العودة إلى المربع الأول:الفشل الاقتصادي و السياسي في بلدان الربيع العربي

يعتبر الوعي الجماهيري المستمد من التعليم الجيد و الإرث السياسي المتراكم و الثقافة إحدى أهم ركائز ثبات المجتمعات في حالة الانتقال اللاسلمي للسلطة ، أما الإرث السياسي فقد كان مزيجا من النظام الدكتاتوري و مركزية القرار و بالتالي فإن الانقسام السياسي و الحزبي له مبرر نتيجة تباين المصالح الاقتصادية بين النخب و الطبقة الفقيرة الغير متعلمة.... .

ما أهمية الثورات إذا لم تحقق أهدافها ، لماذا لم يتم تحقيق هذه الأهداف و كيف كان من المفترض تحقيق هذه الأهداف؟

أسئلة أصبحت محل نقاش بعد مرور ثلاثة أعوام و نصف على بدء ثورات أو انتفاضات ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي و الذي تحول إلى شتاء اقتصادي و سياسي. السؤال الأول يفترض أن الثورات التي حدثت في سنة 2011 في عدة بلدان عربية لم تحقق أهدافها، فالفساد و البطالة و الدكتاتورية و قمع حرية الرأي كانت الأسباب المباشرة لهذه الثورات و النتيجة بعد بعد مرور عدة أعوام هي مزيد من الفساد ( حسب مؤشر منظمة الشفافية العالمية) في مصر و تونس و ليبيا و سوريا ، فكيف يمكن تبرير ارتفاع مؤشر الفساد بعد القضاء على الدكتاتوريات السابقة (ما عدا سوريا التي ما زالت الحرب فيها مستمرة) ؟ كما ارتفعت معدلات البطالة إلى مستويات قياسية بعد ثورة فبراير في مصر و أيضا في بقية البلدان التي حدثت فيها الثورات و كما انخفض الإنتاج و الاستثمار بشقيه المحلي و العالمي بحيث أصبح معدل النمو الاقتصادي منخفضا اكثر من معدلات ما قبل الثورة. في الجانب السياسي و الأمني، شهدت هذه البلدان تراجعا في الأداء الديمقراطي ( ما عدا تونس) و تشر منظمة فريدوم هاوس إلى تراجع مصر من مرتبة (حرة جزئيا) إلى ( غير حرة) و دخول سوريا في أتون الحرب الأهلية، و القتال بين القبائل و الفصائل المختلفة في ليبيا، فيما كانت تونس الأمل الوحيد نحو الوصول إلى واحة الديمقراطية.

إن الفرضية الجدلية المهمة و التي تعجز نظرية السياسة في إيجاد حل لها هي ماذا لو لم تحدث هذه الثورات ، في مصر، لو استمر نظام الرئيس السابق مبارك مع إصلاحات حقيقية ، هل كان الوضع السياسي و الاقتصادي بعد مرور ثلاثة أعوام هو أفضل أم الثورة التي خلعت وجوه النظام و أبقت على المفاصل و حدوث فوضى سياسية أدت إلى العودة إلى حكم العسكر مرة أخرى متزامنة مع تضرر اقتصادي هائل في العديد من القطاعات المهمة.

تفرض الإجابة على السؤال الثاني ( و هو لماذا لم يتم تحقيق الأهداف التي سعت إليها هذه الثورات ) قراءة النتائج إلى وصلت إليها هذه البلدان اقتصاديا و سياسيا. فقد كان الواقع الاقتصادي المزري بكافة متغيراته سببا مباشرا بالإضافة إلى فشل السياسات الحكومية في ظل الفساد و الحكم الدكتاتوري المقصي للآخرين . فللأسف كانت النتيجة هي مرحلة من اللااستقرار السياسي في مصر و النزاعات العسكرية في سوريا و ليبيا وبالتالي هروب رؤوس الأموال و توقف الإنتاج و زيادة البطالة حيث لم تستطع حكومات ما بعد الثورة من تحقيق الاتفاق الشعبي و انقسام الجماهير إلى اتجاهات متباينة خاصة في ظل تدخل الجيش في الصراع السياسي .

يعتبر الوعي الجماهيري المستمد من التعليم الجيد و الإرث السياسي المتراكم و الثقافة إحدى أهم ركائز ثبات المجتمعات في حالة الانتقال اللاسلمي للسلطة ، فمستوى الامية يعد كبيرا في دولة كمصر كما أنها تحتل مرتبة متأخرة في مؤشر التنمية البشرية ، أما الإرث السياسي فقد كان مزيجا من النظام الدكتاتوري و مركزية القرار و بالتالي فإن الانقسام السياسي و الحزبي له مبرر نتيجة تباين المصالح الاقتصادية بين النخب و الطبقة الفقيرة الغير متعلمة. و نفس الحال في سوريا و ليبيا ، بينما نجد أن تونس استقرت سياسيا بعد فترة زمنية ليست بالكبيرة بعد الثورة نظرا لمستوى التعليم الجيد و كونها تحتل مركزا متقدما ( بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى غير النفطية) في مؤشر التنمية البشرية.

إن العديد من الدراسات و الأبحاث في الاقتصاد السياسي تؤكد على أهمية الاستقرار السياسي في تعزيز النمو الاقتصادي و دور مبادئ الديمقراطية في تشكيل المؤسسات التي تحارب الفساد ، لذا كان الواجب تحويل الشرعية الثورية الجماهيرية إلى شرعية دستورية مدنية ، مع البدء في بناء المؤسسات و منظمات المجتمع المدني على أساس ديمقراطي ليبرالي و ليس أخونة الدولة أو عسكرتها من جديد، أو دخول الأطراف المتعددة في حرب أهلية، في حالة سوريا، كان يجب على المجتمع الدولي التدخل في الأشهر الأولى من عمر الثورة أو على الأقل تحييد البلدان الإقليمية الأخرى من التدخل الاستخباراتي و الجهد الميداني الذي كان من شأنه إطالة الحرب الأهلية إلى ما شاء الله .

لقد كانت كلفة إزالة ( أو محاولة إزالة) النظام الدكتاتوري كبيرة جدا على الصعيد الاقتصادي ، و الفترة الزمنية الطويلة التي ستأخذها لبلورة نظام سياسي ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان و يعزز التنمية الاقتصادية هي أيضا كلفة كبيرة لا تستطيع شعوب هذه البلدان تحملها نتيجة زيادة الفقر و زيادة الانقسام و التحزب و الحاجة إلى النمط الدكتاتوري الرشيد لضبط الفوضى و ترسيخ الاستقرار السياسي و من ثم البدء ببناء المؤسساتية الذي لا سبيل سواه لتحقيق أهداف ثورات الربيع العربي، و تظل المشكلة الرئيسية في السنوات الطويلة القادمة من الفقر و البطالة و التهميش التي قد تحمل في طياتها المزيد من الثورات المضادة .

* باحث أكايمي من العراق

منبر الحرية، 6 مارس/اذار 2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018