peshwazarabic

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تمر الولايات المتّحدة بحالة تاريخية من الوهن والضعف نتيجة لقرارات إدارة بوش الابن السابقة الخاطئة، التي أغرقت القوة العظمى في وحول العراق وأفغانستان والعبء المالي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الناتج عن هذه الحروب. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتعقّد وضع واشنطن في النظام العالمي، وكان نتيجة ذلك أن أتت إدارة جديدة بقيادة الرئيس أوباما تحت عنوان التغيير في محاولة لتدارك الأمر.
هذا التغيير يحمل ضمنا عدّة مفاهيم طارئة على الوضع دفعت الأمريكيين إلى إعادة النظر في عدد من الأمور التي كان ينظر إليها كمسلّمات. فالقوة العسكرية على سبيل المثال لم تعد الملجأ القادر على حل المشاكل، بل أصحبت مشكلة تعقّد الأوضاع وتضعف من مكانة الولايات المتّحدة العالمية. على الصعيد الديبلوماسي أيضا أصبح هناك شعور راسخ بأهمية التعاون مع القوى أخرى في المنظومة العالمية لانّ المشاكل والتحدّيات أكبر من أن تقوم دوما لوحدها بحلّها مهما بلغت من قوّة وعظمة.
ومن ضمن المواضيع التي شهدت إعادة نظر أيضا القضية الفلسطينية. فالأمريكيون بشكل عام والإدارة الأمريكية بشكل خاص، تدرك أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصراع العربي-الإسرائيلي أصبح يقوّض وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم. ولان أمريكا لم تعد بالقوّة التي كانت عليها من قبل، ولان مشاكلها تفاقمت، ولان القضية الفلسطينية أصبحت محرّكا لكل من يريد معاداة أمريكا، ولان الأمن القومي الأمريكي أصبح مهددا بسبب هذه الإشكالية قبل هذا وذاك، أصبح حل هذه المعضلة أمرا أساسيا.
نتانياهو يعلم الحقائق الضاغطة باتجاه إسرائيل، ولذلك هو منذ انتخابه عمد إلى اللجوء لعدد من التكتيكات الديبلوماسية المهمة التي تعطينا درسا في كيفية التملّص من الالتزامات والتهرّب من الضغوط:
1- الملف الإيراني: تذرّعت إسرائيل بداية بالخطر النووي الإيراني والتهديد الوجودي الذي يفرضه على إسرائيل في محاولة لاستعطاف أمريكا والغرب وتحويل الأنظار عن شرط الوقف الكامل للاستيطان كمقدمة لإجراء مفاوضات تفي إلى التوصل لتسوية ليست لصالح إسرائيل ولا تريدها. وكانت الولايات المتّحدة قد عبّرت سابقا عن حنقها من التصرفات الإسرائيلية عبر رفض استقبال رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي في زيارته في بداية العام إلى واشنطن، حيث تفادى أي مسؤول أمريكي رفيع المستوى مقابلته وشمل ذلك حتى نظيره الأمريكي مايكل مولن، واقتصر لقاؤه على مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونس الذي رفض الخوض معه في الملف النووي ودعاه إلى التركيز على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
كما رفضت الإدارة  الأمريكية منح مبعوث نتنياهو إلى واشنطن مستشار مجلس الأمن القومي “عوزي أراد” تأشيرة دخول علما أن الأخير ممنوع أصلا من دخول الولايات المتّحدة لعلاقته بمسؤول البنتاغون لاري فرانكلين في فضيحة نقل خطط أمريكية حول إيران إلى إسرائيل عبر اللوبي اليهودي “ايباك”.
2- فخ التجميد المؤقت للمستوطنات: لجأت حكومة نتانياهو في مرحلة لاحقة إلى طرح فخ التجميد المؤقت للاستيطان (مدّة 6 أشهر)، للالتفاف على الضغوط الأمريكية وحشر الفلسطينيين، أي انّها تكون بذلك نفّذت شرط وقف الاستيطان “شكليا” وأرضت الأمريكيين، ثمّ أجبرت المفاوض الفلسطيني على التفاوض من دون الحصول على أية مكاسب حقيقية خاصةّ أنّ الاستيطان سيتواصل فيما بعد. وأمام التعنّت الإسرائيلي والتمسّك بهذا الطرح، قام الأمريكيون بنقل الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول به، لكن الموقف السعودي أطاح بهذا الالتفاف عندما أعلن بشكل وزيرة الخارجية سعود الفيصل بشكل واضح وقوي وفي خطوة نادرة في نيويورك رفضه المماطلة والتسويف الإسرائيلي عبر تكتيك الوقف المؤقت للاستيطان، أو طرح التطبيع الشامل قبل الحصول على خطوات إسرائيلية جدّية.
3- التلاعب على الانقسام الفلسطيني وتعميقه: اعتمدت الديبلوماسية الإسرائيلية أيضا على التلاعب على مسالة الانقسام الفلسطيني، والمفارقة في الأمر أنّ الحكومة الإسرائيلية عملت على تعميق الانقسام من خلال تقويض السلطة الوطنية لصالح خصومها على اعتبار أنّ الأولى منخرطة في الجهد الأمريكي والعربي لانتزاع تنازل من إسرائيل في حين أنّ خصومها يعارضون العملية السلمية وهو ما يخدم إسرائيل حاليا، وذلك لان المصالح الإسرائيلية الحالية تتقاطع مع مبدأ هؤلاء من حيث رفض التفاوض. فلا إسرائيل تريد خوض مفاوضات من موقع المضغوط عليه، ولا خصوم السلطة يريدون مفاوضات من أساسه، ولذلك شهدنا تحركات باتجاه هذا التقاطع الذي يعزل السلطة وبالتالي يفشل الجهود الأمريكية من خلال تسريب الإسرائيليين لإمكانية عقد صفقة للأسرى وهو بالتأكيد ما سيعزز من وضع حماس في الداخل الفلسطيني، كما عبّر موفاز في محطات عديدة عن إمكانية استبدال السلطة بحماس عن طريق التفاوض مع الأخيرة.
4- التذرّع بعدم وجود شريك فلسطيني: بعد تعميق الانقسام الفلسطيني والتلاعب عليه، طرحت الحكومة الإسرائيلية موضوع عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، على اعتبار أن حماس لا تفاوض وانّ الرئيس الفلسطيني لا يصلح لان يتم التفاوض معه، فهو ضعيف ولا يمثّل كل الفلسطينيين في ظل الانقسام الحاصل، وطلبت إسرائيل بالتالي تأجيل التفاوض إلى حين حل المشكلة الفلسطينية المتمثلة في الانقسام. وكأن الإسرائيليين يأبهون للوحدة الفلسطينية، بل إن هذا الانقسام يخدمهم في التهرب من مسؤولياتهم ومن الضغوط المفروضة عليهم ويحررهم من أي تنازل ممكن.
4- الاستفتاء الشعبي: آخر أسلحة الديبلوماسية الإسرائيلية كانت اللجوء منذ أيام إلى إقرار مشروع قانون يلزم الحكومة الإسرائيلية بإجراء استفتاء شعبي قبل أي انسحاب إسرائيلي من أراض محتلة. والمراد طبعا من إقرار هكذا المشروع، التحصّن ببعد شعبي يدعم التعنّت الحكومي بعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والمطالب العربية. ومن شأن هذا التشريع أن يفرغ أي مفاوضات مستقبلية أو أي قرار دولي أو حتى إسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، إذ سيتم التحجج بوجود أغلبية شعبية معارضة للانسحاب، وبالتالي نقل الضغط من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني والعربي باتجاه دفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات والتراجعات.
يحسب للرئيس أوباما وعلى العكس من الرؤساء الأمريكيين السابقين انّه تحرّك منذ توليه لمنصبه، وان لم يكن قد توصل إلى أيّة نتائج تذكر بعد، ومن غير المعروف ما إذا قادرا أصلا على تحقيق أية نتائج في هذا الإطار. لكن الوضع الإسرائيلي يعطينا مؤشر بتعرّضه لضغوط كبيرة، لكن المطلوب أن تبقى هذه الضغوط الأمريكية موجهة إلى الجانب الإسرائيلي وان تزداد وان لا تتحول باتجاه الفلسطينيين أو أن يتم فقدان الأمل وبالتالي إعطاء الحرية لإسرائيل في غيّها ومماطلتها. هناك العديد من التجارب التاريخية التي تشير إلى أنّه وعند التضارب بين مصالح الأمن القومي الأمريكي وبين مصالح إسرائيل، فان واشنطن تدافع بشراسة وقوة عن أمنها القومي حتى وان تطلب ذلك إجبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي على التراجع واتخاذ خطوات لا يحبّذها. في العدوان الثلاثي على مصر على سبيل المثال، أجبرت واشنطن الحكومة الإسرائيلية على الانسحاب والتراجع وقالت جولدامائير في حينه بما معناه بانّ القرار الأمريكي أذل إسرائيل وأجبرها على فعل ما لا تريد. وقد تكرر الأمر أيضا في عهد بوش الأب التي هدد إسرائيل بوقف المساعدات المالية والعسكرية المخصصة لها فما كان منها الاّ أن لبّت طلبه.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تستعمل بعد كل الأوراق ولم تضغط بالشكل القاسي المفترض ، لكن المطلوب عربيا تزويد أوباما بالأدوات التي يحتاجها أيضا في الضغط على إسرائيل، لا التفرج على جهوده ومن ثمّ القول بأنه لم يغير شيئا. ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالتحرّك الأوروبي الأخير سواء عبر المشروع السويدي الذي طرح مؤخرا أو عبر بيان المجلس الأوروبي حول عملية السلام والاعتراف بالقدس ورفض قيام إسرائيل بفرض أمر واقع عبر تغيير الوقائع على الأرض وتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات وتغيير التركيبة السكانية للقدس، والذي يصب أيضا في دعم المجهود الأمريكي خاصة أنّ العديد من التقارير البحثيّة الأمريكية الصادرة حديثا تعترف بضرورة حل القضية الفلسطينية وان لزم الأمر الضغط على إسرائيل، علما أن هذه التقارير تشير أيضا إلى إمكانية أن يتسبب هذا الضغط بمشاكل للرئيس اوباما في الداخل الأمريكي ويعرقل بالتالي مسيرته وتقدمه سواءا عبر اللوبي الصهيوني أو عبر أعضاء الكونجرس المواليين لتل أبيب.
© منبر الحرية، 14 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تحتل إيران مجددا واجهة ومركز مسرح الأحداث الدولية. إذ تواصل إدارة أحمدي نجاد تصعيدها و الدفع نحو رد فعل عالمي قد لا يخلو من هجمة عسكرية. خلال ذلك، يواصل الرئيس أحمدي نجاد تعزيز سلطته ليظهر بمظهر الرئيس الأقوى منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وما تصعيد التوتر بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي سوى مظهر آخر من العسكرة الفعلية للنظام الإسلامي. وقد أصبح هذا التوجه واضحا جدا غداة  القمع الوحشي للإحتجاجات الشعبية التي تلت الانتخابات الرئاسية المزوّرة في حزيران (يونيو) الماضي.
لقد صمم هذا القمع للقضاء المبرم، وإلى الأبد، على الحركة الديمقراطية الواسعة، وتأسيس نظام عسكري بدلا عنها. فقد أسس أحمدي نجاد وحلفاؤه سيادتهم على حساب النخب الدينية للتغطية عن سلطة الخميني القائد الأعلى، وعلى مختلف المجالس الحاكمة ذات الغالبية الدينية.
لقد تغيرت مجموعة من المعطيات مع انتخاب أحمدي نجاد عام 2005. فبالرغم من أن السلطة السياسية مركزة بين يدي القائد الأعلى — إلا أن أحمدي نجاد أستخدم سلطاته الإدارية ليقوم بتعيين الموالين له في الحكومة المركزية وحكومات المحافظات، فضلا عن منحهم المناصب الرئيسة، الاقتصادية منها والتربوية.
كما أنه أولى أهتماما خاصا بهيئات الشرطة الأساسية، واستبدل قادتها الكبار، وحوّل الموارد الاقتصادية إلى أتباعه الموالين له – ومن بين هؤلاء شركة خاتم النبيين التي فازت بأول عقد لها بقيمة العديد من المليارات من الدولارات لتطوير أحد الحقول النفطية. وعلى مدى السنوات القليلة القادمة، ستمتد سيطرة قوات الأمن لتهيمن على الجيش، والإعلام، وجميع نواحي الاقتصاد الإيراني.
