شؤون اقتصادية

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

لابد من وقفة موضوعية جادة لرصد ظاهرة المراكز العلمية ومراجعة أدائها في دول الشرق الأوسط، وفي منطقة الخليج على نحو خاص، حيث راحت مثل هذه المراكز تنتشر كـ”الفطّر” على نحو ملفت للنظر في الجامعات والمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام، ولدى القطاع الخاص في حالات معينة.
المهم في هذا السياق هو الإعتراف بأن هذه الظاهرة صحية وواعدة بقدر تعلق الأمر بإعداد مثل هذه المراكز وبحقول تخصصاتها وتشعباتها التي تمتد لتحتضن مديات واسعة من الحقول العلمية: إبتداءً من دراسات السيرة والسنة النبوية الشريفة، مروراً بالبحوث الإستراتيجية والسياسية، وإنتهاءً بأبحاث التمور وألعاب الأطفال التراثية. ولكن مع هذا التوكيد على فوائد هذا النوع من النشاط، ينبغي رصد جدواه ومعطياته ومخرجاته الواقعية الملموسة تجنباً لتحول مثل هذه المراكز إلى مجرد ” تقليعة ” تعبر عن “حمى” لتأسيس مراكز غير مجدية أو مراكز بأسماء وأقنعة علمية مغرية يراد لها إخفاء الترهل والتغطية على قنوات صرف الأموال وإستحلابها من الرعاة بلا إنتاج حقيقي ملموس يرقى إلى المتوقع والمرجو.
ولكن قبل مباشرة مثل هذه الإستفهامات الحساسة، التي يمكن أن تستثير حفيظة البعض، يتوجب التسليم بحقيقة أن ظاهرة المراكز العلمية التخصصية إنما هي من إفرازات “محاكاة” المؤسسات العلمية الغربية، ذلك أن الأقاليم العربية لم تكن على معرفة وتجربة ملموسة بمثل هذه المراكز، اللهم بإستثناء تجربة قديمة ومنسية، وهي تجربة “بيت الحكمة” البغدادي الذي تاسس على عهد الخليفة العباسي المأمون لرصد وترجمة وأرشفة النتاجات العلمية للأمم الأعجمية، من أجل إفادة رأس الدولة والمختصين في الطب والفلسفة وسواهما من علوم ذلك العصر. بإستثناء هذه الحالة العتيقة والنادرة، لم تشهد حركة الثقافة والعلوم في البلدان العربية مراكزاً من هذا النوع، نظراً لعدم وجود الرعاية Sponsorship أو المؤسسات الأكاديمية والسياسية التي تحتاج إلى مثل هذه المراكز عبر العصور المظلمة بعد سقوط بغداد على أيدي هولاكو خان عام 1258م. لذا يمكن أن نخلص إلى أن هذه المراكز حديثة العهد في منطقتنا لأنها لم تكن سوى صدى للمراكز العلمية الغربية، صدى جاء إلينا بسبب الإحتكاك بالغرب ونتيجة لزيادة أعداد خريجي الجامعات الغربية في الأقطار العربية والإسلامية.
لذا فإن الظاهرة هي نوع من أنواع التشبث بالتقدم العلمي الذي أحرزه الغرب كي يتحقق مثله في الدول العربية. ويبدو أن الإنتشار السريع والواسع للظاهرة في مختلف دول الخليج يتصل بقوة بفوائض الموارد المالية الآتية مع تصدير البترول. لقد حضيت مقترحات تأسيس مثل هذه المراكز العلمية بالدعم والرعاية من قبل الممولين في المنطقة على نحو مشجع، وربما غير متوقع، الأمر الذي يفسر تسابق البعض إلى “إبتكار” الأفكار والموضوعات لتقديمها للرعاة كي تتم الموافقة عليها ويتم تأسيس المركز المطلوب على اسس مالية واعدة. وقد كانت الحكومات العربية (نظراً لإهتمامها التقليدي بالحقول التنموية والعلمية) وراء تمويل مثل هذه المراكز، الأمر الذي حدا (فيما بعد) بالمستثمرين والميسورين من الأفراد والشركات إلى تأسيس ودعم مراكز علمية من هذا القبيل، إما لخدمة مصالحهم وأهدافهم الحرفية الخاصة، وإما من أجل الصالح العام، حيث لاحظت في رصد إحصائي لمثل هذه المراكز ثمة ممولين أرادوا تخليد أسماءهم عبر تأسيس مثل هذه المراكز المختصة بالتراثيات والمأثورات أو بالدراسات الدينية، كنوع من أنواع “الأعمال الخيرية”. ومن ناحية أخرى، حاولت بعض الحكومات التعبير عن رعايتها لأصحاب الكفاءات من حملة الشهادات التخصصية العليا عن طريق تأسيس مثل هذه المراكز على أساس “ضرب عصفورين بحجر”، من خلال إجراء المكافآت والمرتبات السنوية لهؤلاء المتخصصين من ناحية، والإفادة من معارفهم وأبحاثهم على سبيل توظيفها في عملية صناعة القرار السياسي (كنشاط إستشاري)، من الناحية الثانية. أما الجامعات العربية، فقد إضطلعت بمشاريع من هذا النمط المؤسسي، بيد أنها بقيت أدنى مما كان مرسوم لها، ذلك أنها لم ترقَ قط إلى مستوى المراكز العلمية التخصصية ومراكز الدراسات الإقليمية في الجامعات الأميركية والأوربية الغربية عامة. ويرد سبب ذلك إلى إنهماك بعض الجامعات العربية بعمليات التخريج بالجملة، زد على ذلك ضعف التمويل الذي تحظى به مثل هذه المشاريع التي تعد “فرعية” في بعض الأقطار العربية. بل أن مثل هذه المراكز العلمية الجامعية وصلت حداً من التدني أنها صارت نوعاً من “المنفى” للتدريسيين من الجامعيين غير المرغوب بخدماتهم في قاعة المحاضرات، أما لأسباب فردية أو لأسباب سياسية أو لسواها من الأسباب. لذا لوحظ وجود مراكز علمية متخصصة بأسماء كبيرة ولكن بمخرجات مجهرية صغيرة في عدد من الجامعات العربية التي تفتقر أصلاً لما يكفي من الكوادر العلمية الرفيعة القادرة على الإبتكار والأصالة في البحث.
وفي مقابل هذه الحال، برزت ظاهرة الإندفاع الواسع الذي عبر عنه العديد من حملة الشهادات العليا والمتخصصين نحو الإنضمام أو الإلتحاق بمثل هذه المراكز العلمية (في الدول الغنية) نظراً لأنها تقدم المرتبات العالية والإيفادات العلمية المغرية دون الحاجة إلى العمل المثابر لساعات طوال وعلى نحو دوام رسمي، بإعتبار أن المنتمي إنما هو “باحث” لا يحتاج إلى مثل هذه التعقيدات الشكلية. وهكذا صارت بعض المراكز العلمية “لا علمية”، بل غدت نوعاً من أنواع البطالة المقنعة. ومن ناحية أخرى، شهدت وسائل الإعلام حالة من الإنجراف في تيار تأسيس المراكز والنوادي العلمية على  سبيل تجهيزها بالمواد الصالحة للنشر أوللضخ الإعلامي، الأمر الذي يبرر إعلانات الفضائيات العربية وبعض الصحف تاسيس مراكز من هذا النوع، ليس فقط من أجل تحقيق مثل هذه الأهداف، وإنما كذلك من أجل منح وسيلة الإعلام المذكورة مسحة من “الرصانة” العلمية وشيئاً من “الوجاهة” أو السمعة التي قد ترقى بها إلى مصاف (نيويورك تايمز) أو الـ(CNN). بيد أن الملاحظ هنا هو إساءة توظيف مثل هذه العناوين الكبيرة عبر نتاجات أدنى مستوى من المتوقع والمأمول. إن هذا، بطبيعة الحال، ليس بتعميم أعمى لأنه لا ينفي وجود مراكز بحث ودراسات إعلامية متخصصة بدرجة عالية من الجدوى و الفائدة الملموسة.
ولكن من منظور آخر، تبقى حالة هدر الأموال والتغطية على غياب الجدوى العلمية حالة مغرية لمتابع هذا الموضوع في بعض الدول العربية. والدليل هو تحول بعض هذه المراكز العلمية، بأسمائها المبهرجة والكبيرة، إلى مجرد “مكاتب” وسكرتيرات وحواسيب لجمع الغبار. بل أن بعض المراكز التي تعد نفسها أكثر نشاطاً هي تلك التي “تتوج” عملها العلمي بإصدار مجلة أو دورية متخصصة فصلية أو شهرية أحياناً من أجل أن تقدمها للجهة الراعية أو الممولة كتوكيد على نشاط المركز الذي يشبه نشاط وحيوية عمل النحل في بناء خلاياه. ولكن رصد المؤلفات والأبحاث المنشورة في مثل هذه الدوريات يبرهن على أن المركز لا يؤدي ماهو متوجب عليه من دراسات وأبحاث لأنه يستعين بأقلام باحثين من خارج المركز، من هؤلاء الذين يريدون نشر أبحاثهم في أي إناء علمي معتمد أكاديمياً. مثل هذه المراكز كثير للغاية: فعلى الرغم من فوائد أنشطة النشر من هذا النوع، على سبيل  تشجيع حركة النشر العلمي، تبقى المراكز “ستائر” لإخفاء البطالة المقنعة بداخلها.
هذا هو ما يسحبنا تلقائياً إلى ضرورات التمييز بين مراكز البحث العلمي من ناحية، وبين دور النشر من الناحية الثانية. وهذا مأزق طالما أرّق القياديين الأكاديميين الجادين الذين كانوا يريدون للمراكز العلمية التي يؤسسونها أن تكون مراكز بحث علمي بحق (بباحثين جادين ومثابرين، وبمكتبات كبيرة، وبمشاريع علمية مخططة ومدروسة مركزياًُ، بأهداف رصينة ومفيدة)، وليس دوراً للنشر تبحث عمن يضنيه البحث عن الناشر كي تنشر كتابه أو بحثه ضمن سلسلة أوراق أو أبحاث يصدرها المركز، مقابل مكافآت مالية. ومن أجل المقارنة والمقاربة، على المطلع أن يلاحظ أن مراكز البحث الرفيعة في الجامعات والمؤسسات الغربية تخصص أموالاً طائلة وربما أسطورية من أجل إضطلاع باحثيها بدراسات عالية ودقيقة التخصص، ليس من أجل النشر بحد ذاته، بل من أجل تقديمها للراعي (حكومة أو مؤسسة خاصة) على نحو سري أو محدود التداول. بيد أن هذه الظاهرة قلما تحدث في العديد من الدول العربية، نظراً لتباين المنظور (منظور الجهة الراعية) وبسبب تدني المستوى العلمي والدافعية البحثية في حالات عديدة منظورة. بل أنني قد لاحظت، عبر تجارب وزيارات شخصية عديدة أن بعض مراكز البحوث والدراسات “الإستراتيجية”، أن هذه المراكز إنما هي في جوهرها مجرد يافطات للإعلان، لأنها لا تزيد عن مكتب مستأجر في بناية، زائداً موظف او موظفة مع شيء من المرطبات الساخنة شتاءً، والباردة صيفاً.
هنا تكمن المعضلة الجوهرية في ظاهرة “محاكاة” الغرب شكلياً، ولكن بدون محاولة تحقيق ذات النتائج المرجوة من عمليات تأسيس المراكز العلمية المتخصصة لدينا في الأقطار العربية. إن هذه المراكز الموجودة، أو المزمع إقامتها، حيث نتلقى دعوات الإسهام بها هذه الأيام، هي بحاجة ماسة إلى المراجعة الشديدة والدقيقة من قبل الجهات الراعية والعاملين بها أنفسهم على سبيل تفعيلها وإحالتها من مراكز لجمع شحوم الترهل والتكاسل، إلى مراكز مجدية ونابضة بالحياة ترقى بصانع القرار السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي إلى مستوى المرجو من العطاء.
