عزمي عاشور

عزمي عاشور2 يناير، 20120

كان إجراء الانتخابات المصرية مسار شد وجذب في نواحي كثيرة أبرزها، هل نبدأ بها أم بالدستور، ثم جاء الجدل بعد ذلك ما بين القوى السياسية حول الأسلوب الأمثل للانتخاب، والسؤال الذي يراود الكثيرين الآن، هل إجراء الانتخابات في سياق المرحلة الانتقالية بكل تفاعلاتها يعكس مغزى العدالة داخل المجتمع وتكون دستورية، ولن تبطل فيما بعد.....

عزمي عاشور15 ديسمبر، 20112

الثورة المصرية كانت ثورة مدنية للطبقة الوسطى التي التحمت فيها مع أبنائها بعيدة عن التوظيفات الدينية، وهو ما أدهش هذه القوى الدينية نفسها قبل النظام مما جعلهم يلتحقون بها كجزء من الكل وليس ككل كما كان مسيطرا في عقليتهم في كونهم هم المهيمنون على الشارع .....

عزمي عاشور29 يوليو، 20112

التحق الإخوان بالثورة في وقت لاحق من قيامها إلا أن ذلك لم يكن يميزهم عن غيرهم مع باقي فئات القوى السياسية الأخرى التي انصهرت تحت علم مصر وروح الوطنية المصرية التي طالما كانت بدورها محل جدل عند الإخوان أنفسهم...التفاصيل،

عزمي عاشور15 يونيو، 20110

إذا كانت ثورة الشباب استطاعت بقوتها ان تقتلع نظام مبارك من السلطة بعد ثلاثين سنة حكم ديكتاتوري، فهل تكون لهذه القوة الخفية تأثيراتها الإيجابية على عقلية النخبة والقوى السياسية الأخرى التي تتباين فيما بينها من أقصى اليمين لأقصي اليسار، ليصبحوا غير ما كانوا عليه في الماضي من الاختلاف الشديد المتباين فيما بينهم....

عزمي عاشور7 مايو، 20110

دائما ما يلعب أصحاب الأيدلوجيات الدينية والسياسية على كسب الكتلة الصامتة غير المسيسة أو المؤدلجة في المجتمع لصالحهم، وهم في ذلك تتعدد مداخلهم انطلاقا من أن المجتمعات العربية هي بطبيعتها مجتمعات متدينة ويلعب الدين دورا كبيرا في تشكيل عقليتها وطريقة تفكيرها. من هنا جاء مدخل الإسلام الراديكالي إلى عقول المجتمع باللعب على هذه الطبيعة المتدينة ومحاولة كسبها في صفها بناءا على هذا المتغير.....

