لا حديث يعلو في مصر –بعيد الانتخابات البرلمانية إلا عن مستقبل الديمقراطية في مصر مع تزايد احتمالات فوز تيارات الإسلام السياسي بالأغلبية في تلك الانتخابات، لأن ذلك البرلمان هو من سيختار الهيئة التأسيسية التي ستضع الدستور المصري الجديد.
وعندما نتحدث عن الإسلام السياسي فإن الحديث لا يدور حول جوهر الدين الإسلامي أو جوهر أي دين من الأديان، وبالتالي ليس مثارًا ما هو الفهم الصحيح للإسلام أو الفهم الخاطئ للإسلام! إنما الحديث يدور حول فهم أفراد وحركات متطلعين إلى السلطة، حركات تسعى لإعادة هيكلة المجتمعات وتضع تبريرًا دينيًا لذلك. مع ضرورة التمييز بين علاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالمجتمع، ذلك أنه لا يوجد مجتمع ينتفي فيه تأثير الدين، حتى أكثر المجتمعات علمانية فيها مظاهر كثيرة لتأثير الدين، وإذا أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية كمثال نجد أن من أهم أعيادها هو عيد الشكر وهو عيد ديني. وإذا كان الدين له تأثير في المجتمع فهل يجوز أن يكون له تأثير في الدولة؟ بمعنى هل من حق أحد أن يتكلم باسم الدين ويُدلي بحكم ديني في الأمور السياسية مثل القول إن المشاركة السياسية هي أمر يتطلبه الدين أو الإفتاء بأن المشاركة في هذه الانتخابات أمر حرام؟ من المؤكد أن إقحام الدين في أمور خلافية لا يخدمه ولا يخدم الحياة الدنيا محل الحديث.
والملاحظة أن هناك الكثير من التيارات الشبابية وعديد الأحزاب المناهضة لتيارات الإسلام السياسي تدخل الانتخابات وهي خاسرة لأنها لم تستطع كسب قلوب وعقول الشارع المصري وركزوا على الظهور في وسائل إعلام مناصرة لهم ولخطهم السياسي ولم يركزوا على التواجد بين الجماهير بعكس التيارات الإسلامية التي تنشط منذ سنوات طويلة عبر تقديم الخدمات الاجتماعية عبر الجمعيات الأهلية الإسلامية تعبيرا عن الطابع الاجتماعي للإسلام الذي يحض الأفراد على العمل الاجتماعي الايجابي، وعلى بر الأغنياء والقادرين بالفقراء و ما ساعد على ذلك تنامي الحرص من جانب تيارات الإسلام السياسي على إحياء الممارسات الدينية وانتصار الايدولوجيا الإسلامية ولتحقيق هدف الأسلمة من القاعدة.
كما أن تيار الإسلام السياسي سيما الإخوان المسلمون طوروا من خطابهم السياسي، فمثلا بعد ان سادت في الخمسينات والستينات أفكار سيد قطب التي قسمت المجتمع إلى طليعة مؤمنة وحكومة كافرة، واعتبرت أن وسيلة التغيير هي الثورة عبر تنظيم تلك الطليعة. لكن منذ الثمانينيات أبدى الإخوان اهتماما ملحوظا بقضايا احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل المجتمع المصري، وشاركوا بفاعلية في الحملات السياسية التي أطلقتها المعارضة المصرية من أجل مواجهه أي اعتداءات من قبل السلطة على الديمقراطية وعلى حق المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم. وشاركوا في الثورة بعد ظهور بوادر نجاحها وطوروا تباعا من أفكارهم تطويعا لضرورات العمل السياسي وكان من أهم ما عدلوه مؤخرا هو أنهم “جماعة من المسلمين” وليسوا جماعة المسلمين.وما يزيد من اهمية شأنهم انهم يظهرون اكثر مرونة واعتدالا مقارنة بالتيارات السلفية في مصر التي فاجأت الجميع بقدرتها على الحشد في تظاهراتها الحاشدة في 29 يوليو الماضي وهم يصرون على إسلامية الهوية والدولة بعد الثورة ووفقهم فإن الديمقراطية مشروطة دائماً بالمرجعية الإسلامية.
