نوح الهرموزي7 مارس، 20120
لقد أصبح التخويف من الإرهاب المبرر الرئيسي لتقييد الحريات، بل إن هذا المفهوم بات يستخدم لتبرير إجراءات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مشينة وتافهة. ومن الواضح جدا أن الدول أصبحت تعمل على خلق الاعتقاد لدى المواطنين أن هناك من يريد قتلهم، وإذا لم يسلموها حريتهم فسيصبحون في خبر كان.....

ادم ألوبا*

لقد أصبح التخويف من الإرهاب المبرر الرئيسي لتقييد الحريات، بل إن هذا المفهوم بات يستخدم لتبرير إجراءات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مشينة وتافهة. ومن الواضح جدا أن الدول أصبحت تعمل على خلق الاعتقاد لدى المواطنين أن هناك من يريد قتلهم، وإذا لم يسلموها حريتهم فسيصبحون في خبر كان، هذا مع العلم أن احتمالات الموت جراء حادث مادي أكبر ألاف المرات من احتمال الموت جراء عمل إرهابي، ومع ذلك فالكثيرون يستجيبون لهذه الدعوة بكل سعادة واطمئنان.

و كانت سياسة التخويف محل انتقادات واسعة من طرف العديد من المفكرين ودعاة الحرية، حيث صرح روجر كوهين لجريدة النيويورك تايمز أن هناك متاجرة واضحة بعملة القلق الإنساني من أجل تحقيق أهداف معينة، كما قال كلين كرينوالد أن الحكومة بمجرد ما تصرخ أن هناك إرهابا مرتقب حتى ترتفع نسبة الخوف ويصبح كل ما تقوم به مبررا وشرعيا.

ومن المعروف أن أية عملية تهديد للأمن الشخصي للمواطنين من شأنها خلق حالة خوف وهلع بين صفوفهم، وهو ما يجعل من مسألة إقناعهم بالتنازل عن حريتهم أمرا سهلا، ولقد تم استخدام هذه السياسة في العقد الماضي حيث انهارت صفوف المواطنين بشكل كبير بسبب الخوف من العمليات الإرهابية، وهو ما حول بريطانيا مثلا إلى مجتمع رقابي، ودفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى زج أكثر من 3% من سكانها إلى السجون أو جعلهم تحت المراقبة، أما في كندا فيتم إنفاق مليارات الدولارات على السجون من أجل استيعاب المجرمين، ومنهم من لم يتم تقديم أي تقرير عنه للان.

لقد خلقت سياسة التخويف من الإرهاب حالة نفور وقلق من الأجنبي، وللأسف أن هناك دائما سماسرة يسعدهم استغلال رهاب الأجانب، والنتيجة هي إجراءات تمييزية، كالجدار الفاصل على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا تقديم رشوة لدول شمال إفريقيا من أجل محاربة الهجرة الغير قانونية، ويبدو أن هناك من يعتبر أن سياسة التخويف والترهيب هذه وصمة على جبين المحافظين أو اليمينيين، حيث يقول وزير العمل الأسبق روبرت ريك ” لقد طبق الكونغرس عقوبات قليلة لدرجة أن شركات خاصة تعاملت بلامبالاة مع التنظيمات وتزايدت المخاطرة بالغرامات، كما أن العديد من الشركات عملت كل ما في وسعها للحصول على المزيد من الأرباح المضافة، وإذا لم تتخذ الحكومة إجراءات صارمة وتفرض عقوبات كبيرة وتقوم بتطبيقات قانونية فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى كوارث كبيرة خاصة على مستوى البيئة وتراجع سوق المال.

ولنلق نظرة أكثر تمعنا على مسألة رهاب الأجانب… ألا ينتقد بعض المحافظين الهجرة المفتوحة لأنها تأتي بأناس يحملون أسماءا غريبة ويحتلون الوظائف ويهددون سلامة المواطنين. الواقع أنهم يقومون بذلك ولكن في نفس الوقت هناك إجحاف كبير ضد الأجانب، ولقد اعتبر العديد من الكنديين أن بيع مؤسسة بوتاش التابعة للمدينة ساسكاتشويان لمجموعة من الاستراليين يحمل في طياته خطط شريرة اتجاه سيادة البلاد وحرمان الكنديين من الوظائف، كما أن نائب رئيس جمعية بائعي الكتب الكندية وبعد أن سمحت الحكومة الكندية لشركة أمازون (وهي شركة تبيع كل منتجاتها عن طريق الانترنيت) بأن تفتح مركز توزيع كندي حذر قائلا :” تأتي الشركات التي يملكها أغنياء أجانب إلى كندا وتعيث فسادا بواقع ثقافتنا…إن هذا الأمر لا يؤدي إلى تحقيق التكامل داخل المجتمع بل يؤدي إلى تدمير كل المنافسين.

