شؤون اقتصادية

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قامت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإرسال إشارة للدلالة على أنهما يريدان من حكومتيهما، وكذلك من الاتحاد الأوروبي، اتباع سياسة اكثر نشاطا في الشرق الأوسط. وبشكل لا يماثل سلفيهما جيرهارد شرودر وجاك شيراك، فهما يصران على العمل مع واشنطن عند التعامل مع التحديات في منطقة شرق البحر المتوسط، بما في ذلك النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والخليج العربي، وأنهما يؤكدان على التزامهما بأمن إسرائيل.

وفي وقت قريب سوف تتاح الفرصة أمام ميركل وساركوزي وزملاءهما في الاتحاد الأوروبي لكي يجيدا العمل بدلا من إجادة التحدث بالكلام حول الشرق الأوسط. كما سيشكل انتخاب رئيس أمريكي جديد فرصة للبدء في رسم خطوط رئيسية لاستراتيجية ما بعد حرب العراق.

وبدلا من “اللا استراتيجية عبر الأطلسي” المتبعة من قبل الرئيس الأمريكي جورج دبليو. بوش وآيديولوجياته الفكرية النابعة من المحافظين الجدد والتي تستند إلى مفهوم أن يكون الأمريكيون هم الذين يتولون قيادة عربة الشرق الأوسط، بينما يقومون بمطالبة الألمان والفرنسيين والبريطانيين بتغيير زيت تلك العربة وبفحص دواليبها، فسوف يكون شاغل البيت الأبيض الجديد بحاجة إلى دعوة الأوروبيين للبدء فعلا للمشاركة في توجيه سياسة أوروبية أمريكية في الشرق الأوسط.

ومن جانبهم، سيكون على الأوروبيين أن يقوموا بالاعتراف بأن المرء عندما يفوز بالمزيد من السيطرة على سياسة معينة، فإنه أيضا سوف يكون بحاجة إلى تقاسم المزيد من المسؤوليات في مجال تنفيذها. وضمن هذا السياق الخاص بالشرق الأوسط، سوف لن يكون الاتحاد الأوروبي قادرا على مواصلة “الركوب المجاني” بالتكسب على ظهر السياسة الأمريكية في المنطقة: أي الانتفاع من الدور الأمريكي السياسي–العسكري هناك، بينما ينأون بأنفسهم عن نواحي السياسة الأمريكية التي تسير بشكل معاكس لمصالحهم.

وحتى ميركل وساركوزي، بالرغم من كلامهما المنمق حول التعاون مع واشنطن في الشرق الأوسط، فإنهما قد اخفقا في تبني سياسة مترابطة والتي تتطلب أيضا القيام باستثمار أوروبي، يتم قياسه بالمال وحتى بالمعايير العسكرية، بالنسبة لإدارة العراق أو حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي الحقيقة، فإن الزعيمين، من خلال رفضهما عضوية تركيا ذات السمة والثقافة الغربية للدخول في الاتحاد الأوروبي، فقد قاما بإضعاف النفوذ الأوروبي-الأمريكي في الشرق الأوسط.

وبتجنيب المشاكل المعقدة في الخليج العربي، بما في ذلك العراق وإيران، التي يتوجب أن تحتل مكانا مركزيا في أية استراتيجية يتم إعادة تنشيطها في الشرق الأوسط، فإن ميركل وساركوزي يمكنهما أن يحاولا السعي إلى استهلال دبلوماسي خلاق في منطقة شرق البحر المتوسط وذلك، على وجه اكثر خصوصية، بفعل إعادة إحياء “عملية السلام” المحتضرة في الأراضي المقدسة من خلال الإعلان عن استعدادهما برعاية مفاوضات بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة قد تؤدي إلى ارتقاء تدريجي لإسرائيل وفلسطين لدخول الاتحاد الأوروبي.

وبينما ينظر كل من الإسرائيليين والفلسطينيين إلى واشنطن باعتبارها مركزا بالنسبة لأي حل للنزاع بينهما، فقد بقي الاتحاد الأوروبي مهمشا في هذه العملية. فالاتحاد الأوروبي يُعتبر المانح الأكبر للمساعدات بالنسبة للسلطة الفلسطينية والشريك التجاري الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل. ومع ذلك، فقد اخفق في ترجمة ذلك النفوذ الاقتصادي إلى تأثير دبلوماسي.

إن إرسال إشارة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين، بحيث تدل على أن الحل السلمي للنزاع بينهما قد يكون بمثابة بطاقة للدخول في الاتحاد الأوروبي، سوف يكون اكثر من مجرد إغرائهما بالمكافئات الاقتصادية. وان الاشتراط على إسرائيل بالموافقة على الانسحاب من الأراضي المحتلة وبتفكيك المستوطنات اليهودية الموجودة هناك لكي يتم دخولها في الاتحاد الأوروبي سوف يعمل على تقوية أيدي أولئك الإسرائيليين الذين يتصورن بان تكون دولتهم ليست عبارة عن غيتو (حي يهودي) مجهز عسكريا بل هي مجتمع ليبرالي غربي السمة والثقافة.

وبنفس الوقت، سوف يكون الشعب الفلسطيني مجبرا على الاختيار بين الأجندة المتطرفة التي تروج لها حركة حماس وبين برنامج مجهز للإصلاح والذي تتم متابعته من قبل قيادة فلسطينية جديدة تعمل مع الاتحاد الأوروبي كجزء من المفاوضات حول ذلك الارتقاء. وسوف يقوم ذلك البرنامج بإعادة بناء الاقتصاد في الضفة الغربية وغزة من خلال الاستثمار وخلق شراكات تجارية فلسطينية–إسرائيلية–أوروبية. ووفق نفس الطريق التي عمل بها تأسيس منظمة النافتا (إتفاقية التجارة الحرة لشمال أمريكا) على الضغط لإجراء الإصلاحات في المكسيك، فان نشوء وتطور التجارة والروابط المؤسسية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وفي النهاية مع الأردن وسوريا ولبنان، قد يضع الأساسات بالنسبة للتحرك نحو السلام والتغير الاقتصادي والسياسي لكامل منطقة شرق البحر المتوسط، وهو إقليم له روابط تاريخية وجغرافية وديموغرافية وثيقة مع أوروبا.

قد يقوم النقاد بوصف مثل ذلك العرض الخاص بإدخال إسرائيل وفلسطين إلى الاتحاد الأوروبي على انه عبارة عن مجازفة دبلوماسية، وأنه لا يوجد هناك مجال للشك بان ذلك الهدف سوف يستغرق الكثير من السنوات لكي يتم تحقيقه. ولكن، بفعل تبني مثل تلك الاستراتيجية المتمثلة بالمشاركة البناءة طويلة الأجل في الشرق الأوسط، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يحاول، من خلال استخدام المصادر الدبلوماسية والاقتصادية، تحقيق ذلك النوع من الأهداف بدلا من الطريقة الأمريكية في استخدام القوة العسكرية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 8 نيسان 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

ما مقدار التأثير الذي يطرأ على الاقتصاد الأمريكي بفعل السياسات التي يقررها رؤساء الولايات المتحدة؟ المرشحون لتولي الرئاسة الأمريكية هم قيد المباشرة بوضع سياساتهم الاقتصادية المفترضة، ويقول كل مرشح أو مرشحة للرئاسة بأن سياسته أو سياستها سوف تؤدي إلى ازدهار أكبر وإلى مزيد من الوظائف. والحقيقة هو أن لدى الرئيس في أمريكا صلاحيات محدودة فقط للتأثير على مجريات الأحداث، إلا أنه ما زال بإمكانه صنع فرق حقيقي. فكل زيادة في النمو الاقتصادي ستكون عرضة للتأثر بمعدلات الضريبة وبالإنفاق الحكومي وبالسياسات التنظيمية والتجارية، والتي تتطلب كلها القيام بعمل مشترك من قبل الكونغرس والرئيس معا. كما أن الفروع الحكومية كلها ستكون مقيدة بشكل كبير في حال عدم وجود بعض التعاون من قبل الفروع الأخرى، بما في ذلك المحاكم.
بإمكان القرارات التي تصدرها المحاكم أن تؤثر بشكل كبير على قدرة الشركات التجارية في العمل بشكل سليم وفي خلق وظائف جديدة. وهناك متغيرات غير قابلة للتحكم والتي تكون خارج سيطرة كافة الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الرئيس كالطقس والزلازل والحروب والسياسات الاقتصادية التي تقررها دول أخرى. هذه المتغيرات تستطيع أن تؤثر بدرجة كبيرة على نمو الاقتصاد الأمريكي. كما أن كل الرؤساء الأمريكيين الذين يتولون مناصبهم الجديدة يرثون عن أسلافهم (الرؤساء السابقين لهم) الضرائب التي قام هؤلاء الأسلاف بفرضها وكذلك الإنفاق الحكومي والسياسات التجارية والتنظيمية، وسوف يكون الرؤساء الجدد بحاجة إلى سنة واحدة فأكثر لكي يقوموا بتطبيق سياساتهم. وعليه، سيقدم الجدول التالي لقطة سريعة بالتركات الاقتصادية لرؤساء أمريكيين من خلال عرض أداء الاقتصاد خلال السنة التي غادرت فيها إدارة كل رئيس منهم.
عندما تولى الرئيس كارتر منصبة بتسلمه رئاسة الولايات المتحدة من الرئيس فورد، كان الاقتصاد الأمريكي ينمو بسرعة بعد ركود حاد، إلا أن التضخم كان مرتفعا جدا. بعد ذلك، قام الرئيس كارتر بتعيين جيه. وليم ميللر كرئيس للبنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي استطاع أن يقدم لنا في العام 1979 تضخما قياسيا (بنسبة بلغت 13.3 في المائة)! وكان الفريق الاقتصادي للرئيس كارتر قد أخفق في هذا المجال بحيث كان يغير سياساته كل بضعة اشهر، والذي نجم عنه حدوث كساد في العام 1980، وإعداد المرحلة الخاصة بالكساد الكبير الذي حدث في العام 1982، عندما قام بول فولكر، رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الجديد (الذي عينه الرئيس كارتر عند نهاية مدته تقريبا)، بالتنزيل التدريجي للنمو النقدي بغرض انتزاع التضخم من الاقتصاد.
أما الرئيس ريغان فقد قام بعد أن تولى منصبه بدعم السياسات النقدية “الصارمة” التي وضعها فولكر وأوصى بالقيام بتخفيضات كبيرة في الضريبة بغرض الوصول إلى تحريك للأنشطة الاقتصادية. وكان الكونغرس الذي كان تحت سيطرة الديمقراطيين قد أخفق في الموافقة على الكثير من الخفض الذي قام به الرئيس ريغان في معدل نمو الإنفاق المقترح، إلا أنه قام بالفعل بدعم الزيادة في إنفاقه العسكري بما يقارب نسبة 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبمجرد وضع خفض الضرائب التي طلبها الرئيس ريغان موضع التنفيذ، انطلق الاقتصاد بحيث أدى إلى معدل نمو اقتصادي مذهل بلغ نسبة 7.2 في المائة في العام 1984. وقد تم توجيه الانتقاد إلى الرئيس ريغان بشأن الزيادات في العجز التي حدثت في السنوات القليلة الأولى من فترة رئاسته، لكن حقيقة الأمر تكمن في كون هذه الأمة تقوم دائما باستخدام التمويل من القروض بغرض شن الحروب. ولم تكن الحرب الباردة استثناء من ذلك.
وقام الرئيس بوش الأول بنسف الكثير من تركة الرئيس ريغان التي تم تسليمها له بفعل إخفاقه في الوفاء بوعد “التجميد المرن” الذي قدمه في حملته الانتخابية والمتعلق بالإنفاق وبـ”لا ضرائب جديدة”. كما قام آلن غرينسبان، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بارتكاب خطأ أيضا اقترن مع أخطاء السياسة الاقتصادية التي اتبعها بوش، مما أدى إلى حدوث كساد غير حاد في العام 1990.
أما الرئيس كلينتون فقد استفاد من الأخطاء الاقتصادية التي ارتكبها بوش، حتى وإن كان الاقتصاد في حالة نمو منذ سنتين قبل الانتخابات الرئاسية. قام كلينتون بزيادة الضرائب حتى وإن قدم وعدا بأنه لن يقوم بذلك، ثم قام بعد ذلك بعكس وجهة السير بمجرد أن تولى الجمهوريون أمور الكونغرس من خلال التوقيع على خفضهم لمعدل ضريبة النماء الرأسمالي. وقام الكونغرس الجمهوري الجديد بالانضمام إلى إدارة الرئيس كلينتون الضعيفة بالتضييق على نمو الإنفاق العام مما أدى إلى هبوط كبير في الإنفاق كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والذي كان في معظمه عائدا إلى هبوط الإنفاق العسكري. وبالفعل، فقد نما الاقتصاد بشكل سريع خلال معظم فترة إدارة الرئـيس كلينتون، والسبب في ذلك يعود جزئيا إلى سياساته بالنسبة للتجارة الحرة ولتقييد الإنفاق، إلا أن النمو في الضرائب كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي والأخطاء الجديدة التي ارتكبها غرينسبان قد وضعت الاقتصاد في حالة ركود في الوقت الذي كان كلينتون يغادر منصبه.
أما بالنسبة للرئيس بوش الحالي، فقد قام، وبشكل صحيح، بخفض معدلات الضريبة كي يخرج الاقتصاد من الركود وليستعيد النمو الاقتصادي، إلا أنه ولغاية الأشهر الأخيرة قد أخفق في فرض تقييد على نمو الإنفاق. وكانت نتيجة ذلك وجود اقتصاد نامٍ، لكن تشغيله كان دون إمكانياته. وسوف لن تكون تركة بوش الحالي الاقتصادية معلومة بالكامل لمدة سنتين، إلا أنه إذا ما استمر في مكافحة زيادة الإنفاق، فسيكون العجز قريبا من الصفر، وسينتعش النمو في السنة القادمة بما أن الاقتصاد قد أنجز المطلوب خلال مأزق الائتمان الذي تسبب به غرينسبان.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 كانون الثاني 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

هل تعتقد بأن الدولار الأمريكي سيستمر في الهبوط أمام اليورو؟ النمو الاقتصادي في الربع الأول في الولايات المتحدة خُّفضَ إلى 0.6 في المئة ونما الناتج المحلي الاجمالي في منطقة اليورو، 3.1 في المئة، ووصل الدولار إلى أدنى سعر يُسجل للآن مقابل اليورو (في تموز 2001، كان سعر اليورو 84 سنتاً أمريكياً، وفي الأسبوع الماضي وصل سعره إلى 1.37 دولار).
الذين يتشاءمون تجاه الاقتصاد الأمريكي (وبعضهم من بداية عهد رونالد ريغان) يؤكدون أنهم كانوا على حق في ضوء نتائج الربع الأول. لكن، قبل أن نحكم على الولايات المتحدة بالفشل، قد يكون من الحكمة التطلع إلى البيانات المتوافرة، لأن التغييرات في النمو الاقتصادي تأتي غالباً نتيجةً لتغيرات في الضرائب والأنظمة والتجارة، والإنفاق الحكومي وسياسات البنك المركزي، تماماً مثل سرعة العدّاء التي تنخفض عندما يزداد وزنه وتزداد عندما يخففه.
في خمسينات وستينات القرن العشرين، كانت أوروبا متعبة وجائعة وتجري بسرعة لإعادة بناء اقتصاداتها التي دمرتها الحرب. وفي بداية السبعينات، بدأت تزيد وزنها ممثلاً بضرائب أعلى، وإنفاق حكومي وأنظمة. ونتيجةً لذلك، هبط معدل نموها. وعلى امتداد الربع الأخير من القرن الماضي نمت أوروبا ببطء أكثر من الولايات المتحدة.
في المقابل، أقدمت المؤسسة السياسية في واشنطن على عدد من الأمور الغبية على امتداد السنوات الأخيرة، أثّرت سلباً على المنافع التي تضمنتها خفوضات بوش الضريبية. فتسببت إجراءات الإدارة والكونغرس برفع الإنفاق بمعدلات كبيرة، ما أدى إلى تقليص الموارد الإنتاجية في القطاع الخاص ونقلها إلى قطاع قليل الإنتاج أو لا ينتج كلياً، كما في القطاع الحكومي، وإلى رفع الضرائب على الشركات الكبرى، وانغمست الإدارة في أنظمة مالية مدمرة (على سبيل المثال، قانون “سيربانيس-أوكسلي” الذي يطلب تسعير خيارات الأسهم)، ما أدى إلى هروب قطاعات رئيسية من المؤسسات المالية إلى لندن وغيرها.
في غضون ذلك، أخذ بعض الأوروبيين يرى فوائد سياسية واقتصادية في تحرير الاقتصاد (مثلما تعلم البريطانيون من مارغريت ثاتشر). واعتمد أكبر اقتصادين في منطقة اليورو، وهما الألماني والفرنسي، سياسات تشجيع النمو، بانتخاب قادة مؤيدين للسوق—مثل أنغيلا مركل في ألمانيا ونيكولا ساركوزي في فرنسا. وبعد سنوات من الجمود حققت ألمانيا وفرنسا نمواً اقتصادياً يتجاوز 2 في المئة—وهي نسبة تحقق تقدماً كبيراً على رغم تواضعها.
وما يثير الإعجاب أكثر، ازدياد نسبة النمو في الاقتصاد العالمي، حيث تبتعد بلدان كثيرة، مثل الصين والهند، عن الاشتراكية، وتتجه الى الأسواق الحرة وحقوق الملكية المؤمّنة.
ترتبط معظم العملات العالمية في شكل مباشر أو غير مباشر باليورو أو الدولار. الجنيه البريطاني والين الياباني هما العملتان المهمتان الوحيدتان المتبقيتان اللتان تثبتان وجودهما. والمعروف أن قيمة أي عملة مقابل عملة أخرى مسألة تعود إلى العرض والطلب.
المصارف المركزية تُقرر إلى حد كبير كمية العملات المطروحة، بيد أن الطلب يعتمد على عدد من العوامل مثل نسب التضخم المتوقعة، ونسب الفوائد الحقيقية، وقوة الاقتصادات التي تدعم العملة، وإيمان الناس بالحكومة التي تصدر العملات وباستقرارها وحكمتها.
ويعتقد عدد من أفضل الخبراء في المستقبل الاقتصادي مثل بريان وزبري وديفيد مالباس أن الولايات المتحدة عانت من بُطء موقت، وأن الاقتصاد سينمو بسرعة أكبر مما هو متوقع. فإذا كانا على حق في وجهة نظرهما، وهو ما أتوقعه، فإن مجلس الاحتياط الفيديرالي الأمريكي سيعتمد على سياسة مالية أكثر تشدداً من أجل كبح زمام التضخم، ما يؤدي إلى فوائد تزيد جاذبية الدولار. وعلى المدى الطويل يُتوقع أن يستمر الاقتصاد الأمريكي في تجاوز الاقتصاد الأوروبي للأسباب الآتية:
أولاً، الوضع الديموغرافي في الولايات المتحدة أكثر صحة بكثير—أي أن نسبة العمال إلى المتقاعدين ستبقى أفضل بكثير من نسبتها في المجموعة الأوروبية بسبب معدل نمو السكان الأعلى في الولايات المتحدة.
ثانياً، سيبقى معدل الضريبة على العمال أقل كثيراً في الولايات المتحدة (نحو 60 في المئة من مثيلاتها في المنطقة الأوروبية). ومع أن الأوروبيين يحاولون خفض الضريبة العمالية، فإن متطلبات برامجهم في حقل الخدمات الاجتماعية تحد قدرتهم على تحقيق ذلك.
ثالثاً، الأوروبيون يرفعون ببطء مرونة سوق العمل، بالضرورة، بيد أن من غير المحتمل أن تضاهي أسواق العمل الحرة عندهم مثلما مثيلاتها في الولايات المتحدة بسبب المعارضات السياسية (تذكروا الاضطرابات الفرنسية).
ويبالغ كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في إصدار الأنظمة والقوانين، لكن الأوروبيين أكثر عرضة للمرض من الأمريكيين. لذا، من غير المحتمل أن يكونوا منفتحين على المبادرات الحرة مثلما هي الحال في الولايات المتحدة.
وأخيراً، وعلى أساس القوة الشرائية المتساوية، فإن اليورو والجنيه الإسترليني مُقومان بشكل واضح أعلى من قيمتهما الحقيقية مقابل الدولار، ما شعر به كل أمريكي سافر إلى أوروبا في الآونة الأخيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 آب 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

