peshwazarabic

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

كلما مر أسبوع، أصبح تخبط وزير الخزانة الأميركية هنري بولسون أكثر إثارة وحبساً للأنفاس. ففي نهاية شهر آذار (مارس) الماضي أخرج وزير الخزانة خطة كبيرة لتتويج مجلس الاحتياط الفيدرالي (بنك أميركا المركزي) كعامل استقرار مالي جديد للأمة. هل الاحتياطي الفيدرالي هو من يوفر الاستقرار حقا؟ بل إنه هو الذي خلق المشكلة المالية التي نعاني منها!

وإذا لم يكن ما فعله سيئاً بما فيه الكفاية، فقد تقمص وزير الخزانة دور القائد المشجع لبكين طالباً منها رفع قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار. وبينما يعمل بولسون كل ما بوسعه لتخفيض قيمة العملة الأميركية، فإنه يدعونا إلى البقاء هادئين وواثقين بدعوى أن العوامل الاقتصادية ما زالت سليمة. إنه بذلك يذكرني بالمتعامل في السندات المالية الذي يُقدم خدمة غالية لشركائه عن طريق كونه مخطئاً طوال الوقت.

خلال فترة ولاية غرينسبان– بيرنانكي، اعتنق الاحتياطي الفيدرالي وجهة النظر القائلة بأن الاستقرار في الاقتصاد، والاستقرار في الأسعار شيئان منسجمان يتمم احدهما الآخر. فما دام التضخم باقٍ على المستوى المحدد أو أقل منه، فإن قاعدة العمل هي الإصابة بالذعر لرؤية أي اضطراب حقيقي أو متصوّر للاقتصاد، وتقديم إغاثة طارئة سريعة. ويفعل الاحتياطي الفيدرالي ذلك عن طريق تخفيض نسب الفوائد إلى ما هو أدنى من سعر السوق لو كان السوق هو الذي يحددها. وعندما تُصبح نسب الفوائد منخفضة بشكل غير طبيعي فإن المستهلكين يخفضون من مدخراتهم لصالح الاستهلاك، كما يرفع المستثمرون من نسب إنفاقهم على الاستثمار.

ثم يتكون لديك اختلال بين التوفير والاستثمار. ويكون لديك اقتصاد غير قابل للنمو المستمر. وهذا باختصار هو الدرس الذي تعلمناه حعن النظام النقدي المركزي الذي تم تطويره في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. فقد حذّر علماء الاقتصاد النمساويون من أن استقرار مستوى الأسعار قد يتعارض مع الاستقرار الاقتصادي وقد ركّزوا تركيزاً كبيراً على حقيقة أن مستوى الأسعار، كما يُقاس في العادة، إنما تشمل البضائع والخدمات فقط. وتُستثنى منها أسعار الموجودات. (اذ لا يشمل جوهر القياس الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي لقياس أسعار المستهلكين جميع البضائع والخدمات ، بطبيعة الحال). وقد توصّل النمساويون إلى نتيجة مفادها أن الاستقرار المالي يجب أن يشتمل على بُعد يمتد إلى إدخال أسعار الموجودات، وان التغيّرات في الأسعار المقارنة لمجموعة مختلفة من السلع والخدمات والموجودات هي أمر بالغ الأهمية. فبالنسبة للمدرسة النمساوية للاقتصاد، يمكن أن يكون الاقتصاد المستقر متوافقاً مع سياسة نقدية تكون فيها الأسعار في انخفاض طفيف.

الأزمة المالية الأميركية الحالية تتبع النمط الكلاسيكي. ففي عام 2002 صدرت عن المحافظ بيرنانكي صفارات إنذار تقول بأن التباطؤ الاقتصادي يُهدد الاقتصاد الأميركي. وقد أقنع زملاءه أعضاء المجلس بذلك الخطر. وكما عبّر غرينسبان عن ذلك قائلا: “إننا نواجه تحديات جديدة في الحفاظ على استقرار الأسعار، وبشكل خاص بتجنب هبوط التضخم إلى مستويات منخفضة أكثر من اللازم.”

ففي مواجهة احتمال انكماش اقتصادي، أصاب الاحتياطي الفيدرالي الذعر. وما أن جاء شهر تموز (يوليو) 2003 حتى أصبح معدل نسب الأموال الفيدرالية بمستوى قياسي منخفض بأقل من 1% حيث ظلت في ذلك المستوى المنخفض على امتداد سنة كاملة. وقد أدى ذلك إلى وقوع اكبر جميع دورات السيولة الحديثة، وكما توقع أعضاء المدرسة النمساوية، انتهى انتعاش التسهيلات المالية نهاية سيئة.

وحفاظاً على النمط الذي دأب الاحتياطي الفيدرالي على اتباعه، فقد أصابه الذعر مرة أخرى، بحيث أقدم على تخفيض نسب الفائدة وإغراق الاقتصاد بالسيولة. واذا ما أجري قياس اولي لكمية الإصدارات النقدية، لتبين أن الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس زاد من إصداراته بمعدل سنوي بلغ 37.7% ما بين نهاية كانون الثاني (يناير) وحتى 24 آذار (مارس). وبهذا الاندفاع الكبير لكميات النقد ومكاسب الأسعار التي تحققت في شهر شباط (فبراير) 2007 والتي بلغت 4% لسلع الاستهلاك، و6.4% لسلع الإنتاج، و13.6% للسلع المستوردة، فليس عجيباً أن نرى ارتفاع توقعات التضخم.

وليس غريباً أيضاً أن يظل الدولار عليلاً. وهو الأمر الذي يجعل من رسالة وزير الخزانة بولسون إلى بكين رسالة شاذة، ولا سيما أنها مبنية على معطيات غير صحيحة قدّمها عدد كبير من الاقتصاديين المرموقين. أعرب، مارتن فلدستاين، بروفيسور الاقتصاد في جامعة هارفرد، عن وجهة نظره بأن ميزان التجارة الثنائي بين الولايات المتحدة والصين يتقرر نتيجة لسعر تبادل العملة بين اليوان والدولار. لذلك، ولكي يمكن تخفيض فائض التجارة لصالح الصين مع الولايات المتحدة، فإنه يدعو إلى رفع قيمة اليوان.

هذه النصيحة كلام فارغ. فالموازين التجارية تتقرر نتيجة لقدرات التوفير الوطنية، وليس نتيجة لأسعار الصرف. إن فائض التوفير الصيني وعجز التوفير الأميركي يقرران إلى حد كبير اختلال التوازن التجاري بيننا وبين الصين. يتوجب على وزارة الخزانة الأميركية أن تكون قد تعلّمت هذا الدرس بعد سنوات من إرغام اليابانيين على رفع قيمة الين الأمر الذي أدى إلى النيل من استقرار الاقتصاد الياباني وبدون إعطاء أية فائدة للتوازنات التجارية.

وإلى أن يتخلى مجلس الاحتياط الفيدرالي عن تحديد التضخم وتتخلى الولايات المتحدة عن سياستها القائمة على ضعف الدولار، فإن التضخم سيكون هو سيد الموقف.

.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 أيلول 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

هنالك قول مأثور لعضو محكمة العدل العليا الأمريكية أوليفير هولمز قال فيه “الضرائب هي ما ندفعه لقيام مجتمع متمدن،” بينما قال سلفه على محكمة العدل العليا الأمريكية، رئيس المحكمة جون مارشال، وكان محقاً فيما قال، “السلطة على فرض الضريبة هي السلطة على التدمير.”

في أية نقطة تنتقل فيها الضريبة من كونها ضرورية لإدارة الحكومة بشكل مناسب إلى الاستبداد؟

الآباء (المؤسسون) الأمريكيون، اعتبروا، في إعلان الاستقلال الأمريكي، أن أحد تظلماتهم ضد الملك جورج الثالث أنه قد فرض “ضرائب علينا بدون موافقتنا.” “لا ضرائب بلا تمثيل” كان هو النداء الذي قامت على أساسه الثورة، ومنذ ذلك الحين كان هنالك توافق واسع بأن فرض أية ضريبة دون موافقة المحكوم هو نوع من الاستبداد الضريبي. هذا هو السبب الذي يجعل فرض الضرائب في الأنظمة الديمقراطية تحوز على شرعية أخلاقية أعظم من تلك الضرائب التي تُفرض من قبل الأنظمة غير الديمقراطية.

وبانتشار الديمقراطية على امتداد العالم، فإن أناساً أقل يتعرضون الآن لذلك النوع من الاستبداد الضريبي. ومع ذلك، وفي السنوات الأخيرة، فإن بعض البلدان وبشكل رئيسي ضمن الاتحاد الأوروبي قد حاولت تحت شعار “التنسيق الضريبي” و”الممارسات الضريبية غير المنصفة،” فرض توجّهاتهم لفرض ضرائب أعلى على الدول ذات الضرائب المُنخفضة. وقد حاولت بعض المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فرض ضرائب على الآخرين بدون موافقتهم.

شكل آخر من أشكال الاستبداد الضريبي يقع عندما تفرض الحكومات نسباً ضريبية أعلى من الحد الأعلى لجمع الأموال. لقد كان معروفاً على امتداد القرون بأن كل ضريبة لها نسبة عليا والتي إذا تم تجاوزها لن تجلب مداخيل أخرى لأن الناس سوف يتوقفون عن التعامل مع النشاطات الخاضعة لتلك الضريبة، سواء كانت العمل أو الادخار أو الاستثمار أو الاستهلاك للبضائع والخدمات الخاضعة للضرائب. مثل تلك النسب العالية من الضرائب تُشجع على انتشار الأسواق السوداء الخفيّة و/أو نزوح أنشطة معينة.

على سبيل المثال، فإن نسباً عالية من الضرائب على رأس المال تدفع الناس إلى الانتقال بأموالهم إلى مناطق تفرض نسب ضرائب أقل. نسب الضرائب العالية جداً على العمل يمكن أن تدفع بالناس إلى الانتقال حتى من بلد إلى بلد أو دولة أخرى. هنالك حالات كثيرة معروفة، حيث قام من يحصلون على مداخيل عالية مثل نجوم السينما والرياضة وغيرهم بالانتقال من بلدانهم الأصلية التي تفرض ضرائب عالية مُقعِدة، إلى أماكن أكثر وداً من الناحية الضريبية. ولكن لسوء الحظ، هنالك حكومات كثيرة، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة التي ما زالت تفرض ضرائب ونسب ضرائب أعلى من الحد الأعلى لجمع الموارد.

نوع آخر من الاستبداد الضريبي يتجلى عندما تُفرض ضرائب قصراً لتمويل برامج حكومية ذات مردودٍ قليل أو حتى بلا مردود، أو حيث تكون برامج الإنفاق متلبسة بالرشاوى وسوء الإدارة.

وقد أعلن الرئيس جروفر كليفلاند، في خطابه السنوي إلى الكونغرس عام 1886 قائلاً “عندما يُقتطع جزء أكبر من مداخيل الناس من خلال أنماط من الضريبة تفوق ما هو ضروري لمواجهة التزامات الحكومة ونفقاتها في إدارة الاقتصاد، فإن مثل تلك الضرائب تُصبح ابتزازاً بلا رحمة وانتهاكاً للمبادئ الأساسية لحكومة حرة.”

الحكومات من حيث طبيعتها ليست مؤهلة لأن تدار بمثل الكفاءة التي تدار بها النشاطات الكثيرة للقطاع الخاص، حيث يُنفق الناس من أموالهم الخاصة، ولكن هنالك قادة سياسيون كثيرون في كل بلد من بلدان العالم تقريباً الذين يتجاهلون إلى حد كبير مسؤوليتهم تجاه دافعي الضرائب بقبولهم لمستويات عالية من الفساد و/أو سوء الإدارة. وقد عبّر الرئيس كالفين كولدج بشكل واضح عندما قال “إن جمع ضرائب أعلى مما هو ضروري على نحو مطلق، هو نوع من أنواع النهب القانوني.”

الاستبداد الضريبي يمكن أن يوجد أيضاً عندما يتم اختيار أعضاء مجموعة من الناس لدفع نسبة تفوق النسبة المُقررة على أساس من دينهم أو عرقهم أو جندرهم أو غير ذلك من الظروف. في أيامنا هذه نرى ذلك كثيراً في الحكومات التي تُسيء إلى فكرة الضريبة المتصاعدة. على سبيل المثال، ففي الولايات المتحدة فإن واحدا بالمائة من أعلى فئة من دافعي الضرائب يدفعون 40 بالمائة من ضريبة الدخل، بينما هم لا يملكون سوى 21 بالمائة من الدخل. وفي الوقت ذاته فإن الـ50 بالمائة الأكثر انخفاضاً بين دافعي الضرائب يدفعون فقط 3 بالمائة من الضريبة بينما هم يحصلون على 12 بالمائة من الدخل.

عندما تُحوّل الأغلبية العبء الضريبي كله تقريباً إلى أقلية صغيرة يتوجب عليهم أن يدفعوا قسطاً غير متناسب إطلاقاً مع نسبة مداخيلهم، فإن ذلك يُمثّل شكلاً من أشكال الاستبداد الضريبي. بلدان كثيرة، ربما يبلغ عددها دزينتين، والذين عانى مواطنوها تحت حكم الشيوعية المستبد، قد فرضوا “ضريبة ثابتة” لتفادي هذا الشكل من أشكال الاستبداد الضريبي.

الاستبداد الضريبي يُخفّض من الفرص الاقتصادية ومن الوظائف ومن نمو الدخل ويؤدي إلى النيل من المجتمع المدني. الاستبداد الضريبي سوف يستمر ما دام أن السياسيين يستطيعون شراء أصوات مجموعة من المواطنين عن طريق إصدار الوعود لهم بتحويل عبء الحكومة إلى الآخرين، وإلى المدى الذي يواصل فيه القضاة السكوت على فرض ضرائب غير مناسبة وضرائب تنطوي على التمييز.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 25 حزيران 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

يعمل النفط المملوك من قبل الدولة على الدوام على زرع بذور فنائه بنفسه. إن معظم الناس لا يدركون بان ما نسبته 90 في المائة تقريبا من احتياطيات النفط السائل في العالم تتم إدارتها من قبل حكومات أو من قبل شركات مملوكة من قبل الدولة. فشركة “ايكزون موبيل” وهي اضخم شركة نفطية في العالم مملوكة للقطاع الخاص تمتلك فقط نسبة 1.08 في المائة من احتياطيات النفط العالمي، والشركات النفطية الخمس الأضخم في العالم المملوكة للقطاع الخاص تمتلك معا نسبة 4 في المائة فقط من الاحتياطيات النفطية في العالم.

