peshwazarabic

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

في فجر يوم 23/1/2007 فجّر مسلحون فلسطينيون الجدار الحدودي الفاصل بين مصر والأراضي الفلسطينية في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ منتصف حزيران (يونيو) الماضي، وقد جاءت هذه الخطوة التي لم تكن مفاجئة لبعض الأطراف بعد ما يزيد عن ستة أشهر من الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة والذي تزايدت حدته في الأيام التي سبقت فتح الحدود، عندما قررت إسرائيل تقليص إمدادات الوقود والكهرباء إلى قطاع غزة، مما أدى لغرقه في ظلام دامس لعدة أيام. وقد أدى تفجير الحدود إلى فتح مجموعة ثغرات كبيرة في الشريط الحدودي ساعدت في دخول الآلاف من الفلسطينيين للأراضي المصريّة. وخلال الفترة التي امتدت إلى ما يزيد عن عشرة أيام منذ فتح الحدود، تحوّلت المنطقة الضيقة الممتدة على طول الحدود بين الطرفين إلى منطقة تجارة حرة تجري فيها مبادلات تجارية متفاوتة في الحجم ونوعية السلع المتبادلة، أما المناطق المصرية الصحراوية المحاذية للحدود وصولا لمدينة العريش القريبة، فقد تحولت إلى سوق يرتاده الآلاف من الفلسطينيين الذين يعانون نقصا كبيرا في المواد الأساسية بسبب الحصار حيث قدر عدد الفلسطينيين الذي تجولوا في الأراضي المصرية بحوالي  700.000.
الحركة التجارية النشطة التي شهدتها الأيام التي أعقبت تدمير الحدود، عكست مجموعة مهمة من المؤشرات:

  • غزة-مصر: تجارة في اتجاه واحد: فقد لوحظ أن الاندفاع البشري الفلسطيني داخل الأراضي المصرية لم يرافقه دخول مصريين بهذا العدد إلى داخل الأراضي الفلسطينية. وبطبيعة الحال، فقد انعكس هذا الأمر على اتجاه التجارة وطلب السلع، إذ كانت الحاجة لدى الفلسطينيين أكبر لدخول الحدود وشراء السلع المختلفة بسبب أشهر الحصار الطويلة التي ساهمت في تخفيض المتوفر من المواد الأساسية في الأسواق الفلسطينية. وأمكن خلال أسبوعي التبادل التجاري بين الطرفين رصد ما يلي:

أولا: حجم التبادلات: قدرت مصادر رسمية مصرية مجموع ما أنفقه الفلسطينيون خلال العشرة أيام بحوالي 250 مليون دولار. لكن يمكن القول أن الرقم الحقيقي هو ضعف الرقم المذكور إذا ما أخذنا بالاعتبار أن كثيرا من المعاملات لم يجرِ تسجيلها بنكيا، وأن غياب الرقابة—بسبب عدم مجيء فتح الحدود في ظرف طبيعي—أدى لنشوء سوق سوداء انتشرت فيها مبيعات الممنوعات المختلفة والتي يصعب تقدير قيمتها.
ثانيا: اتجاهات الإنفاق وطبيعة السلع: تَركّز الإنفاق الفلسطيني على السلع الاستهلاكية التي افتقدها السوق الفلسطيني بسبب الحصار، فيما ركّزت صفقات التجار الفلسطينيين على سلع الوقود والاسمنت والمواشي. وبالإضافة إلى ذلك، فقد جرى شراء سلع بدافع إشباع بعض الحاجات الكمالية وذلك بسبب انخفاض أسعارها في السوق المصري، على الرغم من محدودية فرص استخدامها بشكل جيد (يمكن أخذ مستويات الطلب الكبيرة على الدراجات النارية والحوادث الكثيرة التي وقعت على طرق غزة بسببها كمثال).
ثالثا: خروج العملة الصعبة: يعاني قطاع غزة بالأساس نقصا حادا في الدولار بسبب قرار الحكومة الإسرائيلية في التاسع عشر من أيلول (سبتمبر) 2007 باعتبار قطاع غزة كيانا معاديا والذي امتنعت بموجبه البنوك الإسرائيلية عن التعامل مباشرة مع  بنوك غزة، وقد أدى اجتياح الحدود إلى استنزاف المزيد من الاحتياطات النقدية سواء تلك المتواجدة لدى البنوك أو لدى الأفراد لتغطية الطلب المتزايد على السلع المصرية، وتجلت تلك الزيادة في الطلب على الودائع البنكية في زيادة واضحة في عمليات الاقتراض بين المواطنين العاديين.
رابعا: مستوى النشاط الاقتصادي: على الرغم من أن تدمير الحدود ساهم في تنشيط الحركة التجارية داخل قطاع غزة، وأدى لإيجاد فرص عمل لبعض المتعطلين الذين جلبوا بعض السلع للاتجار بها داخل السوق الفلسطيني، إلا أن هذا الأمر اقتصر على فئة صغيرة، بالإضافة إلى محدودية آثاره التي لم تستمر بسبب إغلاق الحدود، وقد امتد الأمر ليشمل التجار الغزيين الذين يجدون صعوبة الآن في تصريف المنتجات التي اشتروها، بسبب ارتفاع أسعارها من المصدر وعدم قدرة الفلسطينيين على شرائها بسبب استنفاذ مواردهم المالية، بسبب الحصار الطويل والشلل الذي أصاب الاقتصاد الغزي نتيجة لذلك.
خامسا: أفق العلاقة لاحقا: من المتوقع إذا تم إعادة فتح الحدود بذات الطريقة في المدى القريب أن يتقلص الطلب الفلسطيني على المشتريات المصرية لمجموعة من الأسباب، منها إشباع الحاجات الفلسطينية من بعض السلع؛ وضبط أنماط الاستهلاك حتى تتلاءم مع الإمكانات المادية المتاحة فلسطينيا؛ وتفضيل السلع المباعة داخل السوق الفلسطيني بسبب ارتفاع الجودة وعدم وجود فارق كبير في الأسعار (وهو ما لوحظ بعد فتح الحدود بعدة أيام حيث كانت بعض السلع المباعة في السوق الفلسطيني أرخص)؛ وانتشار عمليات الغش ورفع الأسعار.

  • قوة شرائية فلسطينية أكبر: عكست الحركة التجارية الأخيرة أيضا أن الفلسطينيين يتمتعون عموما بمستويات دخول أعلى، وأنهم يحظون بقوة شرائية أفضل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الشيكل يشهد ارتفاعات كبيرة في قيمته مقابل الدولار، وقد استطاع المراقب أن يلمس الدهشة المصرية من حجم الطلب الفلسطيني الكبير داخل الأسواق المصرية، ويمكن في هذا الإطار تسجيل عدة ملاحظات:

1. إن القوة الشرائية لمواطني غزة تبدو قوية عند مقارنتها بالحالة المصرية، وذلك بسبب حجم الهوّة بين مستويات الأسعار في الاقتصادين المصري والفلسطيني، تحديدا فيما يخص السلع الأساسية. لكن على الصعيد الفلسطيني الداخلي، يبرز بوضوح ضعف القوة الشرائية لدى المواطن الفلسطيني بسبب ارتفاع الأسعار، وتفشي البطالة والفقر، وغياب فرص الاستثمار.
2. إن الدخل المتولد للفلسطينيين ناجم عن نشاط ريعي كـ أجور\مساعدات (سواء نقدية أو إغاثية). كنا أن هناك انفصالا بين الدخل والإنتاج الفلسطينيين، وغالبية الدخل يوجه لأغراض استهلاكية؛ لا يعاد حقنها في بنية الاقتصاد لأغراض الاستثمار.
3. استطاع المصريون أن يعرضوا بضاعتهم في السوق الفلسطيني، لكن هذا لم يحدث مع الفلسطينيين الذين لم ينجحوا في استغلال فتح الحدود للترويج لبعض بضائعهم، وذلك بسبب التشابه الكبير بين مخرجات الإنتاج لدى الطرفين، وفي الحالة المذكورة، كانت الأسعار والحاجة هما الفاصل، فرجحت كفة البضائع المصرية أمام السوق الفلسطيني المتعطش بسبب الحصار.

  • تعزيز الفصل القائم بين الضفّة وغزّة: من المعروف أن دائرة الجمارك الإسرائيلية اتخذت في يوم 21/6/2007 قرارا بإلغاء الكود الجمركي الذي يحمل الرقم (1) الخاص بقطاع غزّة والمنصوص عليه في بروتوكول باريس الاقتصادي، وقد أدى هذا القرار إلى منع القطاع الخاص من المتاجرة مع إسرائيل والعالم الخارجي، وأدى إلى قطع الصلات مع الضفة الغربية، لأن القرار في جوهره يعني إخراج غزّة من دائرة الغلاف الجمركي التي تجمعها مع الضفة، والتي على أساسها كانت تتم المبادلات الخارجية بين الطرفين. فبالرغم من أن فتح الحدود بين مصر وقطاع غزة قد ساهم في تخفيف آثار الحصار المفروض على قطاع غزة منذ ستة شهور، إلا أنه كشف في ذات الوقت عن الخطورة الكامنة في الذهاب بعيدا في مشروع الربط الاقتصادي مع مصر بدون أن يكون هذا الأمر مُتَضمَّنا في إطار مشروع متكامل—سياسيا واقتصاديا—يكون نقطة ارتكازه الأولى التخلص من التبعية الاقتصادية لإسرائيل، والثانية تحقيق ربط فعال بين اقتصادي الضفة وغزّة بحيث يعمل الاقتصاد الفلسطيني كوحدة واحدة متسقة مع ذاتها، وضرورة اندماج الاقتصاد الفلسطيني مع اقتصاد العالم العربي، وبالتالي الاقتصاد العالمي في إطار مشروع سياسي اقتصادي كامل. تكمن خطورة هذا السيناريو فيما يلي:

1. كشف اجتياح حدود مصر مع قطاع غزة عن أن الفلسطينيين ينفقون دخولهم على السلع الاستهلاكية، وأن الفتح الأخير أحدث رواجا أكبر في السوق المصري عنه في السوق الفلسطيني، وذلك بسبب انهيار القاعدة الإنتاجية في قطاع غزة. وفي مثل هكذا حالة، يكون الدخل الفلسطيني فيها مُتحققا من أنشطة ريعية لا إنتاجية، ومُنفقا على سلع ليست منتجة محليا، مما يؤدي إلى إحداث اغتراب لعدم وجود دورة دخل متكاملة، وهو ما من شأنه تعزيز أزمة الهوية الوطنية بسبب غياب عملية الإنتاج الوطني.
2. إن ربط اقتصاد غزة بمصر واقتصاد الضفة الغربية بالأردن سيؤدي إلى ضياع وحدة المشروع السياسي الفلسطيني وإنهاء الوحدة الاقتصادية المتكاملة بينهما، وهما الهدفان المركزيان في سياسة إسرائيل منذ الاحتلال الثاني عام 1967.
إن مأسسة العلاقة الاقتصادية بين غزة ومصر من جهة، والضفة الغربية والأردن من جهة ثانية، إذا تمت بشكل اعتباطي غير مدروس وقبل تحقق الاستقلال بالمعنى السياسي والاقتصادي، من شأنها أن تعيد طرح مشاريع الوصاية والإلحاق التي جرى طرحها في أعقاب نكبة فلسطين في العام 48 لسكان قطاع غزة والضفة الغربية، مع العلم بأن الصلات العائلية والثقافية والجغرافية القائمة بين فلسطين\مصر والأردن سيكون من شأنها تسهيل هذا الإلحاق. لذا يجب على الحركة الوطنية الفلسطينية تجاوز هذه المعضلة وتحجيم آثارها من خلال طرح بديل سياسي متكامل يتمثل في دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة. يأتي بعدها التكامل الاقتصادي الطبيعي مع الدول العربية المجاورة وخاصة جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 17 شباط 2008.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

