الإسلام والحداثة

نبيل علي صالح21 نوفمبر، 20100

الجزء الثاني
لقد ساهمت الأجواء السلبية الضاغطة على الحركات الإسلامية، في اعتماد كثير من تلك الحركات والمنظمات الأمنية على طرق ووسائل العنف والإرهاب المدمر غير المشروع، كالتفجير وخطف الطائرات والشخصيات، وممارسة الاغتيالات والتصفيات الجسدية، وو..الخ. وذلك في سياق وجود مناخات ضاغطة وظروف قاهرة مضادة، بررت لأولئك المنظمين في تلك الحركات –كما يتحدثون ويعتقدون- استخدام وسائل العنف في مواجهة السياسات الظالمة (والمخالفة لأبسط مبادئ الحق والعدالة والقانون) التي تتبعها الدول (والقوى) العظمى ضدهم، والتي تستخدم (هي نفسها) الوسائل ذاتها وبطرق رسمية (مبررة دولياً!)، خفية حيناً وظاهرة أحياناً (خصوصاً بعد أن بدأت الولايات المتحدة بشن حربها الدولية على الإرهاب بعد أحداث 11سبتمر 2001م) فتكون القضية هي أن الإرهاب يحارب بعضه بعضاً على حساب المجتمعات المفقرة والمستضعفة..، نعم هناك تأثير كبير للعوامل السياسية والظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في بلداننا لعبت دوراً حاسماً في ولادة وتغذية مواقع ومناخات العنف والعنف المضاد في مجتمعاتنا..، لكن لا يمكننا التعميم هنا، إذ أن اعتبار العنف عندنا بكليته –خصوصاً عنف الجماعات الإسلامية المتطرفة- وليد ظروف سياسية واقتصادية صعبة يعيشها هؤلاء المتطرفون، هو نصف الحقيقة، وهو يجانب الصواب، والدليل عليه أننا عندما نراجع أدبيات كثير من تيارات وجماعات الإسلام السياسي (السلفي السني تحديداً) نجد أن لديها تأصيلاً دينياً للعنف والإرهاب، تحصنه بنصوص وأحاديث دينية مقدسة، وتبرره وتعززه بسلوكيات وأفعال قادة وزعماء التاريخ الإسلامي. الأمر الذي يجعلنا نصل إلى نتيجة مفادها: أن عنف وإرهاب تلك الجماعات المتشددة هو عنف ابتدائي “أصيل”، وليس عنفاً طارئاً وناتجاً عن ضغط العوامل الاقتصادية أو السياسية..، وكمثال على ذلك نذكر من تاريخنا القديم الخوارج الذين عاثوا فساداً وقتلاً وتدميراً وإرهاباً في مجتمعهم الإسلامي الوليد، ووصل الأمر برئيس الدولة آنذاك (الخليفة الرابع) علي ابن أبي طالب أن قاتلهم وحاربهم وسحق تمردهم العنيف على الدولة والمجتمع.. ليس لاختلافهم معه في الرأي والفكر وهو ممن اعتاد لغة الحوار والمدارة والتواصل، وإنما لأنهم تحولوا إلى الجلافة والاستعلاء والعناد وركوب الرأس، فحولوا الخلاف مع علي –الذي عاملهم في البداية معاملة حسنة، وسمح لهم بالدعوة والاختلاف السلمي الحضاري معه في الرأي والتوجه طالما لم يبدؤوه بقتال- إلى قاعدة عنف وإرهاب ودمار ألحقت بالناس والمجتمع الدمار والويلات.
طبعاً لم يكن في ذلك الزمن القديم (قبل حوالي 1400 سنة) أي وجود إمبريالي أو صهيوني أو ماسوني أو..الخ، حتى يبرر عنف الخوارج بالضغوطات الدولية والسياسات الظالمة للدول المهيمنة الكبرى. بل كان هناك عنف يستند إلى مفهوم “الحاكمية”، ويعتمد على تطبيق مبدأ “الأمر بالمعروف ومقاومة المنكر” بالطريقة التي فهمها الخوارج. وانتقلت لاحقاً –مع بعض التعديلات- إلى كثير من الزعامات والتيارات الفكرية الدينية، فأدت إلى ما أدت إليه من فتن واضطرابات وانقسامات أصابت عالم الإسلام والمسلمين في صميم وجودهم المعنوي والمادي.. حتى وصلنا إلى عصورنا المتأخرة حيث فاجأتنا ظروف جديدة وتحولاتسياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية غير مسبوقة طرأت على العالم العربي من استعمار دولي واستبداد سياسي وفكري محلي، كان لهما بالغ الدور والتأثير في تركيز مقولة ومفاهيم وأساليب العنف والعنف المضاد في منطقتنا.
في مثل هذه الأجواء ولدت ونشأت الحالة الإسلامية الجديدة التي هي بصورة أو بأخرى امتداد لسابقاتها من الحركات والتيارات الأيديولوجية. حيث كان العنف فيه هو السمة الأساسية الغالبة على مناخ الولادة، وهو الممثل الوحيد لكل الحركات والملامح.
أي أن الأصولية الإسلامية انطلقت في أجواء ولادة المشروع الإسرائيلي وقيام دولته في المنطقة على قاعدة العنف والتشريد والإرهاب المدمر، واستخدام كل الأساليب الوحشية والهمجية ضد الشعب العربي الفلسطيني، لتكون هذه الدولة “دولة وظيفية” بامتياز.
وبالتالي فإن ما نراه أمامنا الآن -من عنف وعنف مضاد مستمرين منذ عقود طويلة- لا يمكن إرجاعه مطلقاً إلى الدين الإسلامي بالذات، بالرغم من وجود الكثير من العناصر المسلمة التي دعت إلى تبني خيار العنف، ومارسته، بل وتورطت -مع الآخرين- في تنفيذ سياسات وأعمال إرهابية بحق بعض المواقع المحلية والدولية كما ذكرنا في أمثلة سابقة.
ولذلك يمكن أن نقرر هنا بأن العنف حالة طارئة انطلقت في الواقع العام من حالة انفعالية موجودة في العالم كله (خصوصاً في العالم الثالث)، تمظهرت –في أحد أشكالها وتعابيرها- من خلال هذا التحدي القائم في مواجهة السياسات الاستعمارية الأميركية والإسرائيلية في المنطقة.
ونحن هنا حقيقةً لا نبرر ولا نحكم وإنما نصف ونعاين استشراء حالة العنف الدموي في منطقتنا العربية. وإذا كانت السياسات الغربية المنحازة تتحمل  المسؤولية عن تلك الحالة وهي فعلاً كذلك، فإن المسؤولية الأكبر تقع لا محالة على كاهل أهل الداخل من العلماء والسياسيين والمفكرين ومختلف التيارات والأحزاب..
من هنا نحن نعتبر أن اتهام الغرب للإسلام بأنه “دين التطرف والعنف”، ليس صحيحاً، وهو اتهام ينطوي على دعاوي مزيفة، والغرب ليس صادقاً على الإطلاق في رفضه لمسألة العنف. لأنه يرفض العنف الذي يقف في وجه تحقيق مصالحه وسياساته الإستراتيجية، ولا يرفض أبداً العنف إذا كان موجهاً ضد خصومه ومناوئيه، بل يدعمه ويوظفه لصالحه.. وهذا ما عشناه ولاحظناه سابقاً في دعم أميركا المطلق للمجاهدين الأفغان في حربهم ضد الوجود الشيوعي (السوفييتي السابق) في أفغانستان، مع أنها كانت حركة إسلامية متعصبة، تمثل عنفاً بالغاً وشديداً. ولكنها سرعان ما انقلب السحر على الساحر، وأصبح حلفاء الأمس أعداء اليوم عندما نال أمريكا ما نالها من عنفهم وإرهابهم الدامي في كل من منهاتن وواشنطن.
ولكننا في كل تلك المناخات السلبية السائدة والمهيمنة علينا، نسأل كيف يجب أن نتعامل مع هذه الأحداث والوقائع الجديدة، وفي كل يوم هناك جديد؟ وماذا ينبغي علينا فعله من أجل مستقبل أوطاننا وشعوبنا المستضعفة والمفقرة التي تعاني من التعصب والتطرف والتخلف الفكري والاقتصادي؟ وكيف نستفيد من كل هذه التطورات العلمية والتقنية لصالح تجديد خطابنا الفكري الموجه لنا وللآخرين؟ وبأية لغة عملية ندعو ونتحاور، بلغة الأقدمين الذين عاشوا في السابق وكانت لهم أعمالهم وممارساتهم وكسبهم الفكري والعملي؟ أم بلغتنا الحاضرة، لغة التواصل والتعارف والحوار وتثبيت قيم الإنسانية الأصيلة، حيث أن الديانات هي في الأصل –أو هكذا يجب أن نفهمها ونؤولها- دعوات للسير على طريق المبادئ والرؤى الإنسانية من حرية وعدل ومحبة وتسامح؟!..
© منبر الحرية ، 15 ماي /أيار2010

