الإسلام والحداثة

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

اللغة العربية من أقدم فروع اللغات السامية، وقد امتد عطاء تراثها إلى كل الثقافات على مدار العصور على غرار ما كان من تأثير المقامات العربية في العبرية، وما حدث من ترجمات إلى الاتينية و القشتإلىة، عبر مدارس المترجمين في طليطلة وغيرها، من يهود وعرب وأسبان. من هنا تجلت إنسانية التراث العربي في اتساع خريطة تأثيره وتفاعله التاريخي مع كل ما من حوله، حتى ظل هذا التراث مقوما مميزا للشخصية العربية، محققا لقوميتها، وعاصما لها من الفناء.
يزخر الفكر الإسلامي بالعديد من المؤلفات التي يحاول بعض الباحثين إحيائها فيما يعرف بظاهرة إحياء التراث الإسلامي، وهناك ثلاثة مواقف كبرى من هذه الظاهرة.
الموقف الأول، يرى في حركة إحياء التراث الإسلامي مجرد اجترار للماضي، ويرى في محاولة نشر بعض كتب التراث مضيعة للوقت. حيث لا يمكن ان يكون منها وعبرها حلولا لمشاكل العصر الحديث.
الموقف الثاني، هو موقف يدافع عن التراث كلية ويتعامل مع تلك الظاهرة بشيئ من التقديس، وذلك الموقف يقبل كل ما في التراث ويرى فيه ما يحقق الامال والاهداف المرجوة للامة مع ان العصور الأسلامية تنطوي علي كثير من الفكر الهابط الذي عكس انحطاط تلك الأزمان التي عبر عنها وعن تخلفها وانحطاطها.
الموقف الثالث هو موقف وسطي لا يقبل التراث على علاته ولا يرفضه كلية، إنما يأخذ منه ما يتاسب مع الواقع وما يمكن ان يستفاد منه.
واقع الأمر أن موقف الرافض كلية لإحياء التراث الإسلامي و الموقف المؤيد لإحياء التراث على علاته ، كلاهما يجانبه الصواب وكلاهما يتبنى موقفا متطرفا ازاء التراث.أما الموقف الوسطي من التراث فهو الموقف الأسلم للمنطق والأقرب للصواب مع الأخذ في الاعتبار ضرورة وجود معايير لاختيار ما يناسب الواقع المعاش وعدم الرجوع إلى التراث بشكل عشوائي وغير ضروري. إن نشر بعض الكتب التي تمثل أمهات الفلسفة والفقه، قد يكون له ثلاثة وظائف: الوظيفة الأولى الوظيفة اللغوية بمعنى تحليل النص بعناصره وألفاظه وأبعاده. أما الوظيفة الثانية فهي الوظيفة التاريخية من حيث معايشة النص وتحويله إلى شخصيات وحقائق في حين أن الوظيفة الثالثة هي الوظيفة السياسية حيث يلغي عنصر الزمان ويصير النص تعبيرا عن التقاء بين الماضي والحاضر والمستقبل ويعتبر مهمة إحياء التراث ليس مجرد تحليل للنص أو متابعة تاريخية له وإنما قد ترتفع هذه العملية إلى مستوى المعاناة السياسية حيث تصير تلك (الوظيفة السياسية لإحياء التراث) حلقة تسمح بمتابعة الوعي الجماعي ليس فقط في تكوينه و تكامله وإنما أيضا في تحليل معاناته ابتداء من العودة إلى الذات، إلى لحظة التعريف بتلك الذات. وتلك العملية تعيد الوعي إلى الأمة أو تعيد الأمة إلى وعيها، فالتراث هنا جزء من الأمة لا ينفصل عنها ولا تنفصل عنه. ولكن الناظر لكتب التراث التي يتم تحقيقها يجدها تنحرف عن هذا المسار إذ أنها جاءت انتقائية لخدمة أغراض ومرامي سياسية تهدف للمجابهة عن الأخر والانعزإلىة الإسلامية ولم نجد مثلا اهتماما بمفكر كبير مثل موفق الدين عبد اللطيف البغدادي –المتوفي في 8 نوفمبر 1231 – أحد العقول النيرة في تاريخ الفكر العربي. فقد جمع بين التحصيل الوافر الدقيق لكل العلوم المعروفة في عصره، وبين أصالة الفكر ودقة المنهج العلمي والقدرة على النفوذ إلى جوهر المشاكل العلمية فضلا عن أصالة المنهج في الملاحظة والتشخيص والكشف عن الأسباب والعلامات وكان عالما بارزا في الفلسفة والجغرافيا والمنطق. فمثل هذا العلم الفكري يجب العمل علي إحياء تراثه الضخم والعناية به نشرا وتحقيقا حتى تستند النهضة الفكرية العربية إلى أعمدة راسخة تمتد قواعدها إلى تربة التاريخ العربي العريق المزدهر.
أما الشيء الغير المقبول فهو أن يتم النظر إلى التراث بصورة اختزالية وعدم الالتفات إلى أن محور الزاوية في الفكر المعبر عن عقيدة الأديان السماوية والفكر السامي المعبر عنها هو العالمية التي لا تحقق لأحد مطمعا. فالملوك والرؤساء لا يستطيعون أن يبسطوا سلطانهم وزيادة عدد رعاياهم إلا بالتعصب الضيق أو العثور على نصوص مجتزئة لتبرير الأفكار الظلامية بحجة إحياء التراث. وهكذا أضحت الوظيفة السياسية لإحياء التراث الإسلامي- وفق بعض الفكر- هو إنزال الأديان من سمائها لتستغلها في أغراضها. لاسيما أن الأمة الإسلامية وقعت منذ القرن الثامن الهجري فريسة للأفكار ملتبسة ومشوهة. وأسفر ذلك عن ممارسات مغلوطة كثيرة أدت إلى الإخفاق الحضاري لهذه الأمة، وتحولها من أمة شاهدة عادلة إلى أمة مشهودة بائسة، يشهد على فشلها جميع الأمم والحضارات. وقادها سقوطها في فخ مفاهيمي من جراء اجتزاء النصوص من سياقها والتعصب والانعزالية، إلى حالة من التخبط في فهم التاريخ وطريقة النظر إلى المستقبل.
© منبر الحرية، 16 أبريل 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

ثمة رأي ساد حينا من الزمن، على أن العرب لم ينتجوا فكرا أخلاقيا، لا في الحقبة الإسلامية، ولا ما قبل الإسلام. وما يعزز هذا الرأي، خلو المكتبة العربية، أو تكاد تخلو من كتب أو دراسات تتناول الأخلاق العربية بالنقد والتحليل..ويبدو في الإسلام، أن المسلمين لم يعملوا الفكر كما اليونان، بل اكتفوا بالدين كشارح للأخلاق وموجه لهم بالموعظة الحسنة، دون أثر للتفكير الفلسفي.
لقد شهد العراق عن طريق موانئ البصرة خاصة، قدوم أعاجم من بلاد فارس، فضلا عن أخلاط من أقوام مختلفة، وفئات أخرى ممتهنة للتجارة. كل هؤلاء قدموا إلى ديار الإسلام يحملون معهم ميولا وعادات وسلوكيات مختلفة، ناهيك أن كبراء الأمويين أنفسهم، كانوا رقيقي الإيمان، فلم يتملكهم الدين بعمق، ولم يستحكم في أفئدتهم، ولم يستغلق عليهم التفكير. فالأمويون كانوا يبررون سلوكهم باقتراف إثم ما بالقضاء والقدر، أي إن الله قضى على هذا الإنسان باقتراف هذه الجريرة، فليس من راد إذن لقدر الله، وبالتالي فهذا تبرير للسلوك الإباحي عند الفرد، فقد جعلوا من (الجبر) عقيدة تبرر سياساتهم، وتسقط المسؤولية عنهم، طالما الله قضى بذلك..
بالمقابل فقد ظهرت حركة فكرية تنويرية عرفت بالقدرية، التي رأت عن قدرة الإنسان من التحكم بأفعاله، وبالتالي فهو يتحمل مسؤولية ما يصدر عنه. وكان هؤلاء من الذين تشيّعوا لعلي وآل البيت، ومثل هذه الحجة كانت موجهة بالأساس للأمويين، لتفنيد مزاعمهم وما هم عليه..
شاع في العصر الأموي أدب الترسل، وهو نمط من الكتابات، كانت بمثابة منابر إعلامية لتكريس كثير من الأفكار والقيم، لاسيما قيم (الجبر) وطاعة أولي الأمر. وعُدّ هذا من مرتكزات السياسة الأموية، واعتبرت طاعة الخليفة، (خلافة الله) من طاعة الله. ويبدو أن هذا الضرب من الطاعة، انتقلت إلى الأمويين عبر الموروث الفارسي. ورغم ذلك، فقد عـُـدّ حكم الأمويين أكثر تساهلا في الأمور الدينية، مقارنة بالعباسيين، أي أنهم لم يتوسلوا الدين لفرض طاعتهم على الناس، بل كانت حكوماتهم أقرب إلى أخلاقيات العرب الغساسنة قبل الإسلام، المطبوع بالطابع العربي القبلي، في حين وجدنا أن العباسيين عملوا على توظيف الدين لتكريس سيادتهم، وتسويغ حكمهم، وتمكين تواصلهم واستمرار تحكمهم في رقاب الناس. فهذا أبو جعفر المنصور يفاجئ الناس في أول خطبة له قائلا: (أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه) وهنا إشارة إلى أن طاعة السلطان من طاعة الله..
