شؤون اقتصادية

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

استنتج لارس جونونج وإيوين دريا (2010) في دراستهما أن الموقف المتشائم الذي اتخذه معظم الاقتصاديين الأمريكيين من اليورو خلال الفترة 1989 – 2002 “كان قد نشأ على الأرجح نتيجة ميل الاقتصاديين الأمريكيين إلى اعتبار اليورو مشروعا سياسيا  دوافعه غامضة يقوم على قاعدة مؤسسية منقوصة.” لو كان معظم الاقتصاديين الأمريكيين يعتقدون أن اليورو هو مشروع سياسي، إلى حد كبير، فقد كانوا على صواب في اعتقادهم هذا. حين نقرأ قصص ظهور اليورو، فإن من الواضح أن السياسة، وليس الاقتصاد، هي سيدة الموقف (براون 2004؛ مارش 2009).
لكن هذه النظرة الواقعية (التي تقول بهيمنة “السياسة”) لا تشجع الفرد على اتخاذ موقفً متشائم ولا متفائل من اليورو. انطلاقا من خبرتي كمستشار في إصلاحات العملة في أوروبا في تسعينيات القرن العشرين، لاحظت بصورة مباشرة أن العامل المهيمن هو السياسة أي أنها هي المحدد الرئيس، وأحيانا بعض الاعتبارات الشخصية، وليس اقتصاد مناطق العملة المثلى. كما لاحظت أن الأمر  يمكن أن يؤدي إلى إصلاحات جيدة رغم ذلك.
في إستونيا، التي أنشأت عملة مستقلة في عام 1992، كان الهدف القومي المهيمن هو الخروج من منطقة الروبل، وبصورة أشمل، الخروج من دائرة نفوذ موسكو. كانت أكثر الطرق ملائمة لإنجاز هذا الهدف وبشكل سريع هي إنشاء مجلس للعملة. وكان المحرك الرئيس لقيام ليثوانيا بإصلاحات مماثلة لعملتها عام 1994 هو دور رئيس الوزراء أدولفاس سليزيفيكيوس Adolfas Slezevicius. حيث كان منجذبا لفكرة  مجلس العملة، لأنها كانت سبيلاً لتهميش محافظ البنك المركزي، وفرض الانضباط في المالية العامة على الحزب الذي ينتمي إليه (وهو حزب العمل الديمقراطي)، الذي كان يسيطر على البرلمان. وفي بلغاريا، أدى تضخم مفرط عام 1997 إلى هياج شعبي عنيف يطالب بأموال سليمة ومجلس للعملة، وهي فكرة ترددت في الأوساط المهنية منذ عام 1991. والواقع أن ترجمة هزيلة (باللغة البلغارية) لبحث قديم كنت قد كتبته عام 1991 (هانكي وشولر 1991)، قد احتلت قائمة الكتب الأكثر رواجاً في صوفيا أثناء فترة التضخم المفرط. كذلك أنشأت البوسنة والهرسك مجلساً للعملة في عام 1997. وقد كان هذا البند مفروضاً بحكم اتفاقية ديتون – باريس للسلام، وهي معاهدة دولية وقعت في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 1995. أما جمهورية الجبل الأسود، فرغم انتمائها آنذاك لإتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية إلى جانب الصرب، إلا أنها تخلت عن الدينار اليوغوسلافي واستعاضت عنه بالمارك الألماني في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999. هذا القرار الجريء من ميلو ديوكانوفيتش (الذي كان رئيساً للجمهورية في ذلك الحين) كان جزءاً من إستراتيجية سياسية لتثبيت استقلال الجبل الأسود. كانت السياسة، وليس الاقتصاد، العامل الرئيس وراء قرار الجبل الأسود بتبني المارك الألماني، شأنه في ذلك شأن إنشاء اليورو.
لقد شعرت بسعادة كبيرة لوجود منطق سياسي وتأييد شعبي لإصلاحات العملة التي كنت أنادي بها.  لكن تهميش النقاط الاقتصادية الدقيقة لم تؤثر عليّ. جميع البلدان المذكورة آنفاً مستمرة حتى اليوم في السياسات النقدية التي وضعتها في تسعينيات القرن الماضي. (تحولت جمهورية الجبل الأسود إلى اليورو حين حل اليورو محل المارك الألماني.) وتم إتباع هذه السياسات إلى حد كبير لأسباب سياسية، لكنها استمرت لأنها حققت النتائج الاقتصادية القوية التي كانت مرجوة منها.
تستند آرائي حول أسعار صرف العملات إلى التمييز بين (ثلاثة أنظمة)، وهي نظام الأسعار المثبتة تثبيتاً تاماً، ونظام السعر المعوم تعويماً تاماً، ونظام ارتباط العملة. نظام أسعار الصرف الثابتة ونظام أسعار الصرف المعومة هو نظام تهدف السلطة النقدية من خلاله إلى تحقيق هدف واحد فقط في كل مرة. رغم أن نظامي سعر الصرف الثابت والمعوم يبدو عليهما الاختلاف، إلا أنهما عضوان في عائلة السوق الحرة نفسها. يعمل النظامان دون ضوابط على تبادل العملات، وهما من آليات السوق الحرة اللازمة في تعديلات ميزان المدفوعات. في نظام الأسعار المعوّمة، يضع البنك المركزي سياسة نقدية، لكن سعر الصرف يعمل من تلقاء نفسه. معنى ذلك أن القاعدة النقدية يتم تقريرها محلياً من قبل البنك المركزي. وحين يكون سعر الصرف ثابتاً، هناك احتمالان: إما أن يحدد مجلسُ العملة سعرَ الصرف، ويعمل عرض العملة من تلقاء نفسه، أو “يتدلور” البلد ويستخدم الدولار الأمريكي أو عملة أجنبية أخرى لتكون بمثابة عملته المحلية، ويعمل عرض العملة كذلك من تلقاء نفسه. من منظور أي بلد معين، يعتبر الاتحاد النقدي من قبيل منطقة اليورو شبيهاً بالدلورة (أي التحول لاستخدام الدولار). نتيجة لذلك فإن القاعدة النقدية للبلد (في ظل نظام سعر الصرف الثابت) يتم تحديدها من قبل ميزان المدفوعات، وتتحرك على أساس تناظر “واحد لواحد” مع التغيرات في احتياطياتها الأجنبية (بمعنى أن التغير في أي عنصر في المجموعة الأولى يكون مناظراً لعنصر واحد في المجموعة الثانية). حين يكون سعر الصرف ثابتاً أو معوماً فإن من غير الممكن وجود حالات من التضارب بين السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف، ولا يكون هناك مجال لأن تُطِل الأزمات في ميزان المدفوعات برأسها القبيح. الواقع أن نظام سعر الصرف الثابت ونظام سعر الصرف المعوم هما نظامان يتمتعان باستقرار كامن، على نحو تتصرف فيه قوى السوق بصورة آلية لإعادة التوازن إلى الحركات المالية وتجنب الأزمات في ميزان المدفوعات.
معظم الاقتصاديين يستخدمون كلمة “ثابت” وكلمة “مرتبط” على أنهما تعبيران متطابقان أو شبه متطابقين بخصوص أسعار الصرف. بالنسبة إلي، هذان النظامان يعتبران ترتيبين مختلفين تماماً لإدارة أسعار الصرف. أنظمة العملات المرتبطة هي أنظمة تسعى فيها السلطة النقدية إلى تحقيق أكثر من هدف واحد في الوقت نفسه. وغالباً ما تستخدم ضوابط الصرف في هذه الأنظمة، ولكنها ليست من آليات السوق الحرة فيما يتعلق بتعديلات ميزان المدفوعات. أنظمة العملات المرتبطة هي في جوهرها أنظمة عدم استقرار، وتفتقر إلى الآلية الأوتوماتيكية اللازمة لإحداث التعديلات في ميزان المدفوعات. كما تتطلب أنظمة العملات المرتبطة بنكاً مركزياً لإدارة كل من أسعار الصرف والسياسة النقدية. في ظل نظام من هذا القبيل، تشتمل القاعدة النقدية على عناصر محلية وأخرى أجنبية.
على خلاف أنظمة الأسعار المعومة والثابتة، تؤدي أنظمة العملات المرتبطة، بصورة دائمة، إلى تضارب بين السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. على سبيل المثال، حين تصبح الحركات الرأسمالية الداخلة “مفرطة” في ظل نظام ارتباط العملات، غالباً ما يسعى البنك المركزي لتعقيم الزيادة الناشئة في العنصر الأجنبي في القاعدة النقدية من خلال بيع السندات، وبالتالي تقليص العنصر المحلي في القاعدة. وحين تصبح الحركات الخارجة “مفرطة” غالباً ما يسعى البنك المركزي إلى التعويض عن النقص في العنصر الأجنبي الداخل في تركيب القاعدة النقدية من خلال شراء السندات، وبالتالي زيادة العنصر المحلي في القاعدة النقدية. تندلع الأزمات في ميزان المدفوعات حين يبدأ البنك المركزي في التعويض أكثر فأكثر عن النقص الواقع في العنصر الأجنبي من خلال القاعدة النقدية المخلوقة محلياً. حين يحدث هذا، فإنها ستكون مسألة وقت قبل أن ينتبه مضاربو العملات إلى التناقضات بين سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية ويفرضون وضعاً يؤدي إلى تخفيض قيمة العملة، أو ارتفاع أسعار الفائدة، أو فرْض الضوابط على تبادل العملات، أو الأمور الثلاثة معاً.