نبيل علي صالح21 نوفمبر، 20100

الجزء الأول
لا تزال وثائر الضجة القوية المثارة حول واقع الحركة الإسلامية –في طبيعة مضمونها الفكري والتاريخي وأسلوبها الحركي ومفاهيمها السياسية المختلفة- تتصاعد في أكثر من موقع ثقافي واجتماعي وسياسي يتحرك هنا وهناك، في ما يثار حالياً من حديث واسع ومتواصل في العالم كله عن التطرف والتعصب والعنف والإرهاب الذي أصبح –على ما يظهر في مختلف الدوائر السياسية ووسائل الإعلام الغربية- سمة لازمة لهذه الحركة في محتواها الفكري، وآليات عملها الحركية المتعددة في سياق الحياة العامة وعلى المستويين الداخلي والخارجي..
ومن الطبيعي أن نؤكد هنا على أن هذا الجدل الإعلامي عن الإسلام (المتطرف) لا يتوافق أبداً مع ما عرف عن طبيعة الإسلام المعتدل في ذاته، في انفتاحه، وتسامحه، ومرونته، وإيمانه بالحوار الهادئ العقلاني والمتوازن.. نعم توجد هناك كثير من الحركات والنخب الإسلامية التي سبق لها أن ارتكبت بعض الأعمال اللاإنسانية المنافية لأبسط قواعد ومبادئ الأخلاق عن طريق أفراد مسلمين منظمين (وموظفين) سياسياً لديها، مما قد يسيء إلى تلك الصورة الناصعة عن واقعية الإسلام المعتدل، ويساهم في تثبيت الصورة المشوهة والمعروفة عن المسلم لدى الشعوب والحضارات الأخرى، ولكن ذلك ليس قاعدة عامة يمكن أن يؤسس عليها في ما يتعلق بتكوين صورة جلية عن حقيقة وجوهر الدين الإسلامي كرسالة إنسانية، محورها الإنسان (العادل مع ذاته ومع الآخرين انطلاقاً من إيمانه بالله كقاعدة روحية وإيمانية).
وحتى تكتمل الصورة هنا لا مناص من الإشارة إلى أن كثيراً من تيارات الإسلام السياسي، أو ما عرف بـ”تيارات الصحوة الإسلامية” سبق أن تعرضت (ويتعرض قسم منها حالياً) إلى قمع سياسي وأمني كبير من قبل كثير من حكومات ونظم المنطقة العربية والإسلامية أكثر مما تعرضوا له وواجهوه في بلاد الغرب (الكافر!!؟=كما يقولون) الذي فروا إليه للتنعم بمناخات الحرية الكاملة عنده هرباً من الضغوطات والملاحقات والتشريد والقتل، حيث وصل هذا العنف الدموي حد شن حروب إلغاء واجتياح بلدان بأكملها تحت مسمى مكافحة “الإرهاب الأصولي الإسلامي”، والقضاء على بذور “التطرف الدينية”، الأمر الذي استدعى من تلك التيارات ردود أفعال تدميرية فانطلقت لتكفر مجتمعاتها وحكوماتها ولتعلن الجهاد ضد بلدانها، فدخلنا في دوامة لا منتهية من العنف والعنف المضاد، ومن الصراعات والانقسامات الفكرية والاجتماعية والسياسية، وبدل من أن تتجه بلداننا نحو الاهتمام بقضايا التطوير الاقتصادي والإصلاح السياسي والتنمية البشرية للنهوض بواقع الإنسان والمجتمعات العربية والإسلامية (التي هي أحوج ما تكون للنهوض والبناء والإصلاح العقلي والفكري) انحرفت النخب والسلطات السياسية باتجاه الصدام والمواجهة، وصبت كامل جهودها وطاقاتها في سبيل القضاء على ما تطلق عليه “التطرف والإرهاب الأصولي”، الذي كان العنوان الظاهر لمحاربة وسحق كل أنواع المعارضات السياسية والفكرية الأخرى من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وهانحن الآن جميعاً نتحرك في أتون شبه حروب أهلية وانقسامات داخلية عربية-عربية بعضها معلن وبعضها الآخر مخفي كالنار تحت الرماد ينتظر شرارة التفجر الأولى.
طبعاً أنا أميل هنا إلى جانب الحسم الإيجابي المباشر في رفضي لصورة الإسلام العنيف والمتطرف التي يحاول الكثيرون إبرازها وتعميمها حالياً في أصقاع العالم كله، وأعتقد أنه بإمكاننا وعي وفهم الإسلام من داخله كدين قادر على تحريض أجمل ما في المسلمين من طاقات إبداعية، وتحشيد طاقات الناس عندنا في طريق الإصلاح والتنمية البشرية والمجتمعية، وذلك عبر التجديد والإصلاح العقلي في بنية الدين الفكرية والمفاهيمية، لأننا مهما حاولنا القول باستحالة الجمع بين الدين والحياة أو بين الدين والواقع العملي للناس فإننا سنبقى بنلف وندور في حلقة مفرغة، وسنظل في حالة من الجدل والسجال الفكري العقيم غير المنتج، ونحن هنا لا نقصد تديين الحياة والسياسة والواقع، بل إننا نصر على علمنة الدولة والنظام السياسي وعدم تدخل الدين أو اشتغاله في آليات الحكم السياسي، ونصر أكثر على ما أسميناه في بعض دراساتنا بـ”العلمنة المؤمنة” –إذا صح التعبير، أي عدم رفض الدين من جهة، وعدم السماح للمتدينين بالسيطرة على السياسة والواقع من جهة أخرى. فمن حق رجل الدين أن يمارس السياسة من موقعه كمواطن حر ومسؤول تجاه وطنه ومجتمعه وأمته، وليس من موقعه كداعية أو كرجل دين يعتقد بأفكار ومعارف مقدسة فوق الواقع والحياة. أما أن يفرض رجل الدين رأيه وقناعاته الدينية المقدسة على غيره من أفراد المجتمع، أو أن يمارس المتدين السياسة من موقع المقدس، فذلك أمر مرفوض بالمطلق، لأن السياسة اشتغال بالنسبوي المتغير، والدين حالة راقية من المقدس الروحي، فليس للسياسة شأن به لأن ساحتها الحياة المتغيرة، وهي عبارة عن مجموعة من آليات العمل والمنافذ العملية التي يسمح بها القانون لخدمة الناس وتلبية احتياجاتهم ومحاولة حل مشاكلهم، والفضاء الاجتماعي المدني (ذي المنشأ العلماني) مفتوح على مصراعيه، ومناخ الحرية يسمح للجميع بأن يعبروا عن طروحاتهم وأفكارهم بما لا يتعارض مع مصالح الناس وطموحاتها في البناء العقلي والعلمي وتأمين متطلباتها الوجودية الأساسية. نعم يمكن للدين أن يمارس دوراً توجيهياً وترشيدياً ومعنوياً من خلال القيم والأخلاق العليا ذات المنشأ الديني. أما أن يتدخل الدين بالسياسة فذلك تدنيس لعظمة الدين، وقتل لمنطق السياسة باعتبارها مساومات وتجادلات وصراعات ومساجلات تداخلها اشتراطات نسبية وفنون حكم أرضية وقيم نسبوية وغايات ومقاصد نفعية.
واستكمالاً لما تقدم أطرح بعض الأسئلة الهامة والضرورية التي تتصل بصلب الموضوع، مدار البحث والتحليل: هل يمثل الطرح الإسلامي حالة تطرف وإرهاب أم حالة اعتدال وسلام؟!. أي هل يمكن أن يقبل الدين الإسلامي –وهو دين التسامح والعقل- باستخدام وسائل وأدوات الضغط والقوة من عنف وإرهاب ضد المدنيين والأبرياء، وضد قيم الإنسانية التي هي نفسها قيم الأديان السماوية كلها؟!. أم أن التأويلات الإسلامية –وغير الإسلامية- للنصوص التاريخية هي التي تقدم لنا الإسلام بهذه الصور النمطية المشوهة والمنحرفة؟!. ثم ما هو المقياس الموجود حالياً لدى النخب السياسية والثقافية في توصيفها للإسلام بصفة التطرف أو صفة الاعتدال؟!. هل هي الظروف والوقائع الراهنة المحاصرة في حسابات الواقع الزمنية، أو هي المتغيرات والتحولات المتسارعة في آفاق المستقبل والغيب؟!..
لاشك بأن العرب يعيشون في العصر الراهن –وفي كثير من مواقعهم ومحاور امتداداتهم- وضعاً صعباً لا يحسدون عليه أبداً كما ذكرنا آنفاً والواضح هنا أنه -وبغض النظر عن هذا الضغط ولغة التآمر السياسي والاقتصادي والإعلامي الدولي اليومي على بلاد الإسلام والمسلمين، والتي تعمل ليلاً ونهاراً على إملاء شروطها، وفرض هيمنتها وتحكمها بثروات وموارد العالم الإسلامي الهائلة، وتوصيف هذا الدين توصيفاً سلبياً من خلال اعتباره دين الإرهاب والتطرف والعنف- أقول: أنه بغض النظر عن ذلك كله، لا يمكن للعرب والمسلمين أن يتهربوا من تحمل المسؤولية الأكبر عن ذلك، إذ أن كثيراً من مفكرينا وعلمائنا وسياسيينا ساهموا بفعالية في إعطاء الآخرين تلك الصورة السوداوية عنا، بل وثبتوها بقوة داخل أذهانهم ومدركاتهم.
-صحيح أن الإسلام لا يرى أن العنف هو الأسلوب الأوحد للصراع في خط التحدي ورد التحدي، بل يطرح –بدلاً عنه- أسلوب الحوار والرفق والتسامح باعتبار ذلك هو القاعدة والأصل في مواجهة المشاكل في اتجاه الحل، من خلال الآية: “ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة..”.
وصحيح أيضاً أن الإسلام يعتبر أن الأسلوب العملي الأنجح والأكثر فعالية ومصداقية في العمل السياسي هو الأسلوب الذي ننفتح من خلاله –بوعي وإدراك وصدق- على الآخرين، لنحول حتى الأعداء إلى أصدقاء، وذلك من خلال الآية: “ولا تستوي الحسنة والسيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم”.
-وصحيح أن الإسلام –كفكر أيديولوجي- يطرح مشروعه الثقافي والسياسي بالوسائل الحضارية الإنسانية السلمية في مواجهة الطروحات والمشاريع الفكرية والسياسية الأخرى، من دون أن يجد لنفسه في ذلك أي بادرة تطرف في الشكل والمضمون (ومن دون أن يكون بحاجة له طالما أن المناخ سلمي وعقلاني وهادئ وآمن ومستقر)، ويرى أن حريته (كمشروع حضاري يمارس عملية الدعوة والتبليغ) هي جزء من حرية الآخرين المطلوبة لهم والضرورية لإنعاش واقع مجتمعاتهم وأوطانهم.
-وصحيح أيضاً أن الإسلام يعمل (من خلال تربية الفرد المسلم) على تأصيل الاستقلال في نطاق الشخصية الإسلامية الواعية في حياة الأمة، وتربية المسلمين جميعاً على أساس مبادئ وقيم الإسلام النقي والصافي في فكره وروحه وحركته، بحيث تبرز التمايزات والفواصل الروحية والعملية بين الإسلام وبين التيارات والقوى الأخرى.
إن كل ذلك صحيح، ولكن الواقع السياسي الإقليمي والدولي الموضوعي فرض نفسه بقوة -من خلال معادلاته وتنوعاته وضغوطاته- أمام الواقع الداخلي الذي تعيش فيه الحركة الإسلامية وباقي تيارات وقوى الأمة الأخرى من اليمين واليسار، ليكون موقع هذه الحركة مواجهاً تماماً لكل الدول والمشاريع والمحاور السياسية والاقتصادية في العالم التي تعمل باستمرار على تشويه صورة هذه الحركة في وجدان الرأي العام الإسلامي من جهة، والرأي العام الدولي من جهة ثانية، وذلك عبر التركيز الدائم على المفردات السلبية داخل مواقع الحركة الإسلامية، وهي مفردات ووقائع صحيحة في الأغلب، ولم تمارس تلك الحركات الأيديولوجية –وعلى رأسها الحركات الإسلامية- أي نقد موضوعي مهم ونوعي بشأنها إلا فيما ندر، مما جعل المواقع الفكرية والسياسية الكبرى في العالم تستفيد من تلك النقائص والثغرات القائمة والموجودة أصلاً لتثير أجواء العاطفة الإنسانية المضادة كجزء من الحرب الدولية المفروضة أصلاً على الإسلام.
© منبر الحرية ، 13 ماي /أيار2010