عندما كان أعضاء الكونغرس الديمقراطيون والمسؤولون في إدارة بوش يهنئون أنفسهم الأسبوع الماضي لاتفاقهم على إدخال مستويات قاسية وقابلة للتنفيذ بالنسبة لقضايا العمل والبيئة، كانت سياسة الولايات المتحدة التجارية تزحف ببطء نحو الهاوية. وفي غضون ذلك، فإن الاتفاقيات الثنائية التي وُقعت مع البيرو وبنما وكولومبيا وكوريا الجنوبية، وكذلك جولة الدوحة لمحادثات التجارة العالمية المتعددة الأطراف، قد تُركت يتيمة.
ومن الأمور ذات المغزى كيف أن التوقعات العريضة بالنسبة لتحرير التجارة العالمية قد تراجعت عندما اعتُبر الاتفاق بين الإدارة والكونغرس حول كيفية المضي في مفاوضات التجارة العالمية التي مضى عليها سنوات بمثابة اختراق مهم. وعلقت الناطقة بلسان ممثلة الولايات المتحدة إلى محادثات التجارة العالمية سوزان شواب على ذلك بقولها: “أظن أن هنالك درجة متنامية من الثقة والشراكة بين الحزبين التي تسمح لأجندة التجارة بالتقدم نحو الأمام. لقد بيّنا للعالم بأننا نستطيع أن نعمل معاً.” ويبدو أنها تناست بأن اتفاقيات التجارة تصاغ بين البلدان، وأن الاتفاق الذي تم على المستوى المحلي في الولايات المتحدة يجعل تلك الاحتمالات أقل حدوثاً.
للمراقب الذي يستخدم مشاعره أكثر من عقله، فإن لا بد للاتفاقيات التجارية التي تطالب ببنود أكثر صرامة في قضايا العمل والبيئة أن تبدو إحرازاً للتقدم. إنها قد تمثل تقدماً لأعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي الذين يسعون إلى تأييد النقابات من أجل إعادة انتخابهم عام 2008، ولكنها لا تفعل شيئاً لتحسين إمكانيات التوصل إلى تحرير التجارة. وبدلاً من ذلك فإنها تشكل عائقاً أمامه. ومن خلال ذلك سوف تحرم البلدان النامية من فرص النمو الاقتصادي، وهو المفتاح لرفع مستويات العمال المحليين ونوعية البيئة.
في 1996 اختتم وزراء التجارة الذين يمثلون الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية اجتماعهم الوزاري في سنغافورة بإصدار بيانٍ قوي تم اتخاذه بالإجماع حول موضوع مستويات العمل. لقد أعرب البيان عن تأييده لجوهر القضية، بينما في الوقت ذاته عارض فكرة فرض مستوياتٍ عمالية كجزء من الاتفاقيات التجارية.
المستويات العمالية المطلوبة إنما تتحقق نتيجة “النمو الاقتصادي والتنمية والتي تلقى الدعم من التجارة الدولية ومن تحرير آخر للتجارة العالمية،” كما جاء في البيان. وبكلمات أخرى، فإن فرض شروط على التجارة والاستثمار في البلدان الفقيرة إنما يؤدي فقط إلى إبطاء النمو الاقتصادي وبالتالي الحيلولة دون ارتفاع مستويات العمل فيها.
واليوم، فإن منظمة التجارة العالمية تضم من البلدان النامية أكثر مما كانت تضم في عام 1996. المسألة ليست أن هذه الدول تُعارض مستويات أفضل لأحوال العمال والبيئة. بل السبب أنها تخشى من أن البلدان الغنية وانطلاقاً من مصالحها الخاصة فيما يتعلق بسياستها الاستيرادية سوف تستخدم تلك البنود ورقة ضغط لتحقيق نتائج حمائية. القلق الأكبر هو أن إمكانيات الزعم بمخالفة مستويات العمل والبيئة، وبغض النظر عن صحة تلك الاتهامات، سوف تُبعد المستثمرين الأجانب في المصانع المحلية وفي قطاعات أخرى من الاقتصاد المحلي، وهما المفتاح الحقيقي لرفع مستويات الرفاهية.
إن عودة الكونغرس إلى سيطرة الديمقراطيين في تشرين الثاني الماضي قلب المعادلة بشكل خطير. لقد كانت نقابات العمال الأمريكية تطالب منذ زمن طويل بتحقيق مستوياتٍ قاسية بالنسبة للعمل والبيئة، وهي الآن تفرض شروطها من خلال قيادة الكونغرس. الاستجابة والتأقلم مع تلك المطالبات اعتبرت وسيلة لكسر الحاجز أمام التقدم في المفاوضات ودفع الأجندة التجارية إلى الأمام. ولكن الآن وقد تمت الاستجابة لتلك المطالب، فإن نقابات العمال على ما يبدو ترفع من سقف مطالبها.
ففي رسالة إلى ممثل الولايات المتحدة في مفاوضات التجارة العالمية في الأسبوع الماضي، فإن تشارلز رانغل، رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأمريكي، وهو ديمقراطي عن ولاية نيويورك، توصل إلى نتيجة مفادها أنه، وبغض النظر عن الصفقة التي تمت في الأسبوع الماضي، فإن الاتفاقية مع كولومبيا ما زالت مسألة تدعو إلى الانتظار إلى أن يتمكن مكتب النائب العام في بوغوتا عاصمة كولومبيا من أداء أفضل في القبض على المجرمين الدمويين ومعاقبتهم!
وفي غضون ذلك ظل رئيس اللجنة الفرعية للجنة المالية في مجلس النواب عن ولاية ميشيغان ساندر ليفين، يعارض الصفقة التي تمت مع كوريا الجنوبية لأنها لا تشتمل على اقتراحه الداعي إلى جعل دخول السيارات الكورية إلى أسواق الولايات المتحدة مرتبطاً بنجاح مبيعات السيارات الأمريكية في كوريا الجنوبية!
المعارضة ليس لها أية علاقة مع قضايا العمال أو البيئة. يجب أن يكون واضحاً تماماً بأن نقابات العمال وحلفاءها في الكونغرس يعارضون معارضة شديدة أية اتفاقيات تجارية جديدة. وعلى الرغم من أن الاتفاقيات التي تمت مع البيرو وبنما قد تجد طريقها إلى الإتمام بسبب أن حكومتيهما قد ربطتا سمعتهما على التوصل إلى تلك الصفقات، فإن جولة الدوحة في محادثات التجارة العالمية هي الآن أكثر بعداً من أي وقت مضى بسبب الصفقة التي تمت بين الكونغرس والإدارة.
إن التوصل إلى اتفاقيات تجارية في بيئة تؤمن بسياسة الحمائية هو أمر بالغ الدقة. إنها تنطوي على عملية توازن بين المطالب السياسية المحلية والأهداف المتوخاة من صياغة اتفاقياتٍ تكون ذات قيمة للولايات المتحدة ولمصالح شركائنا التجاريين. وكلما كانت التنازلات للاعتبارات السياسية الداخلية أكثر كلما كانت الاتفاقيات النهائية أقل قيمة. فبالإصرار على بنود عمالية وبيئية قاسية، تم الوصول إلى نقطة يمكن القول بأن الكيل فيها قد طفح.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 30 أيار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قد لا يكون الاستقرار كل شيء، ولكن يمكن اعتبار كل شيء آخر غير كافٍ بدونه. لقد تعلمت تركيا هذا الدرس وجلبت الاستقرار والنمو. وقد أنتجت هذه التطورات الإيجابية، المقترنة مع الخصخصة الواسعة ومناخ الاستثمار الدولي الذي شجع على المجازفة، طفرة غير مسبوقة فى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تركيا. هذه أنباء طيبة، ولكن ينبغي وضعها في المنظور الصحيح.
لم تكن تركيا منفردة في ذلك: فلقد ارتفع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل ملحوظ على صعيد عالمي على مدى الثلاث سنوات الأخيرة. وتأتي الأخبار الأكثر واقعية عندما يبحث الشخص في تفاصيل ما يجعل اقتصاد ما تنافسيا، وهو قياس هام في أعين المستثمرين الأجانب. ومن الواضح أنه، وفي حين توفر إمكانات كبيرة لدى تركيا، فإن الأعمال التجارية والعمال فيها مثقلون بأعباء نظام قانوني دون المعايير وبيروقراطية ضخمة تنتج الكثير من الروتين الحكومي ووجود نظام ضريبي لا يشجع على العمل في الاقتصاد الرسمي. تؤثر هذه العوامل السلبية على حصول تركيا على ترتيب منخفض نسبيا في الدراسات التي تقيس التنافسية. فعلى سبيل المثال، تحتل تركيا المرتبة الثالثة والثمانين (أقل بقليل من مولدافيا وكينيا) في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2007.
سلكت إستونيا هذا الطريق، فلننظر إلى إنجازاتها. منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، تخلصت إستونيا من الروبل الروسي وبدأت في إصدار عملتها الخاصة بها (كرون) في عام 1992 عن طريق إنشاء مجلس للعملة: اصدار الكرون المدعوم دعما كاملا باحتياطيات العملة الاجنبية والممكن تحويله بدون قيود بأسعار ثابتة تبلغ 15.65 لكل يورو. كما سنت إستونيا أيضا مجموعة واسعة من إصلاحات السوق الحرة، بما في ذلك إدخال نظام ضريبي بسيط وثابت. ولا عجب في أن تتبوأ إستونيا خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة المرتبة الثانية عشرة من ضمن قائمة أكثر الاقتصادات حرية في العالم (أعلى مرتبة توصلت إليها أي دولة شيوعية سابقة)، وأن يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى عشرة أضعاف منذ عام 1992، ليصل إلى 12900 للفرد هذا العام.
لدى تركيا، وبالنظر إلى شعبها وموقعها وتاريخها، إمكانات اقتصادية كبيرة ويمكنها أن تجري تحسينات هائلة في قدرتها التنافسية. وتكمن المشكلة في عدم تحقيق هذه الإمكانية بسبب تاريخها المليء بالسياسات الاقتصادية المشكوك فيها وعملتها غير المستقرة. وكمثال على ذلك، إن إنتاجية القطاع العام في تركيا أقل من نصف إنتاجية القطاع العام في سنغافورة. وكذلك، وحسب تقرير “بدء الأعمال لعام 2007” الصادر عن البنك الدولي، الذي يقيّم 175 دولة، تحتل سوق العمل في تركيا المرتبة 146 من حيث الصعوبات التي تواجهها الأعمال التجارية والشركات في توظيف العمال وتسريحهم، ومن حيث ارتفاع الضرائب المرهق على الأجور.
إن أفضل طريقة تتبعها تركيا من أجل تحديث وتحسين القدرة التنافسية لديها هي تنفيذ، ومن جانب واحد، مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية “المصنوعة في تركيا”. لقد دعى الاقتصاديون الليبراليون، منذ آدم سميث، الدول أن تقوم، وبشكل منفرد، بتبني السوق الحر وسياسات التجارة الحرة لسبب بسيط هو أن تلك السياسات صحيحة من حيث المبدأ والممارسة. كما جادلوا ضد مبدأ المعاملة بالمثل، الذي يلزم الدولة على خفض القيود التجارية مع الدول الأخرى التي تحذو حذوها فقط. ومن ناحية عملية، إن الممارسة الأحادية لسيادة القانون وسياسات السوق الحرة شائعة وتعمل بشكل جيد. ولا يوجد مثال لذلك أفضل من سنغافورة.
نالت سنغافورة استقلالها في عام 1965، وفعليا، طردت سنغافورة من اتحاد مدته سنتين مع ماليزيا. وفي ذلك الوقت، كانت سنغافورة متخلفة جدا، وفقيرة، وكان لديها مصدر قوة واحد فقط هو موقعها الاستراتيجي. لقد كانت سنغافورة بقعة صغيرة على الخريطة في جزء خطير من العالم، كما كان سكانها يتكونون من مجموعة متنوعة من المهاجرين مع تاريخ من التوترات الطائفية. إلا أنه كان لديها قائد قوي ذو رؤية واضحة لكيفية تحديث بلده.
استبعد (لي كوان يو) صراحة الاستجداء وقبول المساعدات الأجنبية من أي نوع. وتضمن مبدأه الرئيسي لتنظيم الحكومة السير بصرامة دون أي هدر أو فساد. ولتنفيذ هذا المبدأ، عين (لي كوان يو) موظفين من الدرجة الأولى فقط في الخدمة المدنية، كما دفع لهم أجورا مرتفعة من الدرجة الأولى. المبدأ الآخر الذي احتضنه (لي يو) هو منافسة دول العالم الأول، والذي تحقق من خلال الضرائب القليلة، والحد الأدنى من تقييد الأعمال والتجارة الحرة. وأخيرا، أصر على الأمن الشخصي والنظام العام وحماية الممتلكات الخاصة. وليس بالمستغرب أن تكون سنغافورة اليوم واحدة من أغنى الدول وأكثرها تنافسية في العالم.
بالرغم من أن الاستقرار شرط ضروري للرخاء والازدهار، إلا أنه لا يتحقق إلا مقابل ثمن في دولة لها تاريخ طويل من عدم الاستقرار النقدي. وهذا هو السبب في كون معدل الفائدة في تركيا من أعلى المعدلات في العالم، فهي مرتفعة لدرجة قاسية وغير مستدامة. لن يؤدي مجلس العملة التقليدي، على غرار مجلس عملة إستونيا، إلى تثبيت سعر صرف الليرة (مثلا، إلى اليورو أو الدولار) على شكل معقول فحسب، بل سيؤدي أيضا إلى تعديل مشكلة معدل الفائدة الحقيقية في تركيا.
يتحتم على تركيا أن تجري الإصلاحات اللازمة لتحقيق مكانة كبيرة. سيكون التحدي الذي تواجهه هو تعيين أشخاص من أجود النوعيات في المناصب الرئيسية وتحديد الطريق لهم بصرامة. لا ينبغي الاستخفاف بهذا التحدي. ولو كان التاريخ دليلا، ستتلاشى القوة الدافعة للإصلاح مع الزمن.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 22 أيار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قام البنك الدولي بإجراء تغيير على اسم “دائرة تقييم العمليات” التابعة له، إلا أن ذلك لا يعني تغييرا في أساليبه. وقد ظهر على اللوحة الجديدة التي تم تثبيتها على باب تلك الدائرة اسم “مجموعة التقييم المستقلة”. وبهذا العمل، يقوم البنك في الوقت الحالي بالتخندق استعدادا للدفاع عن مطلب صريح بشكل متزايد بخصوص إجراء مراجعة مستقلة حقيقية للإشراف الذي يقوم به البنك على المعونات الخارجية.
وبانقضاء نصف قرن وبصرف مبالغ تزيد عن 500 مليار دولار، سوف يكون هناك الشيء القليل الذي سيتم الكشف عنه بفعل الجهود التي يبذلها البنك الدولي. غير أنه لن يتوفر لدينا أي مقياس لأداء البنك سوى ما سيقوم بالإعلان عن اختياره، وليست هناك وسيلة يتم بها التثبت من حكمة الاستثمارات الجماعية لدول العالم الصناعية.
لن يكون بإمكان التفاؤل الذي سينجم عن التقارير الهامة أن يعمل على تغطية الحقائق الكامنة فوق الأرض. فمستويات المعيشة للدول الأشد فقرا قد أصابها الركود[1] حتى أنها هبطت بشكل كبير وصل إلى نسبة 25 في المائة. وهناك ثماني وثلاثون دولة تتراكم عليها قروض غير قابلة للسداد لجهات متعددة بلغت 71 مليار دولار والتي جرى تشجيعها بفعل توقعات البنك المسيرة ذاتيا حول نمو الدول، والتي بمقتضاها يتوجب على دافعي ضرائب الدول الغنية في الوقت الراهن أن يقوموا بالوفاء بها. وقد تم الكشف عن الفساد المستشري داخل البنك وداخل برامجه والذي يقدر في الوقت الحالي بما يزيد عن 100 مليار دولار. وهناك احتجاجات تصاعدت بين كبار المفكرين الإفريقيين الذين يسعون إلى إيقاف كافة المعونات نظرا لأنها تهدف فقط إلى تحصين وإثراء سلسلة من نخب الفساد في إفريقيا. كما أن هناك إثباتات كبيرة في إفريقيا تتم روايتها تدل على حدوث تبديد وعلى وجود عدم كفاءة وسرقات علنية لم يعد بالمستطاع أن يتم تجاهلها.
لقد منح البنك لنفسه درجات جيدة وهو يتفاخر متبجحا بان ما يربو على ثلاثة أرباع المشاريع التي قام بإنجازها قد تحقق لديها “نتائج مرضية”. غير أن مدققي الحسابات عندما يكونوا مقيّدين، وعندما يكون توقيت إصدار الحكم قد استحق قبل أوانه، وعندما تكون المعايير خاطئة وتكون الأرقام متلاعب بها بشكل انتقائي، فكم ستكون عندئذ مصداقية الاستنتاجات؟
مدققو الحسابات المقيّدون