كان تأثير القيم الفارسية واضحا على سلوك الإنسان المسلم. وكان الاطلاع على حياة ملوك الفرس، وتمثّلها من قبل الخلفاء ظاهرا للعيان، فتعظيم الخلفاء، وطريقة الدخول إليهم، واختيارهم لندمائهم، وطرائق إقامة المآدب، والظهور بحالة الأبهة، وطريق التخاطب بلغة التعظيم، كل هذا منقول عن الموروث الفارسي.. وكل هذا لتعظيم ولتكريس وتمجيد الطاعة وتقديس لشخص الخليفة الملك. وكان يعطى دور لرجال الدين، كحلقة هيمنة، فقد كانوا يتزلفون للخليفة وخواصه من جانب، وبالمقابل يقومون بربط العوام بوجوب الطاعة والخنوع للخليفة لأن طاعة الخليفة من طاعة الله. وكثيرا ما حصلت انقسامات بين رجال الدين في تفسيراتهم وتأويلاتهم للنصوص الدينية، فانقسموا متناحرين..
راح ابن المقفع يؤكد على خصال السلطان كسبيل لنجاحه وطريقة لدوام جبروته وملكيته، ووقايته من الشر..وقد تخلّق أبو جعفر المنصور بقيم أكاسرة الفرس (قيم كسروية)، كما تم تداول حكايات وأمثال شاعت في الدولة الإسلامية، لها مغاز، مثلا كقولهم: القائد الذي تخافه الرعية، أفضل من قائد يخاف هو الرعية. وهنا لا يخفى الهدف من تكريس سطوة الظالم، أو قولهم: إذا كان الإمام عادلا فله الأجر، ولك الشكر، وإن كان ظالما، فعليه الوزر، ولك الصبر..وهنا أيضا تكريس للإذعان والخنوع، أو ما روي عن الرسول الكريم قوله: (لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة) هذا الحديث قيل بالأساس في الفرس وفي حالة لها طابع الخصوصية، عندما ورثت ابنة كسرى العرش عن أبيها بعد وفاته، فجرى تعميمها كحالة عامة للحط من شأن المرأة. وينقل لنا ابن المقفع مثالا آخر عن الإساءة للمرأة والحذر من الارتباط بها: (المرأة غلّ، فانظر ماذا تضع في عنقك) أو عدم ائتمانهن على سر…
لقد فرضت القيم الكسروية على الحالة الإسلامية، بل حدا بعضهم ليقول من أن النزاع بين علي ومعاوية هو نزاع بين القيم التي ورثها الإسلام عن الفرس. فالطاعة غير المشروطة عند الفرس، اتخذت في الإسلام وجهة ألوهية الإمام، كما عند بعض فرق الشيعة، بخلاف موروث الخلافة الراشدية.. فطاعة كسرى كانت من طاعة الله عند الفرس، حتى أن عبادة كسرى لدى البعض لم تثر الاستهجان، ولا يؤاخذ صاحبها عليها..ومثل هذا الواقع انتقل إلى دنيا العرب المسلمين، فاستحال خليفة المسلمين إلى كسرى المسلمين..
إن الموروث الفارسي قد لامس أهواء الخلفاء الأمويين، لما فيه من تكريس للطاعة. وإذا كان خطاب الطاعة بدأ بالخلافة الأموية، فالعباسيون الذين خلفوا الأمويين أبقوا على خطاب الطاعة، بل أعطوه الأولوية: (من اشتدت وطأته، وجبت طاعته) فطاعة كسرى واجبة دون شرط أو منازعة حولها، ومثل هذه النزعة سرت في فرق إسلامية عرفت بـ (الغلاة) الذين رفعوا أئمتهم إلى مرتبة الإله، وهم من الشيعة المتطرفة، فمنهم من دعا بإلهية علي بن أبي طالب، وآخر هو عبد الله من أحفاد أبي طالب، دعا لنفسه بأنه ربّ ونبي، وقد عبده بعض الناس. بمعنى آخر فقد تشكلت صورة الإمام الأعلى مقاما من الخليفة، تشبها بكسرى، فطاعة الإمام هي نفسها طاعة الإله، وهذا الأمر الأخير مازال ساريا عند فرق من الشيعة إلى اليوم…
© منبر الحرية، 15 أبريل 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

في بحثِنا لظاهرةِ الأصوليّةِ، علينَا أن نُقرَ بداية بأنّها لا تزالُ تسببُ العديدَ من اللّبس حتى لدى المنتمين إلى البيئاتِ العلمية الأكاديمية. وفي اعتقادي أنَّ هذا اللبس ناشيءٌ في الأساس، ليْسَ فقط من معنى الكلمّةِ أو ماهِيتهَا، وإنَّما أيضاً من مسيرةِ تشكُلِها وسيرورةِ اشتغالِها في النصِّ والوعيِّ والتَّاريخِ معاً. وبالتالي، يبدو أن الجدلَ سيطولُ، بحُكمِ ما سَبق، ولن يكون بمقدور أحدٍ ما أن يقولَ الكلمَة الفصْل في هذا السّياق.
يَسْتتبعُ ما سبقَ الإقرارُ كذلك بضرورة بذلِ المزيدِ من الجهدِّ والتحليل لإزالة هذا اللبس من ناحية، وللتقدم خطوة أخرى نحو فهم الظاهرة بصورة أدق من ناحية ثانية. فعلى الرُغم من سيطرة هذا المفهوم على حيّز كبير جداً من التداوُّل الثقافي، الصحافيُ منهُ بخاصة، إلا أنَّ ذلكَ لمْ يَحُلْ دونَ انتقال المفهوم من الوضوح الصّارم إلى الغموض المُربِك في بيئتنا العربية.
ومن مظاهر هذا الغموض اتّساعُ الجدالِ حولَ التسميّة التي تقترنُ بالظاهِرة، وما يتبَعُ ذلكَ من الكشفِ في كل تسميّةٍ عن خلفيّةٍ فكريّةٍ مُحدّدة: ابتداءً من “الأصولية Integrisme”، ومرورا بـ “الجذرية Fondamentalisme”، وليس انتهاءً بـ “الإسلاموية Isalmisme”. حيث، يرتبطُ كلُ تصوُّر من التصوراتِ السابقةِ بمجموعةٍ من الإشكاليّاتِ المُتعلقةِ به، خاصة حين تثارُ الأسبابُ التي تُعيدُنا في الغالِبِ إلى التأكيدِ على وجودِ سِمةٍ مُميزَةٍ متضّمنَة في الإسلام ذاتِه، أو ما يُطلِقُ عليها مكسيم رودنسون لفظة Virus، باعتبارها مسئولة عن توّلدِّ التعصُب الديني!.(راجع كتابه الإسلام سياسة وعقيدة).
ويُعَدُّ جيل كيبل من أول الباحثينَ الغربيينَ الذين لفتوا الانتباهَ إلى انتقالِ مُصْطلحِ الأصوليّة إلى العالم العربي دون الأخذ بالاعتبار أنهُ ولدَ ونشأ أساساً في الغربِّ الكاثوليكيّ والبروتستاني، وذلكَ في كتابِهِ “يومُ الله، الحركاتُ الأصوليّة المعاصرة في الدّياناتِ الثلاث: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام”. مؤكدا أنَّ استخدامه على سبيلِ الاستعارة خارجَ العالَمِ المسيحيّ لا يعْني ضرورة أنه مفهومٌ عالميّ، وأنَّ إطلاقُ المصطلح على الحركات الدينيّة الإسلامويّة قد أدّى إلى تشويهِ هذهِ الحركات واختزالِ مفهومِهَا إلى مفهوم الأصوليّة لدى العالَم المسيحيّ.
وخروجاً من هذا الإشكال نذهبُ إلى القولِ بأنَّ الاتيانَ على مُصطلحِ “الأصوليّة” مُجرداً من إضافةِ “الإسلامويّة” لا يصلحُ لوصفِ الحركات الإسلاميّة المُعاصِرة بتياراتِها المختلفة. وهو ما يحل الإشكالَ الحاصِلَ أيضاً على مستوى الجِذر اللغويّ للمفهوم في المعاجِم العربيّة حيث الأصل يُقابِلُ الفرعَ ولا يصّحُ وصفُ الظاهِرة الإسلاموية (وهي فرع) بالأصل فقط (الإسلام) تمييزا لها عن الأصوليات الأخرى.
وفي كل الأحوال، فإنّ كافة الحركاتِ الأصوليّة ربما تشتركُ في ثلاثة أمور هي: الشموليّة، والنصوصيّة، والانحيازُ المطلق. فالشمولية تعني أنَّ جميعَ الأسئلةِ التي تفرضُها الحياة الخاصّة والعامّة تجيبُ عنها تعاليمُ الدّينِ أو الأيديولوجيّة،وهو ما يبدو واضحا من خلال النظر إلى القرآن الكريم من قبل أتباع الأصوليّة الإسلامويّة باعتباره متضمنا كافة المعاني الدينية وغير الدينية، وهو ما يبدو واضحا أيضا من خلال كثرة الحديث مؤخرا حول الحقائق العلمية في القرآن الكريم والنظر إليه باعتباره كتابا في الاحياء والفيزياء بل وفي المسائل النووية! .
أمّا النصوصيّة فتعني أنَّ النصوصَ المُقدّسَة يجبْ أنْ تؤخَذَ حَرفيّاً، ومن دونِ الدخولِ في تأويلٍ أو تفسير بما يتضمنُهُ ذلكَ من استكشافِ مُلابساتٍ أو طرحِ تساؤلاتٍ…إلخ. ومن المعلوم أن ثمة مذهباً فقهيا كاملا اسمه “المذهب الظاهري”، أسسه الفقيه أبو داود الظاهري، يقوم على التفسير الحرفي للآيات القرانية والأحاديث النبوية وعدم القبول بتاتا بإعمال الرأي فيها إلى جانب رفض منطق التأويل الصوفي. وأخيراً يعني الانحيازُ الرفضَ المُطلق لأيّةِ مُسَاءَلةٍ نقدّيّةٍ لمنظومةِ المَبادئ التي يعتقدُها الأصوليُّ، ونفي كلِّ ما عداها.
