يوسف محمد بناصر27 أكتوبر، 20150
تعد الحرب التي بدأت أدخنتها تهب هنا وهنالك بــ"الشرق الأوسط"، دليلا على أن التطورات الجيو-سياسية بدأت تفرز قوى الصراع حول المنطقة بشكل واضح، وأن مصالح القوى الدولية المختلفة أمست مهددة، خصوصا منها التي للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا... .

تعد الحرب التي بدأت أدخنتها تهب هنا وهنالك بــ”الشرق الأوسط”، دليلا على أن التطورات الجيو-سياسية بدأت تفرز قوى الصراع حول المنطقة  بشكل واضح، وأن مصالح القوى الدولية المختلفة أمست مهددة، خصوصا منها التي للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، أما بقية بلدان مجلس التعاون فإنها تدافع عن بقاء حدودها آمنة إلى حدود الساعة، رغم أنها وجدت  نفسها  وسط “بقعة الزيت المتحركة”، فالفوضى تنتشر في العراق شمالا وسوريا وباليمن جنوبا والبحرين شرقا، هذه الأخيرة، لا تزال تحاول السيطرة على الوضع، كما الإبقاء حراكها السياسي  مسألة عادية وشأنا داخليا متحكما فيه. وبطبيعة الحال فإن  إيران لم تعد تراقب بقلق ما عليه الوضع والسكوت أو حتى التنديد به  بل بدأت تمارس نفوذها وتعيد ترتيب أوراق الصراع لتخدم وجهة نظرها ومصالحها، وتدخلها لم يعد شيئا مخفيا، وبطبيعة الحال فهي تحاول أن تسيج صراع المنطقة كله بنوافذ تمكنها من الدخول والخروج بأقل الاضرار الممكنة، وفي نفس الوقت بأكبر المكاسب؛ ولما لا، مادامت بعض خيوط الأزمة متحكما فيها وبعض الحلول لابد أن تمر عبر بوابتها ! هذا إن لم نقل كل الحلول، كالحل اليمني والبحريني والعراقي والسوري..، إنها دولة مصالح وسياستها الدبلوماسية مبنية على البرغماتية. وللأسف الجامعة العربية والدول المعنية مباشرة بالصراع، لا تمتلك رؤية إستراتيجية  إلى الآن، ولا خططا للتعامل مع الأزمة. وكل التدخلات أو المحاولات للتحكم في الصراع أو التخفيف من حدته، لا يزيده إلا تأزيما مما يطيل أمده ويعقد العلاقات الدولية، كما أن رؤية مختلف الأطراف تُغّيب إشراك منظمات الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين الآخرين، فإن الوضع يبقى على ما هو عليه.