هناك نفط سائل موجود في الأرض يكفي للاستمرار بحيث يمتد لأجيال قادمة وعند إدخال الرمال الزيتية والصخر الزيتي، فسوف يكون النفط كافيا للاستمرار على مدى قرون. فلو كان هناك سوق حرة حقيقية في مجال النفط، مع وجود الاحتياطي والإنتاج المملوكين والمُدارَين من قبل العديد من الشركات التنافسية، فان سعر النفط سوف يشكل جزءا من السعر السائد هذه الأيام.

إن السعر المرتفع للنفط هو نتيجة مباشرة نجمت عن قيود ومعوقات العرض المصطنعة التي تم فرضها من قبل دول عدة بما في ذلك الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدم كفاءة وسوء إدارة في معظم الشركات النفطية التي تتم إدارتها من قبل الدولة.

معظم هذه الدول—وكذلك منتجين رئيسيين آخرين للنفط يعتمدون بشكل رئيسي على شركات مملوكة للدولة مثل روسيا—قامت بالتقليل من الاستثمار في مجال استكشاف وتطوير منشآت إنتاج جديدة للنفط، كما أنها أساءت إدارة المنشآت الموجودة لديها.

وبالرغم من وجود سادس اضخم احتياطيات نفطية في فنزويلا على مستوى العالم، فقد هبط إنتاجها نظرا لسوء الإدارة التي تتم من قبل حكومة الرئيس شافيز. كما أن المكسيك أيضا تعاني من هبوط في إنتاجها النفطي لان الحكومة ترفض السماح للشركات الخاصة بالاستكشاف عن النفط وإنتاجه ولان شركة “بيمكس” النفطية المملوكة للدولة هي شركة غير كفوءة وغير مؤهلة. بمضي عقد أو عقدين من السنوات اعتبارا من الآن سوف يكون واقع الدول النفطية الاشتراكية في أسف بالغ بسبب سوء تصرفها الحالي.

عندما ترتفع أسعار أية سلعة فان الناس سيقومون بالبحث عن مصادر مغايرة وعن بدائل لتلك السلعة التي ارتفع سعرها. فعندما ارتفعت أسعار النفط إلى ما فوق 30 أو 40 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد فقد اصبح استخراج النفط من الرمال الزيتية في كندا والصخر الزيتي في كولورادو اقتصاديا بشكل مفاجئ. وهذان الاحتياطيان هما الأضخم من تلك الاحتياطيات النفطية السائلة المعلومة.

تكمن المشكلة على المدى القصير في أن تطوير الرمال الزيتية والصخر الزيتي يستلزم القيام باستثمارات متقدمة هائلة وإلى قليل من السنوات قبل أن يحل إنتاجها محل معظم احتياجات أمريكا الشمالية من النفط المستورد من خارج القارة.

لقد أعلنت شركة “شل اويل” النفطية عن أن التكنولوجيا الجديدة لاستخراج النفط (“تكنولوجيا الموقع”) في كولورادو قد تكون تنافسية بأسعار تزيد عن 30 دولارا أمريكيا للبرميل. ومع ذلك، فان الوصول إلى إنتاج على نطاق واسع سوف يستغرق سنوات غير قليلة.

وبالرغم من الافتتان الجاري حاليا بالوقود الحيوي فانه من غير المرتقب أن ينتج في أي وقت مقادير تزيد عن حصة قليلة من سوق النفط نظرا لأنها ليست تنافسية السعر مع النفط السائل ومع الزيت الرملي والزيت الصخري عندما يتم الأخذ بالاعتبار جميع التكاليف الملازمة له، مثل أسعار المواد الغذائية العالية.

وفي الوقت الحالي، فإن السيارة الجديدة التي قمتم بشرائها منذ عقد من السنوات من الآن سيتم في الغالب وبكل تأكيد تشغيلها كهربائيا بالكامل. وهناك خطوات ضخمة تم تحقيقها في مجال تكنولوجيا البطاريات. فقد توصلت شركة “ميتسوبيشي” مؤخرا إلى اختراع سيارة تدار بالكهرباء بالكامل، وهي السيارة الرياضية “مييف”. وهناك شركتا “نيسان” و”رينو” كانتا قد أعلنتا عن انهما ستنتجان سيارات كهربائية على نطاق واسع بحلول عام 2012.

وبما أن الناس سوف يتحولون إلى السيارات الكهربائية، فان الحاجة إلى البنزين والنفط المستورد سوف تختفي بشكل سريع. ومن الواجب أن يتم التوسع في مجال المنشآت النووية والفحم النظيف بغرض إنتاج المزيد من الكهرباء، إلا أن إنتاجها من الطاقة سيكون جزءا على حساب تكلفة البترول. كما أن تكنولوجيا البطاريات الجديدة سوف تعمل على مد يد المساعدة كي تصبح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح اكثر جدوى من الناحية الاقتصادية نظرا لأنها ستكون قادرة على تخزين تلك الطاقة. وحتى وان تم ذلك فان الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستشكلان فقط جزءا صغيرا من الطاقة التي سنحتاجها مستقبلا وذلك بسبب القيود والتحديدات التي تلازم إنتاجهما.

وباختصار، العالم بحاجة إلى مواد الوقود السائل (النفط)، وبشكل رئيسي للمواصلات، ولكن عندما تتم الغلبة للكهرباء في معظم سوق الطاقة، فان أمريكا وأوروبا والصين واليابان سوف يكتشفون بان بإمكانهم إنتاج كل الكهرباء التي هم بحاجة إليها من مصادر نووية ومن الفحم ومن ماء السدود ومن الكتل الحيوية والحرارة الأرضية والشمس والرياح. كما أن أمريكا الشمالية ستكون أيضا مستقلة عن النفط الأجنبي بسبب التطويرات التي تتم على الرمال الزيتية وعلى الصخر الزيتي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 آذار 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

إذا كان كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي محتفظين ببقائهما، فما الذي سيكون عليهما أن يعملاه إن كان حالهما كذلك؟ لقد احتدم الجدال بطريقة متزايدة حول هذا التساؤل من قبل بعض الخبراء، وحتى من قبل أفراد ينتمون إلى هاتين المؤسستين. كما أن هناك عددا متزايدا من النقاد من اليمين واليسار، كليهما على وشك أن يصلا إلى اتفاق بأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد تساهلا بدرجة كبيرة جدا مع فساد كان قد استشرى بين عملائهما، وأن الكثير من برامجهما لا تقوم بالوفاء باختبارات التكاليف والمنافع المعقولة.

يقول صندوق النقد الدولي بأن “غرضه الأساسي هو أن يضمن استقرار النظام النقدي العالمي”، ويقول البنك الدولي بان المهمة الموكولة إليه هي “أن يتم التخلص من الفقر العالمي”. هذه الأهداف هي أهداف جديرة بالثناء حتى وإن كانت غير قابلة للتحقيق، وعلى وجه الخصوص من قبل مؤسسات متعددة الأطراف تمت الهيمنة عليها على المستوى السياسي. كما أن صانعي القرارات في المؤسستين لا يتم انتخابهم بطريقة ديمقراطية. ويجب ألا ننسى بأن مدراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد سمحوا لمهماتهم أن تتداخل فيما بينهما، وفي أحيان كثيرة، تم تعريف “النجاح” على أنه عبارة عن أموال يتم دفعها وليس خدمات يتم تقديمها.

في صيف العام 1944، قام عدد كبير من الأشخاص المتنورين البارزين في عالم المال والاقتصاد، بما في ذلك “جون ماينارد كينز”، بالالتقاء في مؤتمر عقد في “بريتون وودز” في “نيو هامبشير” بغرض التخطيط للنظام المالي العالمي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. قام الكثيرون من بين الحضور بإبداء عدم الثقة بنظام اقتصاد السوق الحر، واضعين اللوم عليه بالنسبة لحدوث “الكساد العظيم” وبالنسبة لصعود “النازية”. وبما أنهم كانوا جميعا نموذجيين جدا من بين طبقات أكاديمية وسياسية، فقد أخطأوا في تشخيص الأسباب التي أدت إلى حدوث “الكساد”، وهكذا فقد توصلوا إلى “حلول” غير عملية عملت على خلق مشاكل جديدة. (كانت الأسباب الفعلية لحدوث “الكساد العظيم” تتمثل في السياسات النقدية الصارمة التي تمت بطريقة غير مناسبة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى، والتعرفات الجمركية المفرطة، والسياسات التجارية التقييدية. فتم وضع اللوم على السوق الحر، وبعد ذلك، استخدامه كعذر لتوسيع دور الحكومات بشكل كبير).

كانت الحكمة السائدة عندئذ تتمثل في اعتبار الاشتراكية موجة المستقبل وبأن البرامج الحكومية الضخمة هي وحدها التي سوف تتمكن من حل المشاكل الاقتصادية وأمراض المجتمع الأخرى. وهكذا، فقد أعقب ذلك من الناحية المنطقية أنه إذا كانت بعض المشاكل الاقتصادية المعينة عالمية، فسيكون بالإمكان حلها من خلال مؤسسات عالمية قوية متفوقة على الدولة القومية.

ومن بركان فلسفة المثالية هذه، والتي تم وضعها في غير محلها ومن الرغبة في التحكم والسيطرة من قبل أولئك “المفكرين المتنورين”، وُلد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وكان أحد القرارات الذي تم اتخاذه في المؤتمر هو أن يتم استحداث نظام أسعار صرف ثابتة بين الدول، وهو الذي كان يتطلب وجود آلية تقوم “بإدارة” نظام السعر الثابت، والتي، من هنا، ستكون صندوق النقد الدولي.

قام صندوق النقد الدولي بهذه المهمة بالكامل لغاية العام 1971 عندما قام الرئيس الأمريكي نيكسون “بإقفال نافذة الذهب” التي تتعلق بمجال تحويل النقود إلى ذهب، مؤشرا بذلك على النهاية الفعلية لنظام سعر الصرف الثابت.

وبحلول نهاية نظام سعر الصرف الثابت، كان من الواجب على صندوق النقد الدولي أن يخرج من العمل ليكون بلا وظيفة وأن يتم حله. ولكننا كما نعلم، كان في العالم الحقيقي مؤسسات مستحدثة من قبل الحكومات لديها ما دعاه الرئيس الأمريكي “رونالد ريغان” بـ”الشيء الوثيق الصلة والأقرب إلى الحياة الأبدية”. وبالرغم من كل هذا، كان لدى صندوق النقد الدولي بعض المباني الضخمة مقامة في مواقع رئيسية بمركز مدينة واشنطن، وهي عبارة عن كادر من الموظفين المدللين من ذوي الأجور المرتفعة زائدا مسؤولين بيروقراطيين حكوميين من ذوي النهج السلطوي من دول متعددة الذين أحبوا السفر بغرض حضور مؤتمرات تتم تحت رعاية الصندوق.

أدرك المسؤولون عن تطوير مهمة صندوق النقد الدولي بأن معظم زعماء حكومات الدول سوف يروق لهم أن ينفقوا أموال شعوب أخرى، ولكن فرض الضرائب بشكل مباشر على شعوبهم لا يمكن اعتباره تصرفا شعبيا. لذا، قام الصندوق بإلحاق “شروط” معينة بخصوص قروضه التي سيمنحها والتي يتم في معظم الأحيان إدخالها في خطة تخص موازنة موزونة مكونة من نوع من تقييد الإنفاق ومن زيادات ضريبية وخفض في قيمة العملة. وأصبح من الممكن أن يقوم الزعماء المحليون بإلقاء تبعة المشقة التي ستنجم عن ذلك على صندوق النقد الدولي وليس على سوء إدارتهم هم أنفسهم.

أما إمكانية الدفاع عن البنك الدولي فهي أقل بدرجة كبيرة! فقد تأسس البنك على أساس افتراض مزيف هو أن الدول الغنية في حال قيامها بإقراض الأموال إلى الدول الفقيرة فسوف تصبح الدول الفقيرة غنية وسوف يختفي الفقر على نطاق واسع. وفي حقيقة الأمر، ازدهرت الدول الغنية لأنها قامت باستحداث المؤسسات والسياسات التي أتاحت للأفراد الذين يسعون نحو الأرباح أن يبتكروا السلع والخدمات في سبيل زميلهم الإنسان. وتمتاز الدول الغنية بوجود حكم القانون لديها، وحماية الملكية الخاصة، وبتدخل حكومي قليل نسبيا مع وجود أسواق حرة. أما الدول الفقيرة، فيفتقر معظمها إلى وجود هذه الصفات المميزة، كما أنها تمتاز بتساهلها مع فساد مستشرٍ على نطاق واسع.

كان لدى البنك الدولي مهمة مستحيلة. فقد كان مطلوبا منه أن يقدم معظم أمواله إلى الحكومات، ولكن الحكومات التي لا تستطيع جذب رأس مال القطاع الخاص الضروري إليها، كانت إما فاسدة جدا أو غير مؤهلة لإدارة أية أموال تتلقاها. وهناك العديد من ديكتاتوريي دول العالم الثالث قد أصبحوا أغنياء من برامج البنك الدولي، كديكتاتور دولة الكونغو الرئيس الراحل “موبوتو” على سبيل المثال. ونظرا لأن البنك كان يقدم قروضا إلى وكالات حكومية في دول ذات سيادة، فقد كانت لديه فقط رقابة محدودة على المشاريع التي يقوم بتمويلها. كما أن الدول المتلقية والمانحة كلتيهما تقومان بالضغط على مديري البنك الدولي بغرض تقديم القروض، وحيث أن كل دولة مشاركة في هذا الشأن ستقوم بإنفاق أموال دولة أخرى، فإن الحوافز العديدة التي ستضمن إنفاق الأموال بطريقة سليمة سوف تكون مفقودة.