وبهذا المعنى، تلتقي كافة الأصوليّات المعروفة حول فكرة أنَّ النصَ المرجعي بالنسبةِ لكل واحدةٍ منها يحتوى على مجموعةٍ من الحقائق الحيّةِ الخالِدة، والتي هي صالِحة لكلّ زمان ومكان كمؤشر وضمان لمعصوميتهَا من الخطأ. ومن ثم، تعتبرُ الأصوليّة أنَّ الكتابَ أو النصَ الذي يُتخذ كمُرشِدٍ مُكتفٍ ذاتيّاً، بمعنى أنهُ توجَدُ فيهِ كافة الإجابَاتِ على كافةِ الأسئلةِ الماضية والحاضرة والمستقبلية معاً.
وتبعا لذلك أيضا، فإنَّ النزعة الأصوليّة حاضِرة بلا انقطَاع في كافةِ البُنَى الأيديولوجيّة ذاتِ النمطِ الكنسي/الديني، حتى ولو كانت عِلمانيّة!، أي أن الأصوليّة الدينية تُفرزُ المناخَ الملائِمَ لظهور أصوليّةٍ مُضادّةٍ لهَا ذات بُنَى عِلمانيّة.
ولعل ذلك ما دفع مكسيم رودنسنون لأن يُطالِبَ بضرورَةِ “ضمِّ التجمعاتِ المبنيّةِ من هذا الصِنف في مقولَةٍ واسعةٍ واحدةٍ هي الحركاتُ الإيديولوجيَّة التي تجمَعُ الذينَ يؤمنونَ بالسماءِ والذينَ لا يؤمنون، أو بالأحرى لكُلِّ امرئٍ سماؤه” (الإسلام سياسة وعقيدة).
ولتأكيدِ ذلكَ، لنأخُذ مسألة رفض التعدديّة نموذجاً. فقد شاعَ اتهام الإسلامويّة الحركيّة بادّعاءِ امتلاكِها للحقيقة على الرغم من أن أغلب الأيديولوجيات تدّعي امتلاك الحقيقة أيضاً.
وفي المحصلة، يمكن القول إن علاقة الدين بالسياسة كاتهام تُوصم به الإسلاموية من قبل الدارسين الغربيين إنما هو قائم أساسا على مفهوم الدّين الكنسي المسيحي وليس على مفهوم الدّين الإسلاميّ، والذي (بحسب الأصوليّة) يقضي بترابط الأمرين معا (الدّين والسياسة) بحيث لا يتم فهم أحدهما من دون الآخر، وهو بطبيعة الحال فهم مغلوط ومؤدلج لطبيعة العلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام.
© منبر الحرية، 29 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

من المغرب غرباً إلى الخليج العربي والعراق شرقاً، ومن سوريا شمالاً وحتى السودان جنوباً، تكاد تتماثل الرؤية العربية تجاه قضيتين خطيرتين الأولى النظرة الدونية للمرأة، والثانية العداء المشترك للديمقراطية والتعددية السياسية، فهما يمثلان اختراق للخصوصية الثقافية للشعوب العربية، ودليل على انتهاك السيادة الوطنية لنظم الحكم القاهرة وشعوبها المقهورة في آن واحد.
وعلى ذلك لا يكون مستغرباً أن تبدو المنطقة العربية خارج إطار الزمن في خصوص هاتين القضيتين اللتان تشهدان تطورات بطيئة وغير محسوسة في المنطقة في بعض الأحيان، وتراجعات سريعة مذهلة في أحيان أخرى.
ولا يمكن فهم مشكلات المرأة العربية بغير فهم السياق الذي تجري فيه محاولات تطويرها، كما لا يمكن اختزال تلك المشكلات في نصوص القوانين فقط، فبقطع النظر عن أن نصوصاً هنا ونصوصاً هناك تعيق تطور قضايا تمكين النساء، فإن الثابت هو أن المنظومة القانونية العربية بشكل عام تتطور ربما بأسرع مما تتطور به الأوضاع الاجتماعية والثقافية والتي هي في حقيقة الأمر أصل الداء ومكمن البلاء.
وحاز موضوع الدور الإعلامي للمرآة العربية من حيث التمثيل والتمكين في وسائل الإعلام في إطار قضايا التحرر والديمقراطية، حيزا كبيرا في الشأن العربي منذ عقود خلت، وإذا ما كانت الظروف التي مرّت بها المنطقة العربية، قد أجّلت وخفّضت من حجم الاهتمام الحكومي والشعبي في إمكانية زيادة هذا الدور، فان ظروف تغير هيكلية النظام الدولي والإقليمي وجملة المتغيرات العالمية بما رافقها بالدرجة الأولى تصدير النموذج الأمريكي للحرية والديمقراطية وتغيير خريطة الشرق الأوسط ونشر العدالة العالمية من منظور غربي وحسب، وتكرير الدعوة للقضاء على التمييز العنصري على أساس الجنس، والدعوة لتنصيب المرأة أعلى المناصب السياسية والإدارية والقيادية في البلاد العربية، خاصة بعد أحداث 11 أيلول وما تلاها من نتائج إقليمية ودولية، فان جملة تلك المتغيرات دفعت العديد من الدول العربية لتغير نظرتها للمرآة العربية التي بدأت تخرج من دورها الجندري في المجتمع كعضو قاصر إلى عضو فاعلٍ يساهم في بناء الحياة الاجتماعية والسياسية وتشكيل أطر جديدة للتنمية المستدامة على أساس الحق الكامل للمرأة العربية في مقاسمة الرجل لشؤون الحياة العامة، كما هو الحال في القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
ورغم أن هذا التحول التدريجي لدور المرأة في وسائل الإعلام من حيث التمثيل والمشاركة في صناعة الصورة الإعلامية المناسبة منها وعنها، لم يأخذ صورته النهائية والمقبولة في كافة الأقطار العربية، نتيجة تركيبة بعض المجتمعات التي ما زالت تعمل بالنظام القبلي والعشائري، فإن مكمن الخوف الحقيقي لدور ومشاركة المرأة في السياسة الإعلامية يتجلى في جملة المنظومة الاجتماعية والدينية والتاريخية للأمة العربية وشعوبها، حيث ورغم ما أحرزته المرأة من تقدم ملحوظ خلال السنوات الماضية على مستوى العمل الإعلامي وتمثيل قضايا المرأة في مختلف وسائل الإعلام، إلا أن هناك تيارات اجتماعية ذات ارتباطات قبلية وعشائرية، فضلا عن النظرة التقليدية لبعض النساء، ما زالت ترفض أو غير متقبلة لمبدأ حرية المرأة في تولي المناصب الإعلامية والحرية بالتعبير عن قضاياها من واقعها القائم، كما هو الحال بالقبول بعملها في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الأخرى.
يضاف إلى ما سبق تحديات أصولية ثقافية واجتماعية أخرى تتعلق بالدور الجندري التقليدي للمرأة، وتحديات سياسية واقتصادية وقانونية تمس في جزء كبير منها الإطار القانوني لتكريس عمل المرأة الإعلامي، فعلى مستوى البعد الثقافي الأصولي يعتبر الصعود السريع للتيارات الأصولية في العالم العربي –والأردن جزء منها- واحدا من أشد المعوقات لتطوير ليس فقط أوضاع النساء الأردنيات والعربيات بل تطوير النظام السياسي العربي ككل.
أما المعوقات السياسية فتبدو في التحديات السياسية والممثلة في تدني المشاركة السياسية في العالم العربي وسيادة النظم التسلطية، ولا يستطيع أحد حتى الآن أن يحدد هل تدني نسبة المشاركة السياسية بشكل عام في المجتمعات العربية هو الذي يؤدي إلي سيادة النظم التسلطية أم أن وجود تلك النظم وسيطرتها على مقدرات الحياة داخل الوطن العربي هو الذي يؤدي إلي ضعف المشاركة السياسية ؟ ولكن ما يمكن قوله في هذا الصدد هو أن سيادة النظم التسلطية وغياب المشاركة النسائية في صنع القرار هما من المشكلات الحقيقة التي تعيق تمكين النساء من قضاياها وتهميش دورها الإعلامي.
ولا يمكن أن يكون الحديث عن علاقة الإعلام بموضوع المرأة مجرد حديث عن تقنية التواصل وارتباطها بمسألة إدماج النوع الاجتماعي في التنمية، بقدر ما هو مسألة شائكة تتعلق بمنظور فكري وسياسي تحمله وسائل الإعلام وتروجه داخل المجتمع انطلاقا من خلفيات ثقافية وتصور للنظام الاجتماعي.
وتبرز –في ظل هذه الحقيقة- الإشكالية الخاصة بموقف الإعلام من قضية تحرير المرأة أو آلية تعاطي الإعلام مع قضايا المرأة وكيفية تصويرها من خلال واقعها القائم، وهل يقوم بدور إيجابي في دفع قضايا المرأة إلى الأمام أم يكتفي برصد واقعها الراهن بسلبياته وإيجابياته أم يسعى –متعمداً- إلى تكريس أدوارها التقليدية متجاهلاً إنجازات بعض النساء في مجالات التعليم والعمل والإبداع الفكري والفني.
