التحق الإخوان بالثورة في وقت لاحق من قيامها إلا أن ذلك لم يكن يميزهم عن غيرهم مع باقي فئات القوى السياسية الأخرى التي انصهرت تحت علم مصر وروح الوطنية المصرية التي طالما كانت بدورها محل جدل عند الإخوان أنفسهم...التفاصيل،
التحق الإخوان بالثورة في وقت لاحق من قيامها إلا أن ذلك لم يكن يميزهم عن غيرهم مع باقي فئات القوى السياسية الأخرى التي انصهرت تحت علم مصر وروح الوطنية المصرية التي طالما كانت بدورها محل جدل عند الإخوان أنفسهم...التفاصيل،
إذا كانت ثورة الشباب استطاعت بقوتها ان تقتلع نظام مبارك من السلطة بعد ثلاثين سنة حكم ديكتاتوري، فهل تكون لهذه القوة الخفية تأثيراتها الإيجابية على عقلية النخبة والقوى السياسية الأخرى التي تتباين فيما بينها من أقصى اليمين لأقصي اليسار، ليصبحوا غير ما كانوا عليه في الماضي من الاختلاف الشديد المتباين فيما بينهم....
أعاد اغتيال زعيم القاعدة "أسامة بن لادن" صباح يوم الثاني من شهر مايو 2011 على أيدي قوات عسكرية أمريكية داخل الأراضي الباكستانية النقاشات بصدد تنظيم القاعدة إلى الواجهة من جديد، ومدى فعالية ونجاعة التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة في سياق ما تعتبره حملة "دولية" لمكافحة "الإرهاب"، ومدى تأثير هذا الاغتيال بالسّلب على مستقبل القاعدة وأدائها.....
أشار تقرير “الاتحاد الدولي للاتصالات” التابع للأمم المتحدة والذي نشر فى أبريل الماضي، إلى إن 23% فقط من سكان الأرض يستخدمون الانترنت. وزاد عدد مواقعها على نحو متسارع ليبلغ حاليا ثمانين مليونا، في حين كان بالكاد 500 في عام 1994. ورافق هذه الزيادة نمو لافت للمدونات الالكترونية والمواقع الشخصية التي يتولى أفراد تزويدها بالمعلومات. والظاهرة التي لفتت نظر الجميع، أن الدين يزداد حضوره بقوة على شبكة الويب خاصة المدونات الدينية، التى تحول أصحابها إلى فاعلين دينيين ينافسون رجال الدين فى الديانات الكبرى، وسيكون صعبا على هؤلاء أن يسترجعوا مكانتهم التقليدية ! فحتى وقت كتابة المقال إذا دخلت جوجل وكتبت Religious سوف يظهر لك أكثر من 223 مليون صفحة ويب مرتبطة بالدين بشكل أو بأخر. فالدين أصبح هوسا معولما يطل علينا من أهم منتج من منتجات الحداثة… الإنترنت ! ونذكر القارئ بتعداد عام 2009 للمنتسبين لكل دين، حيث
يوجد:2 مليار مسيحي، و 1.5مليار مسلم، و900 مليون هندوسي، و400 مليون بوذي، و24 مليون سيخ، و16مليون يهودي وغيرهم، كلهم اتجهوا إلى الإنترنت، ونقلوا إليها أفكارهم وهواجسهم ومشاكلهم وصراعاتهم . وحسب إحصاء أجري سنة 2004، وجدت الديانات الكبرى نفسها على الإنترنت على قدم المساواة مع ملل ونحل جديدة، أو ملل موغلة في القدم لكن الإنترنت أتاح لها الانبعاث من جديد وظنت نفسها ديانة كبرى. فالطائفة “الرائيلية” التي شغلت العالم منذ بضع سنوات، كان لها 5مواقع على الإنترنت، مقابل 29506 موقع للمسيحية، و1791 موقعا إسلاميا و732 موقعا بوذيا،و305 مواقع للكنيسة السيونتولوجيه، لكن الجميع على الإنترنت !
الاستعمال الدينيِ للإنترنتِ
من يبحر فى الإنترنت الآن يلاحظ فيض متزايد من البرامج والمنتجات والخدمات التي تحمل الطابع الديني المباشر والصريح أو ضمني الغير مباشر . بل تحولت إلى سوق ضخم سلعتها الأساسية الإيحاء الدينى، سواء بطرق تقليدية أو مبتكرة النوع، فمنذ أكثر من عقدين استخدمت الإنترنت كفضاء إليكتروني تجري فيه الطقوس الروحية والمعتقدات والممارسات الدينية التقليدية. ويمكن تتبع الاستعمال الديني للإنترنت منذ أوائل الثمانينات، حيث النشرات الدينية، ومنتديات النقاش المرتبطة بالمؤسسات الدينية، وخلال هذه الفترة نفسها ظهرت مجموعات المناقشة الدينية على الشبكة Usenet، و سعى العديد مِنْ متحمّسي الحاسوبِ الدينيينِ الآخرينِ من الأديان المختلفة على تشكيل مجموعاتَ مناقشة على الإنترنتَ خاصة بمعتقداتهم. وفى نفس الوقت بدأ الهواة الدينيين للكمبيوتر استكشاف “سبل جديدة فى الإنترنت لاستخدامها للتعبير عن مصالحهم الدينية”، ونمت بشكل مطرد حتى منتصف الثمانينات، فزادت فى التسعينات أعداد المجموعات والقوائم البريدية والنشرات الإخبارية وقوائم العناوين الدينية على الإنترنت. و عموما بدأ اهتمام الرأي العام بالأشكال الدينية على الإنترنت يتزايد منذ أن نشرت مجلة Technopagans مقالا عام 1995 عن الفضاء الإليكتروني المثير، وبعدها فى عام 1996 نشرت مجلة التايم مقالا عنوانه ” الله على شبكة الويب ” ومن وقتها اعترفت وسائل الأعلام بأن هناك شيئا جديدا ومثيرا يحدث على الإنترنت، حيث تزايد استخدامها فى الممارسات الدينية، ونشر الأفكار والنصوص والتراث الديني. ويمكن القول بأن الدين ظهر في مختلف الشبكات الحاسوبية بأشكال وأنماط متعددة، ومنذ التسعينات أصبح ملمح مميز للخطاب العام للمجتمع المعلومات الجديد. والإنترنت نقصد بها هنا تكنولوجيات شبكات الكمبيوتر بما فيها الويب والمنصات الأخرى مثل غرف الدردشة والبريد الإليكترونى، ومنتديات الحوار، الخ تلك الأشكال الإنترنتيه، أما مصطلح ” الدين على الخط” “religion online” فهو يصف كافة الممارسات الدينية التقليدية والغير تقليدية والمحادثات والحوارات الدينية، والنصوص كما تظهر على شبكة الإنترنت. و يمكن حصر الأنشطة الدينية الأكثر انتشارا على الإنترنت فى جمع المعلومات والأخبار الدينية، والتواصل الديني مع الآخرين، وأنشطة الدعوة والتبشير، وتقديم المشورة الدينية والفتاوى، والصلاة، والحج الافتراضي، والتجارة الإليكترونية الدينية.
والإنترنت الديني له جانب إيجابي واضح فى توفير النصوص القديمة، وجعلها فى متناول الجميع، بحيث أصبحت جميع الأديان تعيش حولنا، ووفرت فرصة غير مسبوقة للنفاذ (عبر صفحات الويب، وغرف الدردشة، وقوائم المناقشة، والبريد الالكتروني) إلى التجارب الدينية لمئات الملايين من الناس من كل بلد من بلدان العالم، والاهم من ذلك أنها تقدم لنا صورة عن ممارسات وأفكار ومشاعر وطقوس المؤمنين سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات الدينية، أو مستوى المجموعات والطوائف الدينية الجديدة التى أحدثها الإنترنت وجمع بين أعضائها في الجهات الأربع من العالم بعد أن كانوا فرادى مشتتين ومنعزلين عن العالم وعن “إخوانهم في الدين والملة”.
لكن الجانب الآخر للإنترنت فتح الباب على مصراعيه للتعرف على الانتقادات والآراء المخالفة، ليغير كثير من “المؤمنين والأتباع” دياناتهم بسرعة بعد أن ظلوا سنين متمسكين بها، فمنهم من “ارتدوا وكفروا” بدين آبائهم وأوطانهم واعتنقوا أديانا جديدة، ومنهم من فضلوا العيش بلا دين، مثل ما وقع لطائفة “المورمون” وطائفة “هيكاري” باليابان وللكنيسة “السيونتولوجية” بالولايات المتحدة الأميركية وطوائف أخرى. والسبب واضح، فالويب يتيح الانتقال السريع للأفكار والتحليلات والرسائل بين ملايين الناس بنقرة واحدة لا غير. وصار مستحيلا على موقع إلكتروني ديني أن يكون بمنأى عن النقد والتجريح والتشهير وإعلان الحرب الافتراضية، وما عليه إلا أن يرد على مهاجميه أو يعلن الهزيمة. وبهذا سرعان ما تحول ابتهاج “الأديان الجديدة” بفتوحات الإنترنت إلى هدية مسمومة تصيب عقيدتهم فى مقتل ! وبفضل هذا الفضاء الواسع استطاعت كثير من المواقع الجهادية الإسلامية والمواقع المتشددة والمتطرفة المرتبطة بالإسلام، أن تشن غاراتها عن طريق الكر والفر والاختفاء والظهور والانتقال من موقع إلى موقع آخر في الشبكة الإلكترونية دون عناء. فالإنترنت الدينى أتاح الفرصة لجماعات الإرهاب باسم الدين لتحويل الإنترنت لمساحة حرب إضافية، وأصبحت ملاذا للجماعات الأصولية بكافة أشكالها وانتماءاتها، واستوطنت فيها كافة الأقليات الدينية فى العالم للدفاع عن حقوقها الدينية، و أصبحت الإنترنت أيضا، واجهة للمؤسسات الدينية الدولية والإقليمية والمحلية، ومنبرا ليس فقط للمراجع الدينية من منطلق أنهم أوصياء على الدين والعقيدة، بل لكل من يريد أن يعبر عن هواجسه الدينية وتوجهاته. و بسهولة يلحظ الزائر للمواقع الدينية صراع الأيديولوجيات العقائدية وهى تطلق مشاعر العداء والكراهية المكبوتة بكافة أشكالها وألوانها. وتكشف الاستخدامات الدينية المعاصرة للإنترنت عن حالة مخيفة من التصنيف يمارسها البعض ضد البعض الآخر. وتنبع عادة حالة التصنيف التي تمارس ضد الآخر الدينى نتيجة عدم معرفة بالآخر وجهل تام بشؤون حياته. فهؤلاء كفرة، وهؤلاء مؤمنين، وهؤلاء صالحون، وهؤلاء منحلون، وهؤلاء ملحدون، إلى آخر قائمة التصنيف الديني. وإذا كانت الإنترنت قد فتحت آفاقا جديدة للعلنية والمكاشفة، فإنها عمقت من خلال التحيزات الأيديولوجية والنيات العدائية المسبقة حدة الخلاف والعداء ليس بين الأديان فقط، بل أيضا بين المذاهب الدينية داخل الدين الواحد. فالإنترنت أشركت الكثيرين في النقاش الدينى، لكنها أشركتهم بأطرهم الفكرية والأيديولوجية المسبقة التى لا تهدف سوى تحقير الآخر الدينى أو إلى إبادته، بدون شروط الحوار العقلاني الواعي الذي يستهدف التسامح والتعايش مع الجميع.
المؤسسات الدينية والإنترنت
أن الآثار الاجتماعية للإنترنت من المرجح أن تكون عميقة على كافة المستويات، وأننا بدأنا توا نقدر النتائج الدينية المترتبة على هذه التغيرات الناشئة نتيجة التواصل بين التكنولوجيات، والأديان ! فبمجرد تبنى المؤسسات الدينية للإنترنت يحدث أثار جذريه للمؤسسة، وتتغير أنماط الاتصال الديني بها، رغم أن العالم مازال في المراحل الأولية لهذه الثورة، ومع ملاحظة أن المؤسسات الدينية دائما متخلفة عن غيرها من المؤسسات الأخرى عندما يتعلق الأمر بتوظيف التكنولوجيا الجديدة، فالدين ومؤسساته ذات طبيعة تحفظية، الفاتيكان كان له موقعه الخاص منذ سنة 1997، الا أن البابا جان بول الثاني، هو من أرسل أول رسالة إلكترونية لخمسين راهبا بنقرة واحدة على فأرة الحاسوب، يوم 22 نوفمبر عام 2001، يعنى بعد إنشاء موقع الفاتيكان بأكثر من 4 سنوات. فالتأخير الملاحظ فى استجابة مؤسسة دينية كبيرة كالفاتيكان لظاهرة الإنترنت الدينى، يعكس التوجس والحذر الذي حكم سلوك المؤسسات الدينية من الوسيلة التواصلية الجديدة، واحتاج الأمر في البداية إلى تجميع المعطيات وتوسيع الاستشارة والنظر بين المسئولين الدينيين للخروج بموقف واضح ورسمي من شبكة الويب. فأصدر الفاتيكان بهذا الخصوص وثيقتين متتابعتين سنة 2002، الأولى عن “الكنيسة والإنترنت” والثانية بعنوان “الأخلاق والإنترنت”. وأشارت الوثيقتان إلى محاسن الويب ومساوئه، فهو من جهة وسيلة تربوية وتثقيفية جيدة، ووسيلة من وسائل التعارف والتحاور، ولكنه بالمقابل يمكن أن يكون أداة للفساد والإفساد والاستغلال والاستبداد.وارتبكت كثير من المؤسسات الدينية وهي تبدأ نشاطها في محيط الويب الواسع، وبدا لأول الأمر أنها أدركت أهمية الوسيلة الإعلامية الجديدة، لكنها “مارست أنشطتها دون ان تملك المهارات اللازمة “، كأنها كانت تريد حجز المكان ثم النظر في استعمالاته من بعد. و ظنت تلك المؤسسات أن الإنترنت يتيح لها أن تعظ الناس كما تعظهم بطريقتها المعتادة في الكنائس والمساجد والمعابد، في حين أن “الوعظ الويبي” يحتاج إلى مهارة إعلامية حديثة لا يملكها الوعاظ والمتحدثون والمرشدون الدينيون، ولا يزال كثير منهم إلى اليوم مفتقرين إليها.