عندما كنت في الخدمة العامة بصفتي رئيسا للجنة الاقتصادية الانتقالية لبلغاريا عام 1991، شهدت كيف يقوم موظفو البنك الدولي بتقويض الإصلاحات المطلوبة في هذا المجال. ففي إحدى الحالات، حاولنا أن نقوم بالخصخصة وأن نزيل احتكار شركة هواتف مملوكة للدولة، وهي شركة “بول تيل”. وكانت شركات الاتصالات الدولية من القطاع الخاص على استعداد أن تقدم أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الخدمات الهاتفية إلى بلغاريا. ومع ذلك، قام البنك الدولي بتقديم قرض إلى شركة الهواتف المملوكة للدولة بالإضافة إلى تقديم شرط صريح وهو أن لا تسمح الحكومة البلغارية بقيام منافسة من القطاع الخاص. وعندما قمت بمواجهة موظف البنك المسؤول، كان جوابه لي: “إن من الواجب علينا أن نتأكد بأن قرضنا سوف يسدَّد”!

بافتراض وجود عدد كبير من الأفراد من ذوي النفوذ والتأثير، والذين لديهم مصلحة كامنة في بقاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فأن إلغاء هاتين المؤسستين سوف لن يتم. وبناءا على ذلك، ما الذي يمكن أن يتم القيام بعمله؟

الحل الأفضل هو أن يتم خصخصتهما. فهاتان المؤسستان تقومان بتوليد دخل مكتسب يتم جنيه من إقراضهما للأموال، وهما تتلقيان بعض الأتعاب مقابل عملهما الاستشاري، كما يوجد لدى كل منهما أصول مالية وعقارية كبرى تعتبر في الوقت الحالي “مملوكة” من قبل الحكومات التي قدمت رأس المال لهما. وبالإمكان إعطاء الحكومات “المالكة” حصصا من الأسهم بحيث تساوي مساهماتها في كل مؤسسة منهما، وبعدئذ، يمكن لكل حكومة أن تختار إما أن تمتلك أو تبيع حصتها إلى أطراف من القطاع الخاص.

ومن الواجب أن يتم إجراء تغيير على بنية الإدارة وعلى مجلس الإدارة الحاليين ليكونا على شكل شركة عادية حيث يقوم المساهمون بانتخاب عدد قليل من أعضاء مجلس الإدارة للإشراف على الشركة. وبالإضافة إلى الدخل المكتسب والأتعاب التي تجنيها المؤسستان، فبإمكانهما أن تصبحا متعاقدتين مع حكومات أو مع مجموعة من الحكومات بغرض تقديم خدمات معينة، كإدارة المنح، وجمع البيانات ونشرها، أو حتى لتكونا بمثابة منقذين للحكومات التي تعاني من صعوبات مالية.

ومن خلال تحويلهما إلى شركتين عاديتين تسعيان إلى الربح، فسوف تقومان، على الأرجح، بإنجاز المهمة في مجال توزيع الموارد وضبط التكاليف. فقد تنمو الحوافز الخاصة بالدول المتقاعسة بحيث تُدفَع إلى تبني سياسات نمو اقتصادي عالٍ، كما ستنمو مؤسسات اقتصادية ناجحة قائمة في دول نامية في حال إزالة مساندة صندوق النقد الدولي/البنك الدولي. ومن المحتم أن يطور صندوق النقد الدولي خطا رئيسيا تماما للتأمين على مخاطر العملات بالنسبة للحكومات وللمستثمرين من القطاع الخاص، والذي قد يكون خطا مربحا جدا إذا ما تم تسعيره بالشكل المناسب والذي سيخدم بصفته حافزا قويا بالنسبة للسياسة المالية الحصيفة.

ومن المحتم كذلك أن تعمل الخصخصة على تمكين دافعي الضرائب الذين قاموا بدفع مبالغ السندات من أن يحصلوا على عائد جزئي على الأقل من استثماراتهم في تلك السندات. فالحكومات، بما في ذلك حكومة الولايات المتحدة، قامت باستحداث العديد من المؤسسات التي تمت خصخصتها بكل نجاح لتحقق المنفعة لكل فرد. وبناءا عليه، لماذا لا تشمل الخصخصة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟

© معهد كيتو، مصباح الحرية، 22 شباط 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

انتهت قمة لشبونة التي طال انتظارها بين الاتحادين الأوروبي والإفريقي إلى طريق مسدود، بقيام الأفارقة باتهام الأوروبيين بأنهم يزاحمون للدخول إلى الأسواق الإفريقية، بيد أن لغة القمة المنمقة قامت بحجب نقطة هامة إلى حد كبير وهي أن قارة إفريقيا سوف لن تحقق النمو على الإطلاق في الوقت الذي تقوم به حكومات دولها بفرض قيود على التجارة فيما بين دولها نفسها، سواء قام الاتحاد الأوروبي بالتعامل التجاري معها أم لم يقم.

وبالنسبة للصادرات الإفريقية، فهي تسهم بما نسبته 2% فقط من التجارة العالمية، ولكن، بحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، فان ما نسبته 10% فقط من هذه الصادرات تتم ضمن القارة الإفريقية. ومع ذلك، فان ما نسبته 70% من التعرفات الجمركية التي يتم دفعها من قبل الأفارقة قد تم فرضها من قبل حكومات في دول إفريقية أخرى. وما يطغى على ذلك، هو أن تقوم حكومات دول صحارى إفريقيا، على الأرجح بمقدار ثلاثة أضعاف، بتطبيق حواجز غير جمركية اكثر مما هو عليه في دول غنية، حسبما تشير إليه أرقام البنك الدولي. وبموجب أرقام البنك الدولي، فان إزالة تلك الحواجز قد يعمل على تعزيز التجارة ما بين الدول الإفريقية بنسبة تتجاوز 50%.

لا تعترض اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي التي هي موضع الجدل على الحواجز التجارية التي تحول دون حصول الشعوب الإفريقية على منتجات هم في أمس الحاجة إليها، كالأدوية أو الأسمدة. فعلى سبيل المثال، وبحسب منظمة الصحة العالمية، قامت إثيوبيا بفرض ضرائب يصل إجمالها من 20% إلى 40% على الأدوية المستوردة، وهي بهذا الشكل تقوم بفرض ضريبة على المرضى. وعلى نحو مماثل، فان الأسمدة المستوردة الرخيصة سوف تدر أغذية بدرجة اكبر واكثر رخصا. فإذا كانت الحكومات الإفريقية جادة بالنسبة لتلبية “أهداف التنمية الألفية”، فان تحرير التجارة في هذه الأقاليم سوف لن يكون مجرد ضرورة اقتصادية بل واجبا أخلاقيا.

ومن ناحية أخرى، سيكون من الصعب تفكيك هذه الحواجز التجارية في الوقت الذي تقوم به مجموعات أصحاب النفوذ المحليين بالضغط بخصوص تطبيق مبدأ الحمائية. وتحت ذريعة “تشجيع بدائل محلية”، تمكن القطاع الزراعي في نيجيريا من الحصول على فرض حظر على مستوردات القمح والأرز والذرة والزيت النباتي، حتى وإن كانت تلك المواد المستوردة اكثر رخصا إلى درجة كبيرة بالنسبة لـ11 مليون نيجيري من المحرومين من التغذية الكاملة. ومع ذلك، فان هذا البلد العملاق ما زال غير مكتفٍ ذاتيا بالنسبة للغذاء بعد مضي ثلاثين عاما من متابعة هذا الوهم.

وهناك مسألة الهواتف النقالة التي سوف تبين ما الذي يمكن أن يحدث بدون وجود الحمائية. ففي دول، مثل كينيا، وصلت الهواتف النقالة إلى الملايين، وكان ذلك على وجه الدقة بسبب عدم قيام الحكومة بالتلاعب في السوق من خلال فرض تعرفات جمركية وإعانات حمائية. وبناء عليه، قامت شركات أجنبية ومحلية بالتنافس فيما بينها بغرض نشر الشبكة بعيدا حتى إلى مناطق ريفية.

وكانت الهواتف النقالة قد أعطت أصحاب المبادرة، بدءا من المزارعين ولغاية سائقي سـيارات الأجرة، صلاحية استخدامها للحصول على معلومات حقيقية وفورية حول الأسواق المحلية والفرص التجارية. وفي دراسة قامت بها جامعة لندن للأعمال مؤخرا، تم الكشف عن أن مقابل كل عشرة أجهزة هواتف نقالة إضافية لكل 100 فرد، سيكون من الممكن أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6% سنويا.

ولكن الحكومة الإثيوبية تفضل فلسفة “التجارة العادلة”. فهي تعتقد بان احتكار الدولة لـ”مؤسسة الاتصالات السلكية واللاسلكية الإثيوبية” سيكون بحاجة إلى بضعة سنوات أخرى من الحماية قبل أن يتم تحرير ذلك القطاع في العام 2010. ويأتي ذلك بعد عقود من السنوات من عدم الفعالية والإخفاق التام والصريح في تقديم خطوط اتصالات ثابتة أو تقديم تغطية هاتفية نقالة إلى ما يزيد عن 1.2% من السكان، والذين هم مقيمون بشكل رئيسي في المدن.

إنه لأمر يدعو للسخرية بان دولا إفريقية تقوم حاليا بالاستدارة نحو الصين بغرض الاستثمار. وكانت الصين قد أمضت عقودا من السنوات في ملاحقة الحصول على اكتفاء ذاتي اقتصادي بيد أنها تقوم بتسريع الإصلاحات التجارية، وأن تخفيضاتها الهائلة الأحادية الجانب في تعرفتها الجمركية قد ولدت نموا اقتصاديا قارب نسبة 9% سنويا، أدت إلى جعل 400 مليون مواطن ينهضون بأنفسهم خروجا من الفقر. وتعتبر الصين في الوقت الحالي ثاني اضخم اقتصاد في العالم.

إن تحرير الاقتصاد مع العالم الخارجي سوف يرفع الناتج المحلي الإجمالي الإفريقي بمقدار 120 مليار دولار سنويا، بحسب نشرة “أكسفورد للتنبؤات الاقتصادية”، إلا أن السياسيين وأصحاب النفوذ يخشون من التنافس مع اقتصادات الدول المتطورة. وبالرغم من ذلك، فان تحرير التجارة البينية—بين الدول الإفريقية وحدها—سوف يعطي عائدا بمقدار الثلث الكامل من هذه المنافع، بحسب ما أظهرته دراسة قام بها معهد “كيتو” للأبحاث في واشنطن.

إذا رغبت الدول الإفريقية في محاكاة نمو الصين، فان عليها أن تحذو حذوها، وان تتوقف عن تقديم “الدلال” إلى صناعاتها المحلية، وان تزيل تعرفاتها الجمركية من جانب واحد. وفي حال قيامها بذلك، فان الأفارقة سوف يثبتون بان اقتصاداتهم يمكن أن تنمو بسرعة نمو أي اقتصاد آخر.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 19 شباط 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

أود أن أبحث في هذا المقال مسألة كيفية تحديد الأسعار في ظروف تراجع معدل التكاليف. وأود، على وجه الخصوص، مناقشة إجابة واحدة لهذا السؤال وهي الإجابة التي أصبحت في هذه الأيام مألوفة لمعظم الاقتصاديين والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

1. ينبغي أن تكون القيمة المدفوعة مقابل كل وحدة من المنتج مساوية لتكلفة الهامش.
2. وحيث أنه عند تراجع معدل التكاليف تكون تكلفة الهامش أقل من معدل التكاليف، فإن المبلغ الإجمالي المدفوع ثمناً للمنتج سيكون أقل من التكاليف الكلية.
3. المبلغ الذي تتجاوز به التكاليف الكلية المبالغ المستلمة (الخسارة كما تسمى أحياناً) ينبغي أن تسجل كدين على الحكومة وينبغي تنزيلها من الضريبة.

يدعم هذه النظرية كل من البروفيسور هوتلينغ، والبروفيسور ليرنر، والاقتصاديين ميد وفليمنغ. وقد أثارت هذه النظرية اهتماماً واسعاً واتخذت مكاناً لها بالفعل في بعض الكتب الدراسية الجامعية واقتصاديات المرافق العامة. بيد أنه وبالرغم من أهمية تطبيقاتها العملية، وطبيعتها المتناقضة ظاهرياً، وحقيقة أن هناك اقتصاديين عديدين يعتبرونها غير صحيحة، فإنها لم تتعرض حتى الآن سوى للقليل من النقد.

ربما كانت مجرد كمية الأدبيات التي حبذت هذا الحل وقلة كمية النقد السلبي نسبياً هي ما أدت بفليمنغ للادعاء بأنه حل “ليس، في اعتقادي، مفتوحاً لنقدٍ جاد” وللتحسر على حقيقة أنه لم يكن مفهوماً ومقبولاً على نطاق واسع “خارج الأوساط الضيقة للاقتصاديين”. إلا أن حلاً مختلفاً أعتقد أنه هو الصحيح من حيث الأسس التي يقوم عليها كان قد تم طرحه أصلاً من قبل الاقتصادي بين، عام 1937، ومن قبل البروفيسور كليمنز عام 1941. وقد كتبتُ في عام 1945 ملاحظة صغيرة انتقدت فيها الحل المطروح من قبل ميد وفليمنغ، كما أكدت أخرى كتبها ويلسون، حقيقة أنه لم يكن قد تم التوصل بعد إلى اتفاق في أوساط الاقتصاديين حول ذلك. والآن اقترح إخضاع حل هوتلينغ/ليرنر، كما أريد أن أسميه، لفحص أكثر تفصيلاً وللإشارة إلى نقاط الخلل الجوهرية التي أعتقد أنه يتضمنها.

عزل المشكلة على حدة

إن أي حالة اقتصادية هي معقدة بطبيعتها وليس هناك مشكلة اقتصادية منعزلة لوحدها. تبعاً لذلك، يحدث كثير من التشويش لأن الاقتصاديين الذين يتعاملون مع حالة حقيقية إنما يحاولون حل مشاكل عدة في وقت واحد. أعتقد أن ذلك يصدق أيضاً على المسألة التي أبحثها في هذا المقال.

