نوح الهرموزي12 مارس، 20110
الواقع أن بناء الدولة وتأسيس شرعيتها في البحرين قام وفقا للأسس العائلية من خلال وجود أسرة حاكمة عملت على تقوية ذاتها وتماسكها الداخلي بالاعتماد على العصبية القبلية، وعلى سياسة توزيع الغنائم بأشكالها المختلفة مع الاحتفاظ بالقبائل الأخرى في حالة تنافس فيما بينها حتى لا تتزايد قوتها بشكل يهدد الوضع المهيمن للأسرة الحاكمة في إطار سياسة الصراع المتوازن.....

يتابع الكثير من المراقبين ما يحدث من احتجاجات سلمية في البحرين التي يلعب فيها  العامل الجغرافي دورا مهما، لأن البحرين  تستضيف قيادة الأسطول الخامس الذي يُعتبَر إلى جانب القيادة الوسطى الأمريكية في قطر القاعدة للإطار الأمني الأمريكي في الخليج و كفاصل بين السعودية السنية وإيران الشيعية. وقد بدأ الشباب البحريني حملة احتجاج في 14 فبراير تبلورت في التواجد الإعتصامي في ميدان اللؤلؤة اقتداءا بميدان التحرير في الثورة المصرية، ومعظم الشباب المحتج  هو من الشيعة  التي تشير معظم التقديرات إلى  أن أكثر من 70 في المئة من السكان الذي يبلغ عددهم نحو مليون نسمة هم شيعة، فارسيون وعرب على حد سواء. وقد بدأ كثير من السكان في التماهي مع  مطالب المحتجين. وقد استخدمت قوات الأمن البحرينية في البداية التدابير العنفية ضد المحتجين المناوئين للحكومة  مما أدى إلى سقوط سبعة من الضحايا. خرج الشباب غاضبا لإحساس الشيعة بالتمييز ضدهم. والواقع  أن بناء الدولة  وتأسيس شرعيتها في البحرين  قام وفقا للأسس العائلية من خلال وجود أسرة حاكمة  عملت على تقوية ذاتها وتماسكها  الداخلي بالاعتماد على العصبية القبلية، وعلى سياسة توزيع الغنائم بأشكالها المختلفة مع الاحتفاظ بالقبائل الأخرى في حالة تنافس فيما بينها حتى لا تتزايد قوتها بشكل يهدد الوضع المهيمن للأسرة الحاكمة في إطار سياسة الصراع المتوازن. وعملت هذه الأسرة على تحويل نفسها إلى مؤسسة قوية وبؤرة للسلطة والثروة وربط الأبنية والمؤسسات والقوى الأخرى كافة بها، مع التأكيد على سيطرتها السياسية عن طريق احتكار أعضائها المناصب الهامة في الدولة. فالنظام في البحرين  يقوم على الحكم الوراثي في أسرة آل خليفة يتولاه الابن الأكبر للحاكم بعد وفاة الأمير، ويمارس الأمير سلطاته من خلال مجلس وزراء يرأسه شقيق الأمير السابق وعم الأمير الحالي، وذلك منذ استقلال البحرين، ويتولى الوزارات المهمة مثل ( الخارجية – والدفاع – والداخلية – والعدل والإسكان ) وزراء من الأسرة الحاكمة  كما يتولون في معظم الأحيان وزارات أخرى مثل (المواصلات والعمل والشؤون الاجتماعية ورئاسة المؤسسة العامة للشباب  والرياضة ورئاسة المجلس البلدي المركزي) فيما تتنوع مسؤولية بعض الوزارات مثل الصحة والتربية والتعليم والتجارة والزراعة والأشغال والتنمية ووزارتي الدولة للشؤون القانونية وشؤون مجلس الوزراء مناصفة بين أفراد الطائفتين الشيعية والسنية. كذلك يتولى أفراد الأسرة الحاكمة منصب حاكم العاصمة (المنامة)، ومناصب حكام المدن الرئيسية ورئيس البلاط الأميري ومن ثم تشغل العائلة الحاكمة من الطائفة السنية الغالبية العظمى من المناصب الحكومية. ويدعم ذلك كله التدخل العضوي بين الدولة والعائلة الحاكمة إلى المدى الذي يصبح فيه الولاء لها مرادفا للولاء للوطن. وإضافة إلى