كما أن عسكرة النظام الإسلامي قد أتسعت لتحكم قبضتها على السياسة الخارجية للبلد. فموقف المواجهة المتزايد الذي تتخذه إيران بشأن برنامجها النووي إنما يعكس مصالح قوات الأمن في إبقاء إيران معزولة متغطرسة – فتطبيع العلاقات مع الغرب، ولا سيما مع الولايات المتحدة، يعبر تهديدا قويا لبقاء النظام ودورهم القوي.
سيكون الشرق الأوسط  أول من يعاني من هذه السياسة الخارجية العدائية، سيما وأن النظام يستغل الفراغ الإقليمي من القوى الموازية، وغياب القوى القومية العربية المهيمنة.  ولم يكن سقوط صدام حسين مجرد ضربة أخرى للقومية العربية، بل أنه أعطى لإيران فرصة ذهبية لبسط نفوذها إلى ما وراء حدودها. حيث أعطى التغيير السياسي في العراق فرصة لظهور سيطرة شيعية، و التي تبدو اليوم في انسجام تام مع القيادة الإيرانية. لكن هذه الفرصة الأولية للتأثير قد تفاقمت لتصبح نفوذا لا يُنكر، توّسع بشكل دراماتيكي وغير مقصود مع إعادة تشكيل الحكومة في العراق.
كما أن هذه التغيرات قد مكّنت إيران أيضا من توسيع دورها في الإقليم. فهي الآن قادرة على ممارسة نفوذها السياسي الإستراتيجي على البلدان العربية ذات الكثافة السكانية الشيعية الكبيرة.
فعلى سبيل المثال، لقد برز شيعة لبنان كقوة متحدية بمساعدة من إيران. كما أن ميزان القوى قد تحوّل لصالح إيران كدولة ذات نفوذ قوي. وبتطوير برنامجها النووي القادر على إنتاج الأسلحة النووية، هناك إمكانية متزايدة لإيران بأن تزيد من تهديدها للاستقرار في المنطقة.
كما أن الشيعة في العالم العربي اليوم – الذين كانوا يعاملون عادة كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل بعض الحكّام السنة المسيطرين – ينظرون إلى إيران كسلطة سياسية ومعنوية. فبالنسبة للعديد من العرب الشيعة، تتمتع طهران بأهمية تضاهي أهمية الفاتيكان للكاثوليك.
وقد استغلّ أحمدي نجاد هذه المشاعر الدينية بذكاء. إذ لا يستطيع المرء أن يجادل أن الفائز الوحيد في حرب العراق عام 2003 هي إيران.   فقد حصدت انتصارا دون إراقة قطرة دم واحدة، مستفيدة من الدين، ممثلة دور المدافع عن الشيعة. فالهوية الدينية الشيعية قد انتشرت الحدود السياسية العربية وتخللتها. فكانت هذه الهوية أقوى من أن تقف بوجهها أية حدود سياسية. إن معطيات الأمور تتغير بسرعة لصالح إيران.
في غضون ذلك، لا يأبه النظام الإيراني العقوبات الاقتصادية العالمية، على الرغم من أن الناس في إيران لا يزالون يعانون سياسيا واقتصاديا، و التهميش التام لحقوق الإنسان. أما العقوبات العشوائية الجديدة فمن شأنها أن تزيد الطين بلّة، فتزيد من معاناتهم، وتقوي شوكة النظام.
تبرز الحاجة هنا إلى ضرورة إيجاد صيغة مزدوجة للتعامل مع إيران، تركّز على حقوق الإنسان وتوجّه العقوبات الاقتصادية نحو القادة السياسيين والعسكريين. ربما سيحظى ذلك الأمر بانتباه أحمدي نجاد وتمهد الطريق الطويل لاستعادة موازين القوى في المنطقة.
*رجا كمال : عميد  كلية هاريس لدراسات السياسات العامة في جامعة شيكاغو.كريم باكرافان هو أستاذ مشارك زائر في العلوم المالية في جامعة دي باول.
© منبر الحرية، 31 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن التفاعلات التي تحدث في الساحة الداخلية السودانية وكان آخرها الإعلان عن تجمع جوبا الذي يجمع الحركة الشعبية والأحزاب الشمالية المعارضة لحكومة الإنقاذ في الخرطوم، وما أعقبها من تعثر العلاقة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لا تنبئ إلا بازدياد احتمالات انفصال الجنوب السوداني.
وقد تم ذلك وفق الاتفاقات التي عقدت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان (الاتفاق الإطاري ماشاكوس 20يوليو 2002 واتفاق الترتيبات الأمنية 25 سبتمبر 2003 واتفاق تقاسم الثروة 7 يناير2004، واتفاق تقاسم السلطة 26 مايو2004  وبروتوكول تسوية الصراع في ولايات جنوبي كردفان والنيل الأزرق 26  مايو  2004وبروتوكول تسوية الصراع في منطقة ابيي 26 مايو2004، و الاتفاق الشامل للسلام في   31 ديسمبر 2004 ) مما يثير تساؤلات حول موقف واشنطن من انفصال الجنوب السوداني.
هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة
الأول : قيام دولة سودانية اتحادية عربية أفريقية
وهذا هو السيناريو الأسوأ لواشنطن رغم انه السيناريو الأفضل للسودان، لأنه يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل أبناء السودان على اختلاف معتقداتهم وإثنياتهم، ويحقق إجماعا وطنيا سودانيا، إلا أنه يصعب تحقيقه نظرا لعدم وجود تنظيم سياسي حديث يرفع أجندة وطنية يمكن أن تلتف حولها كل فئات المجتمع السوداني بصرف النظر عن المعتقد أو العامل الإثني أو الإقليمي، خصوصا وأن كل المفاوضات التي دارت وتدور برعاية من الولايات المتحدة لم تناقش من قريب أو بعيد مسألة هوية السودان.
الثاني : انفصال جنوب السودان
وهذا السيناريو وارد الحدوث بشدة في ظل الظروف التي حدثت وتحدث حاليا. نتيجة إدراك الحكومة السودانية أن زمام الأمور تفلت من يدها، وهي ستبادر إلى إعلان اعترافها بدولة جنوب السودان –فور إعلانه – حفاظا على ما تبقي تحت يدها من الشمال كي تطبق فيه الشريعة الإسلامية بدليل الاتفاق الأخير الذي تم بين الحكومة والحركة الشعبية في شهر ديسمبر /كانون الأول 2009 وكأنه إقرار مبكر من حكومة الخرطوم بالتسليم بالانفصال. وتلك الرؤية يعتنقها العديد من أنصار التيار الإسلامي الأصولي في السودان، ويساند هذه الرؤية سيطرة الحركة الشعبية على معظم أراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها إلى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الإفريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولايات المتحدة.
وعلى أية حال فإن خيار الانفصال تواجهه مصاعب للأسباب التالية :
إن جنوب السودان لا يتمتع بالجدارة الاجتماعية، ذلك أن طبيعة الصراعات فيه بين الدنكا في جانب والنوير و الشيلوك في جانب آخر تبدو أعقد بكثير من الصراع بين الشمال والجنوب. وبهذا فإن انفصاله قد يؤدي إلى اندلاع صراع اجتماعي ممتد تشيع فيه حالة الفوضى والاضطراب في منطقة حوض النيل ككل.
إن دول الجوار الجغرافي لجنوب السودان لن تسلم بانفصاله واستقلاله لأنها كلها تعاني من ذات المشكلة، ومن شأن قيام دولة جنوبية معترف بها امتداد هذا الوضع وبمنطق العدوى إلى كل دول الجوار، حيث تسعى الجماعات المعارضة هي الأخرى إلى الانفصال.
إن الشرعية الأفريقية وعلى نحو ما ورد في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي ترفض عملية الانفصال مخافة تمزيق أوصال معظم الدول الأفريقية حيث ينص هذا القانون على الحفاظ على الحدود التي ورثتها الدول الأفريقية ساعة الاستقلال.
ورغم أن ذلك السيناريو ليس المفضل للإدارة الأمريكية – لأسباب عدة نذكر منها :
أن الإدارة الأمريكية تضع السودان ضمن ما أسمته القرن الأفريقي الكبير، وهي بهذا تريد أن تنتزعه كلية من الحظيرة العربية.
•    أن مصالح الشركات البترولية الكبرى وعلى رأسها الشركات الأمريكية ليس من مصلحتها تقسيم السودان بالنظر إلى اكتشاف النفط في الشمال بكميات واعدة، وامتداد حقول النفط بين الجنوب والشمال بشكل يؤدي الانفصال معه إلى عرقلة نشاط هذه الشركات من جهة وسيادة حالة عدم الاستقرار من جهة أخرى.
•     ثم إن انفصال جنوب السودان وتشجيع دول الجوار الأفريقي له قد يؤدي إلى زيادة الصراع بين الدولة الجنوبية والدولة الشمالية، ويضع على الأخيرة ضغوطا قد تدفعها دفعا للوحدة مع مصر وليس من شك في أن وضعا كهذا لن يخدم المخطط الأمريكي الذي يستهدف إضعاف مصر، بل وربما تمزيقها بحسبان كونها ركيزة لأي توجه وتجمع عربي. ومع ذلك فان الإدارة الأمريكية ستساند الحكومة الوليدة إذا ما أعلنت.
الثالث : قيام دولة سودانية ذات هوية افريقية
وهذا هو السيناريو المفضل الذي يلق تأييدا من قبل الإدارة الأمريكية، ودليلنا على ذلك هو أن قيادات الحركة الشعبية كثيرا ما أعلنت عن هذا البديل تحت مسمى السودان العلماني الموحد الجديد، وكثيرا ما أعلنت عن عدائها للعرب في السودان، ووصفتهم “بالجلادة”، وأشارت إلى أن نسبتهم لا تتجاوز 31% من شعب السودان، فإذا ما أضفنا إلى ذلك وجود مابين مليون إلى مليوني جنوبي يعيشون في معسكرات حول الخرطوم معظمهم من الشباب لأدركنا مدى صدق مقولة جارانج في بداية التسعينيات ” سأصل إلى الخرطوم على قرع الطبول مثلما فعل أخي يوري موسيفيني عندما دخل كمبالا على قرع الطبول ”
إن دول جوار جنوب السودان (إرتيريا – إثيوبيا – أوغندا..الخ ) يمكنها أن تقمع أي دعاوي انفصالية فيها، وستستريح من توجهات نظم الحكم المتعاقبة على السودان والتي لم تنفك عن الدعوة إلى اعتناق دستور إسلامي، أو العمل على تصدير الأصولية الإسلامية إليها، وهنا يمكن للمخطط الأمريكي أن يلحق الضرر كل الضرر بمصالح مصر الإستراتجية كلية، ويمكن أن يضر بمصالح مصر المائية ويمكن للسودان الأفريقي في هذه الحالة بحكم ثروته البترولية أن يقيم مشروعات زراعية ضخمة بحيث يصبح “سلة الغذاء ” ليس للعالم العربي وإنما للعالم الغربي.
© منبر الحرية، 28 ديسمبر/كانون الأول 2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يمكن للسلام أن يؤدي في إسرائيل و فلسطين (كما في كشمير، سريلنكا، دارفور…) إلى مزايا هائلة، أما الحرب فإنها لا تؤدي إلا إلى خسائر بشرية و مالية ضخمة. و رغم كل هذا، لا يبدو أن هناك حل في الأفق، كما أن الوضعية ظلت “جامدة” مند زمن طويل. فالسبب يرجع إلى كون الأطراف الفاعلة في مثل هده الصراعات تعتقد أن الخسائر التي تنجم عن مواجهة تحديات الوضع القائم تتجاور الأرباح التي يمكن الحصول عليها بعد إنهاء النزاع (سواء عن طريق انتصار عسكري، أو عن طريق مفاوضات للسلام).
هذا النوع من التحليلات الذي يعتمد على قياس التكلفة و الربح يمكن أن يفسر السبب الذي جعل الرئيس جورج بوش و محيطه يقررون بعد 11 سبتمبر عدم تخصيص الوقت والموارد البشرية من أجل حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لقد كانوا متأكدين من الفرضية (أو الوهم) القائلة بأن تشجيع “أجندة الحرية” سيخلق الظروف المناسبة لحل هذا الصراع. لقد كان يقال “إن طريق القدس يمر عبر بغداد”. فظل الاعتقاد السائد بين مستشاري بوش أن ما هو جيد لأمريكا فهو جيد لإسرائيل (و العكس صحيح). بالنسبة لهم فإن سلاما على الطريقة الأمريكية في المنطقة قد يرجح كفة تل أبيب في ميزان القوى. ترجيح سيدفع بالفلسطينيين إلى القبول بتوافق قد يخدم مصالح الإسرائيليين.