الدراسات الأكاديمية لظاهرة الإنترنت الدينى
مع كل تطور تكنولوجي تنبثق تحديات جديدة أمام الباحثين والمفكرين، وخاصة الأكاديميين فى العديد من الفروع العلمية، حيث زاد اهتمامهم فى السنوات الأخيرة لمتابعة ودراسة الأشكال الدينية الوليدة على شبكة الإنترنت، و لم تكن دراساتهم معزولة عن المنهج العلمي لعلوم الاجتماع والاتصال واللاهوت والدراسات الدينية، والفلسفة وعلم النفس والسياسة وغيرها من العلوم، التي أضافت الكثير من المعلومات القيمة حول طبيعة الأشكال الدينية على الويب في البيئات المختلفة. والانترنت كوسيلة اتصال تحمل سمات فريدة، يمكن أن تغيير السياق العالمي للتدين في الدراسات الأكاديمية التي تعمل على الدين، حيث توفر فرصا لدراسته من جميع جوانبه، سواء النصية، والتاريخية، أو الدراسات الميدانية. فالثورة الاتصالية الجارية من المرجح أن تغيير وجه الدين عن طريق تغيير في السياق الاجتماعي الذي يتفاعل فيه. ومن المهم ان نسعى الى فهم كيف ولماذا يحدث هذا التغيير؟!
وفى مسح علمى عن الدراسات التى تناولت ظاهرة ” الدين على الخط” “religion online” حدد هوجسغارد واربورغ عام (2005) فى دراستهما، ثلاث موجات من تلك الدراسات. الموجة الأولى سعت الى كشف ما هو جديد ومختلف بين الممارسات الدينية على الانترنت مقابل الممارسات الدينية التقليدية الغير متصلة بالإنترنت. ومالت هذه الدراسات إلى الوصفية، وسعت الى تقديم دراسات إثنوجرافيه عن الطوائف الدينية على الانترنت. والموجة الثانية ركزت على اكتشاف الشروط والأوضاع خاصة تلك المرتبطة بظهور المعتقدات والقيم والأنشطة الدينية على الانترنت، وكانت تميل الى البحث عن كيفية تأثير الاتصال المعتمد على الويب على المستخدمين فى تحديد واستكشاف تصورات الهوية الدينية، والمجتمع والثقافة وممارسة الطقوس والشعائر. ويعتقد المؤلفان اننا دخلنا الموجة الثالثة من البحوث التى تتناول بالدراسة ظاهرة ” الدين على الخط” “religion online” حيث ابتعدت عن المحددات التكنولوجية التى تؤثر على تشكيل ظاهرة الدين على الإنترنت، وركزت اهتمامها فى الإجابة عن الأسئلة الآتية :
• ما هي الشروط الاجتماعية والثقافية التي تؤثر على المشاركة في المجتمعات الدينية الافتراضية، وكيفية تحديد الهوية الدينية على الإنترنت ؟
• إلى أي مدى تعتبر عملية بناء الهوية الدينية على الانترنت عملية اجتماعية، ونشاط انعكاسي تدمج فيه الأدوات والمعلومات من المصادر الموجودة على الانترنت وتلك الموجودة في الواقع الفعلي خارج الإنترنت ؟
• كيف يمكن ان تؤثر الممارسات الدينية فى المجتمعات الدينية الافتراضية على الممارسات الدينية الواقعية خارج الإنترنت، ليس فقط فى العبادات والطقوس والشعائر، وإنما في هياكل السلطة والنفوذ في المؤسسات الدينية؟
ونزعم إن هذه الأسئلة تنير لنا الفهم بطريقة ما، لأن كلّ وقفة سؤال يقدم لنا سلسلة من الاحتمالات المثيرة، وتعرضنا لطرق جديدة للتفكير، وفهم التغييرات التي تحدث حولنا، لكن هناك أسئلة أهم طرحت منذ عدة سنوات ولم تستطيع تلك الدراسات الإجابة عنها، وهى :
هل الإنترنت الديني يستطيع أن يجعل الأديان علي حدّ سواء ويزداد التسامح بين أصحابها، وتتقارب أكثر؟ هل سوف يتفق أصحابها أو سيتباعدون ؟ كان هناك دفع عظيم في السنوات الأخيرة لإثارة التشابهات بين الأديان المختلفة، بدلا من اختلافاتها. هل تنجح الإنترنت في تقديم الأديان المختلفة إلى العديد من الناس ؟ وهل الناس سيكونون أحرار لاختيار دينهم من بين الخيارات المطروحة ؟ إذا كان الأمر كذلك، ما معني الجوهر العميق للمعتقد الديني إذا تحولت الأديان للاختيارات المجرّدة؟ هل تجعل الإنترنت الأمر أكثر سهولة علي الأديان لجذب وتجنيد الأعضاء الجدّد، أو تصعب الموقف، بسبب عدد الخيارات المتوفرة؟ هل يمكن أن تتماثل وتندمج الأديان ؟ إلى أي مدى سيقوم الويب بتغيير الأديان وطقوسها وشعائرها، ورغم صعوبة الإجابة، نزعم بمشروعية الأسئلة المطروحة، وأن مجرد المحاولة العلمية للإجابة عنها من قبل الدراسات الأكاديمية يستلزم أن يكون العالم كله منخرطا في الإنترنت، ومتحررا من الأمية الإلكترونية، وهذا الشرط غير متوفر في معظم دول العالم حتى الآن.
© منبر الحرية، 04 نوفمبر/تشرين الثاني2009
لا يفوت المراقب لشأن تنظيم القاعدة في اليمن حقيقة أن هذا التنظيم قد وجد في اليمن منذ فترة مبكرة سابقة لفترة تأسيس التنظيم بصيغته العالمية الحالية التي أعلن عنها في فبراير 1998م أي قبل هذا التأريخ بأكثر من تسع سنوات إي إلى ما قبل إعلان قيام الوحدة اليمنية، وذلك لأسباب عدة ومختلفة منها تبعية النظام الحاكم في عدن للمعسكر الروسي إيدلوجيا فضلا عن الجذور اليمنية للأسامة بن لادن الذي يعتبر اليمن أهم قاعدة إستراتيجية لهذا التنظيم.
ففي مقدمة هذه الأسباب و لا شك الأصول الحضرمية للمؤسس والممول الأول لهذا التنظيم الشيخ أسامه بن محمد بن لادن، عدا عن الإرتباطات الإيدلوجية بين الحزب الإشتراكي اليمني الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة مع المستعمر السوفيتي لأفغانستان الذي كان السبب الرئيس لنشؤ ظاهرة الجهاد المعولم الممثل اليوم بتنظيم القاعدة.
ويعد الجهادي السوري أبو مصعب عمر عبد الحكيم صاحب كتاب ” مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم ” أهم المنظرين السياسيين لتنظيم القاعدة وأهم المقربين من زعيم التنظيم الذي يكن هو الأخر رؤية خاصة تجاه اليمن ، ويعد هذا الكتاب بالنسبة للقاعدة بمثابة ” رؤيتها الجيوسياسية” تجاه اليمن، ومن هنا يتبين لنا قضية الإهتمام الزائد باليمن من قبل القاعدة.
ومن خلال قراءة أهم محاور كتاب أبي مصعب السوري التي بنا عليها استنتاجاته بأهمية اليمن بالنسبة للقاعدة، يأتي العامل الديني في مقدمة الأولويات والذي تمثل بعدد من الأحاديث والبشارات النبوية المتعلقة باليمن والتي تجعل من اليمن بمثابة المنطلق الرئيسي للجهاد فضلا عن الموقع الجغرافي الإستراتيجي لليمن وكذا العامل الديموغرافي الذي يميز اليمن بكثرة سكانها وخاصة في الفئة العمرية الشابة التي يتراوح أعمر شبابها بن الخامسة عشر والثلاثين عاما.
ومن خلال تتبع مراحل الإهتمام القاعدي باليمن يتضح لنا أنها أي المراحل تنقسم إلى ثلاث مراحل تبدأ الأولى منذ ما قبل الوحدة ولكنها أجلت إلى فترة ما بعد تحقيق الوحدة اليمنية حتى عام 1994م الذي شهد حربا طاحنة بين الحزب الإشتراكي اليمني وحليفه في تحقيق الوحدة المؤتمر الشعبي العام.
أما الفترة الثانية فهي تمتد من عام 1994م حتى 2006م وخلال هذه المرحلة تم الإعلان عن تدشين مرحلة الجهاد العالمي تحت مسمى الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبين في فبراير 1998م وهي ما تعرف اليوم بالقاعدة والتي إعلن عنها من خلال إعلان إنضمام جماعة الجهاد المصرية بقيادة الدكتور المصري والرجل الثاني اليوم في القاعدة أيمن الظواهري مع مجاميع الجهاديين تحت إمرة الشيخ أسامة بن لادن الذين تم إعدادهم بعد إنتهاء الجهاد الأفغاني بإنسحاب السوفيت من أفغانستان.
المرحلة الأولي للقاعدة في اليمن
وتمتد هذه المرحلة كما اشرنا سابقا إلى ما قبل قيام الوحدة اليمنية ولكن ظرف وتحضيرات الإعلان عن قيام الوحدة بين الشطرين ساهما في تأخير مبادرة الشيخ أسامه وخطته بالسعي نحو إعلان الجهاد في الجنوب اليمني التي كان يعد لها العدة ولم يبق إلا مرحلة التنفيذ وهي التي تأجلت لا حقا إلى ما بعد إعلان قيام الوحدة.
وبحسب القيادي الجهادي والمنظر الفعلي للقاعدة السوري أو مصعب في كتابه الإلكتروني ” دعوة المقاومة الإسلامية العالمية الصادر في يناير 2004م ” فإن المشروع الجهادي للشيخ أسامة كان يقتضى إحداث حركة جهادية كبرى في جنوب اليمن وخاصة بعد ضعف وتضعضع جمهورية الرفاق الإشتراكية بعد صراعهم الدامي في يناير 1986م.
إلا أن هذه الخطة أو المشروع قد تم تأجيله بإنتظار إقناع قيادات الصحوة الإسلامية في اليمن من الإخوان والسلفيين للدخول في هذا المشروع إلا أنهم جميعا لم يصلوا إلى نتيجة في هذا الخصوص وخاصة مع الخطوات الإجرائية السريعة التي أدت إلى إعلان قيام الوحدة في مايو 1990م.
وقد مثلت فترة ما بعد الوحدة والتي دخل فيها الإسلاميون في تجمع الإصلاح في صراع أيدلوجي مرير حول مسألة إسلامية الدستور اليمني فترة هامة بالنسبة للقاعدة التي كانت تبلور حينها فكرة كفرية الدستور وكفرية الدولة التي تعمل به ومن ثم وجوب مقاتلة هذه الدولة ورئيسها وهو ما يمكن تمييزه هنا بتحول المشروع الجهادي لدي بن لادين من إسقاط نظام عدن الماركسي إلى مشروع الإستيلاء على اليمن الموحدة كلها بفعل هذا الدافع الشرعي الذي توفر من خلال كفرية هذه الحكومة.
وقد سعى بن لادن إلى إستغلال هذه الفرصة التأريخية التي قادتها له الأقدار والظروف، حيث قدم إليه في هذه الفترة مجموعة من علماء اليمن والذين كان في مقدمتهم الشيخ المشهور في دعمه ونشاطه في الحرب الافغانية عمر أحمد سيف والذي كان قد أضاف إسمه إلى مجموعة أسماء المشائح الكبار من خلال كتاب أصدر حينها أثبتوا فيه بالدليل والبرهان كفرية دستور دولة الوحدة وبتالي كفرية الحكومة القائمة عليه ومن ثم شرعية الجهاد ضدها بحسب أبو مصعب السوري.
ويشير أبو مصعب السوري مصطفى ست مريم إسمه الحقيقي والذي تم إعتقاله من قبل المخابرات الباكستانية في 2005م ، يشير قائلا أن الشيخ أسامة سعى خلال تلك الفترة أي بعد إعلان الوحدة اليمنية إلى كل مشايخ اليمن وكبار دعاتها من السلفيين وعلى رأسهم الشيخ مقبل من هادي الوادعي وكذا الإخوان وزعمائهم كا لشيخ الزنداني لتأليفهم وإستمالتهم للإلتفاف حول هذا المشروع ولكن كل هذه الجهود والأموال الطائلة التي بذلت وأنفقت من قبل لادن في تأليف الشيوخ والقبائل اليمنية حول هذا المشروع الجهادي فشلت.
إلا أن إستراتيجية بن لادن حينها كانت قد تبلورت في إتجاه أخر يقتضي التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي العام في صراعه المرير مع خصمه وشريكه في إعلان الوحدة وهو الحزب الإشتراكي اليمني الماركسي والذي شهد خلال تلك الفترة عمليات تصفيات وإغتيالات واسعة طالت العديد من قياداته وأنصاره كالعقيد ماجد مرشد والوزير عبد الواسع سلام وغيرهم.