نبيل علي صالح21 نوفمبر، 20100

يؤكد الإسلاميون –في كل نتاجاتهم الفكرية- على أن الدين الإسلامي يقدم نفسه للناس جميعاً –وعلى اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم– على أساس أنه مشروع تغييري حضاري وإنساني كبير، ينطلق من موقع الثقافة والفكر ليصل إلى مواقع السياسة والاجتماع والاقتصاد. أي أنه يمتد –في سياق رؤيته الشاملة– بامتداد الوجود الإنساني في الحاضر والمستقبل على المستويين الحضاري والجغرافي.
ويحاول أتباع هذا المنهج الفكري التغييري، إبراز دور هذا الدين في الحياة من حيث كونه دعوة عالمية لبناء الحياة والوجود على قيم العدل والحق والمبادئ الإنسانية الفاضلة الأخرى..
لكننا، وبغض النظر عن طبيعة تلك الأفكار التي تسيطر عليها نزعة رومانسية حالمة بعيدة عن الواقع البشري النسبي المتغير، كباقي الأفكار الأيديولوجية التي مرت علينا وحكمت مجتمعاتنا، نعتقد أنه يجب على رموز وعلماء ومفكري هذا الدين –باعتبار أنه رسالة إنسانية قبل أي شيء آخر- سلوك طريقين رئيسيين:
الأول: الانخراط الميداني في الحياة والواقع، والانف
تاح على الفكر الآخر والتواصل والاحتكاك مع باقي الحضارات والمذاهب المؤيدة له، أو المناقضة لطروحاته. أي السير عملياً وليس نظرياً فقط على طريق الانفتاح على قيم العصر وأخلاقه العملية المتغيرة.
والثاني: طريق التجديد والاجتهاد الديني واعتماد طريق العلم والعقل كأساس للنهوض والتعمير والبناء، لأن ذلك هو الذي يحقق لهذا الدين امتداداً ووجوداً واستمرارية في ساحة الوجود والمنافسة الحضارية السلمية الشاملة..
وقد يتحدث البعض عن وجود صعوبات ميدانية عديدة يمكن أن تقف حائلاً أمام تحقيق تلك الأهداف الكبرى، ولكننا نعتبر -من جانبنا- أنه بمقدورنا تنفيذ كثير من تلك الطموحات والمشاريع المستقبلية المنشودة على المستوى السابق بالرغم من تراكم كثير من الضغوطات والعقد والعراقيل هنا وهناك، وبالرغم من حالة التخلف المركب الذي نعترف بوجوده، والمتمثل في الأمور التالية:
أ‌-                  أزمة الهوية:
لا جدال في أن المشروعية الحضارية والثقافية للأمة ترتكز على قاعدة الدين الإسلامي، وبهذه الخلفية الفكرية استطاعت هذه الأمة أن تنجز استقلالها وتتحرر من الاستعباد والاستعمار. فالعرب والمسلمون قاوموا جميعاً كل أنواع الاستعمار تحت راية الإسلام، وحتى الحركات الوطنية الاستقلالية العلمانية كانت ترفع رايات الجهاد والإسلام، والتي مكنتها من حشد التأييد والدعم والأنصار لها بين صفوف مجتمعاتها.
لكن دراسة وتحليل واقع تلك المجتمعات حالياً، وانفتاح أنظمتها التحديثية على حداثة القشور الغربية لم يعوض الأمة –كما يقول دعاة الفكر الإسلامي- عن هويتها الأصلية الحقيقية المتمثلة في وجود هذا الدين (الإسلام). فالمد الوطني والقومي لم يسهما أبداً في بلورة هوية واضحة، لأنه كان دائماً مشروعاً توليفياً وتلفيقياً جمع المتناقضات في بوتقة واحدة.
ب‌-              التخلف المجتمعي العام:
وهو ما يمكن ملاحظته والوقوف أمامه من خلال مراجعة مجمل الأفكار والمذاهب والتيارات الفكرية التي كانت سائدة (وربما لا يزال بعضها قائماً حتى الآن) والتي فشلت –بحسب الإسلاميين- في إيصال المجتمعات العربية والإسلامية إلى مواقع وأعتاب الحداثة الحقيقية، بل إن ما حدث –من تطورات وجهود تنموية– اقتصر على مجموعة تغييرات شكلية غيرت مواقع السطح، ولم تصل إلى أعماق المجتمع.
ت‌-              غياب وتغييب الرؤى الاستراتيجية للمستقبل:
وهذا ما نلاحظه من خلال عدم وجود رؤية علمية وموضوعية للغد لدى معظم القوى والنخب الفكرية والسياسية الحاكمة. وتتمظهر هذه الحالة عملياً من خلال انعدام الوعي والرؤية الواقعية للمستقبل.
وقد وجدنا أن تلك النخب كانت عاجزة عن فهم وإدراك حجم الأحداث والتحولات المتسارعة التي ضربت العالم كله بعد مرحلة الحرب الباردة. فكانت قراءتها متسرعة ومرتبكة وغير واضحة، وبخاصة في المجال الاقتصادي، حيث نرى أمامنا الآن أن الدين الخارجي للدول العربية يقدر بحوالي (350) مليار دولار أميركي، كما تبلغ فائدة هذا الدين سنوياً أكثر من (22) مليار دولار. ولذلك لا عجب أن تتسع دوائر الفقر والمعاناة والحرمان واليأس في مجتمعاتنا كلها. خصوصاً بعد حدوث أزمة الأسواق المالية الدولية وتأثر كل القطاعات الأخرى المرتبطة معها بصورة سلبية للغاية.
ث‌-              التعصب والانغلاق:
تعاني مجتمعاتنا العربية والإسلامية من هيمنة أفكار وطروحات انغلاقية قديمة موروثة من عهود التخلف الفكري والسياسي، وهي لا تزال حاضرة بقوة حتى الآن، حيث نجد أنه لا يزال ممنوعاً على الكتاب والمفكرين المتنورين معالجة تلك الأفكار التراثية ونقدها أو إعادة هضمها وتمثلها بصورة إيجابية، وكأن الانغلاق والتعصب يعطي الفكر قوةً وتجذّراً في ساحة المواجهة الحضارية، في الوقت الذي يحتاج العام إلى من يوسع رقعة النقد للأفكار والمفاهيم، ويرسخ مبدأ الانفتاح على الآخر.
وفي هذا المجال، تشكل القضية الأخيرة (قضية انفتاح الفكر الإسلامي على الحياة والعصر، وتواصله معهما) ضرورة ذاتية وموضوعية في آن معاً، باعتبار أن هناك وجوداً كمياً ونوعياً هائلاً لمجموعة من المعطيات والمضامين الفكرية الذاتية الخاصة بالدين الإسلامي نفسه، لا يمكنها أن تنمو وتتصاعد من دون تفاعلها المتوازن مع الآخر، وفهمها له، وانفتاحها عليه، من موقع ذاتية الانتماء، وعمومية المعنى والهدف، وليس من موقع موضوعية التحدي والاستجابة فحسب..
ضمن هذا الإطار، من الطبيعي أن تظهر أمام هذا المشروع الثقافي كثير من المشكلات الجديدة، والقضايا العصرية الراهنة والمستقبلية، والتي تتمثل في كيفية إيجاد سبل التخاطب والتواصل مع ثقافة الآخر الذي بات يفرض نفسه علينا الآن من خلال ثوراته العلمية والمعلوماتية والتكنولوجية الحديثة (مجتمعات الثورة المعلوماتية) التي عممت ذاتها الثقافية والحضارية على مستوى العالم، وعلى حساب باقي ثقافاته، وخصوصاً الثقافة والحضارة الإسلامية، بما أدى إلى تهميشها، وجعلها عديمة الفاعلية والجدوى في العمق والامتداد. الأمر الذي يتطلب من المشروع الثقافي الإسلامي لهذه الحضارة استيعاب الواقع الموضوعي الجديد المرتبط بعنصري الزمان والمكان، وإبداع القواعد النصية الخاصة به، خصوصاً وأن هناك تأثيرات عملية سلبية لا بد أن تنجم عن تلك الثورات، في ما يتعلق بآليات التنميط الثقافي والحضاري القسري أحياناً التي يستخدمها الآخر في عمله الدائم على تعميم نموذجه الحضاري على الثقافات الحية الأخرى.
من هنا نحن نعتقد أن التحديات الأساسية الحاضرة التي تواجه الفكر الإسلامي المعاصر -على مستوى دوره النوعي الكبير المتمثل في عمله الدائم على قضايا بناء الذات المسلمة- تنحصر في ثلاثة مظاهر حضارية روحية ومادية، هي العولمة، والهويات الثقافية، ومجتمع الثورة المعلوماتية..
ولذلك فإنه من الضروري جداً بالنسبة للفكر الإسلامي المعاصر الوعي بهذه الوقائع الجديدة، ودراستها، وتحليلها، واتخاذ المواقف الفعالة بشأنها، على اعتبار أن هناك ظروفاً مستجدة مختلفة تحكم تلك الوقائع، وتؤثر في صياغة المشهد الثقافي المستقبلي برمته على مستوى ضرورة نقد هذا الفكر وتقييمه وطرح رؤى وأفكار جديدة ترتب أولوياته وخطوط عمله في المدى الزمني القريب والبعيد، بحيث ذلك يؤدي إلى إعادة التأسيس الجديد لمشروع النهضة العربي والإسلامي.
© منبر الحرية ، 10 ماي /أيار2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