ورغم تباين مكانة المرأة في المجتمعات العربية من بلد عربي لآخر، فإن معظم الأفكار السائدة عن المرأة سواء في عقلية الرجال أو وسائل الإعلام المختلفة، تتناقض تماماً مع الموقف المعلن لغالبية الدول العربية، فتجد بعضها يعلن انحيازه المطلق لكافة حقوق المرأة ثم تُفاجأ  بسلوكيات من شأنها ترسيخ مفاهيم التبعية وتثبيت صورة المرأة بوصفها كائنا ضعيفا يشغل الترتيب الثاني في سلم المجتمع، و تتباين بدورها مواقف مؤسسات الإعلام العربية في النظرة للمرأة، فهناك من ترى ظهور المرأة في وسائل الإعلام متعارضاً مع تقاليدها وربما مع التعاليم الإسلامية، غير أن الدول التي تملأ الدنيا طنيناً بالحديث عن حقوق المرأة تتورط هي الأخرى في ترسيخ مفاهيم تنال من الحقوق الأساسية للمرأة العربية.
© منبر الحرية، 29 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

لجدتي رحمها الله قصة قديمة تُستخلص منها الحكمة، وذلك أن الأسد والنمر والضبع والثعبان قرروا السكن في غرفة واحدة وطلبوا من الثعلب أن ينضم إليهم ولكن الثعلب المكار لم يرفض ذلك صراحة بل ادعى أنه بات حديث الزواج. وفى أول ليلة لسكن تلك الحيوانات مع بعضها، اتفقوا على شروط للعيش فيما بينهم، قال الأسد انه لا يريد أن يقوم احد  بإزعاجه أثناء نومه، بينما النمر طلب عدم التفرس في وجهه أثناء نومه، أما الضبع فقد اشترط عدم سؤاله أين كان يسهر إذا أتى متأخراً، والثعبان حذر من مغبة أن يطأ احدهم على ظهره. وفى أول تجربة لهذا الاتفاق حدثت الكارثة. أتى الضبع متأخراً كعادته, فلم يتمالك النمر الذي ينام دائماً وإحدى عينية مفتوحة من سؤاله أين كنت طوال الليل؟، فغضب الضبع ولكن النمر لم يهتم لغضبه إذ أردف مرة أخرى لماذا تنظر إلى هكذا ؟، ونشب العراك بينهم وسرعان ما قتل النمر الضبع, فنهض الأسد من نومه ثائراً وضرب النمر بيده أليسرى ومن ثم انهال على عنقه قضماً, مات النمر. وأثناء المعركة وطأة قدم الأسد ظهر الثعبان فقصم ظهره. وقبل أن يموت الثعبان لدغ الأسد فزرق فيه السم القاتل. بعد ذلك حل على المكان صمت القبور…. قالت جدتي من بين فجوات أسنانها الساقطة أن الثعلب قدم كعادته باكراً فوجد منزل الساكنين الجدد مغلقا إلى ما بعد شروق الشمس.  لم يقرع الباب ولكنة ابتسم ومضى. و عندما تصل إلى هذا الحد من الحكاية كانت جدتي أيضاً تبتسم مغتبطة.
هذه الحكاية الصغيرة ( وهي نتاج مخيلة فلاحيه رعوية ) تنتصر بضرورة البيئة العشائرية المغلقة  التي أنتجتها لحكمة الثعلب الانعزالية أو لقيمة المكر ( فطنة البدوي )، لكنها تغفل جرأة المحاولة. إن النتيجة غير المرضية لجهد ما لا يمكنها إلغاء الدوافع الحسنة منه. لقد خالف النمر ما اجمع علية سكان البيت، وهذا كل ما في الأمر !!!. إذاً المخيلة الرعوية ليست قادرة بالضرورة على استشراف قيم المجتمع التفاعلي والمتعدد والذي يجب أن يراعى فيه كل فرد حقوق الآخر مما يرتد إيجاباً بالحفاظ على حقه هو الخاص و أمنة الخاص وسلامة الخاص و طمأنينته الخاصة.
ربما كانت الحرب مقرر تاريخي لا مفر منه في كثير من الأحيان، أي حتى توفر الإقناع العملي لمجتمعات العزلة  بضرورة التعايش مع الآخر المختلف عرقاً ولوناً وديناً والذي قطعاً انعزالي ومنغلق بدوره، أي حتى تدفع بالمجتمع درجة في اتجاه التعايش التفاعلي و المتعدد، و إلا  فالاحتكام إلى الحرب أي الموت ضد ما يكافح الناس للاحتفاظ بها أي الحياة. في عصور ما قبل التاريخ كانت الحرب نشاط اقتصادي  شبة يومي بين القبائل والعشائر بما في ذلك التي تتحدث لغة واحدة وتنتمي إلى أصل عرقي مشترك. إذ أنها ارث بشري ما قبل إنساني تحفزه  دواعي البقاء. و نشأت الأديان والفلسفة في ظل الحروب وكانت مسوغاتها لرفض قتل الإنسان لأخيه الإنسان بمثل المبررات التي تسوغ شرعية الحروب بل قدسيتها أحياناً كثيرة. إذا هل الحرب محطة تاريخية يجب على كل الشعوب الوقوف عندها ؟؟. وهل كانت من احد عناصر الوحدة وظهور القوميات المتعاضدة وشكل الدولة الحديثة ؟. هل يحدث ذلك لان الحرب تؤدى  للقضاء على الشعوبية والتخفيف كثيراً من مظاهر الكراهية والنعرات العرقية وان كانت هي سبب اندلاعاتها المتكررة. لقد شهد التاريخ تحارب كثير من الفرقاء و إزهاق الكثير من الأرواح لأجل أفكار متعالية وعنصرية ولكن عندما تصيب الحرب كل الأطراف بالإعياء يعلو صوت العقل المنادى بالتعايش وقبول الآخر. ومن داخل تلك اللغة الزاخرة بالتهجم و المتعالية والانعزالية نفسها يتم تأويل لغة السلم. لكن في عصور ما بعد المعرفة والتجربة الإنسانية الحقوقية التي نعيشها لماذا لا زالت الحرب القدر الإنساني الأكثر إيلاماً ؟. هل لان الإنسان لم يتقاسم تجارب البقاء بالقدر نفسه وان هنالك الكثير من المجتمعات لازالت تعانى مخاض الانتقال لأنها لا تود قراءة التاريخ إلا بطريقتها الخاصة عبر تجارب الخطأ والصواب.
ربما احتاج الإنسان إلى ثلاثة ملايين عام حتى يستر جسده  لدواعي ثقافية عوضاً عن الضرورة البيئية ويتكون فيه ضمير ما ويطور مدركاته لشروط بقاء جنسه ووحدة مصيره. فهل لازال الدرب طويل حتى يتمكن من القضاء على الكراهية والجشع وضيق الأفق.
لقد ساهمت القلاع في العصور القديمة إلى حد ما في حماية المدن لكن المدنية الآن تحميها القوانين بينما أصبح أعداء المدنية و المجتمع الآن أكثر قدرة ومضاءً على إصابته بالأذى وإيقاف نشاطاته الحيوية وان قنبلة صغيرة يمكنها أن تغرق مدينة في الظلام والفوضى. الآن تتوفر الفرص أكثر مما مضى لتخريب العالم، إذ كلما أصبحت الحياة أكثر تنظيماً واتساقاً تسهل إصابتها بالأضرار وإشاعة الذعر فيها بعد أن أضحت المدن مأوى للملايين من البشر.
إن المقولة القديمة التي تقول(السلام هنا يعنى أن الحرب هناك) لم تعد تحظى بمدلولها التفاؤلي اليوم، لان آثار الحرب لم تعد تقتصر على جغرافية بعينها، وإنما تتسبب بتداعيات إنسانية ينعكس تأثيرها إلى أبعد الأرجاء (التي لم تعد بعيدة) ، لم يعد هنالك أي عمق آمن لن تطاله أنشطه الحرب والإرهاب.
و نسبة لدور التعصب الديني  في  إذكاء الكثير من الحروب يصبح من  الضروري  التساؤل: هل أن عدم وجود الأديان كان سيشكل خطرا على التعايش الإنساني أكثر مما يشكله وجود الأديان الآن ؟؟
إن الأديان أجابت على الأسئلة الكبيرة التي واجهت الإنسان في مرحلة عوزه المعرفي، والتعاليم الدينية تدعو للسلام والحفاظ على كرامة الإنسان وعدم سفك الدماء والتسامح. لكن مفاهيم القومية والجغرافية والشعوبية قوضت المعنى الإنساني الشامل الذي تتضمنه الأديان، وأضحت حصان طروادة بعد أن نزعت صفتها الكلية الموجهة للذات البشرية وانتحلت النزوات الفردية للاستبداد والسعي للسلطة وكراهية الآخرين و التعصب.
لقد أدى تسارع اندماج المجتمع الدولي في نظام عالمي واحد من حيث الاقتصاد ونظم الحكم، أدى ببعض الشعوب للخوف من فقدان الهوية مما عمق الجرح النرجسي لتلك الشعوب، وبالتالي أصبح هنا الانكفاء على التراث الديني هو العنصر الفاعل لمجابهة خطر الذوبان، لكن مع ذلك يصبح الفقر هو من اكبر عوامل الاستقطاب والمغذى الرئيسي لعوامل عدم الاستقرار وتهديد السلام، إن وحدة مصير سكان هذا العالم تؤكده الكوارث الطبيعية و التي لا تصيب شعوب بعينها لسبب الدين أو العرق، وهو ما يؤمن على ضرورة التآزر  في عالم اليوم  الذي يمكننا فيه تصنيف الدول بصيغة الأحياء الغنية والأحياء الفقيرة لان كوكبنا اصغر مما كنا نظن وسريع العطب بقدر لا يمكن تداركه إذا لم نعى ذلك.