وكل هذه الإغتيالات كان يقف خلفها عناصر جهادية كانت موالية بل ومن المقربين من الشيخ أسامة بن لادن الذي كان قد دعا أنصاره فيما بعد إعلان الوحدة اليمنية وإنتهاء الحرب الإفغانية إلى التوجه إلى اليمن بعد أن تم تدريبهم وإعدادهم للحرب والجهاد في معسكرات خاصة أنشأت لهذا الهدف كمعسكر خوست في أفغانستان، وهو ما تمثل بدخول المجاميع الجهادية العائدة من أفغانستان في المعركة إلى جانب الجيش اليمني الشمالي في حرب صيف 1994م.
ويذكر أبو مصعب في مذكرات دعوة المقاومة الإسلامية العالمية أن الشيخ أسامة كان قد درب مجموعة من الشباب الجهاديين اليمنين لخوض الجهاد في اليمن من أمثال الشيخ طارق الفضلي وجمال النهدي لكن الرئيس اليمني كما يذكر أبو مصعب إستطاع إستمالتهم وكسبهم إلى صفه من خلال إعطائهم رتبا في الجيش اليمني لمن أراد السلك العسكر والوظائف المدنية فركبوا السيارات وتولوا المناصب.
ويعد أبو مهدي يسلم باراسين الذي قتل في ظروف غامضة بعد إندحار قوات الحزب الإشتراكي في معارك حضرموت صيف 1994م بمثابة الذراع الرئيسي للشيخ أسامة بن لادن الذي حاول من خلال أبو مهدي إحداث إختراق في جنوب اليمن من خلال مده بالمال والسلاح وعمله على إنشاء معسكر للشباب في محافظة شبوة وتدريبهم وتزويدهم بالسلاح حينها.
المرحلة الثانية للقاعدة في اليمن
وتمتد هذه المرحلة من بعد حرب صيف 1994م أي من بداية 1995م وحتى عام 2006م وهي المرحلة التي تم خلالها الإعلان عن الشكل الرسمي للجهاد العالمي من خلال الإعلان عن تشكيل ما بات يعرف بالقاعدة أو قاعدة الجهاد التي تشكل كما اسلفنا في فبراير 1998م في إفغانستان تحت مسمى الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبين.
وتعد هذه المرحلة حالة جديدة في شكل وأطر العمل الجهادي للجهاديين العائدين من أفغانستان والذين عرفوا بالإفغان العرب ومن ضمنها اليمنيون وفي هذه المرحلة نشط المشروع الجهادي في اليمن ولكنه من خلال إستراتيجية أخرى ومختلفة هذه المرة من خلال التركيز على محاربة رأس الأفعى كما يسميها أسامة بن لادن أي أمريكا وفي هذه المرحلة كان يقتضي الجهاد ضد الأمريكان عدم الإنجرار في مواجهات مع عملاء الأمريكان وهم من ثقصد بهم الحكومات العربية.
ويذكر أبو مصعب السوري أن في هذه المرحلة كان قد إشتد الصراع ضد الجهاديين من قبل الحكومة اليمنية التي بادرت فيما بعد حرب صيف 1994م إلى إعتقال العديد من الجهاديين الذين شاركوا الجيش اليمني في معاركة ضد الإشتراكيين إلا أن الرئيس اليمني أضطر إلى إطلاق سراحهم بعد أن تلقى رسالة تهديد شخصية من قبل أسامة بن لادن تذكره أن معركة القاعدة – التي لم تكن قد عرفت بهذا الإسم حينها – ليست مع الحكومة اليمنية وأنه بإمكانها أن تجعلها كذلك.
ويعد أبو الحسن المحضار مؤسس ما عرف بجيش عدن أبين الإسلامي أواخر عام 1997م أبرز رجال المرحلة الثانية للقاعدة في اليمن حيث سعى هذا الرجل الذي يقال أنه لم يتلقي قط بأسامة بن لادين إلا من خلال إتصال هاتفي سجل له مع بن لا دن.
وقد سعى أبو الحسن زين العابدين المحضار إلى تكوين جيش عدن أبين بتجنيد الشباب وتدريبهم على مختلف أنواع السلاح في منطقة المراقشة محافظتي شبوة وأبين حيث إنضم إليه في هذا المعسكر أكثر من مئتي شاب وبدأو أول عملياتهم بإختطاف 16 سائحا غربيا إلى منطقة المراقشة مطالبا الحكومة بإطلاق سراح عدد من الجهاديين المحتجزين لدى السلطة مقابل إطلاق سراح هؤلاء السياح.
الإ أن الحكومة لم تخضع له وأصرت على إطلاق سراحهم بالقوة وهو ما أدى إلى الإشتباك الذي خلف وراءه مقتل أربعة من السياح البريطانيين وإطلاق الباقين فيما تم إعتقال أبو الحسن المحضار الذي قدم للمحاكمة بعدها وتم إعدامه لا حقا عام 1999م.
وبعد إعدام أبو الحسن تم تعزيته بمناسبة إحتفائية في أفغانستان من قبل أسامة بن لا دن الذي لم يتلق مع أبي الحسن ولكنه اشاد به وبأعماله الجهادية حينها في اليمن وتم الإنتقام لأبي الحسن من خلال تدمير المدمرة الأمريكية يو إس إس كول قبالة سواحل عدن في أكتوبر 2000م.
وبإعدام أبو الحسن يكون العمل الجهادي في اليمن قد دخل مرحلة أخرى تماما تمثلت بنفيذ عمليات جهادية كبرى كاعملية المدمرة كول ولا مبرج الفرنسية بل إشتداد المواجهة مع الحكومة إلى ذروتها وخاصة مع العملية الكبرى للتنظيم الدولي للقاعدة المتمثلة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م التي أدت إلى دخول اليمن شريكا فاعلا في محاربة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأميريكية.
إذ كان مرتب على إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن ينتقل بن لادن من أفغانستان إلى اليمن وبدأ هذا الترتيب من خلال دعوة بن لادن للمجاهدين العرب بالتوجه إلى اليمن للإستعداد للمرحلة القادمة من المواجهة من الأمريكان وحلفائهم ولكن بن لادن تأخر عن القدوم إلي اليمن حتى اليوم ليسبقه إليها الكثير من أنصاره وأعضاء تنظيمه.
ومع إشتداد الصراع بين القاعدة وخصومها الذين غدا النظام اليمني أبرزهم في هذه المرحلة، بدأت أبروز الموجهات بمقتل أبو علي الحارثي الذي عرف حينها كالزعيم الأول للقاعدة في اليمن والذي تم التخلص منه من قبل طائرة أمريكية قيل أنها بدون طيار في نوفمبر 2002م في صحراء مأرب وهي العملية التي ردت عليها القاعدة بإستهداف ناقلة النفط الفرنسية لامبرج .
لكن الملاحظ أن بعد عملية مقتل أبو علي الحارثي ، تمت بعدها العديد من العمليات الناجحه ضد أعضاء القاعدة من خلال إلقاء القبض عليهم واحد بعد الأخر كأبي عاصم الأهدل المسؤل المالي للتنظيم الذي إعتقل بعد ذلك في العاصمة صنعاء.
المرحلة الثالثه للقاعدة في اليمن
وهي المرحلة التي لا زالت مستمرة حتى الآن والتي بدأت من خلال عملية الفرار الكبرى من سجن الأمن السياسي في العاصمة صنعاء في فبراير 2006م لعدد من أعضاء القاعدة من خلال عملية الحفر للنفق الذي قيل حينها أنهم فروا من خلاله.
ويشير بعض المراقبين أن هذه العملية قد تمت بعد أن تمكن هؤلاء الشباب من إعادة هيكلة التنظيم وتشكيل قيادة جديدة له في خلال مدة بقائهم في السجن حيث أن هؤلاء الفارين بدءوا بتأسيس مرحلة جديدة من عمل التنظيم من خلال التدريب والتنظيم للأعضاء الجدد أو العائدين من جبهات المعارك في العراق والصومال وغيرهما من المناطق التي تتواجد فيها القاعدة.
وخلال هذه الفترة نشط التنظيم ووسع من عملياته التي بدأت تستهدف هذه المرة أهداف عسكرية يمنية ولم تقتصر على إستهداف المصالح الأجنبية فحسب بل تم ضرب حقول النفط ومعسكرات الأمن في مأرب وحضرموت وتنفيذ عدد من العمليات ضد السفارة الأمريكية ومجمع سكاني للخبراء والمهندسين الأجانب في العاصمة صنعاء.
ورغم كل هذا النجاح من قبل التنظيم في إستعادة ترتيب أوراقه إلا أن السلطات اليمنية استطاعت أن تلقي القبض على عدد منهم وقتلت قائدهم المدبر لعلمية الخروج الكبيرة من سجن الأمن وهو فواز الربيعي فضلا عن ملاحقة عدد منهم وتسليم عدد منهم أيضا لأنفسهم إلى الأجهزة الأمنية.
ألا أن أبرز نشاطات التنظيم في هذه المرحلة هي ما تم الإعلان عنه مطلع العام 2009م عن تشكيل قيادة إقليمية جديدة للتنظيم تحت مسمى ” تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ” تحت قيادة الشاب أبو بصير ناصر الوحيشي 30 عاما و الذي ينتمي إلى محافظة أبين.
ومن خلال تتبع تطورات الأحداث بالنسبة للقاعدة في اليمن يلاحظ أنها تأخذ مسارا مختلفا ومتداخلا ومتماهيا مع محيطها السياسي والاجتماعي الذي يأخذ طابعا محافظا يلتقي مع كثيرا مما تطرحه القاعدة من أفكار راديكالية تستثير حماسة الشباب المدفوعين بالفراغ والبطالة والفقر الذي يسهل مهمة التجنيد عند القاعدة كثيرا أفضل من أي بيئة اجتماعية أخرى ، فضلا عن حالة انسداد أفق التغيير السياسي الذي يحطم طموحات وأمال هؤلاء الشباب بمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.
© منبر الحرية، 16 سبتمبر/أيلول 2009
غضب التكفيريون في مصر غضبا عارما لمنح جائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية هذا العام 2009 للدكتور سيد القمني والدكتور حسن حنفي ، واتهامهما بإهانة الدين ورموزه ، وطالبوا بإقالة وزير الثقافة، واتهموه بتعمد استفزاز مشاعر المصريين، ولم تتوقف الحملة عند حد التصريحات أو التراشق عبر الفضائيات، بل تعدتها إلى ساحات القضاء حيث أقام أحدهم دعوى قضائية ضد وزير الثقافة وشيخ الأزهر مطالبا بنزع الجائزة من القمني وحنفي، وأصدرت ما يسمى بجبهة علماء الأزهر وهي جمعية أهلية غير رسمية، تهاجم الأزهر ورجالاته ” بيانا بعنوان “إلى الأمة صاحبة الشأن في جريمة وزارة الثقافة”. وتطور الأمر ووصل السجال إلى برنامج من برامج التوك شو بثته فضائية “المحور” المصرية الجمعة 10 يوليو وكان ضيوف البرنامج : رئيس جبهة علماء الأزهر، والأستاذ صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة وأحد أعضاء لجنة جائزة الدولة التقديرية، وأعتذر دكتور سيد القمنى بسبب مرضه. وكانت بداية النقاش ساخنة وقاطعة ، حيث أكد رئيس جبهة علماء الأزهر، إن الجائزة التى حصل عليها القمنى هى ثمن لما طالب به من إلغاء القرآن الكريم كدستور للأمة، واعتبره مرتداً، إضافة إلى تأكيده على أن أعضاء اللجنة التى اختارته لهم منهج مختلف ودين آخر غير الإسلام. ورد عليه الأستاذ صلاح عيسى مؤكدا أن استضافة الدكتور رئيس جبهة علماء الأزهر ليحكم بالكفر عليهم يعنى تحريضا ودعوة لقتلهم والتربص بهم، مثلما حدث مع دكتور فرج فودة، وأن جبهة علماء الأزهر لم تقرأ للقمنى أياً من كتاباته. ورد الدكتور بانفعال أنه لا يقرأ كتابات “الزبالة دول”، معتبرا أن الإسلام والقرآن تحولا على يد هؤلاء إلى أرخص البضائع التى ينتهكها أى صعلوك. وأعلن الرجل بأنه المتحدث باسم الله، وقال ” مش أنا اللى كفرته.. الله كفره”!.. ثم توجه مقدم البرنامج إلى الدكتور سيد قمنى عبر التليفون وطالب القمنى بحزم بأن يرد علي من يتهمونه بالكفر وسب النبي؟ وبدون قصد او بقصد قدم البرنامج فقرة تحريض وتكفير علنى للدكتور سيد قمنى والدكتور حسن حنفي ! وهذا الموقف يستدعى ان نقف باهتمام عند علاقة الإعلام بالتكفيريين ؟
بداية ثقافة تكفير التفكير وختان العقول، والإفتاء بقتل المفكرين” الخارجين عن القطيع، ظاهرة يفيض بها التراث الفكري العربي، وبالأخص الخطاب التكفيري الموجه للمبدعين والمثقفين والفلاسفة. و من ناحية أخرى يبين لنا التاريخ ان التكفيريين غالبا ما يعتقدوا أنهم وكلاء الله على الأرض، وأنهم أوصياء على عقول البشر، والمدافعين عن عقائدهم ، وحراس الحقيقة المطلقة، ومن حقهم التفتيش عما في الصدور، وهم دائما ما يؤلبون عوام الناس على المثقفين والمبدعين والفلاسفة، مستنفرين الهوس الديني والأخلاقي لدى عامة الناس. ويعتبر الفكر التكفيري من أقبح أنواع العجز الفكري في عصر المعلومات، فجوهر البنية السيكولوجية للتكفيريين تنبع من إحساس بالعجز تجاه الآخرين عموما وخاصة المثقفين والمبدعين والفلاسفة المتميزين بالذكاء والقدرة على التحليل. والأغلب وراء هذا الخطاب التكفيري السعي للمحافظة على موقعهم الذي يعتبره التكفيريون حكرا عليهم فقط فهم الذين يحللون ويحرمون، وينطقون بالحقيقة، وما على العوام والجموع وبقية القطيع إلا السماع والطاعة، وعدم المناقشة والسؤال لأنهم حراس العقيدة ، أصحاب الحقيقة المطلقة !