من المتعارف عليه ان القانون الذي يلف العالم من القطب الى القطب بات ممزوجاً بالروح الامريكية تحت راية مناهضة الارهاب من خلال نشر الديمقراطية الامريكية، وما تنطوي عليه من خصائص يجري تعميمها على شكل افكار يتم تصديرها لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. ومِن حلفائها حول العالم، حلفاؤها الجدليون في لبنان الذين باتت اتجاهاتهم السياسية علنية بالنسبة للارتباط بالسياسة الامريكية، من خلال مواقفهم الصريحة العلنية او من خلال الدعم الامريكي المباشر، عبر السفير الامريكي وتصريحاته العلنية، وذلك لمواجهة ما يسمى بالحلف الايراني-السوري بشكل اساسي مع جدلية اساسية بالنسبة لمواجهة الارهاب القاعدي الذي له خصوصياته في لبنان تميزه عن باقي منابت ومنابع هذا الفكر العقيم.
وفي التعمق بحلفاء الولايات المتحدة الامريكية في لبنان، نجد ان بورصة الانتقالات منه واليه تحركت صعودا وهبوطا بشكل كبير في الفترة الماضية بسبب التغييرات الاقليمية المتلاحقة التي فرضت واقعا تحالفيا على الارض لم يكن اللبنانيون انفسهم، بل حتى اهل القرار، أن يروه يوما في بلدهم.
وهنا لا بد من التساؤل عما اذا كان الواقع الذي فرض نفسه حاليا في لبنان سيتغير بعد فرز آخر ورقة من اوراق الناخبين الامريكيين، ولا شك ان هذا السؤال يدور بخلد الجميع (في لبنان—وفي اروقة الرئيس بوش داخل البيت الابيض)، الذين يعملون ما بوسعهم لاقفال الملفات العالقة، خصوصا ملف الرئاسة اللبنانية وسلاح حزب الله (المسمى سلاح المقاومة).
وهذا خير دليل على فشل تطبيق الديمقراطية الامريكية على الواقع اللبناني، فلبنان وبفضل التيارات الطائفية والمذهبية—وليس السياسية—يبدو عصيا امام التجربات الديمقراطية المتنوعة، ويخطئ جدا من يظن ويعتبر انه يوجد في لبنان احزاب سياسية بعيدة عن التبعية والطائفية، وهذا امر ليس بجديد، بل متوغل في القدم منذ عشرات العقود، على رغم محاولات البعض الظهور بثوب سياسي صرف.
فالديمقراطية الامريكية التي يجري تصديرها حاليا، اتت من مجموعة ولايات تحكمها التبعية لواشنطن عاصمة القرار الامريكي من خلال العمل السياسي الصرف والتنافس الطبيعي بين حزبين رئيسيين، وإن تدخلت في بعض الاحيان الطائفية والعرقية في تحالفات الاحزاب، وهذا امر مستحيل التطبيق في لبنان، البلد الطائفي الصرف.
فبالنظر الى حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين في لبنان، نرى الاحزاب او المجموعات الطائفية الاساسية كالتالي:

  • تيار المستقبل: الذي انشأه رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري بدعم امريكي-سعودي (والذي قضى بتفجير لا يزال قيد التحقق من هوية المنفذين) لإدخال الطائفة السنية في لبنان في قلب المعادلة السياسية بعد ان خرجوا منها خلال الحرب الطائفية، والقضاء على بعض الاحزاب البيروتية التي كان لها شأن خلال التواجد الفلسطيني الفعلي في لبنان—وقت كانت بيروت عاصمة قرار فلسطين—وقد اكمل ابنه النائب سعد الدين رفيق الحريري طريق ابيه من خلال تزعمه التيار المذكور، واستطاع من خلال الدعم الامريكي المتواصل أن يحشد باقي الاحزاب تحت لوائه لينجح باخراج القوات السورية من لبنان.
  • الحزب التقدمي الاشتراكي: انشأه النائب والسياسي والمفكر اللبناني الراحل كمال جنبلاط على ان يكون جامعا للطوائف اللبنانية، إلا ان اغتياله وانتماءه بالاصل الى الطائفة الدرزية حوّل الحزب الذي انشأه الى حزب طائفي درزي غاص في متاهات الحروب الطائفية، وهذا على رغم سعي رئيسه النائب وليد كمال جنبلاط بالظهور بغير ثوبه الاساسي الذي فرض عليه من قبل طائفته.
  • حزب الكتائب اللبنانية: تأسس على يد النائب الراحل بيار الجميّل ليكون الخط الدفاعي والهجومي في آن للطائفة المارونية في لبنان. خاض الحزب حروباً طائفية عدة لفرض وجوده، وكان من اوائل الاحزاب التي خاضت الحرب الاهلية اللبنانية. سلطة الحزب الحالية بيد رئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل (أعادها بعد جهد جهيد من رفاق السلاح) والذي تحالف مع اعداء الامس ليجدد حضور الموارنة على الساحة اللبنانية.
  • القوات اللبنانية: تعتبر التيار العسكري-السياسي الخارج من لدن حزب الكتائب. قائدها وزعيمها سمير جعجع الذي امضى قرابة 11سنة في سجون وزارة الدفاع اللبنانية لرفضه الدخول في الامر الواقع السوري بعد اتفاق الطائف.

فبالنظر الى هذه القائمة المختصرة التي تضم بمجملها مجموعة من المعارضين لسوريا، بالاضافة الى رجال أعمال ومصرفيين وسياسيين لا مساحة كافية لذكرهم الآن، نجد ان الحضور الشيعي خارج المعادلة، وهذا ما حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها جاهدين معالجته من خلال محاولات عديدة لاعلاء شأن بعض السياسيين ورجال الاعمال الشيعة او من خلال محاولات فاشلة لخرق صفوف حزب الله وترسانته الشعبية.
وهنا نجد السبب الاساسي لعدم جدوى تطبيق الديمقراطية الامريكية في لبنان، باعتبار ان الشيعة دأبوا منذ اطلاق حركة أمل على يد السيد موسى الصدر (والذي تُتهم ليبيا بخطفه واخفائه)، على نشر نظرية الظلم الواقع على الطائفة الشيعية، وضرورة فرض الوجود الشيعي على الارض من خلال عوامل عدة جرى تطبيقها فعليا، منها التكاثر السكاني لفرض الاكثرية السكانية، وضخ الاموال، وتغيير مستواهم المعيشي من خلال الدعوة الى الهجرة خلال السبعينات والثمانينات الى افريقيا من قبل حركة امل، وبعدها ضخ الاموال الايرانية على يد حزب الله، حيث جرى ضخها بطرق عدة، منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر، من خلال نظام الحرس الثوري بتأسيس الشركات الصغيرة والمتاجرة بأي شيء حتى الممنوعات في سبيل الحصول على الاموال ونقلها الى لبنان تحت ستارة فتاوٍ متعددة، بالاضافة الى الدور الاساسي للمصارف الايرانية التي وضعت على القائمة السوداء الامريكية في الفترة الاخيرة، ومن ضمنها طبعاً بنك صادرات إيران الواسع الانتشار في لبنان بين صفوف الطائفة الشيعية.
وهنا، نجد ان تصدير الافكار الشيعية التوسعية تفوق بالاساس على نظرية تصدير الثورة في ايران، بل إن فكرة تصدير الفكر الشيعي انطلقت بالاساس من لبنان، كما شكلت حاجزا منيعا امام تصدير الديمقراطية الامريكية الى لبنان باعتبار ان النفوذ الشيعي اقفل مناطق لبنانية عدة مثل الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، بالاضافة الى التغلغل في باقي المناطق من خلال نظرية الحرمان الشيعي وضخ الاموال.
مع الاشارة هنا الى ان الولايات المتحدة كانت قد حاولت خلال سبعينات القرن الماضي التدخل بالقرار الشيعي من خلال رئيس مجلس النواب الحالي ورئيس حركة امل الشيعية نبيه بري الذي قضى سنوات من عمره الاولى في امريكا ولا تزال عائلته الاولى هناك، الا ان الواقع على الارض ومعاداة الشيعة للفلسطينيين ومن ثم تحالفهم مع سوريا افشل هذا المخطط، الذي لو كتب النجاح له لتغيَّر الواقع الحالي، وتم تطبيق ليس فقط الديمقراطية بل كل الافكار التي تم تصديرها امريكياً.
وهذا هو الفخ الذي وقع فيه حلفاء امريكا في لبنان بمعاداة الطائفة الشيعية وقد نتج عنه انقساما سياسيا وشعبيا خطيرا كرس واقعا جديدا وغريبا عن لبنان، فبات السنة والموارنة في مواجهة مع الطائفة الشيعية—شاء اهل القرار الاعتراف بهذا ام أبوا—وهذا ما ادخل لبنان في دوامة لن يخرج منها ابدا.
فالناظر الى طيات التاريخ اللبناني لقرون عدة خلت يجد ان الانقسامات المذهبية والطائفية هي نفسها لم تتغير، بل اتت بعباءات مختلفة، وكل الحلول والاتفاقات والاتفاقيات الداخلية والدولية كانت وقتية لم تستمر لاكثر من اربعة عقود متواصلة، وكل فترة من الزمن تعود المشكلة نفسها برداء مختلف واسماء مختلفة وبحجج واسباب متغايرة.
فليس من الممكن لبنانياً ان تفرض جهة ما رأيها على الجهة الاخرى، او بصريح الكلام رأي طائفة على طائفة اخرى مهما كانت الظروف والاسباب، الا من خلال حروب داخلية مرحلية بات التاريخ اللبناني خير دليل على عقمها، وان ظل الاصرار الامريكي والايراني-السوري بتطبيق الحروب السياسية على الاراضي اللبنانية فستكون النتيجة التقسيم الذي هرب منه اللبنانيون مرات ومرات، علما ان بعض حلفاء الولايات المتحدة، ووليد جنبلاط تحديدا قد طرح هذا الاتجاه خلال اجتماعات “لوزان” منذ عقدين كحل لبناني قائم على الكونفدرالية للخروج النهائي من الازمات المتلاحقة.
الا ان الواقع الحالي مشابه الى حد بعيد للكونفدرالية المشابهة لتقسيم الولايات المتحدة، فكل “طائفة” اغلقت حدودها ولكل منها مواردها وسياستها ورجالاتها ويبدو انه الحل الانسب للوصول الى الهدوء اللبناني.
وتجدر الاشارة الى أن الولايات المتحدة والحلف الايراني-السوري ليسوا الوحيدين الذين يريدون قطعة من الكعكة اللبنانية، فتنبغي الاشارة الى النفوذ الفرنسي الذي يدفع بالبعض من جماعة 14 آذار الى لعب دور مزودج فرنسي-أمريكي، والدور الاردني والسعودي والقطري، وطبعاً الاسرائيلي، بالاضافة للافكار الشيوعية والتقدمية وغيرها… مما جعل الديمقراطية الامريكية تشكل امرا يستحيل تطبيقه لبنانياً.
كما إن الامر الخطير المعرقل للتحالفات الامريكية في لبنان هو الطائفة السنية التي، وإن اظهر تيار المستقبل إحكامه السيطرة عليها، فإن تيارات عدة تؤثر بقرارها، خصوصا سُنة الشمال ومنطقة الضنية بالاضافة الى جمعية المشاريع الاسلامية او الاحباش، والاخطر توغل الفكر القاعدي والاصولي الذي أنتج مجموعة “فتح الإسلام” التي أنهكت وتنهك الشرعية اللبنانية الى الآن، خصوصاً وأن خيوط الجرائم التي ارتكبوها، وآخرها كان اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني دلت الى منطقة اقليم الخروب السنية التي تعتبر خط الدفاع البحري لمنطقة جنبلاط، مما يضع علامات الاستفهام الكبيرة جدا حول العمق الحقيقي للافكار الامريكية في لبنان.
وبالعودة الى الديمقراطية الأمريكية المصدرة الى خارج حدود الولايات المتحدة، فان الزمن وحده كفيل بوضعها على الميزان الاممي العالمي لمعرفة مدى ملاءمتها لقياس الشعوب التي يتم التصدير اليها، خصوصا الى شعوب ما يسمى بالعالم الثالث، ومدى تقبلها من قبل الشعوب مع الاشارة طبعا الى الفكر الماركسي العالمي الذي بقي ردهاً من الزمن قبلة للشعوب الفقيرة، الى ان سقط عرشه من جراء تغلغل الافكار التحررية الحديثة التي اوصلت الشعب الروسي الى مكانته الحالية من جديد.
لكن يبقى السؤال: أين موقع الشعوب العربية، ومن ضمنها لبنان، من هذه الافكار، ومدى تقبلهم للجديد والمتحرر والمخالف للافكار القاعدية التي تشق طريقها بواسطة تخدير العقول والمال؟
وللكلام تتمة…
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 14 شباط 2008.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

أتظن أن العالم يتطور نحو الأفضل أم يزداد سوءا؟ على الرغم من شعور التشاؤم اللامتناهي بعدم تطورالأوضاع الذي يثيره العديد من الإعلاميين والسياسيين، فإن الدليل الموضوعي هو أن العالم، بأي مقياس تقريبا، كان مكانا أفضل لمعظم سكانه العام الماضي.

صحيح أن الثري يزداد ثراءا، ولكن الفقير يزداد ثراءا أيضا بشكل كبير، بحيث أن عدد الفقراء يقل بشكل ملحوظ عاما بعد عام، كما أن مزيدا من الناس يعيشون في دول حرة أكثر من أي وقت مضى. ومن الجيد أن نذكّر أنفسنا، برغم عدم رضانا عن قادتنا السياسيين، أن الأمور تتحسن. ويمكن رؤية ذلك من خلال الجدول التالي:

ولا يحصل النمو الاقتصادي، والأهم من ذلك النمو الاقتصادي للفرد، في كل مكان تقريبا فحسب، وإنما يزداد معدل النمو أيضا. فبمعدل نمو يبلغ 2% سنويا، يحتاج الدخل إلى 35 عاما ليتضاعف، ولكن بمعدل 5% سنويا، يحتاج الدخل إلى 15 عاما فقط ليتضاعف. حتى أن هنالك أملا ونموا في أوروبا “القديمة” بوجود القيادتين الجديدتين في فرنسا وألمانيا.

إن طول العمر (وهو تمثيل جيد للتطورات الحاصلة في قطاع الرعاية الصحية وتراجع الفقر)، ونسبة سكان العالم الذين يعانون من سوء التغذية، ونسبة سكان العالم الأميين تتحسن في كل مكان تقريبا بشكل سنوي. وفي الوقت الراهن، ثمة نمو اقتصادي كبير في كل دولة على وجه الأرض باستثناء بعض الدول الصغيرة التي يسود فيها الاستبداد.