إن مقولة أن السلم هنا يعنى الحرب هناك، يجب أن تتم  إعادة صياغتها لتواكب مقتضيات عالمنا الحديث بان تصبح (السلم هناك يعنى السلم هنا).
© منبر الحرية، 28 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

هدأت مدافع إسرائيل، ولو إلى حين، في غزة. وعادت طائرات الأباتشي والإف 16 إلى قواعدها، في استراحة لا أحد يمكن أن يتكهن بمدتها، خاصة مع توالي خرق التهدئة من الجانبين. و بالمقابل انطلقت المناورات من هذا الجانب وذاك لحصد النتائج السياسية أو على الأقل تقليص الخسائر، ولو على حساب ألام ومآسي المدنيين من الجرحى والمعطوبين والأيتام والأرامل.
اختلفت عناوين حرب غزة بين الطرفين، وتضاربت التفسيرات بين إرجاعها إلى مبررات إقليمية ودولية وبين ربطها بالواقع الداخلي والانتخابي للمتحاربين. خاضت إسرائيل الحرب بأهداف انتخابية معلنة وأخرى مستترة، فيما جابهت حماس الموقف تحت مسميات مختلفة أقلها فرض واقع الأمر في القطاع مع نهاية ولاية محمود عباس، و التحول إلى القوة الأولى في معسكر المواجهة لمزيد من الشرعية التمثيلية.
من الجانب الإسرائيلي عناوين كثيرة يمكن أن “تصوغ” القتل و الدمار، بدءا من مبررات الرد على صواريخ حماس، وقضية جلعاد  شاليط وصولا إلى تهريب السلاح، مرورا باستعادة هيبة قوة الردع بعد تجربة المواجهة مع حزب الله وغيرها. ومن الجانب الآخر تطل مبررات من قبيل : الدفاع عن النفس، ورفع الحصار وفتح المعابر ووقف الاستيطان ووقف استهداف الكوادر وغيرها من الأمور التقنية.
قطعاً، ليست هاته هي المحركات العميقة والمشكلات الحقيقية بين الطرفين، رغم ما تكتسيه تلك العناصر من أهمية. ثمة هناك مشكل أعمق لم يقو الجانبان على مواجهته بالجرأة والشجاعة اللازمتين. إنه صراع الهوية القاتل، حيث يشعر الطرفان بخوف فظيع ومريع وخوف وجودي لا يوازيه سوى الخوف من العدم.
على المدى القريب على الأقل، ليس هناك من أمل في تجاوز هاته المخاوف، بل إن الحرب الأخيرة زودتها بقوة إضافية، وعززت في الأجيال القادمة ولمدى غير منظور صورة الآخر المتوحش والمتعطش لسفك الدماء. تتداخل في هذا الصراع عوامل التاريخ و الجغرافيا و الدين و اللغة ، لكن المشكل يصير أصعب عندما يرتبط ذلك بمصالح من طبيعة اقتصادية تتغذى على الصراع وتعتاش منه.
إن الأمر الوحيد الذي يجب الاتفاق حوله هو ما طرحه مفكر إسرائيلي شتيرنغر في ندوة نظمتها صحيفة هارتس لمناقشة ما بعد عملية الرصاص المصهور في غزة حين تساءل” كيف نضع المريض، أي المنطقة بأسرها، بشكل صائب في المستشفى. وهل سيوافق أوباما، الأوروبيون والسعوديون للدخول إلى هنا بقوة، لتقديم الدعم السياسي والاقتصادي، وحينها تنتظم هنا عملية علاج يمكن أن تغطي كل المرضى، بخليط ثقافاتهم وأديانهم”
خليط الثقافات والديانات في المنطقة هي الكلمة المفتاح في صراع الشرق الأوسط، وما عداه مجرد مظاهر خادعة. طبعا، لا يمكن لأحد أن يشكك في حقيقة معاناة اليهود على امتداد التاريخ الإنساني، لكن حالة آلاف الأطفال  الفلسطينيين الذين فقدوا أطرافهم وأبصارهم، “على الهواء مباشرة” بفعل قنابل الفوسفور الأبيض لا يمكن أن تحجب حقيقة مستوى العنف الذي يمكن أن تصل إليه المنطقة.
أكدت هاته الحرب مرة أخرى أن هناك لغة لم يتحدث بها الطرفان بعد. وما ينقص المنطقة بأسرها لغة حضارية، لا تتجاوز على الاختلافات الدينية، بل تحتضنها على أساس هوية جديدة للمنطقة. لقد حاولت إسرائيل منذ نشأتها أن تقدم نفسها حامية النموذج الغربي في المنطقة رغم عيشها بين ظهراني المسلمين. هل نجحت في ذلك؟
ربما لكن النجاح الحقيقي يقتضي تطوير لغة يهودية ـ إسلامية تقطع من حيث المنطلقات مع الهوية الغربية لهاته الدولة. وهنا فقط يمكن لهاته اللغة أن تشكل منطلقا لكل التفاهمات الممكنة في المنطقة. لغة يمكن أن تقبلها ليس فقط حماس بل حتى إيران و سوريا وحزب الله. إن الخطوة الحقيقية والصحيحة هي البحث عن المواضع التي لا تكون فيها هوية الطرفين متناقضة حد تهديد الوجود الآخر.
لا
يمكن في ليلة وضحاها أن نحلم بنقلة تجعل المنطقة تعيش في أمن وسلام. لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن صراع المنطقة ليس على المعابر والأنفاق، ورفع الحصار. إن الصراع أعمق من ذلك بكثير.  إنه ليس صراع معابر بل صراع من أجل قضايا الهوية والوجود. أما خطورة القضية فتعود إلى أن الطرفين مدفوعان بإيمان ديني صارم بعدالة قضيته، ليبقى السلام الحقيقي معلقا إلى أجل غير مسمى، أو على الأقل إلى أن يطور المتنازعون لغة حضارية جديدة. لغة أصيلة ليست بـ”الغربية” ولا “الشرقية”.
© منبر الحرية، 27 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

على وقع الأزمة المالية العالمية، وفي ظل أزمات لا تكاد تنتهي تعيشها اليمن هذه الأيام، جاءت سلسلة الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي تعرض لها رعايا أجانب من كوريا الجنوبية، بين سياح وفريق تحقيق أمني، لتزيد الوضع الأمني والاقتصادي في البلاد تأزماً وتعقيداً. وبيّنت – بما لا يدع مجالاً للشك – أن تنظيم القاعدة، الذي نفّذ هذه العمليات، أخذ يمارس عنفه الأعمى بقسوة ودون هوادة، وعلى نحو استعراضي يُقصَد منه إظهار عجز الدولة اليمنية، التي يراها “غير شرعية” و”عميلة” لأميركا والغرب كما للنظام السعودي المجاور، وإنهاكها – وهي المُنهَكة أصلاً – اقتصادياً، ناهيك عن مضيّه في جهوده الرامية لضرب شرعية النظام وهزّ صورته في الخارج وبما يفقده – أي النظام- ثقة أهم حلفائه؛ ولهذا تجاوز إرهاب التنظيم الأهداف السياحية التقليدية والمعتادة، الغربية أساساً، وبدأ نطاقه يتسع ليشمل سياحاً وأفراداً من دول أخرى تربطها علاقات حسنة باليمن، ومن هؤلاء السياح الكوريين الجنوبيين الذين يُنظر إليهم بشكل واسع على أنهم أكثر السُّياح الأجانب وداعةً ومسالمة.
إن التنظيم يدرك بطبيعة الحال عمق الأزمة التي تعاني منها الحكومة اليمنية في الوقت الراهن، إذ تأثّر أداؤها الاقتصادي والمالي بشدة، كما أعترف مسئولوها أخيراً بعد طول ترددٍ ومراوغة، نتيجة التداعيات الارتدادية السلبية للأزمة المالية العالمية. وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، من المُرجّح أن يلجأ التنظيم من الآن وصاعداً إلى التركيز، وبشكل أكثر حِدّة، على الأهداف الاقتصادية الأكثر حيوية بالنسبة للحكومة اليمنية، وفي مقدمتها قطاعيّ السياحة والنفط.
لكن إستراتيجية التنظيم هذه، وعلى عكس المتوقع، قد تُفضي – في نهاية المطاف – إلى نتائج عكسية بالنسبة لجميع الأطراف، وبما يحوّل الخاسرين إلى رابحين والعكس. فمع اشتداد العنف الإرهابي الذي يستهدف موارداً وقطاعات اقتصادية حساسة في اليمن، بالتوازي مع استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد، ستكون الحكومة اليمنية في وضع تفاوضي أفضل فيما يتعلق بقدرتها على تلقي المزيد من المساعدات الخارجية، الأمر الذي سيُعطي تحذيرات كبار مسئوليها – وفي مقدمتهم عبدالكريم الأرحبي نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التخطيط والتعاون الدولي – والتي تُلوِّح صراحةً بإمكانية غرق البلاد في الفوضى و”تحولها إلى صومال جديد”، أذاناً صاغية واهتماماً أكبر وبما يدفع إلى استجابة (وتحرك) أسرع من المجتمع الدولي، الذي ما فتئ يُبدي خشيته من دخول الدولة اليمنية طور “الفشل”، وتحولها تالياً إلى “حاضنة مثالية” للمتطرفين والإرهابيين، الذين سيهدد عنفهم المتشظّي واحدة من أكثر مناطق العالم حيوية من النواحي الاقتصادية والأمنية والإستراتيجية، والمقصود بالطبع منطقة الخليج حيث منابع النفط واحتياطياته الأهم والأكبر عالمياً.
