نجد في سياق الواقع العربي-الإسلامي تجليّات عديدة تصوّر و بشدّة المرتبة الدونيّة التي تقوم الثّقافة السّائدة بإسنادها للنّساء. نحن إزاء جمود مبهم حيث لا تطوير للتّشريع و لا ارتقاء بالخطاب و لا حتّى رغبة في الذّهاب نحو مجتمع لا يقوم على التمييز على أساس الجنس.
إذا ما سلّمنا من جهة بأنّ اللّغة ليست إلاّ أداة تعبيريّة يمتلكها العقل أي الفكر و بأنّها طوع إمرته و خادمته فإنّه يتسنّى لنا القول بأنّ إذا ما لاحظنا نقصا ما في اللّغة و تحديدا في حقلها المعجمي فإنّ اللّغة براء منه و اللّوم يتعيّن أن يقع على مستخدم اللّغة أي العقل والعقل هو الإنسان المفكّر.
و إذا ما سلّمنا من جهة أخرى بأنّ اشتغال الإنسان على اللّغة و تطوير معاجمها وإثراءها يأتي تلبية لحاجة هي أساسا إحقاق التواصل و إثبات وجود الشيء و التواضع على تسميته فإنّ ذلك يقودنا إلى القول بأنّ عدم استنباط لفظ ما لوصف ظاهرة ما هو يعني ضمنيّا نفي وجودها مطلقا.
لنأخذ مثال لفظ “ميزوجيني” من اللّغة الفرنسيّة و الذي تعود جذوره إلى اللّغة اليونانيّة حيث تعني “ميزو” البغض و الإحتقار. هذا اللّفظ لا نجد له مقابلا في اللّغة العربيّة. فالعرب يكتفون بالقول -و ذلك حديثا أي مع بدء انتشار الدراسات المبنيّة على منهجيّات العلوم الإنسانيّة الحديثة التي تمّت بلورتها أساسا في الغرب- كره أو بغض النّساء.
إنّ لغياب اللّفظ الذي نحن بصدده تفسيران اثنان. أوّلهما هو عدم حاجة الفكر العربي لاستنباط لفظ نشير به بصفة مختصرة و مدققّة وواضحة لثقافة كره النّساء نظرا لعدم وجود الظّاهرة كليّا و فعليّا صلب المجتمعات العربيّة. و ثانيهما هو عدم حاجة الفكر العربي لاستنباط اللّفظ الذي نتحدّث عنه لعدم إعترافه أصلا بأنّ ثقافة كره النّساء هي ثقافة سلبيّة وجبت مقاومتها.
أمّا التّفسير الأوّل فهو أبعد من أن يكون صحيحا ذلك أنّ الظاهرة التي نشير لها تتّسم ببعدها الكوني العابر للحدود الثقافيّة و الجغرافيّة. هي ظاهرة يكاد سنّها أن يكون سنّ الجنس البشري. فلا عقلانيّة للتفسير الأوّل البتّة. و أمّا التّفسير الثّاني فهو الأقرب إلى الوجاهة و هو الذي سوف نبني عليه طرحنا.
في الحقيقة لو كان العقل العربي قد إستفزّته على مرّ التّاريخ مشاهد التمييز و الاستغلال و البطش التي كنّ ضحاياها نساء عديدات لشعر بأنّ تلك المشاهد ليست بحوادث عابرة و معزولة بل تندرج ضمن ثقافة متوارثة و لها مبرّراتها من وجهة نظر أصحابها و لو شعر بتبعاتها السلبيّة على توازن المجتمع و على عجلة دورانه لحفر في اللّغة و أعطى الظاهرة حق الاهتمام و لكانت المقترحات و الحلول و التصوّرات أقدم سنّا و الحال اليوم أقلّ تعاسة.
يتحمّل الإرث العربي الإسلامي المثقل بالشعوذات الفقهيّة التي يصدرها علماء الشّريعة مسؤولية في بلوغ ثقافة بغض النّساء درجات قصوى. كيف لا وهو الذي لم يأخذ على عاتقه حتّى دراسة تمظهرات تلك الثقافة ماديّا و معنويّا دراسة تتّسم بالجدّة و الدقّة.
يبدو من غير المسؤول القول بأنّ الثّقافة العربيّة في شموليّتها تحتقر النّساء ذلك أنّ الشّعر و الأدب القديم قد اعتنى بالمرأة و أخرجها في حلّة بهيّة و في زينة فائقة الرّوعة.أنّ مردّ ما نحن بصدد التنديد به هو ذهاب الفقهاء منذ الإسلام المبكّر إلى أنّ الأنثى جنس ثان و ثانوي و هو فرع من الأصل الذكري و أن احتقار الفرع أمر عاديّ لأنّه لا يمت طبعا إلى الجوهر بصلة.
ليس بغريب على شريعة فرضت على الإناث التقيّد بلباس “شرعي” دون الذّكور بأن تستمرّ في نفي تشكيل بغض هذا الجنس و اعتباره وضيعا أمرا خطرا. نشير إلى الشّريعة لأنّ المجتمع العربي مجتمع مرجعيته الأساسيّة هي الدّين. فالدّين-عبر مأسسته- يصير يتحكّم في الثّقافة و يضعها على الطّريق الذي يريد.
ما يحيّر حقّا هو أن تظلّ المنظومة الثقافية العربية ككلّ في تأخّر جليّ و كأنّه قدريّ. ألم يكن من الممكن أفضل ممّا كان؟ ألم يكن من المتاح إصلاح ما أفسده السّلف؟ أليست ثمّة في وقت ما و في مكان ما فرصة لتجاوز جروح الماضي؟ ألم يحن الوقت بعد لكي ندخل المعاصرة من بابها العريض؟.
* باحث في العلوم القانونية و السياسية.
منبر الحرية، 14 مارس/اذار 2015