شؤون اقتصادية

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

يخطط السيناتور باراك اوباما والسيناتورة هيلاري كلينتون للقيام بتثبيت “أزمة الرهن  العقاري” بطرق ستعمل على تفاقم الأمور ليصبح الوضع اكثر سوءا إلى درجة كبيرة.

ادعى اوباما بان قانونه المسمى بـ”قانون إيقاف الاحتيال” سوف يعمل على إيقاف “سماسرة الرهن الذين يقومون بخداع مقترضين من ذوي الدخل المتدني لقبول قروض ليس بإمكانهم تحملها.” ويقدم ذلك القانون، على وجه الدقة، وعدا بان يتم “إيقاف الصفقات التي تتم بغرض ترويج الاحتيال والمخاطرة.”

يرغب اوباما في مليارات لا تحصى ولا تعد لإنشاء “صندوق لمساعدة الأفراد في إعادة تمويل رهوناتهم ولتقديم مساعدات شاملة إلى أصحاب المنازل البريئين… وسيتم الدفع إلى الصندوق، بشكل جزئي، من قبل غرامات متزايدة يتم فرضها على المقرضين الذين يتصرفون بلا مسؤولية.” وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، اقترحت كلينتون بان يتم إنشاء صندوق مماثل من أموال سرية، بدأ بمبلغ 5 مليارات دولار إلا انه سرعان ما ارتفع إلى 30 مليار دولار. ومن المؤكد أن يقوم هذا النهج بمناشدة السياسيين والبيروقراطيون، الذين سيكون لديهم تسلية عظيمة عند القيام بتحديد من هم أصحاب المنازل أو المدن التي ستحصل على المساعدة المالية!

يعترف اوباما بان “هناك بعض المقترضين قاموا أيضا بالكذب للحصول على الرهونات أو للمشاركة في مضاربات غير مسؤولة”. فالمشكلة تكمن في انه ليس بمقدور أي فرد أن يميز بشكل سهل الكذابين والمضاربين من أصحاب المنازل “البريئين”.

كما يقوم اوباما أيضا بدعم قانون ينص على ترك قضاة الإفلاس ليقوموا بإعادة كتابة اتفاقيات الرهن وفق أهوائهم. وفي حال تمرير هذا القانون، فان من المتوقع أن يحدث ذعرا جماعيا نحو محاكم الإفلاس وذلك للاستفادة من هذه الفرصة.

فما الخلل الرئيس في كل ذلك؟ إن أي شيء يعمل على زيادة مخاطرة خسائر القروض سوف يزيد بشكل حتمي معدلات الفوائد. ولهذا السبب تقوم السندات الرديئة بدفع معدلات فوائد مرتفعة أعلى من سندات الخزينة طويلة الأجل. فلو تركنا الرهونات كي يعاد كتابتها من قبل أهواء القضاة، فإننا بذلك سنقوم بتحويل الرهونات إلى سندات رديئة، وبهذا سوف نعمل على زيادة معدلات فوائد الرهونات بشكل كبير.

أما هيلاري كلينتون فلديها نهجا اكبر يعتبر اشد قسوة. فهي ترغب أن يكون هناك تأجيل قانوني لسداد الدين بمدة 90 يوما بالنسبة لحجوزات الرهن العقاري. وبعد أن يتم إعطاء مستفيدين يتم انتقاؤهم مدة ثلاثة اشهر إضافية للعيش بأجرة مجانية، سيقوم هذا الإجراء بإسقاط تراكم هائل من طلبات لم يتم تنفيذها بعد لمنازل تم حبس رهنها في السوق في الحال، مع حدوث صخب مؤذٍ وخطير.

كما ترغب أيضا في إملاء “تجميد أتوماتيكي” على معدلات الفوائد التي يتم فرضها على الرهن العقاري ذي معدلات الفائدة القابلة للتعديل، بحيث يتم الإبقاء على معدلات فوائد لتكون دون المعدلات التعريفية في السوق وذلك لمدة “5 سنوات على الأقل، أو لغاية أن يتم تحويل الرهونات إلى قروض قابلة للتحمل.”

ومرة أخرى، هناك ما يقارب من نصف حجوزات الرهن قد تمت على رهونات انبثقت بفعل هبوط أسعار المنازل وليس بفعل معدلات الفوائد المرتفعة. وحتى بالنسبة للرهن العقاري ذي معدلات الفائدة القابلة للتعديل، فان معدل الفائدة سيعاد ضبطه بعد سنتين بالاستناد إلى سعر الليبور لمدة سنة واحدة. وقد هبط ذلك المعدل إلى نسبة 2.8 في المائة، الأمر الذي يعني بأن المدفوعات الشهرية المتصاعدة التي تتم على رهونات عقارية ذات معدلات فائدة قابلة للتعديل سوف تكون اقل من نسبة 10 في المائة، وليس بنسبة 30 في المائة التي تدعي بها. ويكمن الخطر الحقيقي في أسعار المنازل عندما تهبط دون حجم القرض، حيث يقوم الكثيرون عندئذ بالخلاص من الرهن بصرف النظر عن معدل الفائدة.

وفي حال قيام الكونغرس الأمريكي بالتصرف بشكل عشوائي تجاه تجميد معدلات فائدة الرهن كما ترغب كلينتون، فسوف يبدأ المقرضون بوقاية أنفسهم ضد المصادفة التي يتم بها قيام المشرعون بعمل الشيء ذاته مرة ثانية في يوم ما. ويعني ذلك انهم قد ينظرون إلى الرهونات باعتبارها استثمارات عالية المخاطر، وبناء عليه، سوف يجد المقترضون المستقبليون بأن الرهونات قد أصبحت شحيحة وغالية الثمن.

وقد فهم اوباما هذا الأمر. فهو يقول محذرا بأن “القيام بتجميد شامل مثلما تقترحه هيلاري سوف يدفع معدلات الفائدة نحو الذروة بالنسبة للأفراد الذين يحاولون الحصول على رهونات جديدة لشراء منازل أو لإعادة تمويلها.”

وهذا هو عين الصواب، إلا أن اقتراحه بترك القضاة يقومون بخفض معدلات الفائدة وحجم القروض سوف يدفع معدلات الفائدة إلى الذروة، ولنفس السبب تماما!

ويكمن قلق اوباما الرئيسي في أن مسألة الحصول على رهونات للمنازل بالنسبة للعائلات من ذوي الدخل المتدني كانت تجري بمنتهى السهولة إلى درجة كبيرة. وهو يخطط أن يضع حدا بحيث يتم إيقاف ذلك من خلال: تهديد المقرضين بدفع الغرامات وبالسجن؛ وبترك القضاة يقومون بتمزيق العقود وإعادة كتابة عقود جديدة.

ومما يدعو إلى السخرية أن أحد الأسباب التي وصلنا إليها ضمن هذه الأزمة الدائرة حاليا هو أن واشنطن قد أمضت عقود السنوات القليلة الماضية في انتقاد وتغريم المقرضين بسبب عدم قيامهم بإقراض أرباب المنازل من ذوي الدخل المتدني الذين لديهم سجلات ائتمان رديئة، وهي ممارسة سميت باسم “ريد لايننغ” (امتناع البنوك عن إقراض طبقة معينة من العملاء). أما في الوقت الحالي، فيخطط اوباما إلى معاقبة المقرضين عن طريق محاكم جنائية ومحاكم إفلاس، بشكل قد يؤدي إلى إعادة تلك الممارسة من جديد!

© معهد كيتو، منبر الحرية، 23 نيسان 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

اختتمت البنوك المركزية العام بضخ سيولة ضخمة لتسيير عجلة الاقتصاد. ففي 18 كانون أول (ديسمبر) الماضي، ضخ البنك المركزي الأوروبي 502 بليون دولار (تساوي 130 في المئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي لسويسرا)، في أسواق الائتمان. وأعلن مسؤولون في البنوك المركزية عن نيتهم مواصلة ضخ أموال “طالما تطلب الوضع ذلك”. بيد أن ضخ هذه السيولة الكبيرة تزامن مع أنباء مقلقة عن التضخم. فعلى أساس حساب سنوي، قفزت مؤشرات أسعار الاستهلاك والإنتاج في أمريكا لتشرين الثاني (نوفمبر) إلى 4.3 في المئة و7.2 في المئة، تباعاً. وحتى القياس المحبب لدى مجلس الاحتياط الفيدراليالأمريكي لقياس التضخم (مؤشر الأسعار الأساسية لنفقات الاستهلاك الشهري) ازداد 2.2 في المئة على امتداد السنة، فاخترق سقف التضخم البالغ 2 في المئة.

لكن تبين ان التضخم ليس ضمن نطاق السيطرة بعكس ما يؤكده بعضهم. فهبوط قيمة صرف الدولار أبرز منذ زمن طويل أن السياسة النقدية كانت رخوةً إلى حد كبير، وأن التضخم سيطل برأسه البشع في النهاية.

هذا التطور لم يقلق دعاة الحمائية التجارية في واشنطن، الذين ابتهجوا لرؤية الدولار يخسر نحو 30 في المئة من قيمته امام اليورو على امتداد السنوات الخمس الماضية. فبالنسبة اليهم، تشكل إعادة تقويم أعلى للعملة الصينية في مقابل الدولار وفك ارتباط عملات أخرى به، الجائزة الكبرى.

وكما يراها دعاة الحمائية، فإن الدولار الضعيف سيخلق مفاجآت كبيرة بالنسبة الى العجز في ميزان التجارة الأمريكي. فهذه سياسة اقتصادية سيئة، وهي أكثر سوءاً من الناحية السياسية المحضة. ففي الاقتصادات المفتوحة، يعتبر فقدان التوازن في الموازين التجارية دليلاً على القدرات في صافي الادخارات، وليس على تغييرات في قيمة صرف العملات. ويكفي تذكر العجز الكبير في الميزان التجاري منذ 1980، من دون أن يتأثر بالتذبذبات في أسعار صرف الدولار.

