هرناندو دي سوتو

هرناندو دي سوتو26 ديسمبر، 20140

لقد برهنت دول العالم، من الصين فالبيرو إلى بوتسوانا، بأن الفقراء يمكنهم التكيف بسرعة عندما يحصلون على إطار من قواعد حديثة للملكية ورأس المال، فجوهر الأمر يكمن في البدء بالعمل، ولا بد أن لا ننسى بأن الرأسمالية، وعلى امتداد التاريخ، تحققت على يد أشخاص كانوا يعانون الفقر يوما ما......

هرناندو دي سوتو5 نوفمبر، 20100

إن اللذين فتحا الباب امام أبحاثنا الفكرية عن سبب عدم استتباب الأمور في البيرو بعد اثنتي عشرة عاماً من الحكم اليساري العسكري، هما روز وميلتون فريدمان، وهما من أوائل ضيوفي خلال العام 1979.
ومن الأمور التي علّمنا إياها ميلتون، خلال تواجده في ليما، أنه ليس هناك طعاماً مجانياً، إلا أن ما لم يقله هو وجود كتب بلا مقابل. وبعد خمسة أعوام من زيارته تلك، بعث إلي كل من روز وميلتون كتاب “طغيان الوضع الراهن”، والذي اعجبني كثيراً، لأنه في ذلك الوقت، كان معهدنا ينظم المئات من الباعة المتجولين ويبحث عن طرق لتفعيل كسب العيش سهلاً عليهم.
كان “طغيان الوضع الراهن” يدور حول صعوبة كسر المثلث الحديدي من المنتفعين، والسياسيين، والبيروقراطيين، بعد سنوات قليلة من إدارة ريغان، بما يحمي الوضع الراهن ويقاوم التغيير المنشود.
وقد وجدنا نحن في معهد الحرية والديمقراطية أنه هنالك جمهور واسع من مؤيدي التغيير في الدول النامية. وعلى الرغم من وصفهم بالفقراء، إلا أننا نتوقع أنهم لن يبقوا على قيد الحياة ما لم يكونوا رجال اعمال أيضاً. وفي الوقت الذي يقول فيه بعض الناس، كما أشار فريد (زكريا)، أن ملياراً من البشر يعيشون على دولار واحد فقط في اليوم الواحد، أو ثلاثة مليارات منهم يعيشون على دولارين اثنين أو ثلاثة في اليوم، إلا أن هؤلاء الناس لم يقولوا أن أربعة مليارات من البشر، وهم من الفقراء، هم من أصحاب الاعمال التجارية، وهم منعزولون تماماً عن الاقتصاد العالمي بل حتى الاقتصاد المحلي بسبب عدم وجود القانون.
لم يعد العالم الثالث ريفياً كما كان خلال عقد الستينات من القرن العشرين، فتعداد سكان بورتو-برينس الآن حوالي 17 ضعفاً عما كان عليه قبل 35 عاماً، كما يقدر تعداد سكان المدن في الجزائر حالياً ب 15 ضعفاً عما كان عليه في الماضي، و11 ضعفاً في مدن الإكوادور. فالدول التي كانت ريفية يوم بدأنا عملنا، أصبحت مدناً، حيث أن الناس تنقلوا ليصبحوا رجال أعمال في تلك المدن التي توفر لهم فرص عمل.
بروز المدن

تحتاج الدول الفقيرة إلى تلك الأنواع من الحلول التي تبنتها الدول المتقدمة في القرن التاسع عشر، وليس القرن الحادي والعشرين. ان ما حدث للغرب في القرن التاسع عشر، يحدث حالياً في الدول النامية. فقد جاء “أوليفر تويست” إلى المدينة، إلا أن مؤسسات التمويل الدولية والمشاريع الثنائية للدول المتقدمة لم تعترف به ولا بزملائه. والأسوأ من ذلك أنه لم يتم الاعتراف به من معظم مواطني الدول النامية الذين يرون أن الباعة المتجولين مشكلة، وأن التصنيع غير الشرعي يصنع منتجات معابة.
كلما ازداد عدد هؤلاء المدركين لماهية الأحوال الحقيقية للدول النامية التي يقطنها خمسة مليارات من مجموع سكان العالم بملياراته الست، كلما وجد السياسيون أن جمهورهم الواسع ومؤيدي التغيير ينتمون الى طبقة رجال الأعمال الفقراء.
غنى الأمم

