يوسف محمد بناصر

violent-god.jpg

إن الأديان السماوية تحاول التخفيف من التوتر الذي يزكي النعرات ويحفز العنف، ولكن يخطئ المتدينون في اختيار لحظات استمدادهم من المقدس، فيختارون لحظات الارتباك الإنساني كالحرب وسوء الفهم أو الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليتحول الدين لمقصلة عظيمة....... .

prayer.jpg

إن الفكر العلماني الذي يتحدث عنه بعض المثقفين العرب اليوم يبقى في بنيته الفلسفية ومرجعياته متعلقا بالفهم الأولي والمتعصب للعلاقة الحاكمة والناظمة بين المؤسسات والتصرفات الشخصية والمعتقدات الاجتماعية التي يتبناها الأفراد.... .

da3ich26_562028243-1.jpg
يوسف محمد بناصر5 أكتوبر، 20160

أصبح الفكر المتطرف في السياق الحضاري الإسلامي "لاهوت تحرير" في نسخته الإسلامية بعد النسخة المسيحية، وإرهاصات هذا المشروع كانت بداياتها منذ حرب أفغانستان، رغم أنه كان موجها ضد التوسع السوفياتي إلا أنه كان يحمل بين طياته بذور الاستقلال بالقرار ...

يوسف محمد بناصر10 سبتمبر، 20161

لقد كان النظام الإنساني الاجتماعي والأخلاقي، محصلة تراكم التجارب والتوافقات في التجمعات وبين الأفراد على مر العصور، فأغلب النظم التي تحكم عالمنا اليوم، إنما هي خلاصات التجارب الإنسانية في التاريخ... .

يوسف محمد بناصر14 يونيو، 20160

لقد سبق وان اعتبر الإمام علي فئة الخوارج بغاة وخواطئ، وعندما قارنهم بغيرهم من مخالفيه اعتبرهم طلاب حق، واليوم تلعب هذه الفئة على مشاعر المؤمنين بادعاء استرجاع القيم الراشدة التاريخية وبتمثل الحكم السديد....

يوسف محمد بناصر31 يناير، 20162

إن العقيدة المتطرفة ما كانت لتنمو لولا غياب الفكر النقدي وحرية التعبير عن الأفكار، ثم يأتي غياب وسائل تدبير الاختلاف والحكم في المرتبة الثانية، وهذه الأسباب الخطيرة، هي ما كان يؤطر مجموع عقائد الفرق المتطرفة على مدى التاريخ الإسلامي، ابتداء بالخوارج وانتهاء بالفكر "الداعشي" اليوم.... .

يوسف محمد بناصر27 أكتوبر، 20150

تعد الحرب التي بدأت أدخنتها تهب هنا وهنالك بــ"الشرق الأوسط"، دليلا على أن التطورات الجيو-سياسية بدأت تفرز قوى الصراع حول المنطقة بشكل واضح، وأن مصالح القوى الدولية المختلفة أمست مهددة، خصوصا منها التي للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا... .

