عندما كان يُردد من هنا وهناك (من قبل المراقبين وأصحاب الرأي) بأنّ الموقف الروسي سيكون إيجابياً أي لصالح الثورة السوريّة، حيث تفاءل الكثيرون (السوريين وغيرهم) ظناً منهم بانّ الموقف الروسي لن يكون معيقاً لتمرير المبادرة العربيّة، التي صارت الأمل الوحيد لكسر عظم الحلول الأمنيّة ، في مجلس الأمن، ولعل مرد هذا التفاؤل يعود إلى بعض التصريحات العاطفيّة ،فارغة المحتوى، من قبل الدبلوماسيّة الروسية، سواء أكانت في كواليس الاجتماعات أو بعض التسريبات الصادرة من بعض المسؤولين الروس في موسكو، يرد إلى ذهني ما كان يقوله الكُرد قديما عن الروس، إذ يسمي الكُرد الروس ب” كاوي خنكر” معناه بالعربي ” الثور التنبل”، إذ هذا النوع من الثيران يبدو لك ودوداً أليفاً ويمكن الاعتماد على طواعيته، إلا انه حين يلزم، نراه فجأة يرفس ويثور ويصبح كائنا آخر لا مفر من تركه دون جدوى، ولعل هذه الصورة النمطية عن الروس لدى الكُرد بدت صحيحة حينما راقبنا تطورات الموقف الروسي في مجلس الأمن في جلسته التصويتيّة الأخيرة.
بدت روسيا في هذه الجلسة كما لو أنها حريصة أكثر من المجتمع الدولي عن أهميّة الاستقرار في سوريا متجاهلة موقفها الذي يمكن أن ينعكس سلباً على الوضع الأمني والسياسيّ السوريّ في ظل العنف المفرط، حيث لا يمر يوم وإلا يسقط الشهداء بالعشرات، هذا عدا عن المخاوف من أن تصبح الحرب الأهليّة عنواناً للمرحلة السوريّة.
ولا أظن أن اليساريين والحداثويين السوريين واللبنانيين والمصريين الذين لهم تجربة حيّة مع روسيا التي ترى بأنها الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي السابق قد نسوا خذلانهم من قبله، ففي الوقت الذي كان هؤلاء اليساريون والحداثيون قد ناضلوا لترويج الإيديولوجيّة السوفيتيّة وكانوا يدفعون ثمناً لهذا النضال، كان قادة الاتحاد السوفيتي يعززون العلاقة مع أنظمتهم، ويرونها أنظمة تقدمية، في حين كانت هذه الأنظمة تدك باليساريين في السجون. بمعنى آخر ومنذ أن كانت روسيا في مقام قطب مؤثر بالموازاة مع القطب الغربي كان الروس يخونون مبادئهم، و كانوا يتعاملون مع الأنظمة المدعيّة للاشتراكية على حساب رفاقهم الشيوعيين، ففي الوقت الذي كانوا يتقاسمون مع “رفاقهم ” في الاتحاد السوفيتي (السابق) الفكر والأيديولوجيّة، كانت روسيا (الاتحاد السوفيتي السابق) تغض النظر عن ما يُمارس بحق “الرفاق” في المنطقة العربيّة مع إنهم كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم الثوريين.
ونعتقد أن السوريون واللبنانيون يتذكرون كيف تجاهل الاتحاد السوفيتي وغض الطرف عن ظروف مقتل فرج الله حلو (القائد الشيوعيّ اللبنانيّ) وكذلك ملاحقة الحزب الشيوعيّ السوريّ واللبنانيّ من قبل نظام جمال عبد الناصر الذي رأى السوفييت بأنه “تقدمي”، ولهذا من السذاجة بمكان ونحن نعرف كم أن الروس خذلوا رفاقهم بالفكر والإيديولوجية أن نعتقد أنهم لن يخذلوا الشعوب والثوار المنطقة العربيّة، فالرهان على الموقف الروسي انّه ربما يتغير لصالح ميزان قوى التغيير هو رهان خاسر حتى انّه ربما لا يحتاج إلى إضاعة الوقت والجهد الثوريّ. الروس لا يغيّرون موقفهم المعيق تجاه التغييرون، ومثلما لم يفعلوا في الماضي لن يكونوا مستعدين أن يفعلوا ولو لمرة أمراً إيجابياً مع الثورات العربيّة.
في هذه الحال يكون الرهان على الذات، على الثورة فقط ،ربما، يفتح الآفاق نحو نجاح الثورة، وذلك بعد قيام المعارضة ،بكل أصنافها، على المراجعة الذاتيّة وكشف نقاط الخلل، وكيف أن الثورة بدأت سلمية وانتهت إلى المراهنة على العامل الخارجي (الإقليمي)، وبعده على العامل الدوليّ، مع أن الثورة بدأت وفي ذهن الثوار أن الرهان على العامل الخارجي ليس دائماً رهان رابح، ولعل الشريحة الكبيرة من مكونات الثورة حاولت المستحيل أن لا يتحول العامل الخارجي إلى جزء من مقومات النجاح في الثورة السوريّة ولعل السبب يكمن في حساسيّة هذه الشريحة من العامل الدولي الذي لا يُثق به، والخوف من أن يؤثر في معنويات الثورة في القاع الشعبي، حيث هذا القاع له حساسيّة وعدم ثقة بكل الدول التي خذلت التغييريين والحداثويين في 2005 أي فترة “ربيع دمشق”.