التكفيريون وعصر المعلومات
والغريب ان التكفيريين لا يدركون ان عصر المعلومات أعلن وفاة احتكار الحقيقة ! وحول أعدادا متزايدة من الناس ليصبحوا ليس فقط مستهلكين للمعلومات، لكن أيضا مرسلين للمعلومات بحكم حقّهم الشخصي. وساعدت تقنيات المعلوماتية على رفع المستوى الثقافي والفكري لعامة الناس، ومنعت نخبة ثقافية محدودة من احتكار المعلومات. والمعلومات الدينية أيضا، لا يمكن أن تحتكر في عصر المعلومات من قبل المحترفين الدينيين، فكلّ شخص عنده فرصة الآن بأن يكون مرسل، و مستلم، ووسيط للخطاب الديني. فظهر الكثير من الأشخاص ذوى الخلفية الشعبية، وأصبحوا زعماء دينيين، يعظون ويبشرون برسالة الهداية، ليس فقط لبسطاء الناس، بل يلتفوا حولهم آخرين، وأولئك الأتباع يمكن أن يستديروا بسهولة ويرسلون الرسالة إلى الآخرين. ضمن هذه الحالة، نجد السلطة والقوّة التقليدية المسيطرة على المؤسسات الدينية ورجالها ستميل إلى الضعف والتحول ! وفي عملية العولمة الدينية، تظهر السوق الدينية الموجهة من قبل المستعمل، إلى جانب نظام المنتج الموجه ! والأخير يعنى تحديدا، استمرار السلطة الدينية التقليدية في المحافظة على تعاليم وشعائر وتقاليد كل دين، فيقوم الكهنة، والشيوخ والرهبان، الوعاظ، والقساوسة والحاخامات بترجمة وتفسير وتأويل المعلومات الدينية إلى المؤمنين، و على المؤمنين فقط أن يقبلوا تلك الترجمة وذلك التفسير والتأويل، فهو دورهم الوحيد المقبول في هذا الوضع، وعلى الجانب الآخر نجد السوق الدينية الموجهة من قبل المستعمل، ونعنى بها استجابة الشخص لقيمه الشخصية وأحاسيسه ومشاعره، وأفكاره واختياراته، ويفكر مليا، ويختبر ويجرب تلك العناصر التي يجدها مناسبة وأكثر جاذبية من كتلة الأديان المتنافسة المعروضة عليه من خلال تكنولوجيات المعلومات والاتصال ! وهذا السلوك من منظور نظام المنتج الموجه مركزيا، يقيم كعدم جدية دينية واستخفاف، أو تردّد وضعف في الإيمان ويصل إلى حد التكفير، لكنه منطقي فقط من وجهة نظر المستعمل الديني، الذي يجد حقه في المحاولة لاختيار أفضل البدائل القائمة على المنطق والعقل! وعلى هذا الأساس تصبح الفروق بين المرسل للمعلومات الدينية، وبين مستقبل المعلومات الدينية، فروقا غير واضحة وغامضة، حتى الفروق ذاتها بين الزعيم الديني، والتابع الديني، من المحتمل أيضا تصبح غامضة جدا، وغير مميزه في عصر المعلومات ! حيث يخسر المحترفين الدينيين سلطتهم وهيبتهم التقليدية . وأصبح المؤمنون العاميّون الآن عندهم القدرة المتزايدة على الوصول للمعلومات الدينية والاستفادة منها، حتى تلك المعلومات الباطنية او الأسرار في بعض الأديان الغير مسموح لأحد معرفتها ماعدا رجال الدين المخوّلين خصّيصا. خلاصة القول ان عصر المعلومات يؤدّي إلى انعدام المسافة بين المحترفين الدينيين والأتباع العاميّين، ولم يعد ذلك حالة استثنائية أن نجد ناس عاديين يمتلكون فهم أعمق لفلسفة الأديان أكثر من الكهنة، والشيوخ والرهبان، الوعاظ، والقساوسة، والحاخامات ! و على الأرجح هذه النزعة ستَتَنَامَي في المستقبل، ففي مجتمع المعلومات عموما ستزول الفروق بين أهل الخبرة المتخصصين والأفراد العاديين ! ومعنى هذا التطور أنّ الأديان التاريخية التقليدية،والأديان السماوية من المحتمل ان تجد صعوبة لتطوير أنظمة لتدريب أجيال جديدة من المحترفين الدينيين. ولن يستطيع اى مذهب او مجموعة داخل اى دين إدّعاء الشرعية الدينية الفريدة، أو إدعاء ملكية الحقيقة المطلقة ! بل يتزايد أعداد الناس في عصر المعلومات الذين ينظرون إلى الخطاب الديني في اى دين من خلال منظور نقدي، ورؤية نسبية !
التكفيريون والإعلام
في عصر الإعلام والسموات المفتوحة والإنترنت لا يستطيع أى دين السيطرة على قصصه او رموزه !؟ في الماضى كانت السلطة الدينية تستطيع تقريبا ان تتحكم في كيف ؟ وأين ؟ومتى ؟ تظهر الأفكار والرموز والادعاءات والأسرار الدينية على السطح، وكان في إمكانها حماية تراثها من نصوص ورموز مقدسة، وتفاسير وشرائع من التفحص والنقد العلمانى. اليوم القيادات الدينية من كافة الأديان لا تستطيع السيطرة على أى انتهاك للرموز الدينية التى تمتلئ بها الإنترنت والفضائيات وبقية وسائل الإعلام، نتيجة لعمليات العولمة، والممارسات الإعلامية الفورية البصرية، بل لم يعد في إمكان السلطات الدينية الاحتفاظ بأسرارهم الخاصة، وتحديدا أسرار الانحرافات والفساد في المؤسسات الدينية ! وتقريبا كل الذي نعرفه حول القيم والروحانيات والمعتقدات الدينية للآخرين نعرفها اليوم من أجهزة الإعلام المختلفة بما فيها الإنترنت، وربما يكون لدينا الوقت والاهتمام للتفحص والحفر بعمق في عقائدهم وممارساتهم الدينية، لكن هل في الإمكان ان نقيم ونصنف معتقدات الآخرين الدينية بدون أن نتأثر بالمعلومات المتعمدة التى حملتها لنا وسائل الإعلام عن معتقداتهم ؟! الحقيقة لقد أصبحت وسائل الإعلام في مركز التجربة الدينية لكل الأديان، وفي نفس الوقت أصبح الدين جزء جوهري من الثقافة الإعلامية التى تجعلنا نستكشف طرقا متنوعة للممارسات الروحية والدينية.
وازعم هنا انه رغم أهمية الدور الإعلامي في فضح التكفيريين، فأن أهداف أخرى لهم تتحقق بنجاح شديد من خلال التركيز الإعلامي على خطاب التكفير ، حيث تصل رسالة التكفير للجميع ! وأزعم أيضا أنه بتلك الضجة الإعلامية التي تحدث حول قضايا التكفير يتم تحقيق واستكمال جميع أهداف التكفيريين الإستراتيجية ، فالاحتكام إلى الرأي العام المهووس دينيا، والتأثير عليه قد يعزز أفعال التكفيريون ! ويعزز أيضا الفعل الإرهابي. والتكفيري عادة يعتبر وسائل الإعلام هى سلاحه الرئيسي، وإنها تلعب دورا محوريا لصالحة عندما تغطى قضايا التكفير تغطية واسعة، فالتكفيريون يريدون الشهرة ، والإعلام، والإعلان المجاني عنهم الذي توفره لهم وسائل الإعلام عند تغطيتها لقضايا التكفير، ويصبحون بعدها شخصيات معروفة، وصورهم وأحاديثهم منتشرة، وهى بمثابة اعتراف رسمي وإعلامي بوجودهم، ولا يستطيع أحد ان يتجاهلهم، وبعدها يصبح اى حديث عن عدم الحوار معهم ليس له معنى. فالمقابلات الإعلامية الحية مع التكفيريون تعتبر جائزة ومكافأة لهم عن أفعالهم. فوسائل الإعلام عندما تجرى مقابلات حية وأحاديث صحفية مع التكفيريين ، تقدم لهم الفرصة لكى يتفهم الجمهور الأسباب والدوافع التى دفعتهم لذلك، فينشأ تفهم مادح لأسبابهم، و توفر وسائل الإعلام بدون قصد لعامة الناس الذين على استعداد للتجاوب مع أسباب ودوافع التكفيريين الفرص الكاملة للتعاطف معهم وتفهم أسبابهم، وهنا يظهر العنف والقتل ضد الآخر المختلف، خاصة، وأن قطاع عريض من المجتمع المصرى أكثر غلوا وتشددا بالدين من حكومتة. وهذا لا يلغي مسؤولية الحكومة التى غضت الطرف عن إغراق المجتمع بسيل من الفتاوى الدينية، وتخويفه من اي فكر ناقد، وشحنه بقدر هائل من التعصب والكراهية. ولن تنجح أى محاولة للتغيير، الا بتدخل ودعم جدى من الحكومة.
وفي نهاية تلك العجالة، لا يسعنا ألا إن نضم صوتنا إلى البيان الذي أصدره عدد من المثقفين المصريين والعرب يشجبون فيه حملات التكفير ضد المفكرين والمثقفين، ويدعون الدولة المصرية إلى تحمل مسؤوليتها في الوقوف بوجه شيوع التكفير وحماية المفكرين المصريين.
© منبر الحرية، 3 أيلول/سبتمبر 2009
كان الفيلسوفان اليونانيان أفلاطون وأرسطو، يريان أن هناك أناس خلقوا أحراراً ليكونوا أسياداً وهم اليونانيون أنفسهم، بينما هناك من خلقوا ليكونوا عبيداً أينما كانوا وهم من الآخرين غير اليونانيين وسموهم بالبرابرة المتوحشين. ولدى الأكراد والفرس كانت تمنع على المرأة أن تلفظ اسم زوجها تقديراً للزوج من أن يلفظ اسمه امرأة وهي زوجته.
فهؤلاء كانت ظروفهم ومفاهيمهم ووضعهم الاقتصادي القائم على الرق تملي عليهم هذه المواقف تجاه المرأة آنذاك. ورغم أم الإسلام حاول التخفيف من وطأة الرق وجعل تحرير رقبة كفارة للذنوب وأن الرسول دعا إلى التلطف بالعبيد كقوله: (لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي، ولكن ليقل فتاي وفتاتي). كم يحس الملاظ بالغضب والشفقة معاً كلما أوغل في سيرة الجواري في الإسلام، غضب من هذه الفحولة الغرائزية للمسلمين الأوائل، وشفقة على مآسي الجواري المسحوقات اللائي كن يبعن بيع النعاج ويفتضن فض العجماوات من البهائم والسوائم..!. وحينها كم تمنيت أن يكون الإسلام قد حرم اقتناء الجواري وملك اليمين ممن وردت التعريف بهن في هذه الآية الكريمة: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا)- النساء- 3. فما فائدة هذه الممارسة وما حاجة بعض الرجال بعد الزوجات الأربع إلى هذه الكثرة من الجواري وملكات يمين الرجل وبدون عد وحصر؟. فماذا يفيد أن يكون عند هارون الرشيد مثلاً (2000) الفي جارية وأعداد منهن عند غيره وغيره..؟ هذا رغم أن الجواري كن من الأسباب الرئيسية في نخر بنيان الإسلام واستشراء الفساد الأخلاقي في دولة الخلافة الإسلامية.
ورغم بأن الإسلام اشترط العدل في حالة الزواج بأكثر من واحدة من النساء الحرائر، ولكن هل ينطبق شرط العدل على ملكات اليمين من الجواري يا ترى..؟ فهذا مما لم تبينه الآية الكريمة، مما يدل على أن العدل يقتصر على الحرائر منهن فقط، بينما جاء اقتناء ملكات اليمين من الجواري بدون تحديد وبدون عدل ومساواة مع المرأة الحرة أي يدل هذا الأمر على أن الإسلام لم يساوي بين النساء بالشمول والمطلق، بل جعلهن صنفين صنف الحرائر وصنف الجواري أو الإماء وفيه تكون حقوق الجارية أقل بكثير من حقوق الحرة. ولهذا وبكل بساطة فإنسانية الجارية في الحضيض مقارنة بأختها الحرة.
وهذه تتبدى في عدة جوانب أساسية منها: ففي الوقت الذي لا يمكن لرجل أن يجمع إلا بين أربع حرائر مع العدل بينهن، يستطيع الرجل في نفس الوقت أن يجمع بين جوار ما لا عد لهن ولا حصر. ولا يجوز للرجل أن يجامع امرأة حرة دون عقد زواج أو نكاح، بينما يمكنه أن يضاجع جاريته المشتراة بماله بدون نكاح وعقد زواج. والمرأة الحرة ترث زوجها والجارية ليس لها حق الميراث ما لم تكن أم ولد. بالإضافة إلى أن الزوجة الشرعية حرة والجارية أمة لسيدها.