أثناء الاستعدادات لإطلاق اليورو، كنت مسؤولا في إحدى صناديق التحوطhedge fund ، إلى جانب أعمال أخرى، وبالنظر إلى آرائي حول أنظمة أسعار صرف العملات، فإن تلك الفترة منحتني فرصا كثيرة للدخول في تداولات مربحة. لاحظت أن آلية أسعار الصرف Exchange Rate Mechanism (ERM ) هي نظام من أسعار الصرف المرتبطة (ضمن هوامش محددة) بين البلدان الأوروبية. وحين يعاني ’نظام ارتباط العملة‘ من مشاكل في بلد معين، فإن ما يحدث في العادة هو ارتفاع أسعار الفائدة في ذلك البلد، أو تتراجع قيمة عملته، أو الأمران معاً. من هذا المنطلق، كنت إما أقوم ببيع الودائع في بلد ذي عملة “ضعيفة”، أو التداول على المكشوف في عملات أوروبية أخرى ضد المارك الألماني. وكمثال على طريقتي في التفكير (وفي التداول)، كتبت في كانون الثاني (يناير) 1992 ما يلي:
خلال الشهر المقبل، سيدفع المارك الألماني الجنيهَ الإسترليني إلى أدنى مستوياته في نطاق “آلية أسعار الصرف” ERM. لمواجهة هذا الاحتمال، هناك أربعة استجابات بريطانية ممكنة في مجال السياسة النقدية. الأولى، هي السماح بتراجع قيمة الإسترليني لتصل إلى حوالي 2.5 مارك ألماني، والسماح في نهاية الأمر بانخفاض أسعار الفائدة قليلاً. الثانية، هي الدفاع عن الإسترليني واستعادة سعر صرف مركزي مقداره 2.95 مارك ألماني للجنيه من خلال رفع أسعار الفائدة بمقدار نقطة مئوية تامة لتصل إلى 11.5 بالمائة. الثالثة، هي التفاوض في سبيل أن تكون هناك إعادة توجيه في ’آلية أسعار الصرف‘ ERM لتسير بمحاذاة الخطوط التي نقترحها (أي القيم التي يقترحها صندوق التحوط الذي كان يعمل فيه المؤلف). الرابعة، هي إعادة فرض القيود على تبادل العملات (لا سمح الله).
مهما كانت القوة المنطقية للخيار الأول والثالث، إلا أننا نعتقد أن البريطانيين استثمروا قدراً كبيراً من رأس المال السياسي في “آلية أسعار الصرف” ERM واعتماد السعر المثير للسخرية بمقدار 2.95 مارك ألماني للجنيه، وأن هذا الاستثمار سيدفعهم ولو على مضض إلى اختيار الخيار الثاني ورفع أسعار الفائدة. ننصح ببيع ودائع آذار (مارس) للإسترليني لثلاثة أشهر، وننصح بأن تكون نقطة التوقف هي 90 (صالح في أي وقت) (هانكي 1992).
وكما تبين فيما بعد، كان هذا التداول مربحاً. لكن حكمي بخصوص الإجراء الذي تتخذه بريطانيا بشأن الجنيه الإسترليني جعلني أفَوِّت فرصة التداول الكبير يوم الأربعاء الأسود، أي السادس عشر من أيلول (سبتمبر) 1992، حين عوّمت الحكومة سعر الصرف، أي أنها من الناحية العملية خفضت قيمة الجنيه بدلاً من رفع أسعار الفائدة أكثر من ذي قبل.
مع ذلك كانت هناك خسائر مرتبطة بالرهانات ضد الارتباط في “آلية أسعار الصرف” ERM. كان أبرزها ما وقع في نهاية تموز (يوليو) 1993، حين تعرض السعر المرتبط في فرنسا، المسمى الفرنك القوي franc fort، لضربة موجعة (سولتزر 1993). نتيجة لذلك تم توسيع النطاق الضيق (أي التغير في الهوامش) من 2.25 بالمائة إلى 15 بالمائة حول الأسعار الرئيسية.
كنت أعتبر اليورو سليماً من الناحية التقنية، لأنه يتطلب سعراً ثابتاً للصرف بدلاً من الأسعار المرتبطة بين البلدان الأعضاء في منطقة اليورو، لكن آرائي حول السياسة النقدية بخصوص اليورو كانت متشائمة بصورة عامة أثناء فترة الاستعداد لإطلاقه. كان الأساس الذي يقوم عليه رأيي المتشائم هو الفكرة القائلة أن اليورو القوي من شأنه على المدى الطويل أن يتطلب دولة مركزية قوية، كما أشار روبرت مونديل (2000). وفي حين أنني أتفق مع تشخيص مونديل، إلا أنني لم أكن أعتقد، أن الدولة المركزية القوية هي أمر مرغوب فيه، وما زلت لا أعتقد ذلك، فبالنسبة لي، يمثل الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية طبقات إضافية من الناحية السياسية والبيروقراطية من شأنها إعاقة التحرر الاقتصادي الأوروبي الذي تدعو الحاجة إليه بصورة ماسة.
وفي حين أنني متشكك بخصوص العملة المشتركة لأوروبا، إلا أنني فضلت التوحيد الأوروبي للعملة من خلال مجالس العملة (هانك وولترز 1990). ولم أكن وحيداً في ذلك. أثناء اجتماع في أيار (مايو) 1990 في برلين الشرقية مع كارل أوتو بول، رئيس البنك المركزي الألماني، أكد لي أنه يشاركني النظرة نفسها (مارش 2009، 131) وشجعني على المضي قدماً. إن مثل هذا المنهج في توحيد العملة، حيث يكون المارك الألماني هو العملة الرئيسية، كان سيعطي أوروبا استقراراً نقدياً، وفي الوقت نفسه كان بإمكانها أن تتجنب الزيادة التدريجية في سلطات الدولة والسلطات البيروقراطية التي صاحبت اليورو.
* ستيف هانكي هو أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور. وهو كذلك زميل أول في معهد كيتو في واشنطن العاصمة، وعضو في المجلس الاستشاري الدولي للبنك الوطني الكويتي، وعضو في المجلس الاستشاري المالي للإمارات العربية المتحدة، والرئيس الفخري لمجلس إدارة مجموعة فريدبيرج ميركانتايل Friedberg Mercantile Group في تورونتو. وقد عمل كاقتصادي أول في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس رونالد ريغان خلال العامين 1981 – 1982، وكان مستشاراً اقتصادياً لعدد من الحكومات. تشتمل آخر كتاباته على عمود منتظم في مجلة فوربس Forbes وعلى بحث بعنوان زمبابوي: من التضخم المفرط إلى النمو (2009).
‏مراجع:
‏Bogetic, Zeljko, and Steve H. Hanke. 1999. Cronogorska Marka. Podgorica,
‏Montenegro: Antena M.
‏Brown, Brendan. 2004. Euro on Trial: To Reform or Split Up? New York: Palgrave
‏Macmillan.
‏Hanke, Steve H. 1992. The Walters Critique. Friedberg’s Commodity and Currency
‏Comments, 26 January.
‏Hanke, Steve H. 1996/7. A Field Report from Sarajevo and Pale. Central Banking
7(3).
‏Hanke, Steve H., Lars Jonung and Kurt Schuler. 1992. Monetary Reform for a
‏Free Estonia: A Currency Board Solution. Stockholm: SNS Förlag.
‏Hanke, Steve H. and Kurt Schuler. 1991. Teeth for the Bulgarian Lev: A Currency
‏Board Solution. Washington, D.C.: International Freedom Foundation.
‏Hanke, Steve H. and Kurt Schuler. 1994. Valiutu taryba: pasiulymai lietuvai.
‏Vilnius, Lithuania: Lietuvos Laisvosios Rinkos Institutas.
‏Hanke, Steve H. and Alan Walters. 1990. “Reform Begins With a Currency
‏Board.” Financial Times, 21 February.
‏Jonung, Lars, and Eoin Drea. 2010. It Can’t Happen, It’s a Bad Idea, It Won’t
‏Last: U.S. Economists on the EMU and the Euro, 1989-2002. Econ Journal
‏Watch 7(1):4-52. Link
‏Marsh, David. 2009. The Euro: The Politics of the New Global Currency. New Haven:
‏Yale University Press.
‏Mundell, Robert. 2000. The Euro and the Stability of the International Monetary
‏System. In The Euro as a Stabilizer in the International Economic System, ed.
‏Robert Mundell and Armand Clesse, p. 57-84. New York: Springer.
‏Sulitzer, Paul-Loup. 1993. Scénario-fiction pour une journée de cocaigne: Hunt,
‏Hanke, Goldsmith, Tsutsumi et les autres… Paris Match, September 2.
* أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي، جامعة جونز هوبكنز، بالتيمور، ميريلاند
ترجمة: عبد الله غيث
‎© منبر الحرية،3 أكتوبر/تشرين الأول 2010
تشتمل المنشورات التالية على نقاط اقتصادية دقيقة، واستخدمت كمراجع ومخططات لإصلاحات العملة في البلدان المذكورة بجانبها: إستونيا (هانكر وجونونج وشولر 1992)، ليتوانيا (هانك وشولر 1994)، بلغاريا (هانك وشولر 1991) البوسنة والهرسك (هانك 1996/1997)، الجبل الأسود (بوجيتيك وهانك 1999).