و من هذا المنطلق لم يكن هناك داع لتسخير الرأسمال الدبلوماسي لواشنطن من أجل الضغط على حليف استراتيجي في “الحرب على الإرهاب” كإسرائيل من جهة، و من جهة ثانية من أجل تخفيف الضغط على القادة الفلسطينيين و قبول القيام بتنازلات.
بدل ذلك فضلت واشنطن ترك المشكلة الفلسطينية جانبا و في نفس الوقت حاولت إعادة تشكيل الشرق الأوسط باستعمال القوة. و في المقابل، و بتنحيتها للمشكلة الفلسطينية من أجل مواجهة ما تسميه التهديد “الإسلاموي الفاشي”، اتبعت إدارة بوش سياسات غالبا ما أدت إلى تأجيج الصراعات بين إسرائيل و الدول العربية.
و قد حاولت هده الإدارة دحض إسرائيل عن الاستمرار في التفاوض مع سوريا (دولة تصنف في “محور الشر”) بوساطة تركية. كما منحتها الضوء الأخضر لتهاجم حزب الله في لبنان مما نتج عنه مأزق استراتيجي لم يرجح بكل تأكيد كفة التحالف الأمريكي الإسرائيلي في ميزان القوى. و قد اصطدمت أجندة الحرية للرئيس بوش بالواقع المرير الذي خلفه فوز حماس في فلسطين و تقوية إيران و حلفاؤها في المنطقة.
و حتى في ظل وجود إدارة أمريكية مقتنعة بضرورة إيجاد حل لهذا الصراع، فهي سترى أنه من شبه المستحيل التحرك في اتجاه توافق في وقت أصبحت فيه القيادة السياسية ضعيفة في الجانبين.
وبالرغم من العديد من المؤشرات التي تدل على احتمال توافق الطرفين على بعض النقاط مثل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية و على الحدود الإسرائيلية الفلسطينية فإنه لم تظهر هناك أية بوادر للتقارب بين الجانبين بشأن جوهر المشاكل الوجودية التي تفرق بينهم، مثل مآل القدس و حق العودة بالنسبة للاجئي سنة 1947. و في نفس الوقت يبدو أن العديد من الملاحظين العارفين بحقائق الميدان الذين كانوا يسخرون من التصميمات الكبرى لبوش و المحافظين الجدد بشأن تحويل العراق و إعادة تشكيل الشرق الأوسط، انضموا إلى صفوف المتفائلين الذين يضعون في باراك أوباما آمالهم لإعادة السلام إلى الأرض المقدسة. بالنسبة لهم، فإن الرئيس أوباما سيقوم بالإجراءات الضرورية لإصلاح الروابط مع الشرق الأوسط وذلك بسحب القوات الأمريكية من العراق و فتح الحوار الدبلوماسي مع إيران. إذن، وبعد تقويته لمكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فإن أوباما سيصبح في وضعية تسمح له بنهج إستراتيجية تبادر بقوة نحو إعادة الروابط بين الفلسطينيين و الإسرائيليين و بالطبع، فإن ما يستطيع الرئيس الأمريكي القيام به في السياسة الخارجية سيرتبط بشكل كبير بقدرة إدارته على السيطرة على الانكماش الأمريكي والعالمي. لأن عودة ركود كبير قد يضعف من احتمال حدوث تحرك دبلوماسي أو عسكري أمريكي.أما إذا ظهر أن مواجهة الانكماش أسهل من المتوقع، فان إدارة أوباما قد تبادر إلى الدخول في أجندة أكثر طموحا في الشرق الأوسط، أجندة تسرع الانسحاب من العراق في إطار جهوي عام قد يضم إيران. دفعة دبلوماسية كهذه، و في بيئة جهوية مستقرة قد تؤدي إلى انطلاقة جديدة للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. لكن على أوباما و مستشاريه أن يزيدوا من ضغطهم على القادة الإسرائيليين و الفلسطينيين من أجل الحصول على اتفاق يحوي تنازلات؛ تنازلات يرى الجانبان لحد الآن أنه لم يحن الوقت للقيام بها. إيجاد حل لهذه المشاكل الوجودية قد يكون بالطبع أصعب مما كان عليه الأمر سنة 2000 (إبان مفاوضات كامب ديفيد2).
في جميع الأحوال، يجب على إدارة أوباما أن تعترف أنه في أحسن السيناريوهات ستضل هناك صعوبات جمة لجلب و تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. لذا فإن خلق الولايات المتحدة لاعتقاد مفاده أن لديها سلطة معنوية و قدرة على فرض السلام في المنطقة، سيجعلها تصنع آمالا غير واقعية ومن الصعب تحقيقها. بل إن الأسوأ من ذلك هو أن تكرار الفشل قد يؤدي إلى تصعيد ردود الفعل العنيفة المعادية لأمريكا التي تزيد من حدة الضغط على واشنطن.
يجب على الولايات المتحدة أن تصبح أكثر استعداد للعمل مع فاعلين دوليين آخرين من أجل إيجاد حل لمعضلة الشرق الأوسط. لكن السلام لن يحدث إلا إذا كانت إسرائيل وفلسطين على استعداد له. فإذا توفرت للطرفين إرادة حقيقية لتحقيق السلام، حتى و إن كان هشا، فيمكن لهما عندئذ التقدم بهذا المسلسل مع أو دون تدخل أمريكي لأنهما فقط المسئولان عن الفشل.
© منبر الحرية، 26 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في الدول الديمقراطية في رسم وتخطيط سياستهم واتخاذ قراراتهم، حيث أن دراسة القضايا والمعضلات السياسية هي المحور الأول في رسم وبناء الإستراتيجيات في كافة المجالات. وهذا لما تمثله المعرفة والعلم عند متخذي القرارات في العصر الحديث الذي تشكل مناهج البحث العلمي فيه مصدراً أساسياً للتعامل مع القضايا والشؤون الحياتية.
و لا بد من الإشارة إلى أن مراكز الأبحاث في إسرائيل في ثلاثة مستويات رئيسية وهي:
المستوى الأول: الأكاديمي البحثي فإن الباحثين في هذه المراكز هم باحثون ذوو كفاءات عالية جداً، ويتمتعون بشهرة عالمية، وذلك بسبب دراساتهم في الخارج، وكذلك بسبب استخدامهم لطرق البحث العلمية التي تخضع للمعايير العلمية العالمية في إجراء وعرض البحوث في المؤتمرات والمجلات العلمية المتخصصة، ومن هنا نلاحظ كثافة إصداراتهم وتمثيلهم في جميع المحافل والمناسبات العلمية العالمية والمحلية.
المستوى الثاني: الإسرائيلي العام، حيث تشارك جميع المراكز في إصدار وبناء برامج تثقيفية للمواطنين كل حسب اختصاصه، مثل مؤتمرات وندوات، وتنظيم أيام دراسية، والمساهمة في توسيع دائرة الثقافة من خلال المسرح والغناء والنشاطات الجماهيرية المختلفة.
المستوى الثالث: صناع القرار، وهنا تصقل زبدة هذه الأبحاث لتعرض على شكل توصيات تقدم لمتخذي القرارات وواضعي السياسات الإسرائيلية في مجالات مختلفة.
وهناك أنواع عدة لمراكز الأبحاث الإسرائيلية حيث تتميز بعدة خواص أهمها:
1)    تعتمد على صقل وبناء برامجها على متخصصين ذوي كفاءات عالية من بين الباحثين اليهود في معظمها.
2)    أهدافها وآليات عملها تحمل وجوهاً من التفاسير وخصوصاً في المواد المنشورة 3)هنالك تعتيم مقصود حول مصادر التمويل لهذه المراكز المكلفة جداً، ويمكن تقسيم مراكز الأبحاث الإسرائيلية إلى ثلاثة قطاعات مركزية مع ملاحظة التعاون في ما بينها.
1-القطاع الجامعي:
تعد الجامعات الإسرائيلية الأطر الأكثر اتساعا في العملية البحثية، إذ تتوفر لها وفيها الكفاءات والخبرات العلمية والظروف الأكاديمية، فضلا عن توفر الإمكانات المادية والمعنوية اللازمة لعمليتي التدريس والبحث. وتولي هذه الجامعات اهتماما كبيرا للعمل في ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية والقانون. ومن أبرز تلك الجامعات: الجامعة العبرية، و  جامعة تل أبيب، و  جامعة حيفا، وجامعة بار إيلان، و جامعة بن غوريون، تتبع لها مراكز ومؤسسات بحثية.
و يتبع للجامعة العبرية عدد من المعاهد والمراكز ومؤسسات الأبحاث المنوط بها إنجاز الأبحاث المتنوعة في شؤون الاستشراق والصراع العربي – الصهيوني، منها:  مؤسسة الأبحاث الشرقية (= الاستشراقية)، “المعهد الإسرائيلي للأبحاث الاجتماعية التطبيقية “، “معهد بن تسفي للدراسات اليهودية”، معهد الدراسات الاقتصادية- باسم موريس فالك، مركز دراسة أوضاع عرب ( أرض إسرائيل) في معهد ترومان، معهد ليفي اشكول للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، معهد ليونارد ديفيس للعلاقات الدولية”، معهد مارتن بوبر للتقارب اليهودي – العربي ، مؤسسة أبحاث الشرق الأوسط، مركز شاشا للدراسات الإستراتيجية، ومعهد هاري ترومان الذي تأسس عام 1967 في إطار الجامعة العبرية، وعقد أول مؤتمر دراسي له عام1970 خصص لدراسة أفكار طروحات الرئيس الأميركي الأسبق هاري س.ترومان، ترومان تقديراً لدوره ومواقفه في خدمة الصهيونية وإسرائيل وأخذ المعهد منذ تأسيسه يتعاطى بحثياً مع موضوعات متفرقة ذات مضامين وأبعاد محلية وإقليمية ودولية.
وتضم جامعة تل أبيب عدة مؤسسات بحثية مشهورة، تعنى بالشؤون العربية والإسرائيلية وبشؤون الصراع وغير ذلك، أبرزها: “معهد شيلواح للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية”: 2-مركز موشي ديان(في معهد شيلواح)، 3-  مركز جافي(يافيه) للدراسات الإستراتيجية” : 4-  معهد التخطيط السياسي للعلاقات بين إسرائيل والشتات” : 5- ” معهد دافيد هوروفيتش لأبحاث شؤون الدول النامية”، 6- ” المؤسسة الإسرائيلية للتاريخ العسكري”، 7-  جمعية السلام.
2- القطاع العام أو الحكومي
أما مراكز الأبحاث التابعة للقطاع  الحكومي، فتعتبر الركيزة الأساس التي تقوم عليها أبحاثه فهي الاعتبارات السياسية والأمنية (العسكرية والإستخبارية). ذلك أن حصيلة هذه الأبحاث تجد طريقها على دوائر الاستخبارات بأقسامها وفروعها، وهناك يجري تقدير أهمية المادة في ضوء صلاحيات لملء الفراغات في المخططات السابقة بعد إغنائها مقرونة بالاستخلاصات والتوصيات لتعتمدها المؤسسات الحكومية. وهكذا يحدد الصراع والتوجهات السياسية والأمنية الإسرائيلية الأطر للعمل البحثي في هذه المؤسسات.
أ-في وزارة الخارجية:  تتعاون الهيئات البحثية في هذه الوزارة مع أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية”، وترسم خططها على نحو يعزز ارتباطها بالأهداف السياسية والدعائية لإسرائيل على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية. ومن أهم تلك المراكز: مركز البحوث والتخطيط السياسي. ويقع هذا المركز داخل مجمع وزارة الخارجية بالقدس المحتلة، ويعمل فيه نحو 100 باحث محلل ومساعد أرزوا للعمل ضمنه من ملاك وزارة الخارجية ذاتها ومن الجامعات الإسرائيلية بشكل رئيس.
3-  مراكز الفكر الخاصة بالأحزاب : هنالك من يصنف كمجموعة مستقلة لمراكز الفكر تعمل لجان وهيئات بحثية في غالبية الأحزاب والحركات الإسرائيلية على تزويد قيادات الأحزاب وكوادرها بالتقديرات التحليلية والتقارير حول الأوضاع الداخلية والإقليمية، ومن أبرز مراكز الأبحاث الحزبية: معهد الدراسات العربية” – جعفات حفيفا”.