المشكلة المركزية تتعلق باختلاف بين متوسط التكاليف وتكاليف الهامش. إلا أنه، وفي أي حالة حقيقية، تبرز هناك عادة مشكلتان أخريان: أولاً، إن بعض التكاليف معروفة لدى أعداد من المستهلكين وأي اعتبار لوجهة النظر القائلة بأنه يجب تحميل التكاليف الإضافية للمستهلكين يثير السؤال فيما إذا كان هناك أي منهج منطقي يمكن بواسطته توزيع هذه التكاليف المشتركة بين المستهلكين. ثانياً، إن العديد مما يسمى التكاليف الثابتة هي في الواقع أموال تم تخصيصها في السابق لعوامل معينة تعتبر العودة لها حالياً نوعاً من الريع، والنظر فيما يجب أن تكون عليه العودة لعوامل كهذه (لاكتشاف مجمل التكاليف) يثير مشاكل إضافية شديدة التعقيد. هاتان، في اعتقادي، هما المشكلتان الأخريان اللتان تتواجدان عادة معاً في مسألة الاختلاف بين متوسط التكاليف وتكاليف الهامش. إلا أنهما مسألتان منفصلتان أو، على الأقل، قابلتان للفصل. من هنا، فإن المثال الذي استخدمه البروفيسور هوتلينغ “مشكلة التسعير في حالة جسر مروري”، هو في الواقع حالة معقدة للغاية وليس الحالة البسيطة التي تبدو ظاهرة على السطح.

أقترح، في سبيل عزل السؤال مدار البحث، فحص مثال تُنسب فيه، رغم وجود اختلاف بين متوسط التكاليف وتكاليف الهامش، جميع التكاليف لمستهلكين أفراداً؛ والذي تمت فيه جميع التكاليف حالياً؛ والذي، تجنباً لمزيد من التعقيدات التي قد تزعج بعض القرّاء بخصوص معنى تكاليف الهامش، تكون فيه جميع العوامل متوفرة بمرونة.

لنفترض أن المستهلكين متواجدون في سوق مركزي يتوفر فيه مُنتجٌ معين بأسعار ثابتة. لنفترض أن هناك طرقاً تنطلق من السوق ولكن كل طريق تمر بمستهلك واحد فقط للمُنتج. لنفترض أيضاً أن بوسع المرء أن يحمل وحدات إضافية من المُنتج في كل رحلة دون تكلفة إضافية (على الأقل إلى نقطة تتعدى حدود استهلاك أي مستهلك فرد)(1). لنفترض أيضاً أن المنتج يباع في نقطة الاستهلاك. من الواضح أن تكلفة تزويد كل مستهلك فرد ستكون هي تكلفة الناقل إضافة لتكلفة السوق المركزي لعدد الوحدات المستهلكة من قبل ذلك المستهلك المحدد للمُنتَج. تكلفة الهامش هنا ستكون مساوية لتكلفة وحدة من المنتج في السوق المركزي. متوسط التكاليف سيكون أعلى من تكلفة الهامش، ثم يأخذ بالانخفاض لأن تكلفة الناقل قد توزعت على عدد متزايد من الوحدات(2). يُفترض أن حل هوتلينغ/ليرنر هو أن المبلغ الذي ينبغي أن يدفعه المستهلكون لكل وحدة من المنتج ينبغي أن يكون مساوياً فقط لتكلفة الهامش. نتيجة ذلك ستكون أن يدفع المستهلكون تكلفة المنتج في السوق المركزي وأن تتحمل الحكومة، أو بالأحرى دافعو الضرائب، تكلفة النقل. أريد أن أفحص مدى صحة هذا الحل، ولكن من الضروري قبل ذلك التحول إلى التفكير في نقاط جوهرية.

ما هو التسعير المثالي؟

نظام التسعير، في مفهومي، هو نظام يكون فيه للمستهلكين الأفراد سيطرة على مبالغ مختلفة من المال يستخدمونها للحصول على سلع وخدمات عن طريق إنفاق هذه المبالغ وفقاً لنظام أسعار. ليس هذا النظام بالطبع هو وحده النظام الذي يتم بموجبه تخصيص السلع والخدمات أو، بدقة أكثر، استخدام عوامل الإنتاج بين المستهلكين. قد تتمكن الحكومة من اتخاذ قرار بصدد ما الذي يجب إنتاجه وتخصيص السلع والخدمات للمستهلكين مباشرة. ولكن هناك سلبيات لهذا الأسلوب مقارنة بنظام تسعير. ليس بوسع أي حكومة التمييز بأي نوع من التفصيل بين الأذواق المتنوعة للمستهلكين الأفراد (وهذا هو السبب، بالطبع، في تبني نظام “نقاط” عند تخصيص الحصص التموينية في أوقات الحروب). إذا لم يكن هناك نظام تسعير، فلن يكون هناك دليل مفيد حول أفضليات المستهلكين. إضافة لذلك، فرغم أن نظام التسعير يحمّل المستهلكين والشركات تكاليف تسويق إضافية، فإن هذه التكاليف قد تكون في الواقع أقل من تكاليف التنظيم التي، خلافاً لذلك، ستتحملها الحكومة. هذه هي الأسباب التي قد تدفع بحكومة مستنيرة لتبني نظام تسعير—وسنرى لاحقاً أن لذلك صلة بالمشكلة التي نحن بصددها.

إذا تقرر استخدام نظام تسعير، فهناك مشكلتان رئيسيتان يتوجب إيجاد حل لهما. المشكلة الأولى مقدار المال الذي ينبغي أن يتوفر لكل مستهلك فرد—مشكلة التوزيع المثالي للدخل والثروة. المشكلة الثانية هي، ما هو النظام الذي سيكون عليه التسعير وفقاً لنوعية السلع والخدمات التي سيتم توفيرها للمستهلكين—مشكلة النظام المثالي للأسعار. ما يعنيني في هذا المقال هو المشكلة الثانية من هاتين المشكلتين، فالمشكلة الأولى هي جزئياً، وليس كلياً، مشكلة أخلاق. ولكن من الضروري إدراك أن هاتين المشكلتين موجودتان وأن من الضروري إيجاد حل لكليهما إذا كان لنظام تسعيرٍ أن يحقق نتائج مرضية. حيث أن في هذا الفصل أتعامل مع المشكلة الثانية فقط من هاتين المشكلتين، فسأفترض بأن توزيع الدخل والثروة يتم بصورة مثالية.

نظام الأسعار يمثل، بالنسبة للمستهلك الفرد، الشروط التي يستطيع بموجبها الحصول على مختلف السلع والخدمات. ما هي المبادئ التي ينبغي اعتمادها لتحديد الأسعار؟ تبدو المسألة الأولى (الشروط) أنه بالنسبة لكل مستهلك فرد ينبغي أن يكون لنفس العامل نفس السعر بصرف النظر عن الكيفية التي تم استخدامه بها، حيث أنه بعكس ذلك فإن المستهلكين لن يكون بوسعهم الاختيار بصورة منطقية، وعلى أساس السعر، نوع الاستخدام الذي يفضلونه لعامل معين. المسألة الثانية (المبادئ) تبدو بأنه ينبغي أن يكون سعر عاملٍ ما هو نفسه لجميع المستهلكين، لأنه بعكس ذلك سيحصل مستهلك واحد على المزيد مقابل نفس المبلغ من المال الذي دفعه مستهلك آخر. إذا تم تحقيق التوزيع المثالي للدخل والثروة، فإن تحديد أسعار مختلفة لنفس العامل لمستهلكين مختلفين سيكون من شأنه الإخلال بمبدأ التوزيع. إن تطبيقاً أكثر براعة لهذا المبدأ الثاني يقضي بتحديد السعر بحيث يسمح بأن تكون العوامل من نصيب أعلى المزاودين. أي، بعبارة أخرى، أن السعر يجب أن يكون ذلك الذي يوازن العرض والطلب وينبغي أن يكون هو نفسه لجميع المستهلكين وفي جميع الاستخدامات. هذا يعني أن السعر المدفوع لمنتجٍ ما ينبغي أن يكون مساوياً لقيمة العوامل المستخدمة في إنتاجه في استخدامٍ آخر أو لغرض استخدامٍ آخر. إلا أن قيمة العوامل المستخدمة في إنتاج منتجٍ ما في استخدامٍ آخر أو لغرض استخدامٍ آخر هي تكلفة المنتج. هذا يؤدي بنا، تبعاً لذلك، إلى الاستنتاج المألوف، ولكن المهم، وهو أن القيمة المدفوعة لمنتج ما ينبغي أن تكون مساوية لتكلفته. هذا المبدأ هو الذي سيمكننا من بحث مشاكل التسعير الفردي دون أن نتتبع عبر النظام الاقتصادي بكامله جميع التغيرات التي تترتب على تغيير سعرٍ مفرد.

جدلية التسعير متعدد الجوانب

كيف تنطبق هذه الجدلية العامة حول تحديد الأسعار على أساس التكاليف على الحالة التي نحن بصددها—حالة تخفيض معدل التكلفة؟ يبدو أن الكتّاب الذين أقوم بدراسة وجهات نظرهم يفترضون بأن البدائل التي يواجهها المرء هي فرضُ سعرٍ مساوٍ لمعدل التكلفة (وفي هذه الحالة لا تحدث خسارة). بيد أن هناك احتمالاً ثالثاً—تسعير متعدد الجوانب. سأطرح في هذا الفصل جدلية التسعير متعدد الجوانب وعندما تتوفر حالة معدل تكلفة متناقص.

من الواضح أنه إذا لم يسمح للمستهلك بالحصول، مقابل تكلفة الهامش، على وحدات إضافية من المنتج الذي يجري إنتاجه في ظروف معدل تكلفة متناقص، فهذا يعني عدم السماح له بالاختيار بصورة معقولة بين إنفاق نقوده على استهلاك وحدات إضافية من المنتج وبين إنفاقها بطريقة أخرى، حيث أن المبلغ المطلوب منه إنفاقه للحصول على وحدات إضافية من المنتج يعكس قيمة العوامل في استخدامٍ آخر أو لغرض استخدامٍ آخر. إلا أنه يمكن، ولنفس السبب، المجادلة في أن على المستهلك أن يدفع قيمة التكلفة الكلية للمنتج. ليس على المستهلك أن يقرر فقط ما إذا كان سيستهلك وحدات إضافية من المنتج، بل عليه أن يقرر أيضاً ما إذا كان المنتج يستحق الاستهلاك أصلاً بدلاً من إنفاق نقوده في مجالٍ آخر. يمكن اكتشاف ذلك إذا طُلب من المستهلك دفع مبلغٍ مساوٍ لمجمل تكاليف تزويده بالمنتج، أي المبلغ الذي يعادل القيمة الكلية للعوامل المستخدمة في تزويده بالمنتج. لتطبيق هذه الجدلية على مثالنا، لا يتعين على المستهلك أن يدفع فقط تكاليف الحصول على وحدات إضافية من المنتج في السوق المركزي، بل عليه أيضاً أن يدفع تكاليف النقل. كيف يمكن أن يتم ذلك؟ الإجابة الواضحة هي أنه ينبغي جعل المستهلك يدفع مبلغاً لتغطية تكلفة النقل بينما يدفع مقابل الوحدات الإضافية تكلفة السلعة في السوق المركزي. نصل بالتالي إلى الاستنتاج بأن صيغة التسعير المناسبة هي نظام تسعير متعدد الجوانب (ثنائي الجوانب في الحالة التي نحن بصددها)، وهو نوع من التسعير معروف جيداً للطلاب المتخصصين في المرافق العامة وقد تمت الدعوة لتبنيه لنفس الأسباب التي طرحتها في هذا المقال.

وأعتقد الآن أن من الأهمية بمكان أن لا يكون أحد من المدافعين عن حل هوتلينغ/ ليرنر قد درس الاحتمالات الكامنة في تسعير متعدد الجوانب كحل للمشكلة التي تواجههم. فهم يكتبون كما لو أن الأسلوب الممكن والوحيد للتسعير هو فرض سعر واحد للوحدة الواحدة وأن المشكلة التي يتعين عليهم إيجاد حل لها هي ما هو هذا السعر. قد يكون مبرر عدم التفاتهم لدراسة نظام التسعير متعدد الجوانب هو أنهم كانوا على يقين من أنهم قد توصلوا حقاً إلى نظام التسعير المثالي. تبعاً لذلك، يجب علينا مقارنة نتائج تبني حل هوتلينغ/ليرنر مع الحلول التي تستخدم تسعيراً متعدد الجوانب.
التسعير متعدد الجوانب مقارنة بحل هوتلينغ/ليرنر

إن حل هوتلينغ/ليرنر في حالة تبنيه في مثال سيعني أن تكلفة السلع في السوق المركزي سيتم دفعها من قبل المستهلكين، ولكن تكلفة النقل سيتم تحميلها على الضريبة. إعتراضي على هذا الحل مقارنة مع تبني نظام تسعير ثنائي الجوانب يقع تحت ثلاثة عناوين: أولاً، أنه يؤدي إلى خلل في توزيع عوامل الإنتاج بين استخدامات متعددة. ثانياً، أنه يؤدي إلى إعادة توزيع الدخل، وثالثاً، أن الضريبة الإضافية المفروضة تنحو لإنتاج تأثيرات ضارة أخرى.

أولاً، قد يبدو أن حل هوتلينغ/ليرنر يزيد الوسائل التي يستخدمها الزبائن للتوصل إلى اختيار منطقي بين استخدام العوامل التي تدخل في كلفة النقل كوسيلة نقل أم لأغراض أخرى. في هذا الاستخدام، سيكون العامل مجانياً، بينما في استخدام آخر، سيتعين الدفع مقابله (شريطة أن يدخل في تكلفة الهامش). وعلى نحو مماثل، قد يعني هذا الحل أن المستهلكين سيختارون بين مواقع مختلفة دون الأخذ في الحسبان أن تكاليف النقل تختلف بين موقع وآخر.

