جاك كاغلو
الطبقة السياسية، الإعلام، كبار الموظفين، المصرفيون: الكل فاسد!
زادت قضية كَايُزَاك سوء سمعة قادتنا وأحزابنا والأقلية التي تحكمنا، وستتعمق الفجوة بين من يمارسون السلطة السياسية والاقتصادية، ومن يتحملونها ممن يواجهون البطالة وانخفاض القدرة الشرائية وتزايد الاقتطاعات. لكن قصر المسؤولية على الفاسدين لا يحمل جوابا لهكذا آفة حقيقية.
الفساد هو الآفة الحقيقة، وهو كما يعرفه المجلس الأوروبي: “استعمال واستغلال السلطة العمومية لأغراض خاصة”. ويشكل آفة شاملة وخطيرة وواضحة المعالم والأسباب.
فهو شامل: يشمل الفساد جميع الدول حتى الغنية منها والأكثر تطورا. ولا تترك في هذا الصدد إحصائيات منظمة الشفافية العالمية السنوية – المتخصصة في قياس نسب الفساد – مجالا للشك، فإذا كانت دول مثل فنلندا والدانمارك تشكل نموذجا، فإن دولا أخرى تظل جد متأثرة حيث تحتل الولايات المتحدة وفرنسا مراتب ضمن العشرين من بين 180 دولة، في حين تعد إيطاليا وروسيا الأكثر فسادا في أوروبا.
وهو واضح المعالم والأسباب: إذ يرتبط الفساد ارتباطا وثيقا بأهمية الدولة وبيروقراطيتها. لا شك أن هناك أشكالا ملتوية من الفساد داخل القطاع الخاص التجاري: أمناء صناديق غير شرفاء، أطر ومسيرو المقاولات يستعملون الرشاوى في عقود خاصة، رجال مال مريبون، أطباء عامون وأخصائيون يتقاسمون الأتعاب. ولكن الفساد – في المقام الأول- مرتبط بحضور وقوة الإدارات العمومية. والارتباط البيني في الإحصائيات واضح، حيث يرتفع مؤشر الفساد في الدول التي ينخفض فيها مؤشر الحرية الاقتصادية.
والتفسير هنا بسيط: عندما تتحكم السلطة السياسية – عن قرب – في الحياة الاقتصادية، لن تتمكن الشركات والخواص من التعايش مع الأمر إلا بدفع إتاوات باهظة للمسيرين والبيروقراطيين. يؤدي تجميد الأسعار والمحاصصة إلى ظهور السوق السوداء. كما ويؤدي التقنين المفرط (400000 قانون في فرنسا) إلى إبطاء المساطر وكبح المبادرات، ويمكن تسريع الوتيرة فقط بالطرق على الباب الصحيح والقيام بالحركة المناسبة. فمن أجل الحصول على رخصة بناء أو سكن اجتماعي أو صفقة عمومية، تقدم لك – في هذا الصدد – الأظرفة المملوءة خدمة قيمة. فهل يكون الفساد بذلك نتيجة قطعية للسلطة، “السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقا” كان يقول الفيلسوف الشهير والمؤرخ الإنجليزي اللورد آكتون، وقوله هذا يعبر عن حقيقة قديمة قدم العالم.
وهو خطير: فهو يهدد المجتمع، فمن وجهة النظر الاقتصادية فقط، يتلاعب بالأسعار ويعبث بالمدخرات والاستثمارات: وتقدر منظمة الشفافية العالمية تكلفة الفساد في التجارة الدولية ب 3% من قيمة المبادلات. دون أخذ العجز والتبديد الذي ينتج عن سوء تخصيص الموارد بالاعتبار: لا يؤول المال إلى حيث يجب أن يؤول في ظل معايير السوق الحرة، وحرية المستهلكين والمنتجين في الاختيار.
من وجهة النظر الاجتماعية، يزرع الفساد الشك لدى الجميع حول مصدر الثروة، فتصبح كل ثروة مشبوهة حيث يُجهل إن كانت ثمرة المقاولة والعمل والادخار والاستحقاق أو كانت نتيجة للاختلاسات وخيانة الأمانة والامتيازات وغير ذلك، ولم يعد أحد يثق في أحد، كما ترسخ الحسد والوشاية. هذا ولم يعد يمكن للمجتمع أن يكون “مجتمع ثقة”، يوفر التقدم الشخصي والوئام المجتمعي: أصبح مجتمع ريبة، مجتمع سلطة.
أمام سيل الخراب هذا، كيف لا نتفهم “الساخطين”، كيف لا نرمي بكل ما يأتي “من فوق”؟
“الكل فاسد” يولد الشعبوية، ولأن السلطة هي من تفسد وهي الفاسدة، يجب مجابهتها. والشعبوية تستدعي الثورة. ولكن، ما النتيجة؟ هي ظهور سلطة بقدر ما تكون ثورية أو جمهورية أو ديمقراطية تبقى سلطة سرعان ما تعلن قبولها للفساد وتصير فاسدة كما سابقتها.
اطرد الفساد وسيعود راكضا لندرك بعد خمس أو عشر أو عشرين سنة بعد ذلك أن علينا أن نعيد الثورة. لقد كان هناك أمثال لسييس (Sieyès) وفوشي (Fouché) وتاليران (Talleyrand) في جميع العصور.
إن الحل إذن ليس بقلب السلطة وممارسة التناوب ولو كان ديمقراطيا، بل بتحديد السلطة. فأفضل سلاح ضد الفساد هو تجريد أيادي الدولة من سلسلة من الصلاحيات التي تملكتها دون مبرر، وهو أيضا قصر السلطة السياسية على بعدها الوحيد وفق مبدأ اللامركزية: حماية حرية وسلامة الممتلكات والأشخاص. الليبرالية هي المنفذ الممكن الوحيد، لكن الطبقة السياسية لا تأبه بذلك. فهي لا تريد التخلي بعد عن فرائسها، وكل فرنسي من اثنين يوجد في جهة المفترسين.
إنه من واجب الليبراليين، أكثر من أي وقت مضى، إقناع الشعب وممثليه بضرورة القطع مع مأساة الفساد التي تغرق البلد في براثن التفرقة والجريمة. هو في الآن ذاته الوقت لبعث المسؤولية والأخلاقيات، وهي الفضائل التي ترافق الحرية.
منبر الحرية، 14 نونبر/تشرين الثاني 2013