4- مؤسسات البحث “الخاصة”: تعبر مراكز الأبحاث الإسرائيلية المستقلة، عن توجهات القائمين والداعمين لها في الأساس، حيث يتصدر هذه المراكز مركز فان لير في القدس و المركز الإسرائيلي للديمقراطية و مركز بيغن ـ السادات للبحوث الاستراتيجية.
إجمالا، يساهم إنتاج مراكز الأبحاث الإسرائيلية في-تطوير الحياة المعرفية في الوسط العام عن طريق أنشطتها الثقافية ومنابرها الإعلامية المختلفة. وتقوم هذه المراكز برفد الساحة بالمعلومة الجديدة الموثوقة والتحليل العلمي الرصين، وتبلور آفاق المستقبل
‎* مأمون كيوان باحث من سوريا.
© منبر الحرية، 08 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

لم يكن ظهور مفهوم “الضربة الاستباقية” أو “الحرب الوقائية” ومرادفاتها العديدة في السياسة الدولية حديثاً ، بل يرجعه البعض الى ما قبل منتصف القرن الماضي ، حيث يعتقد أصحاب هذا التوجه أن الهجوم الياباني على ميناء “بريل هاربر” الأمريكي عام 1941م يدخل في نطاق الضربة الاستباقية التي سعت من خلالها اليابان لتحجيم القوة الأمريكية وضربها في عصب الحياة الاقتصادية التي كانت تنتعش من خلال هذا الميناء الحيوي ، ويرى آخرون أن العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م كان بمثابة حرب استباقية أو ضربة وقائية لصالح فرنسا وبريطانيا التي رأت في تأميم قناة السويس من جانب مصر زمن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ، بمثابة تهديد مباشر لأمنهما ومصالحهما ويستوجب ضربة استباقية لاعادة الأمور لنصابها دون سابق إنذار لذلك ، فيما زعمت إسرائيل أنه ضربة استباقية لمنع مصر من استيعاب صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها عام 1954م حتى لا تشكل تهديداً ضدها.
و”الضربة الاستباقية” أو الوقائية ، كما يحلو للبعض تسميتها ، والتي بدأت الكتابات الأكاديمية الغربية والعربية تروج لها كنسق جديد في العلاقات الدولية أو كنظرية ذات مواصفات معينة ولها رواد ومفكرين ، اتخذت اليوم صفة “مبدأ بوش” أو “سياسة المحافظين الجدد” في العلاقات الدولية .
ويشبه بعض المراقبين الطريقة التي وصل بها “المحافظون الجدد” إلى السلطة في واشنطن ، بما كان عليه الحال عندما أمسك “الحزب النازي” بزمام الحكم في ألمانيا عام 1936 ، فلم تكن القوى السياسية في ألمانيا وأوربا على دراية كافية بالأجندة الخفية للنازيين، ومساعيهم لإثارة نزاعات إقليمية ودولية انتهت باندلاع الحرب العالمية الثانية.
لقد أظهر فريق بوش قدرة ملحوظة على مباغتة الرأي العام الدولي بأجندته السياسية، مستفيدا من حالة الارتباك التي صاحبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومهيئا الأجواء داخل الولايات المتحدة وخارجها لتقبل مبدأ “الحرب الاستباقية الوقائية”، وهو ما مكنه من استقطاب تأييد دولي واسع النطاق في الحرب على أفغانستان والعراق ، وساعيا لتوظيف هذا التأييد في الحروب التالية على دول “محور الشر” (إيران وكوريا) ، ومن ثم إطلاق جملة مبادرات سياسية وأمنية ترمي إلى إحداث تغيير واسع المدى في عدة أقاليم ، في مقدمتها الشرق الأوسط.
ويعرف أهل السياسة الضربة “الاسبتاقية أو الوقائية” بأنها “التحول من الرد على هجوم فعلي الى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل ، خاصة إذا تمكنت أجهزة الدولة من اكتشاف نوايا مبكرة بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن مظاهر هذه النوايا”، بمعنى أن الاعتماد في الضربات الاستباقية أو الوقائية يكون على نوايا الطرف الآخر أو لمجرد كونه عدو محتمل أو قائم للدولة الأولى التي بادرت بهذه الضربة ، وسواء قام الخصم بإظهار هذه النوايا من خلال تحرك عسكري أو تصعيد سياسي أو لم يظهر .
وان كان يتفق دارسو العلوم العسكرية والمختصين في التخطيط الاستراتيجي للعمليات الحربية مع المفهوم السابق على انه يخص الضربات الوقائية ، إلا أنهم يميزون بين هذا المفهوم السياسي والعسكري في آن واحد وبين الضربات الاستباقية ، إذ يعتبرون أن الضربات الاستباقية مفهوم عسكري – استراتيجي وليس سياسي ويخضع لقيادة الجيش وآليات إدارتها للحرب بعد نشوبها أو قبل نشوبها بفترة قصيرة ، وملخص وجهة نظرهم أن الضربات الوقائية توجه مبكراً عند اكتشاف نوايا بالهجوم لدى الخصم بغض النظر عن نشر وسائل هجومه أم لا ، بينما الضربات الاستباقية فإنها توجه ضد قوات الخصم التي تم نشرها فعلاً في أوضاع هجومية مختلفة استعداداً لهجوم حقيقي، ويبدو أن الفرق عملياً مركز في التخطيط لإدارة الحرب بعد توافر النوايا لخوضها لدى أحد الطرفين ، ما يعني أن لا خلاف جوهري بين المصطلحين السياسي والعسكري من الناحية النظرية ، باعتبار أن عنصر القيام بالفعل متوفر في كلا الحالتين.
ويطرح مختصو العلوم العسكرية أمثلة تميزّ بين الضربتين ، إذ يعتبر الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأمريكي عام 1941م بمثابة ضربة استباقية ، حيث وجهت اليابان للولايات المتحدة ضربة تستبق فيها أي هجوم أمريكي عليها ، بينما تعتبر إسرائيل أن حربها ضد مصر في العدوان الثلاثي عام 1956م كان ضربة وقائية لمنع مصر من إتمام صفقة الأسلحة التشيكية ، وكذلك ضرب المفاعل النووي العراقي (أوزيراك) عام 1981م كان ضربة وقائية للحيلولة دون تطوير القدرات النووية العراقية ، وذات الشي يطبقه خبراء العلوم العسكرية على حرب إسرائيل على الدول العربية عام 1967م ، وكذلك على حرب رمضان 1973م من جانب مصر وسوريا ضد إسرائيل ، ويلاحظ في الأمثلة المطروحة على الضربة الوقائية أن جميعها كانت تعتمد على نوايا محتملة لهجوم طرف على الأخر ، فيحاول وقاية نفسه بنقل الحرب الى الطرف الأخر بصورة استباقية .
مما يعني أن ثمة تداخل بين الضربتين على الصعيد العسكري نوعاً ما ، فإذا كانت الضربة الوقائية تعتمد على النوايا المحتملة لدى الخصم ، فان الضربة الاستباقية تأتي في مرحلة متقدمة –حسب العلوم العسكرية- لتوجية ضربة سريعة ومباغته لقوات الخصم قبل المبادرة في بدء الحرب .
وحول مفهوم الإدارة الأمريكية للضربة الاستباقية أو الوقائية –رغم الاختلاف البسيط بينهما من الناحية العسكرية والتكتيكية وحسب- قال الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه للشعب الأمريكي بعد عشرة أيام على أحداث 11 سبتمبر 2001م “علينا أن ننقل المعركة الى العدو وأن نزعزع خططه، علينا أن نواجه أسوأ التهديدات قبل أن تظهر ، إن الطريق الوحيد الذي يضمن لنا السلامة في هذا العالم الذي أقحمنا فيه هو طريق الفعل” ، وأضاف بوش “على الولايات المتحدة أن تكشف خلايا الإرهاب في ستين دولة أو أكثر” ، وهو ما يعني أن بوش قد أعلن –من طرف واحد- انتهاج سياسة “الضربة الأولى الاستباقية” ضد الإرهاب والإرهابيين والدول التي تأويهم في المكان والزمان الذي تختارهما الولايات المتحدة سواء كانت هناك نوايا إرهابية فعلا أو مجرد توجس ومخاوف قد لا يكون لها أساس من الصحة ، وهو ما يفسر قول بوش “لو أننا انتظرنا التهديدات التي نشعر بها الى أن ننفذ فسوف ننتظر طويلاً”.
وعاد الرئيس بوش ليؤكد على نظرية أو سياسة الضربة الاستباقية أو الوقائية في خطاب له أمام الحزب الجمهوري بتاريخ 15 حزيران 2002م ، حيث أوضح أن عنصري الردع والاحتواء اللذين قادا سياسة أمريكا الخارجية منذ طرحها في إطار مبدأ ترومان عام 1947م ، لم يعودا كافيين ، وبعد يومين من هذا الخطاب ، شرحت مستشارة الأمن القومي السابقة ووزيرة الخارجية حالياً كونداليزا رايس مبدأ بوش الاستباقي أو الوقائي بقولها “إنه يعني منع أعمال تدميرية معينة ضدك ، ومن خصم لك وان هناك أوقاتا لا تستطيع فيها الانتظار حتى يقع عليك الهجوم ، ثم ترد ..” ، ومن الواضح أن الضربات الاستباقية بهذا المفهوم وعلى هذه الصورة ، تقوم على دلائل غير مؤكدة وليس رداً على هجوم فعلي ، لذلك فهو سلوك هجومي في أساسه بينما مبدأ ترومان للردع والاحتواء يبقى دفاعي في مفهومه .
والسؤال المطروح هو ما إذا كانت الأعمال الاستباقية تميز هذه السياسة الجديدة عن غيرها؟
إذ تعرف وزارة الدفاع الأمريكية العمل الاستباقي بأنه “هجوم يتسم بأخذ المبادرة بناء على أدلة دامغة بأن هجوم العدو وشيك” ، وعلى النقيض من ذلك ، فإن الحرب الوقائية هي “حرب تُشن بناء على اعتقاد بحتمية حدوث نزاع عسكري رغم أنه غير وشيك ويستلزم تأخيره قدراً كبيراً من المخاطرة”.
ويبرر جراهام أليسون المحاضر في جامعة هارفارد الحرب الاستباقية بقوله ” قد أدخل معك في يوم ما في حرب ، وفي الوقت الراهن أتمتع بالقوة في حين تفتقر إليها ، لذا فإنني سوف أشن الحرب حالياً”.
ويشير أليسون إلى أن هذا المنطق نفسه هو الذي دفع باليابانيين إلى شن هجومهم على (بيرل هاربر)، بل إن بعض اليابانيين يعتقدون أن الخطأ الفادح الذي ارتكبوه هو أنهم تأخروا أكثر من اللازم.
وهناك فرق جوهري بين الهجوم الاستباقي والحرب الوقائية ، فكما تم الإشارة آنفاً ، “فإن الهجوم الاستباقي يكون مبرراً إذا كان التهديد وشيكاً وساحقاً ، ولا يترك مجالاً لاختيار الوسائل أو متسعاً من الوقت للتخطيط”. وفي الحرب الوقائية لا يكون التهديد مؤكداً أو وشيكاً، وهذا ما يجعل الإدارة الأمريكية تصرّ على أن استراتيجيتها استباقية رغم أن بعض المسؤولين الأمريكيين يستخدمون المصطلحين معاً.
ولهذا يرى البعض أن حرب الولايات المتحدة على العراق أو العدوان الأمريكي – البريطاني على العراق في آذار 2003م يندرج تحت ما يسمى بالحرب أو الضربة الاستباقية والوقائية ، بينما تعتبر حرب الخليج الثانية عام 1991م حربا دفاعية عن سيادة الكويت واستقلالها وبموجب ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة العسكرية للدفاع عن دولة أو دول من تهديد واقع عليها ، وكان أمام العراق فرصة استخدام الضربة الوقائية الاستباقية لضرب قوات التحالف وهي في طريقها للتجمع أو التكّيف مع ساحة الحرب قبل بدايتها في كانون الثاني عام 1991م ، خاصة أن عملية نشر وتجميع هذه القوات في منطقة الخليج أخذت فترة ستة شهور كاملة ، فيما كان العراق يحتل الكويت وينشر قواته على مختلف الجبهات وكانت قواته الجوية في أهب الاستعداد لانتظار الأوامر بالقصف الجوي منذ أول لحظة لوصول القوات الأمريكية والغربية الى ساحة المعركة ، وهو ما أثار استغراب خبراء الحروب من منهجية وعقلية صانع القرار العراقي آنذاك .