التعبير بكلمة “مستقلين” المستخدمة من قبل البنك هي مجرد كلمة تجميلية بخصوص تغيير مؤقت طرأ على أحد دوائر البنك وسوف لن يعمل تركيب لوحة تحمل اسما جديدا على تغيير التوقيع الذي يتم وضعه على شيك دفع الرواتب أو على المكافآت الخاصة بجهاز الموظفين التابع للبنك. وتعتبر “مجموعة التقييم المستقلة” بمثابة دائرة في البنك كأية دائرة أخرى فيما عدا شكليات تسلسل التبعية إلى مجلس الإدارة التنفيذي والتي تكون في افضل حالاتها سلبية. ومن ناحية أعضاء مجموعة التقييم جميعهم باستثناء حامل لقب المدير العام، هناك باب دوار يتجه عائدا إلى الوظائف القياسية وفق نفس المستوى وللترقيات المتوفرة لدى البنك. وبسبب قيام البنك بالإعلان عن النتائج فقد تمت ممارسة ضغوط قوية لكي يتم الإظهار بان هناك نجاح قد تحقق في هذه النتائج. أما التدقيق الخارجي فقد تم الحيلولة دون إجرائه بسبب عدم وجود وصول يتاح أمام العامة إلى البيانات الأساسية والتي بالكاد أن تعزز إصدار أحكام نزيهة ودقيقة جدا حتى وإن قام البنك بالتفاخر بان من غير الممكن بالنسبة لموظفيه أن يقوموا بمراجعة وتدقيق المشاريع التي يقومون هم أنفسهم بتصميمها.
وبالنسبة لبعثات تقصي الحقائق، فهي بعثات مشتبه بها بما أنها لم تقم ببذل قصارى جهدها نحو المواضيع المنوطة بها. ولقد عمل كبر حجم إخفاق شركة إنرون على إلقاء الضوء على الحماقة التي يتم ارتكابها عندما يتم حصر المصداقية في المراقبة الداخلية وحتى عندما يتم حصرها في مدققي الحسابات من الخارج حيث يمكن أن يتم تخويفهم من قبل أولئك العملاء الذين يتمتعون بالإنفاق المرتفع.
من الواجب على مدققي الحسابات الخارجيين والذين هم وراء إحداث أي تأثير على هذا الموضوع أن يقوموا باختراق وتمزيق غشاوة التمجيد الذاتي وأن يقدموا إجراءات ضبطية تعمل على حماية المصلحة العامة.
المنهجية المشكوك بها والتلاعب الانتقائي

عند وضع مسألة “الاستقلالية” جانبا فان منهجية التقييم التي يتبعها البنك تقوم باستفراغ تلك الاستنتاجات دون أن يكون لها أية قيمة. أما الأشياء التي يقوم البنك بالإعلان عنها كنتائج فهي في واقع الأمر عبارة عن توقعات فقط تمت صياغتها في لحظتها عندما يكون التفاؤل في وضعية عالية. ويقوم البنك بتعريف كلمة “النتيجة” على أنها تعني فعلا فقط “احتمالية” أن يكون ذلك المشروع أو البرنامج ناجحا وفق ما تم تصنيفه من قبل ضابط القروض عندما يتم الانتهاء من تقديم الأموال. وقد تجري مثل تلك الأشياء وفي أحيان كثيرة قبل سنوات عديدة من إدارة وتشغيل المشروع المادي. فـ”برامج الإصلاح (الاقتصادي)” المعممة والشائعة هي التي تقوم بجذب أعلى الدرجات. ومع ذلك، تتطلب الإصلاحات الموعودة سنوات عديدة لإحداث تأثير على الاقتصاد إذا صدف وقد تم تنفيذها فعلا.
ولم يحدث أن قام البنك بالعودة إلى تفقد وتفحص نجاح مشروع طويل الأجل إلا في حالات نادرة حيث أن هناك الكثير من التحريات التي تمت في موقع المشروع قد توصلت إلى لا شيء بفعل افتقارها إلى الرقابة والسجلات. أما التركيز فهو يكون منصبا على كمية مدخلات البرامج مع بذل القليل من الجهد ليشمل قياس المخرج الفعلي الذي سينتج عن تلك البرامج.
ولقد تم التلاعب بمقاييس الأداء كي تعمل على دعم ادعاءات ومزاعم الإدارة في تحقيق النجاح وفي دحض النقاد. وفي أواخر أعوام التسعينيات من القرن الماضي قفزت مرتبة التصنيفات الإرضائية عندما تمت مراجعة المعايير استنادا إلى تعليمات إدارة البنك دون أن تتم تسوية مقابلة في السنوات السابقة لضمان التناغم والتناسق في القياس، بناء أيضا على تعليمات صادرة عن إدارة البنك.
الحاجة إلى تدقيق أداء مستقل
يبدو أن البنك أكثر كفاءة ودقة في إدارة أرقامه مقارنةً بإدارة برامجه! المطلوب هو وجود مدقق حسابات خارجي حسن النية يتم إرساله إلى موقع البنك من قبل القطاع الخاص ليقوم بالبت في المساهمات الدائمة التي يقوم بها في مشاريعه لدى الدول الأشد فقرا بعد تاريخ تشغيلي يمتد ما بين 3 إلى 5 سنوات وليعطي مقياس فعلي دائم بالنسبة لفعالية وكفاءة المعونات التي يقدمها. ويجب أن يكتب مدققو الحسابات التقارير بشكل مباشر إلى الدوائر التشريعية والتنفيذية لدى حكومات مجموعة الدول السبع، كما يجب أن يتم نشر أعمال تدقيق البرامج الفردية والتقييمات الكلية للأداء وأن يتم تكرار هذه الممارسة كل ثلاث سنوات.
إن اعتراضات البنك على القيام بأعمال تدقيق من الخارج قد تركزت على الضرر الذي قد يصيب الناحية المعنوية لهذه المؤسسة وعلى تبديد الأموال وعلى عدم وجود علاقة مع السجلات السابقة حيث تم التذرع بأنها قد تمت معالجتها من خلال الإصدار الأخير المسمى “البنك الجديد”. والسبب الأخير يعتبر بمثابة الرد الروتيني الذي يصدر عن سلسلة من إدارات البنك على مدى العقود الثلاثة الماضية.
ومن بين المعوقات الأخرى فقد تم ذكر الأمور الفنية الخاصة بسرية العملاء وبحقوق سيادة الدول التي ترغب في تحاشي أعمال التدقيق. أما بالنسبة لتلك الأطراف الكائنة في الجانب المتلقي لمليارات الدولارات من المعونات التي تتدفق من دافعي الضرائب في الدول الصناعية من خلال قناة التمويل التابعة للبنك الدولي، فمن الواجب أن يكون هناك التزام مقابل لدى هؤلاء المتلقين، ويجب أن يتم اعتبار الوصول الحر إلى الحقائق والقدرة على نشرها والإعلان عنها شرطا من شروط قروض البنك الدولي كلها.
وبما أن الهدف من برنامج “التنمية الألفية التابع للأمم المتحدة” المتمثل بجعل الفقر المدقع يصل إلى النصف قد اكتسب زخما قويا، فان الدول المانحة تنزع إلى التمويل من خلال زيادة المعونة التنموية بأرقام مرفوعة بقوة كبيرة—مضاعفة التدفقات السنوية إلى 50 مليار دولار للدول الأشد فقرا بحلول عام 2010 و50 مليار دولار أخرى كزيادة سنوية تم التمهيد لها للعام 2015. وبناء عليه، سيقوم البنك بالحصول على اكثر من حصته. عندئذ، سوف تكون هناك مكاسب غير متوقعة تتمثل بما يسمى بتخفيف عبء الديون والتي بمقتضاها قام البنك بانتزاع ابتزازي بمقدار مائة سنت لكل دولار من مجموعة الدول السبع بخصوص محفظة مالية بلغت 46 مليار دولار من قروض عديمة القيمة على الدول النامية والتي كان البنك قد قام بإدارتها لمدة تزيد عن عقدين من الزمن. وقد كانت نتيجة ذلك عبارة عن سيل من الأموال المضمونة التي تتدفق على إحدى الأدوات الآلية بغرض ملء ثغرات عميقة في ميزانية البنك العامة ومن ثم بعد ذلك يتم إغداقها كمعونات جديدة غير مصرح بها.
إن تقديم مقادير كبيرة من الأموال سوف لن ينهي مسؤولية الدول الغنية تجاه الدول النامية. فللمانحين اهتمام لا مهرب منه في الاستخدامات التي يتم تخصيص المعونات لها وفي النتائج التي سوف تحققها تلك المعونات. ويجب أن يتم وزن هذه المبالغ الهامة مقابل الاستخدامات البديلة بالنسبة للموارد النادرة لدافعي الضرائب.
لقد حانت اللحظة المناسبة كي يتم الإصرار على أن البنك الدولي يجب أن يخضع لمراجعة ولتدقيق خارجي جدي ومستمر وأن يصبح قدوة في الشفافية والمساءلة بحيث تقتدي به الدول النامية وأن يصبح توفير تدقيق خارجي ليقوم بتدقيق أداء البنك كل ثلاث سنوات شرطا من شروط موافقة اتفاقية مجموعة الثمانية على تخفيف عبء الديون وعلى تمويل المعونات المستقبلية. فسوف لن يكون هناك إصلاح اقتصادي دون الاعتراف بالإخفاقات التي تمت في الماضي.
ملاحظات:

[1] لم تكن المعونة هي القوة المحركة وراء المكاسب الضخمة التي تحققت في الصين والهند وإندونيسيا حيث حصل، افتراضيا، تقدم شامل في مستويات معيشة الدول النامية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 20 آذار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

قبل عام مضى بدت أوروبا الوسطى كمثل يحتذي به الآخرون. أما اليوم فإنها منطقة تتسم بالتعصب المتنامي وعدم الاستقرار السياسي. البعض يلوم الإصلاحات الليبرالية، زاعمين بأن الرأسمالية ركزت أموالاً كثيرة وسلطاناً في أيادٍ قليلة.
أما الحقيقة فهي أن الإصلاحات لم تذهب إلى الأبعاد الكافية. فقطاع الأعمال ما زال يرزح تحت وطأة أنظمة مبالغ فيها والحكومات تنفق أموالاً كثيرة. هذا يشعل موجة الفساد وعدم الرضا الشعبي بالنسبة للعملية الديمقراطية.
وبشكل عام فإن أوروبا الشرقية تمثل قصة نجاح. جمهورية التشيك وسلوفاكيا وهنغاريا وبولندا تنتهج ديمقراطيات السوق الحرة. وبينما كانت تلك الدول سابقاً جزءاً من حلف وارسو، فإنهم الآن أصبحوا أعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. شعوب أوروبا الوسطى يحصلون الآن على مداخيل أعلى ويعيشون حياة أطول ويلتحقون بالمدارس أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك فإن الليبرالية، وهي فلسفة الحرية السياسية والمدنية والاقتصادية التي كانت الأداة في تحقيق تلك المكاسب، هي الآن في موقع الدفاع.
في سلوفاكيا هزم تحالف وطني اشتراكي حكومة ميكولاس تزوريندا الإصلاحية، وفي بولندا استطاع تحالف بين المحافظين والوطنيين من إبقاء دعاة الإصلاح المدني خارج الحكم. وفي جمهورية التشيك، نجح الحزب الليبرالي المدني الديمقراطي في الانتخابات، بيد أنه أضعف من أن يتمكن من تشكيل حكومة. وفي هنغاريا أُبعد الشعبيون من الحصول على السلطة ولكن بمجرد شعرة، وبسبب أن أصحاب السلطة من الاشتراكيين كذبوا حول حقيقة وضع الاقتصاد العام.
وقد رأى كثير من المعلقين في أداء الأحزاب الليبرالية الضعيفة في الانتخابات علامة على ضعف التأييد العام للسوق الحرة. بيد أن الحقيقة هو أن معظم الاستطلاعات التي أجريت في البلدان التي التحقت بالاتحاد الأوروبي والتي قام بها معهد غالوب في عام 2003، وجدت أن معظم سكان أوروبا الوسطى يؤيدون المنافسة الحرة كما يؤيدون تدخل حكومي أقل في حياتهم. وكذلك فإن الكثير من إصلاحات دزوريندا الراديكالية، بما في ذلك الضريبة المقطوعة، قد نالت تأييد غالبية الشعب السلوفاكي قبيل انتخابات 2006.
إن صعود الأحزاب الشعبية في أواسط أوروبا يعود جزئياً إلى وعودها بمحاربة الفساد. وعلى سبيل المثال فإن تصنيف بولندا في سلم قياس الفساد على المستوى الدولي من حيث الشفافية قد هبط إلى 3.4 في عام 2005 من 4.6 في عام 1998 وهبط تصنيف التشيك إلى 4.3 من 4.8 وهنغاريا ظلت في مستوى 5، أما في سلوفاكيا فقد ارتفع المؤشر إلى 4.3 من 3.9. وعلى النقيض من ذلك فإن آيسلندا، التي كانت تعتبر من أقل بلدان العالم فساداً، نالت 9.7 نقاط من مجموع 10.
لماذا يظل الفساد مشكلة كبيرة في أواسط أوروبا؟ على الرغم من الارتفاع الدراماتيكي في حرية الإقليم الاقتصادية منذ زوال الشيوعية، فما زالت معظم اقتصاديات أوروبا الوسطى مكبلة بالأنظمة. وقد وجد البنك الدولي أن سلوفاكيا وجمهورية التشيك وهنغاريا وبولندا مكبلة بأنظمة أكثر من معظم اقتصاديات البلدان المتقدمة بما في ذلك معظم الدول الأعضاء في المجموعة الأوروبية. هذا يعني أن هنالك جيوشاً من البيروقراطيين في تلك البلدان الأربع، التي يوجد لديها فرص عديدة لابتزاز الرشاوى من الشركات الخاصة.
يضاف إلى ذلك أن الشفافية الحكومية، والرقابة البرلمانية، واستقلال القضاء وقوة جهاز الخدمة المدنية تظل غير متطورة نسبياً في أواسط أوروبا. فالإنفاق العام قليلاً ما يكون شفافاً كما أن أنظمة العطاءات للعقود الحكومية كثيراً ما تخضع لأهواء الموظفين العامين شديدي الطمع. وهكذا فإن الأنظمة الكثيفة والعطاءات التي يلفها الغموض قد ساهمت في خلق طبقة كاملة من الناس تربطها علاقات سياسية والتي جمعت ثرواتها بوسائل غير مستقيمة. وقد انتقم الرأي العام الغاضب من الطبقة الحاكمة الفاسدة بسحب تأييده عن الأحزاب السياسية القائمة.
إن صعود الأحزاب الشعبية من شأنه أن يؤجل المزيد من الإصلاحات الاقتصادية. هذا أمر يُؤسف له، لأن حجم وآفاق الدولة في أوروبا الوسطى لا بد أن يخفَّضا من أجل تقرير مشكلة الفساد. ومن المفارقات أن تأجيل المزيد من اللبرلة وما يرافق ذلك من فشل في معالجة الأسباب الكامنة وراء الفساد قد ينال من أوضاع حكام أوروبا الوسطى الجدد وأن تمهد الطريق لتجددٍ ليبرالي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 13 آذار 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