حكم بلدي (البيرو) رئيس من أصل ياباني لعشر سنين، واسمه ألبيرتو فيوجيموري. كانت عائلة فيوجيموري واحدة من مليون عائلة جاءت إلى البيرو والبرازيل من اليابان في الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين.
ان حقيقة مجيء أفراد عائلتي فيوجيموري ويوشياما إلى البيرو والبرازيل ليست مهمة الآن، إذ أن الأهم هو السؤال التالي: لمََ لمْ يذهب أفراد عائلتي توليدو ولولا إلى اليابان؟ لم يذهبوا هناك لأن البيرو كانت تشكل 25% من الناتج المحلي الإجمالي لليابان بأجمعها في عام 1940، اما البرازيل فقد شكلت 50% أعلى من ذلك الناتج مقارنةً باليابان. فيظهر جلياً أن اليابان قد فعلت شيئاً خلال الخمسين سنة الماضية جعلها أغنى من البيرو بعشرة اضعاف. فما الذي حدث؟
بعد الحرب العالمية الثانية، تم تنفيذ خطة بدأت في الهونولولو عام 1942، وتحت إشراف ماكرثر. وكما فعل ماو زيدونغ في الصين، دمّر الأمريكيون النظام الإقطاعي في اليابان إعتقاداً منهم بأن ذلك النظام هو في صلب المشكلات التوسعية اليابانية في آسيا. ولكن على العكس من الصين في مرحلة ما بعد الحرب، خلق الأمريكيون أساساً لنظام عريض من الملكية الخاصة.
ظاهرة “أدولف بوتش”
لقد غيّرت أمريكا دولاً وبلداناً كثيرة في شتى انحاء العالم من الانظمة الاقتصادية الإقطاعية والوراثية إلى أنظمة اقتصادية حديثة، في الفترة الماضية ومن خلال السياسة الخارجية. ولكن يبدو أن هنالك ميلاً لنسيان هذه الأمور، فمن السهل لشخص ما من العالم الثالث أن يفهم هذه الأمور التي أقولها مقارنة بشخص آخر من العالم الأول، لأن أفراد العالم الأول يأخذون وينظرون لهذه الأمور كبديهيات.
اعتاد كارل بوبر على تسمية هذه الظاهرة بظاهرة أدولف بوتش. ذهب بوبر ذات يوم مع صديق لسماع تفسير بوتش لفيفالدي في زيوريخ. وعندما انتقل بوتش من الجزء الثالث إلى الجزء الرابع، فانه قام بذلك بشكل رائع وغير مسبوق. لذا، سأل بوبر وصديقه لدى زيارتهما بوتش في غرفته: “أيها المايسترو، كيف انتقلت من الجزء الثالث إلى الرابع؟” قال أدولف بوتش “بسهولة، في الواقع”. وضع بوتش الكمان على رقبته لبدء العزف، ولم يستطع أبداً عزفها مجدداً.
التحدث مع الأشخاص غير المناسبين
أذكر أنني في العام 1988 دعيت لإلقاء كلمة في المؤتمر العام لوزير الخارجية، وكان عنوان الكلمة “الولايات المتحدة: لماذا أعتقد أنكم تتحدثون مع الأشخاص غير المناسبين”. بمعنى آخر، يتحدث معظم الأمريكيين مع “مستغربي” العالم الثالث، من أمثالي. وهؤلاء رأسماليون غير منفتحين للتنافس، وتجار يبحثون عن امتيازات. فالأشخاص المثيرون هم أصحاب المبادرة الحقيقيون، ولكنهم قلة فقيرة، لم تتواصلوا بهم.
ففي المكسيك، على سبيل المثال، حيث نعمل حالياً مع الرئيس فوكس، وجدنا أن 80% تقريباً من الشعب المكسيكي يقبع في الاقتصاد الخارج عن القانون، فهم يملكون حوالي 6 مليون مشروع عمل، و134 مليون هكتاراً من الأراضي، و11 مليون بناية، مشكّلة ما قيمته 315 مليار دولاراً، أي ستة أضعاف احتياطي النفط المكسيكي، و29 ضعفاً للاستثمار الأجنبي المباشر منذ خروج الإسبان.
وبمعنى آخر، هناك بروز لاقتصاديات ما قبل الرأسمالية ذات التوجهات الرأسمالية في شتى أنحاء العالم. في مصر، يملك الفقراء 92% من جميع البنايات و88% من جميع المشاريع وذلك خارج إطار القانون، مشكّلة ما مقداره 248 مليار دولاراً، وما يوازي 55 ضعفاً لكل الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر منذ خروج نابليون، وهذا يشمل قناة السويس وسد أسوان، إضافة إلى 70 ضعفاً لكل المساعدات الثنائية التي تحصل عليها مصر.
وبمعنى آخر، فإن أغلبية الموارد لا تأتي من عندكم في الغرب، لا شك انكم طيبون ونحن نقدر ونتقبل ما تقدمونه لنا كدول نامية، إلا أنه في الواقع نقطة في دلو، مقارنة بما نملك في الواقع. فالغنى الحقيقي ينمو من جهود أصحاب الأعمال التجارية والذين يستطيعون جمع الموارد وتقسيم العمل بفعالية وذلك لرفع الإنتاجية.
أهمية حقوق الملكية