الجواب الذي قد يعطيه مؤيدو حل هوتلينغ/ليرنر على هذا الاعتراض سيكون—فيما يبدو—بأنه ينبغي للحكومة أن تقدر بالنسبة لكل مستهلك فرد في مثالي ما إذا كان سيشتري المنتج والموقع الذي قد يفضله إذا كان عليه أن يدفع كامل قيمة التكاليف. فقط في حالة كون المستهلك مستعداً لدفع كامل تكلفة المنتج في موقع معين، سيتم توفير ذلك المنتج في ذلك الموقع وفقاً لخطة هوتلينغ/ليرنر. يشير البروفيسور هوتلينغ إلى أن اتخاذ قرار فيما إذا كان هناك ما يكفي من الطلب لتسويغ تكلفة بناء جسر “سيكون مسألة تقدير حجم حركة الآليات والمشاة التي تبدأ وتنتهي في مناطق معينة مع مقارنة المسافات باستخدام طرق بديلة في كل حالة وكتقييم للتوفير في كل صنف من الحركة”. إذا كان من الممكن إجراء تقييمات كهذه بتكلفة منخفضة، وبدقة جيدة ودون معرفة، بما كان قد حدث في الماضي عندما كان يتعين على المستهلكين دفع التكلفة الكلية، فإن هذا سيؤدي على الأرجح، في رأيي، ليس لتعديل نظام التسعير بل بالأحرى لإلغائه. نظام التسعير، كما أشرتُ سابقاً، هو أسلوب محدد لتخصيص استخدام عوامل الإنتاج بين المستهلكين، والحجج التي تساق لتبنيه تستمد قوتها الرئيسية من وجهة النظر القائلة بأن مسألة تقديرات الطلبات الفردية، من قبل أي حكومة، ستكون تقديرات غير دقيقة أبداً.

وينبغي ملاحظة أنه لا البروفيسور ليرنر ولا السيد ميد يرعيان كثيراً بدقة هذه التقديرات. الواقع أن البروفيسور ليرنر كان قد حاجج في أحد الفصول الأولى من كتابه حول نظام تقديرات يقوم بدقة على أساس أنه من المستحيل على أية حكومة إجراء تقديرات كهذه. وفي رأيي أيضاً أنه لا البروفيسور هوتلينغ ولا السيد ميد قد أوليا أهمية كافية لضرورة تصحيح التنبؤات التي تنشأ عن اختبار سوق لاحق حول ما إذا كان المستهلكون مستعدين لدفع التكلفة الكاملة للمنتج. كما أنهما لا يقران بأهمية المساعدة التي توفرها نتائج اختبار السوق لإتاحة الفرصة لإجراء تنبؤات أكثر دقة في المستقبل. ويقول البروفيسور هوتلينغ: “إن المدافعين عن النظرية الحالية القائلة بأنه يجب توفير النفقات الإدارية لصناعةٍ ما بمعزل عن مبيعات سلعها أو خدماتها يعتقدون بأن ذلك ضروري لكي نعرف فيما إذا كانت إقامة صناعة ما سياسةً اجتماعيةً حكيمة. ليس هناك ما هو أسخف من ذلك”. إن هذا، في رأيه، “سؤال تاريخي مثير للاهتمام”. ويضيف فيما بعد: “عندما يبرز السؤال حول بناء سكك جديدة أو صناعات كبيرة جديدة من أي نوع أو شطب صناعات قديمة، فإننا لن نواجه مشكلة تاريخية بل مشكلة اقتصادية دقيقة”.
لا يستطيع المرء أن يجد في أي جزء من مقال البروفيسور هوتلينغ إقراراً بحقيقة أنه سيكون من الأصعب اكتشاف ما إذا كان يتعين بناء سكك حديدية جديدة أو صناعات جديدة إذا لم يكن بوسع المرء أن يعرف ما إذا كان إنشاء صناعات أو سكك جديدة في الماضي كان سياسة اجتماعية حكيمة. وليس من السخف بالتأكيد أن يؤخذ في الحسبان أن القرارات يمكن على الأرجح أن تتخذ بصورة أفضل إذا كان هناك فيما بعد نوع من الاختبار حول ما إذا كانت قرارات كتلك هي سياسة اجتماعية حكيمة أكثر مما لو يتم اختبار كهذا.

من ناحيتي، لا أعتقد أن بوسع أي حكومة وضع تقديرات دقيقة حول الطلب الفردي في نظام ترتكز فيه جميع الأسعار إلى تكاليف الهامش. ولكن ربما كان من المفيد التفكير في ماذا يحتمل أن يحدث إذا حاولت حكومة ما تنفيذ سياسة هوتلينغ/ليرنر. لنأخذ في الاعتبار المثال الذي كنت أناقشه. لا بد من اعتبار مستهلكين معينين في فئة القادرين على شراء المنتج، ويتعين على الحكومة في هذه الحالة أن تتعهد بدفع أي تكاليف نقل نيابة عن هؤلاء المستهلكين. ستواجه الحكومة صعوبة في كيفية تحديد الأمور، فإذا تبنت وجهة نظر ضيقة حول الشروط المطلوبة من هؤلاء المسموح لهم باستهلاك هذا المنتج، فإن المستهلكين الذين يفضلون استخدام العامل الذي جرى توظيفه في نقل المنتج بهذه الطريقة سيحرمون من ذلك. من جهة أخرى، إذا تبنت الحكومة وجهة نظر أكثر ليبراليةً، فإن كثيرين سيجدون أنه لم يعد هناك ما يردعهم عن استهلاك المنتج أو السكن في مكان أبعد عن السوق المركزي بفضل تكلفة العامل المستخدم في النقل، أي بفضل قيمته في استخدامات أخرى أو لمستخدمٍ آخر. سيكون من الممكن بالطبع للحكومة أن تتبنى سياسة ليبرالية لطبقة من المستهلكين وسياسة ضيقة لطبقة أخرى في نفس الوقت. ليس من السهل التكهن بالسياسة التي يمكن أن تنتهجها حكومة ما، ولكن في بريطانيا أظن أن الحكومة ستنحو لارتكاب أخطاء في الجانب الليبرالي وأنه سيكون هناك تبعاً لذلك توظيف كبير جداً للعامل المستخدم في نقل المنتج.

بيد أنه حتى لو استطاعت الحكومة تقدير الطلب الفردي بدقة، فإن حل هوتلينغ/ليرنر سيواجه اعتراضاً آخر. يفترض في الحكومة أن تستطيع تقدير من هم المستهلكين الذين قد يكونون مستعدين لدفع تكلفة النقل (وسنفترض الآن أن تقديرها صحيح)، ولكنها في الواقع لا تطلب من هؤلاء المستهلكين دفع هذا المبلغ، وعندها يصبح هذا المبلغ متوفراً للمستهلكين لإنفاقه في مجالات أخرى. تبعاً لذلك، فإن المستهلكين الذين يشترون منتجات يتم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص، سيحصلون على منتجات مقابل أي إنفاق معين يحوي قيمة أكبر للعوامل من تلك التي لا تحوي قيمة كهذه. هذه إعادة توزيع للدخل لصالح مستهلكي السلع التي يتم إنتاجها في ظروف معدل تكلفة متناقص(3).

ليس هناك في اعتقادي مكان للجدل في أن ما يعادل إعادة توزيع للدخل هو ما يحدث في هذه الظروف. إلا أن البروفيسور هوتلينغ هو الوحيد من بين الكتّاب الذين أقوم بتفحص وجهات نظرهم الذي يتعامل بصورة واضحة مع هذه النقطة. بناءً على ذلك، أود أن أدرس الأسباب التي جعلته يعتقد بأن هذا الاعتراض ليس له قيمة جوهرية. قبل كل شيء، أعتقد أن البروفيسور هوتلينغ يعتبر هذا الاعتراض ليس بذي صلة إلى حد كبير لأن التوزيع الأساسي للدخل، على الأقل في الولايات المتحدة، ليس هو حقيقة التوزيع المثالي. هو لا يقول ذلك مباشرة، ولكنه واضح من خلال كامل مقاربته للموضوع. عندما يحاجج بأن الخسارة الناجمة عن تطبيقٍ لقاعدة تكلفة الهامش ينبغي تحميلها خارج ضرائب الدخل وضرائب الميراث والضرائب على القيمة الفعلية للأراضي، فإنه، في اعتقادي، إنما يفعل ذلك بصورة جزئية لاعتقاده بأن الأثرياء وملاك الأراضي يملكون أصلاً حصة كبيرة من الثروة الكلية والدخل الكلي. ولكن لماذا ينبغي لمستهلكي السلع التي يتم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص أن يكونوا هم الوحيدون الذين يستفيدون من إعادة التوزيع هذه؟ السبب الذي يجعل البروفيسور هوتلينغ لا يرى ضرراً كبيراً في استخدام سياسة تسعير باعتبارها، جزئياً، وسيلة لإعادة توزيع الدخل، هو، في اعتقادي، أنه لا يقيم وزناً للفرق بين مستهلكين لمنتجات تم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص ومستهلكي منتجات تم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة ثابت أو متزايد. وهو يحاجج بأن حكومة تقوم بتنفيذ سياساته ستقوم بتنفيذ أشغال عامة متنوعة للغاية… “إن توزيعاً عشوائياً تقريبياً سيكون كافياً جداً لضمان أن توزيعاً كهذا للفوائد سيجعل معظم الأشخاص في كل جزء من البلاد أفضل حالاً نتيجة للبرنامج ككل”. هذا يعني القول إنه في نظام تسعير تكلفة هامش سيشتري جميع المستهلكين سلعاً تم إنتاجها في ظروف معدل تكلفة متناقص؛ أي أن ما يفقده مستهلك معين في إعادة التوزيع التي تتضمنها خطة ما سيتعادل نتيجة لإعادة التوزيع الناجمة عن خطة أخرى؛ وأنه نتيجة لذلك، فإن إعادة التوزيع الجوهرية ستكون من الأغنياء والملاك للآخرين جميعاً.
الواقع أنه سيكون نوعاً من الحذلقة الاعتراض على تحقيق هدف مرغوب به لمجرد أنه تحقق بطريقة غير عادية. ولكن هذه الجدلية تصمد أو تسقط عن طريق الافتراض بأنه لن تكون هناك إعادة توزيع جوهرية بين مستهلكي أنواع مختلفة من المنتجات. ليس هناك سبب يدعو للافتراض بأن الأمر سيكون كذلك. إن المكسب الذي قد يستمده مستهلكون أفراداً من سياسة هوتلينغ/ليرنر سيعتمد على مدى استعدادهم لدفع التكلفة الكلية لمنتجات تم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص (حسب دخلهم الأولي)؛ وعلى الاختلاف المطلق بين معدل التكلفة وتكلفة الهامش في حالة هذه السلع؛ وعلى المدى الذي تم فيه صرف الدخل الإضافي المتحقق نتيجة لسياسة هوتلينغ/ليرنر على سلع تم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص؛ وعلى الاختلاف المطلق بين معدل التكلفة وتكلفة الهامش في هذه الحالات. سيكون بالإمكان تقدير طبيعة إعادة التوزيع فقط بعد إجراء تحقيق واقعي مفصل. إلا أنه لا يبدو هناك سبب للافتراض بأنها ستكون إعادة توزيع عديمة القيمة.

تبين صناعات المرافق العامة بعض أكثر الحالات المدهشة لمنتجات تم توفيرها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص. لنفترض أنها الصناعات الوحيدة التي توجد فيها هذه الظروف. المستهلكون الذين يعيشون في مناطق ذات كثافة سكانية منخفضة لن يكونوا مستعدين على الأرجح لدفع كامل تكاليف توفير خدمات المرافق العامة والتي ستكون بالنسبة لهم مرتفعة جداً ولن يستفيدوا شيئاً، نتيجة لسياسة هوتلينغ/ليرنر، لأنه لن يتم توفير الخدمات لهم. أما المستهلكون الذين يعيشون في المدن فسيجدون أن مكاسبهم محدودة لأنه، وفي ضوء الاستخدام المكثف نسبياً للمعدات هناك، فإن الاختلاف بين معدل التكلفة وتكلفة الهامش سيكون على الأرجح أقل منه في أماكن أخرى؛ وحيث أنهم ربما كانوا يستخدمون أصلاً جميع خدمات المرافق العامة، فإن من المحتمل أن يتم إنفاق الدخل الإضافي على أشياء أخرى عدا خدمات المرافق العامة. أعتقد أن أكثر من يحتمل أن يحققوا أكبر فائدة من سياسة هوتلينغ/ليرنر هم أولئك الذين يقطنون في بلدات صغيرة تتوفر فيها بعض، وليس كل، خدمات المرافق العامة وحيث يوجد اختلاف كبير بين معدل التكلفة وتكلفة الهامش. لست أرى سبباً للافتراض بأنه لن يكون هناك بعض إعادة توزيع، وربما بنسبة كبيرة جداً بسبب هذه السياسة إذا تم تطبيقها بشكل عام. البروفيسور هوتلينغ يعترف بهذا الاحتمال ولكنه يدعي بأنه بإعادة توزيع لاحقة فقد تنشأ حالة يصبح فيها الجميع أفضل حالاً مما كانوا عليه من قبل. وهو لا يصف كيف سيتم حدوث إعادة التوزيع هذه، ولكن من الواضح أنها ستكون ترتيبات أقل شأناً من تبني نظام تسعير متعدد الجوانب مما يجعل من غير الضروري أن تكون هناك إعادة توزيع في مرحلة لاحقة على الإطلاق. بيد أنني لا أستطيع فهم كيف أنه قد يكون من الممكن استخدام إجراءات الضرائب العادية لإعادة توزيع الدخل من مستهلكين لسلع تم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص إلى جميع المستهلكين الآخرين. يمكن القيام بمحاولة لعمل ذلك من خلال ضريبة على استهلاك سلع تم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص. ولكن هذا سيكون إما مساوياً لاعتماد تسعير متعدد الجوانب (إذا تم فرض ضريبة كلية على المستهلكين) أو، إذا تم فرض ضريبة على وحدة الاستهلاك الواحدة، سيحدث فرقاً بين القيمة المدفوعة للوحدات الإضافية وتكلفة الهامش وهي نتيجة يهدف حل هوتلينغ/ليرنر إلى تجنبها.

