رشيد أوراز* ومحمد طيفوري**
ينظر دائما إلى التجربة المغربية باعتبارها أحد النماذج العربية التي استطاعت دمج الإسلاميين في مؤسسات الدولة. لكن لا يعني ذلك عمليا ترك هامش كبير أمامهم، بل يعني وضعهم ضمن نسق يستطيعون من خلاله التوهم بممارسة سلطة رقابية على السلطة التنفيذية (المعارضة من خلال البرلمان)، وإغرائهم في الوقت ذاته بإمكانية ممارسة سلطة تنفيذية لو تأتى لهم ذلك من خلال عملية انتخابية سلمية.
يجب الاعتراف الآن أن 14 سنة من هذه التجربة (دخول العمل السياسي المؤسساتي) لم تستطع إيصال الإسلاميين إلى الحكم، بل احتفظت بهم في الهامش السياسي لمدة طويلة، بل لم يستطيعوا ممارسة أي سلطة تنفيذية وإن بشكل صوري لو لم يمهد الربيع العربي لذلك. لهذه التجربة سلبيات كثيرة منها تأجيل ما يعتقده المواطن البسيط – الذي يتحول إلى ناخب حاسم- مشروعا جديا وقادرا على رفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية أمام مجتمع ينخره الفساد والريع والأمية والبطالة.
لم يكن بإمكان خطط الدولة المخزنية أن تستمر إلى ما لا نهاية، فالربيع العربي الذي كنس الأنظمة الاستبدادية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، شكل عامل ضغط على السلطات لإجراء انتخابات شبه شفافة مكنت الإسلاميين من الفوز بربع مقاعد مجلس النواب، لكن ذلك لا يمكنهم عمليا من ممارسة السلطة التنفيذية لوحدهم، بل تقاسموا المناصب الحكومية مع أحزاب يمينية وأخرى ذات ماض شيوعي (حزب التقدم والاشتراكية)، ولا يشكل ذلك في هذه المرحلة عائقا أمام أي أحد لدافع براغماتي يجعل الملكية والحكومة والمعارضة معا، يضعون ضمن أولوياتهم النجاة من امتحان ضغط الشارع بأي ثمن.
لا يعتبر الإسلاميون أنفسهم عموما أصحاب برامج حزبية، بل أصحاب رسالة تشريعية (سماوية). بإمكانهم رفض هذا الفكرة، لكن الشعارات الكبرى التي يحملونها تؤكد تلك الحقيقة التي بنيت عليها التنظيمات الإسلامية منذ بداياتها، ومنها شعار (الإسلام هو الحل)، وقد يكون شعار محاربة الفساد مضمرا لنفس المحتوى بلغة العصر. لكن برامج الإسلاميين الانتخابية التي يتم إعدادها في الساعات الأخيرة تشبه في مضمونها وتطلعاتها وأرقامها برامج جميع الأحزاب الأخرى.
لقد لاحظنا جميعا كيف انحصر النقاش بين الأحزاب – بما فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامي- خلال الحملة الانتخابية في الفرق بين درجات الأرقام التي يقدمها كل طرف لا في نوعيتها، فالكل يعتقد أن بإمكانه تحقيق رقم نمو معين وخفض معدل البطالة إلى مستوى معين. لكن الاستراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى، في المجال التعليمي وتكوين القدرات البشرية وفي المجال الصناعي والثقافي وغيرها، يكاد لا يتحدث عنها أحد باعتبارها لا تشكل سؤالا انتخابيا.