وكشفت الفترة من سبتمبر 2001م الى ابريل 2003م عن صعوبة تطبيق الهند استراتيجية الضربة الوقائية ضد باكستان ، فقد حاولت الهند خلال تلك الفترة وتحت تأثير تجربة أحداث سبتمبر وسيناريو الرد الأمريكي على تلك الأحداث من ناحية ، ثم صدور وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي عام 2002م من ناحية أخرى ، والتي تبنت مفهوما مرنا لمفهوم وشروط الضربة الاستباقية،عند تطبيق هذا المفهوم ضد باكستان.
بل رأت الهند في باكستان حالة مثالية لتوفر شروط الضربة الاستباقية على النحو الذي طورته التجربة الأمريكية ، والذي ركز على التنظيمات الإرهابية وما أطلق عليه الدول المارقة ذات النظم غير الديمقراطية ، والتي تسعى إلى تطوير أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب ، وقد ذهب وزير الشئون الخارجية الهندية ياشوانت سنها في الأسبوع الأول من أبريل 2003م الى القول بأن الهند يتوفر لديها حالة جيدة لتوجيه ضربة استباقية ضد باكستان، معتبرا أنه إذا كان غياب الديمقراطية وامتلاك أسلحة دمار شامل، وتصدير الإرهاب هي شروط الضربة الاستباقية، فإن باكستان تمثل الحالة الأولى بالعمل الاستباقي ، غير أن التجربة العملية كشفت بوضوح عن تعقيدات تطبيق تلك الاستراتيجية آنذاك ، رغم أن هذا مؤشر خطير لمحاولات الدول الأخرى لتبني هذه النظرية والاستراتيجية في سياساتها الخارجية .
ومنذ نهاية الحرب الباردة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر دفع العديد من السياسيين والمحللين السياسيين داخل الإدارة الأمريكية وخارجها إلى بناء وتنمية مفهوم الضربة الاستباقية من أجل استثمار هذه القوة الأمريكية الهائلة والضاربة لأهداف وأغراض سياسية تصب بمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ، ورغم خطورة هذا المنهج السياسي – العسكري، إلا أنها غير قادرة على تعميمه على العديد من المناطق في العالم خصوصاً أن مفهوم الضربة الاستباقية يتطلب شروطا رئيسية ، أهمها : ضعف الطرف المقابل، وإمكانية تطبيق الضربة الاستباقية تجاه الدول والمناطق التي تعاني من الاختراق السياسي والاقتصادي الخارجي ، وكذلك ضرورة توافر تواجد عسكري ضخم في المناطق التي سوف ينفذ فيها الضربة الاستباقية من أجل احتواء ردود الفعل المحتملة بعد الضربة .
إن نظرية الضربة الاستباقية تُشجع على إساءة استخدام القوة ، وترسّخ سابقة خطيرة يحذو حذوها الآخرون ، لأن هذه الإستراتيجية لا تضع معياراً محدداً للحكم على التهديد الذي يبرر توجيه ضربة استباقية ، فالدولة الخصم أو العدو تبعاً للنوايا المحتملة ، ليست هدفاً تلقائياً للضربة الاستباقية.
وربما يكون أهم إنجاز للاستراتيجية الأمريكية أو لصقور اليمين الجديد ، هو الثناء على نظرة بوش لإحضار الديمقراطية إلى الشرق الأوسط وسط مظاهر غير عادية لكراهية الديمقراطية واحتقارها ، وتم تصوير هذا بالتمييز الذي قامت به واشنطن بين أوروبا القديمة والجديدة ، فالأولى تم التنديد بها ، أما الجديدة فتم الترحيب بها وبشجاعتها ، وكان المعيار محددا بشدة : تتكون أوروبا القديمة من حكومات تتخذ نفس الموقف الذي تتخذه الأغلبية بين شعوبها من الحرب على العراق برفضها تماماً ، بينما أبطال أوروبا الجديدة يتبعون أوامر صادرة إليهم من البيت الأبيض في واشنطن .
إن الاستراتيجية العظمى تعطي الولايات المتحدة سلطة تنفيذ حرب وقائية لا حربا استباقية ، ومهما كانت التبريرات التي تحاول تسميتها بالحرب الاستباقية ، فهي لا تسري على الحرب الوقائية خاصة ، حيث أن الفكرة ينهض لتفسيرها المتحمسين لها الآن فاستخدام القوة العسكرية للحد من تهديد مخترع أو متخيل أو محتمل ، ومن ثم حتى التعبير بكلمة “وقائية” هو تعبير فضفاض للغاية ، فالحرب الوقائية –حسب المفهوم الأمريكي- هي ببساطة شديدة الجريمة العظمى التي تمت إدانتها من الغالبية العظمى من دول وشعوب العالم حينما تركت الولايات المتحدة لنفسها العنان لإعلان الحرب على العراق واحتلاله ، ومن ثم تهديد دول أخرى بنفس مصير العراق .
وعندما غزت الولايات المتحدة العراق ، كتب المؤرخ أرثر شليزنجر أن الاستراتيجية الكبيرة لبوش ضمن مفهوم الحرب الاستباقية أو الوقائية ، كانت “مشابهة بوضوح لنفس السياسة التي استخدمتها اليابان الإمبريالية أيام اعتدت على بيرل هاربر في يوم يلطخه العار كما قال الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت” ، وأضاف شليزنجر أنه لا عجب أن موجة التعاطف العالمية التي احتضنت أمريكا بعد 11 سبتمبر ، قد انتهت لتحل محلها موجة عالمية من كراهية الغطرسة الأمريكية والعسكرية الأمريكية” ، والاعتقاد بأن بوش “أكثر تهديدا للسلام من صدام حسين بكثير”.
لقد اختير العراق ليكون أول ساحة نموذجية لتطبيق الضربة الاستباقية وجعله “أمثولة” يرهب بها الآخرون ، ثم يستسلمون لأمريكا بلا قتال ، كما أشار ريتشارد بيرل ، الذي وصف بـ “أمير الظلام” عقب غزو العراق مباشرة ، وهنا يكمن مقتل المشروع الإمبراطوري الأمريكي ، حيث كان تطبيق الضربة الاستباقية في العراق لا يقوم على إسقاط نظامه السياسي فقط ، للتخلص من عقبة وجود نظام حر غير خاضع للسيطرة الامريكية ويجلس “فوق بحيرة نفط” ، كما قال مسؤولون أمريكيون ، وهو أمر يمنع تطبيق نظرية “أن من يمسك بالنفط يسيطر على العالم” ، بل يجب أيضا إلحاق دمار شامل وجذري بالدولة العراقية ، لضمان حل الجيش والمؤسسات واعادة العراق الى “عصر ما قبل الصناعة” .
ويخطأ من يظن أن التهديد ، طبقا لهذه الستراتيجية ، يقتصر على الجانب العسكري فقط، فبالرغم من إعلان سياسة تقوم على تجريد كل الأطراف من القدرة على حيازة أسلحة دمار شامل والتخلص من أسلحة دمار شامل مملوكة حاليا ، ووسائل إيصالها ، كالصواريخ والطائرات ومنع أي محاولة جديدة للحصول عليها ، فان تدقيق وتحليل مفهوم الضربة الاستباقية يؤكد أن التهديد يشمل وجود منافسين للولايات المتحدة في المجالات التكنولوجية والتجارية والعلمية ، واحتمال تفوق هؤلاء مستقبلا عليها ، وفي هذه الحالات على الولايات المتحدة أن تسارع لاحتواء كل هؤلاء ومنعهم من تحقيق أي تفوق عليها واستخدام كافة السبل، وبلا استثناء ، بما في ذلك الغزو العسكري والتدمير الاقتصادي والتكنولوجي ، لضمان إعادة تشكيل العالم وفقا لرؤية ومصالح الولايات المتحدة فقط لا غير .
© منبر الحرية، 04 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إذا ما عدنا بالذاكرة قليلا إلى الوراء على وقع المفاوضات الجارية حاليا مع إيران للتوصّل إلى اتفاق حول الأزمة النووية وعدد من المشكلات المثارة، وتحديدا إلى تاريخ 14/6/2008، سنصاب بالذهول والحيرة.
فقد شهد ذلك التاريخ تقديم الاتحاد الأوروبي ما يسمى “عرض الحوافز” إلى إيران بموافقة وتوقيع كل القوى الكبرى ومن ضمنها الولايات المتّحدة والصين وروسيا وألمانيا وفرنسا. وقد تضمّن ذلك العرض لمن يريد مراجعته حوافز ذات سقف عالي جدا، وشملت الطاقة والسياسة والاقتصاد والزراعة والطيران والصناعة والتكنولوجيا، وشملت أيضا نفس الأفكار التي يتم التفاوض عليها حاليا، وقد رفضته إيران حينها.
وقد تضمّن الشق المتعلّق بالطاقة آنذاك اقتراحا يشير إلى النقاط التالية:
•    توفير المساعدات التقنية والمالية اللازمة لاستخدام إيران السلمي للطاقة النووية، ودعم استئناف مشاريع التعاون التقني في إيران من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
•    دعم إقامة مفاعلات الماء الخفيف استنادا لآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا.
•    مساندة الأبحاث والتنمية في الطاقة النووية وذلك مع استعادة الثقة الدولية تدريجيا.
•    توفير ضمانات إمدادات الوقود النووي الملزمة قانونيا.
•    التعاون بخصوص معالجة الوقود المستنفد والفضلات الإشعاعية.
•     إقامة شراكة إستراتيجية طويلة الأجل وواسعة النطاق في مجال الطاقة بين إيران والإتحاد الأوروبي وغيره من شركاء على استعداد للتعاون، مع اتخاذ إجراءات وتطبيقات عملية.
بمعنى آخر، فانّ ما يتم التفاوض عليه الآن كان قد تم التفاوض عليها سابقا ولاسيما النقطتين الرابعة والخامسة أعلاه، وتم رفضه أيضا من قبل طهران، فلماذا يتم إعادة إحياؤه الآن؟ وما الذي تغيّر حتى نتوقع أن تقبل إيران به هذه المرّة؟ والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار وفي ظل سياسة كسب الوقت الإيرانية المعروفة، ماذا إن كانت إيرانتراوغ من جديد؟ وماذا إن لم تكن تريد التوصل إلى اتفاق أصلا؟
إذا كانت إيران تريد حقا القبول بذلك العرض ولكنها تنتظر الوقت المناسب الذي تكون فيه في موقع أكثر قوّة مما كانت عليه حينها، فقد فشلت في ذلك. فالوضع الإيراني الحالي وخاصة الداخلي أكثر صعوبة في ظل وجود انشقاق سياسي خطير من المنتظر له أن يستمر بل وينمو على وقع القمع الذي يتعرّض له.
وعلى الصعيد الاجتماعي، هناك تحرك أيضا لطوائف وقوميات مقموعة ومكبوتة ومحرومة للتعبير عن الاستياء من الوضع الذي وصلت اليه في ظل حكومة نجاد وسياساته، وعلى الرغم من أنها لا تطالب بالانفصال عن إيران ومنها مناطق مثل بلوشستان في الشرق وأذربيجان في الشمال والأحواز على الخليج العربي، الاّ أنّ لتحرّكاتها مفاعيل مدمّرة إذا ما تزامنت في وقت واحد، وقد رأينا إحدى تجلّياتها في التفجير الأخير الذي استهدف كبار قادة الحرس الثوري المفترض أنّه صمّام أمان النظام السلطوي في طهران.
على الصعيد الخارجي الدولي، استطاعت ديبلوماسية الرئيس أوباما تصحيح أخطاء بوش الابن في التعامل مع إيران وجمعت الصف الدولي إلى جانبها في محاولة منها للقول أننا نريد التوصل إلى اتفاق مع إيران لكن يبدو أنّ الأخيرة لا تريد ذلك وبالتالي فان جميع الخيارات عندها ستكون مطروحة في ظل التفاهم الدولي والإجماع.
وقد أكّدت الأحداث الأخيرة في إيران أنّ الهم الأوّل بالنسبة إلى رموز النظام هو التمسّك بالسلطة مهما كلّف الثمن، ولذلك يصبح من المستبعد القول بأنّ هذا النظام يعتمد سياسة الانتحار الجماعي في السياسة الخارجية، أو أنه يريد أن يستجلب حربا ضدّه قد تطيح به وبمنظومته التي عمل كثيرا للوصول اليها، وسيعمل ما بوسعه للحفاظ عليها ايضا، وهو ما يفترض منطقيا قيامه بكل ما من شأنه أن يجنّب الآخرين استعمال الخيار العسكري ضده.