إذاً، ما هو الحل؟ حان الوقت لتتخذ إدارة بوش إجراءات للوصول الى دولار قوي بدلاً من القاء الخطب حول الموضوع، من طريق تشجيع تدخل منسق ومشترك تؤديه البنوك المركزية الرئيسة في سبيل تقوية الدولار ووضع سقف له.

إن ضعف الدولار الحالي ظاهرة دورية. فأزمة العقارات دفعت بمجلس الاحتياط الفيدرالي الى خفض الفوائد على موجودات الدولار نقطة مئوية كاملة منذ آب (ربما كان ذلك اكبر مما يجب). وعادةً، ينتعش الدولار كلما انتعش النمو وكلما فُرضت إجراءات نقدية تقييدية. بيد أن أسواق تبادل العملات الأجنبية يمكن أن تعاني حماساً غير عقلاني ومؤثراته المصاحبة التي تقود إلى ما هو أبعد من الهدف المنشود. هذا بالضبطالسبب الذي يجعل الدولار محاصراً. فإذا كانت الحكومة الأمريكية تؤمن حقاً بأنه يمكن الحفاظ على دولار قوي ومستقر على المدى البعيد، يتوجب عليها أن تتدخل في القريب العاجل لتقويته.

لكن هناك تحفظاً حيال الموضوع. فبموجب العمليات الاعتيادية لمستوى الدولار العالمي، الذي كان سائداً منذ عام 1945، فإن الحكومة الأمريكية تحافظ على أسواق رأس المال المفتوحة، وتظل صامتة في شكل عام في أسواق صرف العملات الخارجية، في الوقت الذي تتدخل فيه الحكومات الأخرى في شكل يؤثر في نسب صرف العملات.

واليوم، وخارج عدد قليل من دول شرق أوروبا المرتبطة باليورو، فإن بلداناً في آسيا وأمريكا اللاتينية وجزءاً كبيراً من إفريقيا والشرق الأوسط، تستخدم الدولار عملة رئيسة مشتركة. ما يجنبها استهداف معدلات صرف العملة. وعلى سبيل المثال، إذا أقدم البنك المركزي الكوري على خفض قيمة عملته المرتفعة من طريق شراء الين وبيع الوون، فإن الاول، وهو الأعلى قيمة، سيؤثر سلباً على اليابانيين.

بدلاً من ذلك، يجب الاحتفاظ بالدولار كعملة تدخّل مشتركة من البلدان الأخرى، ويعتبر من العبث، أن تتدخل الحكومة الأمريكية منفردة ضد أيٍّ من العملات الأجنبية لدعم قيمة الدولار بل من باب الجهل، لأن ذلك يتعارض مع الطريقة المقبولة التي جرى التعامل بها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي طريقة جلبت فوائد كبرى للولايات المتحدة وللاقتصادات العالمية.

ان توقيت التدخل المشترك هو الآن أفضل من أي وقت آخر. فقد أبدى أهم شركاء أمريكا التجاريين انزعاجهم بسبب تقهقر الدولار. وإذا اتخذ البنك المركزي الأوروبي، والبنوك المركزية في اليابان، وكندا، وبريطانيا وغيرها، زمام المبادرة، فإن من الحكمة للولايات المتحدة أن تتعاون معها، فالتدخل المشترك على هذا النطاق سوف يتجنب التدخلات ذات الأغراض المتناقضة. كذلك، فإن التدخلات الرسمية هي أكثر فعالية بكثير عندما تكون كل البنوك المركزية ذات العلاقة مشتركة في الموضوع، لأن الأسواق في تلكالحالة تتلقى إشارة أقوى بأن الحكومات الوطنية المختلفة ألزمت نفسها بصدقية.

التعاون حالة، كل طرف فيها رابح: التقويم المبالغ فيه في مستوى العملات الأوروبية سيخف، ومالكو الأرصدة الدولارية الكبيرة سيتفادون خسائر رأسمالية كبيرة، كما أن الولايات المتحدة ستنجو من خطر تضخم كبير ناتج من خفض عام لقيمة الدولار. لكن في انتظار ان توافق الصين على كل ذلك، فإن على الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية أن تؤيد سياسة الدولار القوي، من طريق إنهاء انتقادها الصين الذي ينطوي على مردود عكسي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 17 شباط 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

إن المشكلة المالية العالمية الناجمة عن أزمة الرهن العقاري هي نتيجة مباشرة نشأت بفعل عدم مسؤولية وعدم كفاءة الكونغرس الأمريكي والذي يعمل في الوقت الحالي على جعل الوضع السيء أكثر سوءا.

ولكي يتم فهم كيفية قيام الكونغرس بهذا العمل، دعونا نبدأ بالأمور الأساسية. فعلى مدى كثير من السنوات، كانت البنوك والمؤسسات المالية الأخرى التي تقدم الرهون حريصة على أن تتأكد من أن الممتلكات العقارية التي يتم رهنها غير مغالى فيها وأن يكون للمقترض سجلا سابقا من الحساب الاستداني الجيد ودخلا كافيا للقيام بمدفوعات الرهن دون وجود عراقيل مخيبة للآمال، بما أن أصحاب البنوك لا يريدون أن تضيع أموالهم ولا أن تضيع أموال مودعي بنوكهم.

وعلى مدى الزمن، أصبحت المؤسسات المالية أكثر تخصصا. فبعضها تخصص في إصدار القروض والبعض الآخر تخصص في جمع رأس المال بغرض تمويل القروض. ثم بعد ذلك بدأت المؤسسات التي كانت جيدة في جمعها لرأس المال بشراء الرهون من تلك المؤسسات التي كانت جيدة في إصدارها. وهكذا، فقد بدأ التطوير في سوق الرهن الثانوية.

وكانت المشاكل قد بدأت بالعودة إلى العام 1938، وبخاصة إبان إدارة الرئيس روزفلت، بالرغم من أن الأدارة والكونغرس قد توصلا إلى فكرة “مثيرة للإعجاب” آنذاك، وهي أن يتم توسيع الملكية الإسكانية من خلال إشراك الحكومة. فقد قاموا بإنشاء “الجمعية الفيدرالية للرهن العقاري الوطني” والمعروفة بشكل أكثر شيوعا باسم مؤسسة “فاني ماي”، بغرض شراء الرهون من البنوك كما كانت تفعل الشركات الخاصة، ولكن باستخدام دولارات دافعي الضرائب. وكان لدى “فاني ماي” ميزة عظيمة على اعتبار أن بإمكانها أن تقترض الأموال من الحكومة الفيدرالية بشكل أرخص مما تستطيع المؤسسات الخاصة أن تحصل على أموالها. وهكذا، كانت مؤسسة “فاني ماي” قادرة على احتكار سوق الرهن الثانوية بسرعة تقريبا.

أما البنوك التي كانت جيدة في إصدار الرهون فقد حبذت هذا الترتيب لأنه وفر لها سوقا جاهزة يتم به إعادة بيع الرهون مع الحصول على الربح. وكما كان متوقعا، فقد هبطت مستويات ومعايير الائتمان على مدى السنوات لأن أولئك الذين قاموا بتسيير أمور مؤسسة “فاني ماي” لم يستخدموا أموالهم الخاصة بهم بل استخدموا أموال دافعي الضرائب وكانوا قادرين على تبرير سلوكهم الهائم بشكل متزايد على أساس أنهم يعملون “عملا صالحا اجتماعيا” بفعل تيسير الأمور على الناس لكي يشتروا منازل لم يكونوا (هؤلاء الناس) في واقع الأمر يتمتعون بمصداقية ائتمانية.

وفي العام 1968، قامت الحكومة الفيدرالية بـ”خصخصة” مؤسسة “فاني ماي” وبدأت بالطلب منها بأن تقوم بجمع رأس المال من أسواق القطاع الخاص. ولكن بما أن كل فرد كان على علم بأن الكونغرس سوف لن يسمح بإفلاس “فاني ماي” (وهو ضمان لا يتم بشكل صريح بل ضمنيا)، فإن موردي رأس المال من القطاع الخاص كانوا راغبين في تقاضي أجور من مؤسسة “فاني ماي” بمقادير أقل من المنافسين الآخرين لها نظرا لأن هؤلاء الموردين كانوا يشعرون—وهم على صواب—بأن المخاطر كانت أقل. وهكذا، فقد أصبحت “فاني ماي” هي المحتكر الفعلي في سوق الرهن الثانوية. ولكن بدلا من أن يقوم أعضاء الكونغرس بتفكيك مؤسسة “فاني ماي” وتحويلها إلى مؤسسة خاصة على نحو حقيقي، قاموا في العام 1970 بتبني شركة أخرى هي “فريدي ماك” لتكون المنافس لها.

وقد استمرت المؤسسات المالية التي قامت بإصدار الرهون بالسماح للمعايير بالهبوط نظرا لوجود مشترين اثنين. وبحلول العام 2002، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعرض مقادير من الأموال غير محددة فعليا على البنوك بأسعار فائدة بلغت في بعض الأحيان حتى دون التضخم، وهكذا، فقد تم دعم الرخاء الإسكاني بشكل مصطنع بفعل إصدار ما نسبته 100 في المائة من الرهون إلى مقترضين لا يتمتعون بمصداقية ائتمانية.

وبإمكان البنوك التي قامت بإصدار الرهون أن تقوم بعرض بيع خداعي لهذه الرهون العقارية شبه الممتازة على مؤسستي “فريدي ماك” و”فاني ماي” اللتين ستقومان بوضعها في “مجمعات” من الرهون العقارية، وهي التي، بدورها، سوف تباع إلى صناديق استثمارية وإلى عامة الجمهور على كونها استثمارات “رفيعة الدرجة” تتميز بأدنى حد من المخاطر المالية.