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

منذ القدم لجأت الدول إلى المياه لرسم حدودها ولحماية نفسها من المعتدين، أو لشن الهجوم على العدو ولقد تم استخدام المياه كوسيلة إستراتيجية وتكتيكية وكسلاح للضغط والدعاية. وتكمن أهمية مسألة المياه على عدة مستويات :
أولاً: الأمثلة التاريخية الدالة على تطبيق نظرية الحدود على الأنهار والبحيرات كثيرة جداً، ويكفي القول على أن 52% من الترسيمات الحدودية في أمريكا اللاتينية تتطابق مع مواقع هيدروغرافية، في مقابل 34% في أفريقيا، و25% في أوروبا، و23% في آسيا أي بمتوسط عالمي قدره 32%. حيث هذه الحدود الطبيعية تم التوصل إليها بعد حروب ومعاهدات صاغت تاريخ العلاقات الدولية منذ ما قبل الميلاد ومن هذا المنطلق تم استخدام المياه كوسيلة دفاعية وهجومية إستراتيجية وتكتيكية في الصراعات بين الأمم أو الدول.
ثانياً: المياه تغطي 71% من مساحة الكرة الأرضية ولكن 98% منها تحتوي على نسبة عالية من الملوحة تجعلها غير صالحة لمعظم الاستخدامات كما تشكل المياه وسطاً معقداً وهشاً وهي مصدر حياة الكائنات الحية وهناك القليل جداً من النشاطات البشرية سواء في الإنتاج أو الاستهلاك لا يستخدم المياه كمادة لا بديل لها.
تشير التقارير الدولية أن موارد المياه المتاحة لكل فرد في العالم سوف تتقلص بنسبة لا تقل عن 50%خلال الفترة الواقعة بين عامي 2000 – 2025، وتكمن الخطورة عند معرفة أن نسبة الاستهلاك العالمي للمياه تزداد بمعدل 8.4% سنوياً. وفي خضم هذا الواقع العالمي الذي يعاني من مشكلة نقص حاد في الوضع المائي أصبح تقاسم مصادر المياه ضرورياً أكثر فأكثر وصعباً بفعل تنوع الحاجات والاستخدامات واللاعبين. وفي ظل التقارير والدراسات التي تشير إلى أن القرن الحالي سيشهد حروباً داخلية وخارجية للسيطرة على المياه مثلما شهد القرن الماضي حروباً على النفط وتبدو المياه رهاناً استراتيجياً تدخل في صميم الأمن القومي لأي بلد سواء على الصعيد السياسي، الاستراتيجي، الاقتصادي الاجتماعي.
وعلى ضوء ما تم التوصل إليه عالمياً من اتفاقيات ومعاهدات لتنظيم هذا الوضع إلا أن هناك كثير من التساؤلات التي تطرح مستقبلياً لكيفية تعاطي الدبلوماسية مع هذه المسألة؟
فإذا كانت التقارير تتنبأ أزمات وصراعات مائية مستقبلية فهل هذا مؤشر على أهمية الدور الدبلوماسي في المستقبل؟ أم أن هذا الوضع الجديد يعبر عن حتمية الصراعات والنزاعات؟ أم أن طبيعة هذه النزاعات والصراعات المائية تحتم علينا العودة إلى الجغرافيا. ومن هذا المنطلق هل سوف تفرض الدبلوماسية الجغرافية – إذا جاز التعبير – نفسها وتضع الدول أمام خيارات غير تقليدية كواقع الصراع العربي الإسرائيلي؟ وهل هذا يدفعنا إلى القول أن العصر القادم هو عصر دبلوماسية الجغرافية المائية؟ فما هو حيز التحرك الدبلوماسي والسياسي لكل من الدول الغنية في مصادر المياه أو الدول شحيحة الموارد المائية؟
هل يمكن فهم الإستراتيجية التركية المستقبلية دون فهم السياسة المائية لتركيا الباحثة عن دور إقليمي متعاظم في منطقة يعاني 14 بلداً فيها إضافة إلى ثماني بلدان في الاتحاد السوفييتي سابقاً من مشاكل مائية وغذائية؟
كيف يمكن للدبلوماسية الكويتية التعاطي مع الثمن السياسي الذي سوف تدفعه الكويت مقابل الحصول على الماء في المستقبل سواء عن طريق إيران أو العراق؟
ما هو انعكاس أزمة المياه على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي؟وهل ستكون أزمة المياه المستقبلية بمثابة عود الثقاب الذي سوف يشعل فتيل الانفجار والصراع الحتمي؟ أم تكون تلك الأزمة بمثابة الباب الذي سوف يتم الدخول عن طريقه إلى مرحلة جديدة من العلاقات القائمة على التعايش الحتمي؟
وعلى ضوء ما يرسم من صورة قاتمة للوضع المائي العالمي والإقليمي يبقى التساؤل مشروع عن كيفية إيجاد السبل لحل هذه المعضلة سواء على الصعيد العالمي أو الإقليمي أو على صعيد القانون الدولي، طبعاً بالإضافة إلى السياسة العامة الداخلية في كل بلد؟
قد تكمن الخطورة في مسألة المياه بأنها تدخل في صميم الأمن القومي الأمن الغذائي, وتعتبر المياه كأحد المصادر الأكثر تفاوتاً في التوزيع في العالم حيث تتقاسم عشرة بلدان 60% من المياه العذبة في العالم وهي بالكيلومتر المكعب سنوياً كالأتي:
1- البرازيل 5670     2 – روسيا 3904      3- الصين 2880
4- كندا 2850        5- اندونيسيا 2530     6- الولايات المتحدة 2478
7- الهند 1550        8 – كولومبيا 1112   9- الكونغو الديمقراطية 1020
على سبيل المقارنة، فإن كل دول الاتحاد الأوروبي ما عدا النمسا وفنلندا والسويد تستفيد من 816كلم3في السنة, وعلى النقيض الآخر فإن البلدان الأكثر افتقاراً هي البلدان الأصغر أو الأكثر وعورة وهي من أسفل إلى أعلى بالكلم3 سنوياً:
الكويت والبحرين صفر تقريباً من المياه العذبة المتجددة،
مالطا 25، سنغافورة 600, كل من ليبيا والأردن 700, قبرص 1000.
وعلى طرف ونقيض آخر فإن سيرينام تملك تدفقاً سنوياً معدله مليوني متر مكعب لكل نسمة وإيسلندا 708000 م3، ومتوسط دول الاتحاد الأوروبي 2530م3.
وعلى صعيد عالمنا العربي فإن معظم مصادر المياه العربية تنبع من مصادر غير عربية مما يجعل الأمن القومي العربي قابل للاختراق من قبل كثير من الدول منها على سبيل المثال تركيا، أثيوبيا، إسرائيل. وكثيراً ما يتم استخدام المياه كسلاح تهديد ضد العرب والضغط عليهم وهو ما حدث فعلاً عام 1998 الضغط التركي على سوريا, وكما حدث أيضاً بين مصر وأثيوبيا. ولكن يبقى الأمر أكثر تعقيداً على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي حيث أمام هذا الوضع المائي الصعب فإن إسرائيل تقترح تعاوناً مائياً في المنطقة من فرضية أن العقدين القادمين من القرن الحادي والعشرين سيكونان على الأرجح عقدي صراع وتشاحن على موارد المياه في الشرق الأوسط وتعتبر أن حل أزمة المياه بالطرق التقليدية لم يعد يجدي نفعاً، وأنه لا مفر من أدوات وأساليب جديدة لإدارة هذا الصراع قبل أن يتحول إلى أزمة حادة يصعب حلها. وبالتالي تدخل مسألة المياه بالنسبة إلى إسرائيل في صميم الأمن القومي بل هي مسألة وجود بكل ما تحمله الكلمة من معنى وتحاول إسرائيل من خلال هذا الوضع المعقد أن تأخذ المياه كنموذج حتمي للدخول في سلام وتطبيع مع الدول العربية يخدم مصالحها الإستراتيجية.
وعلى ضوء هذه المعطيات يبقى التساؤل هل هناك إستراتيجية عربية واضحة فيما يتعلق بالأمن القومي المائي العربي؟ وهل الأمن القومي المائي لبعض الدول العربية سوف يفرض عليها خيارات قد تكون خارج إطار العمل العربي المشترك؟ وهل يمكن لنا التنبؤ بطبيعة العلاقة العربية في ظل الأزمة المائية مثلاً ماذا سيحدث في المستقبل بين مصر والسودان، العراق وسوريا، الأردن وسوريا؟ وهل هناك رؤية واضحة للمستقبل المائي ولكيفية التعامل مع الخيارات الحتمية المائية التي سوف تفرض نفسها على الصراع العربي الإسرائيلي؟
إن مسألة المياه في الإطار العام ولكونها أزمة عالمية فإن السبيل لحل هذه المعضلة يكمن على ثلاث مستويات:
أولاً- محلياً:
وهي تعبّر عن الحلول التقنية التي يمكن لكل دولة أن تنتهجها للحد من تفاقم الأزمة، ومنها ما هو قائم على سياسة ترشيد الاستهلاك، وإقامة السدود، تحلية مياه البحر، وإتباع سياسة زراعية قائمة على أخذ بعين الاعتبار الوضع المائي. والتوعية الوطنية القائمة على التربية على احترام هذه المادة الحيوية كثقافة خلقية المياه وهذا مثلاً ما فعلته الحكومة الكويتية رافعة شعار “الماء عديل الروح”.
ثانياً – عالمياً:
من الواضح أن أحد أسباب أزمة المياه عالمياً هو ما يحدث على صعيد عالمي من تلوث بيئي ينعكس يومياً على الوضع المائي وأقل ما يمكن قوله في هذا الإطار ما ينتج عن التلوث البيئي من ارتفاع في درجة حرارة الأرض مما يترك آثاراً خطرة للغاية على الثروة المائية العالمية. ومن هذا المنطلق تكمن أهمية الفاعلين الدوليين ومنهم المنظمات غير الحكومية المدافعة عن البيئة. ومسألة المياه عالمياً نموذج يؤكد – ويجب علينا أن نقر بذلك – بأن هناك دبلوماسية جديدة تظهر على الساحة الدولية وهو ما يعرف بدبلوماسية المنظمات غير الحكومية.
ثالثاً – قانونياً :
على الرغم من أن أشواطاً كبيرة قد قطعت عالمياً لوضع معاهدات واتفاقيات دولية لتنظيم مسألة المياه، ومن آخرها اتفاقية عام 1997 اتفاقية الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية إلا أنه في ظل استمرار التوزيع غير المتكافئ للموارد المائية والنمو المتزايد للطلب، تبدو المياه رهاناً استراتيجياً مولداً لأوضاع نزاعية بين الدول تبقى تحت رحمة موازين القوى في غياب تشريع دولي حقيقي ملزم في مجال المياه، بالإضافة إلى غياب الآلية الواضحة لكيفية التعامل مع المخالفين لهذه الاتفاقيات أو عدم المشاركين فيها.
مثلاً هل يمكن لدولة كتركيا لديها هذا الرهان الدولي الاستراتيجي أن تتخلى عنه؟
في النهاية نتساءل: إذا كان هناك في عصرنا الحديث نموذج صراعي ما بين الدول – فيما يتعلق بالمياه- تم حسمه عسكرياً ؟
قد تكون الإجابة على هذا التساؤل بمثابة المؤشر الذي على ضوئه يمكن رؤية وتحليل ما سوف تؤول إليه الأوضاع في المستقبل؟
© منبر الحرية ، 22أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

