم الجديد للشارع العربي يتحدد من خلال فهم كيف تم هذا التغيير وما هي الوسائل الجديدة المتبعة؟. فالشارع العربي أصبح قوة تعبر عن إرادتها ولا أحد يدعي أنه يمثله فهو ليس ملك لأحد أو فئة بعينها. فالشارع يرفض، في ذات الوقت، الأنظمة الحاكمة و جل الأحزاب القائمة ايا كان لونها، وهذا ما شاهدناه في تونس ومصر. فهذا الشارع الذي وقف لا يرد وهو يتلقى لكمات الحكومات الاستبدادية، ولغط الأحزاب، قال كلمته وأظهر قوته و إن كان لم يستخدم بعد كل عضلاته. فالحركة الاحتجاجية في مصر تتغذى من كل المآسي والظلم الذي أذاقه مبارك لشعب مصر. ولو كان الأمر محصورا فقط على الإخوان لما تأخر النظام في استخدام قانون الطوارئ البغيض وأذرعه الطويلة أمن الدول، والأمن المركزي، الذي اعتبر دائما خط دفاع أول للسلطة، للبطش بكوادر وقواعد الجماعة. إن النظام في مصر واجه نوعا جديدا من المعارضة غير المعتادة، واجه شباب سئموا من حياة الذل والمهانة وهم يرون الفساد وقد أصبح له عقلا يفكر ولسان ينطق.
الدرس الثالث: لم يعد بإمكان الشعوب العربية أن تبقى هكذا خانعة إلى ما لا نهاية لأنظمة حكم تتعدد أشكالها و لكنها تستند إلى شرعية تنتمي إلى سحيق الأزمنة القديمة. إن ما حدث في تونس سببه الرئيسي تأجيل وتأخير عملية الإصلاح. تونس ومصر من بين الدول العربية التي أدارت ظهرها للعالم. فعملية الإصلاح السياسي فيها ليست فقط مؤجلة بل معطلة، ويحكمها التردد والتناقض والشكلية و انعدام الإرادة الجادة. إن الإصلاح الذي انطلق في جل الدول العربية مند عقدين من الزمن وعلقت عليها آمال كبيرة لم يسفر عن نتائج حقيقية. ففي بعض الدول العربية تحولت جمهوريات إلى ملكيات، وأصبح متداولا مصطلح التوريث، وهذا فيه تراجع كبير إلى الوراء. لقد عمدت الأنظمة -سعيا منها لتلميع صورتها أمام العالم – إلى إدخال إصلاحات  يكون  تأثيرها دائما لصالح النخب الحاكمة كما هو الشأن في مصر. وهذه الإصلاحات لا تساهم في بناء المؤسسات الديمقراطية الحقيقية عبر إعادة توزيع السلطة ولكن، في أفضل الحالات، تسعى إلى معالجة ملفات معزولة وإحداث ترميمات على بعض الملفات، كالقضايا المرتبطة بشكل الانتخابات أو تركيبة البرلمان. فالنظام المصري كان دائما يرفض الحديث عن أية إصلاحات أي كان نوعها وشكلها، باستثناء الترميمات الشكلية التي أدخلها على الدستور عام 2005 والتي بموجبها أصبح رئيس الجمهورية ينتخب مباشرة من بين أكثر من مرشح، وليس باستفتاء شكلي.
والرسالة يجب أن تصل إلى كل من يهمه الأمر، أن تأجيل عملية الإصلاح، التي تأخرت كثيرا عن زمنها التاريخي، من شأنه أن يراكم من المشاكل التي علينا أن نواجهها في يوم من الأيام، ومخطئ من يظن أنه في منأى عن ما يجري من حوله وأن ما حصل في تونس هو شيء معزول ومرتبط بالحالة التونسية. فما حصل في العراق ،كذلك، لا يمكن عزله عن المشاكل التي تراكمت منذ سنين، فالغزو الأمريكي لم يكن السبب الوحيد فيما يحدث من تقتيل وتدمير وهمجية بلا حدود، بل الغطاء الذي رفع عن لوحة مأساوية ظهرت معها ملامح الأنثى ووحشية الغاصب.
الدرس الرابع: الحاكم المستبد لا يتمتع بنفسية مستقرة، يقمع ويقسو ليغطي عن عجزه وخوفه، والمستبد جبان، لكنه يظهر شجاعة مخادعة من ضعف الشعب. وقد يلجأ في بعض الأحيان إلى إشاعة الفوضى وتدبير الانفجارات لإيهام الناس أنه وحده القادر على حمايتهم، وفي نفس الوقت يتخذ من هذه الأحداث ذريعة للاستئثار بالحكم والزج بخصومه في السجون. وهو كاللص الذي يضع السكين فوق رقبة رهينته لكن سريعا ما ينهار ويندحر إذا جابهه بشجاعة وبأس. والمستبد لا يعي جيدا أن العالم تحول إلى قرية صغيرة وما عاد بإمكانه القتل وإخفاء جثث ضحاياه والتستر على جرائمه وذلك بفعل صواريخ “الفيسبوك” وراجمات “اليوتوب” وقنابل القنوات الفضائية. ففي الوقت الذي تتوفر النية والإرادة لشباب متحمس ومنظم ويلجا إلى أساليب سلمية للاحتجاج من دون استعمال أي عنف فإن النصر سوف يكون حليفه.