إنها عبارة عن لعبة كراسي موسيقية يحصل بموجبها المشاركون في عمليات السوق بشكل ضمني على أموال دافعي الضرائب المدعومة بالإعانات، وطالما توفرت لديهم القدرة على تمرير المخاطر بسرعة إلى اللاعب التالي قبل أن يحدث التقصير النهائي والمحتوم في السداد، فإنهم سوف يظهرون كرابحين. وقد كان هذا الأسلوب الذي سمي بـ”خطة بونزي” أسلوبا مشهورا اتبعه بونزي في السابق بإعطاء ربح على مال شخص من مال شخص آخر، كما هي الحقيقة عندما كانت مؤسستا “فاني ماي” و”فريدي ماك” في السنوات الأخيرة موطنا لسلسلة من الفضائح الكبرى من الفساد المحاسبي والمالي. وكان السياسيون قد استفادوا من مناصب مجالس الإدارة في هاتين المؤسستين بغرض مكافأة أصدقاء سياسيين حميمين لهم (فكان رئيس مجلس إدارة “فاني ماي” الذي تم طرده من منصبه وتوجيه الاتهام له مديرا لإدارة وموازنة مكتب الرئيس بيل كلينتون). كما كانت مؤسستا “فاني ماي” و”فريدي ماك” كلتاهما بالفعل من أكبر المساهمين لحملات الكونغرس.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 كانون الثاني 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

بلغت المعاهدة الدولية لحماية طبقة الأوزون عامها العشرين هذه السنة وما زالت تدّعي النجاح. ولكن هل هنالك فعلا سبب للاحتفال؟
لقد قدم مناصرو البيئة تنبؤات رؤيوية كثيرة على مدى العقود الماضية وعندما لم تحدث هذه التنبؤات صرحوا بأن إجراءاتهم الوقائية قد حالت دون وقوع الكارثة—مثلما حدث مع بروتوكول مونتريال لعام 1987 بشأن المواد المستنفذة لطبقة الأوزون (بروتوكل مونتريال). فالتنبؤات العديدة المرعبة والرهيبة بالإصابة بأوبئة سرطان الجلد وتدمير النظام البيئي وغيرها لم تتحقق. وبالنسبة لمؤيدي بروتوكول مونتريال، يعد هذا سببا لتهنئة الذات.
ولكن بالنظر إلى ما مضى يظهر الدليل أن استنزاف طبقة الأوزون كان تهديدا مبالغا فيه في المقام الأول وأن سلسلة المصائب الفظيعة لم تكن فعلا في الصورة أبداً. وبينما عاد أطراف المعاهدة إلى مونتريال للاحتفال بذكراها العشرين، وجب أن يكون هذا سببا للتأمل وليس للاحتفال، لاسيما لأولئك الذين يرون الأمر كقصة نجاح تتكرر بالنسبة للتغير المناخي.
وقد تمت المعاهدة في ضوء قلق مشروع ومبالغ فيه مصرحة بأن مركبات الكلوروفلوروكربون (التي كانت في ذلك الوقت غازا يستخدم على نطاق واسع) ومركبات أخرى آخذة بالارتفاع إلى الغلاف الجوي العلوي (ستراتوسفير) وتدمير جزيئات الأوزون. وتعرف هذه الجزيئات ككل بطبقة الأوزون. وهذه الجزيئات تقي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الفائقة التي تأتي من إشعاعات الشمس. وأدى بروتوكول مونتريال إلى حظر استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون في معظم الدول المتقدمة بحلول 1996، بينما أُعطيت البلدان النامية تمديدا ولكنها تتعرض لضغوطات لتقليص استخدامها.
إذا ما الذي نعرفه الآن؟ قال تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية لعام 1998 أن “مسار (الاستنزاف) الأفقي الذي تم ملاحظته خلال الثمانينيات من القرن العشرين لم يعد مستمرا منذ عام 1991، ولكن إجمالي الأوزون العمودي كان ثابتا تقريبا…” وكان الوقت مبكرا جدا لعزو هذا إلى بروتوكول مونتريال حيث أشار ذلك التقرير ذاته إلى أن التركيزات الستراتوسفيرية للمركبات المضرة كانت لا تزال تتزايد في وقت كتابة التقرير. وفي الواقع، لم تبدأ بالانحسار حتى نهاية التسعينيات من القرن العشرين. وهذا يصادق على وجهة النظر، التي تعرضت لسخرية واسعة في وقت بروتوكول مونتريال، والقائلة بأن الانحرافات الطبيعية تفسر التذبذبات الحاصلة في طبقة الأوزون العالمية أكثر من استخدام الكلوروفلوروكربون.
والأهم من ذلك أن الزيادة واسعة الانتشار، التي أثارت المخاوف، في إشعاع الأشعة فوق البنفسجية على مستوى الأرض لم تتحقق أيضا. ويجب الأخذ في عين الاعتبار أن استنزاف الأوزون بحد ذاته لا يتسبب بعواقب على صحة الإنسان أو البيئة. ولكن القلق من أن طبقة الأوزون المتآكلة ستسمح لمزيد من إشعاعات الأشعة تحت البنفسجية المنبعثة من الشمس والمدمرة من الوصول إلى الأرض، هو الذي أدى إلى نشوء بروتوكول مونتريال. ولكن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تقر بأنه لم يتم اكتشاف أي اتجاهات طويلة الأمد مهمة من ناحية إحصائية، مشيرة في بداية هذا العام إلى أن “استنزاف الأوزون خارج المناطق القطبية كان ضئيلا نسبيا، لذا في كثير من الأماكن، يصعب فصل الزيادات في الأشعة فوق البنفسجية الناتجة عن هذا الاستنزاف عن الزيادات التي تسببها عوامل أخرى، مثل التغيرات في الغيوم والهباء الجوي.” وبكلمات أخرى، فإن تأثير استنزاف الاوزون على الأشعة فوق البنفسجية فوق المناطق المأهولة بالسكان يكون ضئيلا جدا بحيث يمكن أن يضيع بسهولة وسط ضجيج تغير الخلفية.
ولا حاجة للقول أنه إن لم ترتفع الأشعة فوق البنفسجية، عندها يكون لا أساس للمخاوف: وبالفعل لم يحصل التسارع المفرط في معدلات سرطان الجلد. على سبيل المثال، تظهر إحصاءات معهد السرطان الوطني الأمريكي أن حالات الورم الجلدي الخبيث ومعدلات الوفاة، التي أظهرت زيادة طويلة الأجل سبقت تأريخ استنزاف الأوزون، كانت آخذة بالاستقرار فعلا خلال فترة أزمة الأوزون المزعومة. وبالإضافة إلى ذلك، لم يُظهر أي نظام بيئي أو كائن حي قط التعرض لأي ضرر خطير بسبب استنزاف الأوزون. ويعد هذا الأمر صحيحا حتى في القارة القطبية الجنوبية، حيث تحصل في كل عام أعظم استنزافات موسمية للأوزون، والتي تسمى بثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية. كما ثمة قائمة طويلة جدا من الإدعاءات المنسية، مثل ذلك الإدعاء من كتاب آل غور في عام 1992 “أنه بفضل ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية يُبلغ الصيادون عن العثور على أرانب عمياء؛ ويصيد الصيادون سمك سلمون أعمى.”
ولم يساعد بروتوكول مونتريال في التخلص من هذه المشاكل، فهي لم تحدث في المقام الأول!
إن المتوازيات مع التغير المناخي مذهلة. ومجددا نحن نواجه مشكلة بيئية حقيقية ولكن مبالغ فيها. وفي كلتا الحالتين، فإن كل شيء مروع كان قد قيل للناس ليس صحيحا فعليا. ولا حتى آل غور غيّر الكثير. فإن ادعاءاته المتعلقة بالحيوانات العمياء قد استبدلت بتأكيدات مريبة مكافئة لتلك الادعاءات في فلمه عن الاحتباس الحراري، الذي يشمل تنبؤات بحصول ارتفاع هائل في مستوى البحر من شأنه أن يمحو جنوب فلوريدا ومناطق ساحلية أخرى.
ربما يلتقي، بعد عقود من الآن، المشاركون في بروتوكول كيوتو (المعاهدة المتعلقة بالتغير المناخي التي تم صياغتها بعد بروتوكول مونتريال)، ويهنئون أنفسهم لأن أيا من تأكيداتهم المخيفة لم تتحقق. ولكن كم سيُنفق في سبيل حمايتنا من المشاكل التي لا نعاني منها في المقام الأول؟
© معهد كيتو، منبر الحرية، 17 تشرين الأول 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

