تُعد العلاقات الأوروبية-السورية مكوناً رئيساً من مكونات العلاقات الأوروبية-العربية التي عرفت فترات تاريخية صعبة مثل السيطرة الاستعمارية الأوربية التي انتهت منذ أكثر من نصف قرن. وما زال عامل عدم الثقة هو الطابع السائد للعلاقات، وعززته المخاوف العربية من أن تكون أوروبا تلك “القارة العجوز” تعمل لاستعادة سياسة الهيمنة “القديمة” التي يحدوها الطلب على الطاقة والمصالح الاقتصادية. وذلك تحت تسميات ومشروعات جديدة مثل: الأورو- أفريقية والأورو- عربية و المشروع الأورو- متوسطي الذي أعلن عام 1995، والمشروع الأمريكي المسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير عام 2003 والذي تحول فيما بعد عام 2004 على يد مجموعة الثمانية إلى مبادرة “الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع الشرق الأوسط الموسع وشمال أفريقيا.
وتمثلت بداية العلاقات الأوروبية-السورية بتوقيع المجموعة الاقتصادية الأوروبية (سلف الاتحاد الأوروبي) وسورية اتفاقية تعاون العام 1977، فيما تمثلت النقلة النوعية في كون سورية إحدى الدول الموقعة الاثنتي عشرة على الشراكة الأوروبية المتوسطية / إعلان برشلونة العام 1995 . فاتفاقية التعاون الموقعة عام 1977 تغطي بشكل أساسي المسائل التجارية. وتوفر على وجه الخصوص دخولاً معفى من الرسوم إلى سوق الاتحاد الأوروبي بالنسبة لمعظم السلع الصناعية السورية، ومد يد العون ” للبنية الأساسية الإنتاجية والاقتصادية” بسورية. كما أنها تشجع الحوار الاقتصادي بين الأطراف. وتم إجراء تعديلات على اتفاقية التعاون في 1986 و1994.
وتم لاحقاً، إحداث مرفق الاستثمار والشراكة الأوروبية المتوسطية التابع لبنك الاستثمار الأوروبي 2002، و بدء سياسة الجوار الأوروبية (ENP) 2003، وانعقاد الاجتماع الأول للجمعية البرلمانية الأوروبية المتوسطية (EMPA) 2004، واختتام مفاوضات اتفاقية الشراكة الأوروبية السورية والتوقيع عليها بالأحرف الأولى (تشرين الأول) 2006، و إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط بحضور الرئيس السوري (تموز) 2008، و إعادة التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة الأوروبية السورية (كانون الأول) 2008، و قيام مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي بفتح الطريق أمام اتفاقية الشراكة الأوروبية السورية (27 تشرين الأول) 2009.
وسعى الاتحاد الأوروبي إلى تطوير علاقة وثيقة مع سورية، تشمل الحوار السياسي وعلاقات التجارة والاستثمار ذات المنفعة المتبادلة، بالإضافة إلى التعاون المعني بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وقد استرشد التعاون بين الاتحاد الأوروبي وسوريا بالهدف الرامي إلى تعزيز جهود الإصلاح في سورية. وعمل الاتحاد الأوروبي بدعم خليط من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية على أساس أجندة الإصلاح الخاصة بسورية، التي كانت تتمثل في الخطة الخمسية العاشرة. واستندت إستراتيجية تعاون الاتحاد الأوروبي مع سورية إلى وثيقتين للبرامج تحددان الأهداف و مشاريع التعاون المشتركة.
وكانت ورقة العمل الإستراتيجية لسورية قد حددت الإطار الاستراتيجي للتعاون مع الاتحاد الأوروبي للفترة بين عامي 2007 -2013، بثلاث مناطق ذات أولوية للعمل هي التالية: 1-دعم الإصلاح السياسي والإداري، بما في ذلك تحديث الإدارة، واللامركزية، وسلطة القانون واحترام حقوق الإنسان الأساسية 2- دعم الإصلاح الاقتصادي ، بما في ذلك تنفيذ الخطة الخمسية، والإعداد لاتفاقية الشراكة الموقعة بالأحرف الأولى حاليًا والتحضير للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية 3- دعم الإصلاح الاجتماعي، بما في ذلك تنمية الموارد البشرية والتدابير المصاحبة لعملية التحول الاقتصادي.
