إن الموقع الجغرافي للهند يسمح ببروزها كقوة مؤثرة في موازين القوى على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي الدوليين. وهو ما يلاحظ منذ سنوات خلت، حيث سجلت الهند إقلاعا اقتصاديا تمثل في أدائه المتميز. لقد تحولت الهند من دولة فقيرة جدا إلى إحدى المناطق الأكثر نشاطا وحيوية على الصعيد العالمي، فنصيب الفرد من متوسط الثروة تضاعف خمس مرات في العشرين سنة الأخيرة.
إقلاع اقتصادي يجمع معظم الاقتصاديين على أسبابه التي ترتبط بتحرير الاقتصاد الهندي، فبعد أزمة ميزان الأداءات التي عرفتها الهند أوائل تسعينات القرن الماضي (1991)، أقرت حكومة نراشيمها راو سلسلة من الإصلاحات الجذرية التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد على الصعيدين الداخلي والخارجي. فتم على المستوى الداخلي إزالة القيود الرئيسية للمنافسة ابتداء من عام 1991، وألغت التراخيص الصناعية والاحتكار في الصناعات الرئيسة.
أما على المستوى الخارجي، فتم الرهان على إصلاحات تدريجية تسمح بانفتاح الاقتصاد الهندي. إصلاحات تمثلت في تحرير الواردات بتخفيض معدل الرسوم الجمركية على المنتجات غير الزراعية الذي سجل نسبة قياسية وصلت إلى 355 % سنة 1990، إلى حدود 50 % بعد مرور خمس سنوات (1995)، لتصل إلى نسبة 10 % مع حلول عام 2008. كما تم رفع القيود على الصادرات، حيث انخفض عدد المنتجات التي تخضع لسياسة المنع من التصدير من 185 منتوجا عام 1991 إلى حدود
16 منتوجا سنة 1992. كما عملت الحكومة على تحرير قطاع الخدمات بشكل تدريجي، مما سمح للشركات الأجنبية باستثمار رؤوس أموالها.
إن كل هذه الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة، كان لها وقع كبير وواسع النطاق على الاقتصاد الهندي، من خلال تحرير القوى المنتجة والقطيعة مع عشرين سنة من سياسات التخطيط.
لكن هذا لم يحل دون بروز بعض الآراء المخالفة، فظهرت في الواجهة بعض الأصوات التي تقف ضد هذا التحليل، وتطرح جملة من الانتقادات، نجملها في رأيين اثنين:
الرأي الأول يطرحه كل من داني رودريك و أرفاند سيبراماني اللذين ينكران كون الإصلاحات التي عرفتها الهند في التسعينات سبب في الإقلاع الاقتصادي. فالنمو الاقتصادي الهندي بدأ من وجهة نظرهما في فترة الثمانينات، أي قبل تنفيذ السياسات الليبرالية. ما يعني أن هذه السياسات لا يمكن أن تكون أصل الانطلاق والإقلاع الاقتصادي. وتعزى هذه الانطلاقة والازدهار إلى تحسين وضعية المقاولات المحلية، تحت رعاية الحكومات المتوالية لأنديرا غاندي وراجيف غاندي.
إن هذا الادعاء يمكن أن يصمد أمام أرقام النمو (متوسط معدل النمو في الثمانيات قريب من معدل نمو التسعينات)، لكنه لا يصمد أمام التحليل. فالنمو الاقتصادي في سنوات الثمانيات تمتمويله من خلال سياسات ضريبية توسٌيعة، التي تم تمويلها بالاقتراض الأجنبي.
أدت السياسة الحكومية التبذيرية إلى مراكمة ديون خارجية لا يمكن تحملها، وإلى أزمة في ميزان الأداءات بدءا من سنة 1991. ومن باب المقارنة فقط، فالنمو الاقتصادي في العشرية الأخيرة من القرن الماضي (1990 إلى 2000)، كانت أكثر
استقرارا نتيجة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحرير الاقتصاد من احتكار الدولة.
أما الرأي الثاني فهو الذي تقدمه الحركة المناهضة للعولمة، التي بالرغم من أنها تقر بالأثر الإيجابي لهذه الإصلاحات على نمو الناتج المحلي الإجمالي فهي تدين حصيلتها و تداعياتها على الصعيد الاجتماعي. إلا أنها تعتبر أن الإصلاحات الليبرالية فاقمت – خاصة في المناطق الريفية – معدلات الفقر والهشاشة.
