قضية استنبات العلم في المجتمعات العربية لا تزال تحتاج إلى نقاش مجتمعي كثيف. صحيح أن الحالة السياسية الراهنة في الوطن العربي يكتنفها الكثير من الغموض،ولا تزال تراوح مكانها بفعل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة وظهور فاعلين اجتماعيين جدد يمتلكون تصورات مختلفة لمفهوم العلم، وهو مفهوم مستوحى مما يسميه محمد عابد الجابري تأثير”حضارة الفقه”.
لقد شكلت ثورة الخميني إلى العهد القريب النموذج السياسي والثقافي لأقطاب كثيرة من حركات الإسلام السياسي. وظلت في فعالية وصولها إلى السلطة المثال المأمول لأغلب حركات الإسلام السياسي التي تتربع على عرش الحكم في العالم العربي الإسلامي بعد حراك الشعوب .و في السياق الراهن الذي تعيشه بلدان الحراك العربي تفرض المقارنة نفسها، لأن تشابها ما يحصل في الواقع الحالي لبلدان ما سمي بالربيع العربي....
ينبثق سؤال الهوية العربية ليشكل مأزقا لم تستطع الإجابة عنه كل الصفحات التي دبجت منذ عصر ما قبل النهضة إلى الآن، هاته الأسئلة الوجودية تشي بوجود أزمة من انا/من نحن ؟ ما علاقتي بالآخر؟ ما التصور الذي يجب أن يحكم وجودي؟ ألا يمكن أن أصنع نموذجا حضاريا خاصا بي بعيد عن التأثيرات الخارجية؟.....
المحاكمة المستمرة لمبارك واختفاء زين العابدين وسقوط القذافي المهين، ومن قبله صدام حسين، والمصير المجهول الذي ينتظر أسد سوريا وصالح اليمن تدعو الذين مازالو قائمين على كراسيهم الوثيرة بالتفكير سريعا في التحولات التي يشهدها العالم وتشهدها المجتمعات العربية. أما النموذج المثالي لسلطة المستقبل فلا بد أن يرتقي من العنف والثروة إلى المعرفة.....
سيمر وقت طويل دون أن يستطيع المؤرخون والباحثون وعلماء الاجتماع السياسي وكتاب التاريخ الوقوف على حقيقة ما يجرى من تغيرات في تصور الإنسان العربي لذاته ولمحيطه نتيجة المد الثوري الصاعد في المنطقة العربية. لكن أهم سؤال يجب الالتفات إليه هو : كيف تصنع التطبيقات الإعلامية الجديدة مصير العرب اليوم؟ وهل يخرج من رماد القهر والقمع إنسان بمواصفات الكرامة والحرية والإرادة والمسؤولية؟.....
ترسخت صورة الغرب الإيجابية في تمثلات أجيال كثيرة في العالم العربي. لكن يبدو أن هذه الصورة الوردية التي غزت المخيال الاجتماعي للإنسان العربي تتضرر في الظروف الحالية بشكل كبير أو على الأقل سينشأ جيل جديد لا يثق كثيرا في الغرب وخاصة حكوماته، حكومات يظهر يوما بعد يوم أنها تغض الطرف، بل منها من تورط في دعم أنظمة حكم أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها دموية إزاء مطالب الحرية والديمقراطية...
بدت مظاهرات الشباب المغربي المليئة بالدلالات. وبكل لغات العالم خرجوا إلى الشوارع في مظاهرات سلمية ليقولوا للمسؤولين وللعالم" لسنا خارج السياق السياسي العربي». وفي المسيرات كما في الشعارات المرفوعة وحدة قل نظيرها في المظاهرات العديدة التي تعود المغاربة على الخروج فيها مفادها "نريد التغيير».....