ولكن وإذا ما نظرنا جيّدا في أسباب الرفض الإيراني المتكرر لرزمة الحوافز السخيّة جدا كما وصفت من قبل المسؤوليين الدوليين مرارا وتكرارا، فإننا قد نصل إلى استنتاج مفاده أن هذا النظام يخاف من الحوافز بقدر خوفه من الحرب، فالحوافز قد تساعد أيضا على الإطاحة به.
إذ من شان هذه الحوافز أن تفتح إيران والمجتمع الإيراني والاقتصاد الإيراني على الخارج، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار تدريجي للنظام الذي يفضّل دائما أن يكون على الجانب الانعزالي الذي يمكنه السيطرة فيه على المجتمع وإحكام قبضته على النظام. بمعنى آخر قد تتحوّل هذه الحوافز بالنسبة إلى حلقة المرشد الأعلى علي خامنئي من الملالي دائرة السلطة  إلى حصان طروادة، وبذلك تكون مفاعيلها أخطر من القيام بشن هجوم عسكري على إيران.
ويوصلنا التحليل إذا ما كانت قراءتنا هذه واقعية وافتراضاتنا صحيحة، إلى انّ النظام الإيراني لن يتخلى عن الوصول إلى سلاح نووي مهما كلّف الأمر، وان اقتضى ذلك منه أن يظهر انّه مستعد للحرب تارة وللتفاوض تارة أخرى. وبطبيعة الحال، فان لم يتم التصرف بشكل سريع وحاسم في مواجهة هذا التلاعب الإيراني والمراوغة الدائمة فإننا سنكون أمام خيارات قاسية جدا خاصّة بالنسبة للمنطقة العربية.
© منبر الحرية، 02 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

أصدرت إحدى المؤسسات البحثية في كندا فلما وثائقيا خطيراً تحذر فيه من الانتشار المتنامي للإسلام في العالم ، خاصة في أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ، والفلم الوثائقي ، الذي أنتجته المؤسسة البحثية –التي لم يتسنَ التأكد من هويتها- في 25 ابريل 2009 وانتشر بصورة مذهلة على شبكة المعلومات الدولية “الانترنت” ومدته ثمانية دقائق وتم ترجمته لعدة لغات أجنبية ، يتناول واقع النمو السكاني الطبيعي في أوروبا والولايات المتحدة وكندا ومقارنته بالنمو السكاني الهائل للمسلمين في الغرب ، خاصة بعد الهجرات الكثيفة للعرب والمسلمين صوب الغرب منذ منتصف القرن الماضي .
ويؤكد التقرير أن معدلات المواليد في القارة الأوروبية تنخفض بشكل تدريجي منذ عقود ومعدلات الخصوبة متراجعة بشكل ملحوظ، إلا أن الحضارة الغربية غير مهددة بالانقراض أو الاندثار، ليس بسبب ارتفاع معدلات النمو الطبيعي في أوروبا وإنما لارتفاع معدلات الهجرة إليها ، وخاصة ما يسميه التقرير “الهجرة الإسلامية” !! حيث يرى أن ما نسبته (90%) من مجموع المهاجرين إلى أوروبا منذ عام 1990م هم من المسلمين .
الغريب في الأمر انه لم تتبنى أي جهة رسمية كندية أو غربية حقيقة محتوى التقرير، دلالة على أن ما يتضمنه أشبه “ببالون” اختبار عملي تقف خلفه جهات أجنبية معينة تهدف من ورائه لجس نبض ردود الأفعال الرسمية الإسلامية والغربية على التقرير ومن ثم التحضير لتزويد مؤسسات الأمن القومي الغربي، خاصة في كندا والولايات المتحدة، بتفاصيل أكثر دقة لمواجهة ما يسميه التقرير بـ”خطر انتشار الإسلام الكاسح” !!
ويقدم التقرير أرقاما عن نسبة المواليد في بعض الدول الغربية ومعدلات مواليد المسلمين مقابلها، ففي فرنسا مثلا معدلات المواليد فيها (1.8%) يقابلها معدلات مواليد في العالم الإسلامي يبلغ (8.1%) في بعض الأحيان . وفي فرنسا أيضا فان نسبة السكان المسلمين تحت سن العشرين في المدن الكبيرة مثل باريس ونيس ومرسيليا تبلغ (30%) من سكان تلك المدن . وفي بريطانيا ارتفع عدد المسلمين فيها خلال الثلاثين سنة الماضية من (82) ألف مسلم إلى (2.5) مليون مسلم بزيادة مقدرها ثلاثين ضعفا.
أما في هولندا فان (50%) من المواليد الجدد هم من المسلمين وهذا يعني بأن نصف سكانها سيكونون من المسلمين خلال (15) سنة قادمة . وفي روسيا اليوم هناك أكثر من (23) مليون مسلم يشكلون خمس إجمالي سكانها. وفي بلجيكا اليوم فان (25%) من السكان    و(50%) من المواليد الجدد من المسلمين .أما في كندا فالإسلام اليوم هو أسرع الأديان نمواً في هذا البلد .. وفي الولايات المتحدة الأمريكية كان عدد المسلمين عام 1970م (100) ألف مسلم فقط وارتفع هذا العدد اليوم إلى أكثر من (9) مليون مسلم .
ورغم عدم إمكانية التأكيد من صحة الأرقام والنسب التي يطرحها التقرير، إلا أن الواقع يفرض مصداقيتها من حيث المبدأ، سيما وان الأرقام والنسب قد تكون صحيحة لكن عملية توظيفها بهذا الشكل الذي يسيء للإسلام والمسلمين في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية هي المشكلة الحقيقية في التقرير .
فالأرقام مستخدمة بطريقة تقدم للآخر معلومات خاطئة وإحصائيات ذات دلالة خطيرة مفادها أن الإسلام خطر حقيقي يتهدد الغرب، والإشارة إلى أن انتشاره الواسع من خلال ارتفاع معدلات خصوبة المسلمين مقارنة بضعف نفس المعدلات لدى الشعوب الغربية يشير إلى تحول بعض البلاد الغربية إلى دول إسلامية بالمستقبل !! هو افتراء ما بعده افتراء من تلك الجهات التي وقفت خلف التقرير واعدته بصورة نمطية تضع المسلمين في أوروبا في قفص الاتهام أمام الرأي العام الغربي أولا ومن ثم أمام صانع القرار الغربي ثانيا .
ويبدو أنها رسالة موجهه لمؤسسات صنع القرار الغربي بوقف الهجرة العربية والإسلامية إلى دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ، ومن جهة أخرى لمراقبة وضبط وتقييد حرية وحركة وعمل العرب والمسلمين في أوروبا والغرب عموما ، عملا بشعار “كل مسلم متهم حتى تثبت براءته” !! وهو منطق سبق وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية تطبيقيه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م وفشلت بذلك لأنها خرقت أهم قواعد الدستور الأمريكي الذي لا يميز بين مواطنيه لأبعاد دينية أو عرقية أو طائفية ، وكذلك وجدت نفسها في مأزق حرج وهي الدولة التي ينشدها كل إنسان على وجه البسيطة لممارسة طقوسه  وحريته الدينية كيفما يشاء .
ويشير التقرير إلى أن المسلمين في أوروبا والبالغ عددهم اليوم أكثر من (52) مليون مسلم لا يعيشون في جماعات موحدة، وهذه حقيقة تناقض دعوته إلى خطر هذه الجماعات على الغرب ؛ فالجماعات الإسلامية في أوروبا ليست متجانسة، وإنما لها خلفيات عرقية وثقافية ولغوية وأخرى اجتماعية متباينة. وعلاوة على ذلك فهي تنتمي إلى مذاهب إسلامية مختلفة. تماما كما هو حال أيضا الشعوب الأوروبية غير المتجانسة مع بعضها حيث الخلفية الاقتصادية والاجتماعية والقانونية.
ولا ينكر أحدا أن الجاليات الإسلامية في أوروبا قد حصلت على كثير من الحقوق التي كانت تفتقدها في مواطنها الأصلية التي هاجرت منها، كما حصل الكثير منها على جنسية الدول التي يقيمون فيها بحيث أضحوا جزءًا من نسيج تلك المجتمعات. وقد حصل هؤلاء على مستوى معيشي جيد، ورعاية صحية كاملة، وأتيح لهم التعليم في مختلف المستويات، وممارسة حرية التعبير كأهل البلاد الأصليين .
وتناسى التقرير أيضاً أن بعض دول أوروبا اعترفت بالإسلام كدين رسمي في بلادها منذ مطلع القرن الماضي ، فعلى سبيل المثال تم الاعتراف بالإسلام في النمسا كدين رسمي منذ عام 1912، وفي بلجيكا منذ عام 1974 بكل ما يعنيه هذا الوضع من مزايا.
لذلك فالمسلمون في الغرب إضافة نوعية وايجابية لرصيد الحضارة الغربية وهم جزء من التكوين الثقافي والاجتماعي للغرب وقدموا الشيء الكثير للحضارة الغربية ، وهم اليوم قوة إنسانية نوعية تزيد من قوة الغرب ولا تضعفها كما يروج التقرير لذلك ، بدليل أن ألاف مؤلفة من الطاقات والإمكانيات البشرية الإسلامية تخدم الغرب في مواقع حساسة ومهمة سياسية واقتصادية وعسكرية .
فوجود المسلمين في الغرب هو مكسبٌ عظيم للغرب، وإغناء لا مثيل له للثقافة الغربية المعاصرة، لاسيما وأن ثمة حالياً استجابة كبيرة من لدن الغرب للقيم الإسلامية الإنسانية ، خاصة بعد أن تمكن المسلمين في الغرب ، خلال العقد الأخير، من أن يشكّلوا حضوراً لافتا داخل المجتمعات الغربية، اعترى مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وغير ذلك .
والواقع أن العلاقة بين المسلمين والغرب، في إطار تعايش المسلمين في أوروبا،  لا وجود لها بذلك الشكل السلبي المضخّم الذي يصوره التقرير، فالصورة التي صُمّمت للإسلام في الغرب، هي صورة مقزّمة، نُسجت بفرشاة الأيديولوجيا ومقصّ الإعلام، فإما أن تثار على مستوى النقاش الأيديولوجي ، فتكون صناعة إعلامية مدعومة بما هو أيديولوجي معاد للإسلام، أو العكس، صناعة أيديولوجية مدعومة بما هو إعلامي معاد للإسلام . بيد أن الغرب الحضاري والإنساني، الذي يقدّم للإنسان شتى القيم الإيجابية والإنجازات المفيدة ونحو ذلك، هو ذلك الغرب الذي هيّأ ملاذاً دافئاً لملايين المسلمين والأجانب، في الوقت الذي أقفلت الدول الإسلامية الغنية أبوابها في وجوههم .
وحتى تكتمل محاور النقاش بموضوعية ولا تبقى تدور في حلقات الغرب الذي يحمّله الكثير –ظلماً- ضريبة ومسؤولية الصورة السلبية للمسلمين في أوروبا ، لا بد من توجيه النقد أيضاً للجماعات الإسلامية في الغرب بشكل عام، بضرورة الخروج من نموذج الانغلاق على الذات والتقوقع باسم الدين والمحافظة والخوف من الذوبان، وما إلى ذلك من التبريرات اللاعقلانية.
والأفضل لهم هو الاندماج الإيجابي أو العقلاني في المجتمع الغربي، وهو اندماجٌ على مستوى ما تقرّه الأدبيات السّياسية والقانونية الغربية؛ من إتقان للغة الدولة التي يستقرّ فيها الأجنبي أو المسلم، وتعرّف على ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، واحترام ما ينصّ عليه دستورها من قوانين منظّمة للحقوق والواجبات. في مقابل ذلك يتحتّم عليه التمسك بهويته الدينية والثقافية، التي لا تلغي الآخر، بقدر ما تدعو إلى المعاملة الإيجابية معه.
فالانخراط السّلمي والفعال للمسلمين في الواقع الغربي، لا يتحقق إلا بالاندماج الإيجابي المشار إليه أعلاه ، وهو اندماج مبني على احترام الآخر، آخذاً بعين الاعتبار حقوقه. لذلك مطلوب من المسلمين أيضاً بتحسين حضورهم بالسلوك الحسن، والمشاركة الاجتماعية والاقتصادية الفعّالة، والإسهام السّياسي المستمر، والإنتاج الثقافي الهادف، والتوجيه التربوي الصارم. لذلك فإنّ كل منْ يعتقد أن التعايش الحقيقي مع الغرب يبدأ من نزع الحجاب أو اللحية أو ترك الصلاة أو غير ذلك، فإنّ مثله مثل الذي يحرث الصحراء، فلا يحصد منها في النهاية شيئاً، لأن تجانس المسلمين مع واقعهم الحقيقي في الغرب، لن يتأتى إلا عن طريق التربية القويمة التي تصحّح جملة من الأفكار الخاطئة التي جبلوا عليها، وتزوّدهم بمنهج حياة مستمد من منابع الإسلام الحقيقية، حيث الدين المعاملة أولاً وأخيراً سواء كانوا في مجتمع إسلامي عربي أو مسيحي غربي .
