يعد عام ٢٠١١ العام الأسوأ بالنسبة للصحفيين البحرينيين ولواقع الصحافة وحرية التعبير والرأي في تاريخ البحرين، هذا ما خلصت له تقارير حقوقية دولية إضافة إلى التقارير التي صدرت عن المنظمات التي تعنى بقياس حرية التعبير والدفاع عنها مثل تقارير منظمة فريدم هاوس ولجنة حماية الصحفيين ومراسلون مراسلون بلاد حدود.
جاءت هذه التقارير بعد حركة الرابع عشر من فبراير أو ثورة ١٤ فبراير المطالبة بتفعيل وعود الإصلاح السياسي والدستوري والتي أصبحت فيما بعد حركة مفصلية في تاريخ البحرين والصحافة على وجه الخصوص بعد ما أصبحنا اليوم نتحدث عن ما قبل ١٤ فبراير وما بعد ١٤ فبراير.
صحيح ما قبل ١٤ فبراير بدأت حرية الصحافة تتدهور شيئا فشيئا حتى وصلنا لمرحلة بعد ١٤ فبراير وخصوصا بعد إقرار قانون الطوارئ في البحرين أو ما يعرف بقانون السلامة الوطنية وهي المرحلة المعنية بالأمر التي حصلت فيها مجمل الانتهاكات.
ولم يستطع جزء من المجتمع وأجهزة الدولة ومنتسبيها الوصول لهذه المفاهيم ولم تستطع الصحافة نفسها التخلص من القيود التي فرضت عليها.
نأتي على توجه الدولة في ما يتعلق بالصحافة وحرية التعبير سنجد خطابات الملك ورئيس الوزراء تؤكد دائما على التزامهم بحرية التعبير وعدم سجن الصحفي وفتح الأبواب لجميع الصحفيين وهذا الرأي ليس بعيد عن آراء بعض الوزراء.
لكن هذه الآراء مع كامل تقديرنا لوجهة نظرهم هي متناقضة تماما مع ما يجري في الميدان وعلى أرض الواقع ولا تخرج عن كونها خطابات للاستهلاك الإعلامي تعتمد على العناوين بالدرجة الأولى.
فثمة شيء آخر في الميدان يعاني منه الصحفيون في بلد مضطرب اختلطت في صحافته وإعلامه الرسمي لأول مرة الدوافع الطائفية والسياسية والفئوية في بلد لازلت للأسف الشديد تستهدف حرية التعبير وتتطوع القوانين لقمع الإعلام والصحفيين تحت عناوين مختلفة ومبررات عدة.
وفي اعتقادي أن الذي وصل بحال الصحافة لهذا الحال هو تدخل الحكومة وأصحاب القرار في البلد بشكل مباشر في قطاع الصحافة والإعلام إضافة إلى قبول بعض رؤساء التحرير بتدخل الحكومة مباشرة في سياسة التحرير بل ووصل الحال قبولهم توجيهات سواء بموضوعات أو تحقيقات أو حتى عناوين.
هنا وجد الصحفيون أنفسهم في بيئة لا يستطيعون العمل فيها بحرية في ظل هيمنة الدولة على سياسية تحرير الصحف وعلى رئيس التحرير نفسه وهو ما جعل الصحفيين يكونون في موقع الموظف الذي يتلقى الأوامر من رئيسه متى شاء لا موقع الصحفي المبدع الحر الذي يبحث عن الحقيقة وغابت عنه أي مبادرة لعمل صحفي لأنه يعرف أن مصيرها هو الرفض.
وبسبب هذه السياسات تراجعت نسبة إبداع الصحفيين البحرينيين في العمل الصحفي بسبب تقييدهم عن العمل أو توجيههم لأجندة خاصة بالرغم من أن قناعتي أن في البحرين نملك طاقات صحفية وإعلامية ليست أقل مستوى من أي دولة عربية أخرى.
وامتد هذا إلى تخلي الصحف عن حماية الصحفيين أنفسهم من أي اعتداء قد يتعرضون له من أجهزة الأمن أو من المسئولين وبلا شك وجد الصحفيون في البحرين تخاذل إدارات التحرير مع المتنفذين في الحكومة.
ويمكن القول أن الصحافة أصبحت مسيرة في بلد لازال يتغنى بأن البحرين تزخر بحرية الرأي والتعبير واحترام الصحفيين.
وفي خضم هذه الإرهاصات حاولت الدولة خلق جيل جديد من الصحفيين وكتاب المقال بمساعدة بعض رؤساء التحرير وهؤلاء ليس لهم أي علاقة بالصحافة وحاولت إبرازهم كصحفيين لا يدركون ما يكتبون ولا بخطورة الخطاب الإعلامي أو الصحفي الذي يمكن به أن يهدم مجتمع أو يبنى مجتمع.
كما لجأت أيضا باستقدام صحفيين مبتدئين من بعض الدول العربية وهم بطبيعة الحال مستواهم في العمل الصحفي وثقافتهم المهنية أقل بكثير عن الشباب البحريني وذلك للعمل في الصحافة ووزارة الإعلام وحتى بعض الوزارات.
وبدل أن يكون الإعلام والصحافة في البحرين تساهم في تنمية المجتمع أصبحت تعمل على عكس ذلك وتهتم بالخطابات والتصريحات والمقالات التحريضية والكراهية إلى جانب أنها تهتم بالتصريحات والأخبار التي تدخل في إطار مهام العلاقات العامة التي ترسلها أقسام الاتصال والعلاقات العامة والإعلام في الشركات والمؤسسات إلى جانب الوزارات.