كما أن ممثلوا ائتلاف فناني السينما والتلفزيون والراديو الكنديين صرحوا للجنة الدائمة في مجلس العموم أن “إعطاء الملكية لوسائل الإعلام الأجنبية هو أمر مأساوي وسيؤدي إلى فقدان أصواتنا وذلك لأن الإذاعات الكندية مهمة وتخدم ديمقراطيتنا وهوياتنا الثقافية الفريدة، ونحن لا نستطيع أن نسمح لها بأن تقع بأيدي الأجانب ….فهؤلاء يريدون أن يستنزفوا اقتصادنا ويمسحوا ثقافتنا…وبالمناسبة فهم يريدون أيضا تدمير ديمقراطيتنا، والحكومة هي من يملك الحل لهذه المعضلة”.

هناك جانب آخر يشغله من يؤيد صلاحيات الحكومة الواسعة وهو السياسة السيئة على المستوى البيئي حيث يسمح القلق اتجاه كوكبنا من قبيل تلوث الهواء والماء وانقراض بعض الأجناس والتغيرات المناخية، بأن يعطي صلاحيات واسعة للحكومة لتمرير القوانين التي تريد وإلا سنصبح من جديد في خبر كان.

ولا تقف الحكومة عند هذا الحد بل إنها تلجأ أيضا إلى أسلوب اللعب على مشاعر المواطنين، وإذا تمعنا في خطاب رئيس الحزب الديمقراطي الجديد جاكسون لا يتون، نجده يحذر من أن كندا معرضة للتراجع إلى عصور أكثر بدائية، أي العصر الذي كان فيه الناس يعتمدون فقط على أنفسهم ولا يستطيعون دفع تكاليف العناية الصحية.

ولقد حصل حزب ألبيرتا الحر على وثائق سرية مفادها أنه سيتم خصخصة الرعاية الصحية وهو ما يعني نهاية الرعاية الصحية للدولة بمنطقة ألبيرتا وربما بكندا كلها مستقبلا، وهو ما يعني ضمنيا أيضا أنه إما أن ندعم الحكومة بالضرائب المالية ونسمح لها بالسيطرة على الشعب أو سيموت الفقراء في الشوارع بينما الأغنياء يعينون فرقا كاملا من الأطباء لخدمتهم.

لكن الواقع أن هناك العديد من الأمثلة التي توضح كيف أن الحكومة لا يمكنها حماية المواطنين حماية كاملة {حوادث في مكان العمل، غذاء غير امن، ألعاب غير أمنة، تدخين، حوادث بأحواض السباحة، غبار مناشير، دليل السياحة البليد، الأسعار الباهظة….} وعدد لا منتهي من الأحداث التي من شأنها أن تقودك إلى الموت المحتوم دون أن تتمكن الحكومة من حمايتك  منه مع أنها تتظاهر بذلك، وتأخذ مقابل ذلك من حرية المواطن، ولذلك فالأفضل تذكر ثلاث أمور:

1ـ أن الأمور السيئة سوف تحصل

2ـ أن الحكومة لا تملك عصا سحرية يمكن أن تدفع بها هذه الأمور السيئة

3ـ أن الحرية باهظة الثمن ولا يجب التنازل عنها إلا لضرورة قصوى

لا يمكن أن ننكر أن هناك بعض المخاطر المخيفة فعلا ولكن وبإتباع الخطوات البسيطة الثلاث، فإننا يمكن أن نوفق بين حرياتنا وبين ما يمكن أن يقع من مخاطر تتكلف الحكومة بحمايتنا منه.

*محامي وكاتب سياسي من كندا

منبر الحرية،07 مارس/اذار2012

نوح الهرموزي

الدكتور نوح الهرموزي: أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن طفيل في القنيطرة بالمغرب.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018