ومنذ زمن الثورات السياسية الاقتصادية في عهد ريغان/ثاتشر وانهيار الشيوعية/الاشتراكية، بدأ الناس يتوقعون ارتفاع دخولهم بشكل سنوي. إلا أن هذا الوضع المريح كان مجرد نموذج في الربع الأخير من القرن. فحتى قبل بضعة مئات من السنين، إلى أن جاءت الثورة الصناعية، بالكاد ارتفع الدخل الحقيقي للفرد الواحد.

نعم ثمة مشاكل؛ فالناس في دارفور يُجوعون حتى الموت ويُقتلون، والناس في كوريا الشمالية وكوبا وزيمبابوي وفنزويللا يعانون من حكام مستبدين، وبالطبع يتواصل القتل في العراق وأفغانستان. ولكن برغم مأساة هذه الأوضاع، فإن إجمالي عدد ضحايا العنف الناتج عن الدول والإرهاب يُقاس الآن سنويا بالآلاف وليس بالملايين وهو ما يُعطي طابعا مميزا للقرن العشرين.

لطالما وقف المتشائمون في صفنا، وسيكونون يوما ما على حق—العالم سينتهي! ولكن برغم مبالغة الإعلام والمدونات الالكترونية، فإن الرهان الأضمن هو أن الأمور سوف تتطور للأفضل بالنسبة لكم ولعائلاتكم وليس للأسوأ. إلا أن هنالك ثلاثة مخاطر تهدد سعادة ورفاهية الناس في المستقبل: الإرهاب، والمناصرة اللاعقلانية للبيئة العالمية، والكونغرس الأمريكي.

إن استطاع الإرهابيون تدمير عدد من منشآت النفط الكبيرة أو أجزاء كبيرة أخرى من الاقتصاد العالمي، فسوف يعاني الكثير. وسيكون الرد المناسب، من وجهة نظر اقتصادية، معالجة الحادث كما لو كان كارثة طبيعية مثل تسونامي الذي حصل في المحيط الهندي. وهذا يعني تقديم الإغاثة والمعونات الإنسانية والانتقال إلى التنظيف وإعادة الإعمار ومن ثم المضي قدما في الحياة. والخطر الحقيقي يكمن في مبالغة الحكومات في ردة فعلها بفرض الرقابة على الأسعار ورفع الضرائب وتدمير الحريات المدنية وهو ما يؤدي إلى تحويل حادث يمكن التعامل معه إلى كارثة عالمية حقيقية.

والخطر الكبير الثاني هو فرض الحكومات أنظمة رقابة بيئية من دون إجراء التحليلات المناسبة للكلفة والمنفعة. وقد حول عدد كبير من مناصري البيئة والمتحمسين لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي قضيتهم من علم إلى مذهب ديني، وهو ما يستغله السياسيون المتشائمون لأهدافهم الخاصة المتعلقة بالسلطة. فيمكن للأنظمة الحمقاء أن تتسبب بارتفاع كبير في البطالة والصعوبات الاقتصادية.

أما الخطر الكبير الثالث والأخير فهو الكونغرس الأمريكي، الذي له يد كبيرة في الجهل الاقتصادي عن طريق اقتراح الفكرة الهدامة والحمقاء تلو الأخرى. فعلى سبيل المثال، قام أربعة من أكبر مؤيدي حماية الإنتاج الوطني في الكونغرس الأمريكي، الجمهوريان السيناتور تشارلز غراسلي من أيوا والسيناتور ليندسي غراهام من جنوب كارولاينا، والديمقراطيان السيناتور ماكس بوكاس من مونتانا والسيناتور تشارلز شومر من نيويورك، باقتراح تشريع من شأنه فعليا أن يجعل الحكومة الأمريكية تفرض أسعار صرف وفق أهوائهم.

ويبدو أن هؤلاء الأربعة، وكثيرا من زملائهم، مصممون، من خلال دعمهم للمعونات الزراعية وفرض قيود على التجارة، على تقليص الدخول الحقيقية للبشرية. فعدد كبير من أعضاء الكونغرس يريدون زيادة الضرائب وتضييق الخناق على الشركات المحلية والدولية—وجميعها وصفات لكارثة اقتصادية.

سوف يستمر التحسن الاقتصادي والإنساني بسبب رغبة معظم الناس في التطور بشكل كبير، وهو ما ثبت حتى الآن، ولحسن الحظ أنه قوة أقوى من الطبقة السياسية المتعطشة للسلطة والإرهابيين والمناصرين للبيئة الذين سيدمرون حرياتنا ورفاهيتنا الاقتصادية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 كانون الأول 2007.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

في الرابع من تشرين أول 1957، تغير التاريخ عندما أطلق الاتحاد السوفييتي بنجاح المركبة الفضائية سبوتنيك 1. لقد كانت أول مركبة فضائية يشهدها العالم في حجم كرة السلة، وبلغ وزنها 183 رطلاً فقط، واستغرق دورانها حول الأرض حوالي 98 دقيقة.
لقد شكل ذلك الإطلاق فاتحة تطورات جديدة في المجالات السياسية والعسكرية والتكنولوجية والعلمية. وبينما كان إطلاق مركبة سبوتنيك إشارة إطلاق لسباق الفضاء بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فقد كان كذلك إشارة إيقاظ على الجبهة التعليمية الأمريكية. لقد أصبح واضحاً بأن الولايات المتحدة لم تكن في وضع تنافسي مريح فيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا. لم تكن المعاهد الأمريكية تُخرِّجُ عدداً كافياً من الخريجين المؤهلين في الرياضيات والعلوم.
إطلاق مركبة سبوتنيك 1 غيرت النظرة إلى التعليم في الولايات المتحدة. أصبح هنالك إدراك مفاجئ بالحاجة إلى معالجة الثغرات الأكاديمية في الرياضيات والعلوم. وقد صب صانعو السياسة والكلّيات والمؤسسات موارد كبيرة لإصلاح ذلك الوضع. وفي غضون عقد من الزمان لم تنجح الولايات المتحدة فقط في إنزال أول رجل على القمر بل نجحت أيضاً في إصلاح النظام التعليمي إصلاحاً جذرياً.
وفي غضون ذلك ما زال العالم العربي يتطلع إلى تحدٍّ على شكل تحدي سبوتنيك فيما يتعلق بشؤونه.
ما زالت شعوب العالم العربي تكافح فيما يتّصل بأنظمتها التعليمية—وهي دون شك إحدى الأسباب الرئيسية من وراء تقدم العالم العربي الاقتصادي البطيء. فعلى جميع المستويات أداء الطلبة العرب هو أداء ضعيف. العلوم والرياضيات ما زلت ضعيفة. ويكتشف الطلبة بأنهم متأخرون وراء معظم بلدان العالم. في بعض الحالات، انعدام الموارد للتعليم هي السبب في ذلك التأخُّر. ومع ذلك، وحتى عندما تكون الموارد المخصصة للتعليم كبيرة، فإن النتائج ليست مشجعة. وعلى ما يبدو فإن هنالك ما يشبه الجدار الذي يفصل بين أنظمة التعليم العربية وبين سائر العالم. إصلاح الأنظمة التعليمية العربية هي أولوية ملحة.
مسألتان رئيسيتان اثنتان ما زالتا تنالان من الأنظمة التعليمية في العالم العربي: مناهج جامدة بالية؛ وأساتذة تعوزهم الحوافز. ففي معظم البلدان العربية، فإن فرص التوظيف في قطاع التعليم ليست قائمة على أسس الكفاءة. الأساتذة نادراً ما يُعتبرون مسؤولين عن الأداء السيء لتلاميذهم، والذي هو سيء بوجه عام. التعليم في معظم الحالات هو، ويا للأسى، الملاذ الأخير للحصول على وظيفة. إن من الصعب معالجة الإصلاح التعليمي عندما يكون 50% من القوة العاملة في هذا القطاع مهمشة في بعض البلدان العربية. ويمكن للبلدان العربية أن تُضيف مخزوناً جديداً من الأساتذة الأكفاء والمتحفزين إذا تمت إزالة العوائق الثقافية والمؤسسية أمام اشتراك المرأة في سوق العمل.
في عام 2003، جرت دراسة تحت عنوان “توجهات دولية في دراسة الرياضيات والعلوم” تم من خلالها تجربة كفاءات طلاب الصف الثامن في 45 بلداً. الشعوب العربية—بما في ذلك بعض البلدان الغنية المُنتجة للنفط—كانت من بين أواخر درجات التحصيل في الدراسة. وقد عَزَت سوزان ميير من جامعة شيكاغو العلامات المتدنية إلى توقعات الأساتذة قائلةً: “إن إحدى الطرق لرفع نتائج الاختبارات هو رفع التوقعات فيما يمكن للطلبة تحقيقه”.
إذا لم يتغير هذا التوجه الثقافي، فليس بالإمكان إحراز أي تقدم. يُضاف إلى ذلك أن التعليم الابتدائي والثانوي الضعيف هو السبب وراء ضحالة التفكير التحليلي لطلاب الجامعات العربية. ففي كل عام يجد مئات الآلاف من خريجي الجامعات أنفسهم دون مهارات تؤهلهم للحصول على وظائف. كما إن بطالتهم تُساهم في القلق الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي في الشارع العربي.
في السنوات الأخيرة، بدأت كثير من الشعوب العربية في الاستثمار بسخاء وكثافة في التعليم العالي بحيث جذبت وأقامت شراكات مع بعض من أشهر جامعات العالم. هذه خطوة في الاتجاه الصحيح. ومع ذلك فإن المثالب الجوهرية في التعليم ما زالت قائمة. الطلبة ما زالوا غير متحفزين نحو العلوم والرياضيات. والنقائص في العلوم والرياضيات على مستويات التعليم العالي تعود إلى رداءة مستويات التعليم في المراحل التكوينية الأولى.
إصلاح التعليم في العالم العربي يتطلب الرؤى والقيادة. يجب أن يتفهم واضعو السياسة العربية بأنه من أجل الاندماج بنجاح في الاقتصاد العالمي يجب القيام بإصلاح شامل لجميع أوجه نظام التعليم العربية. هنالك حاجة ملحة عاجلة للشك في الوضع القائم والمطالبة بتغييرات فورية. إصلاح المناهج من أجل التأكيد على العلوم والرياضيات هو خطوة أولى، وكفاءة الأساتذة ومساءلتهم هي في نفس الدرجة من الأهمية، فأطفال العالم العربي يستحقون ما هو أفضل.
إن الدراسة المذكورة أعلاه هي واحدة من دراسات عديدة مماثلة توصلت إلى نتائج مماثلة يجب أن تكون ناقوس الخطر لقادة العالم العربي. يجب أن تكون “السبوتنيك العربي”. وبينما قد يُقلل البعض أو ينالون من أهمية تلك الدراسات، فالحقيقة هي أن النظم التعليمية في العالم العربي قد كان أداؤها مُخجلاً. لقد كانت ردة فعل الأمريكيين لمركبة سبوتنيك سريعة، ويجب على العرب أن يكون لهم ردة فعل على التحدي الذي يواجهونه.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 29 آب 2007.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