عزمي عاشور6 ديسمبر، 20101

يرتبط وجود  الدولة ككيان جغرافي وبشري بمجموعة من الوظائف التي تبدو بديهية، إلا أن الفشل في أداءها أو القيام بها بالشكل الأمثل  يكون كارثيا،  يأتي في مرتبتها الأولى الوظيفة الإنمائية التي تتحدد ملامحها في قدرة الدولة على تهيئ الحرية، والإطار المؤسسي القادر على تحقيق نهضة تنموية بتعظيم وتوظيف القدرات والموارد الطبيعية والبشرية بمنهج وأسلوب عصري، يؤدى إلى الارتقاء المعيشي والتعليمي والثقافي لمواطني هذه الدولة والانتقال بهم من وضعية التخلف إلى وضعية التقدم. ثانيهما الوظيفة الأمنية سواء كان الأمن في شكل جيش قوى يحمى حدود هذا الوطن من الطامعين في أراضيه، أو في شكل جهاز أمن داخلي يستطيع أن يحافظ على أمن المواطنين معليا من قيمة القانون وتنفيذه على الجميع دون تفرقة أو محاباة لفرد أو فئة على حساب أخرى. هذا فضلا عن وظائف أخرى كثيرة تجسد مفهوم الدولة التنموية يأتي على قمتها وظيفة الاندماج القومي، والتي تكون من محصلتها أن يشعر أفراد الوطن بكيان الوطن الفوقي على الجميع والذي  يترجم في عملية تفاعلية من البشر ومؤسساتها  بحيث تعم فائدتها على الجميع دون تمييز .
فالملامح المحددة  لشكل الدولة في العصر الحديث  تظهر في مدى قدرتها على إعلاء قانونها ومؤسساتها على قوانين هذه  الجماعات والإثنيات الفئوية بداخلها،  بشكل لا يخلق تميزا لفئة على حساب أخرى، وإنما  ينم عن العدالة وتحقيق المساواة أمام مبدأ المواطنة الذي يتساوى عنده الجميع. والدول التي يوجد بها مشاكل كثيرة متعلقة بقضايا الإثنيات  والتنوع الديني  كانت قدرتها على ترجمة هذا المتغير إلى منجي لها من كوارث قد تؤدى إلى مجازر أو إبادة جماعية يقوم بها البشر تجاه بعضهم البعض. والمثال الأوضح على تطبيق هذا المبدأ يظهر في دولة الهند  التي استطاعت رغم كبر عدد السكان المتنوع اثنيا ودينيا والذي تجاوز المليار نسمة، يقع70 % منهم تحت خط الفقر، من إعلاء مفهوم المواطنة بترجمته في مؤسسات الدولة وقوانينها وخلق ما يشبه المواطن الهندي الواحد بصرف النظر عن  إثنيته أو دينه .
والناظر إلى الكثير من المجتمعات العربية بات يلحظ مؤشرات كثيرة تنم على أن الدولة الوطنية لم تبن بعد، على الرغم من مرور كل هذه السنين من التجربة والممارسة للحكم الوطني، وهو الأمر الذي يطرح التساؤلات الكثيرة حول هذا التأخر. فبات هناك ما يشبه التراجع في مفهوم الدولة في مقابل نمو وازدياد قوة تنظيمات وجماعات قد تكون فئوية أو دينية، تأخذ شكل موازى ومضاد في الغالب للدولة وظائفها. وهي كلها مؤشرات إن دلت على شيء فهي تدل على خلل كبير مرتبط بأن الدولة كمفهوم وممارسة لم يقم تحقيقه على أرض الواقع  والأمثلة كثيرة هنا، إلا أنه تبقى هناك أمثلة لنماذج أولها يمثل نماذج حرجة والأخرى يمثل مؤشر إلى أنه في حالة استمرار الأوضاع  بهذا السوء سوف تتحول إلى هذه الحالة التي تفضي إلي انهيار الوطن.
أولا: النماذج الحرجة تتمثل في حالة العلاقة ما بين الدولة اللبنانية والتنظيمات والفصائل التي تعيش في داخلها، فهناك ما يشبه الفصائل الموازية للدولة ليس على مستوى المضمون وإنما في مستوى أداء الوظائف  من القيام بالوظائف الأمنية، ليس في الداخل وإنما على الحدود أيضا في شكل  ينم على عدم الاعتراف بشكل ما بمفهوم الدولة اللبنانية، هذا ناهيك عن حالات الانقسام الأخرى التي يزرعها بداخل المجتمع مثل هذا الوضع من  تنميط  الشعب  اللبناني في  شكل انتماءات دينية وإثنية تعلو أو تهدم بالأساس كل ما يتعلق بمفهوم الوطن بمؤسساته. يجسد هذه الحالة بشكل عملي حزب الله في لبنان الذي أصبحت ممارسته الموازية والمضادة بطبيعة الحال  للدولة اللبنانية واضحة للعيان. لعل آخرها دعمه للأمين العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء المتقاعد جميل السيد وتنسيقه لاستقبال رئيس الإيراني لزيارة لبنان ليس عن طريق البرتوكولات المتعارف عليها، وإنما على طريقة برتوكول اللادولة في أن يستقبل فصيل مناوئ داخل دولة رئيس دولة، وما يحمله ذلك من دلالات أبرزها هو عدم الاعتراف بالدولة ومؤسساتها وأنه فوقها …، وبروز مثل هذه النماذج في دولة ممثلة في لبنان من شأنها أن يجعلها دائما دولة في مهب الريح في سبيل أن تكون بؤرة لتنظيمات مسلحة تتقاتل فيما بينها، الأمر الذي قد يؤدى بها في النهاية إلى أن تصبح أحد الأحياء التابعة لدولة أخرى أكثر تنظيما في الجيش وقدرة  على إدارة الحكم، ولتكن في ذلك إسرائيل التي حاولت مرارا احتلال لبنان في السابق.
ثانيا: النماذج التي من الممكن  أن تتحول إلى حالة حرجة، ومعظم الدول العربية ليست ببعيدة عن هذه الحالة. فعلى سبيل المثال، الدولة  المصرية على الرغم من كونها  تتميز عن باقي الدول العربية في كونها استطاعت بعد فترة الاستقلال أن تخلق ما يشبه الاستمرارية  في نخبتها حيث عمليات انتقال السلطة كانت تتم بشكل سلمى من نخبة سابقة رحلت إلى نخبة تالية، في حالة ندر أن وجدت في النظم الجمهورية العربية الأخرى التي كانت تنتقل فيها السلطة عن طريق انقلابات..، وهو الأمر الذي خلق بشكل ما قدر من المؤسساتية ظهرت  تطبيقاتها في وجود مؤسسة قضائية كل يوم تصدر أحكاما قضائية  لا تفرق فيها بين وزير وغفير على حد تعبير  المصريين،  وعلى الرغم من كل ذلك تستشعر الآن أن ثمة  أمور تحدث قد تؤدى إلى أضرار جسيمة في المستقبل،  وهي المتمثلة في بروز أيضا أدوار موازية لدور الدولة ليس بمثل الحالة اللبنانية، وإنما بشكل آخر ينم أنه ثمة مشكلة في حاجة إلى حل، أبرزها في هذه الحالة  الوضع السياسي للكنيسة القبطية التي تحولت لأن تكون وطنا موازيا للدولة، فالفرد الذي ينتمي إليها دينيا باتت هي الملاذ له، وليست مؤسسات الدولة،  عندما يقع عليه ظلم. تتعدد هنا الأسباب  ربما أبرزها خفوت دور الدولة كمفهوم وممارسة للوطن وبروز أداور موازية أخرى قد تكون في الكنيسة أو في المسجد أو في عمليات الاحتقان الطائفي التي تغذيها رموز التطرف الديني لدى الجانبين، ومن ثم لا يلبث أن يتحول موضع تحول ديانة شخص إلى مشكلة تهز المجتمع أو تصريح يقال بشأن الآخر إلى موضوع تظهر فيه المظاهرات وتعلوا أصوات الغضب. يحدث هذا في ظل أولويات أخرى غائبة كان من الضروري البحث والتظاهر من أجلها، كل ذلك مؤشرات لا تعكس قوة للمجتمع ولا قوة للدولة الوطنية بقدر ما تعكس قوة للفئوية والطائفية على حساب الوطن والمجتمع الذي يشكل الحضن الآمن للجميع من عنف الداخل وتهديدات الخارج.
*كاتب ومدير تحرير مجلة الديمقراطية بمصر
‎© منبر الحرية،3 دجنبر/كانون الأول 2010