ولكن لنتساءل عن مغزى هذا التقسيم القيمي في الإسلام بين النساء والتفرقة في الحقوق والواجبات بين الحرة والجارية وقد ولدتهن أمهاتهن حرات؟ ومن يقرأ في كتب التراث الإسلامي عن الجواري لابد أن ينتابه الأسى والحسرة معاً على وضع هؤلاء الجواري تلك المخلوقات البائسات اللائي ما خلقن إلا ليفتضهن فطاحل أسيادهن في الليل وليعملن خادمات في منازلهم في النهار. وقد ورد في هذه الكتب ما يعبر بجلاء عن تعاسة الجواري وأنهن ما خلقن إلا ليفتضن، من أن أحد خلفاء الأندلس أرسل ستة جوار حسان إلى أحد أصدقائه ومقربيه في مدينة تبعد عنه، وحينما وصلت الجاريات الست أنزلوهن في بيت الرجل، وفي الصباح أرسل هذا الفحل إلى صاحبه الخليفة رسالة مليئة بالزهو والفخار ليقول: (أنه افتضهن في ليلة واحدة).
أما إن أردنا ان نعلم سبب عدم تحريم الإسلام للعبودية والجواري فذلك يعود كله إلى الإقتصاد القائم على الرق آنذاك، وظهور طبقة مترفة استطاعت تحقيق ملكيتها الفردية لوسائل الإنتاج وكان العبيد والجواري من جملة هذه الوسائل، ولتتفرغ رجالات هذه الطبقة الثرية لشؤونها الإجتماعية والثقافية والعسكرية، وقد نتفهم أيضاً الزيجات الأربع للرجل في صدر الإسلام نظراً لكثرة الأرامل منهن بعد مقتل أزواجهن في الحروب فمن عليهن الإسلام بالسترة والزواج. وكما نعلم أنه ولأسباب اقتصادية وجنسية كان السماح وبهذا الشكل المسرف والزائد عن الحد لاقتناء لملكات اليمين من الجواري وامتلاك سبايا الحرب كنوع من تجارة الرقيق ونوع من المكافأة والتشجيع للمجاهد المسلم لخوض الحروب. ومن جانب آخر كانت ظاهرة الجواري إحدى الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نخر بنيان الدين الجديد ونشر الفساد والرذيلة في ربوع الدولة الإسلامية قاطبة.
بالإضافة إلى تبديد الخلفاء والأثرياء ثروة هائلة على اقتناء الجواري وتدريبهن على الغناء والموسيقى حتى يصبحن قياناً مختصات بالطرب والغناء، وبذلك تم خلق تفاوت اجتماعي من نوع آخر بين الناس كان الإسلام في غنى عنه. لأن الفقير ربما لا يملك جارية أو أنه اقتنى جارية وضيعة الملكات والجمال، لأن جمال جاريته سيكون على حسب ما يدفع فيها من مال وحلال بينما الغني ستكون له جوار وقيان ضامرات الخصور حسان.
بهذا الشكل حرر الإسلام غرائز الرجال من قمقمها أي بالجواري والسبايا ثم بالغنائم والأموال، ولهذا فكانوا قلة من المسلمين من كانوا يغزون لإعلاء دين الله ولكن الكثرة الغالبة كانوا يأتون للسبايا والغنائم. فإذا كان الإسلام قد سن مقولة العدل بين النساء الأربعة، وبذلك لم يأت التشجيع من الإسلام كثيراً لظاهرة الزيجات الأربع، ولكن إذا كان الإسلام قد اشترط العدل بين الحرائر فمن أين سيأتي العدل بين ملكات اليمين يا ترى..؟. وكمثال على دور الجواري في الفساد والإفساد الأخلاقي والديني وتبديد أموال المسلمين أيضاً فستسعفنا في ذلك الإستشهاد ببعض الأمثلة. اشترى الخليفة العباسي الشهير هارون الرشيد مرة جارية بمئة ألف درهم، كما هام حباً بالجارية (ذات الخال) وكان الرشيد قد اشتراها بسبعين ألف درهم ثم منحها لوصيف القصر المدعو حمويه، ولكنه دأب على زيارتها كلما هزه الشوق إليها.. ومات الخليفة الأموي يزيد بن الوليد كمداً على جاريته الحسناء حبابة التي ترك لها شؤون البلاد والعباد وحينما مات دفن بجوارها. ولنلاحظ وضاعة مثل هذه الشخصيات التاريخية أمام اللهو والجواري الحسان.. وكان الخليفة المأمون يقايض الخلافة بجارية اسمها عُريب فكانت قيمة الخلافة لدى المأمون لا تعادل قيمة جارية حسناء!، ويقول الشاعر اسماعيل بن عمار يصف كيف كان الناس من الرجال يفقدون عقولهم ويفرطون حتى في صلواتهم بسبب الجواري الحسان فيقول:
إذا ذكرنا صلاة بعد ما فرطت قمنا إليها بلا عقل ولا دين
ويقول الجاحظ أيضاً: (لو لم يكن لإبليس شرك يقتل به، ولا علم يدعو إليه ولا فتنة يستهوي بها إلا القيان لكفاه). ومن هنا فهل من المعقول ألا تمارس الجارية فعل الحرام في قصر خليفة مثل هارون الرشيد الذي كان يملك ألفي جارية، فإذا اعتبرنا أنه كان يأتي كل ليلة واحدة منهن فإن نصيب الواحدة منه هو خمس سنوات ونصف السنة، فهل يعقل أن تصبر الجارية على الجنس طوال كل هذه الفترة المذكورة..؟ أم أن الدعارة والفساد الأخلاقي كان مستشرياً في بيوت أغلب الخلفاء قبل غيرهم؟
فحتى الخليفة العباسي المهدي وهو الذي عرف بقاهر الزنادقة، قد وضع مقدرات الخلافة الإسلامية كلها في أيدي جاريته الحسناء (جوهر) تأمر فتطاع وتعزل الرجال فيعزلون وكان يخاطبها بقوله:
فلا والله ما المهدي أولى منك بالمنبر فإن شئت ففي كفك خلع ابن أبي جعفر
وهكذا بقي العبيد والجواري يعانون من الرق والعبودية حتى تم تحرير العبيد نهائياً بقرار من الرئيس الأمريكي الشهير (لنكولن) في 22 أيلول من عام 1962م، وكان للتطور الاقتصادي وصعود البرجوازية الصناعية التي احتاجت إلى المزيد من الأيدي العاملة الحرة في المدن للعمل في مصانعها، ولانتشار أفكار حقوق الإنسان الدور الأبرز في تحرير العبيد في وقتنا الحاضر.
© منبر الحرية، 27 يوليو/تموز 2009
اندلعت مؤخرا في إقليم سينكيانج – تركستان الشرقية – أو المستعمرة الجديدة باللغة الصينية تظاهرات دامية حصدت مئات القتلى والجرحى من أقلية الإيغور المسلمة، وأجبرت الرئيس الصيني هو جينتاو على قطع مشاركته في أعمال قمة الثماني والعودة الى الصين.
ويعتقد البعض ان اندلاع الاشتباكات في سينكيانج يعود للشكاوى الاقتصادية والثقافية والدينية المستمرة منذ فترة طويلة، وهي شكاوى تراكمت على مدى عقود من الحكم الصارم، لتتحول الى أعمال عنف غير مسبوقة.
وتتهم الصين جماعات الايغور الانفصالية بالارهاب، وبأنهم على صلة بتنظيم القاعدة، إضافة الى اتهامهم بشن سلسلة من الهجمات الإرهابية على مدنيين صينيين منذ التسعينات.
واتهمت السلطات الصينية زعيمة الايغور، ربيعة قدير، المقيمة في منفاها في الولايات المتحدة، بالتحريض على اعمال الشغب من خلال الاتصالات الهاتفية «والدعاية» عبر مواقف الانترنت. .
وربيعة قدير ناشطة في مجال حقوق الانسان وهي مسلمة من اقليم سينكيانج- التي سجنت أكثر من 5 أعوام لمطالبتها بحقوق مسلمي الإيغور قبل أن ترسل إلى المنفى في أمريكا عام 2005- أدلت مرارا بشهادات عن صور المعاناة التي يعانيها المسلمون في هذا الاقليم أمام الكونغرس الامريكي وفي محافل دولية أخرى، ذكرت فيها أن حكومة الصين تنقل فتيات الإيغور عنوة من ديارهن في الإقليم إلى المصانع في شرق الصين للعمل بالسخرة وإجبارهم على الزواج من غير المسلمين. وهذا الاجراء أدى بالفعل إلى ترحيل أكثر من 240 ألف شخص معظمهم نساء من سينكيانج.
وفي مؤشر على مخاوف الحكومة بشأن الاضطرابات، نزل زعيم الحزب الشيوعي في المدينة لي جي إلى الشوارع لمناشدة المحتجين كي يعودوا إلى منازلهم. وتعهد لي جي خلال مؤتمر صحافي بإنزال أقصى العقوبات بالمسؤولين عن أعمال الشغب الأكثر دموية في الصين منذ قيام الصين الجديدة العام 1949،
لكن الاويغور المقيمين في المنفى، اتهموا في المقابل قوات الامن الصينية بالقيام برد فعل مبالغ به اثناء تفريق تظاهرات سلمية قام بها الاف الاشخاص، معتبرين ان الشرطة اطلقت النار على المتظاهرين عشوائيا. وقال المتحدث باسم مؤتمر الاويغور العالمي من منفاه في السويد ديل شات راشيت، إن «هذا الغضب يتزايد منذ فترة طويلة»، مضيفا «لقد بدأ كتجمع سلمي. كان هناك آلاف الاشخاص الذين ينادون بوقف التمييز العرقي ويطالبون بالتوضيح … لقد تعبوا من المعاناة في صمت.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد المسلمين في الصين يصل إلى 50 مليونا في دولة تجاوز عدد سكانها مليار و200 مليون في حين تقول مصادر مسلمة في الصين إن العدد يصل إلى 100 مليون. وينتشر المسلمون في كافة أنحاء الصين وخاصة في إقليم.
وقد حصل الإقليم على الحكم الذاتي عام 1955، ويقع وسط آسيا؛ حيث تحده منغوليا من الشمال الشرقي، والصين من الشرق، وكازخستان وقيرغيزستان وطاجكستان من الشمال والغرب، والتبت وكشمير والهند وباكستان من الجنوب. وتبلغ مساحته: 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي يمثل حوالي 17% من مساحة الصين الحالية، وتبلغ ثلاثة أضعاف فرنسا أكبر الدول الأوربية مساحة، كما أنها تحتل المرتبة التاسعة عشرة من حيث المساحة بين دول العالم.وتبلغ مساحته 1.6 مليون كيلومتر مربع، أي يمثل حوالي 17% من مساحة الصين. ويبلغ عدد سكان الإقليم: حوالي 20 نسمة، ويشكل المسلمون الإيغور 9 ملايين نسمة، بينما يبلغ عدد الصينيين المهجرين إلى هذا الإقليم قرابة 7 ملايين نسمة.
ويشترك الايغور الذين يتكلمون باللغة التركية، في صلات ثقافية مع اسيا الوسطى، رافضين الوجود والسيطرة الاقتصادية المتزايدة لإثنية الهان الصينية، فضلا عن الرقابة التي تفرضها الحكومة على الدين والثقافة.
ويقول التاريخ إن علاقة الإسلام بالصين قديمة بدأت منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان في عام 29 هجرية عندما أرسل وفدا برئاسة سعد بن أبي وقاص إلى إمبراطور الصين يدعوه إلى الإسلام. وقد قامت عدة ثورات قام بها المسلمون ضد الحكم الصيني في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين وقد تم قمعها جميعا.
ويذكر أن حكم المانشو كان يمارس قدرا من الظلم على الناس والاضطهاد للمسلمين. مما كان فوق طاقة احتمالهم فهبوا في ثورات متتابعة خلال القرن التاسع عشر شملت مقاطعات يونتان وقانصو وتركستان.
وكانت ثورات المسلمين تقابل بقمع شديد وصل إلى حد المذابح ومحاولة الإبادة، الأمر الذي أدى بالفعل إلى تناقص أعداد المسلمين في أنحاء تلك البلاد. بعدما راح مئات الألوف ضحية هذه المذابح الوحشية.
وخلال 100 سنة في الفترة ما بين 1758 و1871 انفجرت خمس ثورات كبرى لمسلمي الصين، نستطيع أن نتصور حجمها من عدد الكتب الرسمية التي صدرت عنها، مسجلة كل تفصيلات أحداثها كعادة مؤرخي الأباطرة في الصين منذ الأزمنة القديمة.
• ففي سنة 1758 اندلعت ثورة المسلمين في ولاية قانصو بقيادة سوسى سان، وسجل تاريخها في 20 جزءا من الكتب الرسمية.
• وفي مقاطعة سيكيانغ، شبت ثورة جنقخ، واستمرت سنتين، من 1825 إلى 1827، وصدر في تأريخ وقائعها 80 جزءا.
• وفي سنة 1855 انفجرت الثورة في مقاطعة يوننان، بقيادة سليمان دووين شيو، واستمرت 18 عاما، وسجلت في 50 جزءا.
• وفي السنة ذاتها (1855) اندلع لهيب الثورة في مقاطعات سينكيانغ وقانصو وششى، واستمرت هذه الثورة بقيادة يعقوب بك، طوال 20 عاماً. وقد سجلت أحداث هذه الثورة في كتاب من 330 جزءا!
وإذا كانت أحاديث هذه الثورات الإسلامية العارمة قد ملأت مجلدات، مما يتعذر الإلمام بها أو حتى تلخيصها، إلا أننا نستطيع أن نتعرف على بعض تفصيلاتها من المعلومات التي تسربت من تلك المجلدات الكبيرة.