بالنسبة إلى الحمائيين والمصابين بالرهاب و الهلع من الصين، فإن الأنباء التي تقول إن الصين ستتفوق على ألمانيا لتصبح أكبر البلدان المصدرة في العالم هي أنباء تنذر بنظام عالمي جديد غير مرغوب فيه، لكن هذا الشعور والذي هو أكثر من كونه علامة على القوة الاقتصادية الصينية المتصاعدة، إنما هو شهادة على تراجع الحواجز  الاقتصادية والسياسية والطبيعية والتكنولوجية أمام الإنتاج.   ولقد بدأت الحواجز تزول مع ابتداءً التحرير الواسع لقواعد التجارة والاستثمار بعد الحرب العالمية الثانية، وأخذت المداخيل في الارتفاع في مختلف أنحاء العالم.   إن انفتاح الصين على الغرب في عام 1978، وسقوط جدار برلين في عام 1989، وسقوط الاتحاد السوفييتي بعد ذلك بسنتين، وانهيار الشيوعية كنموذج للبلدان النامية، وظهور عصر الشحن بالحاويات وانتشارها الواسع، وتكنولوجيا النظام العالمي لتحديد لمواقع GPS، وعرض السلع و الخدمات في الوقت المناسب والإنجازات الرائعة في  مجال المعلومات، والنقل، و ثورات الاتصالات كل ذلك أدى إلى نشوء تقسيم عالمي للعمل، والإنتاج يتحدى التحليل التقليدي و يجعل تقنيات المحاسبة  التي تتعلق بالتجارة مضلِّلة إلى حد كبير.
لم يعد الاقتصاد العالمي منافسة “بيننا وبينهم”، أو بين شركات الإنتاج “لدينا” و “لديهم، والذي حدث بدلاً من ذلك، بسبب الاستثمار عبر الحدود والإنتاج وسلاسل التوريد عبر البلدان، هو أن المصنع حطم جدرانه وهو يمتد الآن عبر الحدود والمحيطات. لقد أضحت المنافسة في غالبيتها في عصرنا الراهن منافسة بين العلامات التجارية الدولية أو الإنتاج وسلاسل التوريد التي تتحدى الهوية الوطنية.    لكن ما علاقة كل ذلك بوضع الصين كأكبر بلد مصدر في العالم؟
تعتمد الغالبية العظمى من الصادرات الصينية بصورة هائلة على الواردات من بقية أنحاء العالم. فالحديد يأتي من أستراليا، والرقائق الدقيقة من تايوان أو كوريا الجنوبية أو سنغافورة، وبرامج الكمبيوتر من فرق العمل في ريدموند( موقع شركة مايكروسوفت في ولاية واشنطن الأمريكية)، والتصاميم الجديدة من كامبردج في ولاية ماساتشيوستس الأمريكية، أو في بريطانيا، أو من مدينة تولوز في فرنسا، والاستثمارات من مجموعة من الشركات التي مقرها نيويورك أو ساو باولو أو جوهانسبرج.   أصبحت الصين أكبر بلد مصدر في العالم بسبب التقسيم العالمي للعمل أساسا،  تقسيم ساعد على تقليص الفقر وخلق الثروة رغم أن إنتاج الصين ذو قيمة مضافة أدنى. إن المكونات الداخلة في تصميم أجهزة آي بود وآي فون (من شركة أبل للكمبيوتر)  يتم تجميعها في الصين، لكن القيمة المضافة للتصميمات المعدة في كاليفورنيا أهم للشركة من حيث قياس التكاليف والأرباح. شركة إيكو Ecco الدانمركية لديها مصانع أحذية في مختلف مناطق آسيا، لكن أهم منتجاتها من الأحذية ما تزال تصمَّم وتصنع في أوروبا، حيث الجودة مضمونة والقوة العاملة تتمتع بتدريب عال، وتتلقى أجوراً أعلى.   لم تصبح الصين من البلدان الرئيسية في التجارة العالمية بفعل الصدفة، فقد استثمرت واستفادت من الواقع الجديد للإنتاج وسلاسل التوريد العالمية منذ  عام 1983 . وأزالت  من جانب واحد العوائق أمام التجارة، حيث أدركت أنها كانت تؤذي نفسها بذلك بالدرجة الأولى.
صحيح أن السياسات التجارية الصينية بعيدة عن كونها سياسات ممتازة، لكنها قامت بالتحرير بسرعة وعلى نطاق لا يستهان به، وهو أمر من شأنه تفسير الدور البارز للصين في الإنتاج والتوريد على المستوى العالمي، والسبب في ذلك هو التجارة متعددة الأطراف مع بقية العالم، على الرغم من الحجج التي تطرحها جماعات الضغط المناهضة للصين في أروقة الاتحاد الأوروبي، أو في نيودلهي وواشنطن.
لكن تظل هناك مشكلة حول حساب من هو الطرف الذي يكسب أكبر المبالغ من الصادرات. تُشحن البضائع المتوسطة التصنيع إلى الصين من بلدان مثل اليابان وتايوان وسنغافورة وأستراليا والولايات المتحدة، ثم يتم تجميعها (أو ربما إخضاعها لعمليات  تحويل تضيف من قيمتها) في الصين، ويتم تصديرها بعد ذلك، وحين تغادر هذه البضائع موانئ شنغهاي أو تيانجين أو جوانجدونج للتصدير، فإن القواعد المحاسبية البسيطة للتجارة تنسب القيمة الإجمالية بخصوص الصادرات المذكورة إلى الصين، حتى حين تكون القيمة الصينية الكامنة في تلك البضائع تشكل نسبة بسيطة.
هذا المنهج المحاسبي يفسر السبب في الارتفاع الكبير للصادرات الصينية على مدى العقود الماضية، في الوقت الذي تطور فيه تقسيم العمل وتكاثرت فيه سلاسل التصنيع.   في دراسة قام بها في الفترة الأخيرة مجموعة من الاقتصاديين في جامعة كاليفورنيا، خلص الباحثون إلى أن القيمة الصينية المضافة في جهاز آي بود 30G من أبل تشكل فقط 4 دولارات من إجمالي التكلفة البالغة 150 دولاراً، ومع ذلك فإن المبلغ الإجمالي بكامله يقيد على أنه صادرات صينية، وهناك دراسات حديثة أخرى تقدر أن إجمالي القيمة الصينية المضافة في جميع المنتجات المصدرة من الصين يبلغ في المتوسط بين 35 و 50 بالمائة، وهي نسبة كبيرة، لكنها أقل بكثير مما يمكن أن تنطوي عليه الأرقام الإجمالية للصادرات.
ما يؤيد ذلك الملاحظة التي جاءت في الفترة الأخيرة على لسان فولكر ترايَر، وهو اقتصادي لدى غرفة الصناعة والتجارة الألمانية: “حين تنمو الصين، فإن هذا يدفع الاقتصاد العالمي، وهذا أمر جيد لألمانيا ذات الاقتصاد الموجه نحو الصادرات كذلك.”  وحين ندرس المكانة الجديدة للصين كرائدة للصادرات العالمية، فإن من المهم أن نفهم معنى ذلك. هذه البيانات تتحدث بلغة مقنعة للغاية عن فضائل الاعتماد الاقتصادي المتبادل على نحو يفوق الحديث عن قوة الصين وحدها من حيث الصادرات، فهي تؤمن فرصاً لكل شخص لينضم إلى الاقتصاد العالمي، تماماً كما شهده الجزء الناجح في اقتصاد دبي الممثل في منطقة التجارة الحرة التي لم تتأثر بتداعيات الأزمة الأخيرة.
دانييل إيكنسون هو المدير المشارك لمركز دراسات السياسة التجارية، التابع لمعهد كيتو، ومؤلف “لم يعد الأمر نحن في مقابل هم” أليك فان جيلدر هو مدير للمشاريع لدى شبكة السياسات الدولية IPN.
© منبر الحرية،08 أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