وإذا تحقق ذلك، ستزداد القدرات الأمنية اليمنية مع تحسن الوضع الاقتصادي نسبياً وتجاوز الأزمة الراهنة نتيجة تدفق الأموال وارتفاع وتيرة الدعم الخارجي للاقتصاد اليمني، وبالتالي ستتخذ المواجهة مع القاعدة وجماعات العنف المسلح منحنى مختلف، في ظل جهوزية أمنية أكبر وأكثر فعالية تحظى بدعم إقليمي ودولي مهم وحاسِم.
وفي المقابل، قد تنقلب خطط تنظيم القاعدة عليه ومن حيث لا يدرك قادته أو يتوقعون. فالعاصفة المالية الحالية أخذت رياحها العاتية تطال التنظيم، الذي لطالما تفاخر بدوره المزعوم في إحداثها بفعل هجماته على أميركا و”جرّها” إلى حروب استنزاف صعبة ومُكلفة في أفغانستان والعراق، وبدأت تهدد وضع التنظيم المالي، في مركزه وتفريعاته الإقليمية، تهديداً حقيقياً، لاسيما وأن قادته، سواء أولئك المختبئين في الحدود الأفغانية – الباكستانية أو هؤلاء المحتمين بمناطق قبائل اليمن الأكثر نفوراً من قبضة الدولة المركزية –  ليس لديهم في الوقت الحاضر موارد مالية كبيرة، خلافاً للموارد التي تتمتع بها حركة أصولية كطالبان والمرتبطة بشدة بتجارة المخدرات المربحة (يتناقض الوضع المالي الحالي لقادة تنظيم القاعدة تناقضاً حاداً مع الوضع الذي كانوا عليه قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، عندما كانت الميزانية السنوية لتنظيم القاعدة تتراوح بين 20 و30 مليون دولار، والتي ذهبت عدة ملايين منها إلى طالبان).
وعلى الأرجح فإن الأزمة المالية، التي يحاول تنظيم القاعدة مفاقمة تداعياتها بالنسبة لدول نامية كاليمن، أخذت تؤثر في حجم مبالغ التبرعات التي يتلقاها التنظيم، في الوقت الذي تقل فيه موارد المانحين، وتزداد الطلبات من ملتمسين آخرين. والمؤكد أن المشاكل المالية ستُلحِق أضراراً فادحة بقدرة القاعدة على إدارة تنظيمها بشكل فعّال. إذ يتحتم على قيادة التنظيم أن تدفع ثمن الطعام والسكن والإقامة لأُسر الرفاق الذين فقدوا أرواحهم، وكذلك مصاريف الأمن والحماية وشراء الأسلحة والمعدات والتجهيزات اللوجيستية، فضلاً عن الأموال الضرورية لتجنيد وتدريب العاملين والانتحاريين وتهيئتهم للقيام بالعمليات الإرهابية والانتحارية.
وفي المحصلة، ثمة احتمالات كثيرة لما يمكن أن يؤول الوضع الأمني في اليمن والذي يهيمن عليه مشهد الإرهاب والحرب عليه، خاصةً وأن الدولة لم تقو بعد على هزيمة القاعدة وجماعات العنف المسلح، ناهيك عن كونها ما زالت تضرب، واعية لذلك أم لا، عرض الحائط بتعريفها الحداثي لذاتها ولدورها والذي يجعلها القوة الوحيدة التي تحتكر الاستخدام المشروع للعنف، سامحةً لقوى مجتمعية تقليدية، بل وشبه بدائية، بمزاحمتها واقتسام هذا التعريف معها. لكن المهم اليوم هو أن يدرك المجتمع اليمني، بمختلف مكوناته، طبيعة التهديد الكبير الذي تشكله جماعة “القاعدة” على حاضره ومستقبله، وأن مشروع هذا التنظيم، الذي يتأسس على العنف والمزيد من العنف دون أفق سياسي واضح، بات يتقاطع وبصورة جوهرية مع سعي هذا المجتمع لتجاوز تخلفه وعثراته، والنهوض من غيبوبته الحضارية التي طال أمدها وأصبحت تشلّ إرادته الجمعوية بشكل تام.
© منبر الحرية، 20 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20100

وأخيراً .. انتهى عهد بوش الصغير وإدارته الكارثية بكل المقاييس، أميركياً وعالمياً، وبدأت تباشير عهدٍ (بل وربما عصرٍ) جديدٍ آخر آتٍ، لا تحملها نسائِم القادم الأسمر إلى البيت الأبيض تحت يافطة “التغيير” بالذات، بقدر ما تحملها رياح نظام عالمي جديد، ما انفك يُنبئ بتحوّل عاصف في النفوذ وأنماط السلوك على المستوى الكوني.
فالعالم اليوم يمر بتغيير لموازين القوى يبدو واضحاً للعيان في انكفاء القوة الأميركية على نفسها تحت وطأة الأزمة المالية الحادة التي تعصف باقتصادها القومي، وتعثّر مشاريعها في كُلٍّ من أفغانستان والعراق. والأرجح أننا سنشهد خلال السنوات القليلة القادمة المزيد من التخثّر والتآكل في سلطة النظام العالمي الراهن، وستظهر معالم نظام جديد آخر يعكس المتغيِّرات العميقة التي طرأت في العالم خلال نصف القرن الماضي، والتي جعلت النظام العالمي الأحادي الحالي يبدو عاقراً وعاجزاً عن حُكم العالم.
ورغم الأجواء القاتمة السائدة والتي تشهد تراجعاً واضحاً لقطب النظام العالمي الأعظم (الولايات المتحدة) اقتصادياً وسياسياً، إلا أن العالم، وعلى النقيض من حالة القائد الأميركي، أخذ في التقدم بالاتجاه الصحيح من نواحٍ كثيرة. لهذا نشهد ظاهرة صعود لافتة لدول وقوى جديدة – قديمة، بدأت تبحث لها عن مكانة ودور تحت الشمس، فلا تجده في عصر “السلام الأميركي Pax Americana”، وعلى رأس هذه الدول، الصين، التي ستصبح أكبر اقتصاد في العالم خلال عقد أو عقدين، والهند، التي تسير بتؤدة ولكن بثبات وراء جارتها الصين، واليابان، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والبرازيل، العملاق الأميركي اللاتيني الصاعد، وجنوب أفريقيا، هذا بالإضافة إلى الاتحاد الأوربي وروسيا بالطبع.
وإذا كانت هذه البلدان هي التي ستُشارِك أميركا قيادة النظام العالمي خلال العقود المقبلة، إلا أن البنية التعددية لهذا النظام ستتميز كذلك، وبشكل أساسي، بتوزيعٍ جديد للقوى يشمل باقي العالم. إنه نظام متعدد القطبية ولكن بصيغة مغايرة وغير مألوفة أو مسبوقة، إذ أنه يتّجه لأن يكون أكثر تشاركية من أي زمنٍ مضى، وهذا يعود ببساطة إلى طبيعة التحول القائم الذي مَسّ، وما يزال يَمُسّ، مفهوم القوة كما علاقاتها وأنماطها. فأميركا ستواصل لأسباب عديدة لعب دور القائد العالمي على المستويين العسكري والسياسي، لكن في كل المستويات والأبعاد الأخرى، الصناعي والمالي والاجتماعي والثقافي، يتبدل توزيع النفوذ مبتعداً عن السيطرة الأميركية. وفي مجال الحرب والسلم، علم الاقتصاد والمشاريع التجارية، الأفكار والفن، سيولّد هذا الأمر مشهداً مختلفاً جداً عن ذاك الذي عرفناه وألفناه حتى الآن، مشهدٌ تُحدده وتُديره أماكن كثيرة وأشخاص كُثُر.
إننا نشهد بحق التحول الكبير الثالث في النفوذ خلال التاريخ الحديث، والذي وصف المفكر والمحلل السياسي الأميركي فريد زكريا تجلياته ببراعة وتبصُّر في كتابه “عالم ما بعد أميركا” الصادر منتصف العام الفائت. فإذا كان صعود العالم الغربي في القرن الخامس عشر الميلادي هو التحول الأول، الذي انبثق عنه العالم كما نعرفه الآن: العلوم والتكنولوجيا، التجارة والرأسمالية، الثروات الصناعية والزراعية. كما أنه أدى إلى السيطرة السياسية المطولة لدول العالم الغربي، فإن صعود الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وتحولها إلى بلد صناعي كان هو التحول الثاني، وقد اكتسب طابعاً فريداً بعد أن أصبحت أميركا الدولة الأكثر نفوذاً في العالم، وباتت أقوى من أي مجموعة محتملة من الدول الأخرى. وخلال عصر “السلام الأميركي”، دارت عجلة الاقتصاد العالمي وتسارعت بصورة دراماتيكية. وهذا التوسع هو الذي أسس للتحول الثالث الكبير قي النفوذ في العصر الحديث، والمتمثّل في صعود بقية العالم.
وعلى مدى جيلين أو ثلاثة، فإن نظاماً كهذا سيبقى هو الوحيد الممكن والمحتمل؛ نظامٌ تحكمه الدبلوماسية متعددة الأطراف وأقطابٌ يدور حول كُلٍّ منها مجموعة من الدول، أو لنقل معسكرات متنافسة، اقتصادياً وسياسياً على الأرجح وليس عسكرياً بالضرورة.