ولقد فجر ثورة يوننان حادث صغير، عندما اتفق بعض الصينيين والمسلمين في سنة1855 على استخراج الفضة من منجم في منطقة(تالي فو)، وبعد انتهاء المهمة حاول الصينيون الاستئثار بالكسب، فنازعهم المسلمون، الذين لم يسكتوا، واشتبك الفريقان وسقط منهم قتلى ، ولكن حاكم المقاطعة انحاز إلى صف الصينيين، وكتب إلى الإمبراطور يطالب بقمع المسلمين. فتوجهت قوات الإمبراطور إلى مناطق المسلمين لتأديبهم وكانت قيادة المسلمين لأحد العلماء، اسمه ماده شين، وكان مساعداه هما القائدين ماهسين(حسين؟) ودوو ين شيو، وفي أول مواجهة انتصر المسلمون على قوات الإمبراطور، واضطرت إلى طلب الهدنة. ولكن الإمبراطور استخدم الحيلة، واستمال إلى جانبه ماده شين بالإنعام والعطايا، كما استمال ماهسين بترقيته إلى قائد في الجيش الصيني.
أما ثورة يعقوب بك التي اندلعت في المناطق الشمالية الغربية، بين المسلمين ذوي الأصول التركية، فقد امتدت جذوتها كالنار فيما بين سيكيانخ وقانصو وشانسى. خلال عام 1855، حتى عصف المسلمون بكل مقاومة حكومية تصدت لهم . واستطاع يعقوب بك أن يثبت سلطانه في كاشغر. ويعلن استقلال تركستان عن الحكومة الصينية، خصوصاً وأن ثورته لقيت تأييدا كاسحا من المسلمين في تلك المقاطعات.
وكان يقف إلى جواره واحد من أكبر رجال الدين هو: باين هو، الذي سانده وجمع حوله كافة القيادات الإسلامية. ودعم ثورته قائد مسلم آخر في قانصو هو ماهوا لونغ.
وطوال 20 عاماً، كانت ثورة المسلمين في تركستان تصد محاولات حكومة المانشو، واحدة تلو الأخرى، التي سعت إلى ضرب الثورة وكسر طوقها. وفي عام 1871 شنت جيوش الحكومة هجوما شرسا ضد شانسى ثم قانصو، فدمرت وخربت وقتلت وسبت كل ما لقيته، وأسرت ماهوا لونغ وزعيما آخر اسمه ماباتسياو، وقامت بصلبهما علنا نكاية بهما، وردعا للمسلمين. وقعت الثورة في المقاطعتين.
وفي عام 1874 هاجمت قوات المانشو مقر الزعيم الديني باين هو الذي لجأ إلى الحدود الروسية، حيث أرض تركستان الغربية القديمة. وفي هجومهم على كاشغر قتل يعقوب بك، الذي ظل يدافع عن استقلال مسلمي تركستان حتى آخر رمق.
ولا ينسى المسلمون في الصين ما قاسوه من فقر مدقع في عصر الكومنتانغ، إذ كان لا يتسنى لأي فرد من المسلمين أن يذبح بقرة أو خروفا قربانا لله لضيق ذات يده. حتى أنهم اسموا عيد الفطر عيد الدموع وأطلقوا على عيد الأضحى اسم عيد الذل.
ولما كان تقدير ماو أن يجعل من مقاطعة شنشى المسلمة مقرا لقيادته في مقاومة الاحتلال الياباني، فقد بات طبيعيا أن تشغله مطالب هؤلاء المسلمين ويحدد موقفه منها. خصوصا أن هذه المطالب كانت أحد أسباب الصدام مع رجال الكومنتانغ. وعلى ذلك فقد أعلنت الثورة موقفها بوضوح لكي تفوت على (أمراء الحرب الرجعيين) أي محاولة للدس بين الجيش الأحمر والمسلمين المحليين. ووعدت الثورة المسلمين بوعود محددة هي : إقامة حكومة إسلامية مستقلة ذاتيا- إلغاء كل الضرائب (وقد مر بنا كم كانت فادحه) – إلغاء الديون والفوائد القديمة- إلغاء التجنيد الإجباري في جيوش أمراء الإقطاع- حماية حرية العقيدة الدينية للجميع – حماية الثقافة والتراث الإسلامي.
واصدر تشوتيه قائد الجيش الأحمر أوامر إلى جنوده، من غير المسلمين، يحرم عليهم فيها أربعة أمور تحريما مطلقا، مراعاة لشعور المسلمين ، وهي: التزام المحاربين بعدم دخول المساجد- عدم أكل لحم الخنزير أو نطق كلمة خنزير أمام المسلمين- عدم دخول أي بيت من بيوت المسلمين بغير استئذان، وإذا دخل أي شخص بيتا من هذه البيوت بعد الاستئذان فلا ينظر على النساء ولا ينتهك حرمتهن بأي صورة – عدم جمع التبرعات أو مصادرة ممتلكات المسلمين.
ونستطيع أن نرصد معالم محددة للواقع الذي أصبح عليه المسلمون، بينما العهد الجديد يبدأ خطواته الأولى في عام 1949، على الوجه التالي:
كان هناك موقف قانوني استقر منذ إعلان الجمهورية، يعترف بكيان المسلمين، ويعطيهم الحق في التمثيل البرلماني.
و كانت هناك بوادر نهضة تمثلت في انتشار الجمعيات والمعاهد والمدارس الإسلامية، وهو ما كان مصحوبا بعدد من الصحف التي تعكس هذه النشاطات وتعبر عنها. وكانت هناك محاولة لإعادة الاتصال بالعالم العربي والإسلامي ، عبر قناتين محددتين: الحج، وتبادل الزيارات الودية.
يضاف على هذه العناصر ذلك التعاطف النسبي الذي كان يبديه قادة الثورة تجاه المسلمين، تقديرا منهم لذلك الرصيد المتميز الذي تمتعوا به، ووقفتهم الدائمة إلى جوار – بل وفي طليعة – المناضلين ضد الظلم الإمبراطوري، ثم وقوفهم في صف القوى الوطنية بعد إعلان النظام الجمهوري، واشتراكهم في مسيرة الرئيس ماو عام 1935، ودورهم المشرف في الحرب الصينية اليابانية، ثم – أخيرا- رفضهم الانحياز إلى شيانج شيك أثناء صراعه مع الرئيس ماو.
ولم يكن هناك سبب جوهري يدعو على قلق المسلمين بعد عام 1949، ولكن الواضح أنهم كانوا في حالة ترقب، انتظارا لما ستسفر عنه التطورات نشطة قبل التحرير بدأت تحتفي واحدة تلو الأخرى في عام 1949، حتى إننا لا نكاد نعثر على نشاط يذكر سواء للجمعيات الإسلامية أو لبقية المسلمين طوال الفترة التي أعقبت التحرير مباشرة فلا حجاج سافروا على الأراضي المقدسة، ولا بعثات سافرت للدراسة خارج الصين منذ مغادرة ” البعثة الفاروقية” إلى القاهرة.
وسكت المسلمون على مضض. وكانت الخطوة التالية التي زادت من قلق المسلمين هي تلك الكتابات التي تظهر في الصحف، متسائلة عن جدوى ذلك العدد من المساجد المنتشرة بكثافة شديدة في بعض المقاطعات وداعية إلى استغلال أمثل لهذه ” المنشآت” ، “يوفر للأقليات حرية العبادة ويتيح الفرص لتوظيف تلك المنشآت توظيفاً اقتصاديا ملائماً”.
ورغم أن الدستور الصيني يشدد على المساواة بين كل القوميات. و منع التعصب ضد أو اضطهاد أية قومية، وحظر كل الأعمال التي تخرب التضامن بين القوميات وتقسمها. فضلا عن التأكيد على أنه للمواطن حرية الكلام والنشر والتجمع وتكوين التنظيمات والقيام بالمسيرات والمظاهرات. و حرية الاعتقاد الديني. فإنه و منذ استولي الشيوعيون على حكم الصين في سنة 1949 يمكن اختصار تاريخ الأقلية المسلمة في الصين في المراحل التالية:
– من -1949 إلى 1958 كانت مرحلة مهادنة لأنها سايرت الأعداد لتأسيس الدولة ، وقد أقلق وضع المسلمين في الصين العالم الإسلامي فحاولت السلطة الحاكمة إرضاء العالم الإسلامي ، وظهرت الجمعية الإسلامية الصينية الشعبية في سنة 1953 كجمعية وحيدة تمثل المسلمين شكلا لاموضوعاً ، وألغيت الجمعيات الإسلامية السابقة ، وعقد أول مؤتمر للمسلمين في ظل النظام الجديد في نفس السنة ، ثم صدرت مجلة باسم مسلمي الصين في العام التالي له ،كما تم إنشاء معهد إسلامي في عام 1955 ، وكانت هذه المرحلة مرحلة تأميم نشاط الدعوة الإسلامية لفرض هيمنة النظام الشيوعي على النشاط الإسلامي .
– من سنة 1958 إلى 1966 كان في هذه المرحلة مساس بشعور المسلمين ن وظهر هذا في تطبيق نظام (الكوميونات ) ، فقد شمل التطبيق رجال الدين ووزعوا علي المزارع والمصانع الجماعية ، وظهرت في الصحف الصينية مقالات تهاجم وجود العدد الكبير من المساجد ، بل والإلحاح على استخدامها لأغراض (اقتصادية ) ، وكانت هذه الحملة مقدمة لإغلاق المساجد منذ سنة 1949 فقد أدى هذا إلى تعطيل قيام المسلمين بشعائر دينهم ، وتلا ذلك توقف المعهد الإسلامي الذي أنشىء في المرحلة السابقة ، وكان النافدة الوحيدة للمسلمين في الصين ، كما توقف (سفر بعثات الحج ) ثم (تهجير ) المسلمين من مناطق الكثافة الإسلامية العلية إلى مناطق أخرى ، وتهجير غير المسلمين إلى مناطق المسلمين ، وتبنت الحكومة سياسة تحويل الهوية الإسلامية إلى هوية شيوعية ، وقد واجه المسلمين هذا بكفاح كما حدث في التركستان الشرقية في سنة 1962
– من سنة 1966 إلى 1976 وهي أشد مراحل العنف ، وتسمى بمرحلة الانتفاضة الثقافية ، حيث ضرب رجال الدين في الشوارع وأقتحمت البيوت ، وأخذت المصاحف والكتب الدينية وأحرقت علانية في الشوارع ، وفقد المسلمون الصينيون مخطوطات نادرة وأغلقت المساجد وحول البعض إلى (ورش ومخازن ) في سنة 1966، وأبقوا على مسجد واحد في بكين ليصلي فيه الدبلوماسيون المسلمون ، وألغيت العطلات الإسلامية ، ومنع المسلمون من ارتداء ثيابهم القومية ، وأجبروا على ارتداء الملابس الزرقاء ، وألغيت تصاريح صرف (أكفان الموتى ) وتظاهر المسلمون في ولاية (يونان ) مطالبين بعطلة يوم الجمعة ، وفي هذه المرحلة حاول النظام الشيوعي مسخ الشخصية الإسلامية وخصائصها الفردية.
من سنة 1979 وحتى 2009 كانت هذه المرحلة عبارة عن صراع على السلطة ، واستغرق هذا عامين ، وبدأت مرحلة جديدة مع عام 1978 ، وأوجد قانون ينص على عدم انتهاك أعراف وعادات أبناء الأقليات القومية ن ووعد بإعادة فتح المعهد الإسلامي ، إعادة إصدار مجلة ( المسلمين ) ، واستئناف بعثات الحج ، وإعادة فتح المساجد المغلقة وهي أكثر من 1900 مسجد في التركستان الشرقية وحدها ، وعدد المساجد في الصين ( 40327 ) مسجداً ، وإعادة العطلات الإسلامية . وساهمت الحكومة بنفقات إصلاح المساجد ، وسمحت بدخول أعداد من المصاحف من الدول العربية.
وبناءً على ذلك يعيش أغلبية المسلمين من الإيغور تحت خط الفقر؛ حيث يبلغ الدخل السنوي للفرد بما يعادل 50 دولارًا أمريكيًا، ويرجع ذلك لاحتراف أغلبهم للزراعة والرعي وصيد الأسماك وعزوفهم عن التعليم.
ومنذ بداية التسعينيات وامتدادًا لما قبلها يتعرض الإيفور لهجمة قمعية صينية شرسة؛ ، وتتجه الحكومة الصينية إلى طمس جميع الرموز الإسلامية، فالمدارس الإسلامية والمساجد إما مغلقة أو خاضعة لقيود صارمة.
وحسب معلومات الإحصاء الخامس لسكان البلاد كلها عام 2000، بين 55 أقلية قومية 18 قومية يتجاوز عدد سكان كل منها مليون نسمة، هي قوميات تشوانغ ومان المانتشو وهوي ومياو والويغور ويي وتوجيا ومنغوليا والتبت وبويي ودونغ وياو وكوريا وباي وهاني ولي والقازاق وداي، وأكثرها عددا قومية تشوانغ، يبلغ عددها 16 مليون و179 ألف نسمة. و17 قومية يتراوح عدد سكان كل منها بين 100 ألف نسمة إلى مليون نسمة، هي قوميات شه وليسو وقلاو ولاهو ودونغشيانغ ووا وشوي وناشي وتشيانغ وتو وشيبوه ومولاو والقرغيز وداوور وجينغبوه سالار وماونان. و20 قومية يتراوح عدد سكان كل منها بين أقل من 10 آلاف إلى 100 ألف نسمة، هي بولانغ والطاجيك وبومي وآتشانغ ونو وأوينك وجينغ وجينوه ود آنغ والأوزبك وروسيا ويويقو وباوآن ومنبا وألونتشون ودولونغ والتتار وختشه وقاوشان لا يضم ذلك عدد سكان قومية قاوشان في مقاطعة تايوان ولوبا. قومية لوبا هي القومية الأقل تعدادا، وعدد سكانها 2965 نسمة فقط.