© منبر الحرية، 30 دجنبر/كانون الأول2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

أجريت منذ حوالي عشر سنوات تحقيقاً صحفياً ميدانياً عن “البحث العلمي في سوريا-جامعة تشرين نموذجاً” لصالح صحيفة الثورة السورية التي نشرته في حينه مع ما تضمنه من أرقام وإحصائيات وشواهد وقرائن ولقاءات دلت بمجملها على الحالة المأساوية التي بلغها واقع العلم في مجتمعاتنا العربية، وحجم الخطورة الكبيرة لما يمكن تسميته تجاوزاً “بحث علمي عربي”.. ويومها طرحنا السؤال التالي باستنكار واستهجان شديدين: هل هناك بحث علمي حقيقي في بلداننا العربية؟!..
وقد عدت منذ فترة قصيرة -وعلى نطاق أوسع- لمتابعة واستكمال بعض الأسئلة والمضامين العملية التي طرحناها في سياق إعدادنا لهذا التحقيق، وذلك عندما اطلعت على بعض الأرقام والإحصائيات العربية والدولية التي تحدثت عن أنه ومن أصل حوالي 400 جامعة مرموقة ورفيعة المستوى ومعروفة دولياً لا يوجد اسم لأي جامعة عربية على الإطلاق في مقابل وجود أكثر من جامعة إسرائيلية ضمن التصنيف ذاته.. وهذا ما يجعلنا نستنتج بأن إسرائيل تقوم على العلم والمنطق البحثي العلمي، وليس على الجهل والتخلف، أي أنه ينطبق عليها وصف مجتمع المعرفة بامتياز، بقطع النظر عن توجهات أفرادها ومعتقداتهم المتعصبة وقناعاتهم الأسطورية ، وبصرف النظر عن سياساتها ضد العرب والمسلمين غير المبررة بأي منطق أخلاقي أو علمي أو إنساني..
ونعني هنا بمجتمع المعرفة امتلاك المقدرة الفكرية والعملية على استعمال واستثمار قيم العلم والمعرفة العلمية من أجل إدارة مختلف شؤون وموارد وطاقات المجتمع، واتخاذ القرارات السليمة والرشيدة لتنمية معارف ومهارات الأفراد كقاعدة لعملية التنمية الإنسانية الشاملة، وذلك بالاستفادة من منظومات وحقائق ونظريات العلم المتعددة، ومنها عملية إنتاج المعلومة لمعرفة خلفيات وأبعاد الأمور بمختلف أنواعها.
وقد دفعني ذلك كله إلى توسيع مضمون تحقيقي الصحفي السابق، ومحاولة التقصي عن طبيعة المعرفة البحثية العلمية العربية، وتقديم دراسة فكرية حول واقع البحث العلمي العربي..
ولا بد في البداية من الإشارة إلى أن موضوع مجتمع المعرفة والبحث العلمي ترتبط بالنسبة إلينا –كعالم عربي يقف أمام متغيرات وتحولات سياسية واقتصادية ومعرفية هائلة على بداية القرن الواحد والعشرين- ارتباطاً وثيقاً بتقديم رؤية إجمالية موضوعية عامة عن طبيعة الوضع العربي والدولي وظروفه ومستجداته المتعددة في الحقبة الراهنة التي أصبحنا نتعامل معها من منظور مصطلحات فكرية وعملية جديدة فرضت نفسها على واقعنا بقوة ومن دون استئذان.. الأمر الذي يلزمنا -كنخب مثقفة تبحث عن أيسر وأنجع السبل للبدء بتطبيق مشروع النهوض الفكري والعلمي في عالمنا العربي- بضرورة تحليل ودراسة الاستجابات وردود الأفعال “السياسية-المجتمعية” العربية المتحركة في سياق تكتيكات واستراتيجيات مختلفة تحاول بلورة مواقف وفتح إمكانات عملية متعددة للرد العملي المتوازن والمدروس على تلك المتغيرات والتحديات الخطيرة التي تثيرها تلك الأوضاع والمتغيرات, وذلك بهدف تأمين موقع آمن ومأمون، وبلورة دور فاعل للعرب في المعادلة الكونية والدولية المستجدة والسائدة في عالم اليوم، أو تلك التي يمكن أن تقوم في عالم الغد..
ومن الواضح هنا أننا عندما نتحدث عن قضية الاستجابة أو رد الفعل الجماعي تجاه متغيرات العصر, فإننا نقصد بها -تحديداً- حركية الفعل السياسي العملي.. أي مجموعة السياسات التطبيقية المختصة بإيجاد أنساق ومجالات عمل, وبلورة مواقف مجتمعية وتعزيزها وتطويرها من خلال خلق واستحداث آليات جديدة للعمل تؤمن إرادة جمعية عامة يمكن أن تعمل -في إطار تفعيل تلك الاستجابات- على تقدم المجتمع العربي نحو أهدافه وتطلعاته ومستلزمات وجوده الأساسية في الحياة.
من هذا المنطلق نجد ضرورة ملحة في ترسيم حدود حقيقية وواقعية للوضع العربي المستجد, ودراسة طبيعة التقلبات السائدة على الساحة العالمية كلها بعيداً طبعاً عن المجاملات والرغبويات والظنيات.. على اعتبار أن الانطلاق الفاعل نحو بناء المستقبل والتحكم ببعض مساراته مرهون -إلى حد كبير- بدراسة ظروف وملابسات الواقع الراهن السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبالنظر إلى الحجم الهائل لهذا العمل الفكري، وتعدد عناوينه الثقافية والاجتماعية، وتنوع مواضيعه المعرفية ومساراته العملية، وسعة الأفكار والطروحات المتشعبة التي يمكن معالجتها في سياق طرح مفاهيمي ناقد حر يأخذ فقط بالرقم والقرينة والإحصائية ليبني عليها رأياً وموقفاً نقدياً, فإننا سنكتفي بدراسة الجانب العلمي التخصصي من هذه المسألة المعرفية الواسعة أي من زاوية (البحث العلمي والتقني العربي الحالي)، وذلك من خلال إجراء مراجعة بسيطة لبعض الأرقام والإحصائيات القائمة في بعض مؤسسات ومراكز البحث العلمي العربي التي يمكن أن تعطينا رؤية واقعية عن طبيعة هذا البحث السائد في بلداننا.. ومن ثم سنحاول تحليل تلك الأرقام، واستخلاص العبر والدروس من خلالها, على ضوء مستجداتنا المعاصرة.. لنصل في النهاية إلى التساؤلات الاستنتاجية التالية, ومحاولة الإجابة عليها وفق الإمكانات والمقدمات العملية المتاحة أمامنا.
ونبدأ بطرح الأسئلة المحورية التالية:
–    هل تتوافر لدينا الإمكانيات المادية والمعنوية الواسعة والقواعد العملية والمنهجية المحددة التي يمكن أن نرتكز عليها، ونتحرك على طريقها باتجاه بناء حاضر صاعد ومستقبل واعد.. قبل أن ندرس كيفية تشييد وبناء (هذا المستقبل) والإمساك بناصيته؟!..
–    ثم كيف يمكن أن تعمل أمة من الأمم على امتلاك المستقبل إذا لم تستطع أن تنهض بأعباء ومتطلبات الحاضر الذي يجب أن يشكل -بحد ذاته- قاعدة أساسية لبناء ذلك المستقبل؟!
–    وما هي الاستراتيجيات التي وضعتها أمتنا في لحظتها الراهنة -بما تحمله في داخلها من عوامل الضعف والتخلف والتبعية العلمية- لمواجهة تحديات قيام حاضرها قبل أن تبدأ بالسيطرة على مستقبلها؟!..
– استراتيجية العرب العلمية:
يظهر للمتأمل في واقع الفعل “السياسي-المجتمعي” العربي الراهن, أن ردود فعل الدول العربية عموماً على مخاطر وتحديات العصر المتنوعة والمتسعة والمتحولة, تتسم بالإخفاق والفشل في فهم وإدراك حجم التطورات السياسية والاجتماعية العالمية.. وهذا ما يتجلى بصورة أكبر في فقدان الشعور العملي بضرورة الإسراع في تأمين استجابة الهياكل الوطنية المحلية في عالمنا العربي للحجم الواسع لمجمل تلك التطورات التي قد تظهر في الحاضر أو في المستقبل.. ولا تعني هذه النتيجة (أو هذا الحكم شبه المعياري) أن الوطن العربي قد بقى خارج نطاق دائرة التأثر بتلك الأحداث الكونية الجسام، لكنه بدأ بالعمل, جدياً, على مستوى تطبيق سياسات جديدة في شتى ميادين العمل اليومي كله.. لكننا نجد أن معظم تلك السياسات -التي مثلتها مسيرة الإصلاح في معظم الدول العربية- مليئة بالتعثر والتخبط والتشتت, ولم تعط النتائج المطلوبة منها حتى الآن. فمثلاً على صعيد البحث العلمي والتقني (وهو موضوعنا الأساسي هنا) لاحظنا على الدوام –من خلال استقرائنا لمجموعة البيانات والاستبيانات المسجلة والمتوفرة حول هذا الموضوع- أن هناك أزمة علمية واضحة تظهر في غياب منظومة عربية متكاملة لنقل المعرفة والخبرات, واستغلالها في ميدان التنمية الفردية والاجتماعية وفي مجال التطوير التقني والتكنولوجي.
وعندما نراجع كل أدبيات العمل البحث العلمي العربي في الوقت الحاضر -الخاصة بدراسة مشاكل البحث العلمي وتحليل واقعه القائم حالياً- نلاحظ أن تلك الأدبيات تكاد تجمع في تقاريرها الخاصة والعامة على خمسة أمور أساسية، هي:
الأول: انخفاض عدد الباحثين العلميين الحقيقيين المشتغلين بالبحوث العلمية العربية بالمقارنة مع الدول المتقدمة ومع المعدل الوسطي العالمي نفسه.
الثاني: هشاشة وضعف البنية المؤسساتية والعلمية العربية بصورة عامة، وعدم قدرتها العملية على تحقيق أدنى معدلات الاستجابة الفاعلة والمؤثرة للتحديات التقنية الهائلة.
الثالث: ضعف المستويات الأكاديمية على صعيد قبول الطلاب في الجامعات, وضعف مستويات الترقية بالنسبة لأعضاء الهيئة التدريسية، وعدم موضوعيتها، وقلة المشاركة المنتجة في المؤتمرات الدولية من أجل الاستفادة وتبادل الخبرات والنتائج العلمية، وسرعة تطبيق الاستخلاصات والاستنتاجات والانتفاع بها.
الرابع: نقص مردودية الباحث العربي، وتخاذله عن البحث والعمل نظراً لقلة تعويضه وحافزه المادي والمعنوي، حيث أن الكثير من هؤلاء الباحثين –إن لم نقل كلهم- ينظرون إلى البحث العلمي من زاوية أنه فرصة لتحسين أحوالهم المعيشية وتأمين متطلباتهم الحياتية، وهذا من حقهم طبعاً، ولكن بشرط أن تكون لبحوثهم نتائج ميدانية عامة على صعيد خدمة مجتمعاتهم.
الخامس: سيطرة الشكليات والبيروقراطية، وانتشار الفساد في داخل الجسم العلمي العربي كنتيجة طبيعية للفساد العريض والشامل الذي يضرب أطنابه في داخل البنية السياسية والاقتصادية الحيوية لبلداننا العربية. ومن أبرز مظاهره الواضحة والصريحة هي في إيفاد كثير من الباحثين غير المؤهلين وممن لا تنطبق عليهم أدنى شروط الإيفاد العلمية إلى المؤتمرات والندوات وورشات العمل التي تنظمها كثير من الدول المتقدمة، ليس من أجل تقديم بحوث علمية جديدة، أو الاحتكاك بالتجارب العلمية الخارجية للاستفادة منها في الداخل، وإنما يكون الهدف من تلك الإيفادات الحصول على المخصصات المالية، والسياحة في بلدان جديدة على نفقة الدولة.
