خلفان البدواوي6 فبراير، 20140
ليست الفلسفة الليبرالية أبلغ وصفا وتعريفا من الحرية، فهي كمذهب وفلسفة وسيلة الأفراد للتقدم والتطور وصنع حضارة، وفي الحرية تكمن السعادة، فليس أنبل من أن يكون الإنسان حرا ينعم بالأمان ويتحرر من الخوف والقهر والظلم والاستبداد......

خلفان البدواوي*

الليبرالية باللاتينية وتعني حر، هي عبارة عن فلسفة سياسية وتصور عالمي تقوم على قيمتي الحرية والمساواة، وتقوم على الإيمان بالحرية الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقوقه وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون ولا يكون هناك دور للدولة في العلاقات الاجتماعية، فالدولة الليبرالية تقف على الحياد أمام تنوع واختلافات الأفراد ولا تتدخل فيها.

ولد المذهب الليبرالي في الظروف التاريخية التي عرفت صراعا بين مؤسسات وقيم الحرية الموروثة من العصور القديمة والعصر الوسيط وبين المغريات الاستبدادية التي سادت القرنين السادس عشر والسابع عشر، ظهر الجزء الأكبر من الأفكار الليبرالية في أوروبا منذ بدايات القرن السادس عشر ولكن القرن الثامن عشر شكل استثناء خصبا في إنتاج هذا الفكر، ولعب عدد من المفكرين التنويرين والمنظرين دورا كبيرا في وضع نظريات مثمرة مع الواقع الاجتماعي، والليبرالية لا تعترف بمرجعية مقدسة، فمرجعيتها هي في الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإنسان وحريته وكرامته وفردانيته.

وقد حظي القرن السابع عشر والثامن عشر بالكثير من المفكرين والاقتصاديين اللذين شكلوا اللبنة الأولى لليبرالية وساهموا بأفكار تطورت حتى وقتنا هذا، فمنهم جون لوك 1632 – 1704 الذي ركز على فكرة التسامح وكان له دور كبير غير مباشر في الثورة الأمريكية، وجاء بعده جان جاك روسو الذي فصل فكرة العقد الاجتماعي وكتب فيها أشهر كتبه الذي سمى بالعقد الاجتماعي، وكانت أراءهم الليبرالية غير مرحب بها في وقتها.

ويعتبر مونتيسكو 1689 – 1755 من أهم مفكرين عصره فكان أشهر كتبه (روح القوانين) الذي قيل إنه تمت كتابته خلال 20 عاما. ومن أهم أفكاره التي كان يدعو إليها هي الحرية والتسامح وتوزيع السلطة والتحرر من الأفكار الرجعية المتحجرة وكان من أكبر المنظرين لفكرة الفصل في السلطات وقد دعا لإقامة نظام فيدرالي ومنه استلم مؤسسي الدولة الأمريكية نظامها الفيدرالي وفكرة فصل السلطات.

ويجدر ذكر مفكر عظيم آخر وهو فولتير 1694 – 1778 وهو كاتب فرنسي وفيلسوف وكتب الكثير من الكتب دعا خلالها للإصلاح السياسي والاجتماعي ودافع عن الدولة المدنية وهاجم التابوهات الدينية، ونجد أيضا أدم سميث 1723 – 1790 الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي فيعد أول وأشهر من كتب عن السوق الحر والرأسمالية ويعتبر كتابه ثروة الأمم من أشهر مؤلفاته التي تحدث فيها عن أسباب الثروة ووضع ملامح لأفكاره الاقتصادية وتأثر بها الكثير من المفكرين الليبراليين، وبعد ذلك جاء جون إستيورات ميل 1806 – 1873 الفيلسوف الليبرالي الكلاسيكي والذي يعد من أكبر المفكرين الليبراليين المنظرين لمبدأ الفردية ويعد كتابه (عن الحرية) من أشهر كتبه.

إذا قامت الليبرالية لتصور عام عالمي يقوم على الحرية الشخصية للفرد وبذلك حصل التقدم والازدهار، الغرب كان يعيش في ظلام دامس كالظلام الذي تعيشه الدول العربية الآن من جهل وفقر وبطالة واستبداد وعبودية ومستهلكين بدون تبادل حقيقي ولكنه خرج للنور وصنع حضارة عبر إيمانه بحرية الفرد والتي ساهمت في إبداعه وبدون تدخل من الدولة أو أي سلطة ودون قيود أو تابوهات تحجر عليه فكره الواسع.