وتشير ثمة تقديرات تقريبية مستقرة في أبحاث وعند خبراء شؤون الأديان، وهي إلى أنه في الصين”خمسة أديان”، يمكن ترتيبها بحسب عدد أتباع كل منها على النحو التالي: البوذية (دعوة الانعتاق الذاتي تخليصا للجنس البشري) وقد كانت أكبر “الأديان” أثرا في القديم، منذ قدمت من الخارج(الهند) والبوذيون أرقامهم غير معروفة، ولكن عدد رهبانهم في الصين عشية التحرير كانوا نصف مليون راهب وراهبة .
و “دين” التاو (صوفية صينية تدعو إلى عبادة الروح والطبيعة والآلهة )، وهؤلاء أيضا لا نعرف لهم عددا سوى أن كهنتهم عشية التحرير كانوا في حدود 8 آلاف كاهن وكاهنة ، غير أن أعدادهم في تناقص مستمر. والبوذية والتاوية هما – تقليديا- دينتا قومية إلهان، ذات الأغلبية الساحقة في الصين.
و الكاثوليكية، وتشير إحصاءات عام 1949 إلى أنهم كانوا في ذلك الوقت 3ملايين نسمة. و البروتستانتية: وأتباعها في تقديرات عام التحرير في حدود 700 ألف نسمة.
وتمثل الديانة الإسلامية معتقد 95% من سكان اإقليم إلى جانب الطاوية والبوذية وبعض العقائد الوثنية للصينيين المحتلين على الإقليم. ويبلغ عدد المساجد: 510 مساجد، وقد قامت السلطات الصينية بإغلاق 148 منها، بينما تشير الإحصائيات الصينية إلى وجود 10 آلاف مسجد، إلا أن ما تسميه السلطات الصينية مساجد ما يقارب 98 % منها زوايا أو مصليات صغيرة جدًا، بحيث لا تتسع لأكثر من 100 شخص، بينما يحتاج السكان الذين يصل تعدادهم قرابة 10 ملايين إلى تلك المساجد الـ10 آلاف حتى يصلي كل 1000 في مسجد، وهذا ما لا يحدث فعليًا حيث لا تسمح السلطات الصينية بإنشاء مساجد جديدة أو القيام بتوسيع المساجد الموجودة.
ويعيش أغلبية المسلمين من الإيغور تحت خط الفقر؛ حيث يبلغ الدخل السنوي للفرد بما يعادل 50 دولارًا أمريكيًا، ويرجع ذلك لاحتراف أغلبهم للزراعة والرعي وصيد الأسماك وعزوفهم عن التعليم.
ومنذ بداية التسعينيات وامتدادًا لما قبلها يتعرض مسلمو شعب الإيجور لهجمة قمعية صينية شرسة؛ وذلك حقدًا وحنقًا على هذا الشعب المسلم، والذي يشكِّل الإسلام مركزًا أساسيًّا في ثقافته، وتتجه الحكومة الصينية إلى طمس جميع الرموز الإسلامية، فالمدارس الإسلامية والمساجد إما مغلقة أو خاضعة لقيود صارمة. و تم منع التلاميذ في المدارس والجامعات من تأدية الصلاة، ومن صيام رمضان، بل وصل الأمر إلى منعهم من حمل المصاحف أو امتلاكها.
والأعجب من ذلك أن المسلمين الإيغوريين تحدد خطبة الجمعة عندهم بـ30 دقيقة فقط، كما أن عدد ذكر كلمة ‘آمين’ محدد أيضًا بـ17 مرة في اليوم الواحد، وألا يتلو خطيب المسجد أكثر من خمسة أدعية فقط ليوم الجمعة، ومن يخالف ذلك تتم معاقبته إما بمنعه من الخطابة أو تقرير غرامة مالية عليه، هذا غير أنه من الممنوع على أي شخص أن يقوم بالصلاة إلا في المسجد التابع للحي الذي يسكن فيه والمسجّل بالطبع في دفاتر الشرطة،
و الأمر المثير للدهشة أن السلطات الصينية تحدد للايغوريين خطبة الجمعة عندهم بـ30 دقيقة فقط، كما أن عدد ذكر كلمة ‘آمين’ محدد أيضًا بـ17 مرة في اليوم الواحد، وألا يتلو خطيب المسجد أكثر من خمسة أدعية فقط ليوم الجمعة، ومن يخالف ذلك تتم معاقبته إما بمنعه من الخطابة أو تقرير غرامة مالية عليه، هذا غير أنه من الممنوع على أي شخص أن يقوم بالصلاة إلا في المسجد التابع للحي الذي يسكن فيه.
إضافة إلى ذلك تجرم وتحظر السلطات منظمات المقاومة والتحرر في تركستان، وزد على هذا ما قامت به الحكومة الصينية من إجراء 42 تجربة نووية في أراضي المسلمين، وذلك حتى عام 1996، وقد أدى إجراء هذه التجارب إلى تزايد انتشار السرطان والإجهاض وتشوه المواليد، ومع أنها حاولت إخفاء ذلك وتبرير ما نتج عنها، إلا أن بعض المنظمات الدولية أكدت نتائجها المدمرة على السكان والبيئة، وقد أثيرت تلك القضية في مؤتمر المرأة العالمي في بكين عام 1995، وأكدوا أن هناك ارتفاعًا في نسبة الوفيات يصل إلى 40% في مناطق قيرغيزستان الشرقية على حدودها المتاخمة مع مقاطعة ‘سينكيانج’ [تركستان الشرقية] بالصين، وذلك في أواخر شهر مايو 1994 على أثر تجربة نووية في تركستان الشرقية، ومازال شعبها المسلم يعاني من نتائج التفجيرات النووية التي كانت تتم مكشوفة في الفضاء حتى الآن.
ولا يتوقف الاضطهاد عند هذا الحد فقط من انتهاك حقوق الإنسان والتمييز في التوظيف وسياسة الإفقار المطبقة ضد مسلمي تركستان، كذلك قام النظام الصيني بتأسيس برنامج على درجة عالية من التمييز والعنصرية، يهدف إلى تغيير التوزيع السكاني بإقليم سينكيانج، فالسلطات الصينية تقوم ببيع الفتيات المسلمات إلى الفلاحين الصينيين الذين يقومون بتهريبهن إلى داخل الصين. وقامت أيضًا ببذل كل جهدها لتطبيق نظام ‘طفل واحد لكل أسرة’ على الإيغور، بينما لم تطبقه على بقية الأعراق التي تعيش في الإقليم نفسه، وتتبع السلطات الصينية أبشع الطرق لتنفيذ تلك السياسة؛ فعلى سبيل المثال يقوم الأطباء بقتل المواليد المسلمين بعد ولادتهم مباشرة بضربهم أو كتمان أنفاسهم، وتحقن الأم بحقنة منع الحمل دون إشعارها بذلك، ولا تتمكن من رؤية مولودها لأنهم يفيدونها بأن الجنين ولد ميتًا، ثم تشحن هذه الأجنة إلى معامل في بكين وشنغهاي، وكانت النتيجة أن تغير التوزيع السكاني تمامًا.
و هناك ممارسات أكثر جورًا؛ حيث مُنع رفع الأذان من مكبرات الصوت بدعوى أنها تزعج هؤلاء الصينيين الدخلاء، وترويج الزواج المختلط لزواج الصينيين والصينيات البوذيات بالمسلمين بضغوط اقتصادية وإغراءات مادية.
إضافة إلى ذلك تجريم وحظر منظمات المقاومة والتحرر في تركستان، وزد على هذا ما قامت به الحكومة الصينية من إجراء 42 تجربة نووية في أراضي المسلمين، وذلك حتى عام 1996، وقد أدى إجراء هذه التجارب إلى تزايد انتشار السرطان والإجهاض وتشوه المواليد، ومع أنها حاولت إخفاء ذلك وتبرير ما نتج عنها، إلا أن بعض المنظمات الدولية أكدت نتائجها المدمرة على السكان والبيئة، وقد أثيرت تلك القضية في مؤتمر المرأة العالمي في بكين عام 1995، وأكدوا أن هناك ارتفاعًا في نسبة الوفيات يصل إلى 40% في مناطق قيرغيزستان الشرقية على حدودها المتاخمة مع مقاطعة سينكيانج [تركستان الشرقية] بالصين، وذلك في أواخر شهر مايو 1994 على أثر تجربة نووية في تركستان الشرقية.
وكان لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة تأثير كبير على معاملة مسلمي الإيغور؛ حيث استغلت الصين هذا الحدث ذريعة لتزعم أن من يقومون بنشر رسائل دينية أو ثقافية مسالمة هم ‘إرهابيون’ غيروا من أساليبهم المنهجية، وعليه فإن المسلمين الناشطين في المجالات الدينية السلمية يتعرضون للاعتقال والتعذيب والإعدام أحيانًا.
ولعل تلك الممارسات الجائرة التي تقوم بها الحكومة الصينية ما هي إلا استراتيجية تريد بها اقتلاع حلم دولة مستقلة لمسلميها؛ حيث إنها تخشى من تفكك أقاليمها التي تعج بالمشكلات العرقية.
. ومن أقدم المنظمات الإسلامية المتواجدة في الإقليم جمعية التقدم الإسلامي، ويبلغ عدد فروعها 300 فرع وكان لها العديد من المدارس ، (جمعية الأدب الإسلامي في الصين ) ومهمة هذه الجمعية تبسيط فهم العقيدة الإسلامية ، والنهوض بالتعليم الإسلامي ومساندة الأعمال الخيرية ، وترجمة معاني القرآن ، وهنتك الجمعية الاتحادية لعموم الصين التي نشطت في توثيق صلة المسلمين بالعالم الإسلامي ، و الجمعية الإسلامية في الصين وهي هيئة تكفلها الحكومة الصينية منذ سنة 1986 ، وتقوم ببعض الأعمال الإسلامية ، ولكن هناك شعور مضاد لها .
إجمالا، يبدو أن تظاهرات الإيغوريين الدامية تحرج الحكومة الصينية على الصعيد الدولي، وتعيد فتح ملف حقوق الإنسان في الصين. وقد تشكل عقب آخيل التنين الصيني الذي أخفقت سياساته في معالجة مسألة الأقليات التي لم تخضع لمبادىء حقوق الإنسان من حرية معتقد وحرية تعبير بل حرى التعامل معها على قاعدة مخاوف وأوهام.
* مأمون كيوان باحث سوري
© منبر الحرية، 21 يوليو/تموز 2009
لم تكن دعوة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، عام 2006 الشبيبة الأميركية لتعلم اللغة العربية بالجملة سوى الرأس الصاعد والمرئي لإندفاع غربي، بل وكوني، لدراسة هذه اللغة وللإلمام بطرائق التحدث بها والتعاطي مع متكلميها خاصة في المشرق العربي الإسلامي. لذا يتوجه النشء والشبيبة في الولايات المتحدة إلى أنواع المعاهد والمراكز اللغوية، التي تنتشر هناك كالفطر، لإكتساب هذه اللغة والتمكن من أسرار الفاظها وتركيباتها النحوية من أجل خدمة مصالح فردية وقومية في ذات الوقت. وترد هذه الظاهرة إلى أن لغة الضاد إنما صارت نوع من “رأس المال”، تأهيلاً فردياً مهماً وشرطاً مسبقاً لكل من يرنو إلى تطوير قدراته الإقتصادية والثقافية والسياسية، خاصة بعد بداية عصر البترول في منطقة الخليج، الأمر الذي برر شيوع ظاهرة الإندفاع والوقوف في طوابير بالملايين من أجل إكتساب هذه اللغة بوصفها “جواز سفر” إلى دول المنطقة حيث تنتشي أسولق العمالة وفرص الإثراء وجمع المال المتبقي من “فضائل” وفضلات النفط العربي وخطط التنمية الخليجية الكبيرة. الملايين من الصينيين والهنود وبقية سكان جنوب شرقي آسيا، سوية مع ملايين أخرى من سكان أوربا وبقية أنحاء العالم يتزاحمون اليوم وراء كل من “ينطق” اللغة العربية على أمل الحصول على شيء منها.
أما دعوة الرئيس الأميركي السابق لتعلم اللغة العربية فهي لا تختلف كثيراً في دوافعها وإرهاصاتها المصلحية عن دوافع التايلنديين والصينيين والهنود وسواهم. بيد أن الفرق كبير من ناحية أخرى، ذلك أن يدفع رئيس أغنى وأقوى دولة في العالم شبيبة بلاده لتعلم العربية أمر يتجاوز التشبث الفردي والمحاولات الشخصية؛ لأنه يعني، من ناحية أخرى، نوعاً من “الإستثمار” والتخصيصات المالية المهولة لمشروع تعليم الأميركان اللغة العربية. هذا هو الفرق بكل دقة. فإشارة من الرئيس ومن هذا النوع تعني الكثير: فهي ربما تعني فتح أبواب وفرص العمل لأعداد غفيرة من العرب الأميركان الذين لم ينسوا العربية كي يعملوا في عشرات وربما مئات مراكز ومعاهد تدريس العربية بين البحيرات العظمى وجنوب فلوريدا وكاليفورنيا. وبذلك تغدو هذه اللغة نوعاً من التأهيل الضروري الذي يساعد على توظيف متكلمي هذه اللغة في دوائر مهمة لا تبتعد كثيراً في إرتباطاتها عن وزارات مثل الدفاع والخارجية، وعن مراكز الدراسات العربية ومعاهد دراسات الشرق الأوسط والشرق الأدنى والإسلاميات، وهي مراكز قد تحولت إلى ظاهرة لابد من رصدها وإستقصائها في الجامعات والأكاديميات الأميركية بسبب أهمية العالم العربي الإستراتيجية.