تلقينا دعوات لزيارة أماكن كثيرة مثل غانا. والمثير في الامر أن الدعوات لم تأت من الرئيس كوفور فقط، بل من زعماء القبائل أيضاً، الذين قرأوا أعمالنا، وقالوا: “لا نريد السيادة بعد الآن، إنما نريد حقوق الملكية. فالسيادة تنتهك من الجميع، بينما حقوق الملكية أكثر صلابةً لأنها تقوم على عقد اجتماعي متجذر في التبادلية بين مصلحة فرد لآخر، وليس بين أمة وأخرى”.
فإذا نظرت في خرائط أوروبا على مر الزمان، تجد أن السيادة غير مستقرة لدرجة كبيرة. ولكن إذا نظرنا في ألساتشي-لورين، وهي مقاطعة تم تقسيمها مرةً تلو المرة بين الفرنسيين والألمان، نجد أن السيد دو بون ظل يعيش حيث يقيم، والشيء نفسه للسيد سميث، مهما كان من يملكها. فالحقوق الملكية هي نتيجة عقد أساسيات تثبت حتى وإن تبعثرت السيادة.
الملكية والقانون

نحن نحاول إذن أن نوضح أنكم تستطيعون كسر المثلث الحديدي من خلال إظهاركم للقادة السياسيين أن لديهم قاعدة ضخمة من المؤيدين للتغيير نحو اقتصاد السوق. واقتصاد السوق في الأساس هو بناء قانون وليس بناء كافة كل الأشياء الملموسة—كالطرق، والجسور، والمطارات، والموانئ– والتي يظهر أن الغرب يريد أن يعطيها لهم.
فإن كنتم فقراء، ولديكم اساساً قطعة أرض ومكان للعمل، كبائعين متجولين أو مربي أبقار، ليس هناك من شيء أثمن لديكم من ملكيتكم. ولكن من أجل حماية الملكية من دون توفر القانون، عليكم أن تنالوا رضا زعماء القبائل، والقضاة الفاسدين، والجيران القُساة، بل حتى الإرهابيين.
ولكن عند وجود القانون الذي يقول أن الحقوق الآن معترف بها، ليس فقط من قبل الجيران، وإنما أيضاً من قبل الشرطة، والأمة بأجمعها، فلكم الآن حق الاتجار بها محلياً وحتى عالمياً وإن القانون سيحميكم، وعندئذ يصبح الناس مهتمين بحكم القانون.
وسرعان ما يسألون ما الذي سيحدث إن حصل نزاع وتوجب عليهم الذهاب إلى المحكمة؟ حينها، سيحتاجون نظاماً قضائياً عادلاً. وآجلاً، سوف يدركون في النهاية أنه يمكن للقوانين أن تتغير، لذا سوف يسألون عمن يسنّ القوانين؟ حينها، لن يهتموا إلا بالعملية السياسية.
لذا فإن الحقوق الملكية هي أصل القانون، الذي يمهد للأمة الحديثة النمو، لذلك يجلب السلام، والاستقرار، والازدهار للعالم، والقانون يولّد فعلياً الازدهار.
تقسيم العمل
يقول آدم سميث، ومن بعده ماركس، إن الانتاجية الجديدة في أوروبا تدين بالفضل إلى تقسيم العمل. إن المثال الذي يطرحه سميث بسيط. فقد قال إنه رأى اثنين من الناس يعملون خارج جدران جلاسكو في إنتاج المسامير. وباتباع 18 خطوة كان باستطاعتهم إنتاج 20 مسماراً في اليوم الواحد لا أكثر. إلا أنه وجد 10 اشخاص في مكان آخر يقسمون العمل فيما بينهم لتلك الأدوار الثمانية عشر، بحيث يشتري الشخص الأول السلك المعدني، ويغطي الشخص الثاني السلك بصفيحة، ومن ثم يسحب الثالث السلك، ويقوم الرابع والخامس بتقطيعه، ويضع شخص آخر ثقوباً في الصفيحة، بينما يضع الآخر رؤوساً عليها، حتى يصبح لهم بالإمكان إنتاج 48 الف مسمار في اليوم الواحد.