بتاريـخ 14 آب 1997، وبعد وقت قصير من انهيار العملة التايلندية (البات) يوم 2 تموز، قامت اندونيسيا بتعويم عملتها (الروبية). هذا القرار دفع سـتانلي فيشر، نائب المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي إلى الإعلان الصريح بقوله بان: “إدارة صندوق النقد الدولي ترحب بالقرار الذي تم اتخاذه في وقته المناسب من قبل السلطات الاندونيسية وإن تعويم الروبية، المقترن بوجود أساسيات قوية في اندونيسيا والمدعوم من قبل سياسات مالية ونقدية تتسم بالحذر، سوف يسمح للاقتصاد الاندونيسي بالاستمرار في أدائه الاقتصادي المثير للإعجاب في السنوات العديدة الأخيرة.”
وخلافا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فان الروبية الاندونيسية لم يتم تعويمها فوق بحر من السكون، بل إنها هبطت هبوطا سريعا ومفاجئا من 2.700 روبية للدولار الأمريكي الواحد في زمن التعويم إلى مستويات منخفضة قاربت 16.000 روبية للدولار الأمريكي في العام 1998. وهكذا، فقد لحقت اندونيسيا بركب الاضطرابات العاصفة للازمة الآسيوية الهائلة.
وبحلول أواخر شهر كانون الثاني 1998، أدرك الرئيس سوهارتو بان الدواء الذي وصفه صندوق النقد الدولي لم يحقق النجاح، ولهذا فقد قام بالبحث عن رأي ثاني. وفي شهر شباط من نفس العام تم استدعائي كي أقدم ذلك الرأي الثاني وان ابدأ العمل في سبيل الخير كمستشار خاص للرئيس سوهارتو. ومع انه لم يكن لدي أية آراء حول حكومة الرئيس سوهارتو فقد كان لدي فعلا أفكارا محددة حول المسألة المطروحة للبحث. وبعد المناقشات المفتوحة الاعتيادية في المنزل الخاص بالرئيس سوهارتو، قمت بالاقتراح، كترياق واقي، بان يتم عمل مجلس نقد تقليدي تكون الروبية بموجب هذا المجلس قابلة بالتحويل بالكامل إلى الدولار الأمريكي وفق سعر صرف ثابت. وفي ذلك اليوم الذي وصلت به هذه الأنباء إلى الشارع ارتفعت الروبية ارتفاعا شديدا بنسبة وصلت إلى 28 بالمائة مقابل الدولار الأمريكي. وقد عملت هذه التطورات على إغاظة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وصندوق النقد الدولي.
وتلا ذلك شن هجمات قاسية على فكرة مجلس النقد وعلى “المستشار الخاص”. وتم إبلاغ الجنرال سوهارتو بعبارات لا غموض فيها، من قبل كل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون، ورئيس صندوق النقد الدولي مايكل كامدوسو، بان عليه إما أن يقوم بصرف النظر عن فكرة مجلس النقد أو أن يفقد مبلغا مقداره 43 مليار دولار أمريكي ستكون كمساعدة خارجية. كما انه كان أيضا على دراية بان أيامه كرئيس لاندونيسيا سوف تكون معدودة إذا لم يتم استقرار الروبية.
كذلك، قام أخصائيو علم الاقتصاد أيضا بالانضمام إلى محاكاة ذلك. فقد تم بالفعل تقديم نصف الحقيقة مع اللاحقيقة التي يمكن أن يتم تخليهما ضد فكرة مجلس النقد. وبحسب رأيي الشخصي، فان هذه الإشاعات الكاذبة المضللة للجمهور التي تكررت مرارا قد تم إعطاؤها أهمية زائدة بوجود دعم كامل خاص بمجلس النقد الاندونيسي (والذي تلقى تغطية إعلامية ضئيلة جدا) من قبل أربعة علماء اقتصاد حائزين على جائزة نوبل في علم الاقتصاد هم: جاري بيكر وميلتون فريدمان وميرتون ميلر وروبيرت موندل.
لماذا إذن كل هذه الضجة الكبرى حول مجلس نقد خاص باندونيسيا؟ على الفور، استوعب عالم الاقتصاد ميرتون ميلر اللعبة الكبرى، حيث كتب، عندما كنت أنا والسيدة هانكي نقيم في فندق شانغريلا في جاكرتا، قائلا بان معارضة إدارة كلينتون لمجلس النقد “لم تكن لأنها سوف لن تحقق النجاح، بل لأنها سوف تحقق هذا النجاح، وإنهم، إذا تحقق ذلك النجاح سوف يقومون بالالتصاق والتعلق بسوهارتو.” وهناك الكثير من هذه المناقشات نفسها قد تم التصريح بها من قبل رئيس الوزراء الاسترالي الأسبق بول كيتينغ حيث قال: “لقد قامت وزارة الخزانة الأمريكية بشكل مدبر تماما باستخدام الانهيار الاقتصادي كذريعة للتسبب في طرد الرئيس سوهارتو.” وقد تدخل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لورنس ايغلبيرغر ليشخص تشخيصا مماثلا لتلك المسألة حيث قال: “لقد كنا أذكياء نوعا ما بحيث أننا قمنا بدعم صندوق النقد الدولي عندما كان يقوم بقلب نظام حكم [سوهارتو]، أما الطريقة التي كان علينا أن نسلكها إن كانت حكيمة أم لا فهذا شأن آخر. فانا لا أقول بان السيد سوهارتو يجب أن يبقى في الحكم، لكنني أود أن أتمنى لو انه قد ترك الحكم وفق شروط تختلف عن ذلك السبب الذي تسبب صندوق النقد الدولي بطرده خارج الحكم.” وحتى مايكل كامدوسو لم يكن بمقدوره أن يجد أي خطأ أو تقصير في هذه التقييمات. فقد صرح علنا، بمناسبة حصوله على التقاعد، بقوله متفاخرا: “لقد قمنا نحن بخلق الظروف التي أجبرت الرئيس سوهارتو على ترك منصبه.”
ولكي يتم خلع الرئيس سوهارتو، كان من الضروري أن يكون هناك خدعتان. الخدعة الأولى عملت على إدخال تلفيق لموقف عام عدائي مفتوح من قبل صندوق النقد الدولي تجاه مجالس النقد. وهذه الخدعة كانت مطلوبة لكي يتم إقناع سوهارتو بأنه يتصرف بشكل راديكالي متطرف وانه، في حال استمراره على هذا النحو، سوف يكون الثمن باهظا. وقد تطلب عداء صندوق النقد الدولي أن يتم إجراء استدارة كاملة في الاتجاه وسريعة كما يلي: قبل اقل من سنة واحدة على الضجة الاندونيسية، قامت بلغاريا (حيث كنت اعمل لديها مستشارا للرئيس ستويانوف) بتركيب مجلس نقد بتاريخ 1 تموز 1997 بموافقة حارة وحماسية من قبل صندوق النقد الدولي. وفي البوسنة والهرسك (حيث قمت بنصح حكومة هذه الدولة حول تنفيذ مجلس النقد) تمت متابعة هذا الالتماس وفق تفويض “اتفاقية دايتون للسلام” وبدعم من صندوق النقد الدولي بتاريخ 11 آب 1997.
وبعد أن غادر سوهارتو بوقت قصير، انكشفت خدعة مجلس نقد صندوق النقد الدولي بحيث أصبحت شفافة. وفي 28 آب 1998، أعلن مايكل كامدوسو بان صندوق النقد الدولي يود أن يعطي روسيا ضوءا اخضرا لو أنها ستختار أن تتبنى مجلس النقد. وقد أعقب ذلك اجتماع لم يتم التعريف به إلا قليلا عقد بتاريخ 16 كانون الثاني 1999 في مكتب مايكل كامدوسو لدى مقر صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة. وقد ضمت المجموعة التي حضرت ذلك الاجتماع كبار شخصيات صندوق النقد الدولي ووزير مالية البرازيل بيدرو مالان ومدير السياسة النقدية لبنكها المركزي فرانسيسكو لوبيز. وقد كان ذلك الاجتماع هو الذي قام به مايكل كامدوسو بتقديم اقتراحه بان تقوم البرازيل بتبني مجلس النقد!
الخدعة الثانية عملت على إدخال قصة انتشرت على نطاق واسع وهي أنني قمت بالاقتراح بان يتم تحديد أسعار صرف الروبية وفق مستويات مغالى فيها بحيث يتمكن الرئيس سوهارتو وأصدقاؤه الحميمون من سلب ونهب احتياطيات البنك المركزي. لقد كان هذا السيناريو التصوري المتمثل “بـأن يتم أخذ الأموال والهروب بها” بمثابة مسمار الدولاب الذي عمل على تسهيل حركة حملة إدارة كلينتون ضد سوهارتو ولقد كان من المقصود أن يتم “التأكيد” على أن نوايا سوهارتو مراوغة، وبان يتم حشد دعم سياسي دولي ضد فكرة مجلس النقد وبغرض أن يتم طرد سوهارتو.
أما قصة أسعار الصرف المغالى فيها فقد تمت إحاطتها بهالة مقدسة من قبل صحيفة الوول ستريت جورنال بتاريخ 10 شباط 1998. فقد نقلت هذه الصحيفة قائلة بان بيتر غونثا [رجل الأعمال الثري والمقرب من ابن سوهارتو آنذاك] قام باستدعائي إلى جاكرتا وأنني قمت بتجهيز ورقة عمل خاصة بالحكومة أوصي بها بان يتم ضبط سعر صرف الروبية مقابل الدولار الأمريكي بسعر 5.500. ولقد كان هذا الأمر جديدا بالنسبة لي بما أنني لم أقم بمقابلة بيتر غونثا ولم أتعرف عليه، كما أنني لم أقم بكتابة أية تقارير حول اندونيسيا أو تقديم أي اقتراح خاص بسعر صرف الروبية.
وعلى الفور، حاولت أن أقوم بتصحيح هذا التلفيق والفبركة وكانت العملية صعبة وبطيئة وفي النهاية كانت غير مقنعة. وبالرغم من أن صحيفة الوول ستريت جورنال قامت يوم 14 شباط (من نفس السنة) وعلى مضض بنشر تصحيح نصف مطبوخ أو نصف ناضج إلا أن الضرر كان قد وقع فعلا.
لقد تم تكرار النسخة الأصلية للتلفيق والفبركة التي صدرت بالفعل عن صحيفة الوول ستريت جورنال (أو بعض المتغيرات من هذه الفبركة) في كل مجلة وصحيفة كبرى في شتى أنحاء العالم واستمر صداها في الترديد لغاية هذه الأيام حتى فيما يسمى بالكتب والمنشورات العلمية. فعلى سبيل المثال، أكد “لي كيوان يي” في مذكراته في العام 2000، بعنوان: من العالم الثالث إلى العالم الأول، قصة سنغافورة: 1965-2000، بأن: “بامبانغ—ابن الرئيس سوهارتو—قام في أوائل شباط 1998 بإحضار ستيف هانكي وهو بروفيسور أمريكي في علم الاقتصاد من جامعة جونز هوبكنز كي يقابل الرئيس سوهارتو ليبلغه بان الرد البسيط على القيمة المنخفضة لصرف الروبية هو أن يتم إنشاء مجلس النقد.” هذا القدر الضئيل من المعلومات المضللة كان بمثابة دهشة مفاجئة لي بما أنني لم يكن لدي أي اتصال مع بامبانغ سوهارتو مطلقا. لكن السياسيين لم يكونوا هم فقط الذين أخفقوا في “تقصي الحقائق” بالنسبة لتأكيداتهم. ففي كتاب لثيودور فريند عام 2003: المصائر الاندونيسية، تمت كتابة اسمي بشكل خاطئ وتم بعد ذلك المضي قدما بقوله بأنني “قمت بتقديم مشورة إلى عائلة [سوهارتو] لكي تقوم بتثبيت سعر الصرف بـ5.000.”
إن عملية ضبط هذا السجل ليكون بشكل موثوق قد تعقدت من قبل أولئك الذين ينسجون ويغزلون لدى صندوق النقد الدولي، وهم في حقيقة الأمر منشغلون كانشغال النحل الصغير في إعادة كتابة تاريخ السجل النقدي الماضي للتغطية على أخطاء صندوق النقد الدولي، وتمثل اندونيسيا اكبر الأخطاء الفادحة التي تم ارتكابها. وللوصول إلى هذه النتيجة، قام صندوق النقد الدولي في العام 2001 بإصدار ورقة عمل مكونة من 139 صفحة تحت عنوان: “اندونيسيا: تحليل مفصل لازمة مصرفية: سنتان من العيش تحت الخطر 1997–1999.” وقام المؤلفون بإدخال نسخة معدلة باسم “تصحيح سياسي” في مسلسل مجلس النقد لتؤكد، من بين أشياء أخرى، على أنني قمت بتقديم مشورة إلى الرئيس سوهارتو كي يتم تثبيت سعر صرف الروبية مقابل الدولار بـ5.000. وقد أخفقت هذه الرواية الكاذبة على المستوى العلمي التي تضمنت 115 حاشية في توثيق ذلك التأكيد أو الجزم نظرا لأنه، بكل بساطة، ليس بالمستطاع أن يتم القيام به. وهذا الإصدار الرسمي الذي صدر عن صندوق النقد الدولي الخاص بهذه الأحداث قد تجنب بشكل ملحوظ أن يشير إلى أية مراجع لأعمال لي أو لمقابلات قمت بها والتي تستند إلى خبرتي وتجربتي في اندونيسيا.
ولا يعتبر هذا المسلسل وتلاعباته أمرا فريدا من نوعه في عالم السياسة. فقد يكون، بالرغم من كل ذلك، من المفيد، بعد أن يتم الكشف عن الزمن وعن الأحداث، أن يتم تقويم الحقائق عندئذ وفي الوقت الحالي. هناك بلدان أخرى كالصين مثلا تمر حاليا ببعض أهواء العلاجات المماثلة. لهذا دعونا نأمل بأنه لن يكون عليهم ولن يكون علينا جميعا أن نقوم بدفع الثمن في وقت لاحق عن مثل تلك الأخطاء الفادحة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 26 شباط 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