إن واشنطن تدرك جيداً أن الأميركان القادرون على التحدث بالعربية إنما يمثلون شرطاً مسبقاً لآمال ولمشاريع الولايات المتحدة في بقعة تشكل مركز العالم، جغرافياً وإقتصادياً، الخليج العربي والشرق الأوسط. هذه المشاريع أنما تجسد مصالح كبرى بحساب الحجوم والآفاق، ذلك أن أميركا تحتاج إلى المئات من الدبلوماسيين الذين يتحدثون العربية للتعيين في سفاراتها وممثلياتها عبر عواصم ومدن العالم العربي الكثيرة. كما أنها بحاجة أكثر فورية إلى المئات من ضباط المخابرات والإتصالات والمعلومات القادرين على فهم العربية كوسيلة إتصال عبر القنوات السرية والمعلنة من أجل الإطلاع “على كل شيء”. لذا فإن هذه الحاجة تتنامى حتى داخل المجتمع الأميركي بفضل “قانون الوطنية” Patriot من أجل الإنصات والإطلاع وجمع المعلومات داخل المجتمع الأميركي وخارجه. ولأن الولايات المتحدة تقود مشروعاً قوياً لتعزيز قيادتها الثقافية والإعلامية في عالم أحادي القطبية، فإنها ستكون بحاجة ماسة إلى القراء والمذيعين والمتابعين من الأميركيين المتمكنين من أسرار هذه اللغة الجميلة. وليس أدل على هذا إنتشار المراكز الثقافية الأميركية والجامعات الأميركية والقنوات الفضائية الأميركية عبر العالم العربي الذي يمتص سوقه الثقافي بنهم كل طاريء، خاصة إذا ماكان قادماً من لاعب رئيس في سياسات الشرق الأوسط كواشنطن. ولن يقف الموضوع عند هذا الحد فالضباط الأميركان الموجودون في العراق وبعض دول الشرق الأوسط بحاجة للتكلم بالعربية نظراً لإتصالهم وتعاطيهم المباشر بالعرب هنا وهناك. حتى بعض الأكاديميين الأميركان من باحثين وكتاب يريدون إتقان العربية لقراءة تاريخ العرب وأحوالهم المعاصرة وتراثهم الثقافي من أجل خدمة مصالح أميركية. وقد أخذت هذه الجهود والأموال تعطي أكلها من الآن، ليس فقط في إنتشار الفضائيات الأميركية (بالعربية)، ولكن كذلك من خلال أعداد المتحدثين الرسميين والعسكريين الأميركان الذين يظهرون على الشاشات بلسان عربي ملكون، لا يشبه لغة بني أسد ولا لغة قريش أو تميم، بالرغم من إيصاله الرسالة المطلوبة للمستمعين.
بيد أن المتوقع من التدافع على تعلم العربية في الولايات المتحدة سيكون أكبر بكثير بسبب حجم الإستثمار في هذا الحقل. وللمرء أن يستذكر حقيقة قد تغيب عن بال الكثيرين، وهي أن “علم اللغة” Linguistics ذاته لم يتمكن من الإنتشاء والتطور السريع أواسط القرن العشرين إلاّ بعد أن لقي رعاية ودفعاً مادياً من البنتاغون بسبب توسع حاجة المؤسسات العسكرية الأميركية، ليس فقط لتحليل ودراسة نحو اللغات الأجنبية عبر العالم، بل كذلك على طريق تطوير ذلك التشعب المهم من هذا العلم، وهو علم اللغة التطبيقي Applied Linguistics، بمعنى كيفية توظيف فقه اللغة ودراسة النحو لتعليم المحليين والأجانب اللغات المختلفة. لهذا السبب حقق علم اللغة في الجامعات الأميركية قفزات مهولة على حساب الدراسات المناظرة والمكافئة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا. فلا تستغرب، أخي العربي، أن تصادف شابة أو شاب أميركي يتحدث العربية بطلاقة هنا أو في أي مكان من العالم !
وعودة إلى علم اللغة ودراسة النحو فإنه، كما يبدو، يعود في تاريخه الأولي إلى إسهامات عربية فريدة بسبب ظهور الإسلام وإعتناقه من قبل الأمم غير العربية، الأمر الذي برر ملاحظة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إنتشار اللحن والخطأ في قراءة القرآن الكريم وفي العبادات بين الأعاجم من المسلمين. وهكذا ظهرت أولى وأقدم محاولات دراسة النحو وقواعد اللغة العربية عندما أملى الإمام على أبي الأسود الدؤلي مباشرة هذا الحقل العلمي المهم. وقد شهد العصر الوسيط إنتشار اللغة العربية عبر العالم القديم، خاصة الإسلامي، لأسباب دينية وعقائدية، ثقافية وسياسية، وهي أسباب مدعومة بالتيقن من أهمية العربية بوصفها لغة القرآن الكريم ولغة الرسالة ولغة أهل الجنة، إضافة إلى أنها وسيلة العبادات. ثم جاوزت اللغة العربية هذه الحدود على نحو يذكرنا بدور اللغة اللاتينية (رحمها الله) في أوربا القرون الوسطى، إذ كانت هذه اللغة هي لغة الدراسات والبحث والثقافة. أما اللغات الأوربية القومية الأخرى، فكانت النظرة إليها متدنية ودونية بوصفها لغات محلية لا يمكن إستعمالها في الثقافة والبحث العلمي الأوربي الشامل. وقد إمتدت هذه النظرة الدونية للألمانية والفرنسية والإنكليزية وسواها من اللغات القومية، كلغات أدنى مرتبة من اللاتينية، حتى ظهور الروح القومية، ثم الدولة القومية التي دفعت باللاتينية إلى الأرشفة لتقام أعمدة اللغات الوطنية بديلاً عنها. مثل هذا حدث في الشرق عامة، حيث تدنت أهمية اللغات المحلية من الصين حتى إسبانيا، كي ترتقي اللغة العربية الموقع الأعلى في المدونات الثقافية والفكرية والعلمية، ليس فقط كإناء لهذه الأنشطة الفكرية، بل كذلك كإطار وطريقة تفكير مستوحاة من الدين الحنيف.
وإذا كان سقوط بغداد على أيدي هولاكو خان عام 1258م قد أذن بتراجع شيوع اللغة العربية وتقدم لغات شرقية أخرى، كالفارسية والهندية والتركية، لتحل محلها في الأبيات المهمة، فإن العصر المظلم المستطيل الذي تبع قد راكم المزيد من الأخطاء والمفاهيم غير الصحيحة حول هذه اللغة: فكانت الأفكار الشائعة بأن العربية لغة صعبة ويستحيل تعلمها، زيادة على إنها غير مهمة بقدر تعلق الأمر بلغات “العصر”، قد إنتشت وسادت. وهكذا جاء عصر التتريك والتفريس والفرنسة والأنكلزة عبر العصر الذهبي للهيمنة الأجنبية الذي تلاه العصر الذهبي للكولونياليات الأوربية. لهذا صار حتى بعض العرب يعكسون ثقافتهم ومعارفهم بإستعمال الألفاظ الفرنسية والإنكليزية كنوع من أنواع إستعراض المعرفة والتباهي بها.
أما اليوم فإن الأمر سينقلب رأساً على عقب بطريقة أو بأخرى، فالأميركان والفرنسيون والإنكليز يستعملون الألفاظ العربية في كلامهم أو كتاباتهم لعكس إطلاعهم على عالم هذه اللغة المشحون والزاخر، لذا فإن الفاظاً عربية من نوع “إنتفاضة” Intifadha أو “مجاهد” Mujahid أو “آية الله” Ayatullah وسواها ألفاظ بالعشرات أخذت تزحف إلى اللغات الأوربية عن طريق الإستعارة loan words لتغدو علامة على إطلاع مستعمليها على ثقافة ولغة أهم بقاع العالم على الإطلاق، المشرق العربي الإسلامي.
لقد تحولت اللغة العربية اليوم إلى أداة عملية وإستراتيجية، خاصة في التعاطي مع شؤوننا، إضافة إلى أنها قد صارت “تقليعة” يتشبث بها الغربيون من خلال تزويق لغتهم بما ينطوي على المعرفة باللغة العربية. وهكذا تدور الدوائر وتعمل عجلة التاريخ عبر أنماط تكرار لتعيد لهذه اللغة الحية والحيوية ما تستحق من أهمية واهتمام.
© منبر الحرية، 10 يوليو/تموز 2009
يقول أحدهم: “المستوى الأعلى للإنتماء ليس الثقافة وإنما اعتبار الشخص لنفسه أنه ابن أم كل الأمم التي هي الإنسانية وابن أب كل الأوطان الذي هو العالم”، تذكرت هذا القول بعد قدوم موظف جديد لينضم إلى مكان عملي السابق وما أن بدأ التعارف حتى أخذ نفساً عميقاً وأدار وجهه لي متسائلاً : من أين الأخ؟! هذا قبل أن تتواتر الأسئلة واحدة تلو الأخرى : من الأخ؟ماذا تعمل؟ووين ساكن؟متزوج ولا لأ؟ما هو تخصصك؟…الخ، ولاحظوا أن الأسئلة التي تتعلق بوظيفتك ومركزك بالعمل ومهنتك ومسماك الوظيفي كانت تالية لسؤال الإنتماء والإنتساب…والأدهى من ذلك أن أخينا لكنته “نابلسية” وكنت متأكداً بعد هذه الأسئلة أن يطرح سؤالاً : مدني ولا فلاح؟ ويستدرك قبل أن أجيب : كل الناس خير وبركة!!
الأسئة أعلاه لا يكاد يمر يوم واحد إلا أن تسمعها وعدة مرات في مواقف عديدة ومختلفة، فلا تكاد تجلس في عرس، أو مأتم أو حتى مقهى و صالون حلاقة، أو مع سائق تكسي” إلا ويبدأ ويبدأ “أصحاب الفضول” بالهمس وما أن تلتفت لأحدهم مبتسماً حتى يفاجئك بسؤال : الأخ من وين؟
يستوقفني هذا السؤال مطولاً، وأحتار عندما أسأل نفسي هل نحن بلا هوية حتى نُسأل هذا السؤال؟ ام ماذا؟لم أجد معياراً ثابتاً يحدد هويتي التي أصبحت تتلاطم على ألسنة العامة في عالم الهمس والعلن!وأخشى ما أخشاه أن نصل يوماً فيه بعد أن تركب “التكسي” وقبل ان يسألنا السائق عن وجهتنا وإلى أين سيقلنا سيبادر : من وين حضرتك؟!!
تطلب من صديقك أن يحدثك عن زملائه في العمل، وقبل أن تكمل السؤال يقول لك : ” في قسمي 5 موظفين” واحد خليلي، والثاني وحده من نابلس، والثالث من اربد، والرابع أصله شامي والخامس لبناني بس أبوه سلطي! لكأنني بحاجة أن يسرد لي كل تاريخ العائلة ويفصل لي الأنساب والمنابت والأصول!
حقيقة هذا الموضوع يحظى بحضور كثيف في النقاشات والحوارات وثمة مستويين لذلك الحضور الأول رسمي تتخلله جلسات المجاملة والثاني حقيقي يشطح فيه المتحدثون فيما بينهم.
عند دراستنا في الجامعات عرفنا أن المواطنة ما هي الا علاقة تربط بين الفرد والدولة أي علاقة تبادلية تعتمد أساساً على الحقوق والواجبات المنصوص عليها قانونياً والمواطنون يختلفون عن غيرهم من السكان بأنهم يتمتعون بحقوق كاملة في مجتمعهم السياسي أو الدولة التي يحملون جنيسيتها عن طريق امتلاكهم الحقوق الأساسية للمواطن وهي أيضاً معرفة بمنظومات قانونية دولية . فأساس المواطنة هو الفردانية “Individualism”، وهناك من يرى أن ثمة توجهان متناقضان في تكوين الهوية للشخص، الأول هو البناء على الضد. تتشكل الهوية فيه على أساس الإختلاف مع الآخر وقد يتم الانتظام في دوائر متباعدة يكون “الفرد” مركزها وذلك على جملة من العلاقات الموضوعية مثل الجنس واللون واللباس واللغة…الخ. أما التوجه الثاني فهو البناء على المماثل، إذ تتشكل هوية “الفرد” على شبهه مع الآخر وقد ينتظم في دوائر هو مركزها في الشكل واللون واللغة والمعتقدات..الخ.
في كل مجتمع من مجتمعات هذا العالم إذا تنازعت فيه الهويات تغدو هويات هدامة بينما إذا تكاملت مع بعضها تحول الفرد إلى مواطن صالح بكل ما يحمله هذه المصطلح من معاني.
شخصياً لم أتذكر أي حادثة أو ذكرى مرت بي بالماضي تثبت بأنني كمواطن وكإنسان قد تعرضت لأي شكل من أشكال التمييز بسبب هويتي وأصلي وجذري ..وأقول لكل أصحاب الأقلام كفاكم عزفاً على هذه المسألة وكفاكم رش الملح على الجروح وإثارة جدل انقسامي يتجاوز الحقائق الموضوعية على الأرض.
أحدهم أعجبتني إجابته في الرد على سؤال “الأخ من وين”، ليرد: أنا من بلد الحكايات المحكية ع المجد ومبنية ع الألفة…”،وهذا اقتباس لسؤال كانت قد طرحته فيروز على وديع الصافي في المسرحية الغنائية “سهرية حب”، وكيف انتهت تلك المسرحية بنهاية سعيدة للطرفين!
© منبر الحرية، 06 يوليو/تموز 2009