أرقام وإحصائيات:
قدر بعض الباحثين عدد العاملين في مؤسسات البحث العلمي العربية عام 1984 بـ(31118) باحثاً.. وإذا أضفنا إليهم عدد الباحثين من الجامعيين ويقدر عددهم بـ (10) بالمائة من عدد العاملين في سلك التعليم العالي, حصلنا على 81113 باحثاً وهو ما يعطي نسبة 2.7 باحث لكل عشرة آلاف من اليد العاملة. وهي نسبة ضئيلة إذا ما قوبلت بمثيلتها في الولايات المتحدة وهي 66% واليابان 58% وبريطانيا 36% وهي تمثل 44.6 عالماً لكل مليون نسمة من السكان.. ويبدو هذا الانخفاض في عدد الباحثين العلميين عندنا واضحاً إذا نظرنا إلى توزيع القوة البحثية العالمية.. فهي تتوزع على ميادين خمسة رئيسية: 36% للعلوم الطبية, 24% للعلوم الزراعية, 22% للعلوم الهندسية, 8% للاقتصاد والتجارة, ومن خلال هذه النسب نجد أن هناك غياباً كبيراً, ونقصاً واضحاً للعمل البحثي في ميادين العلوم الأخرى وبخاصة العلوم الاجتماعية والإنسانية (الأنثروبولوجية).
إننا نلاحظ في هذا المجال (فيما يتعلق بنوعية مؤسسات البحوث العلمية الموزعة في الجامعات العربية المختلفة) أنه على الرغم من المحاولات الجادة والخطوات الحثيثة التي قامت بها بعض البلدان العربية لدعم إنشاء وتوسيع وتطوير مراكز ومؤسسات التقنيات العلمية البحثية الحديثة, لا تزال تلك المؤسسات تعاني أشد المعاناة وتعصف بها الأزمات تلو الأزمات، وتواجه مشاكل وتعقيدات نظرية وتطبيقية كبيرة في شتى المواقع تتكدس بمجملها في وجه تقدم إنتاجيتها العلمية والاجتماعية, وتمنعها من الانطلاق المثمر والعمل المنتج والمؤثر على مستوى ضرورة وجود انعكاسات اجتماعية عملية للبحث العلمي تساهم بقوة في بناء المجتمع وتطوره وتقدمه نحو الأمام.
– معوقات البحث العلمي العربي:
بالنظر إلى ما تقدم من أرقام وتحليلات، نتساءل عن حجم تلك المشاكل والمعوقات التي تواجه مسيرة البحث العلمي العربي؟! وبالتالي ما هي مقومات ومستلزمات قيام بحث علمي عربي متكامل؟!..
في الواقع يمكننا أن نتحدث عن أهم تلك المشاكل والتحديات في النقاط التالية:
1-    غياب سياسة علمية واضحة ومتوازنة ومتسقة يمكن أن تنظم عملية البحث العلمي لتركز الأولويات، وتوجه الموارد, وتستثمر الطاقات والقدرات المتاحة والمتوافرة حسب سلم الأولويات الموضوع.. إذ انه لا يكفي أن تخصص الدول العربية جزءاً محدداً من موارد إنفاقها الأساسي (في ميزانياتها السنوية التي تضعها في نهاية كل عام عن العام الذي يليه) للقيام باستثمارات علمية في ميدان البحث العلمي فقط، ولكن لابد من دراسة ومعرفة أفضل الأساليب وأنجع الطرق للاستفادة من هذه الاستثمارات في شروطنا ومناخاتنا السياسية والاجتماعية السائدة بين ظهرانينا.. وطبعاً نحن يجب أن نبحث باستمرار, لكن ذلك مرتبط بسؤال أساسي وجوهري هو : لماذا نبحث, ولمن نبحث, وما هي أسس وركائز هذا البحث؟! ويبدو واضحاً أمامنا هنا أن السياسات العلمية لمعظم الدول العربية غير قادرة -في كثير من الأحيان- على إعطاء إجابات مقنعة على ذلك السؤال أو تحديد أهداف وغايات واضحة ومجدية للبحث العلمي بشكل عام, وفي مختلف المجالات والميادين.. كما أنها (تلك الدول) لا تزال شبه عاجزة –بالرغم من كل التقدم الحاصل في هذا الملف الخطير- عن تحديد أساليب ووسائل وآليات عمل مناسبة لبناء الأداة والقاعدة البشرية والصناعية لتحقيق تلك الأهداف والطموحات الكبيرة (وفي مقدمتها بناء مستقبل وجيل علمي عربي قادر على تلبية احتياجات وجوده الحيوي، والإيفاء بمتطلبات الحياة المتسارعة والمتطورة).. لذلك من الطبيعي جداً -والحال هذه- أن يسود الوسط البحثي العلمي العربي جو انعدام الوزن والتخبط والفوضى, والتردد, والافتقار للتراكم والتقدم والتطور والوعي.
2-    ضحالة الموارد ونقص الإمكانيات المخصصة للقيام بالبحوث العلمية.. حيث تشير آخر الأرقام والإحصاءات المتوافرة في هذا المجال إلى أن حجم الإنفاق العربي العام على بحوث التطوير العلمي والتقني قد بلغ عام 1992 (800) مليون دولار, وهذا المبلغ لا يزيد على 0.016 من الناتج القومي الإجمالي, وهو أدنى المعدلات في العالم الثالث كله. وتبلغ هذه النسبة حوالي 1.05% في البلدان النامية عموماً و3.4% في البلدان التابعة لبعض المنظمات العالمية.. أما الولايات المتحدة, وبحسب تقرير المؤتمر القومي السابع, فإنها تخصص أكثر من 225 مليار دولار للبحث والتطوير.. أي نحو 300 ضعف ما تخصصه البلدان العربية مجتمعة على أساس نصيب الفرد الواحد. كما وتخصص إسرائيل ما مجموعه 6 مليارات دولار للبحث العلمي سنوياً في جامعاتها ومراكز بحوثها العلمية.
3-    وهن (و ضعف) استراتيجيات التحديث العربية, وعدم توازنها وعدم فاعليتها واتساقها.. لأن الأصل في التحديث والتطور العلمي أو الحداثة العلمية هو في بناء استراتيجية حقيقية ناجحة تعظم من الاستثمارات العلمية المفيدة في كل ميدان: (تكوين رأس المال الاقتصادي والعلمي والتقني والفكري والروحي والاجتماعي، وتحرير الشعوب والجماعات والأمة من الخوف والاستلاب والجمود والامعية والاقتداء والاستزلام والمحسوبية والشعور بالضعف والنقص والدونية).. وهذا الأمر يتناقض تماماً مع الواقع القائم في المجتمعات العربية حالياً.
ولا يخفى أن نشير هنا إلى أن سيطرة هذا المناخ السلبي المناقض لبديهيات شروط نمو ونشوء البحث العلمي, قد أدى -وسيؤدي في المستقبل أيضاً- إلى هدر وخسارة مبالغ طائلة وإساءة استخدام واستثمار الأموال العربية التي ازدادت في الآونة الأخيرة نتيجة زيادة أسعار النفط ووصوله إلى حدود قياسية.. فقد قدرت دراسة حجم الإنفاق المالي على الخدمات الاستشارية التي قدمتها المكاتب والشركات الأجنبية للدول العربية بنحو 23 مليار دولار في عام واحد هو 1979.. (راجع تقرير لجنة استراتيجية تطوير العلوم والثقافة في الوطن العربي) (ص 129-130)، وقد ازدادت هذه النسبة أخيراً بشكل كبير ملفت نتيجة الاعتماد الكلي على التقنيات والبحوث العلمية المستوردة من الدول الأخرى.
4-    انعدام الحريات الأكاديمية والفكرية العامة في المجتمعات العربية, وعدم توفر المناخ السياسي الملائم للإبداع والحداثة العلمية والاقتصادية بإطلاق حريات الأفراد وتوفير إمكانيات المشاركة الفعلية أمامهم سواء من النخب العلمية أو من مختلف قطاعات الشعب الأخرى, لان ملاحم التقدم والازدهار العلمي والتقدم التقني وامتلاك المستقبل ترتبط حلقاتها وتتسع -في كل التاريخ البشري- لجهود الجميع في مناخ من المساواة والحرية والعدل والأمان الجماعي والحس الوطني الواعي والهادف.
5-    عدم وجود سياسات تربوية علمية فعالة وناجحة تقوم بتنشئة الأجيال على مقدمات ومعطيات البحث والتدقيق والاهتمام.. لأن نشوء وقيام وازدهار بحث علمي حقيقي في مستقبل الأمة -أية أمة- مرتبط أشد الارتباط بطبيعة التنشئة الاجتماعية لأجيال تلك الأمة. وفي هذا الإطار يجب أن تؤدي الأسرة دوراً فاعلاً في تنشيط الطاقات الإبداعية والإنتاجية لدى أبنائها وتوجيهها الوجهة العلمية السليمة على صعيد الاهتمام الجدي المسؤول بروحية العلم والبحث العلمي ودوره الهام في الحياة الإنسانية. ولكن أين نحن من هذا الهدف الكبير طالما أن الأسر عندنا مهمومة ومشغولة بتأمين أدنى متطلبات وجودها الآدمي (من مأكل ومشرب وملبس ومسكن).
6-    ضعف وتفكك المجتمع العلمي والتقني العربي وفي أحيان كثيرة عزلته عن النشاط الوطني العام, وضعف مراكز المعلومات وخدمات التوثيق والمكتبات, وعدم توافر المناخ الملائم للعمل البحثي, وانتشار البيروقراطية, وقلة الحوافز المادية, والتبعية العلمية والتقنية للخارج, وضعف البنيات الأساسية للحراك الاجتماعي والاقتصادي العربي الذي يفترض أن يشكل -من حيث المبدأ- القاعدة الصلبة لقيام البحوث العلمية.
وهذا الواقع السيئ والمأساوي سيفضي لا محالة إلى استنكاف الباحثين عن العمل وبالتالي حدوث نقص كبير في الإنتاج العملي من حيث المردود النوعي والكمي معاًُ, حيث نلاحظ -في هذا المجال- أن إنتاج العلماء العرب يقف عند حد 0.4 بحث في العام.. أما فيما يتعلق بالإنتاجية العربية مقارنة مع الكيان الصهيوني (التي تبلغ ميزانية البحث العلمي لديها حوالي 6.5 مليار دولار سنوياً) والدول المتقدمة الأخرى, لا يزيد الناتج العربي على 0.9 بالمائة من الناتج الإسرائيلي، وأقل من ذلك -بالتأكيد- بالنسبة للدول المتقدمة الأخرى.
وتشير إحصائيات اليونيسكو إلى توفر حوالي تسعة  آلاف عالم وفني في ميدان البحوث والإنماء في الوطن العربي في عام 1973, وكان على هؤلاء أن ينشروا -إذا استخدمنا المقاييس الدولية للأداء- ما بين 4000 و8000 بحث سنوياً, بينما لم ينشر الباحثون العرب إلا 847 بحث أي بمعدل إنتاجية أقل من 10% من المعدل الدولي.. وهذا يعني أن هناك حاجة لعشرة باحثين عرباً في المتوسط لإنتاج ما ينتجه باحث واحد في المتوسط الدولي.