وليست الفلسفة الليبرالية أبلغ وصفا وتعريفا من الحرية، فهي كمذهب وفلسفة تتمحور حول هذه القيمة الإنسانية العليا، فهي وسيلة الأفراد للتقدم والتطور وصنع حضارة، وفي الحرية تكمن السعادة، فليس أنبل من أن يكون الإنسان حرا ينعم بالأمان ويتحرر من الخوف والقهر والظلم والاستبداد.

ما تمر به الدول العربية منذ عقود هي حالة شبيهة للعصور الوسطى المظلمة في أوروبا حيث حالة من الجمود الفكري والاستبداد السياسي بقوة الفتاوى الدينية والعسكر صنعت عبودية طوعية كتلك التي تحدث عنها لابويسيه في مقاله عن العبودية المختارة، مكونة لبيئة جامدة ترفض كل اختلاف ونقد أو فكرة جديدة مما قتل الإبداع وساهم في تأخر المجتمعات وجعلها مجتمعات استهلاكية معتمدة على ما يأتي من الخارج بدون أن تنمي نفسها وتلحق بركب الحضارة.

حاولت عدة حركات عربية وأشخاص مثل حزب الوفد وحزب الغد والدكتور محمد البرادعي والدكتورة هالة مصطفى وغيرهم في نشر الفكر الليبرالي وثقافته لكنها واجهت عوائق عديدة مرتبطة بممانعات تقليدية وغير تقليدية، فهناك ممانعة مرتبطة بالدين فيعتقد كثيرون أن الليبرالية من خلال فصلها للدين عن السياسة فهي أتت لمحاربة الدين الإسلامي ولكن الليبرالية أساسا تعتبر الحل الأمثل لتلافي الاختلافات العقائدية والدينية ولا تعادي الدين إنما تضعه في مكانه الصحيح وهو أن الدين علاقة فردية بين الفرد وربه وليس فرضا ومفهوما لتسيير دولة عبر علماء مجتهدين مصيبين ومخطئين، والليبرالية بالواقع تساهم في وضع تصور لدولة مدنية متجددة الأفكار دائما لا دينية ولا عسكرية، والاثنين هم أقوى دعائم الاستبداد والديكتاتورية في التاريخ لأي نظام وما الدول العربية إلا صورة واضحة لمعاني الطغيان والديكتاتورية.

يواجه الفرد في الدول العربية الكثير من العوائق والتي تعيق تطوره وإبداعه منها الظلم والاستبداد والكثير من العادات والثقافات والاختلافات الدينية والسياسية والتي تفرض عليه قيودا تمنعه من التحرك بحرية وتسمح له بالسباحة في فضاء الفكر الواسع مما قد تساهم في صناعة حضارة حقيقية، ولذلك لكي نخرج من النفق المظلم فلا يكفي أن نبني فقط ديمقراطية بحرية سياسية فقط بل أن نؤطرها بأطر قانونية ودستورية تتمحور حول الحرية الفردية ونرد للفرد اعتباره ومكانته المستحقة في صنع المستقبل.

فعملية التحول الديمقراطي التي نحتاجها في الدول العربية تحتاج لشروط ثقافية وفكرية ومجتمعية لإتمامها تشمل إلى جانب الحرية السياسية والاقتصادية حريات أساسية مثل حرية الفكر والإبداع والتعبير والعبادة واختيار نمط المعيشة والحق في العلم والمعرفة وفي التميز والاختلاف، وترسيخ مفهوم الحريات الفردية التي هي جوهر الحقوق وأساس مبادئ حقوق الإنسان العالمية.

المراجع:

كتاب الليبرالية لباسكال سلان.

كتاب أزمة الليبرالية العربية للدكتورة هالة مصطفى.

مجموعة مقالات لعدة كتاب منشورة على موقع منبر الحرية.

*كاتب وناشط حقوقي من عمان

منبر الحرية،5 فبراير /شباط 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018