عياد البطنيجي22 فبراير، 20130
كشف الربيع العربي عن مأزق الليبراليين العرب كما تمظهر في نتائج الانتخابات من خلال تضاؤل نسبة تمثيل التيار الليبرالي. ومع انفتاح المجال السياسي، بات من المشروع طرح التساؤل حول مدى قدرة تأثير الليبراليين العرب في تشكيل المجال السياسي. فهل يستطيع التيار الليبرالي العربي أن يلعب دورا في توجيه مستقبل العرب نحو الثقافة الليبرالية؟.....

          كشف الربيع العربي عن مأزق الليبراليين العرب كما تمظهر في نتائج الانتخابات من خلال تضاؤل نسبة تمثيل التيار الليبرالي. ومع انفتاح المجال السياسي، بات من المشروع طرح التساؤل حول مدى قدرة تأثير الليبراليين العرب في تشكيل المجال السياسي. فهل يستطيع التيار  الليبرالي العربي أن يلعب دورا في توجيه مستقبل العرب نحو الثقافة الليبرالية؟ وهل سقوط الأنظمة التسلطية  العربية سيحمل معه أبعادا ليبرالية أم العكس؟  للإجابة على ذلك، يستعرض المقال مفاهيم النظرية الليبرالية ومبادئها الأساسية كمذهب سياسي  وقانوني واقتصادي وفلسفي.

الإسهامات الأولى:

أسهم مفكرون عدة في تبلور الفكر الليبرالي الذي تجلى في حقول السياسة والاقتصاد والاجتماع. فقد حدد كل من جون لوك (1632- 1704 ) وجان جاك رسو (1712- 1778)  وجون ستوارت ميل (1806- 1873) بعضا من ملامح النظرية الليبرالية وخصائصها. كما أن تشكل الليبرالية وتبلورها لم يكن في فترة زمنية وتاريخية واحدة، بل أخذ الفكر الليبرالي ردحا من الزمان حتى تبلور ملامحه.

ومن هنا، تبدو بلورة تعريف واضح ودقيق لمفهوم الليبرالية أمرا صعبا. فالمفاهيم الإنسانية والاجتماعية تتصف بعدم الثبات؛ لأنها ترتبط بالسلوك الإنساني الذي يتسم بالتغير والتحول. ولكن، لا يعنى ذلك أبدا اتخاذ موقف اللا أدرية، فإن كان لليبرالية أركانٌ تعرف من خلالها وتنتفي بانتفائها فإن أهمية الحرية الفرد وأولويتها تمثل الأساس المتين الذي يقوم عليه صرح النظرية الليبرالية. تحرر الفرد من كل أنواع السيطرة والاستبداد، وتسلط الدولة والجماعة، ورفض ارتهان إرادة الفرد لإرادة الجماعة، فالفرد هنا غاية بذاته.

تشكل الحرية ركنا آخر أصيل في إطار الطرح الليبرالي للوجود الإنساني كما يتجلى في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

يتناول المقال تجليات الفكر الليبرالي في الفكر الفلسفي والقانوني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويعرج المقال على الفكر الليبرالي العربي، للإجابة على سؤال كيف طرح نفسه في سياق حضاري جد مختلف ؟ وذلك للوصول إلى  المعوقات والفرص أمام التيار الليبرالي العربي وبخاصة في ظل الربيع العربي.

الطرح الفلسفي:

تشكل المرجعية الفلسفية لليبرالية، نقطة أساس مهمة في تناول تجلياتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية، إذ إن هذه التجليات ما هي إلا الجزء بالنسبة للكل. الليبرالية كفلسفة أو رؤية شمولية للوجود الإنساني، تسلم بجملة من المقدمات النظرية الكبرى، التي توجه الممارسة التي تنعت بالليبرالية داخل صيرورة الوجود الإنساني التاريخي. وبالتالي لا يمكن فك الارتباط بين العناصر المختلطة والمتداخلة للأجزاء( الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، الثقافية، القانونية) عن المرجعية الفلسفية المؤطرة لها. فمفاهيم احترام إنسانية الإنسان، والإيمان بالعقل والحرية والإرادة والتسامح والعلمانية والمساواة والفردانية، كلها حاضرة في تشكل الوعي الفلسفي الليبرالي.