بيد أن تحليل لغة الأرقام تدحض هذه المخاوف، فنسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية تحت عتبة الفقر انخفضت من 39,1% أواخر 1980 إلى 27,1% سنة 2000. أما على مستوى مجموع السكان، فسُجل خلال نفس الفترة انخفاض لعدد الفقراء من 320 إلى 260 مليون شخص. وهذا الرقم يعادل عدد ساكنة دولة مثل فرنسا. بالإضافة إلى تحسن مؤشرات التنمية البشرية، فحسب ارفاند باناكاريا: “تحققت مشاريع هامة فيما يتعلق بالزيادة في مستوى التعليم، والقضاء على التفاوت بين الإناث والذكور في ولوج المدرسة”.
إن الهند ليست بالنموذج الأمثل في مجال الحرية الاقتصادية: فقطاعات مهمة مثل الفلاحة والطاقة ما تزال تحت وصاية الدولة، كما أنها ما تزال محتكرا ومنتجا غير فعال في عدة قطاعات اجتماعية كالصحة والتعليم… .وتجدر الإشارة أيضا إلى أن بعض الحواجز في مجال التجارة الخارجية ما تزال قائمة.لكن بالرغم مما سبق لا ينبغي التقليل من أهمية التقدم المسجل إلى حدود الوقت الراهن: إنه درس لأفريقيا.
*كاتب ومحلل بموقع عالم حر من فرنسا
آدم ألوبا
في مُستَهَل حديثها عن مرض الخَرَف عند كِبار السن وتدهور المهارات الذهنية، قدّرت جريدة كلوبال آند مَيل [الكندية] التكاليف التي تقع على كاهل الاقتصاد الكندي بسبب هذا المَرَض الفظيع بـ 15 مليار دولار سنوياً. وقد أرسلت إحدى القُرّاء هذا الجواب على المقال: نحن نُسهم في الاقتصاد بسبب هذا المرض. نحن نشتري بطاقات الطائرة أو الوقود لزيارة أولياء أمورنا ونعمل على تشغيل الناس من اجل تنظيف منازلهم وباحاتها. نحن ندفع تكاليف المُمرضات والأشخاص الذين يوفرون الرعاية لهم وندفع تكاليف إقامتهم في منازل العجزة أو المُتقاعدين. كذلك فنحن ندفع تكاليف المحامين من اجل إنشاء وكالات ووصايا قانونية، بالإضافة إلى دفع تكاليف مُحاسبي الضرائب لدفع ضرائبهم.
لقد أسسنا صناعة كاملة حول لهؤلاء الأشخاص الذين يعانون من مرض الخَرَفْ.
تكشف رسالة لانكدون شيئين:
(1) أنها ابنة مُخلصة تعمل ما بوسعها للعناية بوالديها المُسنَّين
(2) أنها أخصائية اقتصاد كسولة
تريّثي – هل فعلاً أن تقديم الرعاية للأشخاص الذين يعانون هذا المرض يتطلب إنفاق المال والذي يعمل بدورهِ على خلق الوظائف؟ إذا أليست الآنسة لانكدون تذكر لنا ما هو ظاهر عندما تؤكّد على حقيقة أن “صناعة الخَرَف” تُسهم في الاقتصاد؟
في الحقيقة فإن منطقها الاقتصادي يشوبهُ التصدّع. ومع ذلك لا يجب عليها أن تشعر بالحَرَج حيال خطئها، بما أنه خطأٌ شائع. يقع محور خطأ الآنسة لانكدون في افتراضها بأن العواقب الاقتصادية الوحيدة للخَرَف هي تلك التي تكون ظاهرة آنياً: تكاليف المُمرضة التي تأتي إلى المنزل والشخص الذي يأتي ليُطعم المرضى والمحامي الذي يتم تعيينه لإنشاء وكالة قانونية وهكذا دواليك. والذي فاتها هي التأثيرات التي لا تُرى والتي يتم شرحها من قبل مُنظّر اقتصادي فرنسي وافاه الأجل قبل سنين طويلة.
ما يُرى وما لا يُرى
كتب فريدريك باستيا في عام 1850 عملهُ الأخير تحت عنوان: Ce qu’on voit et ce qu’on ne voit pas ومعناه “ما هو مرئي وما هو غير مرئي.” ويبدأ المقال بمثلٍ مُنمّق بسيط حول النافذة المكسورة. يكسر ولدٌ نافذة رجلٍ ما بالصدفة. ويواسي الجيران الرجل لاعتقادهم أن عمل الطفل غير المُرضي سيوفر عملاً لصانع الزجاج على الأقل. وفي النهاية، “ما الذي سيعملهُ صانع الزجاج إن لم تنكسر النوافذ أبدا؟”
يُشير باستيا إلى خطأ الجموع في عملية اعتبار التأثير المرئي للنافذة المكسورة أن عمل صانع الزجاج يمثّل التأثير غير المرئي، بفكرة أن المال الذي يتم إنفاقه على استبدال النافذة لا يُنفق في مكانٍ آخر. وعوضاً عن النافذة أو لنقل زوجٌ جديد من الأحذية، فإن المطاف سينتهي بالرجل مع إصلاح النافذة فقط. لذلك فإن إهمال الطفل سبب بفُقر الرجل وقريتهِ.