(الإسلام هو الحل )، و الديمقراطية  شعار ترفعه الجماعات الإسلامية الساعية للاستحواذ  على دور كبير و فاعل  في الحياة السياسية والاجتماعية  في البلدان العربية. والجماعات الأخرى المسلحة التي تسعى سعياً حثيثاً للوصول إلى السلطة
لكن أي من الجماعتين لم يوضحا بعد ماذا تعني لهم هذه العبارة .
هل تعتبر الديمقراطية بالنسبة إلى هذه الجماعات مجرد وسيلة تسعى من خلالها للهيمنة أو الوصول إلى الحكم ؟، أم أنها تطرحها كأجندة متكاملة تحتوي الوسيلة والقيم التي تتكئ عليها؟
هل شعار “الإسلام هو الحل”، بزعم البعض أنها أجندة متكاملة، يمكن أن يحقق ما تصبوا إليه الديمقراطية؟ وماذا لو تعارض شعار الديمقراطية مع شعار “الإسلام هو الحل”.. فعلى أي من الشعارين سوف تراهن تلك الجماعات  ؟
من أكبر المشكلات التي تواجهها أكثر الجماعات الإسلامية في تحقيق مبدأ الديمقراطية، تشدد بعض الحركات المنضوية تحت إطار الإسلام السياسي في التزامها بالديمقراطية “كآلية” لتنظيم العمل السياسي والحركي، لكنها ترفض الاعتراف بالديمقراطية كروح ومحتوى ومفهوم وتذهب إلى حد مواجهة المفاهيم الحديثة التي تتأسس عليها. فهي تضع نفسها في منطقة تبرز خلالها الآلية لتنفصل عن المحتوى، رغم أن الآلية ليست سوى وسيلة يستحيل أن تنفصل عن محتواها، وإذا ما انفصلت فستصبح هي الهدف ويتم تجاهل المحتوى، بالتالي سوف يتم التفريط بالكثير من القضايا المرتبطة بالمحتوى، كقضايا حقوق الإنسان، على حساب الزعم بأن آلية الديمقراطية هي التي تعبّر عن مفهوم الديمقراطية.
و بالرغم من الشعبية الكبيرة لهذه الجماعات في العالم العربي، و دورها البارز على الساحة السياسية، خاصة بعد الأحداث الأخيرة مع حزب الله في جنوب لبنان وحماس في فلسطين، ووصول بعض أعضاء الجماعات الإسلامية إلى مجلس الشعب المصري و حركة طالبان في أفغانستان. إلا أن هذه الحركات لم تحقق اندماجاً حقيقياً في المنظومة الأيدلوجية و الاجتماعية لهذه الدول، بل تحركت متفردة منفصلة عن هذه المنظومة بل ورسخت صداماً كبيراً و تشرذماً لأبناء الوطن الواحد. و هنا لا يمكن تحميل طرف واحد المسئولية كاملة فالأيدولوجية المعمول بها في هذه الدول هشة إلى الدرجة التي لا تمكنها من التماذج بين الليبرالي و الإسلامي، و تقبل التعددية الفكرية كما في التجربة التركية مثلاً التي حققت النموذج المتفرد في العالم الإسلامي لهذا الانسجام، و قدمت تجربة انتخابية لا يمكن أبداً مقارنتها بالتجارب الانتخابية المماثلة في العالم العربي و هنا أسئلة تطرح نفسها.
لماذا هذا الخوف والهلع الليبرالي من مستقبل حركات الإسلام السياسي؟ هل هو خوف مرتبط بتدخل سياسي في الأمر لعرقلة مكاسبها السياسية، والانتخابية، والتحريض ضدها ؟، أم هو خوف واقعي يستند إلى متبنيات فكرية ونظرية ووقائع على الأرض ؟وهل يرغب الإسلاميون في الاعتراف بأن الإسلام هو أفضل الحلول ولكنه ليس الحل الوحيد؟
يجب أن نقرر أولاً حقيقة أن السجال الدائر بين علمنة الدولة وتطبيق الشريعة الإسلامية هو في حقيقته سياسي وصراع على السلطة، وليس خلافا فكريا وفلسفيا والذي أدى لتفاقم هذا الصراع هو انخراط بعض الجماعات الإسلامية في السياسة أكثر من اهتمامها بتغيير فكر المجتمع و تفعيل دورها به ،  فانحدار هذه الجماعات في منعطف الصراعات السياسية كان بمثابة بداية النهاية لعدد كبير منها، فالسياسة وحدها تتكفل بخلق النزاعات و الخلافات، فممارسة السياسة في الدين بإخضاع الإسلام إلى مطالب السياسة والمصلحة والصراع، وممارسة الدين في السياسة عن طريق بقاء موقع قوي فيها باسمالمقدس، هي التي  أججت هذا السجال بين الليبرالي و الإسلامي .
تتبنى الأحزاب الإسلامية التي تسعى إلى السلطة الدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية، والتأكيد على حرية التعبير، والحرية الدينية، وحرية المؤسسات في إطار مرجعية إسلامية. ويتقبل معظم الليبراليين في الدول العربية فرض قدر من القيود على الحقوق المدنية والسياسية، ولكن ما يخشاه هؤلاء الليبراليون هو تزايد تلك القيود بشكل كبير في ظل نظام إسلامي، ومن تلك الإشكاليات التي تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية رغبة الإسلاميين في تقديم حق المجتمع على حق الفرد؛ فمن الناحية الفلسفية يجد الإسلاميون أنفسهم في مشكلة فيما يتعلق بقدرة الفرد على الاختيار، كما أن لديهم الاعتقاد بأن المجتمع لديه ما يعلو على الفرد.
لكن هذه المشكلة هي ناتجة عن المسافة الفاصلة بين النظرية و التطبيق فالنص الإسلامي وضع نظرية شاملة تصلح لأي زمان و مكان و لم يضع خطة تفصيلية واحدة يمكن اللجوء إليها كاستراتيجية أيدلوجية لإدارة الدولة و لو فعل ما كان نصاً صالحاً لكل زمان و مكان، و من هنا تبدأ الإشكالية بين استيعاب المتشددون في هذه الجماعات للنص و بين إمكانية تطبيقه كما استوعبوه ،  و ما نحتاجه كشعوب عربية من هذه الجماعات هو تبني برنامج ديمقراطي حقيقي مؤسس على مبررات إسلامية دينية ودنيوية, شخصياً أعتقد بوجودها . ما يهمنا ليس تجميل الماضي والدفاع عنه إلى درجة التصميم على إحيائه,وإنما بناء المستقبل, بمعنى تحسين ظروف حياة الناس المادية , الأخلاقية والاجتماعية. يهمنا أيضاً أن نعلم أن ما يحدث في الواقع هو ليس نتيجة حتمية لسيادة فكرة على المجتمع أو على غيرها من الأفكار, إنما هو نتيجة تلاقح الأفكار في إطار مجتمعي واقعي .
هنا من الممكن أن يتم التزاوج بين الفكرة والواقع الذي من الممكن أن يكون مناقضاً في بعض جوانبه لهذه الفكرة , ولمن يرى في ذلك خيالاً غير قابل للتطبيق فلينظر لحزب العمال البريطاني ذو الأصول اليسارية في مجتمع معولم وامبريالي, وللحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا مع ازدياد معدلات التحلل الخلقي وتصاعد المادية هناك , بل لينظر إلى حزب العدالة والتنمية ذو الأصول الإسلامية والذي يتباهى أعضاؤه بتدينهم في مجتمع يكاد يكون السفور والتعري أحد أهم ما يميزه عن بقية المجتمعات الشرقية. تتعامل كل هذه الأحزاب مع الواقع دونما حرج, وأيضاً دونما خجل من نظرياتها الفكرية التي وصلت بهاالسلطة ، إنها الديمقراطية الضمان الأوحد لتتم عملية التلاقح بين الفكرة والواقع بصورة سلمية وعلمية، لا شك في أن نظام الدولة الديمقراطية الحديثة لا يرى في الدولة مركزاً فكرياً عقائدياً يستطيع عبره أن يجسد ذاته, وإنما هو نظام يعمل على تسيير شؤون الناس, كل الناس بما تقتضيه المصلحة الجمعية. وكل من يستطيع أن يتكيف مع هذه الحقيقة يستطيع, بل ينبغي, أن يساهم في بناء تلك النظم أياً كان موقعه فيها، فهل تستطيع الحركات الإسلامية المعاصرة تفهم تلك الحقيقة ؟، هل يمكن لها أن تبلور الحرية الدينية الموجودة في النص الديني لتحولها لواقع يمكنها من التعاطي و الاندماج مع مجتمعاتها ؟  أو ستظل خارجة عن النسق ؟
© منبر الحرية ، 3 ماي /أيار 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

يمثل  محاولات وصول  حركات الإسلام السياسي في العالم العربي  الوصول إلي السلطة عاملا مركزيا من عوامل تحريك عدم الاستقرار الهيكلي –والياته- بحكم وضعه الجيوبوليتيكي, فضلا عن وزنه الاقتصادي كمستودع للطاقة بالنسبة للعالم فضلا عن وزنه السياسي, علاوة على أنه يمثل تحديا سياسيا كبيرا  للنظم العربية . سواء في المشرق أو المغرب وهذه الحركات  الأخيرة المغاربية  تؤثر نسبيا على التفاعلات السياسية  في المشرق العربي , نظرا للارتباطات الإيديولوجية والسياسية , والتنظيمية لها مع حركة الإخوان المسلمين في مصر, والسودان, وبعض الجماعات الأخرى بالإضافة إلى  وجود علاقات مع نظام الأصولية الشيعية الحاكمة في إيران, وتحكمها في حزب الله اللبناني الذي يتبع لها عقديا وايدولوجيا وسياسيا ويتبنى بالكامل أجندتها. فضلا عن التغلغل الإيراني في العراق , وما الأزمة السياسية التي حدثت بين الجزائر وبين الصفوة السياسية الحاكمة في إيران بعيد منع جبهة الإنقاذ من تولي الحكم في الجزائر, وما قطع العلاقات بين المغرب وإيران مؤخرا نظرا للأنشطة الشيعية الدينية في المغرب الا دليلا على ذلك. وكان نجاح حركة حماس وقبلها جبهة الإنقاذ وإلى حد ما حزب الله اللبناني وحركة الإخوان المسلمين في مصر في الحصول على مقاعد نيابية عبر صناديق الاقتراح, تمثل حالات وصول الأصولية الإسلامية السنية إلى مفاصل الحكم عبر الآليات الديمقراطية –باستثناء حالة الجبهة القومية الإسلامية في السودان, التي تحالفت مع انقلاب عسكري, مما يعدها الأصوليون تجارب مرجعية يتم استلهماها  في المنطقة كلها , سواء في إدارة العملية السياسية مع الدولة أو في آليات إدارة العمليات الانتخابية. وقد يكون لازما عرض التباين بين نموذجين من تلك الحركات : إذا نظرنا إلى نماذج الإسلام السياسي الطرفي وهو النمط الذي برز منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي في السودان وتونس والجزائر, وهو نمط انتشر انطلاقا من مرجعية تاريخية تتمثل في حركة الإخوان  المسلمين في المركز (مصر ), وتميزت العلاقة بين إسلام المركز والأطراف , بالضمور الفكري وتآكلها الذاتي على مستوى بنية الأفكار السياسية , والإجتماعية في المركز, و ما بدا من حيوية وتمدد في الأطراف, ففي حين أن الكوادر القيادية في المركز تتسم بالشيخوخة – العمرية والسياسية –اتسمت عناصر في القيادة في الأطراف, بالتكوين الثقافي المتميز في مستوياته العليا, وبالتفاعل الخصب بين الجماعات والقيادات السياسية في الأطراف , ونقل الخبرات التنظيمية , وصياغة الخطاب السياسي الإسلامي الجديد. مع ملاحظة طبيعة التكوين العلمي والثقافي لهذا النمط من القيادات ( عباس مدني الذي كان يرأس جبهة الإنقاذ الجزائرية ثقافته ثلاثية المكونات انجلوفونوفرانكوفونوعربية، ودكتوراه في التربية من انجلترا). و(حسن الترابي الذي قاد انقلاب الإنقاذ في السودان، دكتوراه في القانون الدستوري حول الظروف الاستثنائية في النظامين الفرنسي والإنجليزي , ومعرفة بالشريعة الإسلامية على مستوى رفيع).
وتميز الإسلام الطرفي في إنتاجه الأيديولوجي بخطاب مختلف وحديث ,ونظام لغوي يختلف عن خطاب ولغة المركز التقليدية , التي تجاوزها خطاب الإسلام السياسي الراديكالي (الجهاد مثلا-)وكلاهما  يستخدم  المناورة من خلال بروز اتجاه يرى إمكانية تحقيق الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية –وفق مفاهيمهم-عبر صناديق الاقتراع , وبين اتجاهات ترفض الآلية الانتخابية لبناء الدولة الإسلامية , تحت شعار “إلى الدولة الإسلامية فورا”, و” الدولة الإسلامية فريضة ولا تحتاج إلى صندوق اقتراع”. .وانطلاقا من الإطار الجيوبولتيكي والإيديولوجي الذي تتحرك فيه حركات الإسلام السياسي الأصولي, سواء في المركز أو الأطراف يمكن رصد حركتهم السياسية في سبيل الوصول إلي السلطة على النحو التالي:
(1)    استفادة من بيئة  نمو الغضب الاجتماعي والسياسي في المدن, والتي تتمثل مكوناتها في البطالة –الشباب- وأزمة الإسكان .
(2)     محاولة الاستفادة من فجوة المصداقية السياسية التي تكرست من خلال عجز تلك النظم وأجهزتها, ومن ثم محاولة تجنيد هؤلاء الشباب وإعدادهم ايدولوجيا وتعبئتهم سياسيا ضد نظم الحكم في الجامعات والأحياء ومحاولة الانتشار داخل النظام الإقليمي  .
(3)    استغلال  وتوظيف الخطاب الديني الذي تسانده الدولة عبر وسائل الإعلام , والتعليم في البناء عليه , وتطويعه نحو خطاب تلك الحركات انطلاقا من أن سيادة وشيوع البيئة والرموز والأسانيد الدينية للخطاب الحديث يؤدي إلى إضعافه وقوة الخطاب الديني .
(4)    استغلال المساجد في التعبئة , والتنشئة الدينية العقدية, وتجنيد الكوادر. والاهتمام بوجود كادر  قيادي وسيط قادر على ملء الفراغ القيادي في حالة اعتقال القيادات العليا. مع محاولة الاستحواذ على النقابات المهنية عبر استغلال الحشد والتنظيم مع تقاعس الآخرين أو عدم حماستهم للإدلاء بأصواتهم .
(5)    محاولة إعداد قائمة الأعمال السياسية لتلك الحركات بمهارة ودقة , ومحاولة فرضها على الدولة والحكم , والقوى السياسية الأخرى , لتكون تلك الحركات هي المبادرة بالقائمة والفعل المواكب لها , وتكون القوى الأخرى , وعلى رأسها الحكم بمثابة رد فعل لمبادراتها وسلوكها السياسي , وهو الأمر الذي يؤدي إلى إرباك الخصوم السياسيين , وعدم قدرتهم على بلورة رؤية سياسية مخططة قادرة على المبادرة .
وتلك الحركات تثير إشكالية حيث أضحت المسألة الديمقراطية, وحقوق الإنسان أبرز بنود المطالبات المتعددة بالتغيير في عالمنا الذي يموج بالدعوات المختلفة للتعدديات مع ملاحظة أن الضغوط القادمة من النظام الدولي , وما دونه إلى قاعدته , تخفي وراءها مصالح متعارضة , ومتشابكة , وتجد دعاوى التعددية أيا كانت مصادرها مقاومات في البنيات الداخلية , هنا  التناقض الإشكالي بين التوق العارم في الحركة الاجتماعية , والسياسية للديمقراطية والتعددية كأسلوب حياة , واليات العمل المؤسسي واليومي , وبين طبيعة التكوين الفكري والخبراتي للفاعلين سياسيا , إذ أن هؤلاء يرفعون شعارات , وخطابات التعددية , والليبرالية , والاحتكام إلي صناديق الاقتراع, وفي ذات الوقت يقفون ضد هذه القيمة الأساسية إذا ما أدت نتائج الاقتراع إلى ظهور الخصم السياسي- الثقافي ظافرا. وفي ذات المستوى فإن بعض القوى اختارت الوصول إلى السلطة السياسية عبر آليات التعددية والاقتراع , وذلك لتنفيذ مشروع سياسي يناهض جذريا المشروع الليبرالي التعددي في قيمه, والياته ,.
© منبر الحرية، 26 مارس/آذار 2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