خمس ملاحظات على النظام النقدي الدولي
لم يتم التوصل إلى تطوير قانون النقد دون غموض، ومع ذلك فثمة بعض الملاحظات التي تبرز في مشهد البعد التاريخي.
1. أولها أن أنظمة النقد لا تتغير فجأة ودون سابق إنذار، فهناك عادة وقت كبير بين التفكير والتنفيذ. من هنا فإن انهيار النظام النقدي الدولي في تسعينات القرن الثامن عشر قد جاء بعد الثورة والتضخم السيني في فرنسا التي كانت عندئذ أقوى دولة في أوروبا. كانت إعادة العمل بنظام المعدنين (الذهب والفضة) في فرنسا عام 1803 أو العمل بنظام المعدن الواحد (الذهب) في بريطانيا عام 1820 متوقعتين. وقد أصبح التوجه نحو الذهب في القرن التاسع عشر واضحاً بعد فترة قصيرة من تسبب الاكتشافات الذهبية في كاليفورنيا وأستراليا في طرد الفضة من التداولات النقدية في فرنسا، وهي البلد الأساسي الذي كان يعتمد على ثنائية المعدنين في التعامل، كما أنه تم التخلص من الفضة كمعدن نقدي في الإمبراطورية الهنغارية النمساوية وفي الإمبراطورية الروسية في تسعينات القرن التاسع عشر. أما استخدام الجنيه الإسترليني كإضافة مُبالَغ في قيمتها للذهب بموجب المواصفات المتعارف عليها في التعامل بالذهب فقد كان موضع تحذيرات امتدت لعدة عقود من خلال العلاقات الإمبريالية والشعوب المرتبطة ببريطانيا؛ فقد تم طبع الكتاب الأول لكينز: النقد والمال في الهند، عام 1910 وكان موضوعه مواصفات التعامل بالذهب. كما أن بروز الدولار تم التنبؤ به بسهولة. كان بوسع جون ستيورات ميل في سنواته المتأخرة أن يتنبأ عام 1869 بهيمنة الولايات المتحدة وذلك قبل وقت طويل من خروج الجنيه الإسترليني كعملة رئيسية عالمية أمام تقدم عملة العملاق الجديد.
2. خرجت أمريكا من كلا الحربين العالميتين باعتبارها القوة المهيمنة عسكرياً وصناعياً ومالياً وأصبح الدولار هو العملة العالمية. إنها حقيقة تاريخية تقليدية وهي أن القوة الأكبر هي التي توفر العملة الأقوى. النقود ظاهرة سياسية تعكس—وتشكل إلى حد ما—الوضع السياسي في العالم. تبعاً لذلك فإن ملاحظتي الثانية هي: القوة السياسية الرئيسية كان لها عادة دور قيادي في إقرار أو رفض طبيعة النظام النقدي الدولي.
تلك الحقيقة هي ما يقلل من أهمية البدائل المبالغ في تخيلها أو المغرقة في النظرية أو القائمة على المراهنة ضد النظام الحالي. لقد نهض النظام النقدي الدولي الحالي على أنقاض بريتون وودز التي احترقت عام 1971. ولكن إنشاء بريتون وودز عام 1944 قدم فقط الغطاء القانوني للواقعية الأساسية للسوق فيما يتعلق بمستوى الدولار. أصبح الدولار عملة المدفوعات الأساسية والموجودات الاحتياطية ووحدة المحاسبة ووحدة العطاءات والتعاقدات ومرجع القيمة ووحدة الدفعات المؤجلة وأداة تسوية المنازعات ومقياس الأسعار العالمية ومؤشر التعاملات الدولية وحل محل الجنيه الإسترليني—تدريجياً وليس فوراً—بعد عام 1949. (كان يمكن للجنيه الإسترليني الحفاظ على وضعه الفعال لمدة أطول لو امتنعت المملكة المتحدة عن تخفيض عملتها في عامي 1949 و1967).
خفف تعليق الولايات المتحدة للتحويل عام 1971 من وهج الدولار، وكان سعر الذهب قد تم تعويمه فعلاً في الأسواق الحرة منذ عام 1968. بعد ذلك أخذ سعر الذهب بالصعود وشهد مزيداً من الارتفاع عند تعليق التحويل عام 1971 ثم ارتفع بشكل شاهق مع ارتفاع أسعار النفط عام 1974 ومرة أخرى عند انتهاء فترة حظر الذهب في الولايات المتحدة ومرة أخرى أيضاً عندما تجدد رفع أسعار النفط عام 1979 والسياسة النقدية المتهاونة للاحتياطي الفيدرالي عام 1980. أعطى سعر الذهب في سبعينات القرن الماضي مظهر عدم الاستقرار. وعبر القرون حافظ الذهب على قيمته بالنسبة للسلع الأخرى، ولكن الذهب غير مستقر بالنسبة للعملات نظراً لعدم التأكد من كيفية التصرف في مخزونات البنوك المركزية من الذهب البالغة بليون أونصة والتي تحتفظ الولايات المتحدة بحوالي ربعها.
3. ملاحظتي الثالثة—التي تكاد تكون بديهية—هي أن للسياسة النقدية للولايات المتحدة دور كبير في تقرير القيمة الدولارية للمعادن الثمينة. السياسة النقدية السهلة خلال الأعوام 1979-1980 رفعت سعر الذهب إلى أكثر من 850 دولاراً في كانون الثاني 1980. ولكن عندما تشدد الاحتياطي الفيدرالي تراجع سعر الذهب إلى 300 دولار، وعندما سلك الذهب نهجاً وسطياً مؤخراً استقر لفترة من الوقت على سعر يتراوح بين 400-500 دولار. سلطة التأثير على أسعار الذهب هي سلطة السيطرة على الحجم الفعال للاحتياطات النقدية الدولية. ولا يمكن إغفال أهمية النظام الاحتياطي الفيدرالي فهو أكثر أهمية اليوم مما كان عليه بنك إنجلترا في أوج فترة استخدام الذهب كمقياس عالمي. ربما كان إنشاء نظام الاحتياطي النقدي عام 1914 أهم حدث في القرن العشرين حيث لعب دوراً فعالاً في الحربين العالميتين وفي دورات التضخم والانكماش.
سياسة الاحتياطي الفيدرالي لها تأثير مهيب على البنوك المركزية الأخرى، فرغم محاولات إلغاء مرجعية الذهب أو تسفيه قيمته في سبعينات القرن الماضي ورغم اتفاقية صندوق النقد الدولي في جامايكا عام 1976 وتقليل التركيز على الذهب ورفع شأن حقوق السحب الخاصة فإن الذهب قد بقي كمستودع خاص “لقيمة النقد الطيار” وملاذاً شعبياً للقوة الشرائية وأهم موجودات احتياطيات البنوك المركزية. لهذه الأسباب يبقى الذهب متيقظاً لتوقعات التغييرات في التضخم. إذا زاد التضخم المتوقع بنسبة نقطة مئوية واحدة سنوياً فإن سعر الذهب قد يرتفع بما مقداره عشرة نقاط حيث يجري تغيير المحافظ لصالح الذهب. بليون الأونصات من السبائك الذهبية التي تحتفظ بها البنوك المركزية يمكن استخدامها كضمانات من قبل البنوك المركزية عند سعيها للحصول على قروض وهي بالتالي قابلة للتحويل نقداً بسيولة دولارية. تبعاً لذلك فإن الاحتياطي الفيدرالي لديه السلطة لتحديد، ليس فقط احتياطيات النقد الأجنبي في الخارج، ولكن قيمة الاحتياطيات من الذهب بالدولار. بمفهوم عملي، يعتبر النظام الاحتياطي الفيدرالي الملجأ الأخيرة للإقراض في النظام المصرفي الدولي والمقرر لقيمة الدولار في الاحتياطيات العالمية. بهذا المعنى يصبح منصب رئيس مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي مغتصباً لمنصب القائد العام للنقد في النظام المالي العالمي.
لا أريد إنكار أهمية ارتفاع سعر الين والمارك الألماني والأهمية المالية المستمرة للجنيه والفرنك—هذه العملات الأربع إضافة للدولار تشكل حقوق السحب الخاصة؛ وجود العملات الأربعة الأخرى يفرض بعض القيود على الدولار ويمنعه من الهيمنة الاحتكارية التامة. إذا كان للنظام النقدي الأمريكي أن يصبح غير مستقر تماماً فستظهر محاولات جديدة لمنعه من الهيمنة. حدث هذا فعلاً عام 1970 عندما أدى الركود في الاقتصاد الأمريكي وانهيار أسعار الفائدة الأمريكية—وهذه ظاهرة لمستويات التبادل بالذهب مقرونة باحتياطي فيدرالي متضخم—إلى إطلاق طوفان من السيولة الدولارية الزائدة التي فاضت إلى أوروبا وألهمت خططاً، كانت مجهضة قبل ذلك، بإيجاد عملة أوروبية؛ وحدث هذا ثانية عند إنشاء نظام النقد الأوروبي. بيد أن دمج النقد الأوروبي يبدو أنه يتفكك كلما انتقل الاحتياطي الفيدرالي أو تقاطع مع سياسة نقدية حصيفة. طالما بقي الدولار يوفر أداة دولية مرضية وبقي الاحتياطي الفيدرالي يوفر قيادة نقدية جيدة، مع الأخذ بالاعتبار النتائج الخارجية لأعماله بخصوص أسعار الصرف وسعر الذهب، فيبدو أن السلطات الأخرى تبقى قانعة بقبول القيادة النقدية للولايات المتحدة.
4. ملاحظتي الرابعة تتعلق بعدم اتساق سلطة الاحتياطي الفيدرالي إزاء الذهب عندما يتحدد سعر له. ففي حين يستطيع الاحتياطي الفيدرالي المبالغة في سعر الذهب فإنه لا يستطيع المبالغة في خفض سعره إلا على المدى القصير. إذا أعادت الولايات المتحدة العمل بنظام التحويل عند سعر مرتفع جداً للذهب وصاغت سياسة نقدية مواكبة لذلك فسيتعين عليها شراء الذهب الزائد المعروض عليها وبذلك تخلق احتياطيات مصرفية وأسعار فائدة منخفضة ومعدل أسعار أعلى مما قد يكون مرغوباً به. من ناحية أخرى إذا أعادت الولايات المتحدة قابلية التحويل بسعرٍ منخفض جداً للذهب فسيتعين عليها بيع الذهب وتخفيض احتياطيات المصارف وقبول سعر تعادلي أقل مما هو مرغوب به. وحيث أنه من ناحية عملية سيكون من المستحيل سياسياً دفع السعر في الولايات المتحدة إلى مستوى أقل من نقطة معينة (واقتصادياً غير مرغوب به القيام بذلك بسبب مشاكل الإفلاس والبطالة) فإن هناك حداً أدنى لسعر الذهب بالدولار لا يمكن تداول الذهب بسعر يقل عنه. من ناحية أخرى ليس هناك حدود عليا لسعر الذهب بالدولار ما عدا ما يفرضه استعداد الاحتياطي الفيدرالي أو الخزانة لقبول واردات من الذهب وتضخم. اللازمة المصاحبة للاقتراح القائل بأن الولايات المتحدة لا تستطيع تخفيض سعر الذهب لفترة طويلة (كما فعلت بين عامي 1968 و1971)، هي القول بأنها لا تستطيع لفترة طويلة المبالغة في سعر الدولار.
5. ملاحظتي الخامسة والأخيرة أن هناك ضرورة لاحتياطيات دولية بموجب أسعار مرنة بدلاً من أسعار ثابتة؛ وأن التدخل في أسواق الصرف الأجنبية هو أكثر في حالة أسعار الصرف المرنة منه في حالة أسعار الصرف الثابتة. وقد تنبأ السير روي هارود، بين آخرين، بهذه الحالة التي تبدو متناقضة ظاهرياً لنظام أسعار مرن في ستينات القرن الماضي. كان الاعتقاد أوسع انتشاراً في ستينات القرن الماضي بأن الانتقال إلى نظام من أسعار الصرف المرنة سيقضي على مشاكل موازين المدفوعات والحاجة إلى احتياطيات نقد أجنبي والتدخل في أسواق الصرف الأجنبية، ناهيك عن طرق مصطنعة على أساس إصلاح مالي لإيجاد سيولة جديدة. كل هذه الأفكار حول الطريقة التي قد تحدد سلوك عالم من العملات الوطنية المعوّمة كان ينبغي تبديدها بسرعة لأن التعويم العام قد بدأ عام 1973. لقد تم إيجاد سيولة دولية في شهر واحد عام 1982 أكثر مما تجمع سابقاً لدى شعوب الأرض كافة منذ بدء الخليقة حتى تعليق نظام التبادل بالذهب عام 1971!
أزمة الدَّين العالمي عام 1983 لم تظهر كقدر من الغيب. لقد استغرقت ديون البلدان الأقل تطوراً فترة طويلة للارتفاع إلى ما يزيد عن نصف تريليون دولار ولم تؤخذ العلاقة بنظام سعر الصرف على أنها مصادفة. بناءُ دين كهذا غير معقول في ظل أسعار صرف ثابتة. المقولة الملازمة، هي بالطبع، أن القيمة الحقيقية لهذه الديون يمكن تضخيمها عن طريق تضخم الدولار الأمريكي والدولار الأوروبي. لقد تمت مناقشة هذه المشكلة في مؤتمرات عدة في سبعينات القرن الماضي خصوصاً فيما يتعلق بالطريقة التي خلقت بها هذه الديون مشكلة التضخم المصحوب بانخفاض الإنتاج والبطالة والتأثير العكسي لذلك.
بموجب نظام أسعار الصرف المعوّمة العامة لم تكن هناك آلية للسيطرة الدولية على كمية الاحتياطيات الدولية. كان بوسع البلدان الحصول على الاحتياطيات التي تريدها ببساطة عن طريق شرائها. أصبحت السياسة النقدية في كل بلد تتسم “باللطف”، وانهارت موازين المدفوعات. كان توفير النقد مقيداً فقط بالخوف من تخفيض سعره و/أو الخوف من التضخم. ولكن بعد أن تم تعويم كل العملات مقابل الذهب، مثلما حصل بعد اتفاقية سميسثون، فقد اختفت مرساة الاستقرار التي كان يوفرها الذهب. لم ينجح الحاجز المضاد للتضخم الذي كان قد تم توفيره عن طريق معادلة أسعار الصرف طالما ظلت البلدان على قدم المساواة مع بعضها البعض في سياساتها التضخمية. كان النظام الجديد لا يزال محوره الدولار، ولكن الدولار لم يعد يتمتع بانضباطية قابلية تحويل الذهب التي كانت دائماً توفر نظرياً وعملياً كابحاً للسياسات التضخمية للاحتياطيات المركزية. منذ ذلك الحين أصبحت مسألة ما إذا كانت السياسة العالمية ستكون تضخمية أم لا تعتمد على ما إذا كانت سياسة الاحتياطي النقدي تمكنها من ذلك أم لا.
ما كانت الزيادات في أسعار النفط في السبعينات لتكون ممكنة لولا الزيادات المصاحبة في أسعار الذهب (ولهذا كانت احتياطيات الذهب) وموجودات أسواق الصرف. وفي الوقت الذي نجح فيه النظام في السبعينات، بعد رفع أسعار النفط، فقد واجهت البلدان الصناعية والبلدان الأقل تطوراً احتمالات العجز التي كانت ستعني الانكماش أو تخفيض عملاتها مقابل الدولار، لو لم توفر الولايات المتحدة الاحتياطيات التي يستطيع سوق الدولار في أوروبا التوسع على أساسها لتمويل العجز في موجة الإقراض الكبرى بين عامي 1973-1981. وعندما نفذت مخصصات الإقراض الخاصة للبلدان المقترضة تولت حكومات البلدان المقترضة تغذية سوق الإقراض بالدولار الأوروبي بأوراق نقدية ذات قيمة اسمية بالدولار لم تكن مدعومة غالباً بأكثر من توقيع حكومات غير دستورية أو غير ديمقراطية.
تبعاً لما تقدم لم يوفر نظام تعويم الأسعار ضبطاً ولا قيوداً نقدية، بل على العكس من ذلك فقد أوجد هذا النظام تضخماً وديوناً غير قابلة للسداد وإفلاساً فعلياً للعديد من البلدان. في النهاية تم استبدال مشاكل موازنة موازين المدفوعات—وهي المصدر الرئيسي للضبط في نظام أسعار صرف ثابتة (عند ربطها في نهاية المطاف بمركز احتياطي مرتبط بدوره بالذهب)—تم استبدال هذه المشاكل أخيراً بضبط مالي تم التوصل إليه بعد أن استنفذ تفجيرٌ إقراضي كبير أرصدة الحكومة. التوازن المالي هو الآن الوقاية الوحيدة ضد التضخم، ولكن ليس بالإمكان تحقيق التوازن المالي في ظل التزامات الديون المالية الحالية على معظم البلدان الأقل تطوراً. إن ضخ مزيد من الأموال إلى البلدان الأقل تطوراً قد يخفف من مشكلة التسديد الحالي للديون وفوائدها، ولكن فقط على حساب جعل المشاكل البعيدة المدى لإعادة التسديد أقل قدرة على الحل. الحلول تكمن في مكان آخر.
نستطيع أن نرى الآن أن التفاوت بين النتائج المتوقعة والحقيقية المرتبطة بالتحول من أسعار صرف ثابتة إلى أسعار صرف مرنة يكمن في فشل المدافعين النقديين عن أسعار صرف مرنة في فهم آلية التعديل التي كانت ترتبط، في أنظمةٍ صحية، بأسعار صرف ثابتة. إن بلداً لديه عجز في ميزان مدفوعاته يعاني من زيادة في عرض عملته مقابل عملات أخرى، ويتعين على السلطات، لمنع التضخم، عرض احتياطياتها من العملات الأجنبية (أو الذهب) وإخراج العملة الزائدة من التداول عن طريق خفض تلقائي للنقد المتداول لدى الجمهور أو القاعدة الاحتياطية للنظام المصرفي. من الواضح أن الحالة تصحح ذاتها حيث أن النقد المتداول لدى الجمهور سينخفض إلى الحد المطلوب. ولكن حكومات عديدة عملت، لسوء الحظ، على ممارسة عمليات “تعقيم” أو “تحييد” كان من شأنها تعطيل آلية التعديل، أحياناً بذريعة سخيفة تدعى “عمليات دفاعية”. مشاكل موازين المدفوعات بمعناها الدقيق لا تنشأ بين مناطق لها عُملة مشتركة واحدة لأنه ليس هناك فرصة لتعطيل عملية التعديل بواسطة عمليات تعقيم أو تحييد. إذا كان هناك بلدان، لكل منهما سلطات إصدار نقود خاصة به، يتدخلان فقط في أسواق الصرف، فإن التعديل سيكون سلساً كما لو كان الحال بين منطقتين في بلدٍ يستخدم عملةً مشتركة.
باستثناء بعض المبررات والحالات الخاصة، فالسبب في أن بلداناً مثل إيطاليا واليابان والمكسيك وكوستاريكا تستطيع المحافظة على أسعار صرف ثابتة لعقود عدة بموجب نظام بريتون وودز هو أن هذه البلدان قد سمحت عموماً للخسائر والمكاسب في الاحتياطيات بالتأثير على معدل النمو في عرض النقد، وكان التعقيم، في أسوأ الأحوال، جزئياً فقط، ولذلك تحققت فعالية آلية التعديل والضبط المالي. أما عندما تخلت هذه البلدان عن الأسعار الثابتة وتحولت لأسعار صرف مرنة—إيطاليا واليابان عام 1971 والمكسيك عام 1976 وكوستاريكا عام 1981—فقد خسرت فوراً مؤشر الخطر أو دفة التوجيه التي كانت سر سياساتها النقدية الثابتة السابقة. هذان مثالان فقط من أمثلة كثيرة تظهر بوضوح تام في سجلات الإحصاءات النقدية.
ينطبق المبدأ نفسه على الحالة التي يكون فيها سعر الذهب معقماً، والواقع أن الولايات المتحدة فقط هي التي ثبّتت سعر الذهب بموجب المادة 4-4-ب من المواد الأصلية في التعديل. خسارة الذهب تعكس نفسها في سياسة نقدية أكثر تشدداً ومكاسبه في سياسة نقدية أسهل. سيحدث هذا مرة أخرى بشكل تلقائي شريطة ألا يقوم البنك المركزي بتعقيم أو تحييد التأثير التلقائي لخسائر أو أرباح الذهب على النقد أو احتياطيات البنك (كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا فعلاً). طالما كان الجمهور متيقظاً ويتوقع العلاقة بين الذهب أو تدفقات النقد الأجنبي وبين آلية تعديل عرض النقد فإن قوى المضاربة ستساعد، بدلاً من أن تحبط، التوصل إلى توازن جديد.
نجاح قاعدة الذهب عبر عقود طويلة كان متوقفاً على معرفة وتوقع عواقب آلية التوازن. وقد كانت التوقعات المحسوبة في مكانها لأن جميع الخبراء فهموا النموذج. الآلية، كما تم فهمها بشكل صحيح، لم تتطلب لتطبيقها سواء مستوىً سعرياً أو تغييرات في التوظيف لأن التعديل كان متوقفاً على التغيرات في الإنفاق المحلي في بلدٍ واحد في اتجاه معاكس لتغيير مماثل في بقية العالم.
خمسة خيارات للإصلاح النقدي الدولي