ويطبّق المقال نفس المنطق على مواقف أخرى يُركزُ فيها الناس فقط على التأثير الفوري للسلوك الاقتصادي مثل المصروفات العسكرية أو الفن المدعوم أو برامج الأشغال العامة. إن ما يُرى هو وظائف الجنود والفنانين والعُمال والتأثير على مصروفاتهم. وما لا يُرى هو الفعّالية الاقتصادية التي يؤديها دافعو الضرائب الذين يعملون على تمويل هذه العمليات. لكن من الممكن استخدام هذه الموارد المالية لاستهلاك بضائع وخدمات أخرى وبذلك يتم استخدام نفس المقدار من المال كدولة دونما إهدار للموارد وذلك من اجل تحصيل ووضع ميزانية وإنفاق المال.
هل توضح لديك منطق لاندون المُتَصَدّع؟ فهي تُشير رسالتها فقط إلى ما يُرى: توظيف المُمرّضة ومن يقدّم الخدمات والمُحامي والى آخره والناتج عن مرض ذهني لأحدهم. والشيء الذي لا يُرى هو كيف كان سيتم استخدام المال لو كان الشخص يتمتع بصحة جيدة – لربما كان سيتم إنفاق المال على سيارة أو عطلة. فعوضاً عن تعيين مُمرّضة ما، كان يمكن إنفاق هذه الأموال على توظيف عامل في مجال صناعة السيارات أو طيار وعوضاً عن مريض يتم العناية به فإنه يمكن لابن هذا الشخص أن يكون له ولي أمر يتمتع بصحة جيدة و السيارة الجديدة. وكما يوضّح باستيا فإنك حتى لو افترضت عَرَضياً بأن هذا الشخص قام بادخار المال وعدم صرفهِ فإن ذلك وببساطة سيجعل الأموال متوفّرة لإعارتها لشخص آخر كي يصرفها.
تطبيقات العصر الحديث
وبعد قرنٍ ونصف، فإنه يتوجب على باستيا وجيشهِ أن يقطعوا شوطاً طويلاُ لمواجهة اللّامنطق، لأن مُغالطة مثال مُغالطة النافذة وفشل عملية اعتبار ما لا يُرى موجودة في كل مكان.
حُزمة التحفيز
فكّر في الأيام المُظلِمة من عام 2008 حين تراجعت مؤشرات الأسهم وانهيار المصارف وانهيار الاقتصاد الوطني. هذا وجاءت من العُتمة صرخة رابعة ألا وهي حزمة التحفيز! ففي عام 2009 وَقّع الرئيس أوباما حُزمة تحفيز بمقدار 787 مليار دولار للعودة بالاقتصاد إلى الحياة. وقد حذّر مُستشارو البيت الأبيض الاقتصاديين بأنه وبدون هذا الإجراء فقد تصل نسبة البطالة في عام 2010 إلى 8.8%. وبعد سنتين تقريباً وصلت نسبة البطالة إلى 9.4% وهي أقل من النسبة التي سجّلها شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2010 والتي وصلت إلى 9.8%.
وعلى الرغم من التخطيط الخاطئ، ربما لكانت الأمور أسوء دون تمرير حزمة التحفيز. وفي الوقت الذي يمكننا فيه أن نرى تأثير حزمة التحفيز – توظيف رجال الشرطة والحفاظ على المُدرّسين والى آخره – إلا أننا لا نستطيع أن نرى الاستثمار الخاص الذي كان من الممكن تحقيقه بالموارد التي استخدمتها الدولة. وبعبارة أخرى وكما تنبأ الكثيرون فإنه لربما حزمة التحفيز لم تُحَفّز أي شيء. ربما قامت الحُزمة بتحويل الصرف إلى مكان آخر في العملية مُهدرةً بذلك موارد على البيروقراطيين لتحويل المال هنا وهناك. إن هذه النظرية مدعومة من قبل تحليل أعده أستاذ من جامعة هارفارد يُظهر فيه بأن دولار واحد من الإنفاق الحكومي يُنتج ما هو اقل من قيمة الدولار في الفائدة الاقتصادية، إلا في حالات الظروف الاستثنائية الحقيقية.