في عام 1766 أعلن جون آدمز أن أمريكا “هي أمة قوانين وليست حكم رجال.” السياسيون من جميع المنطلقات قد استخدموا هذا التعبير منذ ذلك الحين، لادعاء موقف أخلاقي مرتفع. مثل هذا الاتفاق النادر بين الأطياف السياسية، حتى وإن كان خطابياً، هو إشارة إلى قوة فكرة حكم القانون.
ماذا يعني وجود حكم القانون؟ إن اعتراض آدم على حكم الرجال بدلاً من حكم القانون، يعطي جزءاً من الجواب. “أمة من الرجال” ستكون حكومة تحكمها الأهواء ورغبات الحكام، لا تردعهم أية قيود في فرض ما يرون على من يخضع لحكمهم. فالنزاعات تقرر وفق أفضليات الحكام، وليس وفق المبادئ، بحيث يترك الأفراد تحت رحمة الحاكم، ولا من يحميهم منه. “أمة القانون”، من الناحية الأخرى، تستبدل التفضيل بالمبدأ، في إصدار الأحكام.
انظر إلى سؤال بسيط حول ما إذا كان يتوجب على جون تسديد قرض إلى ماري. في أمة يحكمها الرجال وليس القانون، فإن حقيقة القرض تصبح غير ذات موضوع؛ الذي يَهُم هو ما إذا كان راعي جون أهم وأعلى من راعي ماري. أما في أمة يحكمها القانون، من الناحية الأخرى، فإذا استطاعت ماري أن تثبت بأن جون قد اقترض المال منها ولم يسدده، فإن مبادئ قانون العقود، يوجب على جون إعادة القرض الذي أخذه، بغض النظر عما إذا كان مع جون أصدقاء أقوى من أصدقاء ماري.
وبعبارات أخرى، فإن المجتمعات، بدون حكم القانون، تكون في عيش الطبيعة البدائية التي وصفها هوبز، والتي لا يمكن الهرب منها إلا من خلال تدخل الحاكم السلطوي. مثل هذا الهرب إنما يُشترى بالتنازل عن الحرية للحاكم المطلق، والقبول بأوامره، على حساب تجنب خسائر أكبر، في حرب الجميع ضد الجميع. في مجتمع يحكمه القانون من الناحية الأخرى، فإن الأفراد لن يخافوا جيرانهم، لأن النزاعات سوف تقرر من خلال تطبيق المبادئ، المعروفة سلفاً. لا يكون لأولئك الأفراد أي سبب للخضوع لسلطة الحاكم المطلق (ما نعرفه عن مجموعات متعددة من “المجتمعات البدائية”، يبين بأن حكم القانون كان منتشراً أكثر كثيراً مما كان يظن فيما مضى. بروس بنسون، في كتابه: فعل القانون، على سبيل المثال، يوثق لوجود حكم القانون، في عدد من المجتمعات ما قبل العصر الحديث).
ففي مجتمع يخضع لحكم القانون، علينا أن نتوقع ملاحظة أمرين رئيسيين. أولا، أن المبادئ التي سوف تحل بموجبها النزاعات، هي معروفة سلفاً. جون يعرف قبل أن يقترض المال من ماري، بأن التعهد بتسديد القرض هو أمر يخضع للتنفيذ. ثانياً، إن نتائج تطبيق تلك المبادئ لأي نزاع، لا يتوقف على من هي أطراف النزاع. الناس الأقوياء يخضعون لنفس القوانين التي يخضع لها الضعفاء، وكذلك الأغنياء يخضعون لنفس الأحكام التي يخضع لها الفقراء.
هذه ضرورة، ولكنها ليست شرطاً كافياً لحكم القانون. وبينما نحن، في بعض الأحيان، نأخذ مضامين حكم القانون كأمور مُسلَّم بها في يومنا هذا، فقد كانت هذه القوانين مغيبة، في ظل الحكام المستبدين. وعلى سبيل المثال، كان الإمبراطور الروماني كليجولا يأمر بأن تكتب أوامره بأحرف صغيرة، وأن تعلق عالياً بحيث لا يمكن لأحد قراءتها، للتأكد من أن المواطنين لا يمكنهم أن يعرفوا ما إذا كانوا قد خالفوا القانون أم لا.
تلك الشروط كافية، لاستبعاد الحكم الاستبدادي مثل حكم كليجولا، ولكنها ليست كافية لإيصالنا إلى المجتمع الحر. علينا أن نقيّد مضامين القوانين لسببين: أولاً، حتى يكون هنالك حكم القانون، يتوجب أن يكون جون وماري مُؤمنين بدرجة كافية بحقوق ملكيتهما، بحيث استطاعا جمع ثروات كافية لجعل الصفقة بينهما ممكنة. ثانياً، علينا أن نكون قادرين على إبعاد نظم استبدادية، مثل الفاشية والشيوعية، التي تستبد بالناس بقوانين توضع بموجب “إجراءات مناسبة”، وكذلك مجرد قوانين عشوائية مثل قوانين كليجولا.
النظام الألماني النازي مثلاً، كان له قوانين كثيرة معروفة ومفهومة ومعها أحكام تطبيقية مناسبة. قوانين نورنبرغ سيئة السمعة، على سبيل المثال، حرّمت الزواج بين “المواطنين الألمان، والأجناس القريبة منها،” مع اليهود. القانون كان معروفاً ومفهوماً من قبل الناس، وكان يُطبق بالتساوي. وكما هو الحال في معظم الدكتاتوريات، بطبيعة الحال، كان تطبيق القانون في بعض الأحيان يوقف عشوائياً—بيد أن اعتراضنا الرئيس على النظام النازي كمخالف لحكم القانون، ليس بسبب أن تلك القوانين الكريهة، لم تكن تُطبقُ بشكل صحيح. بعض القيود على مضامين ما يستطيع واضعو القانون عمله، يبدو ضرورياً.
بطبيعة الحال، فإن قوانين نورنبرغ، بُنيت على أساس التمييز بين من هم ألمان، أو من ذوي دماء قريبة منهم، وبين اليهود، وهو تمييز ندرك في يومنا هذا أنه غير قانوني على الإطلاق. ألمانيا، لم تكن وحدها قد وضعت مثل ذلك التمييز: فكثير كان يتوقف على التمييز الدقيق في درجة “الدم الإفريقي” بموجب القوانين التي كانت سائدة في فترة ما قبل الحرب الأهلية، وقوانين الفصل العنصري الأمريكية، وقوانين سخيفة مماثلة مستمرة حتى اليوم في الولايات المتحدة (حول سكان هاواي الأصليين، ووضع الأمريكيين الهنود)، وفي نيوزيلندا، حول وضع (الموري الأصليين). إن تلك القوانين موجودة في التمييز على أسس غير الأسس العرقية—قوانين التمييز في العمل، والتي يتوقف التعامل بموجبها على كونهم من أصحاب الأعمال الصغار أم الكبار، أصحاب العمل أو الموظفين لديه، الأصحاء أو ذوي الإعاقات البدنية، وهذه مجرد أمثلة قليلة منتقاة. وفي الحقيقة، فإن أحد القضايا الجوهرية في النظام القانوني السائد اليوم، هي أن حقوقنا كثيراً ما تعتمد على كيفية التصنيف الذي وضعنا فيه القانون، وهو موضوع سوف نعود إليه في سياق هذا البحث.
لذا، فإن معاملة الأفراد، تعاملاً مختلفاً، ليس مجرد إرث من الماضي الاستبدادي، بل هو مسألة حقيقية في النظام القانوني المعمول به في يومنا هذا.
وضع ضوابط للمضامين
إن وضع ضوابط لمضامين القوانين يتطلب أن نتولى تقييد السلطات التي نملك وضعها. أية نظرية معقولة لحكم القانون يجب أن تستطيع التفريق بين نظام القانون النازي وبين النظم القانونية في المجتمعات الحرة. وفي الحقيقة، فإن ذلك هو الحد الأدنى من المتطلبات. هنالك حالات أقرب كثيراً، حيث نريد من نظريتنا بأن تبذل جهداً أكبر كثيراً لرسم المفارقات بينها. لذا، فإننا نحتاج لإضافة بعض من القيود ذوات المضامين إلى الشروط الأولية التي ذكرناها. وهنا تبرز بعض القضايا المُحيّرة.
إن فكرة أن حكم القانون يتطلب قيوداً على صلاحيات واضعي القوانين، هو بعيد جداً عن القبول على مستوى العالم. وعلى سبيل المثال، فإن هانز كيلسن، أحد أعظم علماء القانون في القرن العشرين، لا يقبل بها. كيلسن (الذي اضطر إلى الهرب من ألمانيا عندما جاء هتلر إلى الحكم)، اعتقد بأن القوانين النازية العرقية تستجيب لتحديد القانون، بسبب أنه قد وصف القانون، في ضوء قدرة الدولة على دعم أوامرها، بالتهديد باستخدام القوة، ولم يفرض قيوداً حسية على مضامين القوانين. إن نظرياته ما زالت تُدرَّس في كل أنحاء العالم، وبالأخص في البلدان التي تطبق القوانين المدنية. ومن المعجبين بنظريته ريتشارد بوزنر، أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في المؤسسات القانونية الأمريكية اليوم (لحسن الحظ، ونظراً لمركزه، فإن فقه القانون لدى بوزنر هو أفضل كثيراً من فقه كيلسن)!
ولدينا أيضاً مسألة أين نجد القيود التي نود فرضها. في كتابه: موجز لتاريخ الزمن، يذكر العالم الشهير ستيفن هوكنج قصة عن عالم، والذي بعد أن ألقى محاضرة عن تكوين النظام الشمسي والمجرات، جاءت نحوه سيدة مسنة صغيرة الحجم. قالت له إن حديثه لا يسوى شيئاً لأن كل واحد يعرف بأن الأرض مسطحة، وتحقق توازنها باستنادها إلى ظهر سلحفاة عملاقة. وقد أجاب العالم بسؤالها: وعلى ماذا تستند السلحفاة! وقد أجابت “أنت ذكي جداً أيها الشاب اليافع، ذكي جداً. إنها سلاحف على طول الخط.” لسوء الحظ فإن المحاولات الكثيرة التي تبذل لإيجاد القيود المحسوسة على النظام القانوني، تتمحور حول وضع منطلقاتنا على أعداد غفيرة من “السلاحف” التي تزداد باستمرار. وكما لاحظ فريدرك هايكبتفهم في عام 1973، فإن المشكلة تكمن في أن النظام القانوني “يرفض الاعتراف بجبرية أية أنظمة للسلوك ما لم تكن مُسوغاتها قابلة للتبرير العقلي، أو، أن تكون واضحة ومُبينة لكل شخص،” وهي مشكلة ظلت تتردد وبلا توقف منذ القرن التاسع عشر (القانون، التشريع، والحرية، المجلد 1، ص. 25؛ [أرقام الصفحات التالية هي من هذا الكتاب]). ومثلما أن التخطيط الاقتصادي المركزي قد تطفل على النظام العفوي لاقتصاد السوق، على امتداد القرن العشرين، كذلك، فإن التخطيط القانوني المركزي، قد أزاح أكثر فأكثر من النظام العفوي للقانون القائم على العرف والعادة غير المكتوبة. ونتيجة لذلك، فإنها “سلاحف” على طول المدى لمعظم أصحاب النظريات القانونية الحديثة. وفي سعيهم لفرض أنظمتهم القانونية المعقدة والمخططة والعقلانية على مجتمعاتهم، فإنهم يُكدِّسون “سلحفاة فوق سلحفاة،” في محاولتهم إيجاد مصدر مقبول لاستنباط القوانين التي يكتبونها.
المصادر الخارجية للقيود

أحد المصادر الممكنة لإيجاد قيود حِسِّيةٍ، هي في التطلع خارج النظام القانوني، لمجموعة من المبادئ التي تُرشد القانون. هنالك تنوعات لا متناهية كمصادر ممكنة: حركة المساواة بين الجنسين، الماركسية، الفاشية، القانون الإلهي، أو أية أيديولوجية تكون رائجة في زمن ما. إنها جميعها تعاني من مشكلة السلحفاة، بطبيعة الحال، ذلك لأنها بكل بساطة تكون قد استبدلت مسألة تبرير موضوع مساواة الجنسين، والماركسية وغيرهما، في السعي لإيجاد مبررات لتقييد النظم القانونية. أتباع تلك النظريات المختلفة على امتداد العالم يدركون الحقيقة الجوهرية لآرائهم الخاصة تلك، بيد أن إقناع البقية منا كان ينتهي عموماً باستخدام سلطة الدولة لفرض الخضوع للقانون. طبعاً، السلحفاة التالية هي مسألة كيفية فض النزاعات وباستخدام أية نظرية. لأولئك الذين يُعرّفون القانون فقط كأمر من الحاكم صاحب الأمر، فإن هذه لا تُشكل مشكلة له. إن صاحب الأيديولوجية التي يستخدمها من يملك مَدَافع أكثر يأمرنا بما يجب أن نفعل، ويجب أن نكون شاكرين إذا لم يكن أصحاب السلطة تلك من الخمير الحمر أو طالبان.
إنني لا أعني بهذا أن لا تلعب معتقداتي الدينية أو الفلسفية أي دور رئيسي في تكوين سلوكي، مثلما تفعل قناعاتك في تكوين سلوكك. القضية هي ما إذا كانت معتقداتي تتاح لها الفرصة للتأثير في سلوكك. والعكس بالعكس.
إن سجلات المجتمعات التي تطلّعت خارج الأنظمة القانونية، إلى النظم الدينية والسياسية وغيرها من النظم الأخلاقية، كأسس للتقيد بالقانون، هي ليست ليبرالية، كما أنها لم تكن تجارب سعيدة. الاتحاد السوفييتي، وماستشوستس الدينية المتزمتة، ونظام طالبان في أفغانستان، هي مجرد أمثلة قليلة على مجتمعات فاشلة اعتمدت على منظومات خارجية من المعتقدات، كمصدر للتشريع في نظامها القانوني. ولسوء الحظ، فإنها أيضاً مجتمعات أكثر شهرة بسبب محاكماتها التمثيلية المضحكة (السياسية والدينية)، أو لعمليات القتل الجماعي منها لاقتصاديات مزدهرة أو حريات. الدرس المستفاد هو أنه إذا أردنا أن يكون لنا مجتمع يكون فيه الناس أحراراً باعتناق آراء متباينة، حول القضايا الدينية والأخلاقية، فإننا لا نستطيع الاعتماد على مثل تلك المصادر لتقييد السلطة، بدون إشعال فتيل النزاع، حول أي من الأديان أو النظم الأخلاقية يتوجب الاعتماد عليها.
مصدر ممكن آخر للقيود، هو في اختصار المواضيع التي يمكن وضع القوانين بشأنها. النزاعات حول أخلاقيات السلوك المتفق عليه بين الراشدين، على سبيل المثال، يمكن تركه لمنبر الوعظ، أو إلى أجهزة تبريد المياه، إذا لم تكن الولاية مفوضة بإصدار تشريعات بشأنها. الدستور الأمريكي، يأخذ هذا المنحى عن طريق تحديد دقيق للمواضيع التي تملك السلطات الفيدرالية حق التشريع بشأنها. وبمثل ذلك التقييد، كان أمل واضعي الدستور تقييد الحكومة المركزية ضمن مساحة ضيقة نسبياً. لسوء الحظ، فإن هذه الاستراتيجية تبين أنها غير كافية للحد من توسع سلطات الحكومة المركزية. وما أن استقرت الحكومة الفيدرالية في السلطة، حتى غدت لوبياً دائماً لتوسيع سلطاتها نفسها، وعلى مر الزمن، قليلاً قليلاً، تمزقت القيود التي كان الدستور قد فرضها. وعلى سبيل المثال، سمحت المحكمة العليا بتوسيع متزايد لسلطات الكونغرس، بموجب الفقرة الخاصة بالتجارة التي ورد ذكرها في الدستور (المادة 1، القسم 8، البند 3)، وفي نهاية الأمر، الأخذ برأي قانوني صدر عام 1942 في قضية ويكارد/فيلبورن ومفاده أن الكونغرس يستطيع الاعتماد على السلطات التي تنظم التجارة بين الولايات، لمعاقبة مزارع قمح، زرع قمحاً على أرضه، ولأغراض استهلاكه (مع الأسى، فقد تبنت المحاكم سنة 2005 مرة أخرى هذا التوجه، في قضية غونزاليس/ريك، عندما تمسكت بالقوانين الفيدرالية التي تمنع الاستخدامات الطبية للماريوانا).
ومع أن المحاكم حاولت في الآونة الأخيرة إعادة بعث فكرة الصلاحيات المتعددة، كقيد فعال على الحكومة الفدرالية، فإن مدى قوتها اليوم يصيب بالصدمة بكل تأكيد حتى أولئك الأكثر حماساً لتوسيع السلطات الفيدرالية، بين مؤسسي الدستور. ومع أن فرض أعداد كبيرة من القيود على سلطات الدولة، من خلال دستور مكتوب، هو أمر جدير بالمتابعة، يجب الاعتراف بأن مثل تلك القيود معرضة للزوال تحت الضغوط المتواصلة من قبل الحكومات، وجماعات المصالح الخاصة.
الحل من وجهة نظر هايك

