منبر الحرية31 مارس، 20120
إن الموقع الجغرافي للهند يسمح ببروزها كقوة مؤثرة في موازين القوى على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي الدوليين. وهو ما يلاحظ منذ سنوات خلت، لقد تحولت الهند من دولة فقيرة جدا إلى إحدى المناطق الأكثر نشاطا وحيوية على الصعيد العالمي، فنصيب الفرد من متوسط الثروة تضاعف خمس مرات في العشرين سنة الأخيرة. وحققت إقلاعا اقتصاديا يجمع معظم الاقتصاديين على أن أهم أسبابه مرتبط بتحرير الاقتصاد الهندي.....

جوفروا هيلج*

إن الموقع الجغرافي للهند يسمح ببروزها كقوة مؤثرة في موازين القوى على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي الدوليين. وهو ما يلاحظ منذ سنوات خلت، حيث سجلت الهند إقلاعا اقتصاديا تمثل في أدائه المتميز. لقد تحولت الهند من دولة فقيرة جدا إلى إحدى المناطق الأكثر نشاطا وحيوية على الصعيد العالمي، فنصيب الفرد من متوسط الثروة تضاعف خمس مرات في العشرين سنة الأخيرة.

إقلاع اقتصادي يجمع معظم الاقتصاديين على أسبابه التي ترتبط بتحرير الاقتصاد الهندي، فبعد أزمة ميزان الأداءات التي عرفتها الهند أوائل تسعينات القرن الماضي (1991)، أقرت حكومة نراشيمها راو سلسلة من الإصلاحات الجذرية التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد على الصعيدين الداخلي والخارجي. فتم على المستوى الداخلي إزالة القيود الرئيسية للمنافسة ابتداء من عام 1991، وألغت التراخيص الصناعية والاحتكار في الصناعات الرئيسة.

أما على المستوى الخارجي، فتم الرهان على إصلاحات تدريجية تسمح بانفتاح الاقتصاد الهندي. إصلاحات تمثلت في تحرير الواردات بتخفيض معدل الرسوم الجمركية على المنتجات غير الزراعية الذي سجل نسبة قياسية وصلت إلى 355 % سنة 1990، إلى حدود  50 % بعد مرور خمس سنوات (1995)، لتصل إلى نسبة 10 % مع حلول عام 2008. كما تم رفع القيود على الصادرات، حيث انخفض عدد المنتجات التي تخضع لسياسة المنع من التصدير من 185 منتوجا عام 1991 إلى حدود 16 منتوجا سنة 1992. كما عملت الحكومة على تحرير قطاع الخدمات بشكل تدريجي، مما سمح للشركات الأجنبية باستثمار رؤوس أموالها.

إن كل هذه الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة، كان لها وقع كبير وواسع النطاق على الاقتصاد الهندي، من خلال تحرير القوى المنتجة والقطيعة مع عشرين سنة من سياسات التخطيط.

لكن هذا لم يحل دون بروز بعض الآراء المخالفة، فظهرت في الواجهة بعض الأصوات التي تقف ضد هذا التحليل، وتطرح جملة من الانتقادات، نجملها في رأيين اثنين:

الرأي الأول يطرحه كل من داني رودريك و أرفاند سيبراماني اللذين ينكران كون الإصلاحات التي عرفتها الهند في التسعينات سبب في الإقلاع الاقتصادي. فالنمو الاقتصادي الهندي بدأ من وجهة نظرهما في فترة الثمانينات، أي قبل تنفيذ السياسات الليبرالية. ما يعني أن هذه السياسات لا يمكن أن تكون أصل الانطلاق والإقلاع الاقتصادي. وتعزى هذه الانطلاقة والازدهار إلى تحسين وضعية المقاولات المحلية، تحت رعاية الحكومات المتوالية لأنديرا غاندي وراجيف غاندي.

إن هذا الادعاء يمكن أن يصمد أمام أرقام النمو (متوسط معدل النمو في الثمانيات قريب من معدل نمو التسعينات)، لكنه لا يصمد أمام التحليل. فالنمو الاقتصادي في سنوات الثمانيات تم تمويله من خلال سياسات ضريبية توسٌيعة، التي تم تمويلها بالاقتراض الأجنبي.

أدت السياسة الحكومية التبذيرية إلى مراكمة ديون خارجية لا يمكن تحملها، وإلى أزمة في ميزان الأداءات بدءا من سنة 1991. ومن باب المقارنة فقط، فالنمو الاقتصادي في العشرية الأخيرة من القرن الماضي (1990 إلى 2000)، كانت أكثر استقرارا نتيجة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحرير الاقتصاد من احتكار الدولة.

أما الرأي الثاني فهو الذي تقدمه الحركة المناهضة للعولمة، التي بالرغم من أنها تقر بالأثر الإيجابي لهذه الإصلاحات على نمو الناتج المحلي الإجمالي فهي تدين حصيلتها و تداعياتها على الصعيد الاجتماعي. إلا أنها تعتبر أن الإصلاحات الليبرالية فاقمت – خاصة في المناطق الريفية – معدلات الفقر والهشاشة.

     بيد أن تحليل لغة الأرقام تدحض هذه المخاوف، فنسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية تحت عتبة الفقر انخفضت من 39,1%  أواخر 1980 إلى 27,1%  سنة 2000. أما على مستوى مجموع السكان، فسُجل خلال نفس الفترة انخفاض لعدد الفقراء من 320 إلى 260 مليون شخص. وهذا الرقم يعادل عدد ساكنة دولة مثل فرنسا. بالإضافة إلى تحسن مؤشرات التنمية البشرية، فحسب ارفاند باناكاريا: “تحققت مشاريع هامة فيما يتعلق بالزيادة في مستوى التعليم، والقضاء على التفاوت بين الإناث والذكور في ولوج المدرسة”.

إن الهند ليست بالنموذج الأمثل في مجال الحرية الاقتصادية: فقطاعات مهمة مثل الفلاحة والطاقة ما تزال تحت وصاية الدولة، كما أنها ما تزال محتكرا ومنتجا غير فعال في عدة قطاعات اجتماعية كالصحة والتعليم… .وتجدر الإشارة أيضا إلى أن بعض الحواجز في مجال التجارة الخارجية ما تزال قائمة. لكن بالرغم مما سبق لا ينبغي التقليل من أهمية التقدم المسجل إلى حدود الوقت الراهن: إنه درس لأفريقيا.

*كاتب ومحلل بموقع عالم حر من فرنسا

منبر الحرية،31 مارس/اذار2012

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018