كما يعتقد الإسلاميون، مثل غيرهم، أن مجال الأوراش الكبرى يبقى من اختصاصات الملكية، ما سيفرض نوعا من التحدي المستتر لتجربة العدالة والتنمية في الحكم، إذ سينحصر مجال اشتغالهم في تدبير اليومي وفي مشاكل تسيير الإدارات العمومية ومواجهة احتجاجات المواطنين، وسيحرمهم من اكتساب القدرة على مواجهة من يعتبرون أنفسهم حملة المشاريع التي تمثل مستقبل البلد، والتي لا يجب أن يقترب منها أعضاء الحكومة الحزبيين. ستبرز العقيدة التكنوقراطية مع مرور الوقت كتحد حقيقي أمام أي حكومة لا تملك القدرة على مواجهة من هذا النوع، ويعد وجود وزير تكنوقراطي مكلف بالفلاحة والصيد البحري – ذي صفة حزبية في الحكومة السابقة – من بوادر هذا الصراع، فوجوده في الحكومة لن يكون دعما لها، ولكن سيبرز الدور الذي يلعبه أمثاله كمستشارين للملك أو كمديري مؤسسات عمومية كبرى في تدبير الملفات والصفقات والمشاريع الضخمة في البلد.
على المستوى المؤسساتي، توجد الحكومة الجديدة أمام وضع غاية في التعقيد يحد من هامش المناورة لديها، فالدستور يبقي على اختصاصات واسعة للملك في مجالات رئيسية، وحكومة الإسلاميين لا تتوفر على الأغلبية التي تسمح لها بأفق مناورة أكبر، فهي تحمل في أحشائها ألغاما عديدة ستسمح بدون شك لمحيط القصر باستغلالها، هذا بالإضافة إلى حداثة عهد وزراء حزب العدالة والتنمية بالتسيير في الحكومة وضعف خبرتهم في مجال إدارة القطاعات الحكومية.
رغم ذلك لم يجد أعضاء الحكومة من الحزب الإسلامي وعلى رأسهم رئيس الحكومة عملا يفتتحون به مسيرتهم غير إرسال إشارات مباشرة ومضمرة (تقليص النفقات وحسن تدبيرها، عدم المساس بالحريات الفردية، التأكيد على تحصين المكتسبات السابقة…)، ما يجعل أسئلة جوهرية تثار من قبيل: هل التركيز على البساطة والشعبوية يأتي كخيار تواصلي من لدن الإسلاميين بعد استشعار محدودية الأفق في القضايا الكبرى للبلاد؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خيار تكتيكي يبعث من خلاله الإخوان رسائل مشفرة إلى من يهمهم الأمر، مفادها التميز والنوعية الذي تتسم به الحكومة الإسلامية، والطموح الذي يحدوها لإضافة قيمة نوعية إبان فترة حكمها؟
في سياق آخر، قبل أن نعرف نتائج هذه التجربة، فإن البعض يصر على إسقاط نجاح التجربة التركية على “الصحوة” التي تعرفها بعض البلدان العربية ومنها المغرب، الذي يتقاسم معها وجود حزب سياسي بنفس الاسم فقط لا غير، مع تسجيل اختلافات جوهرية بين الحزبين (النشأة، التطور، الإيديولوجيا…) من ناحية، وبين الدوليتين (تركيبة نظام الدولة، طبيعة المؤسسات،…) من ناحية أخرى، فلا مقارنة إذن مع وجود الفارق. والمحصلة دولة أتاتوركية علمانية في سياق أوروأسيوي ذات أمجاد الإمبراطورية العثمانية، تختلف جذريا عن تراكمات الدولة المخزنية المغربية الشمولية في المجال الأفروعربي.
ينضاف إلى ذلك أن حزب العدالة والتنمية التركي أسس نتيجة عملية نقدية حادة لتجربة الشيخ نجم الدين أربكان في الحكم والسياسة، قادها شباب العمل الإسلامي التركي بكل جرأة، فثاروا على الثوابت الحزبية، وقبلوا الانخراط في المؤسسات العلمانية لدولة تركيا، وبحثوا عن الاندماج الأوربي الذي كان من ممنوعات التجربة الإسلامية السابقة لهم.
هذه العملية النقدية لم تحصل في المغرب لدى التنظيم الإسلامي، مما جعله رهين التصور الدعوي ومتسلح بزاده الفكري الراكد، ولم يتمكن حزب العدالة والتنمية طوال الفترة الماضية من ممارسة سلطة تنفيذية تؤهله للقيام بعمليات نقدية في الفكر والممارسة. كان بإمكان ذلك أن يغير كثيرا من قناعاتهم، إذ لا تخطئ عين الملاحظ التغييرات التي طرأت في فكر الحركات الإسلامية بعد ممارسة السياسة. وهي التغيرات التي راهنت عليها حتى الدول الغربية في تجربة حماس الفلسطينية.