يوسف محمد بناصر19 فبراير، 20110

استمرت لحظات انتفاض الشعب التونسي في تصاعد غير مسبوق وبنفس غير متوقع إلى أن أطاحت برأس النظام المستبد بالسلطة زين العابدين بن علي، فر الرئيس هاربا تاركا كل شيء خلفه في مهب الريح، بعدما فقد السيطرة على زمام ما كان يظن ،إلى وقت قريب، أنه تحت عينه وسلطته التي لا تقهر. إنه “الشعب المنتفض”، لتصبح تلك اللحظة التي أذيع فيها الخبر تاريخية بامتياز، نعم فتونس تحركت كبقعة زيت متوهجة أوقد نارها ونورها “المرحوم البوعزيزي”، ثورة عصفت بالسنين العجاف التي أحاطت جمهورية الزيتونة بقبضة من كهنوت سياسي وبوليسي مترع بالفساد المالي، فانهارت شعارات التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع صرخات الجسد المحترق، لقد وصلت درجة اختناق الحرية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية في ظل النظام التونسي حتى صار مضرب الأمثال وسنة للاقتداء العربي، لقد اختنقت أنفاس الشباب الذين خرجوا يرددون “لاءات” كثيرة ولكنها عميقة، لا للاستعباد، لا للقمع ، لا تكميم الأفواه، ولا للنهب والاختلاس، نعم للحريات نعم للتعددية، بكل عفوية انتفضوا على ثقافة الانبطاح والاستبداد والخوف، لقد احترقت شرعية النظام التونسي في رمشة عين كما ستحترق غيرها من الأنظمة، صارت لحظة الثورة ناضجة بعد طول انتظار، وحان موسم عربي جديد، انطلق من بلاد الزيتونة، تجتث فيه أشجار علقمية المذاق ثمارها قهر واستبداد لتنفى بعيدا وتستبدل بأشجار تثمر في موسم ربيعي نظام الحريات والتعددية والكرامة ودولة الالتزام بالقانون والحقوق والمساواة.
اعتمد النظام التونسي البائد على تسويق صورة مزيفة عن نفسه وعن نموذجه القوي، القادر على التحكم والرقابة، فقد خرب الأحزاب – يسارية كانت أو إسلامية- وجعلها غير قادرة على الحركة والعمل السياسي، وحاصر حراك المجتمع المدني، واعتمد بسط السيطرة بشكل شمولي على كل القطاعات الحيوية، اقتصادية ومالية وإعلامية وسياسية، دجن بعض المثقفين، كما صنع نخبا أخرى لتدور في فلكه وتلمع نموذجه المتقدم زورا، وعذب وسجن المعارضين أو طرد أغلبهم خارج البلاد، ثم خلق اقتصاد الريع ليستفيد أزلامه ليكونوا حماة النظام أو ليتحكم في بقايا المحرومين من الذين قد يحقدون على الوضع أو ينفلتون في لحظة غضب، فيخربون وينهبون ويقتلون ببشاعة كما قد يحصل عند سقوط أي مستبد.
عندما أحكم النظام التونسي الخناق على ميادين التنفيس الشعبي وعلى المنظمات والأحزاب والهيئات ونمطها لصالحه، فقد في ذات الوقت السيطرة على الحراك الطبقي والاجتماعي، لتتوسع الطبقة الوسطى المثقفة، كما ترسخ الوعي السياسي فيها مع ارتفاع نسبة التمدرس وتوسع خريجي التعليم العالي، ليكون هذا التحول البنيوي الدقيق هو النقطة التي ستفيض الكأس، لأنها ساهمت في تسريع خطى انهيار النموذج البوليسي المترهل، فانتفض الشعب في لحظة حاسمة تحدوه الحماسة لصنع نموذج ديمقراطي صاعد، يتناسق مع طموحاته ويستجيب لحاجاته الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية.
إن الشعب التونسي اليوم بانتفاضته الشعبية الشبابية يعد مثالا صادما للمجتمعات التي تعيش في نفس الوضعية لزمن ممتد، لذلك فأمواج الانتفاض ستكون متلاحقة شيئا فشيئا لتعم غالبية الأنظمة الشمولية، التي رزحت بتخلفها الفكري والسياسي على الشعوب، وكل المؤشرات تشير إلى النظام المصري المتهالك الذي أمسى هو التالي في قائمة الأنظمة العربية التي سيخضعها موج “تسونامي التفكيك الشعبي” لقانونه.
