لماذا حوار السلطة السوريّة مع المعارضة ..؟

إن النخبة السياسيّة في السّلطة أمام استحقاقاتٍ ملحّة وهي مدعوة لإعارة الاهتمام لرسائل الشارع، مفادها أن الشارع يرفض لغة السوّط والرصاص، ويصرّ على إجراء التغيرات بدلا من اتخاذ السلطة إجراءاتٍ إسعافيّة لاحتواء وتهدئة الأجواء في المحافظات......

الأزمة الوطنيّة السوريّة تتفاقم، وبوتيرة متصاعدة، ومخيفة خصوصاً بعد أن سمع السوريون نبأ إصرار “البعث” على قيادة الدولة والمجتمع في مرحلة مقبلة، ضاربة كل صيحات التغيّريون عرض حائط، وبعد أن نشرت مسوّدة الانتخابات العامة (على الموقع التشاركية السوريّة) والتي تشي بشيء من الاستهتار بحلم السوريين في وصول ممثليّهم إلى قبّة البرلمان. فمن يتصفّح هذه المسوّدة لا يلمس أي تغيير في بنيتها وبنية أصحابها وكأن هذا الحراك لم يحرّك أذهان من أضاع الوقت لكتابتها الأمر الذي يخيّب الآمال ويزيد من تدهور أحوال البلاد والعباد. هذه المسوّدة(الانتخابات العامة) مهما تعدّلت وقدمت إليها تعديلات من الرؤى والأفكار سوف تبقى عصيّة على فتح آفاق الشراكة السياسيّة، هذا عدا عن أنها تغلق الأبواب أمام التدوال السلميّ للسلطة. ويبدو أن فهم بعض الأوساط في السلطة لمفهوم الشراكة السياسيّة والتدوال السلمي للسلطة مختلف عن فهم المعارضة له، الأمر الذي تدعونا السلطة إلى البقاء في الدوامّة مطليّة بالدم لا الخروج منها.
وفضلاً عن ذلك، وبعيداً عن أن صفحة الاعتقالات السّياسيّة لم تتطور بعد، وأن العفو العامّ عن سجناء الرّأي أتى متأخراً للغايّة،  فان شكل الحوار الذي تطرحه السلطة لا يرتقي إلى شكل مطلوب، حيث تطلعات النخبّة المعارضة الديمقراطيّة ورؤيتها للحوار تختلف بمقاس كبير عما تطرحه السلطة، وشتان ما بين ما تطرحه المعارضة وما تتجاوب معه السلطة حيث يفصل بينهما بون شاسع، إذ تفهم المعارضة  بأن طلب السلطة للحوار مرده تأمين شروط بقائها ليس إلا في حين مراد المعارضة للحوار هو تمهّيد الطريق لبناء عقدٍ سياسيٍّ جديد ينقذ الوطن من انزلاقات قد لا تحمد عقباها ومن ثم الشّروع في فتح آفاقٍ جديدةٍ أمام السّوريين جميعاً الذين لطالما نادوا بالتغيير. فالحوار بهذا الشكل له دلالة سياسيّة ومجتمعيّة وقادرة على التّأثير في المزاج الشّبابيّ، والشعبيّ.
في حين مشهد الحراك الشبابيّ (والشعبيّ) السوري وخياراته يتطوّر يوماً بعد يوم، وتلوح في الأفق أن هذه الاحتجاجات تأخذ مداها طولاً وعرضاً، وعلى المستويين  الجغرافيّ و السّكانيّ -مشاركة غالبيّة مكوّنات الشّعب السّوريّ- كل هذا بعد أن انحازت السّلطة إلى جانب الحلّ الأمنيّ على حساب الحلّ السّياسيّ الذي كان الوطن أحوج إليه. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة: ألم تكن المعارضة محقة حينما كانت تطالب بالإصلاح السياسيّ منذ أن تولى الرئيس بشار الأسد زمام السلطة؟ حيث، ومنذ “ربيع دمشق” في بدايات هذا القرن صار معروفاً أنّ الإصلاح السياسيّ أكثر أهميّةً من الإصلاح الاقتصاديّ، رغم أنّ للأخير أهميته ودوره، إذ يهيّئ مكوّنات الوعي المجتمعي ويساهم في بلورة طبقاتٍ اجتماعيّة جديدة، لكنّ الإصلاح السياسي هو ما يحقّق للفرد وللمجتمع حرّيته وكرامته. واليوم تؤكد الوقائع على الأرض أن الحل الأمني غير قادر على إعادة بناء سوريا سياسياً واجتماعياً وثقافياً…!