هذه العوامل مجتمعة تجعل وجود العدالة والتنمية الإسلامي المغربي محكوما بإكراهات متعددة، منها ما هو ذاتي مرتبط ببنية التنظيم وفكره، كمشكل البرنامج الحزبي والتصور السياسي لدولة القانون، ومنها ما هو موضوعي مرتبط ببنية الدولة المخزنية المغربية التي تحسن التكيف مع الأزمات وتلتهم الإيديولوجيات الحزبية، كما حصل سابقا مع حزب الاتحاد الاشتراكي في تجربة حكومة التناوب.
ولن يتبقى للديمقراطيين من انتظارات ربما غير ما ستسفر عنه هذه التجربة من احترام للدستور والمؤسسات – رغم ضعف استقلاليتها-، ومن ترسيخ لمبدأ التناوب على السلطة وتوزيع حقيقي للسلطات بين كل المتدخلين (الديمقراطية) ثم الحد من سلطة الدولة شيئا فشيئا (الحرية).
*: باحث في العلوم الاقتصادية
**: باحث في العلوم القــــانونية
© منبر الحرية،20 يناير/كانون الثاني2012
2 comments
يوسف بن تاشفين
30 أغسطس، 2012 at 10:23 ص
بإسم الله الرحمان الرحيم أولا شكرا للأستاذين صراحة ما يثيرني في أغلب التقارير والتعاليق الخاصة بهذا الموضوع هو الخلط بين الحركات و الأحزاب الإسلامية في العالم العربي ووضعها جميعا في بوتقة واحدة وهذا خطأ منهجي خطير يجب معالجته بقرائة تجارب هذه الحركات والاحزاب بموضوعية التي للأسف تغيب عن أغلب إن لم أقل -للأسف- عن كل من قرأت لهم فشخصيا ورغم أن تخصصي تقني وبعيد كل البعد عن مجال السياسة والدين إلا أن علوم المنطق يمكن تطبيقها على مختلف مجالات الحياة و تجربتي وملاحظتي قادتني إلى أن هناك إختلاف كبير وشاسع بين الحركات الإسلامية المغربية بل أجد نفسي قريبا من احداها بينما قد أصل إلى كره أخرى و لست فريدا ف دائما من خلال الملاحظة و معايشة الواقع أجد أن هناك إختلافا بين أبناء هذه الحركات يصل أحيانا إلى التصادم. فكيف بعد هذا نضعهم جميعا تحت راية الإسلام هو الحل أو أن نصنفهم كإخوان -صحيح أنهم جميعا اخوان في الإسلام لكن ليس في السياسة- و إن كانوا جميعا يؤمنون أن الإسلام فيه الحل (و ليس الحل) فقد اختلفوا في المنهج و كل له إجتهاد.
أما فيما يخص مراجعات الحركات الإسلامية المغربية فقد اتفق معكم فيما يخص بعض الفصائل لكن خطأكم الأول بوضعكم جميع تلك التنظيمات في بوتقة واحدة قادكم إلى إسقاط أخطاء بعضها على الآخرين فمثلا العدل والإحسان لم تتجرء على دخول بيت المخزن بينما فعل ذلك البيجيدي و العدل والإحسان لم تغير أبدا من سياساتها بينما البيجيدي يحاول أن يغير خطابه ليتلائم مع مواقعه و بينما العدل والإحسان يؤمن بالتغيير الجدري لحد إيمانه بالخرافة ف البيجيدي يحاول أن يكون أكثر واقعية من خلال نهجه سياسة الإصلاح من الداخل وفي إطار الإستقرار.
Debra
8 أغسطس، 2016 at 7:56 م
at anonym: denke ich auch. was mir beim aufkleben der kotnineu-ausschnmtle noch auffiel: rothenbühler scheint auch negative erfahrungen mit lehrern gemacht zu haben. denn schon öfters äusserte er sich sehr herablassend über diesen beruf.