لدرجة أننا كمتتبعين رصدنا أخبار وتحقيقات في الواقع هي تشوه سمعة البلد وتشوه سمعة البحرينيين أمام الأجانب وتصور البحرينيين وكأنهم إرهابيين فعلا وهو ما لاقى استهجان الأجانب أنفسهم الذي يعرفون تماما علاقتهم بالمواطن البحريني.
وغابت عن صفحات هذه الصحف هموم المواطن البحريني وهموم الوطن وقضاياه التي يكتب عنها القاصي والداني في العالم وهو بلا شك استغفال بعقل الإنسان البحريني.
أما الصحافة الاقتصادية فقد أصبحت تنشر الفساد في البحرين من حيث لا تشعر أو من حيث تشعر وتضلل حقيقة الوضع الاقتصادي في البلد فالتقارير الدولية الاقتصادية في وادي وما تكتبه هذه الصحافة في وادي آخر.
وبالنسبة للصحافة الرياضية فتكاد تكون أفضلهم لكنها لا تخلوا من التدخل من قبل المتنفذين في القطاع الرياضي فهناك توجيه على فئات دون أخرى وهناك تدخل مباشر من هؤلاء.
وفي ما يتعلق بالصحافة الثقافية فهي عفا عليها الزمن وحلت محلها صفحات الشعر النبطي الجديد على ثقافة البحرين الذي تفرد له بعض الصحف صفحتين أو أكثر وأصبحت هذه الصحف تكاد لا تخلوا يوميا من قصائد المدح والتبجيل المدفوعة في ظل تجاهل أعمال الأدباء والمثقفين والمبدعين البحرينيين.
بعد هذه الصورة المؤلمة للصحافة والإعلام هل يمكن أن يتجسد فيها المثل المصري الشهير (الجمهور عاوز كدا) لا أعتقد، ربما الأصح هو (الدولة عايزة كدا).
وفي الوقت الذي تجاهر الدولة بحرية التعبير تقوم بغلق الصحف الحزبية في البحرين التابعة للتيارات الإسلامية والقومية واليسارية المعارضة وتقوم بحجب مئات المواقع الإلكترونية التي لا تتناسب مع سياسية النظام إلى جانب منع عشرات الصحف العربية العريقة من دخول البلاد.
أما عن علاقة الدولة بالإعلام الخارجي فلا زالت عشرات القنوات ووسائل الإعلام ممنوعة من العمل في البحرين وتمنع للدخول للتغطيات الخاصة أو يتم مراقبتها عند دخولها، ولازالت القنوات التي يسمح لها بالدخول يتم منع أجهزة بثها المباشرة بالرغم من أهميتها للفريق الإعلامي، ولا يسمح للبث إلا من تلفزيون البحرين أو استوديو إحدى القنوات العربية.
وفي ما يتعلق بجمعية الصحفيين فهي بلا شك في خبر كان فهي إدارة من إدارات هيئة شؤون الإْعلام ولا تمثل الصحفيين البحرينيين أو تدافع عن حقوقهم بل وأكثر من هذا أصبحت حكومية أكثر من الحكومة وأعتقد أن وجودها أكثر ضررا من لو ما كانت موجودة.
نأتي إلى ما تعرض له الصحفيون في ٢٠١١ سنجد أن تقرير لجنة تقصي الحقائق في أحداث البحرين والذي أشار إلى مقتل عضو صحفية الوسط البحرينية كريم فخرواي والكاتب فيها زكريا العشيري، وسجن وتعذيب وفصل عشرات الصحفيين والعاملين في هذا القطاع بسبب مواقفهم السياسية وتعبيرهم عن حرية التعبير لم تحرك الدولة ساكن لمحاسبة المتسببين بهذه الجرائم.
بل وعلاوة على ذلك لازالت حملات التشهير بالصحفيين والصحفيات في الإعلام الرسمي أو منابر تابعة أو قريبة للدولة مستمرة.
وربما ما جرى أظهر ما كان يخفى في نفوس عناصر النظام في البحرين لهؤلاء الصحفيين، وما جرى لهم يبين أن النظام ينظر للصحفيين والعاملين في الإعلام على أنهم مصدر تهديد له.
يمر اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا العام على الصحفيين البحرينيين بشكل استثنائي. قتل اثنين منهم وتم تعذيب وإهانة وسجن وفصل والانتقام من العشرات منهم والمضحك المبكي أن الدولة لازلت تسوق على أنها داعمة لحرية الرأي والتعبير.
وهنا ينبغي على الدولة أن تحدد حرية الإعلام عبر قناعتها بالحرية السياسية، وهنا لابد أن تتخلى عن نظرتها التقليدية للصحفي أو الإعلامي على أنه مصدر تهديد لها وإيجاد بنى قانونية لمهنة الصحافة على حقها في ممارسة حرية التعبير والرأي والاستقلالية التامة لقطاع الصحافة والإعلام وضرورة خروجه من هيمنة الدولة ومزاج المسؤولين في التعامل مع الإعلاميين والصحفيين.
ويمكن أن نضمن سلامة الصحفيين والإعلاميين في أنه في هذا الزمن لا يمكنك أن تقمع صحفي أو إعلامي يشتغل داخل وسائل الإعلام الحديثة وأعين العالم كلها مسلطة عليه، أضف إلى ذلك تحول غالبية الناشطين لصحفيين مواطنين عبر وسائل الإعلام الجديد وقدرتهم على إيصال ما يجري على أرض الواقع بالصوت والصورة للعالم الخارجي.
* صحفي بحريني
منبر الحرية،7 يونيو/حزيران2012