1. الخيار النقدي لأسعار صرف معوّمة حرة
الخيار الأول الذي يجب طرحه للدراسة هو الخيار النقدي في تعويم أسعار الصرف. هذا الخيار يسعى للسيطرة على الكتلة المالية الكلية بمعنى محاولة تثبيت معدل نمو مفهوم مالي محدد. عندما يقوم كل بلد بذلك فسيتعين أن تأخذ أسعار الصرف بالتذبذب مقابل بعضها البعض حيث أنه ليست هناك آلية للتأكد من أن الطلب على النقد سيكون مساوياً للعرض. الهدف الأساسي هو ضمان الاستقلال النقدي لكل بلد لمحاولة تحقيق معدل التضخم “المثالي” الخاص به أو نمو الناتج القومي الإجمالي النسبي. إذا تم تثبيت أسعار الصرف فسيحدث خلل في التوازن بين الطلب والعرض وسيخسر البنك المركزي أو يربح احتياطياتٍ مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى أزمة أسعار صرفٍ وتخفيضٍ إلزامي لسعر النقد (يتجاهل النقديون عادة التأثير التوازني للتغييرات الاحتياطية والإنفاق النقدي). لمنع خلل التوازن من التطور ينبغي السماح لسعر الصرف بالارتفاع أو الانخفاض حسب قوى العرض والطلب في السوق مع ضمان الاستقرار النقدي عن طريق تثبيت معدل نمو كتلة النقد. معدل النمو الحقيقي الذي يتم اختياره لعرض النقد سيختلف بين بلد وآخر، وسيعتمد على معدل التضخم المرغوب به ومرونة دخل الطلب للمفهوم المحدد للكتلة المالية المختارة للتثبيت. والوسائل المستخدمة في تحقيق السيطرة على كمية النقد ستكون من خلال معدل نمو متنوع مناسب للنقد الحكومي وتعليمات الحكومة للبنوك للاحتفاظ باحتياطي قانوني ثابت بين النقد الخاص بالبنك والنقد الحكومي؛ وقد تجري بعض التعديلات لتصحيح التذبذبات التضخمية والانكماشية بهدف الإبقاء على العملة خارج البنوك أو استبدال عملات حكومات أجنبية بالعملة الوطنية.
هذا الاقتراح قد يشمل حوالي 150 سعر صرف معوّم أو أكثر. التنويعات على الاقتراح تشمل أنواع مختلفة من “التعويم القذر” أو إدارة أسعار الصرف إلى تسهيل التذبذبات في التوجهات، أو منع الهجمات الاحتكارية على عملات بلدان صغيرة من قبل البنوك الكبيرة أو البنوك العملاقة متعددة الجنسيات، أو الوقاية من السياسات النقدية المسببة لعدم الاستقرار التي تنشأ أساساً خارج بلد التعويم.
تمت، إلى حد ما، تجربة اقتراح النقديين بعد عام 1971 ولكن بشكل خاص بعد عام 1973 عندما نفضت لجنة العشرين يدها من الإصلاح النقدي “حتى يتم حل مشكلة التضخم”. وقد حقق نظام “تعويمٍ قذر” وضع قانونٍ دولي في التعديل الثاني على مواد اتفاقية صندوق النقد الدولي الذي كان قد وافق في اجتماع جامايكا للجنة العشرين التابعة للصندوق عام 1976 على تبني نظام سعر صرف مرن تحت السيطرة. وقد تلقى الصندوق مزيداً من الدعم من هيئة الذهب الأمريكية (التي كان يسيطر عليها النقديون). وكانت تلك هي المقاربة التي سلكتها حكومة ريغان في رفضها للمقترحات الأوروبية عام 1982 للتدخل في سوق أسعار الصرف.
إن مقاربة النظرية النقدية تعتمد على استخدام سعر الصرف كأداة تعديل لتصحيح مشاكل ميزان المدفوعات. إذا كان هناك عجز لدى بلد في ميزان مدفوعاته فإن سعر الصرف سينخفض، طبقاً للجدلية النظرية، مما سيجعل سلع هذا البلد أقل سعراً والسلع الأجنبية أغلى سعراً ويحول الطلب العالمي باتجاه سلع البلد ذي العملة الأقل سعراً. لنفرض، على سبيل المثال، أن لدى الدول المصدرة للنفط فائضاً في موازين مدفوعاتها، فبموجب أسعار الصرف المعوّمة سترتفع أسعار عملات بلدان الأوبك—حسب هذه الجدلية—مما سيرفع أسعار النفط، ثم يتحول الطلب العالمي من النفط إلى السلع الأخرى ويحدث توازناً في موازين المدفوعات. أو لنفترض أن اليابان لديها فائض في ميزان مدفوعاتها مع الولايات المتحدة، عندها سيرتفع الين مقابل الدولار حتى ينتهي الفائض وبذلك يعود التوازن إلى الانسجام. وكمثال أخير، لنفرض أن بلداناً مثقلة بالديون مثل المكسيك والبرازيل والأرجنتين لديها عجز في موازين مدفوعاتها. الحل، طبقاً للنقديين، هو أن تسمح هذه الدول لعملاتها بالانخفاض مقابل الدولار حتى يتم الوصول إلى التوازن في حساباتها الخارجية، وتحافظ في الوقت ذاته على معدل توسع عملاتها ثابتاً طبقاً للمعادلة النقدية لتحقيق معدل التضخم المرغوب به (ربما صفراً أو حتى سالباً).
مقاربة هذه النظرية يدحضها نقادهم انطلاقاً من أسس نظرية وعملية وسياسية، على الرغم من أن أعداء أسعار الصرف المعوّمة—شأنهم في ذلك شأن كل من يتصدى لاقتراح آخر—لا يعترضون على ذلك انطلاقاً من نفس الأسباب. الاعتراض الأول نظري: حقيقة أن المملكة العربية السعودية لديها فائض في ميزان مدفوعاتها، وبموجب التعويم تسمح لريالها بالارتفاع مقابل الدولار—كما ستفعل لو لم يكن هناك تدخل—لا تعني أن أسعار سلع المملكة العربية السعودية مثل النفط ستصبح أغلى بالنسبة لبقية العالم. الأغلب أن سعر الدولار لن يتغير والنتيجة الوحيدة التي ستترتب على التغير في سعر الصرف هي أن جميع أسعار السلع التي يتم التعامل بها بالريال السعودي ستنخفض مما سيرفع القيمة بالدولار للأصول المالية المقيّمة بالريال، وبالتالي يرتفع، إلى حد ما، الإنفاق المحلي شريطة ألا تتم موازنة هذا التعديل بخفض مقابل في الإنفاق ناجم عن انخفاض قيمة الريال مقابل احتياطيات النقد الأجنبي التي تحتفظ بها الحكومة والسلطات النقدية. وتعتمد النظرية النقدية في التعديل، مثلها في ذلك مثل النظرية الكينزية، على أسعار وأجور ثابتة للسلع المنتجة في البلد الذي ارتفعت أسعار عملته. لهذه الأسباب وأسباب أخرى، قد لا تكون لتغيرات أسعار الصرف تأثير على ميزان المدفوعات، بل إنها ستعكس على الأغلب موافقة على تغير سابق في الأسعار الإجمالية أو، الأسوأ، تحرص على تغيير في مستويات النقد والأسعار على السواء. ليس هناك دليل يربط بين قيم أسعار صرف منخفضة بالميزان التجاري أو بميزان الحسابات الجارية، أو بميزان المدفوعات. وعندما أولى الاقتصاديون انتباهاً جدياً للقضية جاء الدليل غامضاً.
الاعتراض الثاني على أسعار صرف مرنة هو أنها تؤدي إلى فقدان الانضباط المالي، كما توحي بذلك التجارب في المكسيك وكوستاريكا والأرجنتين والبرازيل و—بعد عام 1982—الأوروغواي. خطر الإفلاس الناجم عن اندفاع على سحب النقد الأجنبي والمضاربة هو انضباط أسوأ بكثير من حالة خفيفة من تخفيض العملة أو التضخم بعد أن يكون الجمهور قد اعتاد على تخفيض سعر العملة. الأسعار المرنة للعملة تفسح المجال لسوء الإدارة لدرجة فقدان مصداقية الحكومة وبالتالي تمثل دعوة مفتوحة للفساد.
الاعتراض الثالث هو أن نظاماً عاماً لأسعار صرف معوّمة سيخلف فوضى معلوماتية في عالم يوجد فيه ما يزيد على 160 عملة. من الواضح أن فوائد نظام عملة مشتركة لن تظهر وسط الفوضى، ولحسن الحظ أن البلدان لم تصل لهذه الدرجة ولكنها ربطت نفسها في الواقع بمقاربة تعكس بدرجة أوضح نظام مناطق عملات مثلى. الحالة الوحيدة التي تم فيها تطبيق هذا النظام عملياً كانت خلال التشوش الذي واكب استخدام المعدنين (الذهب والفضة) في العصور الوسطى عندما قامت كل مدينة—دولة في إيطاليا وألمانيا بالادعاء باستخدام عملتها المعدنية الخاصة بها (بموجب الامتيازات الممنوحة حتى عام 1355 من قبل الامبراطور الروماني المقدس)، وحتى العملات الذهبية التي كانت سائدة حتى ذلك الوقت كالفلورين أو السيكوبين (مسكوكة ذهبية) قد تم تطويرها. اقتراح عملات منفصلة متذبذبة السعر لا يتعامل ببساطة مع العالم كما هو الآن أو كما سيكون عليه في المستقبل المنظور. إن الأخذ بأسعار صرف معوّمة بين عملات لبلدان متناهية الصغر مثل فانوواتو (الفاتو) والدولار والين لا يخدم غرضاً مفيداً والممارسة الفعلية لربط الفاتو بحقوق السحب الخاصة، على الأغلب بسعر متناقص، هي دعوة للتضخم. أهمية العملة المحلية تكمن بصورة أكبر في دورها السياسي كرمز وطني وسيادي وليس بقطع معدنية صغيرة تحمل رسوماً قد تختفي بفعل التوسع النقدي والتضخم.
ينبغي للإنصاف القول بأن العديد من الاقتصاديين الذين كانوا يعتقدون ذات يوم بالتعويم العالمي قد غيروا آراءهم الآن على مناطق إقليمية بأسعار صرف ثابتة. مع ذلك فالحقيقة هي أنه ما لم تربط جميع البلدان الأقل تطوراً عملاتها بالعملة القيادية نفسها فإنها جميعاً ستعوِّم بالنسبة لبعضها البعض. إلا أن من الممكن لسعر صرف ثابت في بلد أقل تضخماً أن يوفر انضباطاً نقدياً ما كان يمكن توفيره. إلا أن الحقيقة الأهم في واقعنا الحالي لا زالت هي الدور الإقراضي الذي يلعبه الدولار، والذي يجعل مقاربة النقديين عملياً غير واقعية. ربما كان الاعتراض الأكثر أهمية على الأسعار المعوّمة هو عدم وجود أسس لتوقع القيمة المستقبلية للنقد—وبالتالي أسس لدمج “فرق التضخم” الصحيح بأسعار الفائدة—وقد أظهرت الممارسة، في الولايات المتحدة على الأقل، أن الكتل النقدية لا توفر دليلاً فعالاً لتثبيت معدلات التضخم، وأيُّ محاولةٍ لتثبيت معدل مفهومٍ نقدي معين تفرض الحاجة إما لتغيير معدل نموه أو تغيير مكونات السلة النقدية مما يلغي الغرض الأساسي للعملية التي كان المقصود منها في المقام الأول إلغاء الحاجة للتحفظ من جانب البنك المركزي. اليوم، في عام 1983، ليس لدى الولايات المتحدة قاعدة ارتباط بالذهب أو قاعدة سلع “كينزية” أو قاعدة ورق “فريدمانية”. يوجد الآن قاعدة “فولكرية” (نسبة إلى محافظ الاحتياطي الفيدرالي [آنذاك] بول فولكر). ولكن من يستطيع التنبؤ بالقيمة المستقبلية للجنيه أو الدولار أو الين على أساس قاعدة “ثاتشرية” أو “فولكرية” أو “ناكاسونية” (نسبة إلى رئيس الوزراء الياباني [آنذاك] ياسوهيرو ناكاسون)؟ أياً كانت عيوب قاعدة الذهب أو قاعدة دولار قابل للتحويل فإنها ليست أكثر اعتباطية أو تقديرية من النظام الاعتباطي الذي ساقنا إليه موقف النقديين حول قاعدة العملات. وتفرض فروق عدم التأكد المتضمنة في هيكل أسعار الفائدة طويلة المدى تكاليف لا ضرورة لها على معاملات سوق رأس المال وهي أقصر طريق لتقويض النظام الرأسمالي—أو أي نظام آخر.
2. خيار قاعدة الذهب الجديدة
يكره أنصار قاعدة الذهب خيار النقديين حول أسعار صرف معوّمة لكل عملة في العالم، فالنقد ليس مجرد صنيعة اقتصادية، بل هو فكرة، ومعلمٌ أساسي من معالم الحضارة والذي يعتمد وضعه الصحي في مجتمع متحرر على إمكانية التنبؤ بقيمته واستقراره ليس اليوم فقط بل على المدى البعيد. النقد، كما يقول كينز، هو حلقة الوصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، لكي يكون بالإمكان التوصل إلى عقود والتزامات وبقاءها ضمن أسعار فائدة تعبر عن الندرة الحقيقية لرأس المال وضغط عامل الزمن مع تقليل إمكانية حدوث خطأ بشري في التنبؤ إلى أدنى حد ممكن. إن وجود نقد مستقر مقبول على أوسع نطاق ممكن—ويفضل في العالم كله—هو الطريقة المؤكدة لإشراك كل فرد في إنتاجية منظومة عالمية واسعة النطاق وفي المعلومات المؤثرة على الاقتصاد وفي الالتزام بتخطيط طويل المدى وتحقيق التوقعات المعتدلة. إن التوسع في استخدام ومنافع النقد الوطني إلى المحيط الدولي يعادل التوسع في المكاسب من التجارة الحرة وتحقيق الذات إلى المجال العالمي. وفي الوقت الذي يتركز فيه اهتمام النقديين الوطنيين على السوق المحلي فإن الدوليين يركزون على المكاسب الناجمة عن الاستخدام المشترك لعملة مشتركة. وإذا لم يكن ممكناً حتى الآن إيجاد عملة عالمية واحدة لأسباب سياسية فإن أقرب تشبيه لها، يمكن بواسطته تشبيه خصائصها المفيدة، هو نظام عملات يمكن تحويل الواحدة منها للأخرى بسعر صرف ثابت أو معروف سلفاً. وبينما قد تكون قاعدة السلع عملياً سلة من السلع—طبقاً لاقتراحات إيرفين فيشر عام 1912 وجون مانيارد كينز عام 1930—فإن الحل العملي الوحيد اليوم هو استخدام المعادن الثمينة وخصوصاً الذهب. الذهب هو السلعة الوحيدة التي تحتفظ بها حكومات قادرة على القيام بدور نقدي فعال، وفي حين أن المرء قد لا يرغب في استبعاد بدائل أخرى للذهب مستقبلاً، في القرن القادم، فلن يكون من المجدي حالياً إيجاد معيار سلعي حول أي سلعة ما عدا الذهب.
المدافعون عن قاعدة الذهب يتناولون مشكلة نظام النقد الدولي من وجهة نظر مضادة لتلك التي يتبناها النقديون الوطنيون. إنهم يفضلون رؤية توسع في مزايا عملة مشتركة تستخدم في سائر أنحاء العالم، أو على الأقل بقدر ما تسمح به المؤثرات الاقتصادية السياسية الخارجية. بدءاً من ولايات متحدة تضم 48 ولاية و12 منطقة احتياطي فيدرالي كل منطقة منها تصدر “دولاراً” خاصاً بها وقابل للتحويل مع دولارات المناطق الأخرى بسعر صرف محدد، هل يتحقق قبول ولايتين أخريين في الاتحاد (مثلاً هاواي وألاسكا) بإصدار عملتين إضافيتين وترك دولار هاواي وألاسكا معوّمين؟ أم هل ينبغي إبقاء الأسعار ثابتة؟ المدافعون عن قاعدة الذهب يؤكدون على المزايا الكبيرة للأسعار الثابتة في هذه الحالة، وكذلك الحال في رأي الحكماء من خبراء النقد في مجلس الشيوخ الأمريكي.
ما ينطبق على هاواي وألاسكا يبدو أنه ينطبق بالمثل على ولاية بورتوريكو والعديد من الجزر الصغيرة التابعة وكذلك منطقة قناة بنما وبنما نفسها وليبيريا وبلدان عديدة أخرى. ما يميز (البالبوا) البنمي عن العملات المجاورة هو استقراره النقدي النسبي حيث يعكس معدلات التضخم في الولايات المتحدة. كلما اتسعت المنطقة الدولارية لتشمل فنزويللا والمكسيك وكندا والمملكة المتحدة إلخ، كلما أصبحت أكثر كفاءة كقاعدة للنقد في العالم. حتى مع أن الاستقرار النقدي في الولايات المتحدة ليس كبيراً كما كان عليه الحال تحت نظام بريتون وودز فإنه أكبر بكثير من الاستقرار في معظم البلدان الأخرى في الاقتصاد العالمي وأصبح الآن مرتبطاً بعملات ما يزيد على 60 بلداً آخر.
في عالم توجد فيه (س) من العملات، هناك (س-1) من أسعار الصرف. معظم البلدان الأخرى العاملة بنظام بريتون وودز حافظت على استقرار عملاتها، مباشرة أو عن طريق عملات أخرى، نسبة إلى الدولار، في حين حافظت الولايات المتحدة على استقرار عملتها نسبة إلى الذهب. الاستقرار نسبة إلى الذهب كان، تاريخياً، وسيلة لتحقيق مستوى مستقر للأسعار، وهو المرساة للنقد الورقي إزاء عالم السلع. إلا أن نظام بريتون وودز قد انهار بعد أن أدت تضخمات الإقراض لثلاث حروب إلى رفع أسعار الدولار إلى مستويات عالية وتركت الذهب عند سعر 35 دولاراً للأونصة وهو سعر أقل من قيمته الحقيقية. ورغم أن بعض الاقتصاديين يستخدمون حقيقة أن الذهب لم يضبط السياسة النقدية للولايات المتحدة بما فيه الكفاية في زمن الحروب ويستخدمون ذلك كحجة ضد الذهب فإن المدافعين عن قاعدة الذهب يحاججون بأنه ما كان لأي نظام نقدي آخر أن يفعل شيئاً أفضل من ذلك. لقد نجحت قاعدة الذهب في الإبقاء على أسعار الفائدة أقل من 7% لمدة تزيد على 35 عاماً، وهي تجربة لم يستطع أبداً نظام أسعار الصرف المرنة مجاراتها.
السؤال الذي يبرز هو ما إذا كان من المجدي لكل بلد أن يتبنى قاعدة الذهب. الجواب لا. إن اختيار عملة أو مادة رئيسية يرتبط بصورة وثيقة بإمكانية الوصول إلى أسواق رأس المال، فمعظم البلدان تحتاج إلى استقرار عملاتها نسبة إلى العملة التي يتعين عليها استخدامها لدفع التزاماتها أو الاقتراض أو الإقراض أو تسديد ديونها. ليس مصادفةً أن دولاً كالمكسيك والبرازيل والأرجنتين التي تواجه صعوبة ناجمة عن استحقاقات تسديد ديونها خلال فترة تعويم أسعار الصرف، يتعين عليها الآن لتسديد ديونها المتراكمة بدولارات تكلف بلايين إضافية بالنسبة للبيزو أو الكروزيرو. أسعار الصرف المرنة دمرت العادة التجارية وقد تجعل من الضروري تضخيم بعض الديون. في القرن التاسع عشر كان الجنيه الإسترليني عملة التداول العملية في التجارة الدولية وما يعادل الآن أوراق النقد أو الشهادات النقدية في سوق الدولار في أوروبا. اليوم الدولار هو العملة العالمية دون أن ننكر أهمية القيمة الإقليمية للمارك والجنيه والين والفرنك. ولكن الذهب ليس داخلاً في التنافس كعملة تبادل ليحل محل الدولار. المسألة بالنسبة للاقتصاد العالمي ستكون مثل محاولة استبدال اللغة الإنجليزية باللاتينية كلغة تجارية. كما أن حقوق السحب الخاصة ليست في مجال التنافس، فحقوق السحب الخاصة هي المكافئ العصري للغة الإسبرانتو. في ظل قاعدة الذهب، كما يراها مؤيدوها اليوم، لا يتوقع أحد أن يقوم تجار بتحميل قطع نقد ذهبي على دوابهم كما كانوا يفعلون وهم في طريقهم إلى معارض برايز (في بلجيكا اليوم) أو تشابين في العصور الوسطى. الدور الرئيسي للذهب في قاعدة الذهب الجديدة هو توفير وقاية ضد التضخم وضد الزيادة في التوسع مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الذهب، مثله مثل النفط، هو مورد قابل للنفاذ. إذا التزمت بلدان أخرى بنظام تحويل لعملاتها إلى الدولار أو حقوق السحب الخاصة كما يتعين عليها أن تفعل لكي تحقق سعر صرف ثابت والاستفادة من عملة عالمية مشتركة، فعندئذ يتعين على الدولة التي تحررت من ضرورة التدخل في أسواق الصرف الأجنبية (أي الولايات المتحدة) أن تقبل بعض القيود على سيادة عملتها، وذلك على شكل التزام ببيع وشراء الذهب ضمن هوامش محددة لمعادلة مركزية.
إذا كان بالإمكان عقد اتفاقية حول استقرار أسعار الذهب فستنتهي التأرجحات الهائلة المؤدية إلى عدم الاستقرار في قيمة الاحتياطيات الدولية بالدولار وستبرز سياسة استقرار نقدي عالمية نتيجة لتجارب عدم الاستقرار في الفترة بين عامي 1971-1983. سيكون من المرغوب به التوصل إلى اتفاقية دولية حول سياسة الذهب لأن الولايات المتحدة تحتف الآن بأقل من 25% من الذهب النقدي في العالم. سيكون من الضروري الأخذ في الاعتبار النزعة لامتلاك الذهب في أوروبا الغربية واليابان والمنطقة العربية لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تجد نفسها في وضع تبيع فيه كل موجوداتها من الذهب أو تشتري فيه الموجودات الذهبية العامة والخاصة في بقية أنحاء العالم.
قد يكون من الممكن دمج بعض معالم قاعدة الذهب هذه مع نشاطات بنك العالم المركزي (التي سنبحثها بعد قليل) باستخدام حقوق السحب الخاصة كأداة لمركزة أسعار الصرف (جعلها مركزية). إذا استقرت أسعار الين والمارك الألماني والجنيه والفرنك نسبة إلى حقوق السحب الخاصة فسيؤدي ذلك بالضرورة لاستقرار الدولار، حيث تستطيع الولايات المتحدة بعد ذلك أن تقصر تدخلها على عمليات السوق المفتوح في الذهب. بديلاً عن ذلك، إذا استقرت أسعار العملات الأربع الأخرى نسبة للدولار فسيكون الاستقرار نسبة لحقوق السحب الخاصة مضموناً. إن قاعدة حقوق السحب الخاصة ترقى عملياً، إن لم يكن بالاسم، إلى قاعدة الدولار في الوضع الحالي للقوى الاقتصادية.
ينبغي تحديد سعر الذهب بين 300-600 دولار، ومن المرغوب به أن يكون هناك بعض التذبذب في السعر لاستغلال المعلومات التي لا بأس بها الموجودة حتى في اختلافات صغيرة بين الحدود الخارجية حول المعادلة المركزية والتي يمكن بواسطتها إرسال إشارات حول التوجه المناسب للسياسة النقدية بين السلطات والأسواق. يمكن لوزير الخزانة أن يبدأ عمليات سوق مفتوح في الذهب دون أي التزامات ثابتة سابقة حول السعر الثابت النهائي للاستقرار، وفي هذا المجال يمكن للولايات المتحدة أن تستعيد، إلى حد ما، القيادة النقدية التي كانت قد تخلت عنها في آب 1971. ليس هناك حاجة اقتصادية لإطالة أمد الضيق الذي ساد الاقتصاد العالمي عندما تخلت الولايات المتحدة عن قيادة الاقتصاد.
في حالة شد الحبل التي قامت بين أوروبا وأمريكا منذ ستينات القرن الماضي، كان يمكن التعبير عن الصراع بتلقائية التكيف مقابل تلقائية التحويل. يتعين علينا أن نعرف الآن أن أسعار الصرف المرنة لا تعني التكيف بالضرورة. بقدر ما كان الدولار مقيّماً بسعر أعلى في ستينات القرن الماضي فإن تلك المبالغة في التقييم لم تكن مقابل العملات الأخرى، بل كانت زيادة في التقييم بالنسبة للذهب الذي كان مقيماً بأقل من قيمته نسبة لجميع العملات. وبالنظر إلى الوراء فإن الحل الأفضل في الستينات من القرن الماضي كان يمكن أن يكون تغييراً عالمياً في سعر التكافؤ للعملات، وهو الحل نفسه الذي كان يمكن له أن ينقذنا من عثرات الركود الكبير وعواقبه المريعة.
اعتاد الناس على القول بأن “الانتعاش وشيك جداً” ولكن استعادة الاقتصاد العالمي لعافيته يتطلب أسعار فائدة منخفضة وعجز نسبي اقل في الموازنات وانعكاساً إيجابياً على فرص العمل ونهاية للتوقعات بتسريع التضخم. خلطة السياسات المطلوبة لتحقيق تشكيلة من الأهداف تقتضي الثقة بالدولار وتخفيضات ضريبية محفزة، وأسعار صرف مستقرة، وقابلية تحويل الذهب. عجز الموازنة في الأربعينات، والذي بلغ 25% من الناتج القومي الإجمالي، لم يتسبب في أسعار فائدة مرتفعة بل إن سعر الذهب المرتفع (آنذاك) أدى إلى أسعار فائدة منخفضة وسيكون له نفس الأثر الآن. خلطة السياسات التي تمت الدعوة لها، ولكن لم تنفذ، عام 1981 لمواجهة التضخم وانخفاض النمو وازدياد نسبة البطالة تضمنت تشدداً نقدياً وتخفيضات ضريبية محفزة وأسعار صرف ثابتة وقابلية الذهب للتحويل—وهي المحركات الأربعة الضرورية لجعل الطائرة تحلق بكفاءة. اثنان من المحركات لم يجر تشغيلهما أبداً والتخفيضات الضريبية المحفزة تم تأجيلها وإضعافها وأخيراً إلغائها في صيف عام 1981، وهكذا بقي محرك واحد لإدامة تحليق الطائرة. يتعين على الاقتصاديين أن يتذكروا أن خفض الضرائب في فترة ركود يتبع من إملاءات نظرية كينزية ونظرية جانب العرض على السواء، ولكن المرء يأمل أن يكون الاقتصاديون على وعي أيضاً بأنه في عالم من حركة رأس المال وأسعار الصرف المرنة فإن نسبة المضاعف هي (تقريباً) صفر.[1] بقدر ما كانت تخفيضات الضرائب فعالة فإنها قد زادت في عجز الموازنة ورفعت نسبة الفائدة (إلى جانب التشدد النقدي) واجتذبت رؤوس أموال من الخارج ورفعت من سعر الدولار وجعلت الميزان التجاري أكثر سوءاً مما وازن الحوافز الكينزية وترك سياسة التشدد النقدي في حالة معزولة.
من حسن الحظ أن الجدل الذي ثار حول قاعدة الذهب في الولايات المتحدة قد أصبح مؤخراً أقل سخفاً ويعود ذلك جزئياً نتيجة لما توصلت إليه هيئة الذهب حيث لم يعد الاقتصاديون قانعين بالاقتباسات الكينزية واللينينية المشكوك في صحتها. هناك محاججات سياسية أحدها أن على الولايات المتحدة أن تبيع القمح أو الزبدة لشراء ذهب سوفييتي، وأخرى على أساس ميزان القوى، لمنع إنشاء كتلة تضخم الفرنك والمارك والروبل والذهب في القارة الأوروبية. هذه القضايا تقع خارج نطاق البحث الحالي، ولكن مسألة قيادة الولايات المتحدة للعالم الغربي ليست كذلك.
3. خيار النقد الخاص
طُرحت بإلحاح فكرة أن عصر النقد الحكومي لم يحقق نجاحاً في إيجاد نقد يتميز بالكفاءة وتبعاً لذلك فإن إحالة هذه المهمة إلى بنوك وطنية أو دولية وعملات وطنية قد يكون إحدى الوسائل لإيجاد نقد خاص، وهو بديل سيفتح الباب للدخول الحر في هذه الصناعة ويزيل الضرائب التمييزية على إنتاج وبيع النقد المعدني. ينبغي لي أن أقول منذ البدء بأني أدعم الأهداف التي يسعى لها نظام نقدٍ خاص ولكن لدي شكوك فيما إذا كان بالإمكان تحقيقها في العالم السياسي الذي نعيش فيه. أشك في أن حكوماتٍ كثيرة ستكون مستعدة للتخلي عن سلطاتها الهائلة التي يحققها لها هذا الامتياز.
لقد أصبح النقد، ولعل النقد الحكومي كان على الدوام، أداة للسلطة الوطنية ظلت محاطة دائماً بحماية شديدة من قبل أي حكومة تتولى السلطة. كان النقد دائماً مصدراً للعجز المالي، وبديلاً للضرائب، ومسكوكات رابحة، وضريبة على التضخم. وأصبح النقد مؤخراً وسيلة يمكن بواسطتها لسياسةِ نقدٍ توسعية، وفي ظل أسعار صرفٍ مرنة وضريبة دخلٍ تصاعدية، زيادة حصة الإنفاق الحكومي من الناتج القومي الإجمالي. كما أن النقد كان وسيلة تستطيع الحكومات استخدامها لسندات الدين بفائدة لتمويل العجز ثم تمحو، من خلال التضخم، القيمة الحقيقية لدين الحكومة، وهو أسلوب يمكن الاستمرار فيه حتى تدركه توقعات التضخم وتنهار إثر ذلك الثقة بديون الحكومة. سلطة النقد تعطي الحكومة القدرة على السيطرة على الموارد الحقيقية ثم تغيير، ومن طرف واحد، شروط أي التزام سابق بدفع قيمتها. كما أنه، ومن خلال استخدام الخيار النقدي، تستطيع الحكومة أيضاً تحقيق القدرة على دفع أي التزامات غير متوقعة كتلك التي تنشأ عند نشوب حرب. معظم الحروب لا يمكن خوضها إذا كان يتعين دفع تكاليفها من جبايات الضريبة المعتادة.
بعض البلدان، بالطبع، قامت بتغيير أنظمتها المالية للإقرار بالوجود الرسمي لنقد خاص، وجزء من النقد في جميع العواصم الرأسمالية هو نقد خاص. بطاقات الائتمان وودائع البنوك التجارية هي بدائل قريبة من النقد الخاص. ولكن نادراً ما تكون هناك حالات تم السماح بها للبنوك بإصدار أوراق نقدية.
ليس من الواقعي حالياً ولا في المستقبل المنظور طرح برنامجٍ لنظامٍ نقدي عام على مستوى العالم. إن تقاليد الديمقراطية الحقيقية تتراجع تاريخياً بدلاً من أن تزداد وليس هناك سوى قلة قليلة من الديمقراطيات الحقيقية حاليا. الأنظمة الشمولية والاستبدادية التي تسيطر على السلطة المركزية الآن تستخدم الأموال الحكومية كأداة للدولة أو أصحاب المصالح الخاصة فيها لتشديد قبضة السلطة المركزية على مواطنيها المقموعين أحياناً، ولكن غالباً لمجرد استخدام الضرائب لزيادة ثروات القائمين على النظام الحاكم. أياً كانت ميزات نظام استثمارات حرة لنقد منافس—وأنا أقر بأن هناك ميزات كثيرة في مجتمع حر حقيقي—فإني لا أرى ممراً سياسياً يمكن العبور من خلاله لتطبيق نظام كهذا ويتعين علي، تبعاً لذلك، أن أصرف النظر عن الفكرة باعتبارها ملهاة تليق بجنات عدن أكثر مما تليق بعالم من الواقعية السياسية حيث لا يساوي هذا الاقتراح شيئاً.
رغم أني أتعاطف فلسفياً مع فكرة النقد الخاص فإني لا أريد لها أن تكون ملهاة عن بدائل موجودة حالياً.
4. خيار المناطق النقدية المثلى