عزمي عاشور18 نوفمبر، 20100

بعدما كانت أوروبا في الماضي مسرحا لحربين عالميتين في النصف الأول من القرن العشرين راح ضحيتهما  الملايين من الأبرياء، أصبحت  الآن أرضا للتعاون والتكامل فيما بين دولها، فقد تعلمت  دول هذه القارة العجوز المتعددة اثنيا ولغويا الدرس جيدا  في أن  لغة المصالح هي خير رابط بين شعوبها، وان وجود التنظيمات الدولية  ليس كافيا في حد ذاته لمنع الصدام، فوجود عصبة الأمم، على سبيل المثال،  بمبادئها السامية لم يحل دون قيام  الحرب العالمية الثانية، ومن ثم كان البحث عن شكل مؤسس يشكل حائط صد يمنع اندلاع  الحروب بقدر الإمكان. وقد  وجد المخلصون من الساسة الأوروبيون ضالتهم في إقامة اتحاد تعاون تكاملي يرتبط بالواقع أكثر مما يرتبط بالأفكار المثالية،  فجاء إنشاء الاتحاد الأوروبي بنواته الأولى في عام 1957  القائمة فلسفته بربط الدول الأوروبية فيما بينها في تفاعلات وتعاملات اقتصادية، تكون له فوائد مضاعفة  تعمم على الدول التي تدخل هذا الاتحاد، واستطاعت  هذه الدول على مدار الخمسين سنة الماضية أن تضع الشروط وتهيئ الظروف لانتقال الدول الأوروبية من وضعية اقتصادية وسياسية متدهورة إلى وضع أفضل لتلحق بدول  هذا الاتحاد   وتستفيد من  نفس المزايا الاقتصادية التي سبقتها إليه هذه  الدول.
وإذا كان هذا النموذج التكاملي قدم دليل عملي في قدرته على منع الحروب حتى بين المختلفين دينيا واثنيا ولغويا مثل حالة الاتحاد الأوربي، إلا انه  في المقابل  نجد أن غياب مثل هذه  النوع من التكامل في مناطق  أخرى من العالم كان سببا  في قيام  النزاعات، بالأخص في المنطقة العربية والقارة الإفريقية  التي لم تستطع دولها بعد أن تخلق لنفسها إطار اقتصادي تعاوني وتكاملي  فيما بينها،  على غرار دول الاتحاد الأوربي حتى وان كانت هناك مشاريع واتفاقيات لذلك، إلا أنها تكون  على الورق ولا تمت للواقع بصلة،  وفي الآونة الأخيرة برزت على سطح الأحداث توترات بين دول حوض النيل بسبب أن دول المنبع ، إثيوبيا  وكينيا  واغندا وتنزانيا  وبروندى ورواندا، وقعت اتفاقية فيما بينهما بدون دولتي المصب مصر والسودان في  أن يكون لهم الحق في إقامة مشروعات دون الرجوع إليهما، وقد يبدو هذا حق مشروع في الاستفادة من مياه النيل التي تمر بأراضيها،  إلا أن عملية الانفراد بالاتفاقيات والمشاريع دون بقية دول المصب قد يكون  فيه  سوء نية  الإضرار بمصالح  هذه الدول التي ارتبطت حياتها عبر آلاف السنين بمياه النيل، الأمر الذي خلق ما يشبه الحق والميراث التاريخي  في مياه النيل، ومن ثم  باتت إقامة أي مشاريع من شانها أن تؤثر حاليا أو مستقبلا على كمية المياه الذاهبة إلى دول المصب على الرغم من وجود اتفاقيات دولية  تنظم  العلاقة فيما بين دول  حوض النيل وبالأخص  اتفاقية عام 1929 وعام 1959.  وعند النظر إلى الأمور  بشكل واقعي بعيدا عن التفسيرات القانونية  والحقوق التاريخية  -التي ترى الدولة المصرية أنها مكتسبة- نطرح السؤال التالي:  إذا كان نهر النيل يشكل سواء  من منابعه في وسط إفريقيا أو من الهضبة الأثيوبية  ومرورا بالسودان،  أهمية إستراتيجية للدولة المصرية  بمثل هذا الشكل،  فهل  الدولة المصرية قامت بدورها في الحفاظ على هذه الأهمية الإستراتيجية لنهر النيل ؟
لقد تعاملت الدولة المصرية على مدار الفترات الماضية مع  ملف حوض النيل بنفس المنطق الذي تعاملت به في قضايا كثيرة، وشهد تراجعا لدورها فيه سواء في الساحة العربية أو في الساحة الإفريقية،  إلا أن المشكلة بالنسبة لدول حوض النيل تبدو مختلفة تماما. حيث أن أي نزاع مع أي دولة  قد لا يسبب أضرار مثلما يسببه النزاع مع دول حوض النيل، فالنزاع مع دولة مجاورة نهايته قطع العلاقات أما مع دول حوض النيل  فمعناه قطع المياه، ومن هنا ليس من العيب مراجعة السياسة التي اتبعتها الدولة المصرية في الماضي، فالأمر في هذه المرة لا يقل خطورة عن الاعتداء على أراض مصرية،  وهذه ليست دعوة للدخول في نزاعات بقدر ما هي دعوة لإعادة التفكير في مداخل واقعية تضمن حلول ترتبط بتحقيق مصالح لدول حوض النيل دون  التعدي على حقوق مصر المائية في دول حوض النيل.