ولكن إذا ذهبتم إلى الدول النامية، ستجدوا أنه ليس لديهم شركات بالفعل، لأن القانون لم يصلهم بعد، فكل ما لديهم هو العائلات التي لا تستطيع جمع 10 أشخاص للعمل، وإنما 4 أشخاص فقط، منهم الأخ الكسول وزوج الأخت المدمن على الكحول، أي أشخاص لا يمكنهم إنتاج المسامير بشكل جيد. فكل إداري يعرف أهمية كيفية جمع الموارد، ومَن الذين يجب توظيفهم للعمل.
إن أكثر من أربعة مليارات إنسان لا يملكون حقوقاً للملكية على حصصهم وممتلكاتهم، لذا ليس باستطاعتهم الحصول على ائتمان أو استخدام ضمانات، ولذلك لا يستطيعون إنشاء شركة يقسمون فيها العمل. وهذا يعني عدم مقدرتهم على تنظيم المدخلات بفعالية أو إدارة المنتجات. ولا يمكنهم فصل حصص المساهمين عن حصص المستفيدين والعمال.
إن عدداً قليلاً من الناس غير المنظمين لكل مشروع، وإن وفرت لهم الكثير من التمويل الجزئي، فإنهم لن يصبحوا فاعلين، ولذلك لن يصبح بإمكانهم المنافسة في دائرة الاقتصاد العالمي. فالقيمة ليست بعدد رؤوس العمال، وإنما بمقدرة الإنسان على تقسيم العمل. ومع أن آدم سميث كان إنساناً عظيماً، إلا أن الكثير من الليبراليين الأوائل تركوا لنا إرثاً علينا التخلص منه: وهو نظرية القيمة في العمل. فالقيمة لا تأتي من العمل بهذه البساطة، وإنما من الحلول السياسية والاقتصادية الذكية، والتي بإمكانها الرفع من الانتاجية بشكل كبير.
إمكانيات الحرية
لبناء الأمم الحديثة، علينا تعلم كيفية عمل الفقراء ومن ثم نشكل القانون لتلبية حاجاتهم. ففي النهاية، ما يريده أهل البيرو، والصينيون، والأمريكيون هي نفس الأشياء: الحياة، والحرية، والازدهار. وللحصول على ذلك، عليكم بناء اقتصاد السوق القائم على القانون. إن أعداءنا الحقيقيين ليسوا ماركس أو غيرهم، وإنما الناس الذين لا يؤمنون بإمكانية البشر المحرَّرين بقوة القانون.
إن أعداء حركة التنوير هم الرومنطيقيون الذين أصبحوا نوعاً من الوطنيين لا يعرفون كيف يمكنهم التحدث عن الحضارة بشكل فردي، ويؤمنون دوماً بأكثر من حضارة في نفس الوقت. ولأنهم وطنيون ورومنطيقيون، فهم يجرّون الناس بعيداً عن قوانين التقدم الشاملة. وهم أناس من أمثال صموئيل هنتنغتون، والذي يعتبر وبحق شخصاً معتدلاً إذا ما قورن برومنطيقيينا، والذين يؤمنون أنه علينا عدم اللحاق بنموذجنا لأن ماكس فيبر قد أقنعهم بأنه نموذج أنجلوسكسوني.
لذا أنا فخور هنا في كيتو لكوني الأجنبي الثاني الذي يحصل على جائزتكم هذه، ومحاطاً بزملاء من أمريكا اللاتينية، ومقدّم من قبل مواطن هندي سابق. إنكم تسيرون على طريق التنوير بشكل واضح لأنكم تؤمنون بإمكانيات جميع البشر في هذا العالم. لذا، فإني فخور بالحصول على هذه الجائزة من كيتو، والتي سميت بعد ميلتون فريدمان العظيم. وأنا أشعر بالتواضع حيال هذا الشرف الممنوح لي، والذي يعكس جهد زملائي.
مقتطفات من كلمة دي سوتو لدى تسلمه جائزة ميلتون فريدمان للحرية للعام 2004 والمقدمة من معهد كيتو.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 كانون الثاني 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018