أين إذن نستطيع أن نجد مصدر تقييد من شأنه تحديد سلطات الدولة، ويمكننا من العيش تحت حكم القانون، وليس حكم الأشخاص؟ لقد كتب هايك مطولاً حول القانون، مطبقاً آراء المدرسة النمساوية للاقتصاد في دراسة المؤسسات القانونية في كتابه: دستور الحرية (1960)، وملف من ثلاثة مجلدات بعنوان: القانون، التشريع، والحرية (1973، 1976، و1979)، وعلى الرغم من وجود بعض التناقضات والثغرات في تحليلاته، فقد قدم هايك، على الأقل، حلاً جزئياً لمسألة تأمين حكم القانون، بحيث استجاب بوضوح لكيفية تقييد التشريعات القانونية على أساس دائم، وإيجاد مصادر قبول متبادل لما يقيد القانون.
في قلب نظرية هايك حول القانون، هو التفريق بين القانون والتشريع: القانون هو نظام عفوي انبثق إلى حد كبير من العادات والأعراف؛ أما التشريع فهو نظام مخطط، ابتدعته مؤسسات الإنسان مثل المؤسسات التشريعية. التمييز يبدو مغايراً لما هو متعارف عليه. نحن نتحدث كثيراً عن “قوانين” أصدرها الكونغرس أو مجالس التشريع في الولايات. قليل من التشريعات التي صدرت حديثاً تقارب توصيف هايك للقانون (لقد كان هايك يعترف بالحاجة إلى قوانين هيكلية لتنظيم الدولة، وإجراءات لتخفيض الكلفة التي تعطي أنظمة واضحة حول الإجراءات الرسمية الواجب اتخاذها لإبرام عقد ملزم). وبتقديم هذا التمييز، أرشدنا هايك نحو حل لمسألة تقييد السلطات التشريعية. وبسبب أنه ينبثق من الأعراف، وأنه نتيجة لعملية لامركزية لحل النزاعات، فإن قانون هايك، ليس معرضاً أو مكشوفاً أمام ضغوط أصحاب المصالح الخاصة، التي تؤثر سلباً على العمليات التشريعية (هايك لم يستبعد كلياً الهيئات التشريعية من المساهمة في الصياغة. فقد سمح بالتدخل لإنقاذ النظام القانوني من نظريات “الطرق المسدودة” [ص. 155]، على الرغم من أنه لم يُفصح كلياً عن كيفية التفريق بين حل الطريق المسدود وبين تشريعات مصالح الجماعات الخاصة).
فوفق نظام هايك القانوني “يتولى القاضي خدمة، أو يحاول المحافظة على، أو تحسين، نظام عامل لم يصممه أحد؛ نظام صمم نفسه بنفسه، دون معرفة، وفي كثير الأحيان ضد رغبات السلطة، والذي يمتد إلى ما هو أبعد من أي تنظيم أقامه أحد ما، والذي لا يستند إلى أفراد ينفذون إرادة أي كان، بل على توقعاتهم بأن تصبح معدلة توافقياً” (ص. 18-19). ومن الأمور الأساسية هنا “فإن المسألة بالنسبة للقاضي لا يمكن أن تكون ما إذا كان الفعل الذي تم عمله حصيفاً من وجهة نظر أعلى، أو أنه قدم خدمة نتيجة محددة تريدها السلطة، بل فقط ما إذا كان الفعل مدار النزاع متوافقا أم لا مع القوانين المرعية” (ص. 87). ونتيجة لحصر صياغة القانون ضمن إطار حل النزاعات، فإن الأنظمة القانونية في نظام هايك تُركز على أن “تجعل ممكناً، في كل لحظة، تأكيد الحدود بين الصلاحيات المحمية لكل منها” (ص. 157).
كانت وجهة نظر هايك هي أن الأنظمة القانونية يجب أن تستجيب لمبدأ العمومية؛ أي أن تكون عامة، وغير عشوائية، وأن تطبق بالتساوي على الجميع. الأنظمة القانونية التي انبثقت عن أحكام العرف والعادة، والتي تقبع جذورها في العادات، تستجيب لهذه المقاييس؛ معظم القوانين التي تصيغها الهيئات التشريعية لا تستجيب لها. مبدأ هايك في العمومية يحل مسألة القيود، دون الاستناد إلى نظرية السلحفاة. إننا نتفادى معاملة قوانين نورنبرغ النازية كأطر صحيحة، ذلك لأن قانوناً يُميّز بين أولئك الذين هم من دم ألماني أو قريب منه، وبين اليهود، يطعن في مبدأ التعميم بسبب استناده إلى التمييز. كما نتجنب مسألة التشريع القائم على أساس المصالح الخاصة بنفس المنطلق: المصالح الخاصة لا يمكن أن تكون “خاصة”، إذا لم تستطع تمييز نفسها عن الآخرين. ونتيجة لذلك، فإنهم لا يستطيعون مصادرة أملاكنا لصالحهم.
ما هي أنماط القوانين التي تستجيب لمقاييس هايك الخاصة بالعمومية؟ الأنظمة التي تسمح للأفراد بعمل وصيانة الاتفاقيات الخاصة، وتحل النزاعات، وتنظم تعاملاتها، هي مما يستجيب بنجاح لمقاييس هايك. أساسيات الملكية وقوانين الجزاء والعقود هي أيضاً تتفق مع مقاييسه. ولكن ما هي القوانين التي تفشل في تلبية تلك المقاييس؟ ليس كثيراً من الإدارة العصرية في ظل دولة الرفاه. ومن بين تلك التي ستفشل:
 قوانين البيئة التي تفرض معاملات مختلفة لمصالح مختلفة (مثل التمييز بين النقطة وغير النقطة في المصادر، بموجب قانون المياه النظيفة، والذي يعامل أولئك الذين ينبعث من حقولهم التلوث الناتج عن الأسمدة معاملة تختلف بشكل راديكالي عن نفس التلوث الذي يصدر عن مصنع).
 قوانين العمل والعمالة التي تعامل أصحاب العمل والعمال معاملات متفاوتة.
 القوانين التنظيمية التي تَحُدّ من حرية الفرد في اختيار نوع عمله.
وفي الحقيقة، جميع القوانين التي تأخذ حقوق الملكية من شخص ما، وتعطيها بشكل غير مباشر لشخص آخر (ما يسمى بالعطاء التنظيمي) لا تتلاقى مع مقاييس هايك (هايك أدخل بعض الغموض حول هذه النقطة في المجلد الثالث من مؤلفه: القانون، والتشريع والحرية، عندما أوضح أنه ربما يصح وجود استثناءات للمبادئ المذكورة في الكتاب بالنسبة للتوظيف، وحماية البيئة وعدد غير قليل من المناحي الأخرى. وهذه هي من المناسبات النادرة التي أشعر بارتياح عندما أقول بأنه كان على خطأ).
لماذا نحتاج إلى حكم القانون (وليس لأي شيء آخر)؟
ولكن هذا لن يتركنا عاجزين. وكما كتب ريتشارد إبستين ببلاغة، فإن الأنظمة البسيطة يمكن أن تكون في منتهى الفعالية في حل قضايا عالم معقد (أنظمة بسيطة لعالم معقد، 1997). إن مبادئ قوانين الجزاء، والملكية والعقود، هي كافية لتمكين قوى السوق من ابتداع حلول للمشاكل التي تؤرق المشرّعين الذين يحاولون كتابة أنظمة واسعة شاملة، في الوقت الذي يتفادون فيه قضايا مصالح الجماعات الخاصة الكامنة في أعمال الحكومة. وفي الحقيقة، فإن هذه المجموعة الصغيرة نسبياً من القوانين هي كل ما نحتاج إليه، لنفس الأسباب التي تجعلنا في غير حاجة لمساعدة الحكومة في أعمال السوق. نظرية هايك القانونية متجذرة في نظرياته الاقتصادية، وبالأخص، فهمه للدور الحساس الذي تلعبه المعلومات المتباعدة.
وكما بيَّن هايك في بحثه عام 1945 بعنوان: “إستخدام المعرفة في المجتمع،” والذي يحاول تحديد قضايا معينة في السوق، عن طريق تغيير الأسعار بقرارات حكومية، والتي تلحق الضرر بقدرة السوق على التوفيق بين الحاجات والموارد المتنوعة لملايين الأفراد، كذلك فإنه يشرح كيف أن محاولات تسوية قضايا قانونية، من خلال تشريعات تفيد مصالح الجماعات الخاصة، تلحق الضرر أيضاً بالقدرة على وضع القوانين. وفي اللحظة التي تتجاوز فيها المحاكم مجرد تطبيق توقعات الفرقاء بموجب القانون، في محاولة لتحقيق نتائج معينة في التوزيع، فإن قدرة النظام القانوني على التوفيق بين أعمال الأفراد، في تحقيق أهدافهم المتنوعة، سوف يُلحَق بها الضرر.
وعندما لا يعود الناس يعتمدون على تنفيذ اتفاقياتهم بإرادتهم الطوعية، فإن الناس يتجهون بأنظارهم إلى صاحب السلطة المطلقة لنيل الحماية، بحيث يتنافسون على الاعتراف بمركزهم كمستحق للاعتراف، ونيل المعاملة الخاصة التي يسبغها عليهم مثل ذلك الاعتراف. والنتيجة هي دورة لا نهاية لها، من أعمال اللوبي، تنتج عنها أعداد متزايدة من القوانين التي تعطي معاملة مميزة للزبائن من الأقوياء.
إننا نستطيع رؤية هذه الديناميكية في القوائم المتصاعدة لطبقات العاملين الذين تحميهم قوانين العمل. إن القائمة للأسس الممنوعة لقرارات التوظيف قد اتسعت في بعض التشريعات الأمريكية، بحيث أصبحت تشمل التوجهات الجنسية، والمظهر، والوزن والتدخين. بمثل هذه القائمة الواسعة من الأسس المانعة للتمييز، فإن أصحاب العمل لا يعودون قادرين على التوظيف والاستغناء عن العاملين. ولتفادي قضايا أمام المحاكم، فإن أصحاب العمل يجدون أنفسهم مضطرين للإنفاق في برامج باهظة الكلفة للتدليل على انصياعهم لتلك التشريعات ونشر الإعلانات لتجنب أي مظهر من مظاهر عدم اللياقة.
لماذا لا يهتم أي أحد آخر