هناك خيار مهم آخر وهو نظام المناطق النقدية—مناطق نقدية “مثلى” إذا تم تصميمها لتعظيم معيار مصلحة عامة مقيدة. من المفيد أن نبدأ التفكير بكل دولة قطرية باعتبارها منطقة نقدية مشتركة. وقد تختار دولتان قطريتان أو أكثر ربط عملاتها ببعضها البعض والبدء بتعويم مشترك مقابل البلدان الأخرى. حالة كهذه تثير السؤال حول العملة المثلى. انطلاقاً من عملات وطنية فردية معوّمة، ما المعيار الذي قد يدفع بلداناً لربط عملاتها بترتيبات تعويم مشترك؟
على أحد طرفي التفكير في هذه المسألة هناك النموذج النقدي لعملة وطنية معوّمة تماماً لكل بلد، وعلى الطرف الآخر عملة عالمية كما قد يسود في ظل دمجٍ نقدي عالمي كما قد يفهم من العمل بقاعدة ذهب عالمية أو عملة عالمية. ما هي مكاسب دمج العملات أو استقلاليتها؟
حجم البلد مسألة ذات شأن، فبلد صغير يقع إلى جانب بلد كبير قد يجد أن تحولات بسيطة من عملة إلى أخرى قد تغير مستوى الأسعار في البلد الصغير بنسبة عكسية مع حجمه بالنسبة للبلد الكبير. يمكن للبلد الصغير تقليل الضرر الناجم عن هذه التحولات عن طريق تثبيت أسعار الصرف وترك تذبذبات الاحتياطيات تمتص الصدمات. والشيء ذاته ينطبق على الصدمات من خارج النظام، فبحيرة كبيرة تستطيع تفادي الصدمات العشوائية بطريقة أفضل من بحيرتين صغيرتين، أي أن مبدأ القاطرة يصح في هذا النظام. وما ينطبق على عملتين ينطبق حتى بصورة أفضل على ثلاث عملات وهكذا.
البلدان المؤلفة لأي منطقة عملة لديها أشياء مشتركة معينة. أولاً—والأهم على نحو ما لأنه أمرٌ لا بد منه—فأي بلدين لديهما أسعار صرف ثابتة يجب أن يكون لديهما مستويات أسعار متناسبة مع بعضهما البعض، بحيث يصبح لديهما خلال فترة من الزمن نسب تضخم متماثلة. إذا لم يكن الأمر كذلك فستكون أسعار السلع في أحد البلدين أرخص دائماً منها في البلد الآخر، وسيتبع ذلك ميزان مدفوعات غير متعادل مما يفرض تصحيحاً نقدياً أو انهيار المنطقة النقدية (خفض سعر العملة). أسعار الصرف الثابتة هي، في نهاية المطاف، وسيلة لبلدين للمشاركة في سياسة نقدية مشتركة سوءاً كانت هذه السياسة المشتركة غير متماثلة، كما في علاقات الهيمنة، أو سياسة مشتركة متكافئة كما في اتفاقيات التعاون أو الاتحادات النقدية. في القرية العالمية التي أوجدتها الاتصالات السريعة قد لا تكون هناك أهمية للعلاقة الجغرافية، فجغرافيا التضخم تُرسم على خارطة عالمية من المناطق النقدية.
كما تتشارك البلدان في “سلة” مشتركة مع السلع أو العملات التي ترتبط بها عملاتها. البلدان المعزولة كلياً عن بعضها البعض تبقى، مع ذلك، في نفس المنطقة النقدية ويكون لديها تقريباً نفس نسبة التضخم أو الانكماش إذا اختارت، مثلاً، سلة سلع واحدة كالذهب أو الفضة ربطت بها عملتها. منطقة الدولار هي مثال آخر، وكذلك منطقة الفرنك للمستعمرات الفرنسية الإفريقية. بلدان المنطقة النقدية الواحدة يسيرون على إيقاع طبل واحد.
ثالثاً، لقد كانت الإمبراطوريات تقليدياً هي مناطق نقدية منفردة تتشارك في سوق رأس المال نفسه في العاصمة وربما في نفس اللغة.
رابعاً، قد تتنقل عوامل الإنتاج بسهولة أكبر بين البلدان المشاركة في منطقة نقدية واحدة إما كشرط مسبق لاتفاقية المنطقة النقدية أو كنتيجة لذلك.
خامساً، قد تعكس المناطق النقدية ترتيبات سياسية مثل بلد أم ومستعمرة، منتصرة أو مهزومة، أو اتحاداً سياسياً أولياً. وغالباً ما تشكل الاتحادات النقدية كأداة أو خطوة أخرى نحو اتحاد سياسي كما في حالة السوق المشتركة أو دول الخليج.
سادساً، قد تعكس المناطق النقدية شراكات تجارية تكميلية كما قد يحدث بين بلدان صناعية وبلدان منتجة رئيسية، أو بين بلدان استوائية وبلدان معتدلة المناخ.
سابعاً، قد تعكس المناطق النقدية علاقات القوى حيث تتشكل اتحادات عملة لوضع الأسس لتحالفات دفاعية أو هجومية محتملة.
ثامناً، قد تعكس المناطق النقدية مناطق تخطيط. وقد تكون التغيرات في أسعار الصرف مفيدة لتحقيق التعديلات الأساسية في ميزان المدفوعات فقط عندما يكون هناك استقرار يمكن للأسعار أن تتصرف على أساسه لتغيير الأجور الحقيقية. مناطق التخطيط تتضمن درجة من الدمج ولذلك فإن هذا المعيار يتداخل مع الخيارات السياسية.
إنه مجرد هذا النوع من تأثير “القاطرة” الذي يجعل الدول تستخدم عملة التجارة أو العملة “الخارجية”. في منتصف القرن التاسع عشر، وخصوصاً بعد أن تخلت فرنسا عن دورها كالدولة المحورية في استخدام معدني الذهب والفضة، سارعت بلدانٌ للانضمام إلى جماعة الذهب مقتفية أثر بريطانيا، ثم فرنسا، ثم الامبراطورية الألمانية. وقد حدثت حالة مماثلة بعد انهيار التعويم الأوروبي المشترك عام 1973 عندما اختارت دول عديدة الانضمام إلى قاعدة الدولار. تضم منطقة الدولار اليوم حوالي 60 عملة لدول خارج العالم الشيوعي، وهي تمثل، بعد وقت طويل من بدء التعويم العام سنة 1973، كتلة العملة الرئيسية في الاقتصاد العالمي. نشأ عن الاتفاقية العامة للتعويم نظام مناطق عملات متذبذبة تدور حول الدولار.
النظام النقدي الأوروبي تمتد جذوره إلى محاولات أوروبا الغربية في ستينات القرن الماضي لتحرير نفسها من الارتباط باستقرار يمثله دولارٌ للتحويل للذهب. ومع وقف الارتباط بالذهب الناجم عن نظام “الطبقتين” بعد عام 1968، احتاجت الدول الأوروبية لمزيد من احتياطيات النقد الأجنبي وحصلت على دولارات لتحل محل الذهب عندما انخفضت أسعار الفائدة نتيجة للركود الاقتصادي عام 1970-1971. وبعد 15 آب 1971 لم يستطع الأوروبيون الاتفاق على تعويم مشترك ونتج عن ذلك التوصل إلى الترتيبات السميثسونية—في الواقع منطقة دولار عالمية، وما من بلد يقبل بيع الذهب بالسعر الرسمي الجديد البالغ 38 دولاراً للأونصة. لم يحقق تخفيض الدولار عام 1973 أي شيء ذي جدوى، وقد أسس لسعر رسمي أعلى لم تعد الولايات المتحدة بموجبه قبول بيع الذهب بسعر 42.20 دولاراً للأونصة وأعاد تخفيض الدولار تعريف الأسس التي يقوم عليها الدولار الأمريكي. كان ذلك إصلاحاً آخر لا جدوى منه. بعد ذلك حاولت البلدان الأوروبية مرة أخرى التوصل إلى اتفاقية تعويم مشترك ولكن بريطانيا لم تقبل بالمشاركة وانهارت منطقة العملة “المثلى” بحلول حزيران. وجاءت المحاولة الثالثة للتوصل إلى اتفاقية تعويم أوروبية مشتركة عام 1979 والتي وضعت الأساس للنظام النقدي الأوروبي، ولكن هذه المحاولة فشلت أيضاً. لا بد من التساؤل في هذه المرحلة، وبعد تكرر الفشل لثلاث مرات عما إذا كانت أوروبا الغربية، دون بريطانيا، تشكل منطقة عملة مثلى، أو ما إذا كانت أوروبا الغربية واليابان تتبعان لنظام دولاري ودولاري أوروبي أكبر. وسأترك جانباً الشبح الخطر لبروز مثلث “أورويللي” خاص بالفرنك والمارك والروبل.
الحل النقدي لمناطق عملات وطنية ذات أسعار معوّمة دون تدخل ليس حلاً راسخاً، فهو يميل إلى التداخل مع نظام مناطق عملات أكبر. لقد أثبتت منطقة العملة المثلى تاريخياً أنها أكبر من منطقة العملة الوطنية المعزولة. بيد أن العملة المثلى، في الطرف المقابل، لم تكن أبداً بحجم الاقتصاد العالمي، فقاعدة الذهب في الوقت الحاضر—على سبيل المثال—لا تستطيع أن تحوي الاقتصاد العالمي برمته.
قد تتطابق مناطق النقد القائمة حالياً، وخلال هذه الفترة، بصورة دقيقة إلى حد ما مع مناطق النقد المثلى المجدية. لم تبدر من جانب كتلة العملة الأوروبية الشرقية أية إشارة حول رغبتها في الانضمام لمنطقة الدولار، مع أن بعض البلدان الأوروبية الشرقية قد أبدت رغبتها في الانضمام إلى صندوق النقد الدولي عندما تم السماح لهم بذلك. أوروبا الغربية ليست متململة تحت المظلة المالية لمنطقة الدولار، وهناك إمكانية واعدة لمنطقة ين يابانية إضافة إلى منطقة يوان على أساس “عملة الشعب” أو الرينمنبي في المستقبل. وقد تتطور منطقة نقد خليجي ثم تمتد إلى منطقة عربية أوسع إذا برزت قوى تمركز كافية في البلدان العربية. وقد تستمر منطقة الفرنك المرتبطة بالفرنك الفرنسي حتى يتم التوصل إلى بديل أفضل لأوروبا الغربية.
خيار المناطق النقدية المثلى هو النتيجة الأكثر احتمالاً إذا لم يتم اتخاذ خطوات مدروسة لتأسيس نظام نقد عالمي جديد.
5. خيار بنك مركزي عالمي