 فالفردية ليست مجرد التزام فلسفي ومطلب سياسي، بالنسبة لليبرالي، بل أيضا هي طريقة لفهم العالم. بمعنى أنه بسبب كوننا أفرادا نستطيع فهم شيء عن الأفراد والكيفية التي يتصرفون بها، لذلك حتى يمكن فهم الظواهر الاجتماعية لا بد من ردها إلى الأفراد ونواياهم.

الطرح القانوني:

تجلى الفكر الليبرالي في بعده القانوني، من خلال فكرة القانون الطبيعي، أي ما يظهره العقل القويم من قواعد تتمشى مع الطبيعة الاجتماعية للإنسان. فالقانون هو ما يقره العقل فهو مصدر القانون الطبيعي.

ومن هنا، كان تجلي العقل في بعده الفلسفي لليبرالية كمرجعية مؤطرة للتشريعات الحديثة. أي تجلي لسلطان العقل في قواعد القانون الطبيعي، وكوجود موضوعي يوجه لحكم العقل على المشرع لكي يحقق فيما يصنعه من قواعد سلوك ملزمة وعامة ومجردة. فما يحسن من طبيعة الإنسان ويحسن المجتمع هو العقل. ولذا فإن كل ما يخالف العقل يخالف كل ما يتمشى مع القانون الطبيعي. كما تبرز فكرة العقد الاجتماعي( هوبز، لوك، روسو) كتجلٍ آخر لفكرة العقل الطبيعي. بعبارة أوضح، إن قواعد القانون الطبيعي هي قواعد يحددها العقل التي تتمشى مع طبيعة الأشياء،  والعقل غير مرتهن بوجوده لإرادة خارجية أو ميتافيزيقية، بل هو من يضع مبادئ القانون الطبيعي في قوانينه الوضعية.

إن غاية اجتراح فكرة القانون الطبيعي كفكرة مؤطر للتشريعات القانونية، هي استقلالية العقل عن اللاهوت وأية إرادة خارجية تعلو عليه، فالعقل لا قيود عليه. من هنا ظهرت نظرية العقد الاجتماعي كانعكاس لفكرة القانون الطبيعي، واستقلال العقل، بغية البحث عن تأطير الواقع السياسية والاجتماعي وفق إرادة عقلية، وإحداث قطيعة بين السياسة واللاهوت وما سببه الأخير من استبداد من خلال السيطرة الشمولية للكنيسة على الحياة والوجود الإنسانيين.

لقد حاول رواد  نظرية العقد الاجتماعي الإجابة على السؤال الرئيس: كيف انتقل الناس من حالة الطبيعة إلى حالة المجتمع ؟ وما هذا السؤال إلاّ نتيجة لتخيلهم كيف كان الناس يعيشون قبل المجتمع.  أهم ما أحدثته هذه النظرية هو نشأة كل من المجتمع والسلطة على فعل التعاقد بين الناس، الأمر الذي أحدث قطيعة ما نظرية الحق الإلهي. وهكذا، ظهرت مفاهيم قانونية جديدة، مثل فصل السلطات، والتشريع الوضعي، وسيادة القانون، والمساواة، وحرية التعبير، وشفافية الحكومة، وحقوق الإنسان العالمية، فضلا عن تنوع أشكال الحكومات داخل الثقافة الليبرالية، من رئاسية إلى برلمانية إلى شبة رئاسية، وغيرها من المفاهيم التي تعكس مدى تأثر الليبرالية في التطور القانوني للمجتمعات الحديثة.

الطرح السياسي:

تتجلى الليبرالية السياسية من خلال مفهوم الديمقراطية: تداول السلطة، الفصل بين السلطات، المواطنة المؤطرة لعلاقة الدولة والمجتمع، والسلطة المؤسسة على التعاقد، ونظام سياسي يحترم الحقوق والحريات العامة، ودولة يسود فيها القانون، وأن المجتمع ومؤسساته في خدمة الإنسان المواطن بغية الوفاء بأهداف الأفراد، دون تحيز لمن هم في الطبقات الاجتماعية الأعلى. فالفردية والحقوق المتساوية في عالم تعددي ليست هي المعيار الأخلاقي للسياسة العامة فحسب، بل هي أفضل سياسة للتقليل من النزاعات، وتدشين علاقة صحيحة بين الأفراد، والسلطة السياسية.