ومنذ أيام أصبح التدخل الروسي المباشر أمرا محسوما مما أربك الأوراق والمواقف، وجعل التقاطب أمرا مفروضا بين الدول بحسب مصالحها ومواقفها من الأزمة السورية، وهذا الأمر جعل القضية السورية محورية فلا تمر مناسبة دولية إلا ويكون الحديث عن القضية في جدول أعملها أو على هامشه بعيدا عن فضول الإعلاميين.أما بالنسبة لتركيا التي كانت طورت رؤيتها الإستراتيجية على “صفر مشكل” في علاقتها مع الجيران، فقد أصبحت متورطة، اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا مع اللاجئين وعسكريا مع الأكراد ودبلوماسيا مع الروس ..، ويبدو أن الأمر سيتطور أكثر مع الاختراقات العسكرية الروسية للأجواء التركية، والكشف عن القواعد العسكرية التركية وكذا تموقع قواعد الناتو. وخلال الأيام المقبلة، لابد أن يكون هنالك اشتباكات واحتكاكات مادام اختراق أجوائها من طرف الطيران الحربي الروسي ممكنا، خصوصا بعدما تتصاعد عدد طلعاتهم الجوية بشكل  مستمر، بسبب ما سيسببه تغير خطط ما يسمى بــــــــــالدولة الإسلامية “داعش” وغيرها من الحركات الجهادية لتتناسب مع الطلعات الحربية للوافد الجديد. كما أن الجيش الحر الذي يوصف بأنه الجبهة المعتدلة للمعارضة السورية، ستكشف مواقعه للروس الذين يقفون في جبهة واحدة مع النظام السوري، مما يعني تفويتا للمعلومات الاستخباراتية والاستشارة الحربية وخوض الحرب بالوكالة، مما سيسبب خسائر للمواقع وللأرواح والعتاد، وهي خسائر مباشرة وغير مباشرة للثورة والمفاوضين عنها بالخارج، والأنكى أنها خسائر أخلاقية وعسكرية ودبلوماسية للقطب الغربي الذي يسلح تلك المعارضة، ويمدها بالدعم اللوجستيكي والتدريب وغيره، ولن تستطيع هذه القوى مجتمعة الرد بصرامة أو الوقوف في وجه “الدب الروسي” الذي شكل له نافذة كالإيراني يطل منها ويفاوض من خلالها على ما سيبدو له من مصالح، رغم أنف المجتمع الدولي بكل توجهاته، فكما سيورط أطرافا جديدة كتركيا والأردن ومصر..، سيحاول التكتل في حلف ولو جمع ذلك  كل المتناقضات،إذ من المحتمل أن تتورط فيه إسرائيل بشكل مباشر هذه المرة بقصد الدفاع عن حدودها وأمنها ومصالحها،كما تورطت إيران وحزب الله قبلا. وهذا الأمر كله يعد مهزلة النظام العالمي الجديد؛ الذي يعيش على الفوضى وخيانة لمبادئ الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية ويزيد من غموض السياسة الدولية، وكلما تورط في مثل هذه الحكايا يبدأ بتسمية الأشياء بغير مسميتها. وقد صدق قبلا من رأى وعمل على صياغة طريق للشرق الأوسط الجديد وتنبأ به، بل عمل على إثبات وجهة نظره، ففرض عن طريق تدخلاته فوضى ولكن هي غير خلاقة.

في الختام، يبدو أن المتغيرات الجديدة ستكشف عن أمد الحياة التي يتمتع بها  النظام السوري  ومدى عمق الفوضى التي تعم المنطقة، هذه الحياة كالتي تتمتع بها الفراشات وهي تحلق بسعادة على قنديل زيت حارق، تلك النهاية المأساوية المنتظرة، والتي من وجهة نظر أخرى، هي موت رحيمي، لكل الأطراف التي لم تملك الشجاعة لتصنع لها السلام أو تبحث عن الحلول الحقيقة التي تنهي مسلسل الدم الجارف، والذي يزداد يوما بعد يوم بعدما تورطت أطراف أخرى. وقد تكون كتلك الفراشة التي ترفرف بجناحيها في حركات “شواشية” لتنجو، ولكنها تغرق العالم من حولها في تسونامي من الفوضى. تطورت هذه المعضلة لتكون وجها جديدا للأقطاب التي تنمو وتتعزز يوما بعد يوم، لتفجر صراعا عالميا يحترق فيه الأخضر واليابس على الجغرافية العربية، التي تعاني أصلا من مخلفات الاستعمار والقبلية والطائفية والاستبداد..، وأخيرا الفوضى التي انتشرت في المنطقة وحروبها التي لا تنتهي، كما أنها فرصة سانحة  للأطراف المعنية بصياغة الخريطة الجيو-سياسية والتي تملك القوة والنفوذ والمصالح، لتصفية ما بقي من حسابات الحرب الباردة؛ التي نمت في القرم والحدود الأوربية الشرقية، على أرض غير أرضها وبأموال ليست من ثروات شعوبها.

* باحث في النقد الثقافي وقضايا التجديد في الفكر الاسلامي

منبر الحرية، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2015

                               © مشروع منبر الحرية      

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.
جميع الحقول المشار إليها بعلامة * إلزامية

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018