إنه عالم أميركا وما بعدها في الوقت نفسه؛ عالمٌ يظل تحت قيادتها ولكنه يُملي عليها – بعكس الواقع الراهن – شروطه ومعاييره التي تتحدى الأحادية بالضرورة ولا تقبل التعايش معها أو تحت ظلالها، لاسيما وأن الدول/ القوى المنافسة الصاعدة الأخرى والتي بدأت تحتل مواقعها في المشهد الكوني الجديد، ماضيةٌ بثبات في تطلعاتها ومحاولاتها لكسر السيطرة الأميركية على النفوذ العالمي. وفي حلبة نظامٍ جديدٍ ما فتئ يتخلّق شيئاً فشيئاً، ستستمر اللعبة المعهودة بين القوة القائدة والقوى المتطلعة للحلول مكانها، وإن بشكل حَذِِرٍ وأكثر بطئاً، إذ أن كل واحدة من هذه القوى – وليس أميركا وحدها – تنتابها كثير من النواقص الأساسية؛ فأوربا مُجزّأة بحكم عدم اكتمال وحدتها وأزمتها الديمغرافية، وروسيا تعاني من تذبذب وضعها الاقتصادي والديمغرافي، واليابان ما زالت محكومة بعزلتها ووضعها الديمغرافي أيضاً، أما الصين والهند فستظلان تركزان على إدارة نموهما الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة العدد الهائل لسكانهما، بما يفوق اهتمامهما بإدارة التنافس في سباق القيادة العالمية. وهذا هو السبب الذي قد يُفسِّر لنا: لماذا لن تنتهي اللعبة الكونية الآتية بـ “كُش ملك” يرمز إلى انتصار قوة واحدة، وإنما بتعادل يُجسِّد عجز كل من هذه القوى على السيطرة الفعلية والمطلقة.
والحال أن العالم الذي سيُخلَق لن يكون إمبراطورية، تسيطر عليه قوة واحدة، بل سيكون نظاماً مُركّباً، تتوازن فيه مجموعة من الدول وما فوق الدول، على مستويات متكافئة، حتى إذا لم تكن متساوية بالمعنى الدقيق للكلمة. صحيح أن أميركا ستظل محتفظة بتأثيرها في النظام العالمي، وأكثر من أي طرف دولي آخر، ولكن قوتها وهيمنتها ستكونان أقل في عالم متعدد الأقطاب مقارنةً بما كانت تتمتع به لعدة عقود. وفي ضوء التراجع النسبي في اقتصادها، لن تتمتع الولايات المتحدة بنفس المرونة في الاختيار من بين عدة خيارات سياسية، في الوقت الذي ستكون فيه القوى/ الدول الصاعدة الأخرى أكثر حرصاً على المشاركة في صُنع حاضر العالم ومستقبله وفق رؤيتها الخاصة، بعد زمن طويل من التجاهل الأميركي والاستفراد بمقود القيادة العالمية.
© منبر الحرية، 18 مارس 2009

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

في يوم ما اعتبر الاقدمون أن المرأة هي الأرض  التي تخرج من أحشائها كل شيء، الأرض التي سماها السومريون(إنكي)، والذكر هو السماء التي  تمطر وتعمل على إخصاب الأرض وسماها السومريون(آنو) ولذا عبد البدائيون الأرض كإلهة أم كبرى، ووجدوا في المرأة المعادل الموضوعي لها  وأصبحت الممثلة لإلهة الأم الكبرى الأرض وبنيت لها المعابد وقدمت لها القرابين والهدايا ودخلت البشرية فيما سمي بالعهد الأمومي. فالأقدمون رأوا المرأة كما الأرض ولودة منجبة تخرج من أحشائها مواليد جدداً  تجدد الحياة باستمرار.
واستمر العهد الأمومي هذا حتى الإنقلاب الذكري المثير عليها بقتل الإله الوثني (ميثيرا) الثور السماوي المقدس (هوما) وهو رمز المرأة لدى العديد من الشعوب القديمة، بينما كان آخر تمرد ضد الأنثى في المنطقة العربية تمثل في تمرد السيد المسيح على والدته العذراء في بلدة قانا اللبنانية حينما نهرها بقوله: ( ما لي ولك يا مرأة لم تأت ساعتي بعد). ويمكن اعتبار هذا أول تمرد على سلطة المرأة في بلاد الشام كما يقول فراس السواح، تمرد أنهى عبادة المرأة والمجتمع الأمومي (الماترياركي) وأدخل المنطقة في عبادة إله ذكر ومجتمع ذكوري (بطريركي).
بذلك تهاوى عرش المرأة السماوي وبدأت هكذا تخضع لسلطة الرجل وأصبحت مجرد شرفه وعرضه أو ناموسه رغم أنها نصف المجتمع. ولكن المرأة التي سلبت منها حقها بعد اعتلاء الآلهة الذكور سدة الحكم في الأرض والسماء، وأصبحت مواطنة من الدرجة أكثر من الثانية في بعض البلدان الإسلامية… وبمناولتنا للحقبة الإسلامية يتبادر إلى الذهن السؤال الهام وهو: ماذا أعطى الإسلام للمرأة من حقوق وواجبات؟ فهل أنصفها الإسلام يا ترى وأعطاها كامل حقوقها؟ أم أنها بقيت دون الرجل في محطات هامة من حياتها الاجتماعية؟
في الحقيقة نرى النساء في بعض الممارسات الإسلامية ينقسمن إلى حرات وجواري فزادت الحرة بدرجة على أختها الجارية التي بقيت كما في الجاهلية سلعة تباع وتشرى على قارعات الطرق وفي أسواق النخاسة في المدن الإسلامية الكبرى آنذاك، وبقيت حتى اليوم في بعض البلدان الإسلامية  كائنة تعيش في قيعان مستنقعات مجتمعاتها المتخلفة. حيث لم يكن الإسلام حاسماً في تجاهل عادات الجاهلية وخاصة في موضوع المرأة. ففي الجاهلية كانت المرأة دون الرجل في كل شيء. ورغم أن الإسلام اعترف لها ببعض حقوقها وأنقذها من الدفن وهي حية وهو ما أسميه بالوأد الأكبر، ألا أنها بقيت في حقوقها دون الرجل تماماً.
فبعض الممارسات الإسلامية – كما قلنا- أبقت على شيء ليس بالكثير من العادات الجاهلية وإنما استبدلت الوأد في التراب بالوأد بين أربعة جدران وهو ما أسميه بالوأد الأصغر، فأصبحت المرأة حبيسة الدار لا تخرج إلا بإذن من متولي أمرها.
وعلى العموم يمكن أن نعقد مقارنة موضوعية بين المرأة والرجل من حيث حقوق كل منهما في الإسلام وليحكم القاري بنفسه عليها بعد ذلك:
1-  ففي الميراث نصيبها نصف نصيب أخيها الرجل (للذكر مثل حظ الأنثيين). حتى لو كان الأخ عاطلاً لا يجلب منفعة للبيت في الوقت الذي قد تكون المرأة فيه عاملة أو موظفة وقوة اقتصادية لأسرتها، ومع هذا يصبح نصيبها من إرث والديها نصف نصيب الرجل، والغاية الأساسية من ذلك هو المحافظة على الثروة في خط سلالة الرجل دون المرأة.
2- وفي الشهادة تكون شهادة امرأتين على العقود وفي المواثيق بشهادة رجل واحد، أي يلزم ليشهد على عقد البيع رجل وامرأتان ممن ترضون دينهم والقرآن الكريم يبرر ذلك بآفة النسيان ويقول: (…فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )- البقرة.
3- والطلاق كذلك بيد الرجل وحده ولا تستطيع المرأة أن تطلق نفسها مهما كانت الأعذار والمبررات، بينما يطلقها الرجل بثلاث كلمات شفهية لا غير، ويرحلها إلى بيت أين وأنى شاء.
4- وفي السفر، لا تستطيع المرأة السفر دون موافقة زوجها أو بحضور محرم معها من أهلها، وبهذا تفرض القيود على حركتها وتصبح غير صالحة للقيام بالأعمال التجارية ولن تستطيع – والحال هذه- الدخول في صفوف  رجال الأعمال إلا ما ندر.
5- وفي الزواج،  يحق للرجل الزواج بأربعة نساء. بالإضافة إلى ما هو ملك اليمين وملك اليمين يقصد به الجواري اللائي يقتنيهن الرجل ويجامعهن سيدهن بدون عقد شرعي. حيث كانت ظاهرتي الجواري والسبي في الحروب من أكثر الظواهر مأساوية في حياة المرأة آنذاك. سنشتشهد بمثال واحد فقط من الأندلس، وذلك حينما أهدى أحد خلفاء الأمويين في الأندلس ست جوار حسان لأحد أصدقائه المقربين منه والذي كان يقطن في بلد آخر بعيد عنه، كتب إليه هذا الصديق يظهر فحولته له ويقول: أنه اقتضهن في ليلة واحدة!
وكلنا يعلم أن تعدد الزوجات كانت ولا تزال وبالاً على المرأة المسلمةً. فالمرأة المتزوجة برجل له امرأة أخرى ولها ضرائر، ستظل تعاني طوال حياتها العنت والاضطهاد من زوجها ومن الخناقات اليومية والخلافات والشجارات، وستظل تعيش في حالة من القلق والإضراب النفسي طوال حياتها، مما يؤثر سلباً على حياتها وصحتها.
ولهذا يمكننا القول بأنه لا يمكن الكلام عن مساواة الجنسين دون أن تنال المرأة حقوقها كاملة لها ما للرجل وعليها ما على الرجل. وهذا لا يتم دون مجتمع حر متطور، وزوال النعرات العشائرية، والقبول بالعولمة القادمة التي تكنس أمامها كل الأفكار والخطابات القديمة التي عفى عليها الزمان وأصبحت من ميراث الماضي و مواداً للمتاحف الوطنية. وأقول إن مجمل هذه الظواهر هي الكفيلة بتحرير المرأة. فحينما يتحرر بلد ما من كل قيود، وحينما تتعلم المرأة وتصبح قوة إنتاجية مثل الرجل.