تقرير الأمم المتحدة، “حالة سكان العالم 2007″، يحذر من أن نصف سكان العالم سوف يسكنون في المدن بحلول عام 2008. صدمة، رعب! لكن هناك نقطة خطيرة في تقرير الأمم المتحدة: إنه يريد إبطاء التمدن من خلال تخفيض معدلات الولادة. المشكلة الوحيدة هي أنه لا يقدم سبباً مقنعاً لعمل ذلك.
منذ سنين وصندوق الأمم المتحدة للسكان يحاول تبرير وجوده عن طريق إصدار تقارير تدعي بأنه يجب علينا تخفيض معدلات الولادة لتحقيق “التنمية المستدامة”. بينما تبدو هذه الأفكار مغرية بالبديهة، إلا أنها غير مدعمة بدليل. لقد تحسنت معايير المعيشة الكونية في الواقع خلال القرن الماضي بشكل دراماتيكي على الرغم من أن عدد سكان العالم تضاعف أربع مرات تقريباً. وسوف تستمر هذه المعايير في التحسن في المعدلات الحالية والمستقبلية للسكان.
لا حاجة للحكومات في تغيير نمطنا في التكاثر. بالإضافة إلى ذلك، باستثناء البرامج القهرية والمشجوبة أخلاقياً مثل سياسة الطفل الواحد في الصين، ليس واضحاً فيما إذا كان باستطاعة السياسات السكانية للحكومة تغيير أعداد البشر على أية حال.
لنبدأ بالفكرة التي نوقشت كثيراً وهي “الاكتظاظ”. إذا أخذت الكثافة السكانية كمقياس للاكتظاظ السكاني فإن الهند ورواندا (تزيد كل منها ست مرات عن معدل الكثافة السكانية في العالم) سوف تكون مؤهلة لأن توصف بـ”المكتظة”. لكن بلجيكا “مكتظة” بشكل ملحوظ أكثر من رواندا؛ والبحرين، الدولة الغنية بالنفط، مكتظة أكثر من الهند بثلاث مرات؛ وموناكو، الغنية المتمدنة، أكثر دولة في العالم اكتظاظاً بالسكان، أكثر من المعدل العالمي بـ700 مرة.
تستحضر أفكار الاكتظاظ والازدحام في معظم العقول صور الأطفال الجياع، والأمراض التي لم تفحص بعد، ظروف المعيشة الحقيرة والأحياء الفقيرة المزدحمة. تلك المشاكل حقيقية في عالم اليوم لكن الاسم المناسب لها هو “الفقر الإنساني”.
رغم أن عدد السكان على هذا الكوكب قد ازداد بشكل ملحوظ خلال الـ200 عاماً الماضية، إلا أننا لم ننضب من الموارد، ولن نصبح بالتأكيد أكثر فقراً. أنظر إلى “الانفجار السكاني” في القرن العشرين: لقد تضاعفت أعداد البشر بين عام 1900 وعام 2000 أربع مرات، إذ قفز العدد من 1.6 بليون نسمة إلى ستة بلايين، لكن إجمالي الناتج المحلي العالمي للفرد تضاعف خمس مرات خلال نفس الفترة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الغذاء كان يفوق النمو السكاني بثبات خلال هذه الأعوام نفسها، بينما أصبحت جميع الموارد الطبيعية من النحاس إلى الألمنيوم أرخص سعراً: ويمكن القول أقل ندرة.
هذه الاتجاهات توفر بعض الإجابات لهذا التساؤل وهو: لماذا حدث “الانفجار السكاني” في المقام الأول؟ لم يكن ذلك بسبب أن البشر أخذوا يتوالدون فجأة كالأرانب، بل كان بسبب أن البشر توقفوا أخيراً عن الموت كالذباب. لقد تضاعف المعدل الافتراضي للحياة من ثلاثين عاماً تقريباً إلى أكثر من ستين عاماً وانخفض معدل الوفيات بين الأطفال بشكل ملحوظ في مختلف أرجاء العالم. فقد واكب انخفاض معدل الوفيات زيادة في عدد السكان، رغم أن معدلات الخصوبة العالمية في تناقص مستمر منذ أعوام الستينيات.
لقد سبب هذا “الانفجار الصحي” “انفجاراً سكانياً” ويعود سبب هذه الموجة الصحية المستمرة في جزء كبير منه إلى التحسينات غير الاعتيادية وغير المسبوقة في معايير الحياة المادية وبشكل خاص على مدى العقود القليلة الماضية. إذ أصبح الغذاء أكثر رخصاً واستمرت التكنولوجيا الطبية في التطور.
مع ذلك، فإن مؤيدي الاستقرار السكاني منزعجون من أن الأعداد البشرية سوف تتضاعف أكثر خلال القرن المقبل ما لم تتخذ الحكومات الإجراء اللازم. لكن خططهم للسيطرة على السكان من خلال التخطيط العائلي (أي تحديد النسل) المفروض من الدولة ليس لها أساس علمي.
على الصعيد العالمي، لا توجد رابطة سببية بين توفر وسائل منع الحمل ومعدلات الخصوبة—معدل استخدام وسائل منع الحمل في الأردن مطابق لنفس المعدل في اليابان، لكن معدل الخصوبة في الأردن يفوق معدل الخصوبة في اليابان بثلاث مرات. في عام 1974 وضعت المكسيك برنامجاً وطنياً للتخطيط العائلي (تحديد النسل). البرازيل لم تنفذ مثل هذا البرنامج لكن خلال الخمسة والعشرين عاماً التي تلت، كانت معدلات الخصوبة في المكسيك والبرازيل متطابقة تقريباً.
الحقيقة هي أن التفضيل الأبوي هو العامل المحدد لحجم العائلة بين الناس الأميين في الدول الفقيرة، مثلما هو الوضع بين الناس المتعلمين في الدول الغنية. وعليه، فإن الخطط السكانية المضادة للولادة عبثية ما لم تتبع هذه الدول خطى الصين وتفرضه بالإكراه رغم نتائجه المخيفة.
على أي مستوى دخل مفترض—حتى مستويات الدخول المتدنية—اتجه الأبوان حول العالم نحو خيار العدد الأقل للأطفال منذ أعوام الستينيات، وكنتيجة لذلك، ربما يكون عدد سكان العالم أقل بكثير مما يتخيله المنذرون بالخطر السكاني وأن “الاستقرار السكاني العالمي” سوف يتحقق بدون التدخلات الحكومية الطارئة التي يروجون لها.
لحسن حظ كوكبنا المضطرب، فإن “الازدحام السكاني” ليس ذا مشكلة مع استمرار انتشار السياسات المعقولة والصحة والرخاء حول العالم واستمرار التطورات في مجالي الطب والتغذية.
لقد وجدت العبقرية البشرية تاريخياً الإجابات لمشاكل ندرة الموارد، والبشر هم الذين يبتدعون التكنولوجيات التي تتيح لنا توطين أعداد أكبر من البشر على هذا الكوكب.
من خلال تجاهلهم لقدرة الإنسان، يلقي المعادون للولادة اللوم على الفقراء لفقرهم ويروجون لحلول كاذبة. ما يحتاجه الفقراء هو الحرية الاقتصادية لكي يتمكنوا من رفع شأنهم وليس خطط الأمم المتحدة العقيمة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 6 أيلول 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

كتب روبرت بارتلي، المحرر السابق الشهير لصحيفة الوول ستريت جورنال، بحثاً بعنوان “السنوات السبع السمينة”، جاء فيه ما يلي: “في 26 آذار 1976، صاغ هيرب ستاين عبارة أسماها “اقتصاديات العرض”. لقد كانت العبارة جديدة، ولكن مبادئها الأساسية قد توضحت في مقال نشره جود وانسكي في 11 كانون الأول 1974 بعنوان “لقد حان وقت خفض الضرائب”. وفي عام 1977، التحق بروس بارتلت للعمل مع جاك كيمب، المرشح للكونغرس، وأصبح يعرف لاحقاً بمروِّج المراحل الأولى لتخفيض الضرائب في عهد الرئيس ريغان.
وكتب بارتلت مؤخراً في صحيفة النيويورك تايمز يقول: “لقد مضى وقت طويل كان يتوجب خلاله إسدال الستار على عبارة [اقتصاديات العرض]. لقد أصبحت عبارة مضللة وشائعة، تقف عائقاً أمام السياسة الاقتصادية السليمة. لقد أصبحت هذه النظرية اليوم متلازمة مع هاجس تخفيض الضرائب، تحت جميع الظروف. لم يعد دعاتها في الكونغرس وخارجه يقتصرون في دعوتهم على تخفيض نسبة الضرائب الهامشية—أي ضريبة على كل دولار إضافي—كما فعلت النظرية الأصلية في توصيف مؤيدي اقتصاديات العرض. وبدلاً من ذلك، فإن دعاتها أصبحوا يؤيدون حتى اكثر تخفيضات الضرائب جدلية بالحماس والاندفاع ذاته. واليوم، أصبح شائعاً سماع دعاة تخفيض الضرائب يدّعون—بغير وجه حق—بأن جميع تخفيضات الضرائب ترفع الإيرادات”.
وإذا وضعنا جانباً تلك المسميات، فإن الملاحظات أعلاه لا تشتمل على ما هو جديد. ففي مقال نشر في تموز عام 2004، علق بارتلت، وكان مُحقاً في تعليقه، قائلاً: “إن الحجم الأكبر من التخفيضات منذ 2001، فيما يتصل بالإيرادات، قد ذهب بشكل إعفاءات ضرائبية وغيرها من الإجراءات التي لا تأثير لها على الحوافز المتصلة بالضريبة الهامشية”.
بطبيعة الحال، فإن التحايل في تخفيض الضرائب يُفقد من عائداتها. بيد أن روبرت فرانك، المعلق في صحيفة الوول ستريت جورنال، تصوّرَ بأن “داعية اقتصاديات العرض في السياسة الضرائبية، بروس بارتلت، أصبح يُقرُّ بأن تخفيض الضرائب على ذوي الدخول الكبيرة لا يؤدي إلى تعظيم مجمل إيرادات الضرائب”. بيد أن بارتلت لم يُُقرَّ بأنه فعل ذلك. فقد ارتفعت الضرائب ارتفاعاً ملحوظاً منذ تخفيضها عام 2003، وكانت معظم المكاسب من ذوي المداخيل الكبيرة، بما في ذلك الأرباح، وتعظيم رأس المال والعوائد.
عبارات يراد منها وصف أفكار معقدة في كلمة أو كلمتين، مثل تعبير الـ”كينزية”—نسبة إلى عالم الاقتصاد البريطاني كينز—كثيراً ما يساء استخدامها. بيد أن مثل تلك الاستعمالات الخاطئة لا يمكن وقفها. بمجرد أن يرفع بارتلت العلم الأبيض، شئنا أم أبينا، فإن تعبير “اقتصاديات العرض” سوف يستمر مستعملاً أو مساء استخدامه دون شك.
يقول بارتلت “السياق الذي كان فيه للعبارة معنى لم يعد قائماً، وبالتالي فقد أصبحت العبارة عائقاً أمام التواصل الفكري في الشأن العام”. ذلك السياق يشير إلى النقاش الذي دار حول نجاعة سياسة مختلطة، في وضع كان فيه التضخم من 15 إلى 20 في المائة، مع تراجع حاد في الأداء الاقتصادي، كما كان الحال عليه عام 1974-1975 و1980-1982. الشيء الجديد في نظرية اقتصاديات العرض هو ما أدخله حامل جائزة نوبل في الاقتصاد روبرت موندل، ألا وهو: (1) السياسة النقدية هي الأداة المناسبة لكبح جماح التضخم؛ و(2) يجب أن ينتقل التركيز في السياسة الضرائبية من نتائج حسابات الفترات القصيرة الامد (العجز) نحو تحسين الحوافز على المدى البعيد للعمل المنتج والاستثمار. القسم الأول هو في الواقع سياسة نقدية، وكلاهما لا ينفصلان عن كونهما ذوي علاقة بالتضخم والنمو الاقتصادي.
في بحث كتبته في خريف 2001 ونشرته مجلة معهد كيتو تحت عنوان “خليط من السياسة النقدية والمالية” قلت ما يلي: “في السنوات المبكرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما كانت سياسة الترشيد المالي في أوجها، كانت وجهة النظر السائدة بأن الدور الرئيسي للسياسة النقدية هو إبقاء سعر الفائدة منخفضاً. وكان يُنظر إلى التضخم في بادئ الأمر كأداة نافعة لتليين الاقتصاد مقابل نسبة منخفضة من البطالة. وفي أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، عندما أثبت الدولار المنكمش بأنه أقل جاذبية مما هو متوقع، كان التضخم يُنظر إليه كقضية دائمة يجب أن تكافح بلا انقطاع عن طريق استخدام السياسات المالية والضرائبية (الضرائب الإضافية) وسياسات الرقابة على الأجور والأسعار. ولكن لم يكن يُنظر أبداً إلى ذلك من الزاوية النقدية المحضة”.
لقد كانت ملاحظاتي في سياق الخطأ السائد الذي أعطانا الضريبة الإضافية التي فرضها الرئيس ليندون جونسون عام 1968 وكذلك الرقابة على الأسعار التي فرضها الرئيس ريتشارد نيكسون في عام 1971. وما أن حلت سنة 1978 حتى أصبحت الأفكار الخاصة بـ”اقتصاديات العرض” شائعة حتى أنها وُصِف بـ”المثيرة للاهتمام” وأعربت الكتب الجامعية عن الرأي بأننا نحتاج بالفعل إلى إدارات مالية تعمل على العرض الكلي.
وأوضح السيد بارتلت قائلاً: “ما زلت أعتقد بأن [اقتصاديات العرض] هي العلاج الصحيح للمشاكل الاقتصادية التي واجهناها في أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي. كما أنني أعتقد بأنها تنطوي على بعض الحقائق الجوهرية التي تكون صالحة في جميع الأزمان. بيد أن تلك الحقائق مثل الرأي القائل بأن نسب الضرائب الهامشية العالية هي مُسيئة للاقتصاد قد أصبحت الآن مقبولة من قبل الجميع”.
القول بأن نظرية اقتصاديات العرض هي مقبولة قبولاً تاماً تقريباً هو قول جيد ولكن ليس كافياً تماماً. فعندما تكون السياسة الضرائبية في معظم البلدان قريبة من الحد الأمثل كما هو الحال في هونغ كونغ، فإنني وبكل سرور سأتوقف عن الحديث حولها.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 6 آب 2007.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