ولعل أن تقرير اتحاد هلسنكي العالمي الصادر عام 2005م بشان أوضاع المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م دليلاً قاطعاً على أن التقرير الكندي –موضوع المقال- لا يمثل سوى الجهة المشبوهة التي أصدرته لأغراض الإساءة إلى الحضور الإسلامي في الغرب والتشكيك في انتماء المسلمين للحضارة الغربية.
إذ وجه تقرير اتحاد هلسنكي العالمي عددا كبيرا من الوصايا إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن معاملة المسلمين في أوروبا على أساس أنهم مواطنين أوروبيين بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية . ومن الناحية السياسية طالب التقرير بجعل الجاليات المسلمة جزءً مندمجا في المجتمع الأوروبي وحمايتهم من كل أنواع التمييز.   وطالب بضمان حرية ممارسة العبادات وأن يكون تطبيق القوانين الخاصة بالهجرة ومحاربة الإرهاب متماشية مع الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان. كما أوصى التقرير أيضا أن تكف الدول عن التمييز ضد المسلمين وأن تدعوا بانتظام إلى التسامح والحوار، سواء كان في تعامل المواطنين أو الهيئات أو الإعلام مع المسلمين.
© منبر الحرية، 26 نوفمبر/تشرين الثاني2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إسم المؤلف: د. كريستوفر أ. بريبل
إسم الناشر: كورنيل يونيفيرستي بريس
في كتابه الذي صدَرَ حديثا تحت عنوان (مشكلة القوّة: كيف تجعلنا الهيمنة الأمريكية أقل أمنا وأقل إزدهارا وأقل حرية ً) يقدّم الدكتور كريستوفر أ. بريبل طرحا جريئا حول مشكلة القوة العسكرية الأمريكية التي هيمنت على العالم. ولكنها جعلت من الأمريكيين أقل أمنا وأقل إزدهارا وأقل حرية ً.
وفي المقدِّمة يمهد الكاتب للتعريف بالكتاب بأنه يتناول تحديدا ً القوة العسكرية الأمريكية من حيث ماهيّتها وكيفية قياسها واستخداماتها بإلاضافة إلى اعتبارات أخرى تتعلق بتكاليفها والفوائد التي يجنيها الأمريكيون من وراء وجود هذه القوة الهائلة. ويبيّن المؤلف كيف أن القوة الأمريكية العسكرية الضخمة لم تردع أو تخيف المهاجمين في الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولم تجعل صدام حسين يرضخ للشروط الأمريكية، واستمرت كوريا الشمالية بتجاهل التحذيرات الأمريكية، ولم تكن التهديدات الأمريكية ضد إيران ذات جدوى. ويقول الكاتب في هذا الصدد: “إن مقارباتي من السياسة الخارجية الأمريكية مختلفة ولا تروق لصنّاع السياسات في واشنطن من جمهوريين وديمقراطيين مع علمي أن التغيير ليس سهلا ً.”
ويبيّن المؤلف أن الأمريكيين نسوا في بعض الأحيان أن القوة الوطنية في الولايات المتحدة تشمل أكثر مما هو متعارف عليه بالقوة العسكرية. وبذلك فقدوا رؤية الغرض الذي وجدت لأجله القوة العسكرية وأصبحت القوة العسكرية الأمريكية بعدة طرق مشكلة حقيقية. وشكّلت هذه المشكلة الأساس الذي ارتكز عليه هذا الكتاب لإثارة النقاش والجدل بهدف الوصول إلى حقيقة مفادها وجوب تخفيض القوة العسكرية الأمريكية ليصبح الأمريكيون أكثر أمنا. ويمكن حلّ المشكلة بالعودة إلى الدستور الأمريكي وإلى قرون التاريخ لاستنباط أن مهمة القوة العسكرية الأمريكية هي تأمين الحرية الإقتصادية  والاجتماعية والثقافية الأمريكية لجميع الأمريكيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية وليس لحماية شركاء في الخارج والتعهد بنشر الديمقراطية في بلدانهم.
ويستطرد الكاتب بالقول: “مع أن إدارة كل من بوش الأب وكلينتون كانتا قد ساهمتا في خفض نفقات الأفراد والمعدات لكنهما بنفس الوقت أرسلتا القوات الأمريكية إلى عدد من المهام الخطيرة والتي لم تكن ضرورية للأمن الوطني الأمريكي.”
ويحاول الكاتب إثبات وجهة نظره هذه بأن القوة الحقيقية للأمة الأمريكية لا تكمن في القوة العسكرية لوحدها. واستشهد على ذلك بأن من الدروس الأولى المهمة لحقبة الحرب الباردة أن الولايات المتحدة ربحتها ليس عن طريق القوة العسكرية، بل بسبب عوامل قوة كثيرة إجتماعية واقتصادية وثقافية. في حين خسرها الإتحاد السوفيتي الذي بنى ترسانة هائلة من الأسلحة النووية والتقليدية على حساب قوت الشعوب السوفييتية لكنه لم يوفّر للناس في الأسواق أحيانا ما يشترونه من المواد الغذائية الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، نسي بعض الأمريكيين دروس الحري الباردة خلال العقدين التاليين لسقوط الإتحاد السوفييتي واعتقدوا أن القوة العسكرية الأمريكية هي نهاية المطاف. ثم يتساءل الكاتب قائلا: “لقد قدمنا مساعدات لمسلمي البوسنا والهرسك ولكن لماذا لم نساعد المسلمين في الشيشان؟”
وفي الفصل الأول يؤكد الكاتب حقيقة “أن القوة العسكرية هي قوة هيمنة إلا أنها ليست قادرة على كل شيء.” وحتى يتم فهم ذلك لا بد من معرفة ما هي مكونان القوة العسكرية برّا وبحرا وجوّا وأين تتوزع تلك التشكيلات العسكرية داخل الولايات المتحدة وخارجها لا بل وماذا تعمل تلك القوات على وجه التحديد. ويركّز الكتاب على أن القوى البشرية العاملة والمعدات والأسلحة المستخدمة في الصنوف الأربعة التي تمثل التنظيم العسكري الأمريكي للقوات المسلحة وهي الجيش الأمريكي (القوات البرية) والبحرية ومشاة البحرية والقوات الجوية الأمريكية. حيث ينتشر ما مجموعه 267000 جندي أمريكي في أكثر من 100 دولة حول العالم. وذلك من خلال عدد من الاتفاقيات السرّية حول تنظيم تواجد القوات العسكرية الأمريكية والتي تتراوح ما بين 80 إلى 115 اتفاقية مع دول متعددة على الساحة العالمية، والأهم من ذلك كله أن هذا الانتشار الهائل للقوات العسكرية الأمريكية لم يحدث بين عشيّة وضحاها، لا بل أنه تفاقم بعد عقدين من أفول نجم الحرب الباردة. ويعود الكاتب بشكل موجز إلى الجذور التاريخية لإنشاء القوة العسكرية الأمريكية منذ القرن الثامن عشر ويبيّن كيف تطورّت تلك القوة نسبيا وتدريجيا ما بين الحربين عام 1812 مع البريطانيين والحرب العالمية الثانية عام 1939. ويبيّن المؤلف ماهيّة الدور الفعلي للقوة العسكرية من خلال رؤى واضعي نصوص الدستور الأمريكي والرؤساء الأمريكيين المؤسسين ومجالس الكونغرس المتعاقبة. وذلك بهدف معرفة كيفية الوصول القوات العسكرية الأمريكية إلى ما وصلت إليه اليوم من حجم هائل وقدرات كبيرة وانتشار واسع النطاق حول العالم، والتي لم تكن بالحسبان عبر مراحل التأسيس الأولى. ومع ذلك، كان الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت آيزنهاور قد حذّر قبل مغادرته البيت الأبيض في الستينيات من مغبّة تحكّم المجمع الصناعي الأمريكي للأسلحة والمعدّات العسكرية بمجريات الأمور المتعلقة بالقوات المسلحة وقرارات الحرب. إلا أنه على الرغم من تلك التحذيرات وقبل الوصول إلى نهاية حقبة الحرب الباردة، كانت قد بدأت مرحلة التدخلات العسكرية الأمريكية في الخارج، ابتداءً من الجوار الأمريكي، حيث الدومنيكان عام 1965، وغرينادا عام 1983 وبنما عام 1989، ثم الانتقال إلى العراق عام 1991 والصومال عام 1992. وبعد ذلك في البلقان ثم أفغانستان عام 2001، والعراق مرة أخرى عام 2003. ما زال الوجود العسكري الأمريكي في البلقان وأفغانستان والعراق ماثلا حتى اليوم.
ويوضّح الفصل الثاني من الكتاب كيفية حساب ومطابقة تكاليف القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية من خلال طرح التساؤل عن مقدار الإنفاق على القوة العسكرية ومعرفة أين تذهب تلك النقود لا سيما وإن التكاليف المباشرة لإنشاء وإدامة وتوسيع القوة العسكرية مع الميزانية الأساسية لوزارة الدفاع “البتناغون” يسهل حسابها نسبيا. ويبيّن الكاتب : “أنه عند إضافة تكلفة الحرب في أفغانستان والعراق والتي وصلت إلى 4.5 في المائة من مجمل الإقتصاد الأمريكي أو ما يعادل 622 مليار دولار أمريكي كإنفاق عسكري عام 2007، وعندما يجري توزيع هذا المبلغ على مستوى الفرد في الولايات المتحدة تبلغ حصة كل رجل وأمراة وطفل أمريكي نحو 2065 دولار.” أي ما يزيد عن ضعف ما يدفعه المواطن البريطاني والفرنسي وأكثر من ثلاثة أضعاف ما يدفعه الشخص الياباني والألماني. علما بأن الفجوة في الأنفاق قد زادت في عام 2008 عن العام السابق ثم وصل المجموع الكلي المطلوب للأنفاق العسكري في عام 2009 حوالي 800 مليار دولار.
ويبيّن المؤلف في الفصل الثالث أن القوة العسكرية لأمريكا تُكلّف كثيرا ومع ذلك يعتقد كثير من الأمريكيين خطأ أن تخفيض الميزانية العسكرية وإجراء تغييرات شاملة على الإستراتيجية الأمريكية الحالية يمكن أن ينتج عنها حالة قد تكون “أقل أمنا”  بالنسبة للشعب الأمريكي. ويستدلّون على ذلك من تقديرات تقول أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر قد كلّفت الإقتصاد الأمريكي 250 مليار دولار. ثم يستشهد الكاتب على ذلك بالقول: “طالبَ مرشحو الرئاسة الأمريكية عام 2008 بما فيهم الرئيس الحالي باراك أوباما بزيادة عدد الأفراد العاملين في الجيش ومشاة البحرية، وحسب وجهة نظر السناتور جون مكين فإن تلك القوات يمكن زيادتها بنسبة 40 بالمائة عمّا كانت عليه قبل هجمات 11 سبتمبر 2001.” ومع ذلك يتجاهل الكثير من الأمريكيين أن زيادة النفقات على القوات التقليدية لها تأثير محدود ضد أعداء مجهولين كتنظيم القاعدة.
وفي الفصل الرابع يعتبر الكاتب : “أن القوة العسكرية الأمريكية بحد ذاتها مشكلة لأنها تكلف كثيرا جدا. وتكلّف كثيرا جدا لأنها كبيرة جدا.” وهي بحق أكبر بكثير من حاجة الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها ومصالحها الحيوية. ومع ذلك، فإن صنّاع القرار في الولايات المتحدة يستخدمون تلك القوة العسكرية كثيرا بسبب الأعتقاد الخاطئ بأن الأمن الأمريكي يعتمد على الإستقرار العالمي الذي لا أحد يستطيع الحفاظ عليه سوى الولايات المتحدة. ولكن إذا ما جرى التركيز بصورة دقيقة على الأمن الغذائي الأمريكي يتبين أن الولايات المتحدة تحتاج إلى حجم أقل واستخدام أقل للقوة العسكرية الأمريكية.
