بعد عشر سنوات في أفغانستان، يلح القادة الأمريكيون مدنيون وعسكريون على فكرة وجوب دفاع أفغانستان عن نفسها وحكمها نفسها بنفسها، مع أنهم يعترفون بأن الجيش والشرطة الأفغانيان لن يكونا جاهزين للإمساك بزمام الأمور في العام 2014 بعد أن تنسحب قوات التحالف العسكرية.
ولكن بناء الأمن والحكم إلى أن يتمكن الناس من تدبير أمورهم بأنفسهم هو في الواقع فتح الباب لحضور غير محدد للتحالف. هذه ليست إستراتيجية للخروج.
إن عشرات المليارات من الدولارات التي ضخها التحالف في بناء البنية التحتية المادية للشعب الأفغاني تتجاوز القدرات المالية والتقنية للحكومة الأفغانية. نشرت لجنة مستقلة من الحزبين عن العقود في زمن الحرب (لجنة التعاقدات وقت الحرب) في أغسطس تقريرا مفصلا جاء فيه أن الحكومة الأميركية قد أمضت عقودا لعشرات العيادات، والثكنات، والمستشفيات وغيرها من المرافق تتجاوز في الواقع قدرات أفغانستان التمويلية.
مثال ذلك عقد 82 مليون دولار لتصميم جامعة الدفاع الأفغانية وتشييدها. ويقول الآن ممثلون عن وزارة الدفاع إنها ستكلف 40 مليون دولار في السنة للاستغلال ـ مرة أخرى فوق القدرة التمويلية للحكومة الأفغانية. وقد أجرى مدققوا الحسابات من مكتب المفتش العام الخاص لإعادة الإعمار في أفغانستان (SIGAR) تحقيقات مماثلة. إن برنامجا من 11.4 مليار دولار لبناء ما يقرب من 900 منشأة لقوات الأمن الوطني الأفغانية، (التي تشمل الجيش الوطني الأفغاني والشرطة الوطنية الأفغانية)، “تخاطر بالسماح ببناء منشآت غير ملائمة أو لا تلبي الاحتياجات الإستراتيجية والعملانية لقوات الأمن الأفغانية”. وبحسب قيادة القوات المتعددة الجنسيات للمرحلة الانتقالية بشأن الأمن في أفغانستان التي تجهز وتدرب قوات الأمن تحت قيادة القوات الأمريكية في أفغانستان، فإن تكاليف العملية على المدى الطويل والصيانة والتدعيم كل ذلك قد يستمر حتى العام 2025.
لقد أنفق التحالف، إجمالا، مليارات الدولارات على مشاريع ستكلف مليارات الدولارات من المساعدات الأجنبية لتدعمهم. ولكن صورة كاملة عن المشاكل تقتضي إدراج التكوين التقني والإداري لقوات الأمن الأفغانية.
إن بذل جهود جادّة لتعزيز قوات الأمن قد بدأ بالفعل سنة 2009. والحاجة اليوم ماسة إلى ما يناهز 10،000 بين جنود وشرطة للوصول في أكتوبر إلى 305000 مستخدم. وللأسف، فإن خسارة المستخدمين قد يفسد جزءا لا يستهان به من هذا النمو اللافت.
في يونيو الماضي، صرّح الجنرال وليام كالدويل، الذي يدير بعثة تدريب منظمة حلف شمال الأطلسي، أن معدل استنزاف الجيش الوطني الأفغاني تحوم في ذلك الشهر حول 2.3٪ على أساس سنوي. وحين سئل كولدويل ما إذا كان الرقم 2.3٪ في الشهر يعني 30٪ في السنة، أجاب: “بالضبط”.
هذه “القوة الجوفاء” كانت ستكلف، وفقا لمروحة من التقديرات، ما بين 4 و9 مليارات دولار سنويا، من أجل حكومة أفغانية إيراداتها المحلية حوالي مليارَيْ دولار! ويفسّر ديفيد ويلدمان المؤلف المشارك في “إنهاء الحرب في أفغانستان” أن مسألة التمويل هذه سوف تكون لها أضرار هائلة:
“ستكون أفغانستان دولة مرغمة على الاعتماد على الميليشيات الأجنبية خلال السنوات القادمة. إن القوى الهامة والمركزية من الجيش والشرطة تقوم بتحويل وجهة الموارد التي يمكن تخصيصها للبنية التحتية الأساسية واحتياجات التنمية المدنية. وقبل بضع سنوات، لاحظ تقرير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العام 1994 التي تتناول “الأمن البشري” أنه كلما كانت نسبة الإنفاق العسكري على الإنفاق غير العسكري مرتفعة في بلد، كلما انعدم الاستقرار بين أهله وكانوا عرضة لانعدام الرعاية الصحية والتربية.”
إن المفارقة في أفغانستان، أن إقامة دولة مركزية ونظام عسكري حديث ومحترف، لن تؤدي إلاّ إلى استدامة الاعتماد على الرعاية الأجنبية التي تخنق هذا البلد منذ قرون. هكذا يصبح مفهوما ما أعلنه بوضوح المخططون العسكريون والمدنيون في واشنطن من أنهم لا ينوون أبدا مغادرة أفغانستان.
لقد صرح القائد العسكري الأمريكي الجديد في أفغانستان، الجنرال جون ألين، مؤخرا: “أن الخطة في أفغانستان يجب أن تكون نجاحا.” وأضاف: “حتى لو أمكن بعض الناس أن يفهموا أننا سنغادر في العام 2014… فنحن في الواقع سنكون هنا لمدة طويلة.” و ردا على سؤال حول عدد الجنود الأمريكيين الذين سيبقون صرح آلن: أنه في إطار اتفاق مع الأفغان” يتعلق الأمر بقوات لها دور استشاري”.
هذا الالتزام هو صدى لوعود البيت الأبيض. فقد سبق لنائب الرئيس جو بايدن أن صرّح بالفعل في وقت سابق من هذا العام: “أن الأفغان هم الذين يجب أن يؤَمّنوا بلادهم. والأفغان هم الذي يجب أن يبنوا أمتهم… وسنظل على استعداد لمساعدتكم في هذه الجهود بعد عام 2014.”
هذا الالتزام يصطدم بآمال الشعب الأميركي الذي لا يبرحه الشك في أن بناء دولة أفغانية مستقلة وقابلة للحياة أمر ممكن بسعر معقول. والسخرية واضحة. منذ “الحرب التي علينا أن نربحها” إلى “التنظيف والسيطرة والبناء”، وعد المسؤولون الأميركيون منذ سنوات خلت أن النصر كان أقرب من حبل الوريد، بينما كانت تقاريرهم الخاصة تشير إلى أننا منذ عشر سنوات ندور حول أنفسنا…
© منبر الحرية،24 أكتوبر/تشرين الاول2011