عطش الصين للنفط في تزايد مستمر. ذلك البلد الذي يمتلك اقتصادا يحقق نموا استثنائيا بمعدل سنوي كبير مابين 8- 10 % جعلها تعتمد اعتمادا متزايدا على النفط المستورد. وأضحت ثاني اكبر مستهلك للنفط فى العالم بعد الولايات المتحدة. ولذا يقوم أمن الدولة الصينية حاليا على تأمين وضمان تدفق الطاقة. ويعتبر النفط أحد أهم محددات السياسة الخارجية الصينية ويلعب دوراً كبيراً في صنع السياسة الصينية. ومن هنا تحظي القارة الأفريقية باهتمام صانع القرار الصيني حيث تحركت الصين، من أجل تأمين تدفق هذا النفط والحصول عليه من القارة الإفريقية من خلال إستراتيجية تقوم على عدة محاور: من أهمها إنشاء عدد من الإدارات الخاصة لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول الأفريقية وتوسيع اختصاصات بعض الأجهزة والإدارات القائمة لتشمل كل أطر التعاون المشتركة. وتيسير إنشاء عدد من المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدنى الصينى المختصة بالشئون الأفريقية.ومنها أن بكين تلعب دور المورد للسلاح لأفريقيا، كما استطاعت الصين تقوية علاقاتها الاقتصادية مع أفريقيا عبر منتدى التعاون الصينى الأفريقى الذى انشىء بمبادرة من بكين عام 2000 وضم ست وأربعين دولة أفريقية، ومن أهم إنجازاته اسقاط 1,2 مليار دولار من ديون القارة. وهناك أيضا ًمجلس الأعمال الصينى – الأفريقى الذى أنشىء فى نوفمبر 2004 بغرض دعم إستثمارات القطاع الخاص الصينى فى كل من الكاميرون، وغانا، وموزنبيق، ونيجيريا،وجنوب أفريقيا، وتنزانيا كما أن التجارة المتبادلة بين الصين وأفريقيا تزيد حاليا على ثلاثين مليار دولار.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لقد شهد الزيمبابويون دخلهم وهو يتهاوى بمعدّل أكثر من الثلثين في خضّم أسوأ أداء اقتصادي مقارنة مع المعطيات المتوفرة لبقية البلدان.و على الرغم من ذلك ما زال بإمكان الزيمبابويون إنقاذ بلدهم إذا ما توفرت لديهم الفرصة المواتية.
والأخبار الجيدة هي أن الإصلاحات الاقتصادية سرعان ما تأتي أكُلُها: لقد لاحظت كل البلدان المجاورة لزمبابوي ما هو أثر تحرير التجارة في العقد الماضي. حتى الاقتصاد الزيمبابوي نفسه كان من كبار المصدّرين  في المنطقة قبل سنوات قليلة. فكل تسهيل للأنظمة الضريبية والتجارية  ودعم  قانون العقود والأمن العام لها تأثير مباشر على الأفراد، والعائلات و الاقتصاد.
وما وباء الكوليرا المتفشي في زيمبابوي منذ أمد بعيد إلا علامة أخرى من علامات القمع الهمجي والعنيد. فمنذ عام 1998، كان معدّل متوسط العمر للزيمبابويين قد تراجع من 55 عاما إلى 35 عاما فقط. ناهيك عن معدّل البطالة الذي يطال أكثر من 80 بالمائة من السكان. نصفُ الزيمبابويين تقريبا معرّضون لمخاطر سوء التغذية والمجاعة: فهناك ثمانية ملايين  شخص يحتاجون إلى المعونات الغذائية – وهو ضعف العدد الذي كان قبل سنوات قليلة فقط. يعاني أطفال زيمبابوي من أعلى معدلات الوفيات، وسوء التغذية والنمو المتعثّر بين جميع البلدان الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكُبرى.
لقد لجأت عصابة الرئيس روبرت موغابي الفاسدة إلى القوة من خلال فرض الأحكام العرفية، وسرقة الأرض لصالحها، والسيطرة على الإعلام وحظر المعارضة. لقد أعتُقِل ناشطو المعارضة وأغتيلوا، بينما تعرض القضاء للإهمال. وتبدو الحكومة الثنائية الأحزاب الحالية وكأنها خدعة أخرى من خدع الرئيس روبرت موغابي لسحق أعداءه من خلال استمالتهم أكثر فأكثر لممارسة السلطة.
لقد سجّل منتدى زيمبابوي لمنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية أكثر من 20 ألف حالة انتهاك لحقوق الإنسان بما فيها 3000 حالة تعذيب منذ عام 2001. وبدلا من حماية الناس من العنف، تقوم قوات أمن زيمبابوي بحماية العصبة الحاكمة، وتصب وبال العنف على رؤوس العامة.
لا غرابة إذن إذا ما نزح الآلاف عبر الحدود مع بوتسوانا وجنوب إفريقيا ، بينما يتم إرجاع و طرد آلاف الآخرين كل يوم. حوالي ثلث سكان الزيمبابوي يعيشون في الخارج.
يزعم قادة زيمبابوي أن الأمر برمته يعود إلى خطأ المستعمرين البريطانيين، وليس الخطأ الناتج عن القمع الذي يمارسه موغابي، والإنفاق المتهوّر، والضرائب، والقيود المفروضة على الأعمال التجارية والتضخم. وباستخدام عبارات مبتذلة ولكن ملائمة، فقد قام هذا الرجل بتحويل زيمبابوي التي كانت تعرف ب”سلة خبز المنطقة” إلى سلة كوابيس تسحق آمال الملايين.
ولكن زيمبابوي ليست حالة ميؤوس منها. ما يزال هذا البلد يحوي جملة من المقاولين، وأصحاب المناجم، والمزارعون، موظفو التربية والتعليم، بل حتى بعض موظفي الخدمة العمومية المتبقين من فترة ازدهار البلد. كما أن الدول المجاورة لزمبابوي تبقى دولا صديقة (على الرغم من  علاقتها المتوترة  مع موغابي). فقد خطت هذه الدول خطوة كبيرة للأمام من خلال السماح لعُملاتها لتحلّ محل عملة الزمبابوي المفرطة في التضخّم.
تحتاج زيمبابوي الآن إلى كبح جماح  الإنفاق الحكومي، واستعادة الحريات الاقتصادية لتحرير كل عامل منتج من براثن التدابير التنظيمية الخانقة، والضرائب التي جرّت بمعظم الفاعلية الاقتصادية نحو السوق السوداء.
تقدّر مؤسسة التمويل الدولية أن البدء بمشروع تجاري في زيمبابوي يحتاج إلى 96 يوما ، 481 يوما للإيفاء بالتراخيص و30 يوما آخر لتسجيل ملكية معينة. إن تعقيد الأمر على نحو مصطنع بوجه الشروع في مشروع تجاري جديد يجعل تلقائيا إمكانية خلق فرص العمل أكثر صعوبة فرص للعمل – وحتى كلفة استئجار موظف أو أجير تعادل متوسط الراتب في البلد أربع عشرة مرة. فالمتطلبات الجسيمة التي تُطلب من الشركات الجديدة يمكن أن تثبّطت من عزيمة الزيمبابويين وتدفع بهم إلى خارج الاقتصاد المقنن.
إن البلدان النامية التي قامت بتخفيض الحواجز التجارية في التسعينيات فقد حققت نسبة نمو بمعدّل ثلاثة أضعاف أسرع (أي بواقع 5% سنويا) من تلك التي أبقت على سياساتها التجارية دون تغيير. فعلى النقيض من ذلك، فرضت زيمبابوي قيودا على التجارة العالمية، فالنتيجة هي أنها تحتل الآن المرتبة السابعة الأسوأ في مؤشر البنك الدولي للقيود التجارية. إن خفض الأيام الثلاثين اللازمة لإعداد أوراق التصدير، أو الاثنين وأربعين يوما اللازمة لإعداد الوثائق اللازمة للاستيراد، سيؤدي وبشكل فوري إلى منح المقاولين الفرصة الملائمة  للتنافس.
لقد هيمن الاستيلاء على المزارع التي يمتلكها البيض على عناوين الأخبار، ولكن الحقيقة المُرّة هي أن حقوق الملكية جميع الأفراد قد إنتُهكتْ وتعرّضتْ للدمار، سواء كانت قطعا من الأراضي الصغيرة، أو المشاريع الكبيرة. معظم الزيمبابويين لا يستطيعون الحصول على سندات ملكية رسمية، حتى أولئك الذين مُنحوا أرضا مسروقة من الآخرين. ولأن الفقراء لا يستطيعون تفعيل حقوق الملكية أو المتاجرة بها، فهم لا يستطيعون الحصول على فائدة أو قرض لتطوير أراضيهم وإنتاجيتهم.
إن الممارسة المجرّبة والمؤكد نتائجها لتطوير التجارة، و الانخراط  في الأعمال التجارية، و توفير فرص العمل، وتسجيل الأراضي هو درسٌ بسيط: بسّطْ، ثم بسّط، ثم بسّطْ. غير أن البساطة ليست بالأمر السهل. فالأقلية القوية والمخيفة تستفيد من النظام الذي تسبب في هذه الفوضى. ولكن و ففي مرحلة معينة في المستقبل القريب، ستضعف هيمنة حزب روبرت موغابي والذي يدعى حزب زانو- بي. أف. (ZANU-PF)، وسيتهاوى ليفسح المجال أمام الإصلاح. وعلى المصلحين أن يستعدّوا ويحضّروا السياسات المؤكدة والمجرّبة التي أثبتت نجاحها في الأماكن الأخرى، والتي يمكن أن تنجح في زيمبابوي.
وعلى خلاف كوريا الشمالية ومينمار، يوجد في زيمبابوي العديد من الحرفيين، والمزارعين، ورجال الأعمال، والقضاة، وموظفي الخدمة المدنية، وحتى رجال الشرطة الذين يتذكرون كيف يعمل البلد الناجح، وكيف يمكن إنجاحه مرة أخرى.
*طمبا نولوطشونجو كاتب زمبابوي يعمل في هيئة “الأوراق الزيمبابوية”.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

يعتبر الفقر همّا اجتماعيا كبيرا ! وهو فضلا عن ذلك، قضية سياسية واقتصادية بامتياز، والباحثون عادة، يعرّفون عادة على أساس مستوى دخل الفرد أو الأسرة، أو هو حصول الفرد أو الأسرة على قدر من الدخل يعبر عن مستوى منخفض من المعيشة…
لا شك هناك مؤشرات مختلفة على ظاهرة الفقر، منها معدل البطالة، كمية الإنتاج والاستهلاك، الأجر المنخفض، وعدم تكافؤ الفرص، من النواحي التعليمية والمهنية والأمور السياسية.. بيد أنه ليس ثمة معيار محدد أو ثابت لبيان خط الفقر، فالنسبة تختلف من بلد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، ومن زمن لآخر، كما لا يعد الحجم الكبير في دخل وميزانية الدولة، مؤشرا على غنى المواطنين ورفاهيتهم؛ ولا حتى مساحة الأراضي الشاسعة والصالحة للزراعة، وغناها بالموارد، أو حتى جدبها  وقحطها، ليس ذلك هو الدليل على حال المواطنين في الثراء أو الفقر، كل هذا بالأساس يعود إلى السياسة الزراعية، أو السياسة الاقتصادية على العموم , وإلى طبيعة النظم الحاكمة بوجه الحصر خصوصا…
إن مناولة مسألة الأمن الغذائي بالعرض والتحليل، ومحاولة تجاوز حالة الفقر، ليست بالمهمة السهلة، بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد.. فكثير من الدول تفتقر إلى دراسات متخصصة للوقوف على أسباب الفقر والجوع والحرمان وبالتالي معالجة هذه الأسباب.. فمنهم من يحمّلون مؤشرات تزايد السكان بانخفاض المستوى المعيشي، وعلى العموم لا يمكن لنا أن نحمّـل الطبيعة  وحدها الفقر والجوع؛ ولا حتى تزايد السكان، فبدراسة معمقة يمكن لنا أن نضع حدا لقلقنا, ونتجاوز مشاعرنا بلوم أنفسنا، عندما نعي أن أسباب الفقر ليس لعيب فينا.؛ فإن الجائعين يمكن لهم أن يتحرروا من جوعهم، ويتجاوزوه، بعد أن يتعرفوا على أسبابه، فالطبيعة ليست هي السبب، بل أن جشع الإنسان، هوالمسبب في الحالة المزرية التي يعيشها أخوه الإنسان..
فالإحصائيات تشير وتؤكد عن إمكانية الطبيعة من توفير الغذاء لكل إنسان، وبالوسع استثمار الأراضي بمساحات أكبر، وزيادة الإنتاج كما ونوعا، واتّباع سبل التحديث الزراعي، ولا يتحقق ذلك إلا بالسيطرة العادلة والديمقراطية على إنتاج الموارد، واستثمار الثروة الناتجة عن الأرض للتنمية في حقول أخرى، وهنا ينبغي على الحكومة أن تساهم من جانبها في تنمية وتطوير الريف، وتحسين شروط القروض، لكي تحفز الفلاحين الفقراء، والعمال الزراعيين لتحسين كمية ونوعية محصولهم، والحقيقة أن هؤلاء لن يدخروا جهدا فيما لو أحسّوا أن شطرا محسوسا من ريع المحاصيل يعود إليهم، بحيث لا يستأثر بها المالك وحده، أو تصادرها الدولة بتعويضات زهيدة..
لقد كان فيما مضي الجفاف والفيضانات والآفات الزراعية من المسببات القوية في المجاعة والفقر، لكن كثيرا من الدول قيض لها أن تحد من أخطار هذه المسببات، فعمدت إلى الاهتمام بشبكات الري،ومقاومة الآفات الزراعية، فأمدت الفلاحين بالمبيدات والسماد اللازمين، كما قامت بتشجيعهم بمزيد من الحوافز…
فالإصلاح في الاقتصاد والسياسة متلازمان، فلا بد هنا من سياسة اقتصادية سليمة، ونظام سياسي ديمقراطي عادل، وتحديث مضطرد، في التكنولوجيا، وتطوير وتحسين في علاقات الإنتاج…
نعود فنقول أن مساحة الأراضي، حتى حين جدبها الظاهر، ليس بمؤشر على سبب تفشي الفقر والجوع، إنما يعود ذلك إلى السياسة الزراعية لأية حكومة كانت، إلى سياسة سوء استخدام واستثمار الأرض.. فالسودان مثلا تعتبر سلة الغذاء العالمي لو أحسن التصرف من  قبل النظام الحاكم، ومع ذلك يعيش سكانها في فقر وجوع، وتجتاحها مجاعات بين حين وآخر حتى إلى وقت قريب، والسبب يعود إلى سوء إدارة النظام وسيطرته، والتحكم السيء في الموارد الإنتاجية، فلا بد هنا من إعادة النظر في سياسة توزيع الأراضي ، وأشكال الاستثمارات، وما يستلزم ذلك من إصلاحات مضطردة في أكثر من صعيد …
إن السلطات السودانية المتعاقبة على الحكم، هي التي تتحمل مسؤولية ما آل إليه وضع السودان، رغم هذا فالحالة السودانية غير ميئوس منها، لو جيء بمن يحكم بالعدل والديمقراطية وأحسن التصرف، وسعى جادا لمعالجة الحالة، واندار إلى التنمية والتطوير في مختلف الحقول، وركز على الاستثمارات، وادخل العلم في حيز الإنتاج…
إن الصين اجتاحتها موجات من المجاعة في الماضي، بسبب الفيضانات من ناحية ، والجفاف من ناحية أخرى، وكانت الضحايا البشرية  بالملايين، لكنها أولت أخيرا اهتماما كبيرا، لخلق نظام زراعي، يجنبها من كوارث الفيضانات والجفاف، فعمدت إلى تحسين مجرى الأنهار، وحفر ما يشبه الخزانات بين الجبال، وحبس المياه  في الأنفاق والانتفاع بالمياه الجوفية، ومن آلاف الآبار، فوضعت بالتالي حدا لمعاناتها، وجنبت البلاد من الكثير من الكوارث..
إن الزراعة التي كانت تؤكـّل الملايين في ظرف ما، لا بد أن تعود لتلعب دورها، لا بد من تجاوز القوانين الزراعية المتخلفة، والسياسة الاقتصادية المركزية المتشددة؛ إن التنمية البشرية، واكتساب الخبرة والكفاءة، وتشجيع الاستثمارات، واتباع سياسة اقتصادية رشيدة، مؤسسة على دراسات علمية، هي الطريق إلى النجاح الأكيد لأية أمة من الأمم..
ليس كافيا أن نقف عند معاني ومفاهيم الفقر بالعرض والتحليل، إذ لا بد أن يتبع ذلك التفكير عن البحث  وصناعة البدائل لتجاوز الحالة، وهذا يتطلب وعيا ونضالا مستميتا، فالفقر والجوع ليسا قدر الشعوب؛ فلا بد إذن من النضال السياسي في أكثر من صعيد، فما عرف عن دول النمور الآسيوية، أن بعضها كانت قاحلة، ضعيفة بالموارد، ومنها من اتسمت بمناخ وبيئة جغرافية غير مؤاتية، وكانت متخلفة وفقيرة، رغم كل ذلك شهدت هذه الدول مرحلة من التنمية البشرية والاقتصادية والثقافية، فأصبحت اليوم تضاهي الدول الأوربية في تطورها، وينعم شعبها  بحالة من الرخاء والاستقرار، أليس كل هذا يعود إلى طبيعة تلك النظم .؟ فالنمور الآسيوية اتبعت سياسة اقتصادية حرة( ليبرالية) ونبذت المركزية المشددة ، والتخطيط السلطوي، وأعطت الفرد كامل الحرية ففضلا عن الحقوق الفردية أمده بحرية النشاط  في مختلف الميادين، الاقتصاد والسياسة  نضع هذا التساؤل أمام السادة حكام العرب برسم الأمانة، ولننتظر الجواب ؛ فهل سينزعون  الأغلال عن أعناق شعوبهم لينطلقوا ويبدعوا.!؟
© منبر الحرية، 5 مارس 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