لا يمكن، نظريا على الأقل، اعتبار تصويت نسبة تفوق النصف من الناخبين السويسريين لفائدة قانون يمنع بناء مآذن المساجد بهذا البلد، بمثابة تحول كارثي  في تدبير الجانب الديني والثقافي في ملف مهاجري أوروبا، أو بخصوص العلاقة المرتبكة أصلا بين الغرب من جهة وإسلامه ومسلميه من جهة أخرى، أو حتى بما قد يحيل على إشكالية حضور الرموز المعتبرة دينية بالفضاء العام الغربي، تحديدا الأوروبي.
تعيش هذه الرموز معركة وجودها منذ زمن بعيد نسبيا، ليس على مستوى العالم الغربي فقط بل وعلى امتداد بعض بلدان العالم الإسلامي الذي يشكل مصدر الغالبية من مسلمي الغرب ¬¬)هل يجب التذكير هنا بالخطوات التي اتخذتها تونس و تركيا في اتجاه حظر الحجاب في المؤسسات العمومية؟(. أما علاقة الغرب بالإسلام فليس بالأصيل القول بأن طائرات الحادي عشر من شتنبر قد دمرت مع برجي مانهاتن الشجرة التي كانت تحجب تاريخا  طويلا من التوتر والتوجس.أما عن تدبير ما يسمى بالاندماج الثقافي والديني للمهاجرين فالأزمة واردة لا محالة في ظل اعتقاد غالبية المهاجرين الشرقيين بإمكانية الفصل بين رفاهية الغرب المعيشية و نموذجه الثقافي، واعتقاد غالبية الغربيين بإمكانية جلب سواعد المهاجرين دون ثقافتهم واعتقاداتهم.
مع ذلك فقد تشكل معركة المآذن بسويسرا بالنسبة للمهتمين بالإشكاليات المذكورة مجالا خصبا لإعادة تحيين تصوراتهم وآرائهم وفق مختلف سياقاتها وتداعياتها. ولعل أول ما يثير الاهتمام في المعركة المذكورة هو سياق حدوثها. لقد قدمت سويسرا عن نفسها خلال أطوار هذا المسلسل صورة بلد يخوض حربا بالوكالة، فلقد كان مستغربا أن لا تحدث معركة المآذن في بلد يعيش أزمة مركبة على مستوى تدبير الاختلاف الديني المعقد الناجم عن تاريخ طويل من استقبال و توطين المهاجرين كفرنسا أو هولندا مثلا.
لا زالت سويسرا جنة أوروبا و هي ليست بأي حال وجهة مفتوحة أو حتى ممكنة أمام المهاجرين القادمين من الجنوب. و سواء كانوا مسلمين أم غير ذلك فإن مهاجري سويسرا أبعد ما يكونوا عن الصورة التقليدية للمهاجر الإفريقي أو الآسيوي بأوروبا، فهم في جملتهم مؤهلون في جامعات ومعاهد أوروبا بما جعلهم يحملون في نهج سيرهم ما سمح لهم بالاستقرار في جنة أوروبا.
كل هذا يجعل من أي نقاش حول المشاكل المتولدة عن ظروف اندماج المهاجرين في مجتمعات الاستقبال، أمرا هامشيا بهذا البلد مقارنة ببؤر التوتر التقليدية في هذا المجال وفي مقدمتها كما ذكرنا فرنسا وهولندا. وفق هذا، ألا يمكن اعتبار حظر بناء المآذن بسويسرا بمثابة إجابة عن أسئلة غير مطروحة على الأقل في الوقت الراهن و في المستقبل القريب لسويسرا؟
النقطة الثانية التي قد يمكن استخلاصها من معركة المآذن بسويسرا تشكل، من وجهة نظرنا الجزء الصادم في هذه القضية. لقد استطاع حزب يميني متطرف أن يدفع بما يتجاوز نصف ناخبي بلد أوروبي باتجاه التصويت على قانون مثير للجدل بخصوص أقلية دينية بهذا البلد. لقد ولى إذن الزمن الذي كانت فيه أحزاب اليمين المتطرف مجرد أحزاب أقلية تفتقد لأي تأثير سياسي بالمجتمعات الغربية. على العكس من ذلك، فقد أبان الحزب المعني بسويسرا عن فعالية كبيرة في مجال تأطير الرأي والسلوك  السياسيين للناخب السويسري على هامش معركة المآذن. هذا الصعود المخيف لأحزاب اليمين المتطرف، ألا يدفع للتساؤل حول مستقبل ميراث فكر الأنوار بأوروبا؟
إضافة إلى الطابع الديني، السياسي والاجتماعي للنقاشات المصاحبة لهذه القضية ، فقد أثارت معركة المآذن بسويسرا إشكالية فلسفية عميقة تهم حدود الديمقراطية وتطبيقاتها. ذلك أن الممارسة الديمقراطية التي من البديهي أن تشكل صمام أمان حفظ وتثبيت حقوق الإنسان قد تم توظيفها لصالح تصفية أحد الحقوق الإنسانية الأساسية المتمثل في الحق في الاختلاف الديني والثقافي. لقد شكلت المنهجية الديمقراطية المتمثلة في طرح الأمر للاستفتاء حجة من كانوا وراء القانون المذكور ومن اعتقدوا بمشروعيته، لكنها قد تكون شكلت، و بشكل مفارق، نقطة الضعف الأساسية أيضا.
إن سويسرا أبعد ما تكون عن جمهوريات الموز التي تختزل فيها الديمقراطية في عملية التصويت.  أي أنه من البديهي أن تتعدى الممارسة الديمقراطية بها مجرد الذهاب إلى صناديق الاقتراع و الإدلاء بالأصوات لصالح أو ضد قانون معين إلى مجال صناعة الرأي العام والسلوك السياسي للمواطنين. هذا الأمر تلعب فيها التنظيمات السياسية دورا مهما من خلال أدوات التأثير المتمثلة أساسا في وسائل الإعلام.
في هذا السياق يكتسب التساؤل بخصوص تفاصيل ما حدث بسويسرا مشروعيته. أما الأسئلة الأكثر إلحاحا بهذا الخصوص فتتعلق بأدوات التأثير هذه. فإلى أي حد كانت وسائل الإعلام السويسرية موضوعية ومنصفة في التعاطي مع المسألة بما يمكن من صناعة الرأي العام بطريقة عادلة وموضوعية؟ إلى أي حد تم احترام مبدأ الرأي والرأي المخالف الذي يعد عصب الممارسة الديمقراطية؟ بصيغة أخرى، هل حصل أنصار هذا الموقف أو ذاك على نصيبهم العادل في التعبير عن موقفهم و الترويج له؟
أما إذا ابتعدنا عن التفاصيل المذكورة فسنجد في عمق معركة المآذن بأوروبا إحدى أهم الإشكالات التي تخص مجال تدبير الاختلاف الديني وحقوق الأقليات بالغرب، تلك التي تتعلق كما أسلفنا بحضور الرموز المعتبرة دينية بالفضاء العام الغربي، الأوروبي تحديدا. لكن المثير في الأمر هذه المرة هو خروج مجال النقاش واتخاذ القرار من هامش النخب الفكرية الواعية بالتعقيدات الكثيرة المحيطة بأمر كهذا إلى مجال عموم المجتمع.
إن  أمرا كهذا ليس من شأنه، من وجهة نظرنا، سوى تهديد أفق التعايش الديني والثقافي الذي يشكل الضمانة الأساسية لتدبير المجال العام الغربي في سياق البلقنة الدينية والثقافية المتولدة عن الهجرة. وتسويق هذه النقاشات من طرف أنصاف المختصين بطريقة تحريضية إلى عامة الناس لن يؤدي إلا إلى مزيد من تغذية مشاعر الحقد و الكراهية تجاه كل ما هو غريب ومختلف عن ما تنتجه مجتمعات الاستقبال . نختم في هذا الإطار بالتساؤل عن عدد الناخبين السويسريين الذين ذهبوا للتصويت وهم قادرون على التمييز بين المئذنة والبناء الكلي للمسجد. بصيغة أخرى ألم تكن أوراق ال”النعم” الكثيرة التي وضعها أزيد من نصف الناخبين السويسريين موجهة في حقيقة الأمر للمساجد التي تمت شيطنتها ومرتاديها في سياق الخوف و التخويف الذي يعيشه الغرب إزاء ما أسماه هنتغتون يوما ما بالمد الأخضر؟ أما المآذن فتلك حكاية أخرى…
© منبر الحرية، 05 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