وفي هذا الإطار هناك ثلاث مداخل مختلفة  تشكل طريق مناسب  يجنب الدخول في صراعات  ويعمم الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية الموجودة في دول حوض النيل،  وهي المدخل الدولي international approach ، والمدخل الإقليمي  the regional approach ، ثم المدخل المحلي the local approach  .
وعلى الرغم من أهمية المدخل الدولي والمتمثل في جهود المنظمات الدولية كالبنك الدولي واليونسكو وغيرها من المنظمات المعنية بأزمة المياه في المنطقة، إلا أن قيمتها الأساسية تكمن في أنها مدخل مساعد للمدخلين الآخرين: الإقليمي والمحلي  في أن يفعلا من قدراتهما لحل أزمتهما المالية، وعلى الرغم من أهمية المدخل المحلي والمعني بكل دولة على حدة في قدرتها على ترشيد واستخدام وسائل أفضل في تعاملها مع المياه، إلا أننا نجد أن المدخل الإقليمي هو الأقرب والأنسب  في حل المشكلات المائية سواء المتعلق بها بالأمن الغذائي والندرة المائية، أو حتى المتعلق بالصراعات السياسية الناتجة عن هذا الأمر والذي عن طريقه  أيضا يمكن توظيف المدخلين الآخرين الدولي والمحلي في نطاقهما.
والمدخل الإقليمي المقصود هنا  هو منهج الإقليمية الجديدة القائم على إقامة المناطق الاقتصادية المشتركة أو المترابطة economic package. والمبني بالأساس على هدف أساسي هو تناسي الخلافات السياسية في مقابل المغريات الاقتصادية الناتجة عن هذا التعاون، وتكمن أهمية هذا المدخل التعاوني في انه قائم على وجود خطر مشترك قد يهدد حياة الجميع في هذه الحالة (أزمة المياه )، والتي ينتج عنها صراعات سياسية. ومن اجل تجنب ذلك توجد عن طريق هذا المدخل إمكانية استبدال الصراع، الذي يصعب معه حل المشكلة، بالتعاون والاندماج في تكتلات اقتصادية ويساعد على نجاح ذلك في حالة دول حوض النيل، على سبيل المثال،  هذا التنوع الجغرافي لدول الحوض والذي يجعل منها منطقة اقتصادية ناجحة، وفي هذه الحالة عندما يشعر كل طرف انه في حاجة إلى الطرف الآخر وانه يستفيد منه اقتصاديا بالتعاون معه  فسوف يفاضل بين هذه المزايا وبين الدخول في صراعات حتى لو كانت على المياه، لان عملية التكامل هذه سوف تدفعهم في هذه الحالة إلى البحث عن حلول  لمشكلة المياه فيما بينهم رغبة في  تعظيم الاستفادة من المزايا الاقتصادية.  وفي هذا الإطار يمكن تفعيل  المداخل الأخرى، فمثلا  المدخل الدولي قد يمكن من الاستفادة بالمساعدات والخبرات التي تقدمها المنظمات الدولية في هذا الشأن،  ويمكن تفعيل أيضا  المدخل المحلي في أن يكون هناك ما يشبه الإستراتيجية لكل دولة في أن تحاول أن تعظم من استفادتها من حصتها من المياه وتقليل الفاقد منها على قدر الإمكان بالوسائل المتاحة، والعمل على استحداث وسائل أخرى سواء في أساليب الري أو في طريقة نقل المياه من المجرى المائي مع  المحافظة على المجرى من التلوث من الاستخدامات البشرية  السلبية، حيث كل هذه المهام التي قد تتم داخل كل دولة على حدة من المكن أن تقنن في شكل تعهدات لدول التجمع الاقتصادي فيما بينها  في إطار التعاون القائم فيما بينها، ومن هنا فالإطار التعاوني والقائم بالأساس على أسس منفعية واقتصادية، يشكل المدخل الأنسب لحل الكثير من المشكلات المتعلقة بالأزمة المائية بجوانبها المختلفة سواء الندرة المائية أو الأمن الغذائي أو حتى الصراعات السياسية الناتجة عن ذلك.
© منبر الحرية،16 غشت/آب 2010