فبدلاً أن تستجيب السلطة لمطالب المعارضة وحركة الشارع أصرّت على الحلّ الأمنيّ تاركة مطلب الحوار إلى مرحلة ما بعد “عقل المستريح”، وأقحم الجيش في الأزمة الوطنيّة في وقت أن الجيش في الأعراف السائدة هو مؤسسة  يجب أن تكون طرفاً محايداً في أي نزاع سياسيّ داخليّ، ويجب أن ينحصر دورها في الدفاع عن الوطن من كل التهديدات الخارجيّة لا أن يُستغل من طرف (السلطة ) ضد طرف آخر(الشعب). في العرف السائد أن الجيوش تبنى بناءا على حاجة الدولة لها، لا أن يكون مطيّة يحقق من خلالها طرف السلطة هيبته وتسلطه على حساب تطلعات الناس!
ونعطي حق لأنفسنا ونقول أن المشهد السياسيّ السوريّ أمام استحقاقات جمّة: 1-إنقاذ البلاد من حمام الدم، وترك المحتجّين أن يعبروا عن آرائهم ومطالبيهم بالحريّة. 2- من مسؤوليّة السلطة أن تبشّر الناس بأن ثمة واقعٍ سياسيٍّ جديد يتبلور، والقبول بالنجاحات التي حققها الحراك والتي تشكل اليوم ركائز مرحلةٍ يمكن التّأسيس عليها، ولعل سوريّا كانت بحاجة إلى مثل هذا الحراك، وذلك لأجل تغيير الذهنيّة التسلطية والاستبداد لدى السلطات والتي من خلال مفاعيل هذه الذهنيّة تم إبعاد الشرائح الواسعة من الفعل السيّاسي السوريّ.
في الحقيقة أنّ فحوى ما يجري في الشارع السوريّ هو سعي لتغييرٍ جذريّ للنّمط الفكريّ والمعرفيّ للحالة السّياسيّة والثّقافيّة السّوريّة حتى تتيقّن شّريحة الشباب من أنّ ما يجري يلامس فعلاً آفاقها وطموحاتها، وبمعنى آخر فإنّ حركة الشّباب لن يخرسها الآن رفع حالة الطّوارئ -التي ما أن رفعتها السلطة من هنا حتى بدأت تمارسها بمفاعيلها وآليّاتها المعتادة عليها من هناك، ولكن في هذه المرة دون وجه قانوني، أي لم تصدر السلطة أي بلاغ بإعلانها من جديد على الأقل في الماضي كان هناك قانون يعطي شرعيّة لممارستها، ونحن نعلم كم أن حالة الطوارئ هذه تسبّبت بخلط الأدوار وتشابك الوظائف في المؤسّسات الأمنيّة- ولن يكفيها من جهةٍ أخرى ادّعاء أو وعود بأن الإصلاحات التي أعلن عنها السلطة، تؤدي إلى بناء نظام يعتمد على التدوال السلمي والتعدديّة الحزبيّة، لقد بدا أنّ مطالب الشّباب لن توقفها حدودٌ إلّا بأن يحيا حرّاً، لا يكبّله قانونٌ استثنائيّ وبالتّالي يقف حجر عثرةٍ أمام تحقيق رغباته وطموحاته من جديد.
بقي القول إن النخبة السياسيّة في السّلطة أمام استحقاقاتٍ ملحّة وهي مدعوة لإعارة الاهتمام لرسائل الشارع، مفادها أن الشارع يرفض لغة السوّط والرصاص، ويصرّ على إجراء التغيرات بدلا من اتخاذ السلطة  إجراءاتٍ إسعافيّة لاحتواء وتهدئة الأجواء في المحافظات. عند ذلك يتم الحديث عن الحوار، وتهيئة ظروفٍ مناسبة له بين الأطراف السياسيّة من المعارضة والسّلطة وصولاً إلى الشّراكة السّياسيّة، بعيدة عن هيمنّة حزب على الآخر…
© منبر الحرية،26 يونيو/حزيران 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018