وسط الأحداث المتلاحقة ثمة مفارقات يستعصى فهمها دون التخلي عن حسن الظن في أبطالها. بعض هذه المفارقات كانت مادة للحوار بين حشد من البشر أمام أحد منافذ توزيع الخبز المدعوم عندما تساءل شيخ وقور -والعرق يتصبب من جبينه: حتى متى يضطر الضحايا تسديد ضريبة صمت الرقباء على تجاوزات المخربين؟!
كان الطابور طويلا، وقد مل الناس من الانتظار.. وكعادة المصريين، يلجأون في مثل هذه الظروف لتزجية الأوقات الضائعة رغما عنهم بتجاذب أطراف الحديث حول أحداث الساعة وأحوال المعيشة، جاء الكلام في معظمه عفويا وسطحيا لمجرد تخفيف وطأة الانتظار، فقد تحدث الواقفون في كل شيء من جنون الأسعار وسرطان الفساد وتشفير كأس العالم إلى جلسات البرلمان ومظاهر الحراك السياسي، وكانوا يتكلمون بود واضح وحميمية ظاهرة وكأنهم أصدقاء – أو على الأقل زملاء – منذ زمن بعيد. ومع كثرة موضوعات الحوار وتداخل أصوات المتحدثين استوقفني ذلك السؤال نظرا لكثافته اللغوية الواضحة، وعلى الفور دارت في الذهن أسئلة أخرى: وهل بعد التخريب من تجاوز؟، ولماذا يسكت الرقباء على تصرفات المخطئين؟، مع أنهم مكلفون بالتصدي لهذه المخالفات، وكيف يسدد الضحايا تكاليف الاعتداء عليهم؟!
للوهلة الأولى توقعت أن الرجل يفلسف مشكلة تسرب الدقيق المدعوم إلى السوق السوداء تحت سمع وبصر مفتشي التموين، فقلت لصاحب السؤال “الفزورة”: “البشر خطاءون بطبعهم وصاحب المخبز لا يعنيه رضا المستهلك عن الرغيف، وكذلك الرقيب المعين من قبل الحكومة، ولهذا تتغلب المصالح الخاصة على القيم والمبادئ والأصول والأعراف نظرا لانعدام الرقابة الشعبية، وبالتالي فإن الضحية مشارك في الجريمة وعندما يدفع ضريبة صمت الرقباء فهو يدفع في الوقت نفسه ضريبة صمته هو أيضا. قال الرجل الطيب وهو يبتسم: المسألة أكبر من ذلك بكثير فأنا أتحدث عن صمن الرقيب الذي انتخبه الجمهور في مواجهة الفساد الكبير والتخريب المنظم، ألم تسمع بما حدث مؤخرا في مجلس الشعب من احتدام الزعيق والصياح حتى دخل الحذاء ضمن مفردات التفاهم؟ ثم فجأة أطبق السكون على الجميع وكأن شيئا لم يكن وأن صاحب الهجوم الخطير حامل الحصانة والاسم الشهير قد رضي من الغنيمة بثمن السكوت؟، وهو مبلغ يحتاج تدوينه لأكثر من ست خانات، وأن تعويض هذا المبلغ على دافعه أسهل من السهولة فلن يكلف نفسه سوى إضافة جنيهات قليلة إلى سعر سلعته الضرورية التي يتحكم فيها بمفرده، وبالتالي فسوف يضطر كل من يحتاج مسكنا يؤويه إلى تسديد ثمن صمت النائب الموقر على تجاوزات المحتكر الشهير – قلت ربما اندفع النائب في غمرة الحماس، ثم بعد الهدوء اكتشف براءة زميله في المجلس فآثر العودة إلى الحق– رد الرجل وقد ارتسمت على وجهه علامات الاستغراب: لو كان ذلك صحيحا لما تنازل الملياردير المطعون في أمانته عن حقه في إقامة دعوى سب وقذف حفاظا على سمعته لكنه اضطر هو الآخر إلى السكوت.
كان الناس من حولنا قد انتقلوا إلى موضوع تشفير كأس العالم وكيف أن الحزب الحاكم لم يقبل بحرمان الناس من مشاهدة مباريات المونديال، فخصص عشرات الساحات ووفر فيها شاشات عملاقة ليتمكن محدودو الدخل من الاستمتاع بهذا العرس الكروي العالمي، وشبَّه أحد الواقفين هذه الساحات بالأماكن التي تخصصها الحكومة لصلاة العيدين في العراء، وأثنى البعض على موقف الحزب الحاكم وعلى شعوره المرهف بمعاناة الجماهير ومحاولته التخفيف من أعبائهم بينما أصر آخرون على اتهام الجهات المعنية بالتقصير في بذل المساعي المطلوبة لنقل مباريات كأس العالم على القنوات الأرضية.
وبقي الشيخ الحكيم صامتا حتى فرغ الجميع من هذا الموضوع وكادوا ينتقلون إلى غيره من الهموم المعيشية، فإذا به يجتذب طرف الحديث ويسأل الناس من جديد: إذا كان الحزب الوطني قد فعل ما فعل انطلاقا من حرصه على مشاعر الجماهير ورغبته في تخفيف معاناتهم، فلماذا لم يتدخل جهابذته لحل مشكلة توريد القمح الوطني من الفلاحين “المصريين” الذين يلفون على الصوامع والمستودعات والمطاحن والشون ولا يجدون من يتسلم منهم محصولهم الوفير؟!
كانت هذه الموضوعات كفيلة بأن تنسي الواقفين لهيب الشمس وارتفاع نسبة الرطوبة، وضجيج السيارات العابرة من حولهم وما تثيره من غبار وتنسيهم أيضا كميات الخبز التي يحملها صبية المطاعم جهارا نهارا أمام أعين المنتظرين في الطابور الطويل، إلى أن وجدت نفسي وجها لوجه أمام موزع الخبز بعد أن سبقني الشيخ وقد حصل على حاجته وانصرف إلى سبيله دون أن يكمل الحوار، وحصلت أنا الآخر على حاجتي وانصرفت، ولكن ما زالت تلك الفوازير تحيرني وقد أعيتني الحيل وخارت قواي العقلية في البحث عن حل منطقي لها أو تفسير مقبول أو معقول.
© منبر الحرية،2 سبتمبر 2010