عزمي عاشور18 نوفمبر، 20100

إن السياسة في‏ ‏المجتمعات‏ ‏العربية‏ ‏‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏كونها ‏تأخذ‏ ‏ ‏‏الشكل‏ ‏الغربي‏ ‏في وجود مؤسسات سياسية،  ‏إلا‏ ‏أنها‏ ‏في‏ ‏تفاعلاتها‏ ‏لا‏ ‏تعبر‏ ‏عن‏ ‏مضمونها، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏مبرر ‏لكون‏ ‏ ‏الثقافة‏ ‏هنا‏ ‏مختلفة‏ عن‏ ‏الثقافة‏ ‏في‏ ‏الغرب‏، ‏وبالتالي‏ ‏فجوهر‏ ‏العملية‏ ‏السياسية‏ ‏يأتي‏ ‏مختلفا‏‏، وهذا‏ ‏أمر‏ ‏مقبول، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏يتعدى‏ ‏هذا‏  الشكل عندما  يتعلق ذلك ‏ باستقرار‏ ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏ويعوقها‏ ‏عن‏ ‏عملية‏ ‏التنمية‏ ‏والتقدم‏‏.‏ ‏فتصبح‏ ‏‏قيم ‏ ‏العدالة‏ ‏والحرية‏ ‏وتفعيل‏ ‏القانون ‏‏ مغيبة، وتصبح ثقافة البشر خالية من روح هذه القيم، فلا تجد إخلاصا في عمل ولا صدق في مقولة ولا قانون لا يحتمل الموائمات، ولا يسري على الجميع بدون استثناءات.‏  ‏وعملية انتقال السلطة  لا تعدم وجود مثل هذه الثقافة  المشوشة التي لا تعترف بضعف إمكانياتها وتقبل الهزيمة لتستطيع أن تقوي من نفسها، لذلك  نجدها تلجأ لحيل غير مشروعة لتجور على قيمة العدالة
.
‏فالعدالة‏ من المنظور السياسي  ‏تقتضي‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هناك‏ ‏نظام‏ ‏سياسي‏ ‏حر‏ ‏منتخب‏ ‏ومرضي‏ ‏عنه‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏أفراد المجتمع، ‏أما‏ عدم وجود  ‏‏هذا‏ ‏النظام‏ ‏فيعني‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏خللا‏ ‏يهدد‏ ‏هذه‏ ‏القيمة‏ ‏والخطورة‏ ‏هنا‏ ‏لا‏ ‏تكمن‏ ‏في‏ ‏أن‏ ‏رأس‏ ‏السلطة‏ ‏غير‏ ‏مرضي‏ ‏عنه‏ ‏من‏ ‏قبل‏ ‏المجتمع،‏ ‏وإنما‏ ‏تكمن‏ ‏في‏ ‏مأسسة‏ ‏المجتمع‏ ‏بنهج‏ ‏يعمل‏ ‏وفق‏ ‏منطق‏ ‏غياب‏ ‏العدالة‏، ‏فمثلا‏ ‏نجد‏ ‏أنه‏ ‏على‏ ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏وجود‏ ‏المناصب‏ ‏السياسية‏ ‏المرتبطة‏ ‏بالنظام ‏كالوزراء‏ ‏وما‏ ‏شابه‏ ‏ذلك‏، ‏وهم‏ ‏في‏ ‏ذلك‏ ‏سلطة‏ ‏تنفيذية‏، ‏نجد‏ ‏في‏ ‏هذه‏ ‏المجتمعات‏ ‏نفوذ‏ ‏لمناصب‏ ‏غير‏ ‏رسمية‏، ‏وهذا‏ ‏في‏ ‏حد‏ ‏ذاته‏ ‏قد‏ ‏يبدو‏ ‏مقبولا‏ ‏في‏ ‏النظم‏ ‏السياسية‏ ‏الديمقراطية‏ ‏على‏ ‏اعتبار‏ ‏كونهم‏ ‏يعملون‏ ‏من‏ ‏الخلف‏ ‏لمستشارين‏، ‏وبالتالي‏ ‏الذي‏ ‏يظهر‏ ‏في‏ ‏الصورة‏ ‏هو‏ ‏صاحب‏ ‏المنصب‏ ‏التنفيذي، ‏وهو‏ ‏الذي‏ ‏له‏ ‏الكلمة‏ ‏الأولى‏ ‏والأخيرة‏ ‏في‏ ‏موقعه، ‏ إلا أن الصورة  تبدو مثيرة للشفقة والسخرية معا ‏ في مجتمعاتنا عندما‏ ‏نرى ‏أن‏ ‏كل‏ ‏هؤلاء‏ ‏قد‏ ‏يبدون‏ ‏تابعين‏ ‏ومسخرين‏ ‏لمن‏ ‏لا‏ ‏منصب‏ ‏رسمي‏ ‏له‏ ‏بشكل‏ ‏يجلي حقيقة الثقافة السياسية، ‏وهو ما ‏يطرح‏ ‏التساؤل‏ ‏هل‏ ‏ ‏قيم‏ ‏‏كالعدالة‏ ‏واحترام‏ ‏القانون‏ ‏لها وجوه أخرى؟‏‏  وهل السياسة في المجتمعات العربية  في طريق استخراجها مفاهيم جديدة  تعكس هذا التفاعل الموجود على ارض الواقع؟، وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى مستقبل عملية انتقال السلطة في المجتمعات العربية  عبر طريق التوريث  في النظم الجمهورية، فإذا كان الواقع العربي شهد وجود حالات نادرة لانتقال السلطة عبر التوريث، إلا أن الواقع العملي يشهد بعد مرور عشر سنوات  أن النظم غير الملكية بصدد تهيئة المجتمع مؤسسيا وسياسيا لتقبل انتقال السلطة على نفس النهج من الأب إلى الابن، ولكن السؤال كيف يتم تهيئة الواقع لخلق الشرعية على أمر غير مشروع؟  وهذه العملية لها مرحلتين
:
أولا :المرحلة الأولى وهي التي تشكل محاولة إعطاء أبوة لجنين غير شرعي، فإذا كانت  المؤسسات السياسية  داخل الدول العربية  تأخذ شكلا ديكوريا، إلا أنها في نفس الوقت  تشكل واقع مهيمن ومسيطر في وجود رئيس للدولة ومجلس وزراء ولسلطات من تنفيذية إلى تشريعية وقضائية، أي أن السلطة، مع سلطوية النظام تمارس بشكل ما عبر هذه المؤسسات، وبالتالي فعملية تداول السلطة والمواقع بين السلطات الثلاث تخضع لمعايير متعارف عليها، يوجد فيها حد أدنى من الموضوعية سواء في اختيار منصب رئيس الوزراء  من قبل رئيس الجمهورية أو حتى المجالس التشريعية، فاختيار النواب