وبالنظر إلى ذلك فإننا نؤكد أن هناك هوة واسعة –تتزايد يوماً بعد يوم، حيث الآخر يتقدم بسرعة، ونحن نراوح مكاننا أو نتقدم أحياناً ببطء شديد- بين العمل الجدي الحقيقي المنتج والمطلوب وبين ما هو منتظر من الإمكانات والمواهب البشرية العاملة في ميدان البحث والتطوير من العلماء والأكاديميين الباحثين في المؤسسات العلمية العربية.
ولذلك إذا أرادت مجتمعاتنا العربية –والقيمين عليها من القادة والنخب- أن تفتح مسارات وطرقاً واسعة لها باتجاه امتلاك زمام المبادرة الحضارية في المستقبل        -وبالتالي المساهمة الفعالة في بناء وتطوير الحضارة الإنسانية- فعلى نخبها وقياداتها (من مفكرين وسياسيين وعلماء دين) أن تعيد الاعتبار مباشرةً للعمل المؤسساتي, ولدولة القانون والعدل.. دولة الموازنات والخطط التنموية الشاملة التي ترعى -بصدق ومسؤولية- العلم والعلماء، وتتيح عملية المشاركة في صنع القرار، وتقوم بتنمية الثروة بالإدارة العلمية الكفية, وتجعل من العلم والبحث العلمي المبدع رافعة للدولة والمجتمع على أساس أولوية العلم على المال، والوعي على تكديس المال والثروة, وذلك باعتبار أن هناك طاقة وقيمة حضارية مختزنة في ذات العلم تضع المال والثروة في خدمة هذا العلم الذي يخطط بطاقته, ثروة ومال الأمة.
إن التحديات والأخطار القائمة حالياً كبيرة جداً, وهي ستزداد في مقبل الأيام، ولا سبيل إلى فهمها ومواجهتها –الآن وفي المستقبل- إلا بانتهاج طريق العلم والمعرفة العلمية المتوازنة التي يجب أن تدفعنا جميعاً -بحكم ضعفنا وانهيار مناعتنا الذاتية- إلى إعطاء القيمة الكبرى للعلم والبحث العلمي، وما يستحقه من عناية واهتمام، وبناء الإدارة العلمية الأخلاقية، وابتكار أساليب جديدة لتنشئة الأجيال العربية على عشق العلم الهادف، وتنمية حس المبادأة، وروح المبادرة والبحث والتنقيب والسؤال لديها.
إننا نعتقد أن البحث العلمي العربي المنشود هو أحد العناوين المشرقة التي يمكن أن تمنحنا -من خلال تفعيل أدائها ودعمها وفتح المجالات أمام خبراتها للانطلاق والمساهمة في بناء الإنسان وتنمية المجتمع- القدرة على المضي قدماً في عملية النهوض الحضاري لعالمنا العربي، وامتلاك المستقبل بالارتكاز إلى رؤية حضارية علمية تعتمد على إعادة النظر في تنظيم آليات الانبعاث, وأنماط الإيقاظ المستمرة لفكر الإنسان العربي, وتعميق إدراكه ووعيه بطبيعة التغيرات الكبيرة الحاصلة في العالم, وتهيئته لها نفسياً ومادياً, وهذا الأمر يتطلب التركيز الدائم على إجراء البحوث الاجتماعية الإنسانية نفسها, لأنها القادرة على كشف ذات الإنسان ومحتواه الداخلي وفهم تشكيلاته وأبنيته الاجتماعية, وبالتالي تربية الأجيال الشابة وإعدادها للمستقبل من خلال توفير مناهج علمية (تربط العلم بالأخلاق الإنسانية) وتأمين وسائل علمية متطورة.
والأمة التي تريد أن تنتج أو تبدع شيئاً جديداً أو تضيف عناصر جديدة مفيدة للحياة والإنسان، هي الأمة التي تحترم شعبها وجماهيرها وتقدر كفاءاتهم ومواهبهم وإبداعاتهم الفكرية والعلمية.. إنها الأمة التي تعي حقيقة مقدراتها وثرواتها الطبيعية والبشرية، وتقوم بتوجيهها الوجهة الصحيحة على صعيد العمل والممارسة الإبداعية وربط الأهداف بالنتائج المثمرة، وبما يخدم تطلعاتها وأهدافها العالية والطموحة في قيام الإنسان الذي هو أساس الحياة ومنطلق الوجود.
إنني أرى أن مستقبلنا هو رهن لفعلنا وعملنا في الحاضر.. إنه ثمرة أعمالنا وحصاد ما نزرعه في لحظتنا الراهنة التي يجب أن نعمل فيها على تغيير أوضاعنا من الداخل، وتحسين مواقعنا ومضاعفة جهودنا, وفهم دورنا في العالم, وتكثيف مساهمتنا في المسيرة الإنسانية العالمية, وانفتاحنا على الآخرين بوعي وثقة ليكون لنا موقع ودور في الحضارة الحديثة وذلك من خلال ضرورة الوقوف المتأمل أمام الثوابت الفكرية والمعرفية للأمة والاهتمام النقدي الصحيح بنسيجها وبنيانها التاريخي الحيوي.
ومن خلال ذلك يمكن أن تحدث عندنا يقظة حضارية أو انبعاث حضاري عربي حقيقي مثمر قد نمتلك عبره بعض معالم السيطرة على المستقبل. ولاشك أن ذلك يمر في طريق ممارسة النقد والمراجعة لكثير من حساباتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية كما ذكرنا, بحيث يؤهلنا -هذا النهوض أو الانبعاث الحضاري المستقبلي- أن نكون (كأمة تملك موارد ومواهب وطاقات وافرة) معادلة متوازنة ومتكاملة في وجودها مع المعادلات الأخرى.. ولاشك أن السبيل الوحيد إلى ذلك هو تغيير ما بالنفس كأساس لتغيير ما بالواقع.
© منبر الحرية، 13 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20101

إن قصة المجاعة المألوفة تحدّق ثانية بشرق أفريقيا. ومرة أخرى، تتناول القمة العالمية للأمن الغذائي التي عُقدت قبل أيام أعراض هذه المجاعة، وتغفل أسبابها. فأحد هذه الأسباب هي السنوات المتعاقبة من الأمطار الشحيحة؛ فالقلة القليلة من المزارعين الأفارقة يمتلكون أنظمة للري. ففي أثيوبيا على سبيل المثال، تعتمد 90% من الزراعة على مياه الأمطار. ولكن كثيرا ما يتعرض المزارعون في أنحاء أخرى من العالم إلى موجات من الجفاف ومع ذلك فهم يتجنبون المجاعة.
قبل عام 1800، كانت المجاعة سببا رئيسا للموت في شتى أرجاء العالم. وكانت معظم الشعوب تعيش من الزراعة. فقد كانوا ينتجون ما يكفيهم من الغذاء وبعض الفائض عندما تكون الظروف ملائمة. أما إذا ما ساءت الأحوال، فيستهلكون ما ادخروه. وفي حال استمرار الأحوال السيئة كانوا يلقونَ حتفهم من الجوع.
لقد تغيّرت هذه الحلقة ببطء  في أوربا الغربية بعدما ازداد التمدن، وأصبح الأفراد يتخصصون في تصنيع بعض البضائع والمتاجرة بها مع أفراد آخرين متخصصين في مجالات أخرى. فازداد الإنتاج وأدت المنافسة إلى الابتكار وتضاعف المخرجات. فارتفع الإنتاج الزراعي بشكل كبير في المحصلة وانخفضت نسب المجاعة.
بيد أن مجاعة أيرلندة منذ عام 1845  إلى 1852، ومجاعة فنلندة منذ عام 1866 وحتى عام 1868 تشكلان استثناءا لتلاشي هذه الظاهرة في أوروبا في القرن 19. و تجد ومجاعتي فنلندة و أيرلندة  سببهما في الحكومات القمعية التي تقيد حقوق الأفراد في امتلاك الأراضي والتجارة.  فأدت الزراعات المعيشية المصحوبة بالمرض وسوء الأحوال الجوية إلى مقتل مئات الآلاف من الناس.
منذ عشرينيات القرن الماضي، سجّلت معدلات الوفيات العالمية الناجمة عن المجاعات المرتبطة بالجفاف تراجعا كبيرا بنسبة 99.9%. ما هو السبب؟ التخصص المتواصل والتجارة هما اللتان ضاعفتا كميات الطعام المنتج للفرد الواحد، ومكّنتا الناس في الأقاليم المعرّضة للجفاف من التنوّيع، ليصبحوا أقل عرضة للمجاعة. ولكن في أفريقيا، حيث تقوم الحكومات بمنع حرية حركة وانتقال البضائع والأفراد، وحيث حقوق ملكية الأرض مقيّدة جدا وغير مؤمنَّة، لم تبقى للأفراد سوى فرص ضئيلة لكسب قوت يومهم الهزيل. وأثيوبيا هي المثال الأبرز على ذلك: فالحكومة هي المسؤول الأول عن تكرار تلك الكوارث.
في عام 1975، قامت الدكتاتورية الاشتراكية بقيادة مينغيستو هايل مريم بتأميم كافة الأراضي الزراعية في أثيوبيا، معرقلة ً بذاك نظام الملكية المعقد والشائك، فضلا عن تقويض عملية تمليك الأراضي الناشئة. كان الهدف المعلن هو حيازة الأراضي من المالكين الإستغلايين، و منح الفلاحين حقوق استغلالها، وخلق تعاونيات زراعية لغرض إطعام الشعب، وإبقاء الناس خارج المدن.
ولكن هذه السياسة فشلت فشلا ذريعا. فقد تم استبدال الاستغلال بالقمع. ففي غياب الحوافز لتطوير الأرض، تراجع الناتج تراجعا حادّا، ناهيك عن منع التجارة وتجريمها. وفي ظل مينغيستو، لم يُسمح للمزارعين بتخزين المحاصيل وتوفيرها لأوقات الشدّة، ولا بتوفير المال المتأتي من مبيعاتهم. ولم يُسمح للمقاولين بنقل الغذاء وتوجيهه إلى المناطق التي هي في أمس الحاجة إليه. فقد اعتبرت جميع هذه الممارسات ممارسات رأسمالية مضادة للاشتراكية. وعندما ضرب الجفاف البلاد عام 1983، كما يفعل دوريا ، لم يكن بوسِع الملايين من الناس أن يجدوا كفافهم من الطعام، فلقي مئات الآلاف حتفهم جوعا.
فهل تعلّمت حكومة ميليس زيناوي، رئيس وزراء أثيوبيا منذ عام 1991 دروس عام 1983؟
لم تدخل حكومة ميليس تغييرا ملموسا على سياسة مينغيستو في ملكية الحكومة للأراضي. فبموجب دستور عام 1995 ضل للمزارعين الحق في استخدام الأرض دون الحق في امتلاكها. لذا لم يكن بمقدورهم رهن أراضيهم؛ أي أنهم لم يستطيعوا الحصول على قروض معقولة لأجل رفع إنتاجهم من المحاصيل (من خلال البذور الجيدة  والأسمدة والمبيدات والري، الخ)، مما جعل معدلات الفائدة المترتبة على القروض التي حصلوا عليها عالية جدا.
كما أنهم لا يستطيعون بيع أراضيهم والانتقال بحثا عن فرص اقتصادية أفضل. فليس أمام العائلات سوى أن تقسّم الأرض التي يستخدمونها إلى قطع أصغر فأصغر لتوزيعها على البالغين من الأبناء. وهذا بدوره أدى إلى مجموعة من العواقب الوخيمة: توجّب على العائلات استنفاذ مدّخراتها أو بيع ممتلكاتها الأخرى من أجل البقاء؛ كما أن التقسيم المتواصل أدى بصورة مباشرة إلى تدهور البيئة و انخفاض المحاصيل الزراعية مما فاقم مشكلة الجوع. وأخيرا، لم يكن مسموحا للمزارعين الأكفاء بالتملك وإنشاء مزارع أكبر وأكثر أنتاجا.