هل الليبراليون الكلاسيكيون هم وحدهم المهتمون بحكم القانون؟ هذا يبدو أكثر فأكثر بأنه الواقع. إن إدارة محافظة بالاسم في واشنطن لهي أكثر اهتماماً بالنتائج منها بالمبادئ، بحيث تتخلى عن الفيدرالية كلما ترى فرصة مناسبة لفرض نتيجة تريدها على مستوى الوطن. بعض التشريعات التي تخدم الفئات الخاصة هي من الأمور المتوقعة من أي سياسي، كثمن للعمل السياسي (التعرفة على الفولاذ عام 2000، هي مثال واضح على ذلك)، بيد أن التخلي الواسع عن المبدأ في حقول متباعدة واسعة كتشريعات البيئة وإصلاح قوانين الجزاء، تبين افتقاد الالتزام بحكم القانون. وفي الوقت ذاته، فإن المعارضة الليبرالية إسما تبلور تحديات للمرشحين للمناصب القضائية، ليس في ضوء كفاءاتهم، بل بناءً على ما إذا كانوا في صميم التوجه السياسي العام—أو بكلمات أخرى، ما إذا كان المرشحون سوف يتخذون المواقف السياسية “الصحيحة” عندما يعتلون كرسي القضاء. وقد علق أنتونين سكاليا، عضو المحكمة العليا مؤخراً قائلاً، إن النقاشات الحادة التي تجري من خلال الموافقة على تعيين القضاة تدل على أن المحاكم لم تعد تتمحور حول تغيير القوانين الموضوعة، وإنما حول اتخاذ القرارات السياسية:
“عندما نختار محامياً، عندما تختار أناساً لقراءة نص وإعطائه المعنى الصحيح الذي قُصد عند إقراره، نعم، فإن أهم شيء يجب عمله هو استدعاء محام جيد. ولكن من الناحية الأخرى، إذا كنا نختار أناساً على استعداد للتخلي عن ضمائرهم، والخوض في صياغة دستور جديد، يشتمل على مجموعة كبيرة من القيم الجديدة لحكم مجتمعنا، عندها، لا يتوجب النظر في اختيار محام جيد. يجب أن ننظر إلى أناس يتفقون معنا—الأغلبية… ولهذا السبب فإنك تسمع في أحاديث الناس حول هذا الموضوع كلمة معتدل، وأنهم يرغبون في تعيين قاضٍ معتدل. ما هو التفسير المعتدل للنص؟ منتصف الطريق بين ما يعني النص فعلاً، وما تود أنت أن يكون التفسير عليه؟ لا يوجد هنالك ما يُسمى بالتفسير المعتدل للنص. هل تطلب من محام أن يصيغ لك عقداً معتدلاً؟ الطريقة الوحيدة التي يكون فيها لتلك الكلمة أي معنى هي إذا كنت تفتش عن شخص لكتابة القانون، أو كتابة دستور، بدلاً من تفسيره.”
لقد استحوذت السياسية على نظام القانون الأمريكي، وهي نتيجة لا مفر منها، بسبب النشاط القضائي الذي انبثق عن فترة الـ”نيو ديل”، ورضوخ المحاكم إلى السلطات التشريعية والتنفيذية. ونتيجة لذلك، فإن جماعات المصالح من لوبيات أصحاب الأعمال، إلى جماعات “المصلحة العامة،” أصبحوا ينظرون إلى المحاكم كمجرد ميدان آخر لنيل معاملة خاصة. كثيرون هم الذين يستفيدون من هذا الوضع: المحامون، واللوبيات، والمشرعون، وأصحاب المصالح الخاصة أنفسهم. إنهم لا يرون مصلحة في التخلي عن هذا الميدان المربح، عن طريق إعادة تطبيق حكم القانون.
إن إعادة حكم القانون سوف يكون طريقاً شاقاً وطويلاً، بيد أن بلورة الفوائد سوف تساعد في خلق الأجواء التي يمكن من خلالها، جعل ذلك ممكناً. الآراء تؤدي إلى نتائج—وحول هذا الموضوع، فإن الليبراليين الكلاسيكيين يملكون الآراء الأفضل.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 20 آذار 2007.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

الديمقراطية والحرية يعتبرهما المنظّرون السياسيون مفهومين خلافيين، أو، كما قد يقول المنظّر القانوني رونالد دوركين “إننا جميعاً نشترك في فهم الديمقراطية والحرية، ونتحدث عنهما بطريقة ذات معنى، ولكن، لدى الناس غالباً مفاهيم مختلفة جداً لمدلولات الحرية والديمقراطية، فإذا لم يكن لدينا وضوح حول المفاهيم التي نستشهد بها سيكون هناك تشويش بدلاً من حوار حقيقي.” هذه مسألة تم إغفالها في صوغ السياسة الأمريكية الخارجية وتنفيذها، هي التي تعاني من سلبيات عدة بينها الافتقار إلى وضوح المفاهيم.
الديمقراطية المرغوبة، الديمقراطية المستقرة والقابلة للدوام تتطلب حكومة محدودة. مؤيدو الجمع بين الديمقراطية والحرية يرفضون التركيز الأحادي على السيادة الشعبية التي تشكل جزءاً مهماً من خطاب الديمقراطية الحديثة. المطلوب هو ليبرالية دستورية، نظامٌ يتضمن بصورة أساسية مكوِّناً ديمقراطياً—كما شهدنا للتو في الانتخابات الأمريكية الأخيرة عندما صرفت إرادة الجماهير حزباً ووضعت حزباً آخر لإدارة الكونغرس. بيد أن نظاماً كهذا يحتاج إلى قيود واضحة ومحددة حول هيمنة الخيار العام. يجب أن تكون السلطات الديمقراطية محدودة، وإلا فلن تدوم الديمقراطية، فالديمقراطيات المستقرة والدائمة تحتاج ليس فقط الى إطار حكومي محدود بل تحتاج أيضاً إلى فصل السلطات، خصوصاً في ما يتعلق بسلطة قضائية مستقلة تستطيع إرغام الحكومة على الالتزام بالقوانين.
خلافاً لما يفترض مهندسو المحافظين الجدد في مسألة السياسة الخارجية الأمريكية، فإن حكومة ديمقراطية محدودة دستورياً ليست هي التوازن الطبيعي الذي تلجأ إليه المجتمعات الإنسانية عند إزالة عائق صغير. ما شهدناه هو سياسة أمريكية استندت إلى أساس من الفهم الساذج للتطورات القانونية والاجتماعية والسياسية بصورة تثير الدهشة. قال لنا المحافظون الجدد إن كل ما تحتاجه هو التخلص من ديكتاتور يقف عائقاً أمام حركة شعب نحو التوازن الطبيعي. وعلى نحو يثير الدهشة، كانت المسألة هيمنة شخص الديكتاتور على السلطة. إذاً، تخلص منه وقم بإجراء انتخابات و… مرحى! ديمقراطية في العراق!
علاوة على ذلك، لا ينبغي التقليل من شأن المقومات التقليدية للديمقراطية، إذ كان لتركز التفكير الأحادي على الانتخابات في تكوين العملية الديمقراطية، أو حتى في تعريفها، عواقب سلبية على الترويج لديمقراطية ليبرالية أصيلة، لأنه تم إهمال كل من الأسس الأخلاقية للديمقراطية الليبرالية والتفاعلات التاريخية التي تنحو باتجاه إنتاجها. العراق—مرة ثانية—يوفر لنا دليلاً واضحاً: جورج دبليو. بوش استهان، ليس فقط بصعوبة إيجاد ديمقراطية ليبرالية فعلاً بل أيضاً بالنسيج الاجتماعي للعراق والقوى التي توجد عقبات أمام التنمية الاجتماعية والاقتصادية—وحتى أمام إيجاد إجماع سياسي. القول الجوهري هو أن القادة الأمريكيين كانوا سذّجاً بصورة تثير الدهشة حول ظروف إيجاد ديمقراطية ليبرالية دستورية.
والمحاولات لتصدير أو ترويج الديمقراطية باستخدام القوة العسكرية لها آثار سلبية، الأمر الذي إن تجاهلناه قد يسبب لأمريكا الأخطار. لقد شهدنا تحولاً نحو ذهنية عسكرية ولكنها نوع من ذهنية غير منطقية تنزع إلى الحرب. الحرب على الإرهاب هي حرب ذات مفهوم خاطئ، لأن الإرهاب ليس دولة أو جيشاً بل هو تكتيك. في وسعك شن حرب على منظمة مثل “القاعدة” أو على دولة أجنبية مثل الرايخ الثالث أو الاتحاد السوفييتي، لكن شن حرب على تكتيك يتطلب التزاماً مفتوح الأجل. ليس في وسعك، في حرب كهذه، أن تعرف ما إذا كنت قد انتصرت، ولن تعرف ما إذا كانت الحرب قد انتهت، ولن تعرف ما إذا كنت قد أحرزت تقدماً. الحرب على تنظيم القاعدة كانت مبررة، لكن حرباً من دون تركيز على “الإرهاب” ثبت أنها خطأ جوهري. لقد قادتنا إلى هجوم غبي على صدام حسين وأدت إلى تآكل خطير في حرياتنا المدنية كأمريكيين، وأكثرها مدعاة للرعب تعليق إجراءات التقاضي القانونية، وهي أهم ضمان لحرياتنا ولسيادة القانون، بل هي في رأيي حق قانوني أهم من الانتخابات والحملات السياسية. لقد ألقت إدارة بوش هذا المبدأ القانوني الأنغلوساكسوني المحترم منذ عهود طويلة في سلة النفايات.
ورأينا، منذ أن بدأت هذه الحرب، تضخم السلطات الحكومية تحت إدارة وكونغرس أنفقا أموالاً بسرعة لم تشهدها إدارة أخرى خلال الأعوام الخمسين الماضية، وإنشاء أجهزة بيروقراطية جديدة ضخمة ليست سوى وسائل لإفساد مواطنينا ونظامنا السياسي، بما هي وسائل سياسية لمنح وعطايا في سائر أنحاء البلاد. شهدنا زيادات هائلة في المنح الحكومية والتدخل في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. كل هذا تم تبريره بحجة الحرب على الإرهاب وحملة ترويج الديمقراطية في الخارج. لقد ألحقنا ضرراً شديداً بنظامنا الدستوري باسم ترويجه في الخارج.
وقبل أن أختتم، أود الاستشهاد باقتباس من ويليام كريستول، محرر “الويكلي ستاندرد” الذي كان المؤيد المتحمس لغزو العراق. هذا الاقتباس من افتتاحية كتبها في شهر كانون الأول 2003، والتي تشكل تأييداً مدوياً لسياسة بوش الخارجية. يقول: “لقد أوضح بوش تماماً أن الاستراتيجية الوحيدة للخروج من العراق هي استراتيجية النصر، حيث تعريف النصر بأنه الديمقراطية.” إنني أتساءل عما إذا كان السيد كريستول قادراً على ترديد هذه الكلمات اليوم!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 8 آذار 2007.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

يقبع طالب كلية مطرود في سجن مصري، وهو عبد الكريم نبيل سليمان، منتظراً إصدار الحكم بتاريخ 22 شباط. فما هي “جريمته” المزعومة؟ إنها التعبير عن رأيه الشخصي في مدونة على الإنترنت. وما هو الخطأ الذي ارتكبه؟ كانت لديه الشجاعة للقيام بذلك مستخدماً اسمه الشخصي.
ارتكبت السلطات المصرية خطأً أكبر عند مقاضاة عبد الكريم. إن الأمر سيكون مضراً لمصر إذا تمت إدانته، والحكم عليه بالسجن. ولهذا السبب يناشد الأصدقاء المخلصون لمصر الحكومة بتصويب هذا الخطأ، وإسقاط التهم الموجهة ضده. إنه العمل الصحيح الذي ينبغي عليها القيام به، والأفضل كذلك فيما يتعلق بصورة مصر في العالم المعاصر. لقد اجتذبت القضية فعلياً اهتمام الصحف في شتى أرجاء العالم، فضلاً عن منظمة هيومان رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومراسلون بلا حدود، ومنظمات أخرى. ونشرت شبكات المدونات غير الرسمية الخبر. وبتاريخ 15 شباط، اجتمع المدونون والناشطون في مجال حقوق الإنسان في كل من باريس، ولندن، ونيويورك، وواشنطن، وأوتاوا، وروما، وبوخارست، لمناشدة السلطات المصرية احترام حرية التعبير. ونحن نوافق على ذلك.
وعبد الكريم هو طالب يبلغ من العمر 22 عاماً، تم طرده من جامعة الأزهر لإبدائه انتقاداً حاداً في وقت سابق، وذلك على مدونته، إزاء المنهاج الصارم للجامعة، ولتطرفها الديني. وتم توجيه أمر له، من أجل المثول أمام المدعي العام بتاريخ 7 تشرين الثاني 2006، بتهمة “نشر معلومات تخل بالنظام العام”، “والتحريض على كره المسلمين”، و”إهانة الرئيس”. وتم احتجازه خلال فترة التحقيق في القضية، وتجديد الاحتجاز أربع مرات. ولم يسمح له بالتواصل المنتظم مع المحامين أو أفراد العائلة.
انتقد عبد الكريم السلطات المصرية لإخفاقها في حماية حقوق كل من الأقليات الدينية والنساء. وعبر بمصطلحات قوية عن وجهات نظره حول التطرف الديني. وهو أول مدون مصري تتم مقاضاته بسبب محتوى ملاحظاته. وما يدعو إلى الدهشة أن الشكوى القانونية جاءت أصلاً من الجامعة التي طردته، والتي كانت فيما مضى مركزاً عظيماً للتعليم في العالم العربي، وتقلص دورها الآن إلى الإبلاغ عن الطلبة المنشقين عن عقيدتهم.
التقى أحد كاتبي المقال (توم بالمر) بعبد الكريم في مؤتمر للمدونين في الشرق الأوسط عام 2006. وما أذهله أن عبد الكريم كان شخصاً هادئاً وخجولاً، ولكنه ملتزم إزاء حقوق المرأة والأقليات. وبقيا على اتصال عبر المحادثة بواسطة موقع غوغل للمحادثة، حذر توم خلالها عبد الكريم لكي يكون حذراً ويفكر بالأخطار المحتملة. إنها النصيحة التي غالباً ما يقدمها الأشخاص الأكبر سناً إلى الشباب. وكان جواب عبد الكريم انه لم يكن خائفاً من التعبير عن وجهات نظره. وخلال مؤتمر عقد في تبليسي، جورجيا، وذلك في شهر تشرين الأول، اتصل عبد الكريم بتوم عبر بريد غوغل، وأخبره أنه تلقى أمراً بالمثول أمام المدعي العام في اليوم التالي. وبواسطة عدد قليل من الرسائل النصية والإلكترونية التي تم إرسالها لاحقاً، وبواسطة عدد من الأصدقاء في منظمات مثل دعم تحالف الأيدي عبر الشرق الأوسط، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تم تعيين محام له. وتم نشر الخبر عندما تم احتجازه، وتنظيم احتجاجات صغيرة مميزة أمام السفارات المصرية. وبدون أن تدعمه أية حركة منظمة، انتشرت قضية عبد الكريم في شتى أرجاء العالم. وعلم الكاتب الآخر للمقال (رجا كمال) عن قضية عبد الكريم من خلال شبكة الكتاب العرب. وبصفته موظف جامعة رسمي، صدمه أن تقوم جامعة بتسليم طالب لديها إلى السلطات لكي تقاضيه بسبب وجهات نظره. علاوة على ذلك، وبصفته عربي، فهو قلق إزاء مستقبل التعليم والعلوم في مجتمعات يتم فيها معاقبة وجهات النظر المعارضة، بدلاً من مناقشتها. وقام كل من الكاتبين بالاتصال بالسلطات المصرية لمناشدتها تصويب خطأ واضح، وإطلاق سراح عبد الكريم.
تعتبر مصر من البلدان التي وقعت على المعاهدة الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية، والتي تضمن “حرية البحث، وتلقي، ونقل المعلومات والأفكار من كافة الأنواع، بغض النظر عن الحدود، إما شفوياً، أو كتابةً، أو طباعةً، أو على شكل لوحة فنية، أو بواسطة أية وسيلة إعلامية أخرى”. أما الاستثناءات المسموحة فهي ضيقة النطاق، وتقتضي إثبات “الضرورة” قبل فرض القيود؛ وإيداع الآراء على مدونة شخصية لأي طالب لا يتأهل إلى كونه تهديدا للأمن القومي، أو لسمعة الرئيس، أو النظام العام. ليس عبد الكريم من يشكل خطراً على مصر، بل مقاضاته بحد ذاتها.
وسواء كنا نتفق أم لا مع الآراء التي عبر عنها عبد الكريم، فإن تلك مسألة غير مهمة. إنما ما يهم هو المبدأ: كون الناس أحراراً في التعبير عن آرائهم الشخصية دون خوف من السجن أو القتل. إن الكتابة في المدونات يجب ألا تكون جريمة.
© معهد كيتو،منبر الحرية، 21 شباط 2007.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