الطرح الاقتصادي:

تتجلى الليبرالية الاقتصادية من خلال مفهوم الرأسمالية، أي القطاع الخاص، الملكية الخاصة، والسوق الحرة، حرية تبادل السلع والمنافع، حرية التجارة… إلخ. كما تتجلى في إعلاء قيمة الفرد، من خلال إيمان الليبرالية بأن الإنسان كان عقلاني، وبالتالي قادر على تحديد طرق اختياراته وفق اعتبارات عقلانية أو رشيدة. وعليه، فإن قيمة السلع والخدمات يتم تحديدها عن طريق الاختيارات غير المقيدة للأفراد، أي بقوى السوق من خلال العرض والطلب.

لكن هل يتعارض السوق مع الأخلاق؟  القيم الأخلاقية في المذهب الليبرالي هي  ضرورية واحترازية في الوقت نفسه، من أجل صيانة المجتمع وحمايته من التعدي عليه. وللإجابة على هذا التساؤل لابد من النظر إلى اللبرالية من منظور كلي وليس من منظور جزئي، أي  من خلال ربط المرجعية الفلسفية، كنظرية عامة، بالبعد التاريخي لصيرورة الفكر الليبرالي في التاريخ، وإلى مكونات النسق الليبرالي والعلاقة النسقية هذه المكونات. وفق هذه الرؤية، يمكن القول إن اقتصاد السوق  يستند بالضرورة إلى فكرة دولة القانون واقتصاد السوق الحرة. فاقتصاد السوق يتضمن منطقا كاملا من الأخلاق. فالسوق لا يسير بشكل منظم  إلا من خلال  تنظيم قانوني والأخير لا يتحقق إلا إذا كرس الحقيقة الأخلاقية للمجتمع أو المصلحة العامة، من خلال المسؤولية والجدارة والثقة كقواعد اجتماعية.  فالقاعدة القانونية لا تكون ملزمة إلا إذا عبرت عما يحس بوجودها جمهور ضمائر الأفراد. وإذا كانت الأخلاق محايثة للمجتمع، والسوق نظامٌ في النسق الاجتماعي العام، فثمة علاقة وطيدة بين السوق والأخلاق، وعندها يجب أن ننظر إلى الأخلاق من خلال القانون، وننظر إلى القانون من خلال الأخلاق. هذه العلاقة تفرض نظاما اجتماعيا وسياسيا معينا وبالتالي تنظيما قانونيا معينا. فالسلطة الشرعية، والسياسة التشريعية، والقواعد القانونية الاقتصادية والتنظيمية، وقواعد الأخلاق، لا يمكن التعارض بينهما في حال نظرنا إلى جميعها كمنظومة متناسقة كل مدرك يحيل إلى الآخر. أما إذا نظرنا إلى كل مدرك كذات منفصلة وأنا متعالية، آنذاك سيظهر التعارض بين السوق والأخلاق.

الطرح الاجتماعي:

تنظر الليبرالية إلى المجتمع باعتباره مكونا من أفراد يشكلون أساس المجتمع، وبالتالي فالمجتمع الليبرالي هو المجتمع الذي يسمح للأفراد في الحصول على حاجاتهم الأساسية اللازمة: التعليم، الصحة، الكسب الاقتصادي. فالمجتمع الليبرالي هو المجتمع الذي لا يفرض قيودا على حرية الأفراد، بل هو المجتمع الذي يسمح لإرادة الأفراد من الإفصاح عن مكنونها والانطلاق نحو موضوعاتها دون قيود خارجية تعيق انطلاق الفرد الحر في التعبير عن ماهيته. فالمجتمع –حسب الرؤية الليبرالية- ليس حقيقة وإنما هو تجريد نظري ليس له وجود حقيقي، فالموجود الحقيقي هو الفرد. يترتب على ذلك أقرارٌ بالتعددية كنتيجة مترتبة على النظرة الليبرالية للمجتمع. والتعددية هنا تعنى باختصار غياب المركز، وعليه يتشكل المجتمع من قوى متعددة. وهكذا، تتوزع القوة في المجتمع، ليست القوة السياسية، مثلا، تتجسد في السلطة السياسية فحسب، بل الكل يملك جزءً من القوة ونقاط ضغط يؤثر من خلالها على الحكومة. ومن هنا تكثر جماعات الضغط والنفوذ والمصالح، باعتبارها تجليات لتعددية مراكز القوة في المجتمع الليبرالي. وهو ما يتسق مع المرجعية الفلسفية لليبرالية، أي الحرية والإيمان بالعقل والفردانية، والإنسان كائن حر عقلاني قادر على الاختيارات الرشيدة. فليس هنا أفضلية لأحد على أحد، هنا مساواة. وتنبني العلاقات والسلطة العامة على العقل، وليس على الطبقة أو العرق أو الدين أو الطائفة أو القبيلة والعشيرة. الليبرالية هي إطار فكري عابر ومتجاوز لكل هذه الأقانيم. تؤمن بالإنسان بما هو كذلك، أي بإرادته الحرة، فهو كائن حر مسئول، قادر على تحمل المسؤولية، وتؤمن بالكفاءة والجدارة كمحددات تبوء الفرد للمناصب السياسية وممارسة الأدوار الاجتماعية.