والأسوأ من ذلك هو الحد المتعمد من الهجرة إلى المدن من طرف الحكومة. لماذا؟ تدّعي الحكومة، من خلال الحد من الهجرة إلى المدن، أنها قلقة بشأن النمو الحضري “الفوضوي”. ولكنها تتخوّف في الحقيقة من تزايد الناس في العاصمة أديس أبابا الذي سيصعب عليها عملية إخماد الاحتجاجات وإسكاتها، والتشبث بالسلطة السياسية. فعندما يُمنع الناس من الانتقال إلى المدن، فهم بذلك يُمنعون من السعي وراء الفرص الاقتصادية واستخدام مواهبهم في إقامة المشاريع – وهو الشيء الذي يحتاجه الناس عندما لا يكون بمقدورهم إعالة أنفسهم وعائلاتهم من خلال الزراعة.
إن إجبار الناس على البقاء مجرد مزارعين صغار، وحرمانهم من استغلال الفرص المحتملة في المدن، وإجبارهم على الهجرة، وجعلهم يدمرون الأرض من خلال تقسيمها إلى حصص صغيرة، هي سياسات حكومية سيئة، وليست طقسا سيئا.
كان من الممكن تفادي مأساة العام الحالي عبر سياسات مختلفة، بتحويل ملكية الأرض التي تملكها الحكومة إلى الذين يحرثونها، وإزالة القيود المفروضة على التجارة والتنقل. لقد أن الأوان لتحسين وضع الفقراء لمنع المآسي المستقبلية.
* جوليان موريس هو المدير التنفيذي لشبكة السياسة الدولية، و كارول بودرو هي زميل أبحاث أقدم وباحثة قيادية في مشروع إنتربرايس أفريكا! في مركز ميركاتوس في جامعة جورج ميسون بأمريكا.
© منبر الحرية، 23 نوفمبر/تشرين الثاني2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

لا أتصور أن الإشارة إلى حالة اهتراء واضحة في واقعنا، أو توصيف حالة سلبية قائمة في أي مكان أو زاوية من مواقع حياتنا بالأمر الصعب، ليس فقط بسبب كثرة السلبيات والمشاكل والتحديات المثارة هنا وهناك، وإنما أيضاً بسبب استمرار واستدامة وجودها، وعدم وجود إرادة حقيقية وسعي جدي حثيث لدى المسؤولين وأصحاب القرار وصناع السياسات العرب لتداركها ومحاولة احتواء نتائجها وتداعياتها ومخاطرها المستقبلية على أكثر من صعيد، ولذلك من الطبيعي جداً أن يعاد تسليط الضوء النقدي عليها بشكل وبآخر وبين الفينة والأخرى..
مناسبة هذا الحديث هو خبر تناقلته وكالات الأنباء حول إعلان جوائز نوبل للفيزياء والكيمياء الحيوية و الاقتصاد و غيرها ، والتي كانت نتائجها –كما درجت العادة- تصب في خانة وصالح الباحثين والعلماء والجامعات الغربية عموماً في كل من أمريكا وأوروبا..
والسؤال النقدي المطروح هنا، الذي قد يظنه البعض نوعاً من الجلد غير المبرر للذات الجماعية: لماذا هذا الغياب العربي الكامل عن المواقع العلمية الدولية؟!.. وأين يكمن جذر العطالة في تراجعنا وانكفائنا عن سيرورة التحولات البحثية العلمية الدولية؟.. هل السبب ثقافي عميق أم سياسي طارئ؟! أما أن السبب يكمن في سيطرة الثقافة المتعصبة على عقول أفرادنا ومجتمعاتنا ودفعها لهم باتجاه تبني خيارات أقصوية حادة فكراً وممارسةً؟!
إنها أسئلة إشكالية كبيرة تمس صلب معاناتنا ومشاكلنا اليومية العربية، وينبغي على الدوام إعادة طرحها والتأكيد عليها، ومحاولة تقصي جذورها الفكرية والميدانية، واستخلاص العبر والدروس.. ليس بسبب عدم حصول أسماء عربية (نشأةً وتعليماً) على أية جائزة دولية خاصة بالبحث العلمي من نوبل ومن غير نوبل (ونحن لا نعيش عقدة نوبل ولا عقدة غير نوبل، حيث سبق للعاِلم العربي أحمد زويل الذي دَرَسَ ودرّس في جامعات أمريكا منذ الستينات أن حاز على هذه الجائزة عن جدارة واستحقاق)، وإنما خطورة السؤال تنطلق من عدم وجود أجواء علم وبحث علمي صحيح في عالمنا العربي المثقل بالانكسارات والهزائم، ومن عدم وجود قاعدة بحثية أو تقاليد علمية عربية صلبة ومتماسكة حتى الآن، ومن عدم وجود تنسيق عربي علمي فعال حتى الآن، ومن عدم وجود إرادة علمية عربية جدية حتى الآن، ومن عدم وجود استراتيجية علمية عربية واضحة المعالم حتى الآن، ومن هشاشة وضعف البنية المؤسساتية والعلمية العربية، وعدم قدرتها العملية على تحقيق أدنى معدلات الاستجابة الفاعلة والمؤثرة للتحديات التقنية الهائلة، ومن نقص مردودية الباحث العربي، وتخاذله عن البحث والعمل العلمي الدقيق، نظراً لقلة تعويضه وحافزه المادي والمعنوي، وقلة المشاركة المنتجة في المؤتمرات الدولية من أجل الاستفادة وتبادل الخبرات والنتائج العلمية، وسرعة تطبيق الاستخلاصات والانتفاع بها.
فالكل عندنا –في عالمنا العربي، للأسف- يستهلك وقته في السياسة العربية الرثة والمتخلفة والبدائية بتياراتها وشجونها وتعقيداتها وإشكالاتها وتقلباتها وحرتقاتها التي لا تنتهي، وأما الآخر (غير العربي)  فتراه يفكر ويعمل ويتحرك وينطلق ويؤسس ويبني ويحقق نتائج ميدانية مفيدة ملموسة (سياسية وغير سياسية) تزيد من قدرة البشرية على تطوير وجودها النوعي العملي في هذه الحياة، حياة اليوم وحياة الغد.
من هنا اعتقادنا بأن ضخامة تلك السلبيات القائمة والمفضية إلى تدني الحالة العلمية العربية عموماً، بالرغم من وجود نتائج طيبة على أكثر من صعيد تظهر فقط عندما يذهب الباحث العربي ليدرس ويبحث في الجامعات الغربية، ليحقق حضوراً قوياً منتجاً.. أقول إن كثرة تلك السلبيات التي نحاول تناولها من زاوية النقد، والإشارة المباشرة إلى حجم الأخطاء التي يمكن أن تنتج عنها وتتفشى من خلالها في غير موقع من حياتنا الاجتماعية والعملية والفكرية، ينبغي ألا يجعلنا ندخل في دائرة الإحباط واليأس، بل من المهم دائماً لفت النظر إليها والتأكيد على أنه ليس لنا من غاية من طرحها سوى إظهار مدى خطورتها المستقبلية على حياتنا، والمساهمة –مع من هم في سدة القرار والمسؤولية العملية- في إيجاد حلول عملية واقعية لها.. فالتبرير ليس من شيمنا، كما أن جلد الذات ليس من أهدافنا.
© منبر الحرية، 28 أكتوبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

أكثر ما يحفل به حاضرنا العربي المعاصر ودون شك، هو حالتا التخوين والتكفير اللتان ترهقان الفضاء الفكري وتحدان من سلطة العقل وحقه في التفكير الحر الذي يفكك بنية الوعي المولّد للتكفير و التخوين إلا ما استند على دليل ظاهر.
ولكن المتفحص لحالات التخوين التي تتم في العالم العربي، والمدقق في مفردة خيانة واستخدامها الحالي ، لاشك سيلحظ اقتصار نمط التخوين على حالتين اثنتين : أولهما التعامل مع العدو بالنسبة لمن تعامل وعمل جاسوسا لصالح العدو بحق.
وثانيهما: اتهام السلطات للمعارضين لها بالتعامل مع الخارج وتلقي معونات خارجية. ويقابلها من الطرف اّلآخر اتهام المعارضين للمثقفين المستقلين ولمن يخالفوهم في الرأي بالعمالة لصالح السلطات.
لن نناقش في هذا المقال الدوافع التي تجبر السلطات والمعارضات العربية على اتهام المخالفين لهما بالخيانة، لأنها في جذرها تعود إلى غياب الأرضية الديمقراطية اللازمة.
ولكن سنناقش امتناع السلطات العربية وأبواقها الإعلامية قاطبة، والمعارضات على اختلاف أشكالها والمثقفين والشعوب نفسها على إطلاق عبارة الخيانة على حالات الفساد التي يتم كشفها، علما أن حجم الضرر التي يتسبب به هؤلاء الفاسدين يكون في أحيان كثيرة أفجع وأفدح وأكثر ضررا مما قد يسببه “الخونة” بالمعنى الأول.
أليس تخريب اقتصاد الوطن خيانة ؟
أليس سرقة أموال الوطن خيانة ؟
ألا يخون المؤتمن على أموال البلاد والعباد ثقة من أمنوه؟
خطر الفساد عندما يكون في مراكز حساسة لا يقل عن خطره عن حالات الخيانة والتجسس لصالح العدو، وخاصة عندما يصل الأمر إلى مرحلة الإفساد المتعمد، تحقيقا لمصالح شخصية ضيقة، وأحيانا ربما يكون الهدف الخفي هو تخريب واضح وممنهج للاقتصاد الوطني ، الأمر الذي يجعل من الحالة “خيانة وطنية بامتياز”!
ولكن رغم ذلك لا نجد من يطلق على الفاسدين، صفة الخيانة، لا من قبل السلطة التي تحاكم هؤلاء الفاسدين، ولا من قبل الإعلام الذي يسرد وبالتفصيل الممل فسادهم، ولا من قبل المعارضات التي تشنف أذاننا ببياناتها الصاخبة ضد الفساد والمفسدين، ولا من قبل المثقفين الذين يعتبرون “ضمير الأمة ورسلها”، ولا من قبل الشعب نفسه الذي يحصد نتيجة ما يزرع هؤلاء المفسدون.
السؤال المربك : هو لماذا لا يتهم هؤلاء بالخيانة؟ ما لسبب؟
للوهلة الأولى يبدو الأمر طبيعيا، وغير ذي أهمية، إذ يكفي القول أنهم مفسدون وهذا يفي بالغرض، ولكن تدقيقا ما في الحالة سيكشف ما هو أدهى وأعظم، لأن خلف الأكمة ما خلفها!
نبدأ من السلطات التي تحاكم هؤلاء الفاسدين، فهي لا تطلق عليهم صفة الخيانة، لأنها بإطلاقها الصفة المذكورة، يعني أنها تطلقها على نفسها، لأن الشخصيات التي تحاكم بتهم الفساد “دائما” هي شخصيات تربت في بيت السلطة وضربت بسيفها، و هي التي سمحت لها بالفساد والإفساد المتعمد من أجل تسهيل مهمتها في الحكم، ليصبح “الجميع مدانون تحت الطلب”، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن العديد من الشخصيات الموجودة في السلطات العربية وما تزال تمارس عملها، هي شخصيات معروفة بفسادها وإفسادها، وامتلاكها لأموال غير مشروعة، الأمر الذي يعني أن إرداف صفة الخيانة بمن يحاكم بتهمة فساد، هو توجيه التهمة نفسها وبطريقة غير مباشرة لمن مازال يمسك بزمام الأمور، الأمر الذي ينتزع من أيدي السلطات العربية، أهم سلاح تشهره في وجه معارضيها. هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن السلطات المذكورة لا تقدم على محاكمة أي شخصية من شخصياتها بتهم فساد لأنها تنوي مكافحة الفساد، إنما تحقيقا لهدف معين يخدم مصلحتها، وهو ما بيناه في مقال سابق منشور على هذا الموقع تحت عنوان : الفساد والسلطة والديمقراطية.