وشكلت اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية، جزءًا من شبكة من اتفاقيات الشراكة المماثلة التي تم إبرامها مع جميع البلدان الشريكة الأورو-متوسطية (الجزائر، مصر،”إسرائيل”،الأردن، لبنان، المغرب، السلطة الفلسطينية وتونس). وتغطي اتفاقية الشراكة ثلاثة مجالات رئيسية:
العلاقات السياسية: توفر الإطار المؤسسي للحوار السياسي المنتظم بشأن القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وستكون أداة لدعم التفاهم المشترك.
العلاقات الاقتصادية والتجارية: ستعمل على إنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي وسورية من خلال تفكيك الرسوم الجمركية خلال 12 سنة. وستعمل كذلك على تسهيل التجارة من خلال التقريب التنظيمي، بالإضافة إلى الإصلاح القانوني والإداري والاقتصادي.
التعاون: تغطي الاتفاقية تقريبًا جميع مجالات التعاون التي تتراوح من التعاون في التعليم والتعاون العلمي، حول التراث الثقافي والحماية البيئية، إلى الصحة والزراعة والاستثمار ومكافحة الجريمة المنظمة.
والجدير ذكره، أنه تم التفاوض بشأن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية بين عامي 1998 و2004، عندما تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى. في ذلك الوقت، اعتبر الاتحاد الأوروبي أن الأوضاع السياسية غير مؤاتية لتوقيعه على الاتفاقية. في كانون الأول 2008، تمت إعادة التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاقية، عقب تحديث تقني يعكس التوسع الأخير في الاتحاد الأوروبي والإصلاحات التي أجرتها سورية منذ عام 2004. و في تشرين الأول 2009، وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالإجماع على أنها ترغب في التوقيع على اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وسورية . وردت سورية على مبادرة المجلس الأوروبي للتوقيع بطلب بعض الوقت لبحث الاتفاقية بصورة إضافية.
ويعتبر حاليا الاتحاد الأوروبي أكبر المانحين لسوريا بتوفير ما يزيد على 210 مليون يورو سنويا في شكل منح وقروض. لكنه خصص 129 مليون يورو للسنوات الثلاثة المقبلة (2011ـ2013).
والاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الرئيسي لسوريا، ففي عام 2008 استوردت سوريا سلعا بقيمة 6ر3 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي وشملت ماكينات (26 في المائة) ومعدات نقل (5ر8 في المائة) وطاقة (19 في المائة) والمنتجات الكيماوية (13 في المائة)؛ واستورد الاتحاد الأوروبي ما قيمته 7ر3 مليار يورو من سوريا، وتركزت هذه الواردات في النفط الخام (6ر86 في المائة) إلى جانب بعض المنتجات المصنعة والزراعية.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية السابق عبد الله الدردري قد أوضح أنه ما زالت في مجالات الصحة والتعليم والسياحة إمكانات هائلة. و لا بد من التركيز على مشاريع البنية التحتية، وأن مصرف الاستثمار الأوروبي أمّن ما يزيد عن 1.4 مليار يورو من القروض منذ عام 2000.
وتمت الإشارة إلى أن تطوير التعاون بين سورية والاتحاد الأوروبي يتطلب تحسين نوعية الخبرات والمساعدات التعاونية وتأثيراً أوضح بالنسبة إلى المواطنين السوريين. بالتعاون الذي يركز على بناء الموارد البشرية، يعد إظهار النتائج الملموسة والفورية على نحو واضح تحدياً.
ومع ازدياد الوضع في سوريا تعقيداً، وصدور قرار عن الاتحاد الأوروبي بعقوبات على سوريا، تتضمن فرض حظر شامل على الأسلحة وقيود تتعلق بالسفر وحرية التصرف في الممتلكات في حق شخصيات ممن ثبتت مسؤوليتهم عن أعمال عنف ضد المتظاهرين ورجال أعمال موالين للحكم.