فهل فوز تيارات الإسلام السياسي يعني هزيمة الديمقراطية وانتهاء الربيع الديمقراطي في مصر؟ .
في تقديري انه لابد من مراجعة ” النظرية ” الشائعة القائلة بان لدى الحركات الإسلامية في كل مكان عداءا فطريا للديمقراطية إذا وصلت للحكم. فالواقع أن هذه النظرية لا تستند لدليل تجريبى حتى الآن ولا يمكن إثباتها رغم أنها تقدم في الكثير من الأحيان باعتبارها في غير حاجة إلى إثبات، الأمر الذي يجعلها أشبه بنظرية ميتافيزيقية، أما الاستناد إلى تجربتي إيران و السودان في أحيان أخرى، فلا يفيدان كثيرا في دعم تلك ” النظرية “. فتصلح هاتان التجربتان للاستخدام في المجالات الدعائية. ولكن في مجال المناقشة الجادة و الدراسة المقارنة، فمن الصعب الاعتداد بهما. فتجربة إيران تعتبر خارج نطاق المقارنة من البداية، لان ” آيات الله ” وصلوا للحكم من خلال ثورة شعبية وليس عبر انتخابات حرة. وبالتالي فهي تجربة ذات طابع خاص في مجال النظم المقارنة، وعلى صعيد الإسلام السياسى أيضا لكونها تجربة شيعية. أما تجربة السودان فليس ثمة ما يؤكد تورط الجبهة القومية الإسلامية في الإعداد لانقلاب 1989، والتآمر على النظام الديمقراطي الذي كانت تعمل في إطاره والمرجح أنها اتجهت إلى تأييده بعد وقوعه. الأمر الذي يعكس انتهازية سياسية ونقصا في الأخلاق والتربية الديمقراطية لا يقتصر على الحركات الإسلامية في الواقع. وهذه قضية بالغة الأهمية فيما يتعلق بمستقبل الديمقراطية في مصر.
غير أن ذلك لا ينفي تفهم قلق القلقين من فوز هذا التيار، بسبب عديد العوامل مثل الافتقار للتقاليد الديمقراطية وغموض مبدأ الدولة المدنية بمرجعية إسلامية كما أن الحضارة الإسلامية – كما لاحظ عتاة المتخصصين في الفكر الإسلامي – لم تعرف عددا من المفاهيم الرئيسية في الممارسة الديمقراطية مثل التصويت بمعنى المشاركة السياسية كأسلوب من أساليب الممارسة الديمقراطية. والمجالس النيابية بغض النظر عن وظيفة تلك المجالس الحقيقية كتعبير نظامي عن الإرادات الشعبية. وكذلك الضمانات التشريعية أو النظامية لحماية الحريات الفردية في مواجهة الإرادة الحاكمة لم تعرفها كذلك الحضارة والتقاليد الإسلامية. والاهم من ذلك هو اختفاء مفهوم شرعية المعارضة السياسية.
كما أن ما يقض مضاجع التخوف على مستقبل البلد الديمقراطي هو تزايد التوترات المتصاعدة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة” الذي يحكم البلاد منذ استقالة مبارك في 11 شباط/فبراير و “الإخوان المسلمون” والتخوف نابع من أن التوترات المتصاعدة بين الاثنين قد تفرز بيئة سياسية مضطربة على نحو متزايد، مما سيُعقد قيام مصر كدولة مستقرة وديمقراطية.
© منبر الحرية،06 دجنبر/ديسمبر2011
4 comments
نعيم الغول
8 ديسمبر، 2011 at 5:24 م
إنما الحديث يدور حول فهم أفراد وحركات متطلعين إلى السلطة، حركات تسعى لإعادة هيكلة المجتمعات وتضع تبريرًا دينيًا لذلك.
اختلف مع سيادتك لانك تهمل فئة ليس همها ان تصل الى السلطة ثم تضع التبرير الديني كما يحدث في السعودية بل افراد يعتقدون ان الدين الاسلامي اصلح حل للانسان على الارض. ومن يعادونهم لا يعتقدون ذلك وهذا اساس المشكلة. وهنا لا يترك لهؤلاء ان يصلوا ليضعوا الدين موضع التجريب فاذا نجح كان المطلوب واذا لم ينجح فيثبت انه ترهات وانه ليس من عند الله وسيرفضه الشعب. ما يحصل هو انه يرفض من النخب المثقفة والعلمانية والليبرالية والاشتراكية سلفا وهذا غير منطقي. اعطوهم الفرصة كما تفعل الشعوب وكونوا حكاما نزيهين ثم احكموا. ببساطة.