هنا نجد أن امتناع السلطات عن إرداف صفة “الخيانة” بمن تمت محاكمته بتهم الفساد، ليس عبثيا أو نتيجة غباء ما ، إنما هو أمر مدروس وممنهج، كي لا تطالها الخيانة، وتصبح كمن يشرب من سُمّا طبخه بنفسه!
ولكن المحيّر هو عدم انتباه المعارضات العربية في العالم العربي كله لهذا الأمر، إذ رغم اتهام السلطات لها دوما” بالعمالة والخيانة”، لم تسع يوما لأن تفكك ذلك المصطلح، وتعيد تركيبه بشكل فكري ممنهج لرد التهمة إلى أصحابها الحقيقيين، الأمر الذي يعكس أوجه قصور هذه المعارضات وعدم نضجها، وعدم قدرتها على الخروج من حالة “الأدلجة” التي حصرت نفسها بها، إذ تعكس أغلب بياناتها مراهقة فكرية تؤكد عجز هذه المعارضات عن تشكيل نموذج يمكن أن يشكل حالة تشي بأمل ما.. حيث مازال تفكيرها محصورا بنطاق السلطة والوصول إلى الحكم، دون أن تكلف نفسها العمل على قضايا المجتمع والفساد، أي مازالت تطفو على السطح، ولم تسع لتأسيس حالة شعبية عن طريق اهتمامها بالثقافة والفكر وقضايا الناس، إضافة إلى أن المعارضات نفسها تعيش فسادا معنويا من نوع آخر، وهو الفساد السياسي الذي يجعلها تناور”سياسيا” فقط دون أن تسعى لتشكيل جذر حقيقي معارض في المجتمع، أي تسعى مثلها مثل السلطات الحاكمة لأن تلعب على تناقضات المجتمع من أجل الوصول حتى لو أدى ذلك إلى خلخلة روابط المجتمع المفككة أصلا.
وهنا حال التصاق مفردة الفساد بالخيانة، سيجعل التهمة موجهة إلى المعارضة نفسها التي تتحاشى أن توسم بها، الأمر الذي يجعل من السلطة والمعارضة وجهان لعملة واحدة.
أما على الصعيد الشعبي، فيبدو الأمر معقدا جدا، حيث أضحى الشعب في أحيان كثيرة من خلال منظومته الفكرية التقليدية (التي تسعى السلطة وأعوانها إلى تكريسها) عاملا مساعدا على الفساد ، رغم أنه المتضرر الأكبر، حيث وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها الفساد بنيويا، وأصبح الشعب نفسه يدافع عنه ويكرسه، حيث استطاعت السلطات أن تجعل من الجميع مشاركا ومساهما بشكل أو بآخر، الأمر الذي يعني وسم الفساد باسم الخيانة أمر غير مستحب لدى الشعوب السائدة بسبب الوعي المشوه الذي تم زرعه عبر عملية غسل دماغ مستمرة منذ عقود، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، نلحظ أن ثقافتنا العربية عموما مبنية وقائمة على التخوين الذي فرضته الإيديولوجيات الشعبوية، والتكفير الذي فرضته الأصوليات الإسلامية، ومابين إيديولوجية التكفير وإيديولوجية التخوين يبدو الوعي العربي محاصرا بفخ يصعب الفكاك منه، حيث تعلم المواطن العربي أن التخوين يمكن إطلاقه على المخالف في الرأي وعلى المعارض وعلى كل من يسعى لخلخة البنى السائدة المكرسة للوعي المأزوم هذا.
الأمر الذي يعني أن الخيانة في الوعي المأزوم هذا تبدو ثقيلة جدا، لذا يتحاشى الوعي الشعبي إطلاقها على الفساد لأن الكل مشارك بهذا الفساد، الأمر الذي يعني أن هذا ينطبق عليه.
وهنا نلحظ ذلك الازدواج المرعب في الثقافة العربية، هذه الثقافة التي تتحاشى إطلاق صفة الخيانة عندما تمسها، وتطلقها بسهولة على من يختلف معها في الرأي، وهذا أصعب ما في الظاهرة وأعقدها، إذ يغدو الأمر مركبا، فالمتضرر من الفساد هو الذي يدافع عنه، ولا يكتفي بذلك بل يخترع”ايديولوجيا” تشرعه وتقدم له المسوغات اللازمة لنموه واستمراره.
من هنا لا يمكن فصل محاربة الفساد، عن توجيه النقد العنيف لكل البنية الثقافية المولدة لتلك الأنظمة (سلطة ومعارضة وإعلام ووعي شعبي زائف) التي استطاعت أن تلعب وتناور وتبني قلاعا داخل مدن خصومها، ليصبح المتضرر هو المدافع عما يسبب تضرره دون أن يدرك ذلك.
© منبر الحرية 16 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

بات الممر المائي الهام في البحر الأحمر منطقة حساسة تتلاقى عبرها مصالح خطوط التجارة لقارات العالم القديم (آسيا- أفريقيا- أوروبا) و فوق ذلك ساحةً للبارجات والسفن العسكرية للدول النافذة في العالم، ووجود هذا العدد المتزايد من القطع العسكرية الأجنبية له تأثير خطير على الأمن الإستراتيجي للجزيرة العربية والقرن الأفريقي اللتان تتقاطع مصالحهما في هذه المساحة من العالم. وعلى اعتبار أن مضيق باب المندب يربط بين ثلاث قارات، ويزداد الاهتمام العالمي به منذ القديم، وخصوصاً بعد حفر قناة السويس عام 1869 ثم ظهور البترول وتزايد التجارة العالمية، ثم يأتي المستطيل البحري الممتد من خليج عدن والواصل إلى شواطئ جيبوتي في الأهمية التالية، ومع هذا التفاوت في الأهمية إلا أن منطقة البحر الأحمر الجنوبي برمتها تظل محل تطلع عالمي.
وأنتقل تحديداً إلى جنوب البحر الأحمر المتحكمة في مضيقه –باب المندب- اليمن وجيبوتي وإلى حد ما الصومال، والمعروف أن اليمن والصومال هما صاحبتا أكبر إطلالة مباشرة على المياه الإقليمية في خليج عدن، ويمتلكان سواحل بحرية طويلة؛ فلليمن 2800 كلم على البحر الأحمر والعربي والصومال 3500 كلم على البحر الأحمر والمحيط الهندي. وتمضي الأهمية الجيوسياسية لمنطقة جنوب البحر الأحمر إلى تأكيد أهمية كلاً من اليمن والصومال اللتان يرتفع لديهما مؤشر التهديد كلما ازدادت احتمالات العسكرة الأجنبية في البحر الأحمر، وبالتالي فإن اليمن يصبح في صدارة الاستهداف كون الصومال غارق في الفوضى منذ العام 1991، الأمر الذي يضع كثيراً من التكهنات والاستفسارات عن ثمة أحداث دراماتيكية قادمة تضع هذا المستطيل البحري في صدارة الأحداث.
وتصير الجزيرة العربية والقرن الأفريقي هما الشق الآخر المتأثر مما يجري لدى اليمن والصومال، فاليمن يقع في الكفة الجنوبية من الجزيرة العربية وبالتالي فهو الحامي الجنوبي للخليج العربي بعد تدمير العراق الحامي الشمالي وما يجري في الصومال سينتقل بتأثيره إلى البقية في القرن الأفريقي، في حين أن الأحداث المكوكية –عمليات القرصنة- في السواحل اليمنية والصومالية سيتجاوز الجزيرة والقرن الأفريقي إلى التجارة الدولية المستفيدة من سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وسلامة آبار النفط في الجزيرة والقرن الأفريقي، ويأتي تكهن أساسي أن التجاهل الدولي للحرب الأهلية في الصومال ثم عمليات القرصنة الناتجة عن الفوضى الصومالية مفاده إيجاد مبرر لفرض وجود عسكري أجنبي في البحر الأحمر –وهو بحر عربي- يكون له ما بعده، حيث ستكون المنطقة برمتها عرضة مباشرة للإملاءات والسيناريوهات القادمة من الدول النافذة التي يروق لها انتقاص –أو انتفاء- السيادة العربية –خصوصاً اليمنية- على مياه وجزر البحر الأحمر.
واليمن منذ وقت باكر كان يدعو إلى جهود جماعية تقف على ما يجري في جنوب البحر الأحمر، واستدعت دواعي الحرص على الأمن والسلم اللذين يتوجب توفرهما في البحر الأحمر والقرن الأفريقي إلى جهود يمنية حثيثة كانت وراء ميلاد تجمع صنعاء بإيجاب وتعاون سوداني أثيوبي عام 2002 يدعو ميثاقه التأسيسي إلى انضمام دول جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي، حيث وصل المشاركون خمسة دول (اليمن، السودان، إثيوبيا، الصومال، جيبوتي) في القمة الأخيرة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بالعاصمة السودانية الخرطوم. واليمن عموماً -بغض النظر عن ما يمكن أن يقدمه له تجمع صنعاء أم لا- كانت عرضة لتأثر والتأثير بما جرى من أزمات وتوترات في هذا الجزء من العالم، يمكن وصفها في التالي:
أولاً: الحرب التي دارت بين إثيوبيا وإريتريا من العام 1998 إلى العام 2000 وإثره توصل الطرفان (الاريتري- الأثيوبي) إلى قرار يرسم الحدود بينهما بناءاً على توصيات لجنة مستقلة لترسيم الحدود بينهما في العام 2002..
ثانياًُ: النزاع اليمني الإريتري في العام 1995م بشأن أرخبيل جزر حنيش الإستراتيجي الواقع على البحر الأحمر، وقد حسمت محكمة لاهاي النزاع بين الطرفين بأحقية اليمن لجزرها التاريخية.
ثالثاً: القضية الصومالية التي ابتدأت بحالة انتهاء الدولة منذ العام 1991 ومروراً بحكم الإسلاميين وانتهاء بالغزو الأثيوبي المنسحب مؤخراً.
وجراء تلك الأحداث كانت الأراضي اليمنية تستقبل موجات من النازحين من البلدان الثلاثة –الصومال واثيوبيا واريتريا- وخصوصاً اللاجئين الصوماليين الذين تجاوزت أعدادهم الستمائة لاجئ صومالي.
ناهيك عن أن الفوضى الصومالية قد أسفرت عن ظاهرة القراصنة التي تركت للتداعي، الأمر الذي يفتح المجال للتكهن عن وجود أجندات خارجية تقف وراء التزايد والاتساع الملفت لعمليات القرصنة التي قد تجاوزت البحر الأحمر إلى المحيط الهندي وسواحل كينيا والسواحل اليمنية في البحر العربي. ويحذر معهد “شاتام هاوس” في اكتوبر 2008 بأنه لابد من التعامل مع القراصنة، إذ أن انعكاسات ارتفاع التكلفة ستؤدي بالسفن إلى تجنب الإبحار في خليج عدن لتسلك الطريق الأطول عبر أوروبا وأميركا الشمالية ورأس الرجاء الصالح.
ويفضي القلق والتساؤل المتراكم منذ دخول منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر في حلقة أحداث أمنية ومواجهات عسكرية وأخيراً عمليات القرصنة التي أسفرت عن تداعي عشرة دول أوروبية في حلف الأطلسي لإرسال قواتها البحرية لمواجهة القراصنة إلى القول بأن مخاوف اليمن القديمة بخصوص مايجري في المنطقة كانت طبيعية. فقد كرراليمن نداءاته لأميركا والعالم الغربي (وحتى العالم العربي والخليجي تحديداً) بضرورة مكافحة القرصنة ومنذ وقت باكر، ناهيك عن تأكيداتها منذ سنوات الفوضى الصومالية الباكرة أن ذلك سيخلف تداعيات وانعكاسات على المنطقة برمتها.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

في غرفة الإجتماعات الملحقة بمكتب رئيس المخابرات الأمريكية كانت جميع المقاعد حول المائدة البيضاوية مشغولة بعددٍ من كبار رجال الوكالة وعددٍ آخر من أكبر الشخصيات البترولية التي جاءت على طائراتٍ خاصة من ولايتي تكساس وكاليفورنيا للمشاركة في هذا الإجتماع الهام والذي بدأ في موعده تماماً عندما لحق بالمجتمعين رئيس الوكالة.