الدرس الخامس:  إن الرئيسين التونسي والمصري المخلوعين، وعلى شاكلة باقي الطغاة لم يفهموا شعوبهم إلا ساعات قبل هروبهم لسبب بسيط يتمثل في أن قنوات الاتصال مع شعبهم كانت تتم عبر خدمهم وأصهارهم وأبناء عشيرتهم. الرئيس التونسي في خطابه الأخير قبل أن يمتطي طائرته تاركا بلاده خلفه وهو متأكد بأن الشعب يكرهه ويمقته وهو لا يدري حتى إلى أين يتجه، حمل مسؤولية ما حصل إلى بطانة السوء التي أخفت عليه حقائق الأمور وزودته بمعلومات خاطئة، وهو بهذا يحاول  إقناع الشعب  أنه غير مسئول عن التجاوزات وعن الظلم الذي يتعرض له المواطن العادي بشكل منهجي أمام بوابات وشبابيك الإدارات. إن الحاشية تكذب إذا وتنافق والحاكم لا يعرف، وهذا تبسيط مبالغ فيه للأمور، فكيف لا يعرف وهو من عمم ثقافة الخوف والإرهاب فأي نقد أو إبداء رأي مخالف أو حتى مجرد تساؤل هو ذنب لا يغتفر. الحاكم العربي يصور نفسه بأنه مصدر الحكمة وصاحب القرار الصائب، ومن تم على كل المواطنين أن يوكلوا أمورهم إليه، فهو الذي يفكر بالنيابة عنهم، وهو الذي يقرر مصلحتهم بدلا عنهم، وهو الوحيد القادر على اتخاذ القرارات الصائبة، وان تركت العامة، أي الشعب، لتقرر من دونه فلن يكون بمقدورها أن تفعل أي شيء. إن بعض القيادات العربية تشبه إلى حد كبير شيخا هرما دميما يقود سيارة فاخرة محاولا إغراء فتاة حسناء فقيرة. ويعتقد أن الطريق مفتوح للوصول إلى قلبها، ولكن هذا الحاكم لم يخضع للاختبار الصحيح، كأن يمتطي سيارة قديمة ويحاول الكرة مرة أخرى، فالحاشية هي من تصور له أن الفتاة الحسناء تنظر إليه ولكنه يعي بعد فوات الأوان أن النظرة موجهة لسيارته وجيبه.
الدرس السادس: أظهرت الأحداث الأخيرة أن الهوة السحيقة بين الحكام وشعوبهم أدت إلى انعدام تام للثقة بينهم. فالشعب في مصر لم يعد يثق في مبارك وأزلامه رغم الوعود التي قدمها في خطابه الأخير. فهو الذي تعهد في خطابه الأول أمام البرلمان عام 1981 بعد انتخابه رئيسا بأن يحكم لفترة واحدة، لكنه استمر في الحكم أربعة فترات رئاسية والخامسة تنتهي نهاية عام 2011. أما الفترة السادسة فكل الإشارات كانت تعطي الانطباع أن مبارك كان يريدها لابنه جمال، فيما عرف عند المعارضة بفضيحة التوريث. هذه العملية بدأ الاستعداد لها بمصادرة مجلس الشعب وإحكام سيطرة حزب الرئيس على تركيبته في انتخابات أقل ما يقال عنها أنها مسرحية هزلية.
الدرس السابع: الثورتان معا واجهتا نظامين من أشرس الأنظمة البوليسية التسلطية، مع الفارق أن النظام المصري هو استبدادي وفي نفس الوقت غير تنموي. فثورة مصر تواجه نظاما يقدم نفسه دائما على أنه خادم الغرب المطيع وأن خسارة هذا الحليف يمكن أن تكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة برمتها، وهذا مسؤول في السلطة الفلسطينية يتحدث منزعجا: إذا رحل النظام في مصر رحلنا جميعا، ولن يبقى وجود للسلطة الفلسطينية. إن النظام المصري، منذ بداية الاحتجاجات، موضوع تحت المجهر الدولي وخصوصا الأمريكي، فهناك غرفة عمليات في البيت الأبيض يرأسها الرئيس أوباما شخصيا، وتضم كل من نائبه وبعض أعضاء مجلس الأمن القومي، يتابعون لحظة بلحظة مجريات الأحداث في مصر. ففي غضون أسبوع  ألقى الرئيس الأمريكي والوزيرة كلينتون ما لا يقل عن 10 خطب تدعو الأطراف المعنية إلى ضبط النفس و كأننا في حرب مفتوحة، تارة تطالب السلطات المصرية بالتعامل بإيجابية مع مطالب المحتجين وتارة تناشد المعارضة بفتح حوار مع السلطة. ومن يتابع القلق الذي يساور البيت الأبيض يظن أن الثورة تشتعل في إحدى الولايات الأمريكية، وخصوصا بعدما أصبح الأمريكيون مقتنعون بأن مبارك لم يعد قادرا على السيطرة وإدارة الأزمة.