أتحول الآن إلى الاعتراض الثالث على حل هوتلينغ/ليرنر. يقال بأنه يمكن تعويض الخسارة الحاصلة عن طريق زيادة الضريبة. الضرائب التي يفكر فيها البروفيسور هوتلينغ والآخرون الذين يؤيدون هذا الحل هي الضرائب على الدخل وعلى الميراث وعلى العقار. لنفترض الآن أن نوع الضريبة التي ستعوض الخسارة هي ضريبة الدخل، ولكن ضرائب الدخل عادة تُعدّ بحيث يتم فرض الضريبة على وحدات هامشية من الدخل، ولذلك فإن ضريبة الدخل سيكون لها نفس التأثير السيء على اختيارات المستهلكين كضريبة على السلع وستؤدي إلى نتائج مشابهة في طبيعتها لتلك النتائج التي تنجم عن زيادة في السعر مقابل وحدات إضافية من الناتج تزيد عن تكلفة الهامش. يبدو أنه قد تم لفت انتباه البروفيسور هوتلينغ، بعد ظهور مقاله الأول، إلى هذه النقطة من قبل البروفيسور ليرنر. يقول البروفيسور هوتلينغ في مناقشة مع البروفيسور فريش تلت مقاله الأول “بأن ضريبة الدخل من النوع العادي هي نوع من الرسوم على الجهد وعلى الانتظار إضافة للوسائل الأخرى، الأقل إمكانية للدفاع عنها، للحصول على دخل. ضريبة الدخل مرفوضة إلى حد ما لأنها تؤثر على الخيارين—الجهد والراحة والخيار بين الاستهلاك الفوري والمؤجل. تبعاً لذلك، يلحق بعض من نفس نوع الخسارة اللاحقة بضريبة الدخل بالرسوم المشار إليها. ما مدى شدة هذا التأثير، هو سؤال مطروح للدراسة الواعية؛ إلا أن هناك ما يدعو للافتراض بأن ضريبة دخل أكبر من ضريبة الرسوم على السلع الفردية في هذا المجال…”(4). البروفيسور هوتلينغ لا يعطي أي تبرير لاعتقاده أن ضرائب الدخل تميل لأن تكون أقل ضرراً في هذا المجال من ضرائب الرسوم. قد يكون الأمر كذلك فعلاً، ولكن من الواضح أن من المرغوب به معرفة ما هي الظروف التي تكون فيها ضريبة الدخل أقل ضرراً ومتى من المحتمل أن نجدها قبل تطبيق حل هوتلينغ/ليرنر، هذا إذا كان لهذه السياسة أن تؤدي إلى زيادات في ضرائب الدخل(5). يحاول البروفيسور هوتلينغ تجنب هذه الصعوبة عن طريق الإيحاء بأن “الواردات العامة، بما في ذلك تلك المطلوبة لتشغيل صناعات ذات مبيعات بتكلفة الهامش، ينبغي أن تُستمد بصورة رئيسية من تأجير الأراضي وسلع نادرة أخرى ومن ضرائب الميراث والأرباح غير المحسوبة ومن ضرائب مصممة لخفض الاستهلاك المضر اجتماعياً”. هذا ليس حلاً مرضياً للغاية، فهو يفترض أولاً أن ضرائب كهذه ستكون كافية لجمع المبلغ المطلوب. وهذا الحل يفترض، ثانياً، أن الخلل في توزيع الدخل والثروة الناجم عن الضريبة الإضافية على الذين يحصلون على دخولهم بهذه الوسائل هو أفضل من الخسارة التي قد تحدث في حالة توزيع عبء الضريبة الإضافية بطريقة أكثر توازناً بسبب كل الأفراد. من جهة أخرى، فإن رأي البروفيسور هوتلينغ ينطوي على الافتراض بأن التوزيع المثالي للدخل والثروة لم يتم تحقيقه أصلاً وأن الذين يحصلون على دخولهم بهذه الوسائل لم تكن قد فرضت عليهم ضرائب كافية في الماضي. ولكن بالطبع، وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذه الضريبة الإضافية مرغوبة بغض النظر عن مسألة سياسة التسعير وليس هناك ضرورة تذكر لربطها بمسألة التسعير تحت ظروف معدل تكلفة متناقص. إضافة لذلك، يبقى السؤال حول الكيفية التي ينبغي أن يتم بها حل مسألة التسعير عندما يتم التوصل إلى توزيع مثالي للدخل. إن اقتراح البروفيسور هوتلينغ لتجنب الخسارة التي قد تنجم عن زيادة ضرائب الدخل هو اقتراح محدود التأثير.

لقد قارنت في هذا الفصل نتائج استخدام نظام تسعير متعدد الجوانب مع تلك التي قد تنتج عن سياسة هوتلينغ/ليرنر. لقد أظهرتُ أن حل هوتلينغ/ليرنر سيؤدي إلى سوء توزيع لعوامل الإنتاج وسوء توزيع للدخل وربما إلى خسارة مشابهة لتلك التي تم تصميم الخطة لتجنبها ولكنها ناشئة عن تأثيرات زيادات ضريبة الدخل. يمكن تجنب هذه النتائج باستخدام نظام تسعير متعدد الجوانب.

تسعير معدل التكلفة مقارنة بحل هوتلينغ/ليرنر

يبدو أن البروفيسور هوتلينغ، والبروفيسور ليرنر، والسيد ميد والسيد فليمنغ لم يدركوا بأن كثيراً من المشاكل التي كانوا يحاولون إيجاد حل لها كان يمكن التعامل معها بوسائل التسعير المتعدد وأن هذا النظام في التسعير من شأنه في الواقع تحقيق نتائج لن تكون عرضة للاعتراضات التي يمكن طرحها ضد حل هوتلينغ/ليرنر. ولكن، وإنصافاً لهم، فتجب الإشارة إلى أن النقد كان موجهاً ضد فرض سعر مفرد يستند إلى معدل تكلفة وليس ضد تسعير متعدد الجوانب. هل الجدل صحيح في هذه الحالة؟ إذا لم يكن التسعير متعدد الجوانب ممكناً، أليس من الأفضل تبني حل هوتلينغ/ليرنر بدلاً من تبني أسعار تستند إلى معدل التكلفة؟

ثمة دعم قوي في هذه الحالة لوجهة النظر التي تتبنى حل هوتلنغ/ليرنر من ناحيتين: أولاً، وقبل كل شيء، فمن الواضح أنه إذا لم يُسمح للمستهلكين بشراء وحدات إضافية حسب تكلفة الهامش، فسيكون هناك سوء توزيع لعوامل الإنتاج. وقد بحثنا في فصول سابقة في طبيعة الكسب الذي قد يتجمع في هذه الناحية من خلال تبني حل هوتلينغ/ليرنر(6). أما الناحية الثانية التي تتلقى فيها وجهة النظر التي تتبنى حل هوتلينغ/ليرنر دعماً فهي تتعلق بفعالية تسعير معدل التكلفة في توفير اختبار سوقي لمدى استعداد المستهلكين لدفع كامل التكاليف. وقد أشرتُ في الفصل السابق إلى أن التسعير متعدد الجوانب يوفر اختباراً كهذا. كيف ينطبق ذلك على حالة تسعير معدل التكلفة؟ إن حقيقة أن المستهلكين مستعدون للشراء بسعر يغطي معدل التكلفة يبين بالتأكيد بأنهم يفضلون الحصول على قيمة تلك العوامل بتلك الصيغة بدلاً من أي صيغة أخرى متوفرة لهم. الصعوبة، كما يوضحها البروفيسور هوتلينغ، أن العكس ليس هو الصحيح. لقد كان معروفاً للاقتصاديين منذ زمن طويل بأنه في الحالات التي يقع فيها منحنى الطلب في كل نقاطه تحت منحنى معدل التكلفة، فقد يكون من الممكن، عن طريق التمييز في الأسعار، رفع معدل الواردات بما يكفي لوصولها إلى مستوى معدل التكلفة. فإذا كان التسعير، تبعاً لذلك، هو على أساس معدل التكلفة، فستكون هناك حالات معينة قد يكون فيها المستهلكون مستعدين لدفع التكلفة الكاملة، ولكن ذلك غير ممكن بسبب التحديدات لهذا الأسلوب بالذات في التسعير. يمكن مباشرة الإنتاج في هذه الحالات إذا تم انتهاج سياسة هوتلينغ/ليرنر.

هذه هي ميزات حل هوتلينغ/ليرنر مقارنة بتسعير معدل التكلفة، ولكن تبقى أوجه القصور التي تم بحثها في الفصل السابق. ينبغي موازنة الميزات وأوجه القصور مقابل بعضها البعض. الميزة الأولى المتوفرة في حل هوتلينغ/ليرنر، مقارنة بتسعير معدل التكلفة، هي أنها تسمح باختيار أفضل على الهامش في الاستهلاك. ولكن قد تنخفض قيمة هذه الميزة وربما تتوازن مع الخسارة التي ستحدث إذا ما تضمن حل هوتلينغ/ليرنر زيادة في ضرائب الدخل. الميزة الثانية هي أن حكومة ما قد تتولى الإنتاج في حالات يكون فيها المستهلكون مستعدين لدفع التكلفة الكلية ولكن قد لا تتولى إنتاجها في حالة تسعير بمعدل التكلفة. إلا أنه ينبغي التذكر بأن هذه السياسة هي التي تقوم فيها الحكومة بتقدير الطلب الفردي وأنها لذلك تتأثر بالتحديدات التي بحثناها في الفصل السابق. ليس من الضروري تولي الإنتاج في كل الحالات التي لا يتم فيها الإنتاج وفقاً لسعر معدل التكلفة. إن حكومة ارتكبت أخطاء عديدة في تقديراتها حول الطلب الفردي يمكن لها بسهولة أن تمحو أي أثر طيب قد ينتج عن سياسة كهذه. تسعير معدل التكلفة قد يمنع عمل أشياء ربما كان يجب عملها، ولكنه أيضاً وسيلة لتجنب ارتكاب أخطاء معينة في الإنتاج، وبعضها لا يمكن تجنبه في حالة اتباع سياسة هوتلينغ/ليرنر. وكما أشرت سابقاً فإني لا أعتقد أنه من المنطق الافتراض بأن بوسع الحكومة إجراء تقديرات دقيقة للطلبات الفردية إذا كانت جميع الأسعار تستند إلى تكلفة الهامش. أخيراً، هناك إعادة توزيع الدخل والثروة التي يتضمنها حل هوتلينغ/ليرنر والذي قد يبدو، كما أشرت في الفصل السابق، من الصعب تسويته في غياب تسعير متعدد الجوانب دون إعادة العمل بذلك النوع من الضرائب الذي سيمنع الخيار المنطقي على الهامش، وهو ما يهدف حل هوتلينغ/ليرنر لتحقيقه.

سيتضح من البحث في هذا الفصل أن مسألة تسعير معدل التكلفة مقابل حل هوتلينغ/ليرنر لا تشكل حالة محددة تماماً. تبعاً لذلك، يجب رفض الادعاء باعتبار حل هوتلينغ/ليرنر متفوقاً بصورة مؤكدة على تسعير معدل التكلفة.

المشاكل الباقية

بحثتُ في هذا المقال مشكلة التسعير تحت ظروف معدل تكلفة متناقص، إلا أنني ألزمت نفسي بحالة واحدة محددة تكون فيها جميع التكاليف متعلقة بمستهلكين أفراداً والتي تم تحمل التكاليف فيها حالياً. وقد أظهرتُ، في ضوء هذه الافتراضات، أن حل هوتلينغ/ليرنر هو دون مستوى تسعير متعدد الجوانب، وأنه بمقارنته بمعدل سعر التكلفة، فإن توازن المنفعة ليس واضحاً. ويبدو أن الخطوات التالية ستكون فحص مشكلة التسعير عندما تكون هناك تكليف مشتركة. إذا كان هناك تكاليف لا يمكن عزوها لمستهلكين أفراداً، فهل يبرز حل هوتلينغ/ليرنر عندئذ كحل قائم بذاته؟ هل ينبغي تحميل تكاليف كهذه على الضرائب؟ أم هل أن المقاربة الصحيحة هي اكتشاف بعض الأسس التي ينبغي أن يتم وفقاً لتوزيع هذه التكاليف على المستهلكين؟ أخيراً، هناك مسألة المصاريف التي تم دفعها فعلاً مقابل العوامل. هل ينبغي تحميل هذه المصاريف على الضرائب؟ أم هل يتحملها المستهلكون؟ إذا تم قبول التحليل الذي ورد في هذا الفصل، فيبدو أن هذه الأسئلة هي ما يجب أن تكون موضوعاً للبحث في المرة القادمة.

ملاحظات:

(1)   يجب ألا تكون هناك قابلية للتجزئة في جميع الحالات التي تتراجع فيها معدلات التكاليف. ورغم أني أفترض أنه من غير الممكن استخدام أقل من ناقل واحد، فقد يكون من الممكن افتراض أن خدماته متوفرة بمرونة تامة من حيث أن أجوره ستتنوع وفقاً للزمن الذي عمل خلاله وأن استخدام ناقلين إضافيين لن يرفع مستوى أجورهم.
(2)   الافتراض بأن إجمالي التكاليف يتكون من نوعين متمايزين أحدهما يدخل في تكلفة الهامش بينما لا يدخل الآخر في هذه التكلفة ليس افتراضاً أساسياً. كان بوسعنا افتراض ازدياد تكاليف النقل بازدياد عدد الوحدات المنقولة ولكن أن تكاليف الهامش للنقل كانت دون المعدل. بيد أن ذلك سيساعد في الإيضاح إذا التزمنا بالافتراض الأصلي.
(3)   هذا يفترض بأن الضرائب التي تقتطع منها الخسائر لا تقع كلياً على مستهلكي سلع تم إنتاجها تحت ظروف معدل تكلفة متناقص. الأمر كذلك، بالطبع، لأن من المقترح أن تكون الضرائب المستخدمة هي ضرائب دخل وضرائب مماثلة.
(4)   أود أن أضيف أيضاً بأن ضرائب الدخل تؤثر أيضاً على الخيار بين أن يقوم المرء بعمل ما بنفسه أو توظيف شخص ما للقيام به له، وبالتالي فإن ضريبة الدخل تبدد بعض مزايا التخصص.
(5)   يبدو أنه قد تم إهمال هذه المشكلة في النظرية المالية العامة. تفترض المناقشات العادية لعبث الضرائب غير المباشرة بأن البديل هو دفعة كاملة واحدة.