في حده الأدنى يتم وفقا لنتائج الانتخابات، بصرف النظر عن نزاهتها أم لا، المهم هناك وسيلة، هذا فضلا على أن السلطة القضائية تخضع أيضا لتراث من الممارسة للعدالة والقانون يضمن لها النزاهة في حدها الأدنى، أما فيما يتعلق بانتقال السلطة عن طريق رئيس الجمهورية، فيبقى هو الجانب المظلم، حيث لم تستطع  هذه المجتمعات أن تخلق تراثا مؤسسيا وثقافيا داخلها لتداول السلطة وفق ما تقتضيه قواعد الدستور والقانون، بالأخص في المرحلة التي ارتبطت ببناء الدولة الوطنية عقب حصول هذه الدول على الاستقلال، نتيجة لأسباب عديدة، أهمها أن انتقال السلطة عبر هذه الفترة كان يأتي نتيجة لعملية انقلاب حالة دولة العراق التي شهدت أكثر من انقلاب قبل أن يستقر الحكم في يد صدام حسين وأيضا بالمثل  سوريا. وثانيا طوال  فترة حكم  النخبة التي جاءت نتيجة انقلاب، (نموذج معمر القذافي 1969-حتى الآن)، ونموذج علي عبد الله صالح  في اليمن 1979-حتى الآن، ثالثا، انه حتى في الحالات التي كان يتم فيها انتقال السلطة سلميا مثل حالة الدولة المصرية التي جاءت عقب ثورة يوليو 52،  كان  ذلك يتم في إطار نخبة النظام وفق قواعد بيروقراطية وسلطوية،  عن طريق  تولي نائب الرئيس المنصب بعد عملية استفتاء  شكلي تتحكم فيه الدولة على شخصه بعد فراغ المنصب (الرئيس السادات 1970 وحالة الرئيس مبارك 1981)، وبالتالي تراث انتقال السلطة  في الحالات الثلاث لا يعبر بشكل كبير عن وجود تراث سلمي لانتقال السلطة،  وتفاعلات السياسة بهذا الشكل على مدار الستين سنة قد افرز في الوقت الحالي نمطا جديدا، يتمثل في انتقال السلطة إلى الأبناء عن طريق خلق وضع خاص من رحم ديكتاتورية هذا النظام لمن يرونه مؤهلا لخلافة الأب حتى لو كان ذلك بتسخير إمكانيات الدولة الرسمية لخلق حالة شرعية لهؤلاء الأبناء، وكل ذلك بالنسبة للدولة السلطوية تقدر عليه.
ثانيا : الموائمة مع الطرف الخارجي، كما هو معروف فإن انتقال السلطة بهذا الشكل يثير حفيظة الخارج، بالأخص الدول التي لها مصالح في المنطقة، وتخشى من سريان الفوضى التي تؤثر على مصالحها، ومن هنا فهذه النظم تعمل حساب  للطرف الخارجي والذي ليس وضعه بجديد في المنطقة، فهو يلعب هذا الدور منذ عهد الاحتلال في أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثم كان من الضروري وجود مخرج لإرضاء وطمأنة الطرف الخارجي  يأخذ أحد احتمالين كلاهم مر: الأول يتمثل في تقديم تنازلات من اجل تمرير التوريث بشكل لا يثر حفيظة الطرف الخارجي، قد تكون هذه التنازلات ثوابت وطنية. والثاني هو أن يتم تهيئة المجتمع قانونيا ومؤسسيا لإخراج  انتقال السلطة بشكل مرضي لجميع الأطراف، وهو أمر لا تقتدر على فعله غير النظم الديكتاتورية التي تهيمن على مجتمعات ضعيفة، في أن توجد انتخابات، وهي لعبة هذه النظم التي أثبتت كل الانتخابات والاستفتاءات التي أجريت على مدار الخمسين سنة الماضية أن نتيجتها تأتى وفقا لرغبة الحاكم وليس وفقا لرغبة الشعب إلا فيما نذر، ومن هنا يتقدم المرشح المهيأة له الظروف السياسية والأمنية بشكل طبيعي ضمن  مرشحين كومبارس آخرين لإحباك العملية التي مقاليدها بيد النظام وليس بيد أصوات البشر الذين يختارون.
إن خطورة هذا الوقع لانتقال السلطة حتى لو جاءت بشكل سلمى تكمن في أنها تخلق ثقافة جديدة داخل هذه المجتمعات، فمنطق الحق لن يذهب لمن يستحقه وفق من العدالة وإنما وفق منطق النفوذ، ومن ثم تصبح مثل هذه الثقافة وكأنها عرف وشيء طبيعي أن يوالى الأقارب أقاربهم، فنجد التوريث يدخل كل شريحة في المجتمع  فأصحاب النفوذ في المهن الأخرى يورثون أبنائهم بالطرق غير الشرعية أماكنهم مثل الجامعات وغيرها
إن فراغ السلطة في المجتمعات العربية يعد كارثة تفوق وجود السلطة في شكل ديكتاتوري وسلطوي، ومن هنا فإن مأسسة المجتمعات العربية لتهيئة انتقال السلطة من رئيس إلى آخر باتت من  الشأن العام الذي يهم جميع الأفراد عامتهم ونخبتهم، فمثل هذا الأمر بات ليس من  الأسرار العليا  التي لا يجوز الحديث فيها، وإنما أصبح للجميع الحق في معرفة مصير ما سوف يؤول إليه مستقبل بلدهم  والطريقة المثلى لاختيار من يحكمهم.
© منبر الحرية ، 28 يونيو / حزيران 2010