يختزل تاريخ الرياضة علاقة من نوع خاص مع الدين. فمنذ البداية، كانت الألعاب الرياضية على تماس مباشر وحاد مع التفسيرات ذات الطبيعة الدينية الخالصة. فحسب رودلف براش، فإن الرياضة بدأت كطقوس دينية. ومنشأ ذلك بحسب براش: إن الإنسان كان يخاف من قوى الطبيعة التي تحيط به وتنال منه، الأمر الذي غرس في الإنسان البدائي نزعة إحراز النصر على الأعداء المرئيين وغير المرئيين للسيطرة على قوى الطبيعة، ولزيادة الخصوبة في المحاصيل والماشية؛ فقد كان الملعب والألعاب طريقة الشعوب البدائية لضمان وإحياء الزرع والضرع.
وعلى سبيل المثال، فإن ألعاب الكرة كانت تمثل لشعب المايا في أميركا الوسطى جزءاً هاماً من عقيدته الدينية، كما أن الأولمبياد هو نتاج علاقة خاصة بين الدين والرياضة، حيث كانت احتفالات الإغريق الدينية تأخذ طابعاً رياضياً تنافسياً، وكان الاحتفال أو المهرجان الأكثر شهرة، بحسب الدكتور أمين الخولي في كتابه “الرياضة والمجتمع”، هو المهرجان الأولمبي الذي كان يقام على سفح جبال أولمبيا في بلاد الإغريق لتمجيد ما أطلقوا عليه اسم “رب”.
ومثلما كان الدين دافعاً قوياً لازدهار الألعاب الرياضية، كان سبباً في تراجعها. فقد قرر الإمبراطور تيودور الأول فور اعتناقه المسيحية عام 394 منع الألعاب التي كانت معروفة لدى الإغريق، بحجة أنها تمثل احتفالات وثنية. وقد ظل يُنظر إلى الرياضة مسيحياً على أنها تتعارض مع القيم الروحية والإيمان الحقيقي، لأنها تغرق الجسد في الملذات والمادية.
لكن منذ القرن التاسع عشر، حصل تحول جوهري في نظرة الكنيسة للرياضة، ويعود الفضل في ذلك إلى بعض رجال الدين المسيحي الذين أدركوا أن الرياضة لا علاقة لها بما قد يرتكبه الإنسان من آثام، بل على العكس يمكن للرياضة أن تساعد في بناء شخصيته بطريقة أفضل.
وفي الواقع، كان هناك سبب آخر جعل الكنيسة تتحمس لدعم الأنشطة الرياضية، وهو، كما يذكر عالم الاجتماع جورج سيج، خدمة الرب. وهو ذات السبب الذي من أجله اهتم اليهود بالرياضة، إذ كانت الأنشطة الرياضية تقام في يوم السبت، الأمر الذي أصبغ عليها صبغة دينية، وجعلها تبدو وكأنها عملية إيمانية بحتة.
في المقابل، فإن نظرة الإسلام إلى الرياضة كانت مختلفة بعض الشيء، إذ لم يكن هناك أي تعارض بين التعاليم الإسلامية والرياضة، بل إن كثير من كبار العلماء في التاريخ الإسلامي لم يخفِ إعجابه ببعض الألعاب الرياضية كالفروسية والرمي والمبارزة، باعتبارها حاجة ضرورية لبناء جسم قوي، وبالتالي لبناء مجتمع قوي ودولة قوية.
لكن انحطاط المسلمين الحضاري غيّر الرؤية تجاه كثير من المسائل ومنها الرياضة التي يُنظر إليها على أنها تضييع للوقت في غير فائدة. ورغم أن هذا العصر يكاد يكون عصر الرياضة، فإن هناك أصوات دينية ما تزال ترى في الرياضة مؤامرة “يهوصليبية” لإلهاء المسلمين عن أمور دينهم وعن قضايا أمتهم، فمتابعة كأس العالم، بحسب الدكتور يحيى إسماعيل، وهو عالم دين أزهري، يعادل “تعاطي المسكرات المحرمة شرعاً لأنها تلهي عقول الأمة وتغيّبها وتعمي بصيرتها عما يراد بها ويستهدفها”، مؤكداً في جوابه على سؤال لموقع “إسلام اون لاين” حول حكم الشرع في اهتمام العالم الإسلامي بكأس العالم أن “الوقت لا يسمح بأي حال من الأحوال أن تركز على متابعة مباريات الكرة، بينما يدافع النساء والأطفال عن المسجد الأقصى”، بالإضافة إلى أن الظروف المحيطة بالأمة سواء في العراق أو أفغانستان أو كشمير ليست كما ينبغي.
ليس هناك أفضل من التيارات الأصولية في استغلال معاناة الناس العاديين والتحريض على الرياضة ومن يمارسها؛ فالمرتبات العالمية التي يحصل عليها اللاعبون هي “جنون وسفه”، فيما لا يتحدث أحد عن فساد كبار المسئولين واستيلائهم على مئات الملايين بغير حق.
لكن هذا الموقف المتشدد تجاه الرياضة يعبر عن ازدواجية مفرطة، فالحركات الإسلامية التي لا تتوانى في انتقاد الإنفاق على المسابقات الرياضية هي ذاتها من تحاول الاستفادة منها لفرض آرائها وتوجهاتها. وفي هذا الإطار يقال أن “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الجزائرية استطاعت الفوز في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 كانون الأول/ ديسمبر 1991 بواسطة الرياضة، حيث كان يتم ترديد شعاراتها في الملاعب الرياضية.
كما أن حركة الإخوان المسلمين وهي تُعد أم الجماعات الإسلامية والتي تأسست في 1928، كان تولي الجانب الرياضي وخصوصاً الألعاب القتالية عناية خاصة، لإدراكها أن الرياضة هي إحدى البوابات الرئيسية لتحقيق أهدافها في الاستيلاء على الحكم.
ولسوء الحظ، فإن هذه الازدواجية تحقق لهذه التيارات الأصولية ما تصبو إليه، فهي من خلال اهتمامها بالرياضة غير الاحترافية (أي بالأندية الصغيرة على صعيد القرى والحواري) تحصل على الشعبية المطلوبة بأموال ليست كبيرة، فهي غير معنية بالمنافسة على الصعيد الدولي التي تتطلب صرف الكثير من الأموال، لأن الوطن بالنسبة لها لم يتحقق بعد على أرض الواقع، ذلك أن الوطن بحسب معتقداتهم لا بد أن يجمع تحت لوائه جميع المسلمين في دولة واحدة هي “دولة الخلافة”، على العكس من الأصولية المسيحية التي تجاوزت الكثير من آرائها المتشددة تجاه الرياضة لإظهار تفوق الديانة المسيحية في هذا المجال، فهذا يساعدها في حملاتها التبشيرية في دول العالم المختلفة، وخصوصاً في أفريقيا وآسيا.
وقد توصل بافو سبانين، في دراسته عن الأولمبياد من المنظور الديني المقارن خلال الفترة (1869- 1968)، إلى أن الأمم البروتستانتية تأتي في المرتبة الأولى لناحية الإنجازات الرياضية، يليها الأمم الكاثوليكية والأرثوذكسية، فيما حلت الأمم الإسلامية والكونفوشيوسية واليهود في ذيل القائمة.
هذا “التفوق المسيحي” – إن جاز القول – في المسابقات الدولية يزيد من فرص الجهات والهيئات ذات الطابع التبشيري في تحقيق أهدافها؛ فالانتصارات التي تحققها الفرق المسيحية يمكن اعتبارها    “حروب صليبية” ناجحة. في المقابل، تبرز أندية المساجد في الدول العربية والإسلامية بوصفها “خطوط الدفاع” الأخيرة ضد “الغزو المسيحي” الأجنبي، إذ دائماً ما تكون الندوات ذات الطابع الديني المتشدد من أهم الأنشطة التي يحرص على وجودها القائمين على هذا النوع من الأندية إلى جانب ألعاب كرة القدم وكرة الطائرة والألعاب القتالية على وجه الخصوص للتذكير بالعدو، وللتصدي لموجات ما يسمى “الغزو الثقافي”.
ختاماً، بات من الصعب تجاهل صعود الظاهرة الدينية المستمر منذ منتصف القرن الماضي، وهذا بلا شك يؤثر في طريقة تفكير الناس، ومنها الجماهير الرياضية التي تعرف ماذا يعني أن يقدم لاعب على أداء حركات وإشارات دينية. إنه ببساطة يريد أن يقول “إن هذه المواجهة الرياضية تتطلب دعماً إلهياً”، وهذا بالتأكيد ما تحرص الأصوليات المختلفة على إظهاره، لكن ذلك – لسوء الحظ – يجعل الرياضة في خطر دائم.
© منبر الحرية، 14 نوفمبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