الطرح الثقافي:

تركز الليبرالية الثقافية على الضمير والواجب، وحرية المعتقد، وحرية العبادة، الحرية الخاصة أو الشخصية، وحرية التصرف. فليس هنا سلطة خارجية على ضمير الأفراد. فالفرد متحضر، لذا يمنعه ضميره من إيذاء الآخرين. وفق هذه الرؤية، يعارض الفكر الليبرالي تدخل الدولة في وضع  قواعد للآداب أو أن تفرض قيودا على حرية الفن.

وهكذا، فإن الإنسان لا يمكنه العيش إلا ضمن مجتمع، فهم يحتاجون لمساعدة بعضهم بعضاً، وهم أيضا معرضون لإيذاء بعضهم بعضا. وعندما تكون المساعدة بدافع الحب المتبادل والامتنان والصداقة والاحترام، يزدهر المجتمع ويكون سعيدا، وتجمع أفراده روابط متناغمة من الحب ومشاعر الود، ويكونون منجذبين لمركز مشترك من المشاعر. ومن هنا فإن فعل الخير مرغوب فيه، وأن العدل أساس المجتمع المدني الليبرالي. لأن الطبيعة تحض البشر على فعل الخير.

يبقى الإشارة إلى التجلي الواقعي لليبرالية من خلال الممارسة. فقد وجه إلى ممارسة بعض الدول التي تلقب نفسها بالليبرالية العديد من الانتقادات، أهمها أنه فكر يعطي الأولوية للفرد على حساب الجماعة، وأن النظرة الليبرالية نظرة غارقة في النزعة الذرية للمجتمع. الأمر الذي ترتب عليه العديد من المعضلات. والنقد الآخر هو ارتباط حقبة التوسع الاستعماري، وعبء الرجل الأبيض، وتغوَل الرأسمالية العالمية الجامحة في نهب ثروات الشعوب، وبسط السّيطرة والنّفوذ،  على الضّفّة الشرقية لحوض المتوسط،. فضلا عن تزايد الهوة بين الأغنياء والفقراء. فكان ذلك تهديدا جديا للديمقراطية الليبرالية ومكتسباتها. وهو ما ولد انطباعات بان الليبرالية مليئة بالتساؤلات حول مبادئها وآلياتها ومجالاتها وحدودها ونتائجها.

الليبرالية العربية.. حرث في أرضٍ بكر

دخل جزء من الفكر الليبرالي إلى العالم العربي، في أواسط القرن التاسع عشر، مدشناً بداية تدفق أولي لرؤى ومفاهيم الليبرالية في سياق مجتمع تقليدي، ما زال يتموضع في سياق الطائفة والقبيلة والعقدية التي تشكل محددات سلوك الفرد العربي. ومع رفاعة الطهطاوي بدأت شعلة الفكر الليبرالي تتسرب إلى بعض قطاعات النخبة في العالم العربي، بدأت تنمو وتتسع إلى أن بدأ يتشكل تيار نخبوي يتبني الرؤية الليبرالية للمجتمع والسياسية والاقتصاد، قاموا بترويجها من خلال الإعلام والصحافة والأدب، ولكنهم واجهوا معوقات بنائية تتجلى في الهوة الحضارية بين فكرة الحداثة والعلمانية والعقل، وبين القبيلة والدين والتسلطية وأشكال الثقافة الجمعانية. هوة بين عالم الشمال وعالم الجنوب الذي عاش قرونا متطاولة تسوده ثقافة التسلط والقمع والاستبداد.