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

درج استخدام مفهوم التنمية بصورة مكثفة منذ عدة عقود، ويقصد به –على نحو الإجمال لا التخصيص- رفع مستوى الدخل القومي بزيادة متوسط إنتاج الفرد من خلال تهيئة وبناء مختلف قطاعات الدولة لخدمة وإنجاز ذلك الهدف.
وبما أن الفرد السليم والمعافى هو الأساس في عملية البناء الوطني، وزيادة الدخل القومي للدول، فلا بد إذاً من البدء بتنمية قدرات وإمكانات هذا الفرد الذاتية والتوجه العلمي الصريح والواضح لتهيئته نفسياً وعقلانياً وعملياً (على مستوى العلم والمهارات التطبيقية).
وحتى تنمو مواهب الأفراد وتنمو مقدراتهم وقابلياتهم الذاتية، لابد من وجود مناخ اجتماعي وثقافي وسياسي مناسب يشكل حاضنة ملائمة لنمو وبروز واستثمار تلك الاستعدادات والقابليات الفردية، وهذا بدوره يحتم توفر فضاء سياسي قانوني دستوري يمارس الناس فيه حقوقهم في التعبير عن معتقداتهم وآرائهم وقناعاتهم السياسية والثقافية والمعتقدية بصورة صحية وسلمية تداولية، يكون فيها المشترك العام هو خدمة الناس والأفراد تحت سقف القانون والنظام العام الذي يتفق عليه كل أفراد المجتمع ضمن آليات ديمقراطية سلمية بعيداً عن توسل واستخدام أدوات العنف الرمزي والمادي.
وحتى يحدث في أي مجتمع نوع من التشارك والاندفاع الجماعي الحقيقي المؤثر في اتجاه خدمة عملية التنمية الهادفة إلى تطوير واقع الفرد والمجتمع على مستوى بناء أسس ومعايير اقتصادية صحيحة تساهم في زيادة الإنتاج والدخل الفردي والوطني، لابد من تعميم ثقافة التنمية بين جميع مكونات المجتمع، وعلى مختلف المستويات، بدءاً من أصحاب القرار، إلى مختلف البنى الاجتماعية والاقتصادية البشرية، حيث أن التنمية المنظمة والشاملة، التي تشارك فيها كل المؤسسات والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويساهم فيها الجميع طوعياً لا قسرياً هي الشرط اللازم الحقيقي للنهوض الذي لا يمكن أن يتحقق فجأة، وإنما عبر سلوك طريق طويل منظم من العمل والتعب والجهد والمثابرة والكدح والإيمان بأن الوطن لا يقوم إلا بمحبة كافة أبنائه له، وبمشاركتهم الفاعلة والمنتجة في العمل الميداني المسؤول.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عملية التنمية باتت حالياً ثقافة عمومية ومسؤولية عامة، لا تختص بفئة أو شريحة معينة، كما أنها لم تعد حصراً وحكراً على نخب اقتصادية أو غير اقتصادية بذاتها، لأنه إذا كان مطلوباً رفع وزيادة دخل الفرد، فلابد من رفع إنتاجيته وفاعليته عبر توفير المناخ السياسي والاجتماعي الأنسب والأفضل لتبلور طاقاته ومواهبه كما ذكرنا، وهذا المناخ الصحي التداولي التشاركي هو الذي يمكن أن يسمح للفرد ذاته بالمشاركة المبدعة في عملية التنمية وعياً وثقافة وعملاً..
وفي اعتقادي أن أحد أهم أسباب الفشل الذريع الذي لحق بكل مشاريع التنمية في عالمنا العربي حتى الآن، يكمن في ابتعاد الفرد وتغييبه قسرياً –بالرغم من كونه أساس ولب وجوهر عملية التنمية- عن المشاركة الواعية والفاعلة في العملية التنموية الفردية والمجتمعية.
من هنا نعتقد بضرورة تهيئة الأجواء الثقافية والإعلامية والاجتماعية المناسبة لإطلاق المبادرات الجادة الهادفة إلى دفع الفرد باتجاه الانخراط الجدي والحقيقي في مختلف مشروعات التنمية، وذلك عبر التوجيه الصحيح الدائم، والاستمرارية في العمل الدؤوب والصادق. لأن الواقع العربي العام صعب ومعقد وينذر كوارث حتمية أكثر مما هو قائم حالياً على مستوى السياسة من خلال سيطرة الاستبداد ونزع ممارسة السياسة –وما ينتج عنها من حقوق وواجبات وحريات فردية وعامة مسؤولة- من المجتمع، وعلى مستوى الاقتصاد من خلال وجود ما يزيد على 140 مليون مواطن عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع، ارتفاع معدلات البطالة حيث تصل نسبة الشباب العاطل عن العمل إلى ما يزيد على 50% من السكان بالنسبة لمعظم الدول العربية مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الأعلى في العالم كله. وهنا يتمثل التحدي العربي الأكبر –كما تؤكده كل تقارير التنمية- في ضرورة توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر القادمة أي بحلول عام 2020م.
© منبر الحرية،26 تموز/يوليو  2010