ما يزال شبح الانكماش (الهبوط المطرد للأسعار) يؤرق بال رئيس مصرف الاحتياطي الفدرالي بين بيرنانكي في الولايات المتحدة. و يُؤشر الانخفاض المذهل الذي عرفه سعر الفائدة الرئيسي يوم الثلاثاء 16 ديسمبر عن مدى تخوف بيرنانكي من ركود كبير يشابه ذلك الذي عرفه العالم في الثلاثينات من القرن الماضي. و قد خفض “الاحتياطي الفدرالي” من نسبة فائدة الأصول الفدرالية (Federal funds rate) أي سعر إعادة تمويل الأبناك و هو السعر الذي تجري به كل مساء عملية إقراض و اقتراض الأبناك فيما بينها داخل السوق المصرفية. وقد أصبح هذا السعر يتراوح ما بين0% و  %0.25  مما يشكل أدنى المستويات التي وصل إليها في تاريخه.
وفي نفس الوقت يرى كثير من الملاحظين أنه من المرجح أن يؤدي تراكم التأثيرات الناجمة عن هذا التخفيض و التخفيضات السابقة التي قام بها “الاحتياطي الفدرالي” إلى التضخم. وهم يذكرون في هذا الصدد بالارتفاع المستمر لأسعار الذهب كحجة تبرر أقوالهم بشان الخطر التضخمي.
هل نحن متوجهون إذن نحو ركود كبير أم نحو تضخم جامح؟
لا يتوقع حدوث أي حد من هذين السيناريوهين و لكن أيضا، ولأول مرة مند عقود، لا يستبعد وقوع أحدهما تماما. في حقيقة الأمر أن الاقتصاد الأمريكي مهدد بمجموعتين من الضغوط إحداهما تضخمية و الأخرى انكماشية، و لحد الآن تبقى كفة الانكماش راجحة إذا أخذنا بعين الاعتبار مؤشر أسعار الاستهلاك.
لكن علينا أن نقوم هنا بتحديد هام، الانكماش هو هبوط دائم للأسعار بينما هبوط الأسعار الذي شاهدناه لحد الآن هو ناتج بشكل كبير عن انفجار الفقاعة النفطية و ليس ضغطا سيستمر على المدى الطويل. فقد نزل سعر الذهب الأسود عن سقف 150 دولار ليصل إلى مستوى 41 دولار للبرميل. و أدى هذا الانخفاض إلى انخفاض السعر في محطات الوقود، مما ينتج عنه بالطبع انخفاض مؤشر أسعار الاستهلاك. صحيح أيضا أن ضعف الاقتصاد أثر سلبا على الطلب على المشتريات الكبرى كالعقار و السيارات. و لكن ومن جهة أخرى قد يجد المستهلكون طرقا ثانية لتوفير الأموال كتأجيل موعد الذهاب عند الحلاق أو عند طبيب الأسنان.
كل هذه الأمثلة، بالإضافة إلى عوامل أخرى يمكن أن تعطينا تفسيرا عن التباطؤ المتزايد للاقتصاد، تباطؤ من المحتمل جدا أن يستمر خلال السنة المقبلة.
يجب أن نقوم في هذا الصدد بالوقوف عند الفرق بين ظاهرة الانكماش و هبوط الأسعار الذي تشهده الظرفية الحالية. و يبقى احتمال حدوث هذا الانكماش ضعيفا نظرا لتخوف بيرنانكي من تكرار سيناريو هبوط الأسعار الذي رافق الركود الكبير للثلاثينات.
لقد درس بيرنانكي بعمق هذه الحقبة من التاريخ لذا فإنه واع تماما أن مصرف الاحتياطي الفدرالي تردد كثيرا إبان الركود الكبير في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد ينهار. و قد أقسم بيرنانكي أنه لن يسمح بحدوث ذلك التقلص الذي عرفته الأموال والقروض خلال الثلاثينات. بالمقابل فإن”الاحتياطي الفدرالي” في عهد بيرنانكي اتخذ إجراءات استثنائية لضخ السيولة في أسواق القروض في إطار مجموعة من برامج الإقراض و من الأمثلة المذهلة على ذلك نجد شراء 600 مليار من القروض المُصدرة و المضمونة من طرف “فاني ماي” (Fani mae) و”فريدي ماك” (Fredie mac).
لقد بدأت الأزمة في القطاع العقاري لكنها لن تنتهي بعودة الاستقرار إليه. و في بيانه ليوم الثلاثاء 16ديسمبر أعلن مصرف الاحتياطي الفدرالي أنه سيستعمل كل الوسائل لتشجيع العودة إلى نمو اقتصادي مستدام و الحفاظ على استقرار الأسعار. بعبارة أخرى أنه سيقوم بكل ما يلزم من إجراءات لمنع حدوث الانكماش.
لقد تأخرت تأثيرات “القروض السهلة” في أن تشمل كل جوانب الاقتصاد وهذا يرجع بنسبة كبيرة إلى كون عدد من المستهلكين و المالكين العقاريين و الشركات لم يترددوا في استعمال ما جنوه من عطايا ناجمة عن انخفاض سعر النفط في تسديد الديون التي تُثقل كاهلهم.
بالمقابل و مع وجود أسعار الفائدة هذه، و التي تعتبر الأكثر انخفاضا عبر التاريخ، فمن المحتمل أن يلجأ الأفراد العاديون إلى الاقتراض الذي يمكن أن يؤدي عند بلوغه حدا معينا إلى تحرير الدينامية الاقتصادية. في الحقيقة أن إجراءات “الاحتياطي الفدرالي” قد أدت إلى خلق بحيرات من القروض، بحيرات تبقى لحد الآن محمية من الفيضان بفضل سدود مشكلة من الخوف والحذر. لكن عندما ستنهار هذه السدود سيؤدي ذلك حتما إلى إطلاق ضغوط تضخمية يصعب السيطرة عليها. و تماما مثلما فعلت أسعار فائدة 1%  في عهد غرينسبان فان أسعار 0% في عهد بيرنانكي قد تؤدي إلى خلق فقاعة جديدة. في الوقت الحاضر يبقى هذا الاحتمال ضعيفا في نظر العديد من الملاحظين. و مع ذلك فإن سعر الذهب الذي بلغ أكثر من 50 دولار يؤشر في الحقيقة إلى تضخم و ليس إلى انكماش، تضخم قد يحدث ابتدءا من 2010.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 15 يناير 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