ما من مرة استمعت أو شاهدت برنامجاً من برامج الفتاوى، المنتشرة على الفضائيات والإذاعات العربية، إلا واتصل أحد المستمعين أو المشاهدين وسأل سؤالا مفاده: هل المصافحة حلال أم حرام؟ وهل هذه المصافحة تجوز مع ارتداء قماش حاجب كالقفازات؟ وهل تنقض الوضوء أم لا تنقضه، ومن هم المحارم الذين تجوز مصافحتهم؟.. وما إلى ذلك من هواجس تقض مضاجع المسلمين، كان من بينهم من سأل أن ابنة عمة أمه في السبعين من العمر تقبّله أثناء السلام عليه، فهل يجوز ذلك؟؟
وغالبا ما يجيب المفتي بإجابة أصبحنا نحفظها عن ظهر قلب، وهي أن الأصل في الوجود هو الإباحة وأن الممنوعات هي قليلة، وفيما يتعلق بالمصافحة فقد أفتى الامام أبو حنيفة بكذا وكذا وأفتى الامام الشافعي بكذا وكذا وأفتى الامام مالك بكذا وكذا عليهم السلام جميعا، ثم ينهي كلامه في الأغلب الأعم بتحريم المصافحة وعدم جوازها طلباً للأمان والسلامة.
الأمر نفسه يتكرر مع الموسيقى والغناء، ويتكرر السؤال كل يوم: هل سماع الموسيقى ومشاهدة الاغاني حلال أم حرام؟ وهل الفن حلال أم حرام؟ فيفتي البعض بجواز الإنشاد بدون آلات موسيقية، وإذا كان لا بد للمنشد من الموسيقى فيُكتفى بالدفوف. ويفتي البعض الآخر بشرعية الغناء حتى مع وجود الآلات الموسيقية، كما هو الحال مع الشيخ يوسف القرضاوي الذي يقول إنه ينظر إلى الغناء نظرة جادة إذا كان الغناء جاداً وأن الأصل في الوجود هو الإباحة خصوصاً الطيبات، فإذا كان الغناء طيبا وكلماته طيبة فلا ضير في ذلك مع وجود الضوابط في الموضوع وطريقة الأداء.  كذلك تخبرنا سيرة الشيخ جلال الدين الحنفي إمام جامع الخلفاء ببغداد، والمعروف بتنوّره واعتداله، أنه كان محباً لتعلم اللغات والاستماع إلى الموسيقى، ويذكر الباحث رشيد الخيون كيف أن الشيخ الحنفي تعرض للنقد على اهتمامه بالموسيقى، والذي تعدى الاستماع إليها إلى التعلم على عزفها عندما انتمى في العام 1940 الى معهد في الموسكي بمصر لتعلم العزف على العود، ويورد نقلا عن صديقه الرشودي أن هذا الصنيع يدل على أن الشيخ يرى رأي أبي حامد الغزالي في حلية السماع ما دام لا يشغلك عن عبادة ربك ولا يدعو الى المجون أو الفجور وأن الغناء ما هو إلا محاكاة لعندلة البلابل وهديل الحمائم وزقزقة العصافير. كما يورد الكاتب رأياً مشابهاً لعالم دين معاصر من أائمة الشيعة، هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في أن الغناء، سواء رافقته آلات الطرب الموسيقي أم لا، مباح ما لم يستخف السامع الى حد يخرج به عن الكمال.
إن هذا الاعتدال، الذي يتسم به فقهاء متنورون يجعلون في الدين فسحة من التفاؤل والأمل والفرح وينأوْن به عن اليأس والتجهّم والعبوس، يجعلنا نتوقف باستغراب أمام مواقف أخرى في الطرف الآخر من هذه المعادلة حيث يقف الرأي المتشدد من الموسيقى، ذلك الذي حجب جائزة الإنشاد العالمية عن سامي يوسف لأن القائمين على الجائزة كانت لهم ملاحظات شرعية على فنه فيما يتعلق باستخدامه الموسيقى التي لا يوافق عليها الإسلام برأيهم. كما نتوقف باستغراب أمام مواقف أخرى متطرفة ومتشنجة بحق المرأة نجدها غريبة عن الإسلام، هذا الدين الثائر الذي جاء ليمنح المرأة حقوقاً ما كانت لتخطر على بال الرجال، وليقول إن النساء شقائق الرجال وإنهما خُلقا من نفس واحدة وإن للمرأة الأهلية للإرث والتملك والتصرف بأملاكها والتعليم واتخاذ القرار في شؤون حياتها من زواج وطلاق، بل إن الإسلام جعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. لكن من الرجال من ظلوا ولا يزالون يقاومون هذا الوضع الجديد ويمارسون قمعهم لهذا الكائن الرقيق ويغالون باعتباره  فضيحة يجب التستر عليها وإخفاؤها عن الناس بأغرب الوسائل وأكثرها قسوة، كالبرقع أو النقاب الذي وصل الى وجوه النساء من الحجيج في التفاف واضح على الدين والسُّنة النبوية الشريفة وعلى الملابس المخصصة للإحرام أداء مراسم الحج.
هذا البرقع أو النقاب يستشري، الأسود منه خصوصاً، بشكل غير مسبوق على وجوه النساء العربيات من المحجبات وفي مناطق معروفة من الجزيرة والخليج العربي، ولا أدري كيف سمح أصحاب الفتاوى الشرعية والفقهاء بانتشاره وجعله جزءاً حلالاً ومكملاً للحجاب، وهو الذي يسيء إلى صورة الرجل المسلم قبل المرأة المسلمة، ويقدمه بصورة غير إنسانية باعتباره وحشاً كاسراً لا يفكر بغير رغباته الحيوانية، وهو غير مسيطر عليها إلى الدرجة التي تجعل المرأة تمشي في الشارع ووجودها الإنساني ملغًى تماماً لكي لا يغوي وجهها هذا الوحش الكاسر أو يفتنه. وهنا أيضا تتكرر الملاحظة حول رجال الفتاوى في تلك البرامج الدينية، من الذين تطفو رجولتهم على السطح فيفتون بأنه لا ضير من ارتداء البرقع ويشجعون النساء على ارتدائه، متجاهلين الحديث النبوي الشريف بإظهار الكف واليدين، ومتطاولين على عباد الله الذين هم أمانة في أعناقهم، وعلى صورة الإسلام والمسلمين التي يجب أن ينقيها هذا المفتي من الشوائب لا أن يسمح لتعصبه الشخصي على تشويهها تحت شعار الدين والتقوى. ولو دخلت على أي موقع إسلامي للفتاوى الدينية لدخت وشاب رأسك من آلاف الإحالات والمصادر التي ينحتها كل واحد منهم حسب عصبيته وفهمه ودرجة انفتاحه أو تشدده.
التشدد الآخر الذي بدأ يستشري في مجتمعاتنا هو ارتداء الحجاب من فتيات صغيرات لا زلن بعدُ في سن اللهو والطفولة، وأذكر في هذا الصدد أبنة جارتي التي رأيتها ذات يوم وهي تلهو وتلعب مع صويحباتها مرتدية فانيلة وسروالاً قصيراً(شورت) من الذي يرتديه الأطفال الصغار، وفي اليوم التالي وجدتها ترتدي (الإيشارب) على شعرها وقميصاً عريضا يستر جسمها النحيف الصغير. ولما سألتها عن السبب قالت إن أختها أخافتها من السفور وحدثتها بأنها ستُحرق بالنار إنْ لم تتحجب.
هنا يجب أن نعترف ونقول إن (حرب الملابس الفاضحة) التي تشنها بعض الفضائيات، والابتذال الإعلامي الذي تمارسه، مع سبق الاصرار والترصد، القنوات التي تتحدى التقاليد، هو سبب من الأسباب التي أدت إلى انتشار مثل هذه الظواهر والرؤى المتشددة، وهو أيضاً يجعلنا نتعاطف مع قوانين الرقابة التي بدأت الحكومات تلوّح بها بوجه من أساء استخدام الحريات، وبعضهم، مع الأسف، من المخرجين المرضى والنجمات الفنانات اللواتي يقضين حياتهن الفنية في خرق العادات والتقاليد ثم يقررن فجأة الاعتزال والحج وارتداء الحجاب.  ولكن أليست أجواء الحريم التي يوحي بها البرقع الأسود والعباءة السوداء هي أيضا من المظاهر الحسية التي تحيل إلى المخادع وامتلاك الرجل لهذه المراة كجسد للمتعة ليس إلا؟ وأليس ذلك المفهوم الحسي للمرأة المسلمة، هو ما ركز عليه المستشرقون في اختيارهم للموضوعات واللوحات المأخوذة من قصور السلاطين مدفوعين بعنصر الإثارة التي أصبحت تمثله كلمة الحريم؟
إننا مع الأسف لا زلنا نعيد ونكرر مادعا اليه قاسم أمين ورواد النهضة من الإصلاحيين قبل مئة عام من الآن، ولا زال  حالنا مثل سيارة (تعتعت)، مرة تتوقف ومرة تمشي إلى الامام ومرة ترجع إلى الخلف…. ففي مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي قال الزهاوي وهو الشاعر الجريء، صاحب (ثورة الجحيم) الخارجة عن المألوف:
اسفري يا ابنة فهر، فالحجا   بُ داء في الاجتماع وخيم
كل شيء إلى التجدد ماض    فلماذا يقـر هذا القديـم؟
ثم تراجع عن دعوته إلى السفور بسبب ثورة رجال الدين ضده وضد آرائه ممن أسماهم مجايله الشاعر الرصافي، الذي لا يقل جرأة عنه، ببوليس السماء. ثم انتهت الحرب العالمية الثانية فأحس الناس بجمال الحياة وانفتح العالم على ثورة في الأدب والفن والأزياء، وصلت إلينا في الستينيات فأصبح السفور مظهراً من مظاهر الرقي الاجتماعي، وأصبحت حفلات أم كلثوم التي نشاهدها الآن في أغاني زمان قادمة من زمان المستقبل وليس الماضي، إذ لا تجد في الحضور امرأة واحدة ترتدي الحجاب. وفي السبعينيات بلغ الانفتاح مدًى غير معقول ولا مقبول، مع ظهور الميني جيب والسراويل النسائية وقصّات الشعر الرجالية وملابسهم المتأثرة بالهيبيز والبيتلز وما إلى ذلك من صرعات. ثم عادت الأمور إلى التوازن في الثمانينيات، ومع بدء الحروب والاضطرابات في الوطن العربي، عادت ظاهرة الحجاب من جديد، فانتشرت مثل انتشار النار في الهشيم، وتفاقمت أشكالها فوق رؤوس النساء، حين أصبحت على شكل عمائم ولفّات غريبة عجيبة، وانتهت، كما أشرنا قبل قليل، الى رؤوس البنات الصغيرات ممن لا وعي لديهن ولا حيلة ويُربَّيْن منذ الصغر على كبح تلقائية الخلقة وإخفاء الضحكة والابتسامة والقوة والرأي الجريء، فهذه كلها فضائح يجب التستر عليها ووأدها منذ نعومة الأظافر.ان القول بانتقاد هذه المظاهر لا يأتي من اعتدال الدين الاسلامي وسماحته فحسب، وإنما من إحكام العقل والحس السليم الذي يقول إن حجاب العقل هو الذي يحول الرجال من وحوش كاسرة، إن كانوا كذلك، إلى بشر، وثقافة المرأة هي التي تحولها من حرمة الى إنسانة محترمة في المجتمع، وهي التي تصونها من الخطأ
.
© منبر الحرية، 19 سبتمبر/أيلول 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

مفهوم الحداثة، بوجه عام، هو مفهوم مشّكلْ بالمعنيين التاريخي والمعرفي، إلى الدرجة التي يكاد يستحيل فيها اليوم، أن نجد تعريفاً موحداً، جامعاً ومانعاً له. فإذا كانت هذه الصعوبة تواجهنا في السياق التاريخي لنشوء المفهوم، فليس أقله أن تكون مقاربة المفهوم، على الصعيدين التاريخي والأيديولوجي للإسلام، أكثر تعقيداً وأشدّ إشكالاً.
إن السياق التاريخي الذي قاد الغرب إلى ما وصل إليه، لم تزل العديد من المجتمعات الإسلامية بعيدة عنه. وهو الوضع الذي يمكن تسميته، مستعيراً عبارة هابرماس، بـ(تعاصر اللامتعاصرات) إذ تبدو الأخيرة معاصرة للغرب الحداثي على الصعيد الجغرافي، وكذلك على صعيد استهلاك المنتجات التقنية لتلك الحداثة، دون أن تكون كذلك على المستويات الأخرى. وتلكم هي المفارقة الكبرى والمألوفة جداً. إذ نلحظ هنا (لا) حاسمة وقاطعة للحداثة وأيديولوجيتها، ونفاجأ إلى حدّ الدهشة، في الوقت نفسه، حين نجد تلك المجتمعات غارقة حتى أذنيها في مظاهر الحياة الحديثة. ثمة شره شيطاني بمنتجات الحداثة ووسائلها، وولع لامحدود بالتكنولوجيا وسائر التجهيزات والمعدات اللازمة لممارسة المتعة والرفاهية، وجشع بالمال والمتع والسلطة والشهرة. وتهيمن على سلوكها انتقائية فاشية متطرفة. ومع ذلك ترفض التنظيم الاجتماعي والسياسي الحديث.
هنالك سخط أيديولوجي مسبق إزاء الحداثة ومفهومها، يصاحب الخطاب الإسلاموي في هذه المجتمعات، يتخذ ردّات فعل عنيفة في أحيان عديدة. وأحيان أخرى تجابه الحداثة بمصدّات أيديولوجية قوامها النزعات الخلاصية والخرافات والأوهام العتيقة، التي لاتخلو من الفزع الثقافي والأخلاقي المسرف، الذي ينمّ عن كراهية للتحرر والتقدم والإصلاح والعقلانية. وتكشف عن هشاشة تلك المجتمعات وعجزها عن الصمود في وجه دوّامة التغيير التي تكتنفها. إن القوة المركزية، الجاذبة والساحقة، لتلك الدوامة لا تبقي على شيء، بمنأى عن صيرورتها، إذ تحدث تصدعات وشروخ، في العمق والسطح، وتكشف النقاب عن عمق هوة التفاوت في البنى والمؤسسات والرؤى والمعايير.
إن الوعي الإسلاموي المعبر عنه في الخطاب الفكري والعقائدي للجماعات والأفراد والمؤسسات، وحتى المفصح عنه في الممارسات الرمزية والطقوسية، العامة والشائعة، الإسلامية، يعكس إلى حدّ كبير الكيفية التي يدرك بها العالم  وصيرورته. وهو مطبوع بطابع الحيرة والقلق والتشاؤم والعدمية وعدم الثقة بالمستقبل. ذلك أن هذا الوعي لا يجد الحياة المثلى في الحاضر أو المستقبل، وإنما يتخذ العودة إلى الوراء سبيلاً للسير إلى الأمام. فالإسلاموي  أسير لهذا العالم الحديث على الصعيد المادي والمتع، لكنه في وعيه وروحه ينتمي إلى عالم تقليدي وماض، ويتطلع إلى حجب ضوء التقدم ورفض كل العناصر الإيجابية له. و يسعى جاهداً إلى طرح نموذج منهك للحياة، نموذج عتيق وبال تم تجاوزه، وثقافة متخطاة لا تصلح للأخذ بها نمطاً للحياة المعاصرة. إنه وعي مأزوم يسعى إلى إجبار البشر على السير بعكس التاريخ، متسلحاً بعجرفة أخلاقية ومكابرة جوفاء تأبى القبول بفكرة التقدم. ولهذا نراهم يتحذلقون في شؤون الدنيا برياء أخلاقي يلّف عباراتهم، وهم غارقون في حاضر الحداثة، ويلعنون ثقافتها، ولا يكفون عن إعلان حنقهم على دعواتها السياسية والثقافية.
من نافل القول، إن هيمنة الحداثة الفكرية والعلمية والتقنية، وحتى السياسية والأخلاقية، غدت أمراً مسلماً به، وبداهة معيشة في عالم اليوم. ولدى مقابلة الوعي الإسلاموي بالحداثة، نجد أنفسنا مدعوين إلى الانحياز لتجلياتها الغربية وخصائصها دون الانقياد الأعمى لها، ذلك لأنها تمثل النموذج الكوني الأكثر تقدماً. وهي تتجلى لنا من خلال السمات الأبرز والمعايير التالية:
–    طغيان النزعة العقلية الصارمة. إن الاستعمال التام للعقل يجب أن يكون دائماً حرّاً، كما كان كانط يقول، وغير محدوداً أو مقيداً بزمان أو مكان. وبالمقابل، فإن الوعي الإسلاموي يقيّد استعمال العقل الإنساني، لافتقاره إلى الثقة بالعقل والشجاعة في استعماله. ويكرس قيم الطاعة والخضوع بتقييد حرية استعمال العقل بأصفاد الأقانيم المقدسة، التي ترسخ عبودية الإنسان. إن الإيمان بالغيبيات والمعجزات يغني، برأيه، عن استخدام العقل.