إدريس لكريني21 نوفمبر، 20100

حظيت مسألة إدماج وتمكين المرأة باهتمام محلي وعالمي واسع، بعدما اقتنع المجتمع الدولي بحجم التمييز والتهميش الذي يطالها؛ ومدى الانعكاس السلبي لذلك على تطور المجتمعات.
وإذا كانت مقتضيات الدساتير المحلية تؤكد على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فإن واقع الممارسة الدولية يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار الحيوية؛ يظل محدودا (حوالي 15 بالمائة) ولا يعكس كفاءتها وإمكانياتها في مختلف المجالات..
وقد جاءت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لتترجم الاهتمام المتزايد بتمكين المرأة؛ من قبيل الاتفاقية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة؛ وبرنامج عمل “بكين” الصادر عن المؤتمر العالمي حول المرأة المنعقد بالصين سنة 1995 والذي صادقت عليه 189 دولة. كما أن تقرير الأمين العام الأممي لسنة 2003 حول تنفيذ إعلان الألفية التابع للأمم المتحدة؛ أكد من جانبه على ضرورة تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. وفي السنوات الأخيرة؛ أضحى تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية.
وإذا كان الواقع الاجتماعي بموروثه الثقافي وتراكماته التاريخية.. إضافة إلى ضعف اهتمام المرأة بالعمل السياسي إجمالا؛ لا يسمح للمرأة بتحقيق المساواة الفعلية؛ رغم عطائها في مختلف المجالات العلمية والعملية؛ ورغم الضوابط القانونية التي تؤكد على حقوقها في هذا الشأن؛ فإن عددا من الدول ابتدعت سبلا وشروطا قانونية مرحلية؛ حاولت من خلالها تجاوز هذه الإكراهات والمعيقات للانتقال من المساواة القانونية الشكلية إلى المساواة الواقعية الفعلية؛ ومن تكافؤ الفرص إلى تكافؤ النتائج.
ويندرج نظام الحصص أو “الكوتا” ضمن هذا الإطار؛ وهي تقنية مرحلية تنحو إلى توفير فرص لعدد من الفئات الأقل حظا داخل المجتمعات (النساء والسود والأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة..). وفي علاقتها بالنساء تتنوع “الكوتا” بين نظام محدث دستوريا؛ ونظام حصص محدث بمقتضى قانون انتخابي؛ وهما معا يسمحان بتنافس النساء على عدد أو نسبة من المقاعد المخصصة؛ ثم نظام حصص حزبي يقضي بترشيح نسب محددة من النساء في اللوائح الانتخابية المحلية و/أو البرلمانية؛ ويمكن لهذا الأخير أن يكون اختياريا في سياق توافقي؛ أو إجباريا بموجب نص قانوني.
لقد استأثرت هذه التقنية التي تنحو إلى تحسين مشاركة النساء؛ باهتمام ملفت داخل مختلف الأقطار المتقدمة منها والنامية التي ضمنتها في دساتيرها أو قوانينها الانتخابية أو الحزبية؛ وتشير الدراسات والتقارير المرتبطة بهذا الشأن إلى تنامي اللجوء إليها في ظل التطورات التي طالت حقل الديموقراطية وحقوق الإنسان في العقدين الأخيرين؛ على عكس المناصفة الذي يكاد يقتصر تطبيقه على النموذج الفرنسي والقوانين الداخلية لبعض الأحزاب اليسارية في أوربا الغربية، والذي يقضي بالمساواة في التمثيل داخل مختلف المؤسسات ومراكز اتخاذ القرارات بين الجنسين؛ ويعود السبب في ذلك إلى مرونة نظام الحصص(الكوتا) وإلى مراعاته للواقع السوسيو ثقافي للدول التي تعتمده.
وتؤكد الدراسات والأبحاث المرتبطة بهذا الشأن؛ أن أزيد من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد مناطق مختلفة من العالم؛ في كل من إفريقيا (جنوب إفريقيا؛ إريتيريا؛ غانا؛ السنغال؛ رواندا، بوركينا فاسو..) وأمريكا اللاتينية (الأرجنتين؛ البرازيل؛ المكسيك..) وأوربا(إسبانيا؛ بريطانيا؛ بلجيكا..) وآسيا (بنغلادش، باكستان؛ سريلانكا؛ الفيلبين؛ أندونيسيا..) وبعض الدول العربية (الأردن؛ فلسطين؛ العراق، موريتانيا؛ السودان؛ الإمارات العربية..).
وبحسب بعض الإحصاءات فإن 15 دولة فقط من بين الدول التي اختارت هذا النظام؛ هي التي استطاعت أن تتجاوز النسبة الحرجة المحددة في 30 بالمائة؛ وهنالك 30 دولة فقط تجاوزت نسبة ال20 بالمائة. وتوجد 45 دولة زادت مشاركة النساء فيها علي 15 بالمائة عن طريق قوائم الأحزاب.
وقد تباينت المواقف الفقهية بصدد هذه التقنية (الكوتا)؛ بين متحفظ ومعارض من جهة؛ وبين متحمس ومؤيد لها من جهة ثانية؛ فالاتجاه الأول يرى فيها وسيلة لتجاوز مختلف الحواجز والمعيقات العلني منها والخفي، باتجاه تحسين أوضاع النساء الاقتصادية والاجتماعية..؛ والانتقال من الصيغة النظرية لتكافؤ الفرص إلى واقع ملموس وتجاوز ضعف التمثيلية السياسية للمرأة في البرلمان والمجالس المحلية بشكل خاص؛ ولا يعتبرها رواد هذا الاتجاه تمييزا ضد الرجل بل تعويضا للمرأة عن التمييز السياسي الذي يطالها..
ويركز آخرون على مبدأ العدالة الذي يحتم تمثيل نصف المجتمع في المجالس النيابية على كافة مستوياتها، ومنطق تمثيل المصالح؛ ويعتقد جانب مهم داخل نفس الاتجاه أن المقومات الثقافية والسياسية في عدد من البلدان النامية التي تندرج الدول العربية ضمنها؛ لا تسمح بتكريس مشاركة فعالة للنساء من خلال مدخل الممارسة الديموقراطية المبنية على تكافؤ الفرص والتباري بصفة مباشرة مع الرجل؛ مما تظل معه العديد من الفعاليات النسائية الكفأة في مختلف الميادين والمجالات؛ مبعدة ومقصية من المساهمة في تعزيز المشهد السياسي والتأثير في القرارات الحيوية لبلدانها.
وإذا كانت “الكوتا” تعد إجراء تحفيزيا ودعما قانونيا يسمح بتطوير الثقافة السياسية وتذليل العقبات أمام المرأة لتصحيح ما يعتبره هذا الاتجاه خللا حاصلا في تمثيليتها في أفق توفير الأجواء النفسية والسياسية التي تسمح بانخراطها في تنافس ندي مبني على الكفاءة إلى جانب الرجل مستقبلا، فإن الاتجاه الثاني يرفض هذا الخيار؛ معتبرا إياه يتنافى مع مبدأ المساواة بين المواطنين ويتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص؛ فهو بموجب هذا الرأي تدبير غير ديموقراطي يمنح النساء حقوقا اعتمادا على اعتبار النوع لا الكفاءة؛ بل إن هناك من يعتبره حيفا في حقها؛ ويعبر عن تخوفه من أن يؤثر اعتماد هذه التقنية سلبا على نضال المرأة باتجاه التحسين الجذري لأحوالها وتعزيز مشاركتها السياسية في المستقبل.
وقد اعتبره البعض تشويشا على الممارسة الديموقراطية؛ من حيث أنه يفرض على الناخبين مسبقا الاختيار بين مرشحات فقط؛ كما يرى رواد هذا الاتجاه بأن منطق العدالة والديموقراطية؛ يفرضان ولوج المرأة إلى البرلمان ومختلف المجالس المحلية؛ من خلال الخضوع للضوابط المعمول بها بالنسبة للرجل أيضا؛ وإقناع الناخبين؛ بعيدا عن أي إجراءات تجانب مبدأ تكافؤ الفرص.
وبغض النظر عن هذه المواقف؛ فإن المشاركة السياسية للمرأة تظل مطلبا ملحا؛ ذلك أن تعزيز الخيار الديموقراطي والتنمية الحقيقية التي تركز على الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا؛ لا يمكن أن تتحقق دون الالتفات لنصف المجتمع الذي تشكله المرأة.
وإذا كانت المرأة تتحمل قسطا من المسؤولية في ضعف مشاركتها في هذا الصدد؛ نتيجة عدم مبالاتها بالشأن السياسي.. فإن هنالك أسبابا أخرى تتحملها الدولة والمجتمع وتسهم في تفشي هذه الظاهرة؛ من قبيل تعرضها للعنف بجميع مظاهره والفقر والأمية.. كما أن الأحزاب لا تتيح فرصا كافية لتعزيز مكانتها في الحقل السياسي بشكل عام وفي التمثيل البرلماني على وجه الخصوص..
إن تحقيق مبادئ الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وشروط التنمية الحقيقية لا يتم دون فتح المجال لمشاركة المرأة وإدماجها داخل المجتمع؛ وهي مهمة لا تقتصر على فتح باب المشاركة السياسية وولوج البرلمانات والمجالس المحلية.. أمامها فقط؛ بقدر ما ترتبط بتمكينها من المساهمة الفعالة في اتخاذ القرارات الحيوية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية..
© منبر الحرية، 10 مارس 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018