الاستثمارات الإستراتيجية
يستخدم السياسيون عبارة “الاستثمارات الإستراتيجية” كوسيلة لخلق الوظائف بوجود التراجع الاقتصادي وبعدمه وعلى حدٍ سواء. يقترح المنطق الخاص بباستيا بان هذه المُقاربة مكتوب عليها الفشل. بالفعل، فلو حاولنا أن نرى ما لا يُرى، فإن الأمور تبدو بشعة. اكتشف أخصائيان اقتصاديان من جامعة ليفال في دراسة أجرياها في عام 2007 بأن دعم الحكومة لمُصهّر الألمنيوم قد تمت ترجمته إلى تكاليف سنوية بمقدار 275000 دولار تقريباً لكل وظيفة تم إيجادها. هذا وقد اكتشف سردٌ ما في عام 2008 بأن “هنالك إجماع مابين أخصائيي الاقتصاد بأن امتيازات الملاعب والساحات والرياضات لا تمتلك تأثيرا ثابتاً وايجابياً على مدخولات الوظائف والدخل والضرائب” ويعني ذلك بان الدعم المُفرط لهكذا أمور لا يمتلك مُبرراً اقتصادياً. قدّرت دراسة ما -في عام 2009 حول برنامج الطاقة المُتجدّدة الكبيرة في إسبانيا- بأنه تم إلغاء 2.2 وظيفة اعتيادية لكل وظيفة تم إيجادها للبرنامج.
ولكن هل قامت الحكومات بإعادة النظر في طريقة تفكيرها؟ بالطبع لا. ومن الجيد معرفة بأن الباقين لا يستطيعوا أن يوجِدوا شيئاً من العَدَم وبطريقة سحرية، وذلك عندما يتنهّد باستيا قائلاً “يُقال بأن الأمر واضحٌ إلى حد أنه مُتعب ومع ذلك فالناس تصوّت وكأنك لم تُثبت شيئاً البتّة.”
التدمير غير المُبدع
إلا أن هذه الأخطاء لا تعُد شيئاً إذا ما قورنَتْ بالخطأ الأعظم: وهي فكرة أن التدمير مُفيد للاقتصاد. وبقدر كون الفكرة شيئاً خطأً ومُنافياً للحس البديهي، إلا أن هذه الفكرة التي ترفض التلاشي تستمر في اجتذاب الكثير من وسائل الإعلام.
بعد يوم من حادثة 11 سبتمبر حاول تيموثي ناواه إيجاد شيء جيد في موقف سيء: “هل سيُنعش الإرهاب اقتصاد الولايات المُتحدة؟” يقول ناواه ” بأن الولايات المُتحدة تستجيب للكوارث الفظيعة عن طريق إنفاق كميات كبيرة من المال […] ولإلحاق الضرر بالولايات المُتحدة قد يعمل الإرهابيون على جعل الاقتصاد أكثر ازدهاراً.” بعد أن دمّر الإعصار كاترينا مدينة نيو أورلايندز في عام 2005، أخبر احد الاقتصاديين في مجال الخزين الفيدرالي جريدة النيويورك تايمز بأن “عملية إعادة بناء المُمتلكات تُسهم في زيادة المُخرَجات،” على الرغم من أنه اعترف بأنه “في بعض السياقات يمكن وبسهولة القول بأن وضعيتنا أصبحت أسوء بفعل الإعصار.” وبعد الهزة الأرضية الكبيرة التي ضربت هاييتي في عام 2010، كَتَبَ كيفن روزاريو، أستاذ الدراسات الأمريكية، في جريدة الوول ستريت بأنه “يمكن للكوارث أن تُشكّل فُرَصاً فريدة للتحسينات.” وقد لقّبَ الكوارث الطبيعية بـ “مُحركات التنمية المدنية والنمو الاقتصادي,” مُمجّداً بذلك “الفوائد المادية للدمار.”
هل بدأتَ تهُزُ رأسك بهذا الأقاويل؟ ولكن هنالك سؤال واحد قبل أن تربّت على كتفك: ما الذي أنهى فترة الكساد الكبير؟ إن قُلتَ “الحرب العالمية الثانية” فيؤسفني أن أقول لك بأنك تنتمي إلى مُعسكر ناواه و روزاريو. لا تُبرح نفسك ضرباً، على الرغم من أن بول كروكمان الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد يدّعي بأن الحرب قد أعادت الاقتصاد إلى الحياة (وذلك في عمود إحدى الجرائد وليس في مُراجعات البحوث الدراسية).
