هذه أول مرة يصل فيها الانقسام الأمريكي لهذه الدرجة من الحدة قبل انتخابات رئاسية، فترامب المرشح الجمهوري و اليميني يطرح خطابا عنصريا ويتبنى أطروحة الخوف من الأقليات و المسلمين و الخارج، أطروحات ترامب لا علاقة لها بقصة نجاح الولايات المتحدة منذ نشوءها ولا بالأوضاع على أرض الواقع، فلا المسلمين إرهابيين ولا الخارج المهاجر خطر على الولايات المتحدة، بل بالعكس لولا المهاجرين ودورهم، ومنهم المسلمين، لما كانت الولايات المتحدة بهذه القوة والنجاح. إن العزلة وبناء سور مع المكسيك ومنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة وإعادة الكثير من المهاجرين لبلادهم سوف يزيد من مشكلات الولايات المتحدة وينهي تفوقها ونجاحها. من جهة أخرى فإن مرشحة الحزب الديمقراطي ومرشحة المؤسسة الحاكمة الأمريكية هيلاري كلينتون تمثل النقيض لأطروحات ترامب الأكثر تطرفا. إذ تعتقد كلينتون بأن الانفتاح على الأقليات والسعي لبناء اقتصاد حساس لمسألة العدالة وفتح فرص جديدة والاستثمار في التعليم بصورة يمثل أساس المدخل لإعادة بناء أمريكا، في هذا كلينتون لن تكون إلا استمرار لمدرسة أوباما التي انبثقت بعد الأزمة الأمريكية الاقتصادية في ٢٠٠٨، لقد نجح أوباما في تفادي كساد كبير كالذي حل بأمريكا في ثلاثينات القرن العشرين.
تقع هذه الانتخابات في ظل أزمة الولايات المتحدة العالمية والتي تتميز ببيئة دولية تحتوي على صعود الصين و روسيا، كما تتميز بارتباك السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط وفي سوريا والعراق وأفغانستان بالتحديد. فالولايات المتحدة تبدو غير قادرة حتى اللحظة على الخروج من دائرة الارتباك التي سببتها لها أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
ستفوز هيلاري كلينتون، إلا إذا وقعت مفاجأة كبيرة على شكل عمل عنيف يستهدف أمريكيين ويدفع بأجواء العنصرية والخوف. فهذه أول مرة تنافس فيها امرأة على منصب رئيس الولايات المتحدة، وهذه أول مرة يكون فيها مرشح احد الحزبين (ترامب) بلا أدنى تجربة سياسية بينما يتهمه الكثيرون ومؤخرا صحيفة الاتلانتيك بالعنصرية والكذب، بل دعت الناخبين للدفاع عن أمريكا والتصويت لمنافس ترامب لما يشكله من خطر على النظام الأمريكي. ترامب الشعبوي و اليميني المعارض للنخبة في الولايات المتحدة هو الإنذار الأخير لهذه النخبة. عدم مقدرة النخبة الحزبية الأمريكية من الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري التقليدي على بناء وسط عام سيخرج لها في المستقبل شخصيات لا يحدها مبدأ أو تاريخ. وهذا سيكون مدمرا للتجربة الأمريكية الليبرالية بكل أبعادها.
إن الخوف الذي سمح لترامب بأن يكون مرشح الحزب الجمهوري هو ذاته الذي أدى لصعود اليمين في أوروبا. هذا اتجاه يتفاعل مع الكراهية للإسلام مع العنف والإرهاب كما وقع في الغرب من قبل جماعات متطرفة، كما ويتفاعل مع الأزمة الاقتصادية وزيادة التفاوت بين الناس وخسارة المواطنين لحقوق وامتيازات أمام ضعف النمو الاقتصادي. لكن الخوف، كما يثبت التاريخ، يتحول لنقمة أكبر وهو مدمر للاقتصاد والاستثمار والتنافسية، فهتلر وموسيليني والتجربة الطويلة مع الستالينية لم تأتي علي البشرية إلا بالدمار .
لو حصل غير المتوقع وفاز ترامب فكل التقديرات تؤكد بأن ترامب سيسلم معظم المهام لنائبه ولمستشاريه. ترامب يعد وسط أمريكا وصغار موظفيها من البيض بأن ينتقم لهم من الشركات والمؤسسات التي أعطت وظائفهم لعامل في بنغلادش أو آخر في المكسيك، انه يعد باستعادة أمريكا البيضاء. و حتما لن يكون ترامب ملتزما على الأقل لفظيا بأدنى مراتب حقوق الإنسان، كما أنه سيعتبر إسرائيل وسياساتها قلعة العلاقة والتحالف. إن أفكار ترامب تنتمي لعصر آخر، وهي أفكار لن توقف التنوع الكبير الذي يحرك الاقتصاد والمجتمع الأمريكي المعاصر.
في هذه الحملة سباق رئاسي يزداد صعوبة والميزان فيه يمينا ويسارا يتوقف على المفاجآت. لكن الأمور بسبب سوء المنافس دونالد ترامب ستعود وتصب لصالح هيلاري كلينتون. هذا كله لا يضمن الفائز في انتخابات الكونغرس، حيث التنافس الآن على ثلث مقاعد مجلس الشيوخ وجميع مقاعد مجلس النواب.
المصدر: الوطن
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
منبر الحرية، 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016
ستفوز هيلاري كلينتون، إلا إذا وقعت مفاجأة كبيرة على شكل عمل عنيف يستهدف أمريكيين ويدفع بأجواء العنصرية والخوف. فهذه أول مرة تنافس فيها امرأة على منصب رئيس الولايات المتحدة، وهذه أول مرة يكون فيها مرشح احد الحزبين (ترامب) بلا أدنى تجربة سياسية.... .