(6)   قد يتبادر للذهن أنه لو تم تسعير جميع السلع على اساس معدل التكلفة، بحكم أن جميع الأسعار سترتفع فوق مستوى تكلفة الهامش، فإن خيارات المستهلكين لن تتأثر. يصح ذلك فقط في حالة رفع السعر بصورة متناسبة مع تكلفة الهامش، وهذا ما يستبعد في الغالب أن يكون صحيحاً.

© معهد كيتو، مصباح الحرية، 17 كانون الثاني 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

أليس من المثير للعجب أن غير الأمريكيين يواصلون استثمار مدخراتهم في الولايات المتحدة في حين أن الحكمة التقليدية كانت تقول أن الدولار سيستمر في التراجع؟ فلماذا يستثمر الأشخاص العقلانيون في أصلٍ آخذ في الانهيار؟ هل يفهمون شيئا لا يفهمه السياسيون والمعلقون؟
لقد نشرت الولايات المتحدة الشهر الماضي تقريرا آخر بأن قيمة الأصول التي يمتلكها الأجانب في الولايات المتحدة تتجاوز قيمة الأصول الأجنبية التي تمتلكها الولايات المتحدة (بحوالي 2.5 تريليون دولار)، وقد تراجع الدولار ليسجل أدنى مستويات له أمام اليورو. وقد تعامل بعض السياسيين والإعلاميين مع هذه الأحداث الإخبارية على أنها كارثة قومية. وفي الواقع، لا يشكل الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة مشكلة ولا يعني أن الدولار سيتراجع أو يرتفع نسبة لأي عملة أخرى.
والأسباب التالية سوف تفسر كل هذا. إن السبب الذي يجعل الأفراد أو الشركات أو الحكومات “تدخر”—أي تُنفق أقل مما تجني في وقت ما—هو السماح بمعدل إنفاق أعلى في المستقبل. وعادة يدخر الأفراد المال خلال السنوات التي تكون فيها عائداتهم مرتفعة قبل التقاعد حتى يتمكنوا من الإنفاق أكثر بعده.
والآن فلنفترض أن شخصا نرويجيا غنيا (أو إن أردت بديلا ألمانيا أو يابانيا أو صينيا) يريد أيضا أن يدخر المال لحين تقاعده. إن النرويج بوصفها دولة صغيرة غنية بالنفط، لا تتمتع بكثير من فرص الاستثمار المحلي. لذا سيرغب النرويجي بتنويع مخاطرته بالاستثمار في بلدان أخرى. وتبدو الولايات المتحدة مغرية بالنسبة له لأنها تتمتع بأقوى اقتصاد في العالم، بالإضافة إلى حكم القانون وأنظمة حماية قوية للملكيات الخاصة، كما أنها لا تفرض على المستثمرين الأجانب دفع ضرائب على فوائدهم الناتجة من الاستثمار أو على أرباح الأسهم أو رأس المال.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للنرويجيين أيضا تأجيل أي التزام ضريبي نرويجي فوري بشكل قانوني وسليم عن طريق القيام باستثماراتهم من خلال جنات ضرائبية خارج البلاد، مثل جزر الشانيل أو برمودا أو جزر كايمان (لأن النرويج مثل معظم الدول وبعكس الولايات المتحدة لديها نظام ضريبة إقليمي).
وعلى المستثمر النرويجي أولا الحصول على الدولارات الأمريكية قبل البدء في الاستثمار، لذا يذهب إلى البنك ويبتاع الدولارات بالكرون النرويجي. وربما يكون البنك قد اشترى دولاراته من شركة نفط نرويجية تبيع النفط للولايات المتحدة. فلنفترض أن النرويجي اشترى بدولاراته سندات مالية حكومية أمريكية وأسهما في شركات أمريكية ومسكنا على شاطئ ميامي. فعندما تدفع الحكومة الأمريكية الفوائد على السندات المالية فهي تدفع بالدولار، كما هو الحال بالنسبة للشركات الأمريكية عندما تدفع أرباح الأسهم؛ ولا يهم من هي الجهة التي تتلقى الدولارات.
وفعليا يتخذ ملايين آخرون من المستثمرين الأجانب (بمن فيهم الأفراد والشركات والحكومات) قرارات مشابهة كل عام. وكل مستثمر لديه وضع محلي مختلف ورغبات مختلفة واختيارات مختلفة للوقت؛ بالتالي لن يبيعوا جميعهم أصولهم الأمريكية في الوقت ذاته. (وعلى الرغم من الاحتباس الحراري العالمي، سيستمر طقس شهر كانون الثاني في ميامي بالتحسن أكثر من طقس أوسلو في القرون القليلة المقبلة!).
وعندما يبيع المستثمرون الأجانب أصولهم، فهم يجنون الدولارات. والشيء الوحيد الذي يمكنهم (أو يمكن لأي أحد يشتري دولاراتهم) فعله بالدولارات هو شراء البضائع والخدمات الأمريكية أو إعادة الاستثمار في الولايات المتحدة؛ وفي كلتا الحالتين، فهو صافي الربح بالنسبة للولايات المتحدة.
إن تذبذب العملات تسببه التغيرات في أسعار الفائدة والتضخم ومعدلات الربح والسياسة الضرائبية والإنفاق والتغيرات المدركة في الخطر الناشئ بين البلدان. فإذا ارتفع الدولار أمام اليورو، سوف يشعر الأوروبيون برغبة أكبر في الاستثمار في العقارات الأمريكية وسوف يشترون بصورة متزايدة البضائع والخدمات الأمريكية، بينما سيواجهون صعوبة أكبر في بيع بضائعهم في الولايات المتحدة، وهو ما يؤدي في مرحلة ما إلى تراجع اليورو أمام الدولار.
لقد استثمر أهالي نيويورك في فلوريدا أكثر مما استثمر أهالي فلوريدا في نيويورك لمدة قرن، وكان هذا في مصلحة فلوريدا. هذا وقد استثمر الأوروبيون في أمريكا فيما يزيد عن السنوات الأربعمائة الماضية أكثر مما استثمر الأمريكيون في أوروبا، وهذا في مصلحة أمريكا.
ويحتمل على المدى البعيد أن تتمتع الولايات المتحدة بمعدلات نمو أعلى من أوروبا بسبب الديموغرافيات المستحبة بشكل اكبر، وإلى درجة ما العوائق الضرائبية والتنظيمية الأقل. كما يحتمل أن يتواصل استقرار الولايات المتحدة السياسي وأن تبلي بلاء حسنا في حماية حكم القانون وحقوق الملكية أكثر من معظم الدول الأخرى في العالم. وسوف ترتكب الولايات المتحدة في بعض الأعوام أخطاء تتعلق بالسياسة العامة—مثل زيادة الإنفاق الحكومي أو السماح بانتهاء صلاحية تخفيضات الضرائب التي أقرها بوش. ولكن على المدى الطويل، تبقى الولايات المتحدة الرهان الأضمن.
وأخيرا، فإن الولايات المتحدة بخلاف كثير من الدول الأخرى، تمتلك معظم أصولها والتزاماتها بعملتها. وتُوقع الدول نفسها في المتاعب عندما تشتري أصولها بعملتها وكثيرا من التزاماتها بعملات أخرى (مثل الدولار). لذا لا يشكل فرقا كبيرا ما إذا كان شخص من نيويورك أو لندن يمتلك شقة في ميامي، أو ما إذا كان شخص من تكساس أو فرانكفورت يمتلك أسهما في شركة عالية التقنية في فرجينيا—لأنها جميعها بالدولار.
ولا يجدر بـ”عجز” الولايات المتحدة التجاري أن “يصحح” نفسه أكثر مما يفعل “عجز” فلوريدا التجاري مع نيويورك—ويمكن أن يستمر ذلك لقرون.
وعلى فكرة، فإن رهاني هو أن الدولار سيرتفع أمام اليورو بعد سنة من الآن!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 26 أيلول 2007.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

أعلن مدير صندوق النقد الدولي رودريغو دو راتو، بضجة كبيرة، أن الصندوق قد تبنى مبدأ إشراف ثنائي الجانب قائم على مفهوم تشجيع “الاستقرار الخارجي”. ويُفترض أن يزود هذا المبدأ الدول الأعضاء في الصندوق البالغ عددها 185 دولة—لا سيما الصين—بـ”توجيه واضح… حول الطريقة التي يجب أن تدير بها سياساتها المتعلقة بأسعار الصرف” و”حول ما هو مقبول بالنسبة للمجتمع الدولي”.
والمشكلة هي أن الصندوق لم يتقيد مسبقا بمبدأ حازم سواء فيما يتعلق بأسعار الصرف المُعوَّمة بحرية أم الأسعار الثابتة حقا (كما هو بموجب معيار الذهب ما قبل 1914). وسوف تخفف واحدة من آليتي التعديل الأوتوماتيكيتين هاتين من الحاجة إلى الصندوق، والذي كان الهدف منه في الأساس الحفاظ على نظام نقدي دولي قائم على “القيم الإسمية” وأيضا تعديل هذه القيم فقط في حال “عدم التوازن الأساسي” في ميزان مدفوعات دولة ما.
إن فشل الصندوق في منع أزمة العملات الآسيوية في 1997-1998 نشأ أساسا من التقيد بالنظام الشائب لأسعار الصرف المثبتة تحت إشراف صندوق النقد الدولي. وتؤكد تلك الخبرة طبيعة الصندوق السياسية بوصفه مؤسسة متعددة الجوانب—وبالتالي الحاجة إلى مبادئ وسطية—بدلا من تأكيدها على قدرته في تطبيق قواعد قائمة على السوق.
وثمة أربعة “مبادئ” يتضمنها “قرار الصندوق لعام 2007 حول الإشراف ثنائي الجانب”: (1) “تتجنب الدولة العضو التلاعب بأسعار الصرف… من أجل كسب ميزة تنافسية غير عادلة على الدول الأعضاء الأخرى”، (2) “تتدخل الدولة العضو في أسواق الصرف إن تطلب الأمر لمواجهة الأوضاع المخلة بالنظام”، “تأخذ الدول الأعضاء بعين الاعتبار في سياساتها المتعلقة بالتدخل مصالح الدول الأعضاء الأخرى”، و(4) “تتجنب الدولة العضو سياسات أسعار الصرف التي ينتج عنها عدم استقرار خارجي”.
إن واحدا من الأهداف الرئيسية للقرار الجديد هو توضيح معنى “التلاعب بأسعار الصرف”. وهذا يعني الآن أن الدولة تحتفظ لهدف ما “بسعر صرف منخفض القيمة”، أو ما يسميه الصندوق “انحرافا أساسيا في أسعار الصرف”، وذلك لتحقيق تبادل متواصل أو فائض في الحساب الجاري. ويوحي هذا التفسير أن عجزا في التبادل المتواصل ثنائي الجانب هو أمر سيء—وهو مبدأ سياسي “ميركنتلي”.
إن المشكلة، كما تعترف “لائحة حقائق صندوق النقد الدولي”، هي أنه في حين أن “مفهوم الانحراف واضح، فهو يخضع لشكوك كبيرة متعلقة بالقياس”. وبالطبع لا أحد يعلم ما هو سعر الصرف المتوازن في غياب حرية أسعار الصرف ورأس المال. ولا يوجد مخطط مركزي أو اقتصادي من صندوق النقد الدولي يمتلك معلومات تمكنه من حساب “الانحراف الأساسي” بدقة. لهذا ليس من المدهش أن القرار الجديد لا تدعمه آلية تنفيذ غير المراوغة قديمة الطراز.
وبخلاف قرار صندوق النقد الدولي، فإن مشروع قانون جديد من مجلس الشيوخ قدمه تشارلز شومر من نيويورك وثلاثة آخرون من كبار أعضاء مجلس الشيوخ من شأنه أن يسمح بفرض رسوم لمكافحة الإغراق على البلدان ذات العملات المنحرفة بشكل أساسي. ويشعر الكونغرس بعدم الصبر تجاه تقدم الصين في جعل اليوان يرتفع أمام الدولار. فمنذ عام 2005، ارتفع اليوان نحو 2.8% فقط. وعلى الرغم من أن لا قرار صندوق النقد الدولي ولا مشروع قانون مجلس الشيوخ يستثني الصين، فلا شك من هوية المسيء الرئيسي “للاستقرار الخارجي” في عقول وقلوب “الصقور” ومؤيدي حماية الانتاج الوطني الأمريكي.
وقال السيناتور شومر، الذي أراد في السابق من واضعي القانون فرض تعرفة تبلغ 27.5% على جميع البضائع الصينية إلا إذا أعادت بكين تقدير قيمة اليوان: “لقد لفت التشريع السابق انتباه الصين؛ والهدف من هذا التشريع الجديد هو إحداث التغيير”. ولفعل هذا، سوف تُجبر وزارة المالية الأمريكية على الإبلاغ عما إذا كانت الصين لديها “عملة منحرفة” تهدف إلى ترويج الصادرات. ويفترض أن تكون تلك المهمة أسهل من تحديد ما إذا كانت الصين “تتلاعب” بعملتها لصالح منفعة تجارية.
يجب أن يكون الكونغرس حذرا فيما يتمناه: فإن ارتفاع اليوان أمام الدولار بنسبة 20% أو أكثر من شأنه أن يفرض تكاليف أعلى على ملايين المستهلكين الأمريكيين، وما ينذر بالشؤم أنه قد يؤدي إلى أسعار فائدة أمريكية أعلى، وهو ما يمكنه أن يؤدي إلى انهيار البورصة وزيادة الضعف في سوق العقارات. ويمكن أن يساعد الركود في تقليص العجز الراهن في الحسابات الأمريكية، ولكنه لن يكون آخذا بالصعود بالنسبة للكونغرس.
إن فائض الحساب الجاري للصين يعكس عدم توازن في الادخار والاستثمار المحليين، وحساب رأس مال مغلق، وسعر صرف منخفض القيمة. وحقيقة أن الأسر والشركات الصينية توفر جزءا كبيرا من مدخولها يعكس بشكل كبير أسعار الفائدة المنحرفة والكبت المالي في الصين، بحيث تسيطر البنوك والشركات التي تمتلكها الدولة على أسواق رأس المال.
يدرك صندوق النقد الدولي أن الاستقرار الخارجي يحتاج إلى استقرار محلي وأن للمؤسسات دورا هاما. والنظام الذي تحتاجه الصين أكثر من أي شيء آخر هو حكم قانون شفاف يحمي الأشخاص والملكية من أي دولة دخيلة ويقلل الفساد. ولكن هل يصدق أحد حقا أن أيا من صندوق النقد الدولي أو الكونغرس الأمريكي يمكنه أن يُحدث ذلك التغيير الكبير في الصين؟
© معهد كيتو، منبر الحرية، 12 أيلول 2007.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