وحول مأزق السيطرة على القوة العسكرية يشرح المؤلف في الفصل الخامس هذا المفهوم من منطلق مقنع إلى حد كبير وهو: “أن إستراتيجية الولايات المتحدة باستخدام القوة العسكرية الأمريكية نيابةً عن الآخرين لا تشجعهم بالدفاع عن أنفسهم لا بل وتجر الولايات المتحدة إلى حروب خارجية” بسبب فرضية إعتبار أن الهجوم عليهم هو هجوم على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ومن هنا فإن الولايات المتحدة لا تعتمد على تلك الدول في مسألة الدفاع عن أنفسهم من الأخطار الخارجية، وهذا الأمر يظهر للعالم أن الولايات المتحدة أمة أكثر من عادية لتحمل عبئا أكبر من أمنها الداخلي. وبنفس الوقت أن الأمم الأخرى هي أقل من عادية وغير معنية بأمنها الداخلي.
وفي الفصل السادس يرى الكاتب أن تطويع مشكلة القوة أمر لا بد منه ولا يكون ذلك التطويع من وجهة نظره بتخفيض نفقات القوة العسكرية الحالية إلى النصف بين عشية وضحاها، ويستطرد قائلا: “عندما يتم بناء قوة عسكرية هائلة وتستمر الولايات المتحدة بالمحافظة عليها بهذا الحجم ثم يقوم أصحاب القرار السياسي بالبحث عن أدوار لها بهدف استخدامها، فإن ذلك يعني أن الحصان أمام العربة.” وقد يكون من الأفضل أن يركز النهج المتّخذ على العكس تماما فيما لو حددّت الولايات المتحدة أولوياتها من حيث الأهم والمهم. على أن تتناسب الخيارات العسكرية الأمريكية مع القوة العسكرية المتوفرة من حيث الحجم الإجمالي للقوات بما فيها الأسلحة والمعدات المشتركة مثل الطائرات والأفراد والسفن والغواصات وغير ذلك.
وفي خلاصة الكتاب يبيّن المؤلف أنه: “من الممكن أن تحافظ الولايات المتحدة على موقعها في قمة النظام العالمي وحدها لمدّة طويلة جدا. مع أن التاريخ يقول غير ذلك. “ومن حيث أن الولايات المتحدة ستبقى تكافح من أجل البقاء متقدّمة على الآخرين فإن هذا الوضع يجعلها تعيش في حالة مستمرة من الخوف، وعليه لن يتوقف الحديث عن عدم الشعور بالأمن. ومن هذا المنطلق ستستمر الولايات المتحدة بالإنفاق أكثر فأكثر نتيجة لقناعة ذاتية بهدف البقاء من دون منافسة أحد لها.
يتبين من خلال قراءة كتاب ” مشكلة القوة ” قراءة دقيقة ومتأنية أن طروحات المؤلف قوية جدا ومنطقية للغاية، وتمس شعور ورغبات وتطلعات المواطن الأمريكي، من حيث أن هنالك أولويات وبرامج مطلوبة داخليا أكثر من تجارة الحروب في الخارج (نيابة عن الآخرين) بقوات عسكرية تضخّمت لدرجة أصبحت عبئا ثقيلا على المواطنين ودافعي الضرائب الأمريكيين، من دون مردود اقتصادي داخلي. كما أن استنتاجات المؤلف مقنعة بدرجة كبيرة وتتوافق مع ما يعتقده كثيرون من الأمريكيين أنفسهم، ومع كثير من الشعوب على الساحة العالمية – مع أنها قد لا تروق لأنظمة سياسية خارجية – ممن يرون أن الجندي الأمريكي مكلّف بحراستهم وحماية كراسيهم و مكتسباتهم الشخصية. يُذكر أن المؤلف اعتمد على مراجع عالمية دفاعية معروفة وموثوقة، ومصادر بحثية وأكاديمية أمريكية متعمدة. بالإضافة إلى وثائق وأرقام وإحصائيات متعددة في كافة مقارباته وتناوله للحقائق والأحداث والأقوال والتصريحات.
أعيد نشره نقلا عن مجلة الدراسات الإستراتيجية، المجلد الخامس، العدد 15 ، صيف 2009، بموافقة من السيد رئيس تحرير المجلة وبالتنسيق والتعاون  مع مركز البحرين للدراسات والبحوث، وتجدر الإشارة إلى أن مجلة الدراسات الإستراتيجية هي مجلة متخصصة محكّمة تصدر دوريا عن مركز البحرين للدراسات والبحوث وتعنى بالدراسات والبحوث والمقالات ذات البعد الإستراتيجي.
© منبر الحرية، 21 نوفمبر/تشرين الثاني2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

حينما سُئِل طريد العدالة الأميركي ويلي سوتون عما يدعوه لسرقة البنوك، ردّ بالقول: “لأن الأموال موجودة فيها”. وبالبساطة ذاتها يمكن تسويغ السبب الذي دفع – ولا يزال يدفع – منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى لعب دور هو الأول من نوعه في سواحل القرن الأفريقي، بأن “الجهات التي تُهدد الأمن الأوربي والعالمي موجودة فيها”.
من ناحية المبدأ، قد نقبل بهذا المنطق الذي يُحمّل قراصنة الصومال مسئولية تدخل الحلف في عمليات هدفها حماية الأمن البحري في مياه خليج عدن والمحيط الهندي، بالنظر إلى تعاظم خطر القرصنة البحرية على خطوط الملاحة العالمية في هذه المنطقة بالتوازي مع عدم قدرة دولها على الحدّ من هذه الظاهرة الإجرامية، لاسيما وأن لأوربا، التي تنضوي غالبية دولها في منظومة الحلف الأمنية، لها مصلحة حيوية في حماية الممرات البحرية التي يمر عبرها جزء كبير من تجارتها مع آسيا وشرق أفريقيا.
لكن، في المقابل، لا يمكننا تجاهل حقيقة أن ثمة فرصة ثمينة لحلف الناتو أخذت تتبلور بفعل تفاقم ظاهرة القرصنة البحرية في سواحل القرن الأفريقي، وأن المشهد – بشكل أو بآخر- أصبح مواتياً لكي يمد الحلف نشاطه، ولو مؤقتاً، إلى منطقة جغرافية جديدة، وعلى نحو يُعزز مساعيه الحثيثة منذ نهاية الحرب الباردة لتحويل نفسه إلى منظمة أمنية كونية من حيث نوع مهماته وطبيعة مشاركاته، بل وحتى الصيغة المستقبلية للعضوية فيه.
وكما كان نابليون يقول دائماً فإنه “كما في الحرب كذلك في السياسة: كل فرصة تضيع ولا تعود”، فإن الحلف لم يلبث أن أبدى إدراكه لذلك، ووعيه به، بالفعل. وفي هذا الإطار، يمكننا فهم خلفية التحركات الأوروأطلسية الأخيرة والمتواصلة قبالة السواحل الصومالية. ففي تطور غير مسبوق، قرر حلف الناتو في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي إرسال سبعٍ من بوارجه الحربية إلى خليج عدن والمحيط الهندي. ولم تأتِ القوة الأطلسية هذه المرة تحت ذريعة وقف نزاع مسلّح، أو المحافظة على الاستقرار الإقليمي، بل تحت شعار ضمان “الأمن الملاحي” وحماية سفن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وهو بالتأكيد شعارٌ زاهٍ يُناسب ظروف المرحلة وتعقيداتها، ومن ثمّ فإن نجاحه، كشعار مجرد، سواء أكان طابعه استهلاكياً ودعائياً أم لا، مضمونٌ ولاشك.
والحقيقة أن تحرك الناتو هذا يبدو منسجماً مع توجهه خلال السنوات الأخيرة نحو توسيع دوره في منطقة “الشرق الأوسط الكبير” كما هو ظاهر في عملياته ونشاطاته المختلفة في كل من أفغانستان والعراق، وكذلك مع دوره الأمني المستجد في القارة الأفريقية والذي احتل فيه موضوع الأمن البحري موقعاً رئيسياً ولافتاً. ففي صيف العام 2007، قامت مجموعة بحرية متعددة الجنسيات وتابعة لحلف الناتو بالإبحار حول أفريقيا للمرة الأولى، في خطوة أراد منها الحلف إظهار “قلقه ومخاوفه” بشأن أمن الممرّات البحرية البعيدة والمكشوفة، و”إثبات قدرته على فرض قوّة بحرية في مناطق تتجاوز مياه الحلف الأوربية التقليدية”. وقامت هذه المجموعة، خلال تلك المهمة، التي امتدت شهرين، وقطعت خلالها 12500 ميلاً بحرياً، بأعمال دوريّة على شواطئ القارة، وتنفيذ مناورة مشتركة مع سلاح بحرية جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى إنقاذ جنود يمنيين نجوا من انفجار بركاني مفاجئ في إحدى الجزر مقابل السواحل اليمنية.
وإذا كانت مهمة الناتو الأفريقية السابقة قد نجحت في تحقيق أهدافها المحددة لها من قبل قيادة الحلف، إلا أن مهمة الناتو الأخيرة (والمستمرة) قبالة سواحل الصومال وخليج عدن لم تكن سهلة كسابقتها، وفي المحصلة فإنها لم تُكلّل، في مرات عديدة، سوى بخيبة وإخفاق كبيرين في مواجهة القراصنة الصوماليين، الأمر الذي دفع الاتحاد الأوربي إلى إسناد قوة الحلف بقوة أخرى تابعة للاتحاد في إطار عملية أمنية أُطلِق عليها اسم “أتلانتا”، ولم يلبث الحلف أن أَطلَق، هو الآخر، عملية ثانية في أواخر أسابيع الربع الأول من العام الحالي لمكافحة القرصنة في خليج عدن.
والمؤكد أن الحلف كان يدرك، ومنذ البداية، التعقيدات التي تكتنف مهمته البحرية في القرن الأفريقي وأنها قد لا تتحقق بالشكل المطلوب؛ فبنية القوة التي أرسلها إلى المنطقة – كما لاحظ العديد من المراقبين – ليست منسجمة أصلاً مع الغرض الذي أتت من أجله، لا من حيث الكم ولا من حيث النوع. فقد تشكّلت من قطع حربية ثقيلة تتراوح حمولتها بين أربعة وسبعة أطنان، وهي بالتالي غير مهيأة لمطاردة الزوارق السريعة، التي يستقلها القراصنة. كما أن قدراتها الهجومية والاستطلاعية المتقدمة لا بد أن تُثير هواجس عديد من الأطراف في المنطقة.
على أن المهم في الأمر في النهاية، وبغض النظر عن فشل حلف الناتو أو نجاحه في التصدي للقراصنة الصوماليين وحماية الأمن البحري في المنطقة، أن الناتو قد تمكّن، ومن دون صعوبات أو اعتراضات تُذكر، من مدّ حدود دوره الأمني إلى واحدة من أكثر مناطق العالم أهمية من الناحية الجيوستراتيجية بالنسبة له، وبخطوته هذه يبدو أن الحلف استجاب لدعوة أميركية عمرها 28 عاماً للمساهمة في “ترتيبات الأمن” في هذه المنطقة. والأهم من هذا كله، فقد استطاع الحلف، الذي ما زالت خططه الرامية للتوسع شرقاً تصطدم بمقاومة روسية شرسة، أن يُشرعِن وجوده في نطاق جيوبوليتيكي جديد آخر بعيد عن النطاق المركزي لمهامه الأمنية الأصلية، وأثبت لنفسه وللآخرين أن دوره الأمني العالمي بات موضع ترحيب (أو لنقُل بالأحرى موضع قبول) من المجتمع الدولي الذي ما فتئ يؤطّر هذا الدور ويقننه بقرارات صريحة من مجلس الأمن (في حالة مكافحة القرصنة البحرية في الصومال، أهم هذه القرارات: 1816 و1838 و1851).
وهذا كله يصُبّ – في نهاية المطاف – في مصلحة الحلف ودوله؛ فبدلاً من أن ينتهي به الحال إلى فقدان أهميته كلياً تقريباً بعد انقضاء مهمته الأصلية التي أوجدتها الحرب الباردة، أظهر حلف الناتو قدرة مدهشة على التكيّف مع تحولات مهمة في البيئة الأمنية العالمية. وبطبيعة الحال، فإن ظاهرة القرصنة البحرية في خليج عدن والمحيط الهندي لن تكون آخرها برغم إخفاقه الواضح، حتى الآن على الأقل، في كبح جماح حفنة من قراصنة ولصوص البحار في واحد من أهم خطوط الملاحة العالمية.
© منبر الحرية، 10 نوفمبر/تشرين الثاني2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018