بدأ الإجتماع بمقدمة ملخصة عن أسعار البترول وعلاقاتها بالأحداث السياسية الكبيرة والهزات النفسية في العالم منذ الصدمةِ البترولية الكبرى التي جاءت كنتيجةٍ لنقص الإمدادات في أواخرِ 1973 وطيلة سنة 1974. جاء إستعراض موجات إرتفاع وإنخفاض الأسعار وخلفيات ذلك السياسية والنفسية موجزاً وعلى أعلى المستويات.
بعد هذا العرض المبدئي الموجز ، أخذ رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في الإستماع لوجهة نظر كل من الحاضرين ولكن قرب النهاية كان واضحاً أن أكثر ما نال إعجابه هو عرضٍ موجز لرئيس شركة بترول عالمية كبرى عندما قال: “خلال السنوات الثلاثين الماضية إنتقلت مجموعة الأوبك من تزويد العالم بثلثي إحتياجاته في مرحلةٍ ثم بنصف إحتياجاته في مرحلةٍ تالية والآن فإن مجموعة الأوبك لا تزود العالم إلاِّ بثلث إحتياجاته من البترول الخام فقط. رغم هذه الحقيقة الكبيرة والتي ترجع لخططٍ دقيقة وُضعت لجعل إنتاج الدول غير الأعضاء بالأوبك (اليوم) ضعف إنتاج دول الأوبك .. وذلك بتكثيف عمليات البحث في غرب إفريقيا وتنمية حقول جمهوريات آسيا الوسطى وغير ذلك .. رغم هذا العامل المهم ورغم زيادة الإعتماد على الغاز الطبيعي في مجالاتٍ عديدةٍ ورغم وجود تقنية حديثة تسمح بإستخلاص وقود وسائل النقل من الغاز وليس من زيت البترول الخام .. رغم كل ذلك فلا تزال أسعار البترول عُرضة للإرتفاع أو الإنخفاض الشديدين ليس أساساً بسبب المتغيرات التي تطرأ على مستوى الطلب وإنما في المقام الأول بسبب عوامل نفسية تتعلق بإحتمالات تعرض مصادر الإمدادات البترولية للخطر. إذاً لو بقينا نعمل في نفس الإتجاهات كما فعلنا منذ الصدمة الكبرى من ثلاثين سنة ، فلن يفيدنا ذلك كثيراً. المطلوب الآن إجراء جديد وهو في وجهة نظري وجود منتج ثاني لا مثيل له إلى جانب المنتج الكبير الأوحد الذي لا مثيل له اليوم. إننا نسمي السعودية منذ ثلاثين سنة Swing Producer أي المنتج الوحيد الذي يستطيع أن يجلس على (المرجيحة) فيغير توازنها. طالما بقى هذا المنتج (بضمة فوق الميم وسكون فوق النون وكسرة تحت التاء) الوحيد بمفرده فستبقى أمور أسعار البترول على نفس الحالة: إرتفاعات مهولة نتيجة مخاوف حقيقية من تعرض مصادر زيت البترول الخام لما يمكن أن يجعلها معطلة أو شبه معطلة)”.
ثم أضاف نفس المتحدث: “والآن بالذات فإن السعودية تشهد قلاقلٍ كبيرة بسبب ما أسميه حرب النظام مع الجناح المتطرف من الثقافة الوهابية والتي هي في الأساس قاعدة شرعية النظام. وليس من المستبعد أن تزداد القلاقل وتحدث هجمات على الحقول أو وسائل التخزين أو خطوط الأنابيب أو تسهيلات الشحن مما يعرض العالم بأسره لهزةٍ عظمى. إن إحتياجات العالم اليوم من زيت البترول الخام هي ما بين 70 و74 مليون برميل يومياً .. وتنتج دول الأوبك ثلث هذا الحجم المطلوب .. وتنتج السعودية وحدها ثلث مجمل إنتاج مجموعة الأوبك. وإذا كانت السعودية تنتج ما بين 8 و9 مليون برميل في اليوم فإن معظم دول الأوبك تنتج ما بين 1 و3 مليون برميل يومياً .. أي أن هناك هوة شاسعة بين الدولة التي تحتل المرتبة الثانية (إيران) والدولة التي تحتل المرتبة الأولى (السعودية). وهذا هو مصدر مصطلح Swing Producer”.
وأنهى المتحدث الذي كان واضحاً أنه حاز الإعجاب الشديد لرئيس وكالة الإستخبارات الأمريكية كلامه قائلاً: “إن أمامنا اليوم فرصة تاريخية وهي أن نصل بإنتاج العراق خلال خمس سنوات إلى أكثر من 6 مليون برميل يومياً فيصبح في العالم لأول مرة منتج كبير ثاني Second Swing Producer يستطيع أن يعوض إحتياجات العالم إذا تعرضت الإمدادات الواردة من السعودية للتوقف بسبب عدم الإستقرار.
رفع رئيس المخابرات الأمريكية رأسه وسأل الحاضرين: “هل من الناحية التقنية تستطيع إحتياطيات العراق إنتاج 5 أو 6 مليون برميل يومياً؟” فأجاب الحاضرون في نفس واحد: “بكل تأكيد”. أما المتحدث الذي كان قد نال إعجاب رئيس الوكالة فقد أضاف: “نعم وبكل تأكيد من الناحية الفنية وبشرط أن تكون الإعتبارات السياسية والأمنية لا تعوق ذلك”. عندئذٍ أثار أحد الحاضرين سؤالاً هاماً: “إن تحقيق ذلك يحتاج لمدة من ثلاث إلى خمس سنوات .. فما العمل إذا إنهارت الأوضاع الأمنية في السعودية وتسبب ذلك في كارثة قبل أن تصبح العراق ذلك المنتج الذي سميناه Second Swing Producer أي المنتج الأكبر الثاني؟”. توجهت عيون الحاضرين إلى وجه وعيني رئيس الوكالة الذي لم يجب وإنما إستدار بوجهه وعينيه ناحية مساعد وزير الدفاع والذي كان حاضراً الإجتماع … وكانت النظرة كافية للدلالة على ما في رأسه!!!
وقبل نهاية الإجتماع ، أثار أحد الحاضرين من الوكالة سؤالاً كان يدور بذهن كثيرين من الحاضرين: “وهل للسعودية دور في تجنبِ حدوثِ كارثة المدى القصير (أي إنخفاض إمدادات البترول من السعودية بسبب تدهور الأحوال الأمنية وهي كارثة بالنسبة للعالم) .. وكذلك كارثة المدى الطويل (وهي إنخفاض صادرات البترول السعودية وعدم إهتمام العالم بذلك لوجود بديل وهو العراق وهو ما يعني إنهيار الإقتصاد السعودي تماماً)؟!” .
أجاب عن هذا السؤال أحد الحاضرين وهو باحث مرموق بأحد مراكز البحوث قائلاً: “من الناحية النظرية تملك السعودية الحل على المدى القصير والمتوسط والطويل وهو إقدامها على طلاق كامل مع الفكر الوهابي وسند هذا الفكر وتغيير المرجعية الدينية إلى مختارات معتدلة من كافة المذاهب الإسلامية وإلقاء الإتفاق الذي تم في القرن الثامن عشر بين آل سعود وآل الشيخ في متحفِ التاريخ. عندئذٍ فقط سيكون هناك حل وبمبادرةٍ سعوديةٍ – ولا تسألوني عن إحتمالية حدوث ذلك .. فأنا ببساطةٍ لا أعرف.
هل حدث هذا الإجتماع؟ … وهل دار هذا الحوار؟ … أم إنه مجرد حلمٍ في غفوة؟ … الحقيقة أنه لم يحدث … أو على الأقل أنه ليس لي علم بحدوثه … ولكنني سأكون مندهشاً بل ومذهولاً إن لم يكن ما رأيته أمام عيني كحلمٍ عابر قد حدث وبنفس الكيفية.
منذ مائة سنة تصارعت أجهزة المخابرات الدولية بسبب البترول على المنطقة التي أصبح أسمها بعد ذلك المملكة العربية السعودية .. وكان من المنطقي أن يُعلن عن اكتشاف البترول بعد أربع سنوات فقط من تكوين المملكة بشكلها الحالي … فما الذي يمنع أجهزة المخابرات الكبرى أن تهتم بنفس المنطقة ولنفس الأسباب اليوم؟
© منبر الحرية، 19 أبريل 2009

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

يعتبر الانفاق العسكري احد اهم جوانب الاقتصادات الدفاعية في العالم، وقد تراوحت نسب النفقات الدفاعية لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا ما بين 5.26 % و 7.73 % من اجمالي الناتج المحلي خلال السنوات العشرة الممتدة ما بين عام 1997 حتى عام 2006 ؛ وذلك حسب الاحصائيات المنشورة في عدد من المراجع الدفاعية العالمية المعتمدة في هذا المجال. وقد كان أقصى ارتفاع للنفقات الدفاعية لتلك الدول قد تحقق خلال عام 1997 في حين وصلت الى ادنى مستوى لها في عام 2006.
ومن الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ؛ تشمل – حسب تصنيفات المراجع الدفاعية العالمية بالاضافة الى الدول العربية ؛ كلاً من اسرائيل وايران.
وقد كان لارتفاع اسعار النفط خلال عامي 2007 و 2008 بعض التأثيرات المباشرة على اقتصادات الدفاع ؛ حيث وفرت الزيادات في اجمالي الناتج المحلي مساحةً من الحرية الحكومية لبعض الدول للتوسع النسبي في الشؤون الدفاعية و مشاريع تطوير القوات المسلحة من حيث التسليح والتجهيز والاعداد والتدريب، ما زاد من وتيرة النفقات الدفاعية وتعزيز الميزانيات الدفاعية السنوية المخصصة للقوات المسلحة والاجهزة الامنية ؛ ومن بينها بطبيعة الحال القوات شبه العسكرية، والتي يُطلق عليها أحياناً قوات الشرطة والامن العام والدرك ؛ والاجهزة الامنية وكل ما يتبع لوزارات الدفاع والداخلية من وحدات وتشكيلات مسلحة.في حين بقيت بعض الدول غير النفطية تعاني من وطأة المديونية، او تلقي برامج المساعدات العسكرية الاجنبية، من اجل تعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية والامنية، سواءً للمحافظة على امنها الوطني من اية اخطار خارجية لاسيما في ظل وجود بؤر توتر اقليمية ؛ خاصةً مع دول الجوار والإقليم، أو ضد الاخطار الامنية الداخلية التي اخذت بالتفاقم خلال السنوات العشرة الاخيرة، بوجود نسب بطالة عالية داخل القوى العاملة ممن هم في سن الشباب، مع تزايد كبير في اعداد السكان، وما يرافق ذلك من تحديات خطرة على الساحة الداخلية.