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

النشر العلمي هو واحد من مخرجات النشاط العلمي المختلفة. ويعتبر النشر العلمي مقياس للنشاط العلمي للفرد العالِم أو للمؤسسات العلمية. و له شروط وضوابط صارمة و هذا ما جعله في واحد من أعلى مراتب التقييم. على ذلك ليس كل ما ينشر يعد بحثا علميا، و ليست أية مطبوعة تنشر علما تعتبر مجلة علمية. كما انه ليس كل بحث ينشر يعد قفزة أو طفرة علمية.
كان لابد من هذه المقدمة البسيطة لتناول تقرير نشرته مؤسسة (Science-Metrix)  و بعنوان (“ثلاثون سنة في العلم) يهتم بدراسة العلاقة ما بين العوامل الجيوبولتيكية والنشاط العلمي وذلك من خلال دراسة النشر خلال الثلاثين سنة الأخيرة (1980-2009). إن هذه الفترة الزمنية تغطي أحداثا سياسية كبيرة وخطيرة مثل انهيار الاتحاد السوفيتي وما تبعه من تغيرات في أوربا الشرقية. أما في الشرق الأوسط فنجد الحرب العراقية الإيرانية واحتلال الكويت وتحرير الكويت وسقوط النظام العراقي السابق. ويشكل العراق الطرف المهم داخل هذه المشاكل الشرق أوسطية.
لقد استخدمت الدراسة مخرجات إحصائية من (Thomson Reuters, database) والخاصة بالنشر العلمي لتلك الفترة. و فيما يلي خلاصة سريعة لما  بينته هذه الدراسة :
أولا: أن بعض الدول المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي السابق عانت تراجعا في النشر. في حين أظهرت بولندا و ليثوانيا و استونيا نموا واضحا.
ثانيا: كان النمو واضحا في الشرق الأوسط (حوالي أربعة مرات أسرع من المستوى العالمي) و تصدرت إيران و تركيا قمة النشاط.
ثالثا: ظهرت إيران على أنها أسرع دولة في العالم في بناء مقدراتها العلمية خلال العشرين سنة الماضية. و يعزو التقرير هذا النمو إلى البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل.
رابعا: ساهمت قارة آسيا خلال الثلاثين سنة ب 155% من النشاط العالمي متجاوزة أمريكا الشمالية. أظهرت الصين نموا مذهلا حيث كان نموها أسرع بخمسة مرات من النمو الأمريكي. ولكن من جهة أخرى أظهرت الصين تباطأ في نمو العلوم الإنسانية و الاجتماعية مقارنة مع الولايات المتحدة.
خامسا: أدى احتلال الكويت إلى تراجع كبير في نشاطها العلمي واستطاعت الكويت استعادة نشاطها بعد التحرير إلا أنها لم تتمكن من الوصول إلى ما كانت عليه خلال عقد الثمانينات.
سادسا: أدت الحرب العراقية الإيرانية إلى تراجع النمو العراقي في نهاية الثمانينات ومن ثم انهيار النظام العلمي العراقي والذي استمر لغاية 2004 تقريبا.
سابعا: يعتقد التقرير بان هناك إعادة تشكيل عالمية للنشاط العلمي و يعطي لآسيا المكان المتقدم. حاليا تحاول أوربا الحفاظ على موقعها في حين أمريكا الشمالية تخسر موطئ قدمها لصالح آسيا و أمريكا اللاتينية.
مما يلاحظ أن التقرير كان قد ركز على النشر العلمي كمقياس للتقدم العلمي وهذا مقياس معتمد عالميا، إلا أن التقرير لم يبين مستوى النشريات العلمية و أنواعها التي تم اعتمادها في إحصاء البيانات و بذلك تكون مدخلات العملية الإحصائية غير واضحة. من جهة أخرى فإن مؤسسات النشر العلمي العالمي تتركز أساسا في أوربا و أمريكا و جنوب شرق آسيا و اليابان، و معظم النشاط العلمي العربي منشور في مجلات محلية غير معروفة عالميا.
على أية حال لقد لوحظ بعد منتصف القرن الماضي نوع من الانحسار في نشاط العلوم الصرفة لصالح النشاط التكنولوجي. و هذه الظاهرة نتيجة عوامل كثيرة لا مجال لتناولها الآن. و هذا ما قادني لافتراض توسيع نموذج أوكست كونت (المراحل الثلاث للتطور الفكري) ليكون على أربعة مراحل بدلا من ثلاث.
إن بروز النشاط الرابع (التكنولوجيا) لم يظهر إلا بعد وصول النشاط العلمي إلى نوع من الاستقرار في نموه. على ذلك نجد أن نمط النشاط العلمي التقليدي يكاد أن يكون مستقرا في أوربا و أمريكا التي عاشت نموا طبيعيا خلال القرون الخمس الماضية وهي الآن في قمة تربعها. إن الإبداع العلمي الذي و صفه الفيلسوف الأمريكي كون (Kohn) اخذ بالتباطئ و ربما كانت آخر ثورة علمية هي ثورة الخارطة الجينية في التسعينات من القرن الماضي. على ذلك نجد أن التجمعات الدولية المتقدمة والمترابطة علميا مثل الدول الغربية و حتى إسرائيل ذات نمو مستقر. يبلغ مؤشر النمو (Growth index) الأمريكي 0.73 في حين مؤشر النمو الإسرائيلي 0.94.
إن البحوث العلمية الصرفة أخذت تشهد انحسارا وقل إقبال الطلبة والباحثين عليها كما قل الدعم المالي المقدم لها. إن معظم حالات النمو العلمي المؤشرة ذات طبيعة تطبيقية و تمول بحثيا من شركات صناعية  أو مراكز بحوث تطبيقية، وهذه البحوث التطبيقية تعتمد على أساسيات العلوم الصرفة بمعنى آخر إن نتائج هذه البحوث ذات تطبيقات علمية متخصصة و ضيقة التطبيق، إنها تقود إلى ثورات تكنولوجية وليس ثورات علمية. و هذا ما يظهره التقرير في النمو الصيني.
أما بخصوص ظواهر النمو العلمي فقد اظهر التقرير أربعة أنواع من النمو:
نموا في بعض الدول التي تحررت من قيود الايدولوجيا (الشيوعية) و ذات بعد أوربي.
نمو في الدول التي تحاول النهوض مثل الدول العربية. وكان مؤشر النمو العربي مابين 0.47 للعراق و 3.29 لعمان.
نمو متسارع لإيران بلغ 11.07. و هذا نمو تحفيز مأدلج لأن مؤشرات التنمية البشرية التي أظهرتها الأمم المتحدة لم تبين نموا موازيا لهذا. و هذا ما يعني أن هناك تركيز مقصود على جانب معين من التنمية أكثر من الجوانب الأخرى. ويعرض التقرير مقدار التركيز على الكيمياء والهندسة – التكنولوجيا والفيزياء وحصلت فيزياء البلازما على أعلى مؤشر للنمو (95.8)، في حين حصلت الهندسة الميكانيكية على أوطأ مؤشر (12.5). لقد أظهرت الفيزياء حصولها على اهتمام عالي جدا في البحث العلمي الإيراني.
نمو علمي صناعي صيني مذهل. إن الثورة التقنية الصينية بدأت بعد انحسار الثورة الثقافية لماوتسيتونغ و زوال تأثيرها. أظهرت الصين نموا متسارعا في تخصصات تطبيقية مثل علم المواد و البوليمرات والمعادن والتعدين، وهذه التخصصات هي ذات طابق تقني.
بدأ النمو الإيراني نهاية الثمانينات في الوقت الذي بدء فيه التلاشي العلمي العراقي. استمر التلاشي العراقي إلى حدود عام 2004 حيث بدأ النمو من جديد و هو الآن في حالة تصاعد بطيء. رغم الأدلجة الدينية الإيرانية فإن إيران ذات قاعدة علمية علمانية تم تأسيسها في عهد الشاه السابق و بقت محافظة نوعا ما على البعض من التقاليد العلمانية السابقة. لقد ظلت العلوم الطبيعة التقليدية بعيدة نسبيا عن التسلط الأيديولوجي إلا أن العلوم الإنسانية والاجتماعية تراجعت كثيرا. لهذا بقى النشاط العلمي الإيراني على علاقاته العالمية بعد الثورة دون أن يتأثر كثيرا و استمرت البعثات الطلابية إلى الولايات المتحدة و الغرب عموما. و لا تختلف الثورة الإيرانية عن أي ثورة مؤدلجة في محاولة الاستثمار السياسي للعلوم في المجالات التي يهدف لها تطلعها الأيديولوجي.
التقدم الصيني الهائل الذي حدث بعد التخلص من الثورة الثقافية المؤدلجة لم يبنه التطبيل و الدعاية الجوفاء لتاريخهم المجيد، بل الذي بناه هو التخلص من الأدلجة المتزمتة و الانفتاح على العالم و السوق الحر. الباحث الصيني الآن لديه مختبرات وكتب و مؤسسات نشر صينية، ومؤسساته العلمية على صلة مستمرة بأشهر مؤسسات العلوم و التكنولوجيا في العالم، و هناك علاقة ما بين ما تنتجه البحوث و ما تتبناه التكنولوجيا. هناك أربعة عناصر مترابطة في النمو الصيني وهي النمو الصناعي والنمو العلمي و النمو الاقتصادي، إضافة لعامل مهم وهو القدرة البشرية الهائلة و قابلية الفرد على تقبل الأفكار الحديثة، حيث لا يوجد تعارض ما بين الموروث التقليدي و الحداثة. هذه العناصر تبين أن النمو الذي حققته الصين نموا حقيقيا مترابط العناصر و ليس نموا مؤدلجا أو بهدف ادعاء التحضر و المعاصرة.
النشاط العلمي يعتمد على عدة عناصر مثل توفر الدعم المادي والنمو الاقتصادي والحرية الفردية و الاجتماعية والقدرة على الخلق و الإبداع. بالإضافة للتأثيرات الفردية للحرية على الفكر الإنساني المبدع فان الحرية الاجتماعية تدعم الاندماج العلمي عالميا و تساعد على التكامل العلمي ما بين الدول. أما علاقة الحرية بالإبداع فإنها ضرورة ملحة و تطمح المجتمعات المعاصرة على تربية أجيالها على الإبداع وعدم التقليد .
إن الكثير من المجتمعات العربية تعتبر من أغنى المجتمعات ذات الثروة الطبيعية، ورغم أن الجانب الاقتصادي واحد من عناصر النمو العلمي إلا انه ليس كافيا لخلق بيئة علمية منتجة. قد يتمكن العرب من استجلاب المختبرات و الأساتذة الأجانب وإنشاء مراكز البحوث و..، ولكن لن يتمكنوا من خلق بيئة علمية منتجة بدون حرية فكرية وتربية مدرسية تربي روح الإبداع وتخلق مجتمعا منفتحا. إن طبيعة الموروث التقليدي للفرد ما تزال مناهضة للتحديث حتى لدى الكثير من العلميين. مثل هذه الظاهرة المحبطة غير موجودة في المجتمعات الصينية و اليابانية.
بالإضافة للأمثلة التي يمكن استخلاصها من التقرير فان ظاهرة الارتباط ما بين الحرية و التطور تم تشخيصها في تطور العلوم عند العرب خلال الفترة مابين 700م-1000م، و كذلك تطور العلوم في الغرب بعد عام 1400م تقريبا.  النمو العلمي العربي البسيط  الذي ذكره التقرير هو الآخر ناتج الحرية النسبية التي عاشها العرب بعد اندحار التسلط العثماني مطلع القرن العشرين وظهور المؤسسات الحديثة ولكن التأثيرات الفكرية لفترة الانغلاق العثمانية ما تزال ذات سلطة اجتماعية هائلة تعيق الفكر الحر حتى الآن. لقد تمكنت تركيا من الحد من تأثير الفكر العثماني المغلق، وهذا ما قادها إلى نمو قدرهُ التقرير ب5.47. رغم التقبل النسبي للمجتمعات العربية لهذه المؤسسات العلمية الغريبة عنها إلا أن هذه المجتمعات ما تزال غير قادرة على التعامل مع العلم ومؤسساته بكفاءة.
لقد جاء تسلسل النمو العلمي العربي في الشرق الأوسط خلال الثلاثين سنة الماضية كما يلي مع مؤشر النمو:
عمان 3.29
الإمارات العربية المتحدة 2.7 (هناك عدة مؤسسات حديثة لدعم البحوث العلمية)
لبنان 1.88
الأردن 1.7
سوريا 1.52
اليمن 1.31
قطر 1.22 (تأسست فيها عام 1995 مؤسسة قطر و هي مؤسسة راعية و داعمة للبحوث العلمية)
الكويت 1.06
مصر 1.0 (أقدم دولة عربية من مجال العمل العلمي)
البحرين 1.0
المملكة العربية السعودية 0.96
العراق 0.47 (تأثير الوضع السياسي).
إن معظم الناتج البحثي العربي هي عبارة عن أعمال أكاديمية يجريها طلبة البحوث لكون مؤسسات البحوث العربية تجربة حديثة في معظم الدول العربية. و مع زيادة الأكاديميات العربية تزداد البحوث. مثل هذا النمو البحثي و النمو في النشر العلمي لا يعني نموا مماثلا في الإنتاج الصناعي والتطبيقات لهذه البحوث. كما لم يصاحبه نموا اقتصاديا ملازم للتطبيقات. إن هذا النمو لا يعدو عن كونه نموا منفصلا لا تأثير اجتماعي له. الدول العربية عموما تعاني من انفصال كبير ما بين المؤسسات الأكاديمية و البحثية والصناعة لكون الصناعة مستوردة أساسا وليست ناتجا محليا. لذلك يبقى الانجاز البحثي دائما معزولا و أكاديميا فقط و من ثم لا قيمة محلية له.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20102