وتأسيسا على ذلك، انقسمت الآراء حول تقييم التجربة الليبرالية العربية.

الرأي الأول: يرى أن التجربة الليبرالية العربية أفادت المجتمع العربي فكان لها الأثر الايجابي مثل ضخ قيم الحرية والمساواة والفردية والعدالة في مجتمع ما زال يفتقدها، فتم إنشاء البرلمانات وفصل السلطات وغرس ثقافة المساءلة والشفافية والمواطنة والديمقراطية.

الرأي الثاني: يرى أن الفكر الليبرالي العربي ساهم في انفصام المجتمع العربي وكرس التبعية والإلحاق للفكر الغربي من خلال السعي إلى تغريب العالم العربي وإبعاده بالتالي عن هويته الحضارية الأصيلة.

في ضوء ذلك، يمكن تعيين إشكالية الطرح العربي لليبرالية كما يلي:

التعاطي المثالي والثقافوي مع الفكر الليبرالي كمعطى ناجز ومكتمل يمكن استيراده دون إعمال للعقل في استيعابه ونقده وتقويمه ومن ثم الإضافة والتطوير والتجاوز. فرغم أن استقراء الأوضاع للأنظمة الاجتماعية والسياسية القائمة في حقائق العالم المعاصر يؤدي إلى الاستنتاج القائل بضرورة إعادة بناء النسق الليبرالي. وبالفعل هناك نقاش كبير في العالم الغربي بخصوص تطوير الليبرالية لكي تستجيب للتغير الاجتماعي والفكري الحاصل. فهناك حوار عمومي حول إعادة تقويم دور الدين في الحياة العامة في النظم العلمانية، ودور القيم الأخلاقية في المجال العام. والسؤال موجه لليبراليين العرب: هل تستطيع الليبرالية العربية أن تكون شريكاً في هذا الحوار وأن تساهم في إعادة بناء الليبرالية؟

 فضلا عن ذلك إن استيراد النماذج الفكرية الجاهزة يعني أننا بصدد طرح يفصل الأفكار عن صيرورة الواقع، أي نظرة مثالية ثقافوية وليست جدلية. فالتساؤل حول كيف تتلبرل البلدان العربية ولم يصحي ذلك نضالات عملية وتاريخية كتب لها النجاح في نزع النظم التوتاليتارية. وهذه هي الحلقة المفقودة في الخطاب الليبرالي العربي حيال اللبرلة، أي ليس هناك تجارب عملية في عملية اللبرلة والتغيير الديمقراطي.  نعم هناك نضالات ولكن ليس هناك تجارب عملية في الانتقال إلى الليبرالية يمكنها أن تغذي النقاش النظري حول كيفية انجاز الانتقال إلى الليبرالية في الوطن العربي. وهكذا تبقى نقاشات الخطاب الليبرالي العربي إلى حد كبير أسيرة الأطر النظرية المجردة، وتستخدم مؤشرات لم تصنع  ولم تتكيف في المجتمع العربي.

  مستقبل الليبرالية والربيع العربي:

 يفتح الربيع العربي فرصة أمام النخب الليبرالية لتجذير الرؤى والأفكار الليبرالية في الثقافة العربية المحلية. فبعد انهيار النظم التسلطية، دخل المجتمع العربي في ديناميات جديدة لتحديد مسار تطوره السياسي والاجتماعي، أي أصبح هنا جدل واقعي بين التيارات السياسية، ودخول الفاعلين في عملية تفاعل دينامي لإعادة بناء الاجتماع السياسي الوطني. وبالتالي إن الواقع مهيأ لغرس مفاهيم الليبرالية في النظم الناشئة. وهو ما نلاحظه عند جميع التيارات السياسية الإسلامية وغير الإسلامية في تبنيها للأفكار الليبرالية السياسية دون أن تفصح بوضوح عن ذلك. كما أن دائرة الجدل بين الفاعلين السياسيين ونظام الخطابات السياسية بعد الربيع العربي ترمي بادئ ذي بدء، إلى تحديد المرجعية الحاكمة للممارسات السياسية، وبالتالي تشكيل العقل العمومي للدولة، وهنا فرصة الليبراليين العرب في المساهمة الفعلية في هذا التشكيل بعد انفتاح المجال السياسي. فهل يفعلون ذلك ؟

*كاتب من فلسطين

منبر الحرية، 21فبراير/شباط 2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018