تتفاوت قدرة الدول المنتجة للنفط على تحمّل الأعباء الناجمة عن الانخفاض في أسعاره والتي فقدت حوالي 60% من حدّها الأقصى الذي بلغته في تموز/ يوليو الماضي وهو 147 دولار، لكن الأكيد أن إيران هي الدولة الأكثر تضررا في المنطقة والأقل قدرة على امتصاص الصدمة. وقد لا تمس تداعيات انخفاض سعر برميل النفط على وضعها الاقتصادي فحسب، وإنما تمتد لتهدد استقرار نظامها السياسي والاجتماعي. ومن المتوقع في ظل هذه المعطيات أن تزيد العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن من شدّة الأزمة في طهران وأن يتراجع نفوذها في المنطقة نتيجة شح الإمدادات المالية التي لطالما أغدقتها على محازبيها ومناصريها في البلدان العربية للمساهمة في خلق الفتن والانشقاقات لما فيه مصلحتها ومصلحة مشروعها الإقليمي.
70 إلى 90 دولار السعر المناسب لإيران
تعتبر إيران رابع أكبر مصدّر للنفط في العالم وثاني اكبر مصدّر لنفط في مجموعة “أوبك”، وتعتمد على العائدات النفطية بنسبة 80% من إجمالي دخلها القومي ويشكل النفط حوالي 83% من صادراتها. استطاعت طهران إثر ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات تاريخية قياسية أن تراكم عائدات تساوي حوالي 200 مليار دولار خلال الثلاث سنوات الماضية، علما أن نفس الرقم استلزمها قبل هذه الفترة حوالي 10 سنوات لمراكمته. ويشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن إيران ستعاني من عجز في الحساب الجاري على المدى المتوسط إذا استمر سعر برميل النفط تحت معدّل الـ75 دولار وذلك بسبب القيود والعقوبات المفروضة عليها. فيما يرى اقتصاديون أن إيران بحاجة إلى أن يكون معدّل سعر برميل النفط بين 75 و90 دولار حتى تتمكن من موازنة حساباتها وتحقيق فائض.
تداعيات اقتصادية كبيرة
ومن شأن هذا الهبوط أن يحد بالتأكيد من الإنفاق الحكومي مما ينعكس سلبا على الوضع الاجتماعي المتردي أصلا منذ مجيء أحمدي نجاد إلى الحكم، على الرغم من وصول الإيرادات الحكومية في عهده إلى ثلاث أضعاف مثيلاتها في عهد خاتمي وذلك لصعود برميل النفط إلى حدود 147 دولار في الفترة السابقة.
وسيكون على حكومة أحمدي نجاد في هذه الحالة إما تخفيض الإنفاق وبالتالي ازدياد الوضع الاجتماعي سوءا وإما طبع المزيد من العملات وهو ما يعني تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع نسب التضخم المرتفعة أصلا والتي تعدّت الـ27%، وإما الاستدانة التي ستشكّل أعباءا إضافية حيث يتجاوز مجموع ديون إيران الـ 40 مليار دولار أي ضعف المعدّل الذي كانت عليه في عهد خاتمي علما أن سعر النفط تضاعف ثلاث مرّات خلال عهد نجاد.
تفاقم المشاكل الاجتماعية
ويبدو أن الأزمة آخذة في التحوّل من البعد الاقتصادي إلى البعد الاجتماعي. فهناك شرائح واسعة من الشعب الإيراني اليوم تعاني وتتذمر من سياسة أحمدي نجاد الذي كان وعدهم في العام 2005 بأن يضع عوائد النفط على موائد طعامهم ويقضي على البطالة ويحسّن من الوضع الاقتصادي للطبقات الفقيرة.
هذا مع العلم أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية في إيران “محمد جهرمي” كان قد كشف سابقا أن الحكومة تواجه وضعاً صعباً بشأن تأمين المستلزمات المالية اللازمة نظراً لتداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها المباشر على اقتصاد البلاد، وأنه وبسبب هذه الأزمة فقد قررت الحكومة طرد 253 الف عامل من عملهم خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وان الوزارة بحاجة إلى مليارات الدولارات لتأمين الضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل، مع الإشارة إلى أن الحكومة ليست لديها أي ميزانية مالية تقدمها لهذه الوزارة في هذا المجال.
سخط سياسي على نهج نجاد
وعلى الصعيد السياسي نلاحظ اّن السخط من نهج الرئيس الايراني أحمدي نجاد كان قد سبق التذمر الاجتماعي، فقدّم عدد كبير من الوزراء استقالاتهم خلال السنة الماضية احتجاجا على هذه السياسية الفاشلة في إدارة البلاد واقتصادها. فحكومة أحمدي نجاد فشلت في ان تحتفظ بالمليارات التي جنتها خلال السنوات الماضية ولم يبق منها الاّ النذر اليسير الذي لا يكفي حتى لتغطية احتياجات إيران من الوقود المستورد لفترة قصيرة.
ولا شكّ أن السخط السياسي والاجتماعي قد ينعكس على ترشّح أحمدي نجاد في الفترة القادمة من العام الجديد، حيث من المتوقع أن يعطي الوضع السيء هذا، إذا ما استمر، دفعة للإصلاحيين خاصّة أنهم يركّزون على الوضع الاقتصادي حاليا الذي يعتبر من نقاط الضعف البيّنة لسياسة نجاد.
الانخفاض الكبير لمدخرات الصندوق الاحتياطي
وتشير بعض المصادر إلى أن صندوق الاحتياطي الإيراني لا يحتوي حاليا إلا على ما يتراوح بين 7 و 9 مليار دولار، لكنّ المصادر الرسمية لمّحت إلى وجود ما بين 20 إلى 25 مليار دولار في الصندوق، وهو ما دفع بعض الجهات إلى المطالبة بفتح تحقيق وتوجيه تهم إلى حكومة الرئيس نجاد لمساءلته عن إنفاق الحكومة 100 مليار دولار من رصيد الصندوق دون وجهة معلومة.
فساد حكومي ودعم لأذرع إيران الإقليمية
ولا يقف الأمر عند حدود الفساد وإنفاق حكومة نجاد أكثر من 75% من الموازنة الحكومية على شركات حكومية كبرى مفلسة تقدّم خدمات رديئة جدا للمواطنين (بحسب صحيفة نوروز الإيرانية)، إذ تشير مصادر أخرى إلى أن حكومة نجاد أنفقت مبالغ كبيرة من احتاطياتها على دعم وتعزيز مواقع أذرعها الإقليمية ومناصريها المنتشرين لاسيما في العالم العربي والذين يشكّلون رأس حربة لها في مشروعها الإقليمي ويعدّون خط الدفاع الأول عنها وعن خططها في المنطقة.
وتشير التقديرات إلى أن الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني على سبيل المثال فقط يقارب الـ 1.2 مليار دولار سنويا، ولا شكّ أن هذا الدعم لسائر أذرع إيران سيتأثر بانخفاض عائدات النفط الإيرانية والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد وهو ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى انكماش أدوات إيران الإقليمية من أحزاب وميليشيات وهيئات وأفراد، حيث سينصب التركيز على معالجة الوضع الداخلي. ومن المؤكّد أن المشاريع الكبرى الداخلية سينالها جزء من الآثار السلبية حيث من المتوقع أن يطال الانكماش في الإنفاق مشروع البرنامج النووي الإيراني.
سقوط عنصر الردع الإيراني
على الصعيد الخارجي، فان من شان انخفاض سعر برميل النفط أن يعطي دفعا للقوى التي تريد توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووي الإيرانية، على اعتبار أن إيران فقدت عامل الردع المتمثّل بالأسعار المرتفعة التي كانت تحميها من أي هجوم كما قال بذلك صراحة اللواء محمد علي جعفري قائد قوات حرس الثورة الإيرانية في حزيران الماضي من أن “السعر المرتفع للنفط يشكّل عامل ردع في وجه الأعداء ويحمي البلاد”. أمّا اليوم، فتتعالى الأصوات في مطالبات شبه يومية بتخفيض الإنتاج في “اوبك” ورفع الأسعار.
ويبدو أن التخبّط الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الفترة الأخيرة، وتهاويها إلى مستويات دنيا قد يقلب الطاولة ومعها الحسابات الإيرانية رأسا على عقب، فالنفط مازال يهوي ويهدد معه بجر إيران إلى الهاوية إذا ما استمر الأمر على ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

ردا على السفير البلجيكي كاريل دي جاشت الذي انتقد “الإمتيازات الكبيرة” التي يتمتع بها رجال السياسة الكونغوليين، ثارت ثائرة الرئيس الكونغولي جوزيف كابيل فاتهم بلجيكا بمحاولة التدخل في الشؤون الداخلية لبلاده والبحث عن وضعها تحت الوصاية.

نحن لسنا بصدد تبرير أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية الكنغولية، إنما تجدر بنا الإشارة إلى أنه كلما وجه أحدهم انتقادا لأحد القادة الأفارقة سارع هؤلاء باتهامه بمحاولة انتهاك سيادة بلادهم. فمؤخرا، وعندما اشتدت عليه الضغوطات الخارجية بعد التلاعب بالانتخابات، أعلن الريس موغابي و بدون تردد “أن الزيمبابوي ليست للبيع”. كأن احترام نتائج الانتخابات الديمقراطية يشكل تهديدا لسيادة بلاده! فهؤلاء القادة اليوم، وأسلافهم من قبلهم، نصبوا أنفسهم كحامين للسيادة الوطنية، ثم استغلوا ذريعة الحفاظ على السيادة، لتبرير سياسات تنموية غير فعالة من جهة و جمود اقتصادي من جهة أخرى.

لا يمكن الاعتراض على أهمية سيادة الدول الإفريقية على أراضيها، ولاسيما سيادتها على ثرواتها الطبيعية من أجل تحقيق الازدهار الاقتصادي. ولكن تدخل الدولة لتوجيه الاقتصاد من أجل حماية هذه السيادة غالبا ما يفرز نتاـْج عكسية و سلبية كما أنه يكرس تبعية الدول الإفريقية اقتصاديا للخارج.

بعيد حصولهم على الاستقلال، قام العديد من صناع القرار في الدول الإفريقية (الجزائر، الكونغو(زائير سابقا)) بوضع إستراتيجية تنمية اقتصادية مركزية مبنية على عدم التبعية، وذلك عبر استبدال المنتجات المستوردة بالمنتجات المحلية، و فرض التعريفات الجمركية و غير الجمركية للحد من منافسة السلع الأجنبية و تأميم الشركات و تكريس احتكارات الدولة. لكن و للأسف، فقد فشل هذا الخيار الاستراتيجي على جميع الأصعدة. فعدم قدرة الاقتصاد على خلق الثروات من جهة، و قدم المعدات الصناعية الإفريقية من جهة أخرى يشهدان على فشل هذه الإستراتيجية التي جعلت اقتصاد الدول الإفريقية يزداد اعتمادا على السلع المستوردة. فاستبدال المنتجات المستوردة بالصناعة المحلية باء بفشل ذريع إذ أنه أدى إلى ارتفاع مهول في فواتير الاستيراد و زيادة العجز في الميزان التجاري وارتفاع الدين العام. فعلى الرغم من أن إفريقيا تضم قرابة % 14 من سكان العالم فإنها لا تغطي سوى 2.9% من الصادرات العالمية. كما أن سياسة التأميم واحتكار الدولة أدت إلى سوء الإدارة و التبذير و زيادة الدين العام.