لقد أثبتت حقائق التاريخ بأن الازدهار الحضاري لا يمكن أن يتم صدفة وإنما نتيجة ظروف معينة. إنه أشبه ما يكون بناتج تفاعل كيماوي يحتاج ظروف معينة و شروط خاصة لكي يتم. وقد عكف الكثير من الباحثين على دراسة هذه الظاهرة الحضارية في المجتمع البشري  . وأهم ما يمكن الإشارة إليه بالإضافة للعامل الاقتصادي هو دور الحرية الاجتماعية و عدم الأدلجة في بناء الحضارة.  تقدم سجلات التاريخ شواهد على ذلك فالمجتمع الإغريقي القديم لم يكن مقيد فكريا  وأطروحاتهم الفلسفية خير دليل. والحضارة العربية الإسلامية الغابرة كانت كذلك.  لقد كان العرب ما بين 700-1000  ميلادية أقرب للعلمانيين المعاصرين سواء كانوا في بغداد أو الأندلس أو القاهرة.  و هذا هو سر النهضة العربية الإسلامية اليتيمة. اندثرت هذه الحضارة و حتى يومنا هذا بسبب الأغطيات الإيديولوجية الدينية التي لم تكن موجودة بشكلها الصارم أيام النهضة اليتيمة. التنوع الفكري و الديني و القومي في تلك الحقبة الزاهرة مماثل لما هو عليه الآن في المجتمعات المتطورة المعاصرة .
كانت ملامح العلمانية الأولى أساس نهضة العرب الوحيدة، و العلمانية ذاتها أساس نهضة الغرب الآن، لذا على المجتمعات العربية الإسلامية أن لا تتوقع أية نهضة بعيدا عن المجتمع العلماني.  لم تتطور تركيا الحديثة إلا بعد اختيارها طريق العلمانية و لم تتطور ماليزيا  إلا بسبب نظامها العلماني.  لقد قادت العلمانية والحرية الغرب إلى التطور الحضاري و إلى سيطرته على الكثير من جوانب الحياة المعاصرة. الغرب ليس غبيا عندما يطمح لفتح مجتمعه ليكون متعدد الثقافات (Multi culture society). الغرب لا يريد أن يدمر مجتمعاته بالتعددية الفكرية و الدينية ، بل يدرك أن هذا التعدد و الاختلاف هو عنصر قوة لديمومة التحديث. التعدد الاجتماعي و الانفتاح على الآخر  والحرية الفكرية هي السر وراء بناء الحضارة ، لذا تطمح هذه المجتمعات إلى بناء الفرد المعاصر الذي يستطيع تقبل الآخر فردا كان أو فكرا. المجتمعات المغلقة فكريا لا تستطيع تقبل الآخر و لا تستطيع تقبل ما لا يسود اجتماعيا، مثل هذه المجتمعات لا يمكنها الاندماج عالميا ولا يمكنها بناء حضارة،  لذا فان سر البناء المعاصر هو الفرد الاجتماعي المعد إعدادا خاصا ليحيا زمنه الحالي و المعقد، و لكن كيف يُبنى الفرد المعاصر؟ إن علم الاجتماع يهتم بالشخص (Person  ) وليس الفردIndividual  وذلك أن الشخص هو الفرد الذي تفاعل اجتماعياً وأصبح كائناً اجتماعياً. وبذلك يكون التفاعل الاجتماعي مابين الأشخاص مجالاً أساسيا و مهما في علم الاجتماع. الشخص أو اللبنة الاجتماعية يمتلك حرية القيام بأفعاله ضمن الضوابط الاجتماعية، فهو يملك احتمالية كبيرة و واسعة لتحقيق الفعل. لكي يكون الفرد عضوا في المجتمع (شخصا) فإنه لابد وأن يخضع لعملية التأنيس (Socialization)  و بذلك يكون قادر على التفاعل الاجتماعي ( Social interaction ) . إن التأنيس يعني أن عضو المجتمع قادر على التفاعل مع الأعضاء الآخرين ويستجيب اجتماعيا وليس للدوافع  الذاتية فقط. عملية التأنيس تسير بشكل طبيعي للفرد من خلال نموه و تطوره اجتماعيا. حرية الإرادة ميزة مهمة يجب توفرها في اللبنة الاجتماعية و الحرية هنا هي المساحة المسموح  للفرد العضو التحرك فيها اجتماعيا. إن مفهوم الحرية الاجتماعية مفهوم نسبي ومهما تقلصت هذه الحرية فإنها تبقى موجودة و لا يمكن إلغائها مطلقا  (حتى مجتمع العبيد يتمتع أفراده بنسبة من الحرية المحدودة جدا) لكن حرية الإبداع لابد أن تكون من السعة بما يتجاوز حرية العبيد بكثير،  وهذه الحرية هي ما يكفلها المجتمع لأبنائه. حرية الإرادة هذه هي ما تظهر من خلاله فردية اللبنات الاجتماعية، وهي ما تشكل الحركة المتغيرة دائما في المجتمع. على أية حال إن الدول المتطورة تهتم كثيرا ببناء أفرادها و يمكن  بيان ملامح البناء فيما يلي:
خلق مواطن صالح للمعيشة في الظروف الاجتماعية المعاصرة بتغيراتها، أي خلق مواطن محلي معاصر. منذ مراحل التعليم الأولى يتعلم الطفل التعامل الاجتماعي وحدود حريته وطريقة التفكير والتعامل مع الآخرين وفهم الأديان الموجودة في مجتمعه وليس عقيدته الخاصة، لأن معظم المدارس ذات توجه تربوي عام. إن الإعداد هو إعداد تطبيقي و ليس نظري، و طريقة التعليم ليس طريقة الكتاتيب التي تعتمد الحفظ الأصم بل المناقشة و النقد. وحتى العلوم الطبيعية يدرسها الطالب الصغير من وجهة نظر دورها في مجتمعه مثل البيئة و الطاقة النظيفة و استهلاك الطاقة و هو بذلك يعرف فائدتها التطبيقية المباشرة. خلق مواطن يمكن أن ينتج و يعمل بالمواصفات التي يحتاجها مجتمعه، على المستوى المهني يسير الطالب في دراسته بالاتجاه الذي يختاره و الذي يمكن من خلاله أن يوفر له فرص أكبر في سوق العمل. سوق العمل يلعب دورا كبيرا في اختيارات الطالب و كذلك في توجيه المناهج الدراسية و البحوث، و سوق العمل مرتبط بمنظومة الحياة المعقدة وتلعب الصناعة و التكنولوجيا دورا كبيرا فيها.  إبعاد المدارس عن خلق جيل مؤدلج قوميا كان أو دينيا أو سياسيا. هذه الاتجاهات تترك للعائلة و الفرد، وبذلك يكون الجيل المنتًج غير مشحون ضد الآخر و ذي مرونة فكرية عالية في تقبل التحديث الذي هو الهم الأساسي لديمومة المجتمع و تطوره، والولاء الوحيد هو للوطن و كسب المواطنة لا يحتاج أدلجةَ فكرية صارمة. و لما كانت الظروف المحلية و العالمية دائمة التغير و التطور اجتماعيا و تكنولوجيا فإن منظومات التعليم تعيش نشاطا فاعلا دءوبا في تطوير مناهجها و أساليبها التعليمية وبصورة مستمرة.  من هذا يتضح الابتعاد عن أدلجة المجتمع و خلق أفراد ضيقي الأفق في مجتمعات ذات تنوعات عرقيه و دينيه مختلفة.
خلال القرن العشرين حصلت الدول العربية على استقلالها السياسي و طمحت في البناء.  و كان البناء الأول هو بناء مؤسسات دولة وليس بناء مجتمع،  لذا اتجهت الحكومات العربية إلى استنساخ ملامح المدينة الغربية المعاصرة. لاشك أن فجوة التخلف الحضاري هائلة أكثر من خمسة قرون لذا واجهت عملية البناء الاجتماعي التحديات التالية:
البناء الاجتماعي غير مؤهل لطفرة خارقة يتجاوز بها تراكمات كل تلك القرون، كما أن الإمكانيات المادية مهما كانت لا يمكنها أن  تساعد في تجاوز هذه الفجوة القاتلة .إضافة لعدم توفر المتخصصين في هذا المجال، حتى الغرب لم يكن ليألف التعامل مع حالة كهذه.
خلال القرن الماضي و الوقت الحاضر كان التركيز وما يزال على ظواهر التحديث الضرورية مثل مراكز البحوث و الجامعات لتوفير الكوادر المهنية و كذلك المستشفيات و المعامل …إلخ. لقد حاولت الدول العربية و الإسلامية أن تكسب مدنها و مجتمعاتها ملامح المعاصرة ، و لكنها خلال هذا الهم الكبير تركت ورائها بنائين مهمين هما:  البناء المعاصر للفرد ليكون شخصا اجتماعيا معاصر و ليس مجرد كادرا مهنيا.
بناء الفرد و نوعيته هو الذي سيعزز و يديم البناء الحضاري الأعلى مثل الجامعات و مراكز البحوث و المؤسسات التكنولوجية و الثقافية.
وليس مجرد تعليم القراءة و الكتابة كافيا لمحو الأمية. إن تعليم القراءة و الكتابة قد يساهم في زيادة الأمية الحضارية. مهارات القراءة والكتابة تساعد على دوام التواصل مع ما هو مكتوب و هنا قد يكون نوع المكتوب مشكلة أكبر من عدم القراءة و الكتابة! ، لذا فإن مفهوم الأمية في المجتمعات العربية لاشك مختلف عن مفهوم الأمية في المجتمعات الغربية، على ذلك يكون البناء التربوي المدروس للمناهج الدراسية و التوعية الثقافية مهم جدا بالإضافة لمهارتي القراءة و الكتابة. إذ لابد من تغيير الثقافة الاجتماعية البالية و المتخلفة.  عليه نجد أن البناء العربي يجب أن يكون باتجاهين، الأول بناء الإنسان و الثاني بناء المؤسسات العلمية المتقدمة، و لكن للأسف اهتمت الدول العربية و ما تزال بالبناء الفوقي أو المؤسساتي دون أن تهتم ببناء الإنسان، و القرى هي المصدر الكبير و الأساسي لهذا الإنسان و لكن الدولة العربية تركته للتربية الاجتماعية السائدة و الغير مناسبة لزمنه الحالي. هذا التناقض في بناء الفرد ما بين المؤسسة التعليمية المكتفية بالمعارف العامة (التي تعتمد المعاصرة) و التربية الاجتماعية البعيدة أساسا عن المعاصرة هو ما يخلق الكثير من الإشكالات الاجتماعية و السياسية. المجتمع العربي يعاني ليس من أمية الأبجدية فقط و لكن من أمية حضارية نتيجة الانقطاع الحضاري المستمر، و الذي مازال يلعب دورا كبيرا في القرى والأزقة العربية بشكل ظاهر و في المدن بصور متفاوتة. التعامل اليومي مع منظومات معاصرة مثل السيارة، الكهرباء، نظام المرور في الشارع، جهاز الدولة، منظومات التعليم  و البحوث، الأنظمة السياسية الأحزاب، البرلمانات، أجهزة الإعلام، المجتمع المتنوع الأعراق ، … الخ من الأنظمة المعاصرة يتطلب دراية و أسلوب تعامل خاص ودور خاص،  و لكن لم يتم تنشئة الأجيال العربية الحديثة عليه. نعم قد تكون هناك مدرسة تحاول أن تقدم شيئا، و لكن عموم المجتمعات العربية بعيدة عن التحديث حتى داخل المدن.  ينشأ الفرد العربي نشأة عشوائية و حسب الموروث الاجتماعي و الديني دون أن يكون له إعداد خاص ليعيش القرن الحادي و العشرين. لهذا السبب و للأسف نجد أن معظم محاولات التحديث العربية مجرد تحديث سطحي لم يصل للقعر و لم تنجز المجتمعات العربية خلال تعاملها بكل المنظومات المعاصرة المذكورة أعلاه أو التي لم تذكر أية كفاءة. إن أي جامعة عربية حديثة وذات أحدث المعدات لن تستطيع أن تعمل بنفس كفاءة جامعة غربية بسبب نوعية الفرد العامل على إدارتها و الطالب الذي يدرس بها، لذا سيبقى التحديث مجرد مظاهر مهزوزة سهلة التراجع و تبقى جهود التحديث بعيدة طالما بقي الفرد البسيط بعيدا عن التوجيه و التربية الحديثة، و هذا لا يتم إلا من خلال تقليص الفرق الحضاري بين المدينة و القرية أو الزقاق و تغيير مناهج التربية و التعليم للأطفال.
© منبر الحرية،11 ماي /أيار 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018