نعمت العديد من الدول العربية تاريخياً بالنفط والغاز الطبيعي اللذان أصبحا المحرك الأساسي للتغيرات الاقتصادية التي حصلت خلال القرن الماضي. هذه هي الأخبار الحسنة، أما الأخبار السيئة فهي أن النفط والغاز الطبيعي هما الأساس الاقتصادي للعالم العربي، وما فشل العالم العربي في تحقيقه هو التنوع الاقتصادي.
إذا كان لنا أن نستثني النفط والغاز من مختلف الاقتصادات العربية لثلاثمائة مليون شخص الذين نسميهم العالم العربي، فإن مجموع الناتج القومي الإجمالي لهم سيكون أقل من ذلك لفنلندا ذات العدد السكاني الذي يتجاوز الخمسة ملايين بقليل. لقد فشل العالم العربي (باستثناء جيوب معزولة قليلة) فشلاً ذريعاً باللحاق بالنهضة الاقتصادية في معظم أنحاء العالم الأخرى. العالم العربي يكافح الآن لكي يلحق ببقية العالم، وينبغي أن تكون نقطة البداية بالنسبة له هي إصلاح النظام التعليمي.
كان أداء التعليم العالي في العالم العربي قاصراً وأنتج خريجين يواجهون صعوبات في الاندماج ومواكبة الاقتصاد الذي يزداد عولمة (عالمية). وفي دراسة أجرتها مؤخراً المجموعة الدولية للخبراء المصنِّفينومعهد سياسات التعليم العالي في واشنطن تبين أن هناك جامعة عربية واحدة فقط تقع في ذيل 3000 جامعة عالمية. نقيضاً لذلك هناك جامعات إسرائيلية تقع ضمن أعلى 200 جامعة في القائمة.
يبدو أن الحمض النووي للجامعات العربية ضعيف التكوين، ويبدو أن هناك حائطاً فعلياً بين الجامعات والعالم الحقيقي. ثقافة الجامعة لا تشجع على الفردية والأفكار الجديدة، والمناهج جامدة ومحمية. هناك حاجة ماسة لإصلاح النظام.
الالتحاق بالجامعة، كما تبين لي في زيارتي للعديد من الجامعات العربية، يُنظر إليه كحق وليس امتيازاً، وبعض الدول العربية تدفع رواتب شهرية لكل الطلاب الملتحقين بجامعات الدولة المعفاة من الرسوم—بغض النظر عن احتياجاتهم المالية أو تخصصاتهم أو أدائهم الأكاديمي. هناك ضعف في مستوى تدريس العلوم الطبيعية والرياضيات بالمقاييس الدولية، ومعظم الجامعات العربية تدرس طلابها ماذا يفكرون بدلاً من كيف يفكرون، وما لم تتغير هذه الذهنية فلن يظهر أمل كبير في الأفق.
الدكتور هشام غصيب هو رئيس جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا في الأردن، وهو من أنصار التغيير في الجامعات العربية، وقد قال في مقابلة أجريت معه مؤخراً بأن تركيز المجتمع ينبغي أن يكون على تشجيع التفكير الحر، في حين أن النظام الحالي يعمل على تخريج طلاب “خاضعين لجميع قوى المجتمع”.
إضافة لذلك فالكثير من الخريجين محدودي التركيز في دراساتهم وليس لديهم فرص تذكر لاستخدام تعليمهم الجامعي في مهنهم المستقبلية. هناك، على سبيل المثال، عشرات الآلاف من الخريجين في العالم العربي يتخصصون كل عام في الشريعة الإسلامية (القانون الإسلامي) أو اللغة العربية. الأغلبية الساحقة من هؤلاء لن يجدوا وظائف، ويعملون بجزء من طاقتهم أو وقتهم في القطاع العام المترهل فيسهمون بذلك في أعمال حكومات منتفخة وفاقدة الكفاءة أصلاً. زيادة على ذلك فإن خريج كلية لا يجد عملاً هو شخص تعيس ومحبط ومؤهل لأن يصبح مرشحاً للتجنيد للعمل في سبيل قضايا أصولية.
يجب على مؤسسات التعليم العالي أن تنظر إلى احتياجات القطاع الخاص وتحدد الطلب المستقبلي في سوق العمل وتعديل المناهج وفقاً لذلك. ويجب على الجامعات تقليص حجم برامج الدراسة أو تحديد الالتحاق بالبرامج التي لا يحتمل أن تحقق فائدة اقتصادية للمجتمع.
إن قيمة الجامعات الجيدة لا تقدر بثمن لأي مجتمع، وقد استفاد لبنان من وجود الجامعة الأمريكية في بيروت، وهي الجامعة التي أنشأها مبشرون عام 1866 كجامعة خاصة غير طائفية ومتخصصة في الفنون الحرة فأصبحت منارة تغيير في لبنان وسائر أنحاء الشرق الأوسط، وقد ظل الالتزام بتفكير ناقد وتعليم ناجع في مجال الفنون الحرة، ولا زال، في صميم رسالتها. بيد أن الجامعة الأمريكية في بيروت، وللأسف، هي مجرد واحدة من الاستثناءات القليلة في العالم العربي.
يجب على البلدان العربية إدماج التعليم العالي في تخطيطها الاستراتيجي، ويجب أن تكون هناك شراكة بين القطاع الخاص والقائمين على النظام التعليمي. يتعين على الجامعات العربية التركيز على التخصصات الموجهة للسوق. هناك ميل لدى الحكومات العربية لإدارة الجامعات، وربما كان إعطاء الحرية للقطاع الخاص لإنشاء جامعات وكليات خاصة هو خطوة في الاتجاه الصحيح.
يجب أن تخدم الجامعات الاقتصاد الوطني وتقوم بتدريب قادة المستقبل الذين سيقومون بتحويل المنطقة لتنويع اقتصادياتها ومساعدتها في اللحاق اقتصادياً ببقية العالم. حتى الآن لا زال الأداء تعيساً، وهناك حاجة ماسة للإصلاح، فالنفط لن يبقى إلى ما لا نهاية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 11 كانون الثاني 2007.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

يقول ديفيد كاميرون (زعيم حزب المحافظين البريطاني): “آن الأوان لنعترف بأنه هناك أمور كثيرة أخرى للحياة غير المال، وآن الأوان للتركيز على الرفاه العام (والتي يعني بها السعادة) بدلا من التركيز على الناتج المحلي الإجمالي فحسب.” مع تصديق وتأييد كاميرون، أصبحت سياسات السعادة رسميا مسألة متعددة الحزبية، ولم تعد ملكا لنظير حزب العمل ريتشارد لايارد والاشتراكيين الديمقراطيين الآخرين. ولماذا لا يكون الأمر هكذا؟ بالتأكيد لا أحد يُجادل في أنه هناك أمور كثيرة هامة للحياة عدا عن المال، أو للسياسة عدا عن حجم الاقتصاد. مع ذلك، فإن مقارنة كاميرون تعني أن زيادة الرفاه العام قد تأتي على حساب نمو الناتج المحلي الإجمالي وتحرير الاقتصاد. علاوة على ذلك، إذا كنت حقا تُقرّ بالاهتمام بالسعادة، فيجب عندئذ أن تعني أيضا بالحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. فإن سعادتنا تتوقف عليهما أكثر من أي شيء آخر تقريبا.
يُجرى في الغالب ما يُسمى بـ”أبحاث السعادة” مع المسوحات التي تسأل الناس ببساطة عن درجة سعادتهم، وتُربط هذه الإجابات بأخرى تتعلق بالدخل ووضع الأسرة والوظائف وأمور أخرى عديدة. وجاءت معظم النتائج التي تم تسجيلها من هذه المسوحات كالآتي: بالرغم من أن متوسط الدخل الحقيقي قد ازداد إلى أكثر من الضعف في البلدان المتقدمة منذ منتصف القرن، فإن متوسط الشعور بالسعادة لم يتزحزح ولم يتغير. ومع ذلك، وبالرغم من ثبات اتجاه السعادة خلال العقود، فإن الأغنياء هم الأكثر احتمالا من غيرهم في وصف أنفسهم بـ”سعيدين جدا” في أي وقت، الأمر الذي حمل عددا من الباحثين على الاستنتاج أن الناس يضعون قدرا كبيرا من الاهتمام بمركزهم النسبي في سُلّم الدخل يتجاوز اهتمامهم بالمستوى المطلق لثروتهم. وبما أن قوانين الرياضيات الجامدة تضمن أنه من غير الممكن ضغط أكثر من 20% من السكان ضمن الخُمس الأعلى لتوزيع الدخل—مهما كان حجم الاقتصاد كبيرا—فإن ذلك يدفع إلى الاعتقاد بأن حجم الاقتصاد والنمو الاقتصادي لا يهمان.
إن هذا النوع من التفكير تحديدا يدفع الاقتصاديين مثل آندرو أوزوالد من جامعة وارويك لكتابة مقالات بعنوان “كان الهيبّيون مُحقين بشأن السعادة”، والتي تُناقش أن “الأعمال الإحصائية الجديدة التي قام بها علماء النفس والاقتصاد” أثبتت أنه “حين تمتلىء مستودعات دولة ما بالطعام، فلا داعي لأن تصبح تلك الدولة أكثر ثراء”.
هل هذا حقا ما تُبيّنه الأعمال الإحصائية الجديدة؟ أظهرت دراسة حديثة حول السعادة الذاتية لحوالي 400000 شخص من دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية قام بها كل من رافائيل دي تيلا من جامعة هارفارد وروبرت ماكولوش من كلية إمبيريال أنه في حين لا يوجد تأثير إيجابي ضخم لأي متغير واحد على متوسط السعادة على مر الزمن، فإنه لا يوجد لأي منها تأثير أكبر من تأثير الناتج المحلي الإجمالي للشخص، باستثناء متوسط العمر المتوقع. وإذا لم يؤدِّ الثراء إلى زيادة السعادة، فعندها، وبالاستناد على الإحصاءات، لن يؤدي خفض البطالة أو زيادة المنافع الاجتماعية، أو أي أمر آخر، إلى زيادة السعادة أيضا.
بينت دراسة أخرى أكثر شمولا أجريت في عام 2006 من قبل كل من تومي أوفاسكا من جامعة ريجينا وريو تاكاشيما من جامعة غرب فيرجينيا ونُشرت في مجلة الاقتصاد الاجتماعي أن للناتج المحلي الإجمالي للفرد تأثيرا إيجابيا متواضعا نسبيا على السعادة، بينما نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي هو إلى حدّ ما هدية أكبر. لقد بيّن تاكاشيما وأوفاسكا بطريقة مدهشة أن الحرية الاقتصادية—وهي مقياس للاختيار الشخصي وحرية التنافس وحماية الملكية الخاصة وعناصرها الأساسية—تتفوق على جميع المتغيرات الأخرى. ومن جهة أخرى، ووفقا لأوفاسكا وتاكاشيما، فإن حجم الحكومة يرتبط سلبيا بالسعادة. وفي كل يوم، يزداد تشابه السياسة المبنية على السعادة مع السياسة المبنية على مبادىء وأسلوب ثاتشر.
إن الواقع المتعلق بعدم ارتفاع متوسط السعادة الذاتية مع ارتفاع متوسط الدخل لا يعني أنه لا فائدة من التحول إلى الثراء. إذ يعتبر وجود معدل نمو ثابت أمرا ضروريا للإبقاء على السعادة وأشياء أخرى جيدة ضمن مستوى عالٍ مستقر. (تصور هرّة مقيدة على مقصلة ومربوطة بدراجة وأنه يتوجب أن تدار دوّاسة الدراجة بسرعة كبيرة جدا لكي تبقى شفرة المقصلة عالية. الإبطاء يؤدي إلى قتل الهرة.)
في كتاب النتائج الأخلاقية للنمو الاقتصادي، قال عالم الاقتصاد من جامعة هارفارد، بنجامين فريدمان، أن النمو الاقتصادي المطّرد “يعزز فرصا أكبر واحتمالا للتنوع وقابلية للتحرك الاجتماعي والتزاما بالإنصاف وإخلاصا للديمقراطية”، وهذه قائمة أشك في أن يعارضها أي شخص يعمل في السياسة.
يجادل فريدمان بأنه عندما تتوسع الكعكة الاقتصادية ويشعر معظمنا بأننا أغنى مما كنا عليه في الماضي، عندئذ نولي اهتماما أقل لمُجاراة جيراننا ونكون أقل غيرة من موضعنا في التسلسل الهرمي الاقتصادي ونصبح رحبي الصدر نسبيا نحو القادمين الجدد في الاقتصاد، مثل المهاجرين. ولكن عندما يُشعرنا التباطؤ الاقتصادي بأننا قد توقفنا مكاننا، فمن المحتمل عندئذ أن نشعر بتهديد أولئك الصاعدين السلم الاقتصادي من الأسفل، فنغلق الباب بعنف ونوصده بالمزلاج. ويُعتبر الركود الاقتصادي وصفة للخوف من الأجانب وعدم الاستقرار السياسي ومبادىء الشعبية المتعصبة الكريهة، والتي أشك في أنها وصفة للسعادة. وبالتالي، فإن ثراء أمة ما له مغزى ومعنى.
المشكلة في أبحاث السعادة هي أنها في كثير من الأحيان مرآة: ننظر إلى البيانات فنرى انعكاسا لأيدولوجيتنا ومذهبنا الفكري. لا يخرج أحد من أدب السعادة وقد تحول سياسيا. سيجد الباحث الهادىء وغير المتحيز أن البيانات المتوفرة عن السعادة تُعطي قليلا جدا، وفي نفس الوقت، تعطي الكثير لبناء سياسات محددة على نحو مفيد. وسيجد الباحث في الأغلب أن ديمقراطيات السوق الحرة هي المكان الذي تنتعش فيه السعادة إلى حد بعيد. ولكننا عرفنا مسبقا أننا نريد إحدى هذه الديمقراطيات. وبالفعل لدينا واحدة منها. ومع ذلك، فإن بيانات السعادة لا تُخبرنا إذا كان ينبغي أن نُفضِّل نوع الليبرالية الديمقراطية السويدية أم الأمريكية، وهذا هو الجدل الرئيسي.
ربما أصابنا التعب من محاولة برهنة سياساتنا المفضلة على أسس من الحرية والمساواة والتفوق والكفاءة والعدالة، تلك الاعتبارات التي أدت بنا إلى قناعاتنا هذه في المقام الأول، ونرى أننا بحاجة إلى شيء مثل “السعادة المحلية الإجمالية” لإنعاش سياساتنا. ولكن ماذا يعني إعلان الولاء للسعادة المحلية الإجمالية عمليا عندما تكون بيانات السعادة المتوفرة رديئة وغير ملائمة لتحديد كيفية إصلاح نظام الرعاية الصحية، أو هل يجب أن نذهب لنحارب في العراق، أو لزيادة منافع دولة الرفاه الاجتماعي؟ لا شيء يذكر.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 6 تشرين الثاني 2006.