أساليب القمع و توزيع المزايا والمنافع من خلال سياسة الإنفاق العام والتوظيف الحكومي فان أساليب السيطرة ترتبط بما يسمى بالتضامنيات  غير الرسمية. ومن ثم فإن المعارضة الشيعية في البحرين ترى أن صراعها الأساسي هو نظام الحكم ذي الأساس القبلي على اعتبار أن التقاليد القبلية تنكر على المواطنين حقهم الدستوري في المشاركة السياسية وترى أن أقصى ما يمكن أن يسمح به هو إبداء النصح و المشورة في بعض المسائل العامة  وللأمير بعد ذلك حق الاختيار بين القبول والرفض.  وعلى المستوى التشريعي هناك ضعف في فاعلية المجلس النيابي في الحياة السياسية مع استمرار الأساليب القديمة في التعامل مع الطائفة الشيعية  مما أدى في النهاية إلى اندلاع أحداث عنف شديدة في نهاية عام 1994 كما شهدت البحرين بين عامي 1995 – 1996 انتفاضات جماهيرية كان في جوهرها الصراع بين الشيعة والسنة حول الديمقراطية. وفي السلطة القضائية يتم اختيار القضاة من الأسرة الحاكمة أو من القبائل السنية ولا يتجاوز نصيب الشيعة قاضيين فقط من إجمالي خمسين قاضيا. كما أن اثنين من أعلى قضاة محكمة امن الدولة الثلاث من أبناء الأسرة الحاكمة هذا علما بأنه لا يوجد مجلس أعلى لمحاسبة القضاة. كما تم دمج المحاكم السنية والشيعية في نظام قضائي موحد وأصبحت المحاكم الشرعية للطائفتين تابعة لمحكمة البحرين المركزية وهى أعلى سلطة قضائية في البلاد وأصبحت القضايا المختلطة ترفع إلى هذه المحكمة وتحول منها إلى المحاكم الشرعية في بعض الأحوال،  وقد أدت هذه البيروقراطية القضائية إلى إضعاف المركز الاجتماعي لقضاة الشرع الشيعة. وعلى المستوى الإعلامي يلاحظ أن هناك تجاهلا للمذهب الجعفري من قبل وسائل الإعلام ومن قبل وزارة التربية والتعليم فلا يدرس هذا المذهب في المدارس الرسمية أسوة بالمذاهب السنية الأربعة كما أن هناك تعتيما على الثقافة والتراث الشيعيين. هذا إضافة إلى التفاوت في توزيع الدخل القومي بين الشيعة والسنة فالدولة تلعب دور المهيمن على الحياة الاجتماعية والاقتصادية على نحو يؤثر على وضع مختلف فئات المجتمع بخلاف فئة محدودة هي الأسرة الحاكمة التي تجمع بين يديها عناصر الثروة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالرغم من عدم وجود بيانات رسمية عن نصيب مختلف الفئات الاجتماعية من الدخل القومي في البحرين إلا أن هناك العديد من المؤشرات لواقع التفاوت الاجتماعي وعمقه فهناك تباين حاد في توزيع الدخل القومي بين الفئات الاجتماعية واختلال كبير في توزيع الإنفاق العام وتفاوت في توزيع الملكية الزراعية وتباين حاد في الأوضاع ال
معيشية، وتبرز حركة المعارضة الإيرانية بوصفها الأكثر تنظيما ونفوذا وهي لا تقتصر على طائفة الشيعة وإنما توجد العديد من التنظيمات المعارضة التي تجمع بين الطائفتين. تتوقف التطورات في البحرين على مدى نجاح الحوار على قبول الحكم بقيام بناء دستوري وقانوني يكفل لكافة المواطنين، بصرف النظر عن اختلاف أعراقهم وأديانهم وأجناسهم  والمساواة في الحقوق والواجبات المادية والمعنوية.
© منبر الحرية،12 مارس/آذار 2011

نوح الهرموزي

الدكتور نوح الهرموزي: أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن طفيل في القنيطرة بالمغرب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018