ويرى محللون أن العقوبات الغربية على المقربين من الرئيس بشار الأسد ليست سوى إجراءات رمزية ستكون ذات تأثير محدود على النظام. ويقول جوشوا لانديس مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: الأوروبيون في وضع صعب، فمبادئهم في الديمقراطية والحرية تفرض عليهم أن يرفعوا الصوت بوجه هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان… لكن الواقعية السياسية تملي عليهم أن يتركوا باب الخروج مفتوحاً أمام الرئيس الأسد. ويقول فابريس بالانش، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة ليون وصاحب كتاب «المنطقة العلوية والنظام السوري إن الاتحاد الأوروبي يريد إن يعبر عن استيائه لكنه لا يمتلك إمكانات حقيقية لفرض عقوبات.
وفي سياق سياسي، أوضح المحلل السياسي الألماني شتيفان بوخن أنّ أحداث يوم النكبة (15 أيار) وعلى نحو خاص تلك التي جرت في الجولان السوري المُحتل، “لا يمكن أن تهدد الأمن الداخلي “الإسرائيلي”، بل بالعكس فإن مثل هذه الأحداث سوف تزيد الاستقرار الداخلي “الإسرائيلي”، لأنها توحّد الصف داخل “إسرائيل” وتزيد “الإسرائيليين” يقيناً أن الهدف النهائي للفلسطينيين هو محو “دولة إسرائيل” من الخريطة”.
وعلى ضوء تطورات الأحداث في سورية، كان أمراً لافتاً أن الشراكة الألمانية مع سوريا لم تمنع برلين من قيادة المعسكر المُدين لـ«قمع» الاحتجاجات، وأن تكون من أوائل الداعين إلى فرض العقوبات على دمشق. فمنذ بداية التظاهرات الاحتجاجية في سوريا، أولت الحكومة الألمانية اهتماماً واضحاً بالأوضاع هناك من خلال مراقبة التطورات والتعليق عليها ببيانات تنتقد أساليب السلطات السورية في معالجة الأحداث، وصولاً إلى استدعاء السفير السوري لدى برلين. المستشارة الألمانية، وكانت المستشارة أنجيلا ميركل، من أوائل القادة الأوروبيين الذين دعوا إلى عقوبات على سوريا. واقترحت منذ 27 نيسان الماضي على لسان المتحدث الرسمي باسم حكومتها شتيفن زايبرت، فرض عقوبات دولية على سوريا، رغم أن برلين كانت قد وقّعت مع دمشق في شباط الماضي اتفاقية لمنع الازدواج الضريبي، سبقتها اتفاقية في عام 2008 بشأن الإقامات غير الشرعية. وأيضاً على الرغم من أن ألمانيا تعدّ أول شريك تجاري لسوريا ضمن الاتحاد الأوروبي، ويؤلف التبادل التجاري بينهما 31 في المائة من إجمالي التبادل التجاري مع الاتحاد.
أما فرنسا فكانت سباقة في التدخل في الحدث السوري منذ أيامه الأولى عندما أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً تصعيدياً ضد دمشق يتضمن تعليقا على الاشتباك الذي جرى في ساحة المرجة بين مؤيدين ومعارضين للحكم في سوريا. على الرغم من اهتمام فرنسا في السنوات الأخيرة من حكم ساركوزي، بأداء دور في عملية السلام السورية – “الإسرائيلية”، و بالدور السوري الفرنسي المشترك في التعاطي مع الأزمات السياسية المتكررة في لبنان، إضافة إلى التنسيق العام في شؤون المنطقة.
وبوصول علاقة الاتحاد الأوروبي مع سورية إلى مرحلة الأزمة الحادة، مع توسيع الاتحاد الأوروبي دائرة العقوبات على سوريا، هاجم وزير الخارجية السوري وليد المعلم أوروبا مطالباً بعدم تدخلها في الشؤون الداخلية لبلاده، وقال:” سننسى أن هناك أوروبا على الخريطة وسنتجه شرقاً وجنوباً وبكل اتجاه يمد يده إلى سوريا “. ويُعد هذا الأمر انتكاسة كبرى في مسار العلاقة بين دمشق وبروكسيل وبداية عهد قطيعة مستديم.
© منبر الحرية،04 دجنبر/ديسمبر2011