وتُعد نسب الانفاق العسكري مرتفعة في بعض الدول غير النفطية كون ناتجها الاجمالي المحلي يعاني من صعوبات جمة ؛ في حين تكون النسب منخفضة في بعض الدول النفطية لأن ناتجها الاجمالي مرتفع؛ خاصة مع الطفرة التي حصلت على اسعار النفط خلال السنوات الماضية، وعلى وجه التحديد السنوات الخمسة الاخيرة، مع ان الانفاق الدفاعي الفعلي يكون مرتفعاً بسبب صفقات السلاح ومشاريع التسليح وبرامج التطوير الكبيرة ؛ التي غالباً ما تغطى من موازنات خاصة. وعلى الرغم من أن بعض الدول اكدت على ان نفقاتها الدفاعية تتناسب و سياسة الانفاق العام الداخلي للدولة ؛ ولا تؤثر سلبياً على مشاريع البنى التحتية التي تهدف الى تحسين مستويات المعيشة لمواطنيها وتطوير التعليم والخدمات الصحية والاسكانية ؛ وغيرها من برامج التنمية الوطنية؛ وفي مقدمتها تخفيض مستوى البطالة وتوفير فرص العمل؛ نسبةً الى تزايد عدد السكان ومؤشرات التضخم المالي السنوي العالية، الا ان تأثير الانفاق الدفاعي يبقى سلبياً في عموم الاحوال ؛ على مختلف برامج التنمية الوطنية كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، كونه يستنزف مبالغ ضخمة من موارد الدول ؛ سواءً كانت نفطية ام غير نفطية.
الجدير بالذكر ان هنالك فارقاً كبيراً في المفهوم بين ما يسمى بالنفقات الدفاعية؛ وبين ما يسمى بالميزانيات الدفاعية السنوية، ويكثر الخلط بينهما من قبل الكثير ممن يتناولون هذين الموضوعين بالبحث والتحليل.اذْ ان النفقات العسكرية تحسب بناء على ما دفعته الدولة ثمناً لكل ما يتعلق بشؤون الدفاع ؛ كصفقات السلاح والتصنيع العسكري ومشاريع التطوير والتحديث العسكرية ؛ على مدى عدة سنوات قد تتراوح من 3-5 سنوات، ثم يجري حساب المعدل العام للانفاق الدفاعي السنوي. بينما تعني ميزانية الدفاع السنوية المبالغ المالية المرصودة سنوياً بصورة مسبقة، بحيث تغطي متطلبات القوات المسلحة السنوية لأغراض العمليات والتدريب والشؤون الادارية والصحية واللوجستية، بما في ذلك قطع الغيار اللازمة للأسلحة والمعدات والآليات والوقود والذخائر، وكذلك الرواتب واللوازم كاللباس والطعام وغيرها. ولا تشمل ميزانيات الدفاع السنوية بطبيعة الحال مشتريات الأسلحة الجديدة وبرامج تطويرها وتصنيعها.
وإزاء المبالغة بالنفقات والميزانيات الدفاعية ؛بوجود مصاعب وتحديدات مالية مؤثرة على مختلف انواع برامج التنمية ؛ تكمن اهمية دور المواطن في دول منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ؛ للتعبير عن رأيه بحرية ؛ من خلال المؤسسات الدستورية والديمقراطية والمنابر الاعلامية المسؤولة؛ حول مدى استنزاف الموارد الوطنية في مشاريع تسليحية كبرى ؛ قد لا تفيد في نهاية المطاف سوى بعض اللوبيات ومراكز الضغط المحلية شركات تصنيع السلاح العالمية الكبرى في الولايات المتحدة واوروبا وروسيا والصين؛ وبعض الدول الاخرى الموردة للسلاح على الساحة العالمية. وما يزيد الأمر سوءاً ان الانفاقات الدفاعية الكبيرة؛ تجري معظم الأحيان بعيداً عن الرقابة والسيطرة المدنية على شؤون الدفاع في معظم الدول العربية ؛ مقارنة بالرقابة والسيطرة المدنية على شؤون الدفاع التي يجري ممارستها في معظم الدول ذات المؤسسات المدنية الديمقراطية.
© منبر الحرية، 21 مارس 2009

عزيز مشواط10 نوفمبر، 20100

بيدها اليمنى تحرك فأرة الحاسوب بأحد محلات الانترنيت الشعبية، وباليد الأخرى تحاول جاهدة إغلاق برقعها الشديد السواد، خوفا من ظهور خصلة شعرها الثائرة من تحت حجاب. هكذا بدت إحدى ساكنات حي سيدي مومن الصفيحي الذي خرج منه أغلب منفذي انفجارات الدار البيضاء الدموية لسنة 2003 بالمغرب. غير بعيد عن المشهد شخص آخر بلباسه الأفغاني الغريب ينزل من سيارة مرسيديس منهمكا في اتصال هاتفي مستعملا آخر صيحة من الجيل الجديد لماركة نوكيا العالمية.
في الدار البيضاء المغربية، كما في القاهرة المصرية، وفي عمان الأردنية، أوجكرتا الأندونيسية يتكرر المشهد ذاته. إقبال منقطع النظير على التكنولوجيا والوسائل الحديثة للاتصال ورفض لقيم منتجيها في ثنائية صعبة تعكس تمزقا داخليا. إنه صراع حضارات بصيغة مختلفة، ليس كما نظر له هنتنغنون، كصراع بين ثقافات وحضارات وإيديولوجيات متباعدة. بل صراع فرضته تطورات العولمة، ويعيشه المواطن الواحد والأسرة الواحدة والبلد الواحد.
من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق يعيش العالم العربي الإسلامي الصراع ذاته. إنه صراع حضارات مختزل في نفس الفرد، وفي نفس المدينة. في المدن واجهات حديثة وشاشات عملاقة تعرض إشهارات أسماء كبرى الشركات العالمية، وفي الهامش أنماط حياة تتعايش مع الفقر وتجد ساكنتها في الدين ملاذا للاحتماء. وفي الفرد الواحد ازدواجية في التفكير بين ممارسات مغرقة في الحداثة وأصولية تعكسها السلوكات اليومية.
صاحبة البرقع قبالة شاشة الحاسوب وممتطي المرسيديس بجهاز نوكيا في اليد، مشهدان يختزلان صراعا حضاريا بين رغبة أكيدة في الاستفادة من أحدث الإنتاجات العالمية من جهة، ونزوع آخر نحو تكفير الغرب وحضارته “المارقة” من جهة أخرى. إنها ازدواجية تلفيقية تنبع من ضرورة انتقاء ما “هو مفيد وصالح للأمة فقط ودرء ماهو فاسد” بتعبير السلفيين المتطرفين.
يتصارع في العالم العربي الإسلامي ثلاثة تصورات متناقضة :أنصار الارتماء في أحضان الغرب بدون تحفظ، والإسلاميون المتزمتون الحاقدون على الحداثة بمختلف مظاهرها، والأنظمة الحاكمة التي لا يهمها سوى الحفاظ على الكراسي والامتيازات. أما الشعوب فمعظمها غارق في أحزان الفقر والبؤس والحرمان، مع غير قليل من الأمية والجهل والتضليل. عوامل تساهم مجتمعة في إعداد التربة الخصبة للتطرف والعداء غير الخاضع لأي منطق.
يساعدنا هذا التقسيم للشعوب العربية الإسلامية في فهم أسباب انتشار مشاعر العداء في صفوف الفئات المحرومة اتجاه ما هو حديث. وهنا لا بد من عكس أحكامنا لفهم الحقد الذي تكنه هاته الأوساط للغرب. إنه ليس حقد الذين أخذ منهم كل شيء، بل حقد من توجد على مقربة منهم كل المنتجات الغربية دون أن يكون لهم الحق في الاستفادة منها .
إنه حقد مرتبط  بنظرة اختزالية تصور الغرب كثقافة شيطانية تحض على الاستغلال وتنشر الرذيلة والفاحشة والتفرقة. بل هي مسؤولة عن كل المآسي والشرور. إضافة إلى هاته النظرة الاختزالية، أسهمت مشكلات ثقافية دولية في تعزيز هذا التباعد رغم كل المجهودات من أجل تقريب الشعوب فيما بينها، وهنا نستحضر أزمة الرسوم الدانمركية، وأزمة تصريحات البابا بنديكت السادس عشر، وأزمة الحجاب بفرنسا، وتصريحات بعض القيادات الغربية الدينية السياسية المسيئة للمسلمين.
ورغم تنامي قوى العولمة والاتصالات وسهولة عملية التواصل مع الآخر، فإن هاته المشكلات تعزز مواقف المتطرفين من الجبهتين، فيتحول الخلاف الثقافي بين المسلمين والغرب إلى خلاف حتمي. إن مسؤولية الفهم المتبادل تقع على عاتق الطرفين، لأن المؤسسات الغربية وخاصة الإعلامية منها وهي تقدم صورة نمطية للمسلم المتطرف المتعطش للقتل والدماء، إنما تزيد في تعميق التباعد.
وبالمقابل فإن تقصيرا كبيرا يشوب عمل القوى المتنورة في المجتمعات العربية الإسلامية، لأنها تعفي  نفسها من  مسئولية فهم المجتمعات الغربية وتفاصيل ما يدور بهذه المجتمعات وسبل توعيتها بصورة الإسلام الصحيحة، خاصة في ظل تنامي أعداد المسلمين بالدول الغربية، وانفتاح أعداد متزايدة من أبناء تلك المجتمعات على فهم الإسلام والمسلمين.
إن الخوف المرضي المتبادل يجب أن يكافح على مستويين أساسيين، أولهما تبني بعض البرامج العلمية المنظمة لتوعية المواطن الغربي على نطاق واسع ومدى طويل نسبيا بصورة الإسلام والمسلمين الصحيحة، والواضح هنا أن العالم الإسلامي مازال يفتقر بوضوح لبرامج تقدم الإسلام كدِين سلام وليس دينا عدوانيا. أما المستوى الثاني فيهم الغرب نفسه الذي يحتاج إلى أدوات جديدة لبناء الثقة مع المسلمين من خلال حوار بلغة وأدوات يفهمها العقل الإسلامي. إذاك فقط يمكن للحضارات الإنسانية أن تعيش في سلام دائم تحقيقا لآمال فيلسوف التنوير الألماني الألماني إمانويل كانط.
© منبر الحرية، 22 مارس 2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

لا شك بأن لظاهرة الفساد المتفشية على نطاق واسع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية أسباباً موضوعية ضاربة الجذور في داخل بنيتها الثقافية والتاريخية. حيث لعبت “الثقافة المخفية” –كمؤسسة غير شكلية- دوراً بارزاً على صعيد تكريس معادلات وأنظمة تفكير وسلوكيات عمل مهدت الطريق أمام نمو مارد الفساد في تلك المجتمعات. وقد كانت لمؤسسات الحكم العربية المتلاحقة الدور الحيوي المكمل لدور الثقافة المخفية في زيادة مساحة الفساد والمفسدين من خلال تبنيها لمختلف المناخات والأجواء الفكرية والاجتماعية القديمة التي تدعو (وتمارس) ثقافة الفساد كآلية شبه (قانونية!) تريد من خلالها الحفاظ على التوازنات التقليدية المسيطرة في المجتمع، بما يسمح لها (لمؤسسة الحكم العربية) الإبقاء الدائم على وجودها على رأس سلطة الحكم بما لا يزعزع بنيانها، ولا يؤثر سلباً على امتيازاتها.
وبالنتيجة فقد أدت السياسات الفوقية القسرية التي طبقتها تلك المؤسسة (ممثلة بالنخب السياسية الحاكمة) –وعلى مدى زمني طويل نسبياً- إلى توسيع رقعة الفساد، خصوصاً مع تصاعد سياسات الانفتاح الاقتصادي، وفتح الأسواق المحلية أمام الرساميل الأجنبية الذي التزمت به تلك النخب تحت شعار ظاهري هو تنمية مجتمعاتها وتطوير بلدانها في ظل هيمنة كاملة لمؤسسات إدارية وسياسية مترهلة وفاسدة وغير مهيكلة اقتصادياً بما يتناسب مع ضرورات التحفيز الاقتصادي وعوامل الجذب الاستثماري.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018