وكذلك رأينا كيف أن الميزان تحول من ضد قوى 14 آذار لصالح 8 آذار والانقلاب الذي حدث مع وليد جنبلاط، حيث قصر المجتمع الدولي بالضغط كما يجب على النظام السوريّ، عندما قام هذا النظام بحملة اعتقالات ضخمة على المناضلين السلميين من نشطاء المجتمع المدني وقيادة “إعلان دمشق” وزجهم في السجن.
الثورة السورية بدأت سلمية وكان من الأفضل لو بقيت كذلك، إلا أن الحلول الأمنيّة وقمع الغليان الشعبيّ والشبابيّ أفرزا معطيات ووقائع على الأرض، وما أن تبنى النظام الحلّ الأمني متوهماً بأنه العصا السحرية التي ستنقذه وتخلصه من الشارع المنتفض، حتى ظهر على السطح معطىً آخر يقف جنباً إلى جنب مع الحراك الشارع ألا وهو: الجيش السوري الحر.
هذا الجيش الذي لا يمكن للثوار إدارة ظهرهم له، ولا يجوز أخلاقياً ووطنياً، ولعله صار جزءاً من مكونات الثورة، كما أن تحويل هذا الجيش الحر إلى مكون مدني يبتعد عن السلاح يحتاج إلى مساعدة النظام على أن يقوم هو أولاً بإفراغ المدن من المظاهر العسكرية، والتخفيف على المجتمع من وطأة الأجهزة الأمنيّة. عند ذاك يمكن الحديث عن مدنيّة الثورة وسلميتها .
ولعل هذا إن حدث فهو خطوة مهمّة في الطريق إلى التغيير الحقيقيّ، ولعله سيكون مدخلاً مهماً في تفعيل العمليّة السياسيّة والديمقراطيّة المرتكزة على حالة من المظاهرات، وان كان هذا يضرّ بمصلحة هذا فان جمهوره يحق له الخروج للمظاهرة وان كان لصالح ذاك فان من حق جمهوره أن يتحول إلى عامل ضغط على أن يكون الضغط فقط : الناس والشعب.
إلا أن ما نقوله يبدو صعب المنال مع هذا النظام الذي قيل له أحسم الأمر بطريقة الخطف خلفاً. ولعل هذه الخطوة لو حدثت لكنّا لا نحتاج إلى مبادرة لا الروسيّة ولا العربيّة حيث المبادرتين تفتقران إلى الجديّة وإلى شيء من عدم الثقة، العربية تطالب بتسليم الصلاحيات إلى نائب الرئيس، ونحن نعرف أن نائب الرئيس لا يختلف كثيراً عن غيره وهو من مكونات النظام ومن صانعيه، وكذلك مبادرة الروس التي تفتقر إلى الجديّة وهم اقترحوا حواراً غير رسمي تحت راية الروس دون مشاركة الأطراف الدوليّة، بمعنى أن الروس يريدون قياس الوضع بما يناسب أمزجتهم وهم قالوا أنهم لم يصوتوا لصالح المبادرة العربية لأنّ هذه المبادرة تهدف إلى التغيير النظام .
ولا نستغرب أن يكون الروس مثل نظامنا الذي ،حتى الآن، لم يصل إلى القناعة بانّ تغير النظام هو مآل الثورة، وهو رغبة الشعب السوري، وكأنّ من غير هذا النظام لن تتحقق حياة أفضل للسوريين، وكأن التغيير سيكون معيقاً للتواصل مع المصالح الدولية في الشرق الأوسط..!
© منبر الحرية،18 فبراير/شباط2012
2 comments
نور
22 مارس، 2012 at 6:03 ص
تتكلمون وتطبلون للثورة …هل تعرفون ماذا يفعل من تدعوهم ثوار في بلدي سوريا ..قتل .خطف .اغتصاب النساء .ارهاب .تخريب المنشات العامة اللتي هي ملك لكل السوريين .السؤال هنا من اعطى هؤلاء الحق في تخريب بلادنا من اعطاهم الحق في انتزاع الامان من سوريا ….سؤال اخر هل موقف السعودية باعطاء الضوء الاخضر لمايدعونه بالجهاد ضد الشعب السوري هو لمصلحة سوريا ام لمصلحة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
احمد العمر
22 مارس، 2012 at 6:09 ص
السلام عليكم
للاسف اقرأتكم للاحداث الدائرة في سوريا وموقف روسيا خاطىء 100/100ايها العرب افتحوا عيونكم وانظروا ماذا تفعل بنا دول الخليج …يريد زعامات النفط القضاء على اخر نفس للمقاومة في نفوس الشعوب العربية …ماذا تعني تلك الفتوى اللتي يصرح بها مفتي السعودية بعدم التعرض لليهود والعمل على اغلاق الكنائس اليست هذه الفتنة بعينها هذا هو الاسلام الذي دعانا اليه رسولنا الكريم هذه هي طريقة الاسلام في التعامل مع الاديان الاخرى اين هو مبدا الاتسامح الديني وتقبل الاخر