الدرس الثامن: الغرب يعي جيدا أن استقرار المنطقة العربية، ومن تم العالم، رهين بإدخال إصلاحات جذرية على الواقع الاقتصادي والثقافي والسياسي للمنطقة العربية. فمحاربة الإرهاب يمر بتجفيف منابعه وخلق الأجواء الملائمة للقضاء عليه، فثمة علاقة رفيعة بين الطغيان والاستبداد الذي يسود العواصم العربية، وإيجاد العناصر التي امتطت الطائرات وحولتها إلى صواريخ عابرة للقارات، كما قالت وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة كونداليزا رايس. فالحقيقة الساطعة هي أن البترول الذي مول حرب المجاهدين بمباركة ورعاية أمريكية، هو نفس البترول الذي ساهم في تكبير وتقوية الفكر التكفيري الذي تقعد في ظل قمع وتسلط الدولة القومية في مصر، فالسيد قطب كتب معالم من الطريق الذي اعتبر خارطة الطريق للتيارات الجهادية التكفيرية وهو في السجن ومتيقن بأن عبد الناصر لن يدعه حيا.
إن ظاهرة الإرهاب يجب أن تقارب وتعالج بشكل موضوعي ورؤية علمية عميقة. فالوجه الآخر للإرهاب هي الدولة اللاشرعية، لأن جل الدول العربية تستند بالأساس إلى تفسير مشوه للدين الإسلامي من أجل إضفاء شرعية دينية على نظام حكمها. القاسم المشترك بين التيارات التكفيرية وبعض الأنظمة العربية يكمن في تسخير الدين الإسلامي لخدمة إيديولوجيتها، وبإبعاد الدين الإسلامي عن هذه اللعبة القذرة سوف تحل المعادلة.
الدرس التاسع: لقد سقطت كل التبريرات التي تساق لإضفاء بعض الشرعية عن أنظمة الحكم الاستبدادية في العالم العربي. فالبعض كان يظن أن هذه الأنظمة ضرورية لبناء وتطوير طبقة متوسطة كفيلة. وآخرون ذهبوا إلى أن الاستبداد ظاهرة شرقية عربية متأصلة، على اعتبار أن الشخصية العربية تتميز بسمات الشخصية الاعتمادية والسلبية والعدوانية الاستهوائية. وهناك من ذهب إلى أن الديمقراطية باهظة الثمن وأن هذه الدول لا تستطيع أن تؤدي هذه الفاتورة، فالأولوية للتنمية بمعنى أن الديمقراطية والتخلف لا يتجانسان. و لكن تبين أن هذا الاستبداد كان فقط غطاء للنهب و السلب. فالرئيس البائد بن علي، و بعد فضيحة الدولارات و الماس، من الأفضل متابعته بتهمة واحدة، السرقة الموصوفة و السطو المسلح على شعب تونس.
الدرس العاشر: من كان يظن أن التراجع عن الزيادة في الأسعار سوف تضع حدا لغضبة الشارع فهو واهم. حينما انتفضت الشعوب العربية كانت لا تريد إلا شيئا واحد هو دولة تحميها ومجتمع يعترف بها. والمواطنة التي لا تعني شيئا للطغاة، ليست هي فقط خبزا وسكرا وحليبا، وإنما هي انتماء ومشاركة وتقاسم وتكافؤ للفرص وإحساس أن هذا الوطن هو وطنه، يساهم في بنائه وينعم بخيراته وليس مزرعة لأفراد وفئات منه. المواطنة تعني أن يساهم الفرد على نفس القدر والأهمية مع الآخرين، وهذا هو سر النجاح. إن مجموعة بشرية ما تتقدم وتسمو عندما يضحي ويساهم قادتها بنفس القدر الذي يساهم به الآخرون، المواطنة هي وطن وأفراد وحكومات ومنظمات مدنية… المواطنة تستلزم وجود حكومة دستورية ديمقراطية يختارها الأفراد والمجموعات من خيرة أبناءه البررة المثابرين الصادقين. المسؤولية يجب أن يتحملها الأمين القادر القوي ، كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، لا المخادع، الضعيف المتخاذل.
ففي أوائل القرن الماضي كتب قاسم أمين يقول: الحرية الحقيقية تحتمل إبداء كل رأي ونشر كل مذهب وترويج كل فكر، في البلاد الحرة قد يجاهر الإنسان بأن لا وطن له، ويطعن على شرائع قومه وآدابهم وعاداتهم ويهزأ بالمبادئ التي تقوم عليها حياتهم العائلية والاجتماعية. كم من الزمن يمر قبل أن نبلغ هذه الدرجة من الحرية؟ فالبداية من تونس لكن حتما هناك تونس وما بعد بعد تونس. وإن غدا لناظره قريب.
*كاتب ورئيس تحرير مجلة الاقتصاد والمجتمع من المغرب
‎© منبر الحرية،03 مارس/آذار 2011

نوح الهرموزي

الدكتور نوح الهرموزي: أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن طفيل في القنيطرة بالمغرب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018