أحد أغراض إنشاء بنك مركزي عالمي هو توفير نقد عالمي عندما لا يكون موجوداً وعندما يكون من المرغوب فيه إيجاد نقد من هذا النوع. أحد الأغراض الأخرى هو توفير مصدر للنقد الدولي عندما يكون نادراً دون مبرر وكبح نموه عندما يكون زائداً. هناك غرض ثالث وهو القيام بدور الوسيط المتحمل للخطر بين البلدان ذات الفائض والبلدان ذات العجز. والغرض الرابع هو خفض، إن لم يكن وقف، التذبذبات غير المرغوب بها في أسعار الصرف. وهناك غرض خامس، هو توفير وسيط بين البلدان الدائنة والبلدان المدينة لإعادة الجدولة أو تمويل الالتزامات المترتبة على فوائد الديون عندما لا تعود هناك جدوى من قنوات الاتصال العادية والحلول الثنائية. بعض نواحي هذه الأغراض تقوم به وبصورة جزئية المؤسسات القائمة حالياً مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية إضافة لبنوك إقليمية متنوعة ووكالات وطنية وجماعات خاصة. إلا أن زيادة النمو في الاحتياطي الدولي العشوائي والنمو غير المنضبط للدين وعدم الإحساس بالطمأنينة في أوساط المجتمع المصرفي التجاري الدولي وغزو المجالات الخاصة من قبل مؤسسات دولية ناهيك عن أزمة الدين، تكشف بوضوح عن الفجوات في الهيكل الدولي. لقد تم تجنب أزمة كانت على وشك الحدوث عام 1982 ولكن ليس هناك ضمانة بأنه قد تم العثور على حل لبقية العقد وما بعده.
سأطرح بأدناه خطة لتأسيس بنك مركزي عالمي برأسمال تريليون دولار. ستعطى للبنك المركزي العالمي الصلاحية لأن يقبل بين موجوداته الذهب والعملات الأجنبية والتزامات الدين للدول الأعضاء. وسيكون بوسعه أيضاً قبول ودائع بالعملات الوطنية أو أدوات دين مختارة ويقوم بالمقابل بفتح حسابات للحكومات الأعضاء مقيّمةٍ بوحدة الاحتياطي الدولي وستقبل الشيكات المسحوبة على هذه الحسابات من قبل الأعضاء الآخرين لغاية نسبة مضاعفة من حصتها التي ستتقرر وفقاً للاتفاقية التأسيسية بين البلدان المشاركة. وسيقدم البنك المركزي العالمي قروضاً بسعر البنك تحت ظروف محددة تعكس أحوال السوق. وسيتم تنسيق نشاطات البنك المركزي العالمي مع نشاطات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما وسيساعدهما البنك المركزي العالمي في تنسيق نشاطاتهما.
يمكن للبنك الجديد أن يلعب دوراً في سوق الذهب في حالة عزم البلدان الكبرى على تأسيس قاعدة الذهب الجديدة أو إعادة تأسيس قاعدة الدولار القابل للتحويل إلى ذهب. قد يتم ذلك من خلال استخدام حقوق السحب الخاصة الموجودة حالياً كوحدة للعملة الجديدة أو وحدة عملة جديدة. لنفترض أن الوضع المبدئي للبنك المركزي العالمي كان على النحو التالي:

يمكن للبنك المركزي العالمي المبادرة في قبول الذهب من البنوك المركزية الوطنية التي ترغب في مزيد من السيولة فيها أو في بيع الذهب لتلك البنوك المركزية التي ترغب في تقليل حجم ودائعها من العملة الاحتياطية العالمية. ويمكن للمعاملات الفعلية أن تتم بين البنك المركزي العالمي وإحدى البلدان الأعضاء أو عن طريق أحد البنوك المركزية الوطنية العامل كوكيل للبنك المركزي العالمي.
بعدئذ يكون للبلد المعني خيار تثبيت نقده بالنسبة للنقد العالمي الذي سيكون قابلاً للتحويل لذهب أو يكون له خيار بيع وشراء الذهب مباشرة. وسيكون ربح خطوط القروض الجديدة التي سيفتحها البنك المركزي للبلدان بسعر فائدة مرتبط بالسوق (لنقل سعر الفائدة على الدولار الأوروبي أو ليبور) بينما تربح الودائع السائلة لدى البنك المركزي العالمي بنسبة فائدة أقل.
سيمتد تأثير وجود مؤسسة كهذه إلى تخفيف الصعوبات الحالية لأزمات السيولة وإعادة جدولة الديون. كما أنه سيخفف من التأرجح الكبير في أسعار صرف الدولار عندما يحدث التنويع (أو عكسه) وسيمنع التذبذب المسبب لعدم استقرار الاحتياطيات الدولية الناجم عن تذبذب أسعار الذهب.
ورغم أنه يمكن القيام بهذه المهام في غياب وجود بنك مركزي عالمي فلن يكون من الممكن القيام بها بنفس الكفاءة أو بقدر مساوٍ من توزيع متعدد للمخاطر. هناك صعوبات كبيرة تكتنف إنشاء بنك كهذا ولكنها ليست عصية على الحل أكثر من صعوبات إنشاء بنك إنجلترا المركزي أو نظام الاحتياطي الفيدرالي. لقد تم البدء في فتح الطريق بالنجاح النسبي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في بريتن وودز. مضى على إنشاء هذه المؤسسات أربعون عاماً حافلة بالازدهار الذي يزداد كلما تعمقت أزمة الدين. ولكن سرعة التطور المالي خلال هذه الأربعين عاما شكلت حالة استثنائية إلى الحد الذي أصبح من الضروري فيه الآن وجود إطار لمواجهة الصعوبات المنظورة خلال العقود القليلة الماضية. الذهب لوحده لا يمكن إن يشكل حلاً في ضوء احتمال أن تصبح أسعار الذهب موضع تفاوض. وفي نهاية المطاف أيضاً لا يمكن مواصلة التسارع على المطلوبات بالدولار دون أن يؤدي ذلك في النهاية إلى تقويض العملة الأمريكية. في نهاية المطاف ستكون المشكلة التي لا بد من مواجهتها هي الحاجة إلى بنك مركزي عالمي جماعي.
الاستنتاجات

بحثت في الصفحات الماضية في خمسة خيارات رئيسية لإصلاح النقد الدولي كان بعضها أكثر أهمية من غيره. وفي سبيل التوصل إلى قناعة بخصوص هذه الخيارات من الضروري أن نتذكر أنه ليس مما يفيد كثيراً أن نأمل في نظام لا يمكن وضعه موضع التنفيذ. فمن الضروري مناقشة مدى الحرية الفعلية للسلطات في تحديد النتيجة.
واقع الحال هو أن العالم سيحوي، على الأرجح، عناصر من الخيارات الخمسة. بعض البلدان سيكون لها أسعار صرف مرنة نظراً للحقيقة البسيطة المتمثلة في أنها لا تستطيع السيطرة على سياستها النقدية. ربما أمكن تخصيص قروض من البنك المركزي لتمويل عجز الموازنة وإذا حصل ذلك فلن يكون هناك في البلد المعني ضبط مالي قد يوفر فرص النجاح لنظام سعر صرف ثابت.
وصحيح بنفس الدرجة أيضاً أنه طالما كانت هناك أسعار صرف مرنة فستكون هناك مناطق عملات. بعض العملات لم تستطع البقاء في ظل نظام سعرٍ معوّم وتبعاً لذلك فهي لن تستطيع البقاء مستقبلاً في ظل مثل هذا النظام. ليس هناك مفر من التعويم المشترك، وطالما بقي هذا التعويم المشترك فستسعى البلدان لتكوين أفضل صورة للمجال الذي لها نفوذ فيه.
سيتواجد النقد الخاص في كل مكانٍ هو غيرُ محظورٍ فيه بإجراءات حكومية محددة. الحكومات لا تستطيع السيطرة على الأشياء المسماة نقوداً، ولكن الجمهور سيقرر ما الذي سيقبله تسديداً للدين، وإذا ما سعت الحكومة لتغيير ذلك الشيء المقبول فسيسعى الجمهور لتجنب تلك العقود التي يخضع تنفيذها لوسيلة دفعٍ غير مقبولة.
لدينا اليوم معالم بنك مركزي عالمي ولا زال لدينا ملامح بقية من قاعدة الذهب رغم أن البعض قد يدعوها ملامح جينات انقطع تأثيرها منذ أمد طويل. مع ذلك فإني أعتقد أن هذا هو أفضل مجال يمكن فيه إحراز أكبر درجة من التقدم. تثبيت أسعار الذهب سيكون خطوة عملاقة نحو تثبيت قيمة الاحتياطيات الدولية وسيكون إنشاء بنك مركزي عالمي مناسب، في المستقبل، أداة لا غنى عنها لحل أزمة الدَّين العالمي.
ملاحظات:

[1] بدقة أكثر يتم تصدير المضاعف إلى بقية العالم إلى درجة أن يصبح بنسبة معاكسة طردياً لحجم البلد في الاقتصاد العالمي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 شباط 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

إن الدعوات التي تنادي بالتنسيق الحكومي فيما يتعلق بنسب تبادل العملات من أجل إدارة الاختلالات العالمية هي دعوات في غير محلها. ولاستخراج درس حول أن التدخل في تبادل العملات يمكن أن يؤدي إلى إنزال فوضى مالية عارمة، ما عليك إلا أن تنظر إلى اتفاقيات بلازا واللوفر.
مجموعة الأمم الصناعية الخمس—الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا—كانت قد اجتمعت في نيويورك في عام 1985 للاتفاق على عمل مشترك هدفه تخفيض قيمة الدولار. لم تكن الصين عنصرا يؤخذ بالاعتبار حيث أن احتياطاتها من العملات الأجنبية لم تكن تتجاوز 12.7 بليون دولار، وكان مجمل حسابها الجاري في توازن تقريبا. لقد أدى تدخل الأمم الصناعية الخمس في سوق تبادل العملات الأجنبية، إضافة إلى التغييرات التي حدثت في السياسات المالية، إلى المساعدة على تخفيض قيمة الدولار. ولكن بعد عامين اثنين من ذلك بلغ العجز في ميزان الحساب الأمريكي الجاري ذروة مقدارها 3.4% من الإنتاج المحلي الإجمالي، الأمر الذي حدا بالدول الست (مجموعة الأمم الصناعية الخمس بالإضافة إلى كندا) للاجتماع مرة أخرى في باريس لعكس ذلك التطور.
وأسوأ من ذلك أنه بعد اتفاق عام 1987، ابتاع بنك اليابان الدولارات وسمح للقاعدة النقدية بالنمو سريعا، وبالتالي خلق اقتصاد الفقاعة أواخر عقد الثمانينات. وقد انفجرت الفقاعة في عام 1990 بعد أن خفض بنك اليابان المركزي تخفيضا حادا النمو النقدي في منتصف 1989.
إن البلدان التي عانت المعاناة الأشد من غيرها نتيجة الأزمة المالية الأسيوية التي تلت ذلك كانت هي البلدان التي أخطأت في إدارة سياساتها النقدية. وكما لاحظ جون جرينوود، كبير الاقتصاديين في إنفيسكو آسيا: “الدرس العام هو أنه من أجل السيطرة على نمو النقد والائتمان ضمن حدود معقولة تتفق مع تضخم منخفض على المدى البعيد، فإن قيمة العملة الخارجية يجب أن تترك حرة للتأقلم—وبالأخص صعودا”.
واليوم هنالك عوامل أخرى تجعل من أي اتفاق حول قيم التبادل أقل احتمالا في النجاح. فقد ارتفع العجز في حساب الولايات المتحدة الجاري بما يزيد على 6% من الناتج المحلي الإجمالي. الصين الآن هي ثالث أكبر أمة تجارية في العالم. والبنوك المركزية الآسيوية تلعب دورا مهما في تمويل العجز في موازنة الولايات المتحدة. إن اتفاقا جديدا على غرار اتفاقيات بلازا-لوفر سوف يتطلب مجموعة أكبر بكثير للتوصل إلى اتفاق—مجموعة العشرين—وبدون وجود آلية للتنفيذ ذات فعالية ومصداقية.
إن مفاوضات التي تجري من أجل حل الاختلالات التجارية تفترض بأن “الخبراء” هم على معرفة بقيم تبادل العملات السوقية ذات العلاقة، وأن الحكومات تستطيع الاتفاق على تطبيقها—وكلاهما لم تثبت صحته. إن الأسواق المالية هي أكثر تعقيدا بكثير الآن مما كانت عليه في عقد الثمانينات، كما أن التدفقات الرأسمالية الخاصة تغرق التدفقات الرسمية. أية قيمة تبادل تكون في جوهرها غير متوازية سوف تتعرض في النهاية إلى الهجوم ولن تكون الحكومات في وضع يتيح لها الحيلولة دون ذلك. يضاف إلى ذلك، كلما تأخرت فترة التأقلم كلما ارتفع الثمن بالنسبة لسوء تخصيص الموارد.
وبدلا من اتفاقية جديدة على غرار بلازا-لوفر فإن توجها بديلا لإصلاح الاختلالات العالمية هو في جعل السلطات النقدية تتفق على مبادئ وأهداف مشتركة. الهدف من ذلك سيكون خلق مصداقية عن طريق التزام البنوك المركزية باستقرار الأسعار على المدى الطويل.
وقد اقترح هانز جينبرغ، المدير التنفيذي للأبحاث في سلطة نقد هونغ كونغ، خلق “منطقة استقرار مالي” في شرق آسيا. الخطوة الرئيسية لتحقيق ذلك تكمن في اتفاق على نظام ثابت فيما يتعلق بأهداف التضخم.
وحتى تكون منسجمة مع حرية تدفق رأس المال، يتوجب على البنوك المركزية عدم التدخل لتحديد قيم التبادل. إن المعلومات المستقاة في نظام قيم مرنة تكون ذات نفع في إدارة السياسية النقدية، وقد تختار بعض السلطات النقدية اتباع النموذج السنغافوري باستخدام قيم التبادل كهدف عملياتي. بموجب ذلك تحتفظ هونغ كونغ بمجلس النقد وتحدّد قيمة العملة.
ومع استقرار الأسعار على المستوى الإقليمي والاندماج المالي فإن نسب الفوائد سوف تتلاقى بحيث تصبح قيم التبادل أقل هياجا. ومع الأخذ بعين الاعتبار احتمال قيام عملة موحدة—إما للإقليم أو، وهذا أكثر احتمالا، لمجموعة اصغر من البلدان—فإنه لن يكون ضروريا تحقيق تلك المنافع.
تحتاج الصين إلى بنك مركزي مستقل من أجل استقرار نمو الدخول الاسمية المعمول بها والحيلولة دون التضخم. كما أن تخفيض الرقابة على رؤوس الأموال سوف تقلل من الضغوط على نسب التبادل بين اليوان والدولار، بينما لبرلة نسب الفوائد سوف تسمح بتخصيص أكثر كفاءة ونجاعة لرأس المال.
المشكلة هي إقناع الصين بتبني مبادئ اقتصادية ليبرالية في وقت يتسم فيه نظامها السياسي بنقيض الليبرالية. أن تهدد الولايات المتحدة الصين بإجراءات حمائية بسبب عدم انتهاجها للمبادئ الليبرالية هو عمل من شأنه إحداث أثر عكسي، ذلك أن تنفيذ مثل هذه التهديد سوف يجعل الصين والولايات المتحدة أقل ليبرالية سواء بسواء.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 تشرين الثاني 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018