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

يقول ليو تولستوي: “الملك هو عبد مملوك للتاريخ.”
أعلن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، خلال حديثه أمام جمهور من المناصرين الموالين له في ولاية باريناس وهي ولاية مسقط رأسه في فنزويلا، في اليوم الثاني من شهر تشرين الأول، بان ثورته البوليفارية تقترب من نهاية سن مراهقتها.
وقال شافيز محذرا: “عليكم أن تقوموا بشد الأحزمة لأنكم على وشك أن تواجهوا وابل دفق أحمر اللون ونحن ندخل حقبة جديدة من الثورة…”
وفي اليوم الثالث من شهر كانون الأول سوف يتوجه الفنزويليون نحو صناديق الانتخابات لاختيار رئيسهم القادم، مع انه منذ هذه اللحظة، والتي هي قبل اقل من شهرين من أول تصويت يتم إدلائه في الانتخابات، تبدو إعادة انتخاب شافيز أمرا محتما. فاستطلاعات الرأي تقوم بإظهار الرئيس الفنزويلي على أن له الصدارة المهيمنة على مانويل روزاليس مرشح المعارضة، مع أن شافيز يقوم ببذل المزيد من الوقت في الأشهر الأخيرة في سبيل تسيير بعثات دبلوماسية خارج البلاد ومن بعدها يقوم بالحملة الانتخابية في الداخل.
عند انتخابه أول مرة في العام 1998، أظهر شافيز انحرافا جذريا عن المؤسسة السياسية القائمة في بلاده، فقد كانت فنزويلا، ومنذ أعوام الستينيات من القرن الماضي تحكم من قبل حزبين سياسيين رئيسيين قاما بالتعاون فيما بينهما بمحاولة نظامية تهدف إلى عدم تشجيع بروز أحزاب ثالثة. ووعد شافيز لدى اعتلائه سدة الرئاسة، الذي كان مستبعدا، بأنه سوف يعمل على تغيير النظام السياسي في فنزويلا بحيث ينهي الحكم السياسي الاوليغاركي الراسخ في البلاد وانه سوف يحكم باسم الفقراء والمهملين.
وقد وعد بان يقوم بالثورة، وبعد مضي 7 سنوات في منصبه، يقول مناصروه بأنه وفى بالوعد.
ولكن الحقيقة هي أن الثورة تعتبر أمرا معقدا وكذلك الحال بالنسبة للعملية السياسية التي تجري حاليا في فنزويلا. فبينما قام شافيز وبشكل مؤكد بإنهاء نظام حكم نخبة سياسية حكمت البلاد في السابق فان هناك الكثير من السياسة المحلية التي تنتهجها حكومته يبدو وكأنه دون نتاج تخطيط جذري وتجديدي لا يقل عن الحالة الأسوأ التي يكرر فيها التاريخ نفسه.
وفي كتابها البارع المسمى مفارقات الوفرة، قامت تيري لين كارل أخصائية العلوم السياسية في جامعة ستانفورد بدراسة تأثيرات الازدهار النفطي في أعوام السبعينيات من القرن الماضي على الدول المصدرة للنفط في جميع أنحاء العالم. ومن خلال إبدائها اهتمام خاص نحو فنزويلا، بل وأيضا بتناولها للاستراتيجيات التنموية للأمم الأخرى كإيران والجزائر، لاحظت لين كارل بأنه حتى وإن كانت هذه الدول متلقية لتحويلات ثروة ذات أرقام قياسية ضخمة لم تنشأ عن حروب، فان هذه الدول، في عقود السنوات اللاحقة، ما زالت مبتلية بالفقر وبالبنية التحتية البالية.
وفي النهاية، استنتجت لين كارل بان اعتماد الدول البترولية كفنزويلا على تصدير فردي قد أحدث تأثيرا وقام بصياغة نواحي عديدة في الدول بدءا من نوع نظام الحكم وانتهاء بمسار السياسة العامة، وانه في أحيان كثيرة عمل على إنهاك هذه الدول بوسائل تدميرية. وخلال أعوام السبعينيات من القرن الماضي حيث كانت فنزويلا مغمورة بالأموال النفطية، قام الرئيس كارلوس اندريه بيريز عندئذ بإشغال بلاده في برنامج شعبي طموح تم به تأميم الصناعة النفطية وإدانة وسطاء المال الدوليين والعولمة على انهم “عمال تطهير عرقي مأجورين لصالح النهج الشمولي.” وعندما قارب الازدهار النفطي في أعوام السبعينيات من القرن الماضي على الانتهاء، فان برامج الرفاه الاجتماعي الجماعية التي قام اندريه بيريز بتنفيذها قد ثبت بأنها غير منيعة بدرجة كبيرة وشهدت فنزويلا عقدين من الركود الاقتصادي والإحباط السياسي انتهت بانتخاب شافيز في العام 1998 رئيسا لها.
وفي مقابلة جرت حديثا مع لين كارل أبلغتني بقولها: “بكل تأكيد، إن ذلك كله سوف يحدث مرة ثانية، أليس كذلك؟ فالطريقة التي يتم بها بدء الأعمال في فنزويلا والطريقة التي يتم بها بدء الأعمال في معظم الدول النفطية هي أن الإيرادات النفطية تذهب بشكل مباشر إلى الفرع التنفيذي، وبهذا الشكل سوف تقع تحت سلطة الرئيس.”
وعندما يكون سعر النفط مرتفعا يستطيع زعماء الدول النفطية أن ينفقوا بكل حرية وبلا رقيب. فالعملية بكاملها تسهم في مركزية السلطة وفي تقويض المؤسسات الليبرالية التي تعتبر ضرورية بالنسبة للديمقراطية المرسخة. وفي الأوقات التي تكون بها أسعار النفط عالية بأرقام فلكية، يمكن للرئيس أن يمارس السلطة دون أن يقوم ببناء اجماع فيما بين لاعبين عديدين في الدولة.
ويقول فرانسيسكو رودريغز الذي ترأس مكتب المشورة الاقتصادية والمالية للجمعية الوطنية الفنزويلية من العام 2000 إلى العام 2004 والذي يقوم في الوقت الحالي بالتدريس في جامعة وسليان في ميدلتاون بولاية كينيتيكت، بان “ازدهار الدولة النفطية يعمل على تشجيع نهج الشعبية والمركزية نظرا لحصول الدولة على مزيد من الموارد ومزيد من السلطة، وتعتبر أسعار النفط المرتفعة شرطا مسبقا من شروط إمكانية تحقيق نهج الشعبية في الدولة النفطية وانه في ظل الأسعار المنخفضة سيكون من الصعب جدا إمكانية الحصول على الشعبية. أما الشيء الذي يقوم به الازدهار النفطي فهو الوصول إلى درجة بحيث لا تكون الدولة بحاجة إلى مجموعات أخرى. وعند قدوم شافيز إلى السلطة حيث توجب عليه أن يقوم بالتفاوض لان سعر النفط كان منخفضا، جاء متحدثا باعتباره سياسي معتدل إلى حد كبير جدا. فالدولة، عندما تنفذ مواردها، سوف تكون بحاجة إلى القطاع الخاص والى تلك المصادر البديلة للموارد التي توحي بأنها لا تستطيع أن تتخذ موقفا معارضا.”
والدول النفطية تناور من خلال قواعد مختلفة عن بقية دول العالم. ففي حين تبدو، حسب الرأي الخارجي، العملية السياسية الفنزويلية وكأنها منقطعة انقطاعا جذريا عن الماضي فان حقيقة الأمر هي عدم وجود شيء ثوري في تمويل برامج الرفاه الاجتماعي الجماعية من خلال الإيرادات النفطية. وبالنسبة لحالة الدولة النفطية، عندما يكون الكثير جدا مما تكون الدولة قادرة عليه معتمدا على سعر السوق المتواصل لأية سلعة منفردة، فان الحكومات لا تحدد الفرص المناسبة، بل الفرص هي التي تحدد الحكومة.
وعندما قامت لين كارل بالذهاب إلى فنزويلا أول مرة في أعوام السبعينيات من القرن الماضي، زارت المرحوم خوان بابلو بيريز ألفونسو، ذلك المحامي الفنزويلي الذي يتم ذكره في معظم الأحيان بكونه “مهندس منظمة الاوبك للدول المصدرة للنفط.” وفي وسط ازدهار النفط في أعوام السبعينيات من القرن الماضي عندما كانت الأموال النفطية تصب داخل البلاد وكانت الحكومات الفنزويلية تفاخر بأنها على وشك تحقيق تنمية حقيقية مستدامة في البلاد قام بيريز ألفونسو بتحذيرها بقوله بان الفرص الجيدة سوف لن تدوم.
وقد تنبأ قائلا: “سوف ترون، النفط سوف يجلب لنا الدمار، بعد عشر سنوات من الآن، بعد عشرين سنة من الآن.”
بالتنسيق مع مجلة ريزن أونلاين.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 17 تشرين الأول 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018