وقد قال أخصائي الاقتصاد روبرت هيكز سابقاً بأنهُ وبينما عملت التعبئة العسكرية على إنهاء مشكلة البطالة المُزمنة، إلا أن الازدهار الحقيقي حصل بعد الحرب. ولكن هل يمكن أن تكون فكرة أن الحرب مفيدة اقتصادياً منطقية وبدون هذا النقاش التجريبي؟ هل يمكن للموارد التي يتم تكريسها لبناء الأسلحة – البضائع التي تُدمّر البضائع الأخرى (والناس) – أن تجعلنا فعلاً أغنياء؟ وماذا لو قامت دول المحور والتحالف بإطلاق رصاصاتهم في الأرض وضرب الحقول الفارغة وإغراق سُفُنهم في البحر إنقاذاً للأرواح؟ وفي هذه الحالة هل يمكن لنا أن نستهل عملية نمو اقتصادي عن طريق دفع الناس [مادياً] لحفر حُفرٍ ومن ثم طمرها؟ بالطبع لا، حتى وإن كَتَبَ جون ماينارد كينيس عكس ذلك بنفسه.
إن هذه المُناقشة هي حقاً أم كل المغالطات الخاصة بالنافذة المكسورة – ويتساءل المرء إن كان يمكن تصديقها فعلاً. وفي النهاية وبعد أن لا يقوم أي شخص بإخبار بطل مثال النافذة المكسورة لباستيا بكسر المزيد من النوافذ، فلا يستطيع أي شخص أن يعتقد بأن القيام بتدمير مدينة أو إغراق حي أو بدء حرب هو أمر منطقي من الناحية الاقتصادية. وإلا، فإن التخريب المُتعمّد للمُمتلكات ليس بجريمة بل واجب مدني! وكما يوضّح باستيا فإن “تكسير الأشياء أو تخريبها أو هدرها لا يُشجّع العمل الوطني وباختصار فإن الدمار لا يُمثل ربحاً.” ومع ذلك فان بول كروكمان وآخرون يُصرّون على أن إنفاق 1.2 تريليون دولار على حربي العراق وأفغانستان قد عمل على تعزيز الاقتصاد الأمريكي (وهو أمر لا يتفق عليه الكثير من الأمريكيين). بشرى سارة للولايات المُتحدة: ستعود الأيام السعيدة هاهُنا بعد عدة هجمات إرهابية وعدد من عمليات الاحتلال! آهٍ لو اقتصر هذا النوع من التفكير على الهجاء.
ولكن ماذا لو…
من السهل أن نتخيل سيناريو لا تنتطبق فيه مُغالطة النافذة المكسورة (وإن أردت أن تحاول إثبات أن الكوارث الطبيعية هي أمر جيد على الرغم من تأثيرات “النافذة المكسورة”، يمكنك الاطلاع على الرابط التالي: http://www.boston.com/bostonglobe/ideas/articles/2008/07/06/how_disasters_help/?page=full. إعصارٌ يُدمّر مباني آيلة إلى السقوط والتي كان من المُفترض تحطيمها قبل عدّة سنوات. الدعم العام يموّل مشروع جزيئات جديدة لمُعالجة السرطان. ونعم سيتم استبدال النافذة بأخرى جديدة موفّرة للطاقة والتي سوف تعوّض عن تكاليف التنصيب.
ولكن ليس هنالك من سبب يستدعي المرء ليعتقد بأن الحكومة مع كل الحوافز الشائبة تتصرف بناءً على المصلحة السياسية عوضاً عن الاقتصاد أو العلوم الصحيحة وذلك لغرض اختيار الفائز الأكبر. كما ولن يتوقع أي شخص عاقل من دمار عشوائي أن يعمل على تحطيم فقط الأشياء التي هي أصلا بحاجة إلى تدمير وعن طريق الصدفة. وبينما لكل قاعدة شواذ، فإن الأول هو الدليل الأفضل للسياسة في العادة من الأخير.
يبقى العمل الخاص بباستيا غير كامل بينما تمتلك المُغالطات الاقتصادية الأساس صفة الخلود. ومع ذلك، يبقى إرثهُ جباراً. وبما أنه تم تعريفك بهذا الإرث، فها أنت إذا شخصٌ آخر لديك مناعة ضد فكرة أن الطُرق مُمهّدة للأغنياء عن طريق المرض أو البيروقراطية أو الدمار.
* محامي وكاتب سياسي من كندا
منبر الحرية،26 مارس/اذار2012