عزمي عاشور15 نوفمبر، 20100

لم تكن الخبرة العربية الإسلامية غائبة عن تدشين أحد أشكال الحكم المتمثل في حكم الأسر على مدار تاريخها الطويل، وبالأخص بعد عصر الخلفاء الراشدين،  للدرجة  التي باتت تسمية الدولة تشتق من لقب العائلة بدءا من الخلافة  الأموية (662_750 م)  نسبة إلى معاوية بن أبي سفيان ومرورا بالخلافة العباسية (750_1258م)  نسبة إلى عبد الله بن على بن عباس،  ثم  أخيرا الخلافة  العثمانية ( 1299_1924م  ) التي استمدت تسميتها من اسم مؤسسها  عثمان بن أرطغل. ولم يقتصر هذا الشكل من الحكم على مستوى الخلافة  وإنما امتد إلى الأمصار والولايات الأخرى، فمصر على سبيل المثال حكمت من قبل الأسر الحاكمة، فنجد الخليفة  احمد بن طولون كان أول من  استخلف الحكم في ابنه الثاني خومارويه في مصر منذ الفتح الإسلامي لها على يد عمر بن العاص في عام 639 ميلادية. وظلت ظاهرة الاستخلاف هذه داخل الأسرة الحاكمة متسيدة الساحة السياسية ليس في الخبرة العربية الإسلامية فقط وإنما أيضا في مناطق كثيرة  على مدار  القرون  السابقة للعصر الحديث والذي بدأ مع النهضة الأوروبية الحديثة. حيث قد حدثت نقلة في  العلوم الطبيعية وتطبيقاتها بجانب العلوم الاجتماعية والفلسفية والتي جاءت معظمها كرد فعل  لتحرير العقل الأوربي تدريجيا من هيمنة الكنيسة بإعادة اكتشاف الإنسان لنفسه و النظر مرة ثانية إلى الأفكار والقيم التي تعيد الاعتبار لكرامة الإنسان  كالحرية والعدالة والملكية والنسبية في المعرفة.
وبدأت الحياة، مع هذه التطورات، تأخذ شكلا جديدا حضاريا ومدنيا  وعلى مستوى الأفكار والتي  كانت  من نتيجتها أنها أعلت من قيمة الإنسان ووضعت من الأطر القانونية والمؤسسية التي تحفظ له كرامته وحقوقه التي كانت عرضة للانتهاك  بسبب عوامل كثيرة أبرزها أولا الهيمنة على العقل سواء بالدين أو بالتقاليد وثانيا هيمنة السلطة السياسية. بالنسبة للعامل الأول  فقد استطاعت أوروبا أن تنجح باقتدار عبر ما يزيد عن الأربعة قرون وان تزيل هذه  الغمامة بأفكار فلاسفة أعادوا للعقل مكانته الطبيعية، بالنسبة للثاني كان هناك تطورات على ارض الواقع تكثر احتكار السلطة السياسية بداية  بالماجنا كارتا في عام 1215 كأول وثيقة دستورية في التاريخ استطاعت أن  تمهد الطريق للتقليل من طغيان هذه السلطة  واستمر هذا الحال إلى أن حدث التحول المهم في أواخر القرن الثامن بتدشين وثيقة الحقوق الأمريكية  عقب انتهاء الحرب الأهلية التي شكلت العمود الفقري للدستور الأمريكي   مدشنة  الآلية المؤسسية والقانونية لتداول السلطة بشكل لا يجعل أحد يستأثر بها مدى الحياة .
ومن هنا  تتنوع العوامل والظروف التي  تقف وراء وجود ظاهرة الأسر الحاكمة  في النظم السياسية الحديثة، حيث قد تقود  طبيعة النظام السياسي  الديمقراطي إلى ظهور هذه الأسرة مثل عائلة كينيدى وآل بوش في الولايات المتحدة  أو حسب طبيعة النظام الديمقراطي بالإضافة إلى المورثات المجتمعية مثال عائلة غاندى في الهند، حيث الميراث التاريخي للأسرة يفرض على أفراد هذه الأسرة العمل في السياسة في ظل نظام  ديمقراطي، وهذا النمط شائع في  الثقافة الآسيوية. أما النمط الثالث فهو الذي ينبع من وجود نظام غير ديمقراطي  ومجتمع ضعيف. يتميز فيه الحكم بالهيمنة التي  تفرغ المجتمع من نخبته في سبيل التمهيد بتوريث الحكم للعائلة. وهذا النمط بدأت تظهر نماذج تطبيقية له سواء في العالم العربي أو في إفريقيا نتيجة فشل بناء الدولة الوطنية التي ظهرت ما بعد الاستقلال في النصف الثاني من القرن العشرين.