–    نشوء التصور الكوزمولوجي الجديد للكون. وهو تصور يقوم على رفض التفسير الغائي للطبيعة والعالم، ويهدف إلى تأكيد سيطرة الإنسان على العالم الطبيعي، بحيث غدت الطبيعة موضوعاً للفعل الإنساني وغاية لتحقيق المزيد من الحرية والسعادة.. وبموازاة ذلك، فإن الإيمان بالعالم الطبيعي،هذا الإيمان الجديد الذي حملته الحداثة تضمن تحولاً جوهرياً من القيم الأخروية إلى القيم الأرضية. من هنا تعين على البشر تفسير ظواهر العالم باستكشاف عللها المادية الأصلية، لا عللها الغائية المقحمة في الطبيعة.

–    بالاتساق مع القناعة السابقة، صارت الممارسات الإنسانية في بعديها( السياسي والاجتماعي) تتم بمعزل عن التدين أو المقاصد الدينية، واختفت المعايير المقدسة العليا أو الوصايا التي كانت تستبد بالمصير السياسي والاجتماعي للإنسان. فقد حلّ الإيمان بالإنسان ومركزيته، بحيث أصبح معيار الأشياء جميعاً، كما يقول زريق، إنه الغاية والوسيلة معاً. وهو العامل الفاعل في صناعة التاريخ وتقدم الحياة وسيّد مصيره.

–    الحداثة في أحد مظاهرها الرئيسة تعدّ اعترافاً بأن الإنسان هو سيد مصيره وسيد العالم في آن. وتمثل انعتاقاً متواصلاً للإنسان تجاه الموروث وسلطة التقليد والتنظيم الاجتماعي. وهي تعادل الحرية الفردية والمساواة، وتقدس حياة الفرد ومبادراته الحرة بمقابل تماهيه في الجماعة المقدسة. وتقرّ باستقلال وعيه وعالمه النفسي ونزعاته الخاصة وخياراته وأبعاده العاطفية جميعاً. في حين أن خصوم الحداثة يراهنون على القبول بالموروث والتقليد، والخنوع لسلطة الجماعة، والخضوع للنظام الاجتماعي التراتبي الأبدي، في تعريف الفرد. ويدعون إلى كبح الفردية الحرة في سبيل الحفاظ على تماسك النظام الاجتماعي المغلق وانسجامه، ويركنون إلى التقليد والإتباع بإزاء التجديد والابتكار الفردي والإبداع. إنها، بعبارة مختصرة، دعوة إلى خلق الإنسان وفق نموذج ماضوي متقادم، لا يكترث بالحرية الفردية والإبداع والعقل الفردي، ولا حتى بالمساواة بين البشر سوى المساواة في العبودية.

–     الحداثة هي، بمعنى من المعاني، تفكير في التاريخ الواقعي ومن خلال التاريخ، لا في الأساطير التي توؤل التاريخ. وتحوّل من المعايير الأخروية إلى المعايير التاريخية، ومن النزعات الخلاصة الماضوية إلى البحث المتفائل والتقدم اللامحدود في التاريخ. والحال أن الوعي الإسلاموي يتمسك بالنهايات الحتمية، والعوالم المغلقة والمكتفية بذاتها. وهكذا يغدو مفهوم التاريخ لديه مستقلاً عن سياقه الزمني، مغلقاً، ينتمي كله إلى ماض مقدس، هو ليس الزمن البشري المعاش، المنفتح على المستقبل والصائر قدماً.

وطالما هو كذلك، فإنه تاريخ صائر في الزمان والمكان. إن ما يميز المفهوم الحداثي للتاريخ، طبقاً لـهيغل وماركس، هو حركيته  وصيرورته المحطمة لكل ما هو ثابت وأزلي ومقدس. والحال أن ركود التاريخ هو الوضع الأمثل بالنسبة للوعي الإسلاموي، الذي لا يعترف بموضوعية التغيير وحتميته إلا طبقاً لمشيئة مفارقة لهذا العالم.
© منبر الحرية، 28 يوليو/تموز 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

لقد أصاب رواد النهضة العرب وأحسنوا، عندما فسروا الحرية في الغرب، وقابلوها بالعربية ــ استئناسا بلفظة الليبرتارية الشائعة في فرنسا، والدائرة على كل لسان ــ فرأوها تعني العدل والإنصاف، وأشادوا بأهميتها وضرورتها، ومنهم من انتبه إلى جذورها النظرية في مبادئ الإسلام، كما أوضحوا من أن السير في طريق التنمية والتطور، واكتساب المعرفة، يقتضي بالضرورة وجود أحزاب وتنظيمات مؤسسة على دعامة الحرية، فبالحرية حسب رأي هؤلاء يتحقق العدل والسعادة، وتؤثر إيجابيا في حميّة الإنسان للذود عن الأوطان، لهذا جاء فيهم من يقول: من إن الأمة التي يفتقد شعبها الحرية، الأمة التي لا تأبه لشعبها، ولا يؤخذ برأيه، مثل هذه الأمة لا بد أن يعتريها الخلل والاعتلال، وهي بالتالي آيلة إلى السقوط حتما؛ هذا ما نادى به جمال الدين الأفغاني 1838ــ1897ــ :(عليكم أن تخضعوا لسطوة العدل، فالعدل أساس الكون، وبه قوامه، ولا نجاح لقوم يزدردون العدل بينهم). والعدل كما نوهنا ــ قبل قليل ــ هو الحرية والديمقراطية بلغة السياسة اليوم، ومنهم من كان يرى في التمدن والمعرفة شرطين لقيام الحكومة الديمقراطية، وكان يرى أن الحرية عدل، والعدل واجب، والحرية هي التي تنتج العدل…
نظر هؤلاء الرواد، وفي مقدمتهم رفاعة الطهطاوي 1801 ــ 1873 إلى الواقع العربي المعيش، ثم قارنوها بالواقع الغربي المتقدم، فرأوا البون شاسعا، لذلك تحفزّوا في نضالهم لأمرين اثنين هما، التغيير والتطوير، أي تغيير الواقع العربي المعيش، والتقدم نحو نموذج أفضل، في ظل واقع جديد يتمتع ناسه بالحرية والعدالة ، فكان لا بد إذن من التصدي للواقع المزري كضرورة للتغيير.. فالتغيير في الواقع السياسي هو السبيل لولوج واقع حضاري جديد..
مضى هؤلاء الرواد شوطا إلى أمام..فراحوا ينشدون حكومة فيها الحاكم يتقلد المنصب لإدارة الدولة ورعاية المجتمع بموجب قوانين وبسبل شرعية، فرأوا أن الحاكم الذي يأتي بإرادة أناس أحرار، خير من حاكم يمتثل لإرادته الناس كعبيد منقادين، فعندما ينبثق الحاكم من بين صفوف الأحرار، فهؤلاء الأحرار سينعمون بمنافع الدولة، وسيكونون بالتالي عونا  للحاكم وسياجا للوطن، كما أن الحاكم بدوره سيدرأ عن شعبه المفاسد، وسيعمل على جلب المنافع له.. فالحاكم بثقافة هؤلاء، لا يجوز أن يكون مالكا للشعب، بل يكون راعيا عليهم، ضامنا لمعيشتهم الكريمة بعيدا عن العوز وذل الحاجة..
مسألة أخرى ركز عليها رجال النهضة وهي حرية التملك، فهم كانوا فيما يقصدونه من الحرية  السياسية هو التأمين على أملاك الفرد، وحق حرية التصرف فيما يملكه، ومنها أيضا ( حرية الفلاحة والتجارة والصناعة) كما دعوا إلى حرية الملاحة والسياحة…
كما كان لا بد أيضا من التطوير في التصورات الدينية، ومن حق الدارسين الاجتهاد في النصوص الدينية، وظهر من تجرأ بينهم عندما طالبوا بالحرية الدينية. وقصدوا هنا بالحرية، حرية الاجتهاد، كما دعوا إلى نبذ التعصب الديني  للإضرار بسواهم، واعتبروا ذلك ضربا من العصبية، وإذا استحضرنا ذهنيا ذلك الواقع المؤطّر بإسار الدين أدركنا كم هي جريئة زمنيا دعوات الاجتهاد في نصوص الدين، حيث كان العرف السائد من أن العامة يمتثلون لرأي السلف الذي يحبذ الاتباع، دون المجازفة في البحث، فالجريء بينهم طالب بالعودة إلى مبادئ الدين الحنيف في صفائه..كما فعل علي عبد الرزاق في مؤلفه (الإسلام وأصول الحكم).. لهذا كان كثيرا ما  يترنم المحافظون بفحوى هذا البيت:
وكل  خير  في  اتّباع  من  سلف
وكل  شر  في  ابتداع  من  خلف
كما أكدوا أيضا على أحد مبادئ الحرية وهو المساواة، فلا حرية عندهم دون مساواة، فالمساواة هي الوجه الآخر للحرية، كما أن المساواة في الحقوق، ملزمة في الوقت ذاته للمساواة في الواجبات، كما ركز هؤلاء على حرية الطباعة، أي حرية الرأي والنشر…
كانت الحساسية لدى هؤلاء الرواد قوية تجاه الاستبداد، تجاه ظلم الحاكمين، وكانوا يرون أن الظلم هو ديدن الحكم المطلق، لهذا نددوا بالاستبداد، ورأوا في دولة الاستبداد، كيف أن الكل مستبد، الكبير وأيضا الصغير، أي كل من يعمل في سلك الدولة، بحسب موقعه في الدولة، ودرجة مرتبته، ويرى خير الدين التونسي 1812ــ 1889 في حال غياب الحرية في أية دولة، تفقد تلك الدولة الاستقرار، ويغيب عنها الغنى، ويستبد بأهلها الفقر، وتؤثر بالتالي على معنويات البشر، وكانوا كثيرا ما يعنون بالحرية، رفض الاستبداد، فالحرية تعطي الشعب الحق والقدرة معا  لخلع الحاكم المستبد، لأن الحكم هو بالأساس للشعب فلماذا الاستبداد من فرد إذن..؟
وعندما كان رفاعة الطهطاوي يستعرض الاستبداد لدى الغرب وفي فرنسا بالتحديد حيث نهل علمه، كان يذكر الناس، بأنه كيف تمت الإطاحة بالملك (لويس العاشر) عندما استبد في حكمه، وهنا إشارة خفية ربما إلى محمد علي باشا والي مصر، الحاكم الأوحد دون منازع، وبالتالي تحريض الناس ضد الاستبداد..ومن نافلة القول هنا التذكير: هل كان لمثل هذه الصيحات أثر في نفوس العامة.؟ وما رد فعل الحاكم إزاء مفهوم الحريات.؟
كان غالبية الرواد منفتحين للثقافة الغربية، حتى أن الشاب المتميز أديب اسحق 1856 ــ 1885 طالب بتدريس تاريخ فرنسا في المدارس، كونها موئل الحريات، وهي بلد ثورة 1789 بشعاراتها (الحرية الإخاء المساواة).. وبغية حفز الهمم كان يلجأ إلى المقارنة بين مصر وفرنسا، حيث هناك حرية العمل والكتابة والنشر والتنقل، وحرية الملكية، حرية الاعتقاد حرية التعبير..
كما كان يطالب بإصلاح القضاء، وطالب بالاستفادة من التكنولوجيا الغربية، ولكثرة ما ضيق أديب اسحق بالاستبداد دفعه هذا بالتهجم على كل مستبد عبر التاريخ، فهاجم الإسكندر المقدوني، وقيصر روما، وجنكيزخان المغولي..
هذا الجهد من الدعوة إلى الحرية، كان قبل أكثر من مئة وخمسين سنة، إذا أخذنا رفاعة الطهطاوي كبداية لهذه الدعوة، مع اخذ السياق التاريخي في الحسبان، أدركنا كم نحن ما زلنا متخلفين عن الركب الحضاري، وكم نحن متقاعسين في مناضلتنا في سبيل قيمة القيم، أعني بها الحرية…!
© منبر الحرية، 02 مايو 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018