ثورة الهاتف النقال التي حولت العالم يمكن أيضاً تحويلها إلى ثورة مصرفية. تستخدم الهواتف النقالة في العديد من الدول للإيداعات والتحويلات على نطاق ضيق. هذا يمكن تحديثه ليصبح تصميم البناء الجديد للبنك في القرن الواحد والعشرين.
أكبر نموذج مصرفي محتمل، كما يسمى، هي الهند حيث تنمو توصيلات الهواتف النقالة بمعدل ضخم يصل إلى 6 مليون شهرياً. لا تزال توصيلات الهاتف النقال محصورة في المدن بشكل كبير، لكن السياسة الجديدة قدمت حوافز لشركات الاتصالات لتركيب أبراج الهواتف النقّالة في المناطق الريفية حيث يعيش 70% من الهنود. ويتوقع مزودو الخدمة أن يصل عدد التوصيلات إلى 500 مليون خلال خمس سنوات.
يمكن للهواتف النقالة أن تفتح حسابات افتراضية في بنوك افتراضية. ويمكنك أن تنظر إلى رصيد حسابك المصرفي النقال، وأن تصدر التعليمات عن طريق الرسائل الخطية. كما يمكن ضمان السرية من خلال كلمات السر المتعددة. حتى القرويين الذين لا يملكون هواتف نقالة يمكنهم أن يستخدموا—بالمجان—هواتف أصحاب المحال التجارية، الذين تطوروا، دون ذكاء، إلى أمناء صناديق حقيقيين في بنوك حقيقية.
عندما يدفع الزبون نقداً إلى صاحب المحل التجاري لإعادة شحن رصيده يكون ذلك بمثابة إيداع نقدي في حساب مصرفي افتراضي. يمكن للزبون أيضاً سحب مبلغ نقدي بالمجان حيث يقوم صاحب المحل بتحويل المبلغ من الحساب النقال للزبون إلى حسابه الخاص ومن ثم يدفع للزبون نقداً. ويمكن توسيع هذه العملية لتشمل تسديد الفواتير.
لكن إذا كان على شركات الاتصالات الهندية أن تقدم خدمات مصرفية عن طريق الهاتف النقال، ينبغي عليها أن تحصل على موافقة الجهة الرقابية، من بنك الاحتياطي الهندي، والذي يتخوف من أن تصبح البنوك أهدافاً لغسيل الأموال. لذلك يصر البنك على سياسة متشددة وهي: “إعرف عميلك”. يتغاضى بنك الاحتياطي عن المبالغ الصغيرة المحولة من خلال شبكة صاحب المحل، ولكنه لن يسمح لشركات الاتصالات بالتطور وتقديم حسابات مصرفية رسمية وإيداعات بالفائدة وخدمات مصرفية أخرى.
كما فعلت الجهات الرقابية على المصارف في دول مثل كينيا وجنوب إفريقيا، من المحتمل أن يصر بنك الهند الاحتياطي على شركات الاتصالات أن تتعاون مع بنك مرخص قبل تقديم خدمات مصرفية رسمية.
مع ذلك يوجد لدى بنك الاحتياطي الهندي سبب وجيه لتشجيع الخدمات المصرفية بواسطة الهاتف النقال، ولقد تحدث منذ زمن طويل عن الفكرة الخيالية بوجود حساب مصرفي لكل عائلة، حتى في المناطق الريفية. كان هذا أمل كاذب نظراً للتحديدات المفروضة على شبكة فروع البنك. لكن الخدمات المصرفية بواسطة الهاتف النقال يمكن أن تجعل الحلم حقيقة، حتى للقرويين الأميين. مثل هؤلاء الأميين لا يمكنهم التعامل مع المعاملات الورقية في بنك تقليدي، لكن يمكنهم إيداع وسحب النقود من خلال البطاقات الذكية التي يمكن إعادة شحنها بمساعدة أصحاب المحال التجارية.
بسبب إغراء الفساد، يمكن أن تنخفض المعونات المالية والتحويلات النقدية للفقراء إذا أودعت المبالغ مباشرة في حسابات المستفيدين النقالة مباشرة. فالكثير من الأموال المخصصة للفقراء لا تصلهم في هذه الأيام—وإنما “يشفطها” البيروقراطيون الفاسدون والمقاولون. الحسابات النقالة الآمنة قد تضمن أن لا تذهب الأموال إلا للمستفيدين المعنيين.
العمليات المصرفية التقليدية محدودة لأن قطاعات كبيرة من المناطق الريفية الهندية تفتقر إلى الكهرباء وحتى القرى التي تصلها خدمات الكهرباء، يصلها التيار لفترة تتراوح من ست إلى ثمان ساعات في الليل. لكن الهواتف الخلوية بإمكانها التغلب على هذه العقبة إذ تحتاج إلى القليل من الكهرباء ويمكن شحنها في الليل.
استخدمت شركات التسويق في المناطق الريفية البطاريات التي تعمل بالطاقة الشمسية منذ وقت طويل لتشغيل أكشاك الإنترنت في الأسواق. ويمكن لهذه البطاريات أن تشحن الهواتف الخلوية أثناء الليل، حتى بطاريات التراكتورات يمكن شبكها لشحن الهواتف الخلوية. إذاً بإمكان الهواتف الخلوية تقديم خدمات مصرفية إلى جميع المناطق الريفية في الهند.
تستخدم الهواتف الخلوية حالياً في التحويلات المالية. لقد هاجر الملايين من الريفيين الهنود إلى الدول المجاورة والخليج العربي بحثاً عن العمل ويرسلون تحويلاتهم المالية إلى الهند، لكن عائلاتهم في الهند هم على الأغلب أميين ولا تتوفر لهم سبل الوصول إلى المصارف.
تصل التحويلات المالية إلى كافة القرى في الهند عن طريق البريد، لكن العمولات عالية. الهواتف الخلوية تقوم بتحويل الأموال بطريقة أسرع وأرخص من النظام البريدي، باستخدام شبكة الإنترنت في أي محل تجاري.
هذه بداية جيدة، لكنها بحاجة إلى التطوير. وهذا يعني أن على الشركات إقامة مشاريع مصرفية جديدة عن طريق الهواتف النقالة، وعلى الجهات الرقابية أن تسمح لهم بذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 22 آب 2007.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

استقالة بول وولفوفيتز كرئيس للبنك الدولي يُثير مسألةً يسأل الناس عنها في كل مرة يكون فيها رئيس البنك على وشك المغادرة: من سيكون الرئيس القادم، وهل سيكون باستطاعته إصلاح الوكالة التي سيرأسها بحيث تصبح فعالة في محاربة الفقر؟ السؤال ذو دلالة حيث أنه لا أحد—سواء داخل البنك أو خارجه—يُبدي رضاءً حول أداء البنك على الرغم من الإصلاحات العديدة التي تم إدخالها على امتداد السنوات.
من السهل أن نرى لماذا هذا الشعور بعدم الرضى منتشر انتشاراً واسعاً. فالبنك غير قابل لإدارة نفسه من الناحية العملية. إنها بيروقراطية حكومية دولية تضم حوالي 10000 موظف وآلافاً آخرين من المتعاقدين والمسؤولين تجاه عشرات من الحكومات المانحة، والتي كثيراً ما تتعارض أولوياتها السياسية والاقتصادية.
إنها هيئة تعاني من أهداف متفرقة مثل مكافحة الفساد، وتنمية المساواة الجندرية، ومكافحة الأمراض، ودعم الزراعة، وخصخصة المؤسسات التي تملكها الدولة، وبناء السدود وتمويل مشاريع الإقراض الصغيرة. وهكذا، فإن البنك لا يملك تركيزاً محدداً.
وعلى النقيض من دروس التاريخ الاقتصادي، فإن نموذج التنمية الذي يروجه البنك يقوم على أساس نقل الثروة من حكومات البلدان الغنية إلى حكومات البلدان الفقيرة، والتي بشكل معتاد تفتقر إلى الشفافية أو القدرة على تنفيذ مشاريع حكومية ضخمة.
وبوجود كل هذه “الأولويات” العديدة، ليس غريباً أن القضية المركزية في البنك الدولي هي انعدام المساءلة. وفي الحقيقة، فإن الطريقة التي غادر فيها وولفوفيتز البنك بسبب أنه وافق على إعطاء زيادة كبيرة على راتب صديقته، غابت عنها الشفافية والمساءلة. فقد تم طرده بالتفاوض وراء أبوابٍ مغلقة بدلاً من التصويت العلني من قبل مجلس الإدارة، وفي حادثة حصلت تحت أنوف أعضاء المجلس، بل وباشتراكهم. وفي النهاية فقد أرغم البنك وولفوفيتز على ترك منصبه، وفي الوقت نفسه برّأه من المخالفات الأخلاقية.
ولكن أكثر أهميةً ومغزىً بالنسبة لفقراء العالم هو غياب المساءلة في وسائل الإقراض التي يتبعها البنك الدولي. فإن وكالة التنمية هذه لا تسمح بتدقيق مستقل للمشاريع التي تمولها، مع أننا نعرف بأن عدداً مذهلاً من مشاريع البنك—ما بين 20 إلى 50 بالمئة، منذ عام 1990—لم يكن قابلاً للإدامة والصمود بموجب مقاييس البنك الدولي نفسه.
في عام 2000، وجدت لجنة ميلتزر التي تضم جمهوريين وديمقراطيين من أعضاء الكونغرس الأمريكي بأن البنك الدولي لم يكن قد دَقّق إلا خمسة بالمائة من برامجه في غضون ثلاث إلى عشر سنوات من توزيع أموال البنك على تلك المشاريع. هذه المشكلة لم تجد لها حلاً بعد، الأمر الذي أدى إلى توافق عام لدى المراقبين بوجوب الاستعانة بمدققين مستقلين فعلاً لا قولاً. وكما صرحت مؤخراً نانسي بيردسول، رئيسة مركز التنمية العالمية “في غياب تقييمات حقيقية تكون شديدة ومستقلة، وبالتالي تتمتع بمصداقية، فإننا لا نستطيع أن نعرف ما هي البرامج التي نجحت. بل إننا لا نستطيع حتى القول بقناعة بأن المساعدات الخارجية نفسها يمكن أن تكون فعالة.”
البنك الدولي يقيس النجاح بحجم المساعدات التي يقدمها بدلاً من قياس النتائج. أما الضغط الداخلي على البنك لتحقيق الإقراض فهو معروف لدى المقترضين. لذا تأخذ البلدان أموال المساعدات وتَعِد بتنفيذ المشاريع، ولكن ما دام أنها تحافظ على سداد ما يترتب على اقتراضها فإن البنك يستمر في إقراضها ويستطيع أن يتباهى بمردود عالٍ على إقراضه على الرغم من نوعية تلك المشاريع التي يمولها. إن هدف المقترض والمقرض سواء بسواء هو إبقاء أموال المساعدات متدفقة. وهكذا فإن البنك كثيراً ما يعطي قروضاً جديدة قبل فترة وجيزة من مواعيد استحقاق القديمة منها (وفي الحالات النادرة عندما تعجز بلدان عن التقيد بالتزاماتها تجاه البنك فإن الولايات المتحدة وغيرها من الأمم المانحة قد قدمت في بعض الأحيان قروضاً مباشرة لتجسير قروضها تجاه البنك والتي تستخدم بدورها لتسديد البنك الدولي، والذي بدوره يستأنف عملية الإقراض.)
وفي الحقيقة فإن المشاكل الكامنة في سياسة الاقراض لدى البنك الدولي تعكس المشاكل التي تُهلك المساعدات الخارجية بشكلٍ عام. فليس هنالك علاقة بين المساعدات والنمو، ولا بين المساعدات والإصلاح. فالنجاحات الاقتصادية حدثت في بلدان مثل الصين والهند اللذان لم يتلقا سوى القليل من المساعدات الخارجية. ومن الناحية الأخرى وعندما تذهب المساعدات إلى بلدانٍ تحافظ على سياسات اقتصادية سيئة فإن النتيجة هي الوقوع في الدين وليس التنمية! هذه هي بكل تأكيد حالة بلدان الصحراء الإفريقية، حيث أدت عقود من تقديم المساعدات السخية إلى الحكومات على إفقار إقليمها كما أدت إلى تراكم ديون ضخمة عليها والتي أصبحت في نظر البنك الدولي غير قابلة للسداد، وكانت استجابة البنك لذلك برنامج “إعفاء الديون” والذي بموجبه يجمع البنك أموالاً جديدة من أجل إعطاء مزيد من القروض إلى تلك البلدان الفقيرة والاستمرار في إقراضها!
بكل تأكيد، هنالك وسائل لمساعدة البلدان الفقيرة، بما في ذلك فتح أسواقنا أمام بضائعهم وعن طريق تبادل الآراء والتكنولوجيا معها. بيد أن توجهات البنك الدولي بالنسبة لدعم التنمية هي غير مناسبة على الإطلاق، وهي حقيقة سوف نتذكرها عندما يعتزل رئيس البنك الدولي الجديد منصبه!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 31 تموز 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018