فالنظام الديمقراطي إذا كان قد سمح بوجود آليات في أن تكون هناك أكثر من فرصة لتولى أكثر من فرد من عائلة واحدة لمقاليد الحكم  على فترات متباعدة، فذلك لا يشكل ظاهرة في حد ذاته بقدر ما أن هذه العائلة توافرت فيها الإمكانيات الذاتية من وجود الأفراد ذوي الخبرة السياسية والإمكانيات المادية والكاريزمية الشعبية ليترشحوا على منصب الرئاسة شأنهم في ذلك شان أي مرشح آخر، وليس بالضرورة خبرة العائلة في الحكم تكون هي الدافع للفوز بالرئاسة مثل الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن هذا العامل المتعلق بالميراث العائلي يلعب دورا خطيرا في المجتمعات الشرقية وبالأخص الآسيوية  في كون ميراث العائلة يكون من بين العوامل التي تقف وراء فوز المرشح في الانتخابات  سواء كانت على منصب رئيس الدولة أو منصب رئيس الوزراء  مثلما هو حادث في الهند وباكستان. هذا في حالة تثبيت المتغير الثاني والمتعلق بوجود نظام ديمقراطي.  فالثقافة الأسيوية  تعمل لصالح ميراث الأسر الحاكمة.  ونلاحظ أن هذه الظاهرة باتت مألوفة ما دامت تتم في إطار من  انتخابات تتسم بالديمقراطية.
إلا أن الظاهرة باتت ملفتة للنظر وتستحق الدراسة عندما يتم انتقالها عبر آليات غير دستورية عبر الأسرة الواحدة مثلما حدث في سوريا سنة 2000. حيث أن النخبة الحاكمة تعمل بكافة السبل المشروع منها وغير المشروع بإعداد أفراد أسرتها لتولى مقاليد الحكم  بعدهم… حتى لو كان ذلك مخالفا للدستور والقوانين؟ إلا انه يبدو بالنسبة للنخب السلطوية طبيعيا؟ على اعتبار أن هذه النظم في قناعتها الذاتية كونت شرعيتها ليس على شرعية الانتخاب والديمقراطية بقدر ما تم بناؤها على شرعية القمع والسلطوية. هذا فضلا انه كان هناك تعمد في  تفريغ المجتمع من فاعليته  بأشكال مختلفة،  بان يتم خلق مجتمع مسلوب الإرادة بآليات مختلفة سواء بالتهميش للمؤسسات التي تقوي من دور المجتمع في مواجهة الفرد الحاكم من الأحزاب والقوى السياسية، أو بعملية تفريغ النخبة سواء بترعيبهم أو قتلهم أو سجنهم  وخلق مناخ يؤدى إلى أن هذه النخبة  تفر إلى الخارج  مهاجرة مثال  حالة العراق في عهد الرئيس صدام حسين. حيث لا صوت يعلو فوق صوت القائد السياسي الذي لا يقبل اختلاف وجهات النظر أو المعارضة أو وجود مجتمع قوي سياسيا. وهذا العامل تتباين فيه الدول العربية حسب طبيعة النظام والشرعية التي جاء فيها إلى الحكم. إلا انه ظهر بشكل كبير في العراق نظرا لدموية انتقال السلطة على مدار الخمسين سنة الماضية.
في إطار الحديث عن ظاهرة الأسر الحاكمة مع الإشارة إلى النموذجين  المرتبطين  بوجود الديمقراطية والانتخابات النزيهة سواء كان ذلك في الولايات المتحدة أو في الهند أو باكستان تصبح الظاهرة في حكم المشروع. أما في حالة غياب الديمقراطية والانتخابات النزيهة  فهذا يصبح نوع من  السطو وإعادة خلق لشرعية غير موجودة، بالأخص إذا كان يتم على حساب إضعاف المجتمع وقواه السياسية، نظرا لعدم الفصل ما بين  الحزب السياسي الحاكم والدولة بمؤسساتها المختلفة والذي يجعل الاثنين كيانين في الاسم  وهما في الواقع كيان واحد متوحد.  ومن هنا فتغييب وإضعاف القوى السياسية والنخبة التي يفترض فيها أن تكون ممثلة في المستقبل لتولى الأمور تصبح أولى أهداف القائمين على أمر الحزب الحاكم وأجهزة الدولة الخادمة له. الأمر الذي يصل إلى تشويه صورة من يتجرأ في المنافسة على  موقع الاستخلاف. والسؤال إذا كانت ملامح المجتمعات العربية في الكثير من نظمها الجمهورية (مصر ،اليمن ، ليبيا ) تشير إلى السير في  اتجاه حكم العائلات فان لذلك دلالات خطيرة أولها أن الدولة الوطنية التي كان من المفترض أن تقوم نخبة ما بعد الاستقلال ببنائها قد فشلت. الدلالة الثانية تحمل تناقضا غريبا أن هذه المجتمعات، وعلى عكس التطورات الإيجابية في مناطق متشابهة، تتراجع حضاريا ومجتمعيا بعدما بات من الضعف الذي يجعلها في بداية القرن الواحد والعشرين  بكل المميزات التي حملها من  نتائج التقدم المعرفي وبتطبيقاتها متخلفة، تتراجع للخلف ولا تستطيع أن تفرغ نخبة وطنية تتداول فيها السلطة. الدلالة الثالثة تؤكد انه القادم أسوا لو صارت الأمور بهذا الشكل الذي سوف يدشن ثقافة مبنية على عدم الشرعية وبالتالي كل ما هو  غير شرعي سوف يكون هو القاعدة  وتضيع الحقوق وسط هذه الثقافة التي تتحول إلي سلوك في تفاعلات الأفراد والمؤسسات في المجتمع.
© منبر الحرية،24  سبتمبر 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018