من المعروف أن العنصر الأساسي للسيادة الاقتصادية للدولة يكمن في الحرية و القدرة على الاختيار. لذا فإن اعتماد مفهوم السيادة المطلقة قد أعطى لكثير من الدول الإفريقية الوهم بالحرية، لكنه، وفي نفس الوقت، عرض للخطر قدرتهم على التطور نحو الحكم الذاتي. لأن هذا المفهوم المطلق للسيادة لم يفشل فقط عمليا إنما استعمل أيضا كذريعة لتعطيل الإصلاحات.

لذا و لغاية سنة 1994، رفضت الجزائر السياسات الداعية إلى التغيير و ذلك بحجة الحفاظ علي “سيادتها”. فحتى لو كانت توصيات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي قابلة للنقاش، لا شيء يمنع أصحاب القرار في الجزائر، مثلا، من المباشرة بإصلاحات هيكلية كانت تفرض نفسها. و في زمبابوي و الكونغو، كما في الجزائر، لم يكتف القادة بوضع البلاد في حالة جمود اقتصادي باسم السيادة، بل سخروا هذه السيادة لخدمة مصالحهم الشخصية. خير مثال على هذا، هي سياسة الرئيس الزييري موبوتو سنة 1974 التي هدفت إلى إعادة أملاك المقيمين في الخارج إلى أرض الوطن. فتحت غطاء سياسة “إنماء قومية”، انتقلت هذه الأملاك إلى أعضاء الحكومة و حلفائهم. وبينما كان القادة الأفارقة يتهمون الغرب بانتهاك سيادة بلادهم، لم يتوانوا عن سرقة أموال المساعدات الأجنبية لصرفها على حاشيتهم. فمعادلة السيادة مقابل الثروات المالية هي من أهم أسباب عدم النمو و الجمود المؤسساتي الذي تعيشه الكثير من الدول الإفريقية.

فالمشكلة لا تكمن في الحق بالحفاظ على السيادة إنما تكمن في الوسائل التي تجعل الحصول على السيادة ممكنا. فالاندماج الاقتصادي لا يؤدي بالضرورة إلى فقدان الاستقلال. بل على العكس، لأن الانفتاح الاقتصادي هو السبيل الوحيد لكي تحصل الدول الإفريقية على القوة الاقتصادية اللازمة، والتي ستسمح لها باتخاذ قراراتها بدون أي ضغوط خارجية. فالصين لم تخسر سيادتها،عندما اختارت الانفتاح الاقتصادي، بل على العكس، و بفضل حرية الاستثمار وحرية التبادل و تفعيل المنافسة، استطاعت الصين الحصول على رؤوس الأموال و التكنولوجيا اللازمين لكل تحرر اقتصادي. لذا فإن الدول الإفريقية ستكون رابحة لا محالة إذا اتبعت هذا النهج. فإذا كان المبتغى هو التمتع بالحكم الذاتي والوصول إلى السيادة الحقيقية فيجب علينا أن نتعلم أولا كيف نصل إلى مرحلة الفعالية. مرحلة لا يمكن إدراكها إلا داخل إطار يشجع على التبادل و الانفتاح. لأن البلدان والاقتصاديات المغلقة و “المحمية” تفتقر إلى الحوافز و المسؤولية الضروريين لتحسين الأداء الاقتصادي.  فعلى نقيض الأيديولوجيات السيادية التي يروج لها بعض رجال السياسة الأفارقة، تشكل الإصلاحات الانفتاحية، المتمثلة في حرية الاستثمار و الإنتاج و الاستهلاك و حرية التبادل، البوابة إلى الخروج من التبعية الاقتصادية نحو الاستقلال الذاتي و السيادة الحقيقية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

ليس هناك نقص في الآراء عندما يتعلق الأمر بموضوع الحرب في العراق. لقد أشعل الوجود الأمريكي الذي طال أمده هناك نقاشا وطنيا ساخنا. فإلى جانب الاهتمامات الاقتصادية الملحة، إن حرب العراق هي أبرز وأهم جانب في حملة الانتخابات الرئاسية، بانقسام أوباما وماكين فكريا بشأن السياسات المقترحة، الذي يعكس موقف غالبية الأمة. ومع ذلك، يتفق الأكثرية على أن التكلفة تتكاثر بسرعة إلى مستوى لا يمكن السيطرة عليه. ويستحق الأمر تقييما جديدا لمعرفة مصير هذا الاستثمار. اليوم، بلغت تكلفة الورطة في العراق أكثر من نصف تريليون دولار، مع قليل، أو دون، عائدات لهذا الاستثمار.

لم تسفر هذه الحملة العسكرية الشاملة عن النتائج المرجوة لإدارة بوش. لقد كانت الفرضية الرئيسية للغزو هي إضفاء الطابع الديمقراطي على العراق الأمر الذي من شأنه في نهاية المطاف أن يسود العالم العربي. وبعد مضي خمس سنوات، لا يوجد أي أثر للديمقراطية الحقيقية سواء في العراق أو في أي مكان آخر في المنطقة. إن العراق الآن منقسم عرقياً ويقترب من حالة عدم الشرعية الخطيرة ويغامر بالخوض في حرب أهلية أكثر من أي وقت مع وجود الولايات المتحدة في وسط كل ذلك.

تقوم الإدارة الأمريكية الآن على تعزيز نهج جديد: الصبر. فهي تعتقد أنه لا مناص من حدوث تغييرات في نهاية المطاف في العراق. ربما ليس بنفس السرعة أو السلاسة التي نتأمل، ولكنها ستحدث. هذا افتراض زائف. وكما أظهرت السنوات الخمس الأخيرة، فإن من المرجح أن يفشل التغيير القسري الذي يعتمد على القوة الصارمة. بل على العكس، فإن وجود القوات الأمريكية قد ساعد على تنشيط وتنظيم المقاومة ضد الولايات المتحدة. أمريكا الآن في قتال ضد عدو محيّر، بعيد المنال وغير محدد. ولا يحتاج المرء سوى البحث في المجموعات التي شكلت حديثا والتي نشأت بعد غزو العراق والتي تهدف إلى محاربة الاحتلال الأمريكي.

يجب أن تَحدث التغييرات في العراق بطريقة طبيعية ومن الداخل. والإسراع في العملية وصفة خطيرة. ستتولى إدارة جديدة الحكم في واشنطن في كانون الثاني المقبل. وبغض النظر عن الرئيس المنتخب، فإنها فرصة لعرض وإدخال مفهوم القوة الليّنة في سياق السياسة الخارجية إلى العراق وحول العالم. إن الإبقاء على الوضع الراهن هو مثل إنفاق المال على مشروع فاشل.

القوة اللينة، التي تمت مناقشتها بشكل مستفيض من قبل البروفيسور جوزيف ناي من جامعة هارفارد، هي طريقة فعالة للتمييز بين الآثار الخفية للثقافة والقيم والأفكار وبين الإجراءات الأكثر قسرية مثل العمل العسكري. تاريخيا، لم تكن القوة اللينة للولايات المتحدة في أي مكان في الشرق الأوسط أكثر فعالية منها في لبنان.

لقد جرى تقاسم القيم والتقاليد الأمريكية تدريجيا وبشكل مستمر لما يقرب من قرن ونصف من خلال الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB). لقد استفاد لبنان على وجه الخصوص، والمنطقة ككل، من وجود الجامعة الأمريكية في بيروت.

لقد أصبحت الجامعة الأمريكية في بيروت—والتي تأسست في عام 1866 من قبل المبشرين كجامعة خاصة غير طائفية للعلوم الحرة—منارة للتغيير في لبنان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط. لقد كان، ولا يزال، الالتزام بالتفكير النقدي وبالتعليم المتكامل للعلوم الحرة جزءا لا يتجزأ من مهمتها. إن الدعم الأمريكي المتواضع للجامعة الأمريكية في بيروت ببضعة ملايين من الدولارات كل سنة (سريا أو علنيا) قد ساعد في تشكيل قادة ورياديي المنطقة وأسفر عن عائدات لا حد لها.

لقد كان الاهتمام الأمريكي في الجامعة الأمريكية في بيروت قويا دائما. وأصبحت الجامعة، والتي كانت تدار من قبل قيادة أمريكية بشكل مستمر، السفير الثقافي للولايات المتحدة. لقد استفادت المنطقة بمجملها من إنشاء الجامعة الأمريكية في بيروت. في هذا الصيف، سيصبح بيتر دورمان (Peter Dorman) من جامعة شيكاغو الرئيس الخامس عشر لهذه المؤسسة. إن تولي الدكتور دورمان منصبا في الجامعة الأمريكية في بيروت هو أمر شخصي مبني على تقاليد أسرية؛ فهو الحفيد الأكبر لإبن دانييل بلس، مؤسس الجامعة الأمريكية في بيروت.

وهناك حاجة لدعم المؤسسات الشبيهة بالجامعة الأمريكية في بيروت. إنها الطريقة الأكثر فعالية لإحداث التغيير من الداخل بالتزامن مع خلق النية الحسنة. وهذا هو جزء من تكلفة حرب العراق التي تبلغ 5.000 دولار في الثانية! ويمكن للمرء أن يتصور الفائدة إذا ما تم دعم مؤسسات مماثلة في جميع أنحاء العالم. كان من الممكن أن يشكل ذلك مساعدات خارجية هائلة.

سيستمر العراق في استنزاف الكثير من الموارد اللازمة التي يمكن أن تنفق بحكمة وفعالية في الداخل والخارج. إن الحرب في العراق ليست تجربة خاطئة فحسب، بل لقد أثبتت أن لها أيضا أثرا سلبيا على صورة الولايات المتحدة. وتؤكد استطلاعات الرأي العالمية تدني موقف الولايات المتحدة الذي تحتله الآن على الصعيد العالمي.

إن الاعتراف بفشل الولايات المتحدة في العراق هو خطوة في الاتجاه الصحيح. ويجري حاليا نقاش ما سيتم فعله في المستقبل. وآمل أن تكون القوة اللينة على القائمة. حيث لا يمكننا تحمل حرب عراقية أخرى.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 تموز 2008.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018