عراقي
11 ديسمبر، 2011 at 8:44 ص
الاخوه الشرفاء اصحاب التضحيات المستمره المصريين الابطال سرقت ثورتكم سلموكم للماسونيين باسم الاخوان المسلمين ثقو هم الاخوان الماسونيين وليس مسلمين ستندمون وستندمون وتتمنون الذي جرى لم يكن
فؤاد انور عبد الرحمن
12 ديسمبر، 2011 at 12:19 م
يعلم الاخوان والسلفيون انهما حصلا علي ترخيص حزبيهما بصفة احزاب مدنية وليست دينية لكن كلا العنصرين اعتبرا الحصول علي الترخيص مناورة للدخول الي عالم السلطة والسياسة وان ذلك ليس نهاية المطاف وان كل شيء قبل للتغيير مادام المكان ومادام الزمن ويعرف الكاتب ان التصريحات المتناقضة الصادرة من الجماعات الاسلامية تعطي اشارات واضحة علي القادم ومايحدث في تونس اليوم هو مثال عملي علي جوهر تلك الجماعات فان الابتسامات والوعود والامتثال لصيغ ومباديء الديمقراطية ماهو الا مدخل للحصول علي السلطة ويلي ذلك علي الفور الدخول في متاهات الديكتاتورية السوداء باسم الدين فافكارهم وقيمهم الراسخة تصور لهم ان ماعداهم غير مؤمن او كافر لانه ببساطة لايؤمن بثوابتهم وتاويلاتهم حول الاسلاموتسمع مثلا من يقول ان من تخلع الحجاب وهي مؤمنة بانه فرض تكون عاصية فان لم تؤمن انه فرض تكون كافرة هذا مثال عابر علي صيغ الايمان والكفر عند تلك الجماعات وان تخليها عن ذلك يكونوا قد خانوا عهد الله واصبحوا كفارا مثل الباقين وهذا عندهم ليس مجالا للمساومة او الجدل فهل مصر في حاجة الي الغرق في تلك المتاهات وعلي الجميع ان يدرك قبل فوات الاوان ضرورة انصياع تلك الجماعات لمبدا الدولة المدنية وان العكس غير مقبول وان التخوف من تلك الجماعات له مايبرره فالسلطة الدينية لاتختلف ابدا عن السلطة العسكرية حيث تكون اطاعة الاوامر فرض وواجب والتزام وليس هناك مجالا للاختيار اي ان تلك الجماعات ببساطة هي وجه العملة السيء الاخر للديكتاتورية واسواها لانها بشعارات الدين وانا لا اثق للحظة بوعود هؤلاء او ابتساماتهم لانهم لاحق لهم في ان يعدوا بالاعتدال او الديمقراطية او الحرية او العدالة او تداول السلطة لان هذا فرض عليهم منذ ان قبلوا بمبدا مدنية الدولة عند تقدمهم بطلبات والحصول علي تراخيص احزابها ومن حق الدولة في حالة نكوص هؤلاء ان تسحب تراخيص احزابهم ويصبح ممثليهم المنتخبين فاقدي الشرعية لانهم نقضوا عهد مدنية وديمقراطية الدولة
m.s.n
12 سبتمبر، 2012 at 2:34 ص
مدح الديمقراطية ليس سلاح ترفعونه بوجهة من يخالفكم الرأي
والديمقراطية التي يقبلها أمثالي وفق فلسفات مجتمعاتنا لا وفق المجمتعات الغربية والمعجبون بهم
فنحن ننهج مهجا معتدلا في أقتباس ما هو نافع وندع ما يخالف قيمنا وثوابتنا ، أما مقالة إما أن تأخذوا كل ما جاء به الغرب أو تدعو الكل فمقال عفى عليها الزمن
واعتذر أني كتبت ما كتبت إضاءة وإلا …. ولي عودة أخرى