والإشكالية المطروحة الآن أن الشعوب ستتحرك بدون قيادات ملتزمة بمشروع إصلاحي أو أيديولوجي يحفظ القيم التي انتفض الناس من أجلها في برنامج عملي، ليصبح حراكهم عفويا تعبيريا وفي غالب الأحيان فوضويا، غير مؤطر بمنهجية سياسية واعية وفاعلة، وهذا ما سيتجلى في الانتفاضة المصرية إذا لم يتدارك الأمر في وقته، إنها حماسة الخروج من التيه السياسي العربي، حماسة اكتشاف الذات خارج سلطة القمع وخارج النظام المستبد، لقد تولدت لديهم الرغبة في التحدي، ولو تعلق الأمر باكتساح جحافلهم لشرطة القمع بصدر عار أو الوقوف بتحد أمام طلقات الرصاص، تلك الرغبة والتحدي لم تكن لتظهر لولا الإشباع الذي وصلته النفوس والضمائر من كرهها لثقافة الاستبداد والترهيب التي لا ينتهي لهيبها، فطربت النفوس بقوة لجاذبية التحرر وإرادة التخلص من الضيق الاقتصادي، فحان لزوما الوقت للانتفاض من أجل أن تؤسس ثقافة جديدة مبنية على هذه الحاجات، ولا منة لأحد من “الأحزاب السياسوية” المتخمة بالشعارات الجوفاء والموضوعة تحت تصرف قيادات الفكر القروسطوية أو التاريخ العجائبي، لا منة لأحد من هؤلاء ولا من أولئك على الشعبين التونسي ولا المصري إلى الآن، ولا منة لزعيم سياسي عليهم قد يتسمى مستقبلا بقائدهم الملهم أو الثوري، ولا منة لبرنامج أيديولوجي أو حركة ثورية أو تنظيم سري عليهم..، هم أنفسهم يمنون ويمتنون شبابا وشيبا، نساء ورجالا، على أن انتفاضتهم عملية سلمية شعبية لاعنفية شهد لها العالم ولا يزال، فهم أقاموها بعرق جبينهم وبأيديهم وبدمائهم وبعفويتهم السياسية، وقد جوبهت برصاص أنظمتهم المتمرس للقمع، لكن كانت إرادتهم أقوى وصدورهم أمتن وصفوفهم متراصة، فالعنف لا يولد إلا العنف والكراهية والانتقام، ولا أحد من مصلحته أن تتأجج مشاعر الانتقام، لأنها ستحرق في طريقها الأخضر واليابس، والشعب الذي يتبنى الفعل السلمي بشكل عفوي ذكي سياسيا وثقافيا، لأنه يرفض الوقوع في هفوة العنف والصراع المسلح أو على الأقل يؤجله كخيار صلب بعيد يمكن اللجوء إليه كآخر حل عند سقوط الحلول المرنة، وهو ما قد لا تفطن له بقية الشعوب وحتى الأنظمة التي تطمح لاستنساخ هذه التجربة أو تلك هنا أو هناك، فالظروف المختلفة والوضع الجيوسياسي والثقافي والإثني والديني كلها تحكم استعمال العنف عند الإنسان، وبطبيعة الحال فالعنف هو شيطان قابع في الجنس الإنساني يتقنه منذ حادثة ذبح هابيل مرورا بثقافة الحروب والانتصارات الدموية التاريخية التي كرست منطق الإلغاء والسيطرة، أفعال مستهترة بالأنفس والعقول كتبت على أنها بطولات وفضائل، لتمتد إلى الحاضر تخرس مواقف السلم وتربك مجتمعات التعايش لتجعلها محبة للدماء ومتعطشة للفوضى والانقسام، وأبرز مثال على ذلك العراق والسودان، والله أعلم من في القائمة أيضا.
إن تجربة الشعب المصري اليوم في انتفاضته لا تختلف كثيرا عن الانتفاضات التي ستقع في بلدان عربية كثيرة خصوصا ذات الأنظمة الجمهورية، فهذه الأخيرة، لم تعد لها أي شرعية تاريخية أو سياسية أو أخلاقية، خصوصا بعدما طالت سنوات حكم المستبدين بها فتأكد أنها ولدت ميتة بلا معنى، حتى ولو كانت أسماؤها تقدمية تنهل من ثقافة التنوير السياسي الأوربي زورا، فكثير من الأوصاف السلبية مشتركة بينها والتي منها انفراد الحزب الواحد بالمواقع والسلطات والقمع البوليسي للشعب والإبقاء على حالة الطوارئ التي لا تنتهي، وانفراد القائد بكرسي الرئاسة، وإصدار دستور مقدس يصب في مصلحة توالي سنوات حكم الحاكم المستبد أو لنقل ملكية الجمهورية والقصر الرئاسي لابن الحاكم أو زوجته بعد عمر برزخي.
سئمت الشعوب نفسها وسفهت أحلامها تحت حكام الجور والاستبداد، الذين انفرد العالم العربي لوحده بهم دون سائر البلدان، التي سارعت للتخلص مما علق بها من أيديولوجية الأنظمة الشمولية البائدة، والتي انهارت منذ أزيد من عقدين وبالأحرى توالى انهيارها منذ واقعة سقوط جدار برلين التاريخية، واليوم لم يعد من السهل إقناع الشعوب العربية بالعودة للخلف، فخطابات التبشير ولى زمانها، كما أن ترقيع ما بقي من الحياة السياسية والاقتصادية مرفوض تماما، و”منح” دساتير وحريات وحقوق صورية أو إطلاق إصلاحات مجتزأة وغير واضحة غير مقبول، لأن كل هذه الشعوب الآن امتزجت عندها مشاعر الإصرار على التغيير الجذري بمشاعر الوجود في الحياة، كأنها اللحظة فقط اكتشفت جمال الطريق السوي نحو عالم الديمقراطية ومتعة العيش في النور بعيدا عن الظل والظلام.
‎© منبر الحرية،9 فبراير/شباط 2011

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018