شؤون سياسية

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

مع تفاقم الأزمة المالية وارتفاع معدلات البطالة، وتقلص الفرص المستقبلية، لا يزال الدخول في نقاش حول أهمية الهجرة يحتل بالكاد قائمة جدول الأعمال، وأمام هذا الوضع يسعى  السياسيون الشعبيون إلى التوصل إلى مكاسب سريعة من خلال إلقاء لائمة هذا الأمر على الأجانب. وهو الأمر الذي يضع الأطراف المسئولة أمام مواجهة خطر الاصطدام بحقل ألغام سياسي، كلما حاولوا تناول هذه القضية.
ولكن، على الرغم من أنه من الممكن تفهم التخوف من الخوض في هذا الموضوع، فإن هذا الموقف لا يعتبر وسيلة مثمرة، ولذا يجب الابتعاد عنه.  والمطلوب بجانب التصدي إلى حالات الانحياز وإساءة الفهم، إقامة حوار متنامي، والحديث هنا ليس عن حوار بين الدول الأوروبية بعضها البعض، بل حوار إقليمي.
وقد قاد الليبراليون الأوروبيون والعرب هذا التوجه في مواجهة  هذا النوع من أنواع الخلل. وذلك من خلال عقد مؤتمرين أحدهما في البرلمان الأوروبي في بروكسل والآخر في البرلمان المغربي في الرباط، ساهما في فتح مساحات جديدة من أجل التأسيس لحوار مشترك حول الهجرة وحول البعد الاجتماعي الاقتصادي لها علاوة على الجانب المتصل بحقوق الإنسان.
وعلى الرغم مما يثيره هذا العمل من مشاعر الفخر، فإننا نؤثر مع ذلك التحلي بالتواضع، ففي الكثير من الأحيان تنطلق مثل هذه  المبادرات ويصاحبها قدر كبير من الضجة الإعلامية ولكنها تدخل طي النسيان بمجرد اصطدامها بمشاكل التنفيذ على أرض الواقع.  وعلى هذا يتوجب علينا أن نبحث بالأحرى عن الكيفية التي تمكننا من  أن نضمن ألا تصبح هذه المبادرة مجرد حبر على ورق؟
حددنا نحن الليبراليون العرب والأوروبيون عدداً من العناصر الجوهرية من خلال “إعلان الرباط” وتتمثل فيما يلي:
•    الهجرة ظاهرة طبيعية ساهمت في تحقيق الحضارة الإنسانية وهي جزء لا يتجزأ من نظام العولمة في الوقت الحاضر.  ولكن معدلات الهجرة المهولة التي تتجاوز قدرة تحمل أي مجتمع  من حيث دمج القادمين الجدد فيه، قد تؤدي إلى العديد من المشكلات على المستويات المحلية.
•    وليس من شك أن قارة أوروبا التي بدأت تعاني من مظاهر الشيخوخة تحتاج في المستقبل القريب إلى قوة عاملة من الشباب ممن حصلوا على التعليم الجيد. ولكن الآليات الموضوعة في الوقت الحالي لتحقق هذا بالكاد ترتقي إلى المستوى المطلوب.
•    لذا نحتاج إلى مواجهة هذا الأمر وأن ننتبه إلى ضرورة إدخال التحسينات الهامة التي تعتبر مفيدة بالنسبة للجانبين.  وأوروبا في حاجة إلى تحقيق التحسن في هذا الصدد.
•    التعليم جوهري من أجل التوصل إلى قرارات ذات أساس سليم، ومن أجل رفع الوعي بالوضع الذي يواجه العديد من مواطني الدول التي لا تشهد تدفقاً من المهاجرين. ويؤدي الافتقار إلى التعليم إلى المخاطرة بتنفير الآخرين وإلى المساهمة في خلق روح من النزاع والتطرف.  ولكننا نحتاج إلى التركيز على قضايا التنمية والتعليم والديمقراطية وحقوق الإنسان وخلق الفرص والأمل بين البشر الذين يعيشون في المجتمعات التي يهاجرون إليها.
•    وبما يمثلونه من قيم جوهرية ليبرالية مثل التسامح والتعاون، ينادي الليبراليون العرب والأوروبيون بصوت واحد بالرفع من  مستويات التعليم العمومي، وباعتماد عرض الحقائق كما هي بخصوص هذه القضايا بدلا من عرض الأساطير والخرافات وذلك حتى نتمكن من التغلب على العواقب والمخلفات الوخيمة.
•    إن حماية حقوق المهاجر جزء لا يتجزأ من حماية حقوق الإنسان لذلك لابد من:
–   ضرورة احترام كافة الحقوق المادية والمعنوية للمهاجر، ومن ضمنها على وجه العموم الحريات والحقوق المدنية والثقافية والاجتماعية، وعلى وجه الخصوص الحق في التمتع والتعبير عن مقومات الهوية الذاتية للمهاجر وذلك في إطار الالتزام بالقيم السائدة في بلد الإقامة والقوانين الجارية بها.
–  ضرورة حماية المهاجر من كل أصناف التمييز بما فيها التمييز الاقتصادي والعنصري و كذا مراجعة كافة التشريعات القانونية  والإجراءات الحاملة للتمييز بين العمالة الأصلية والعمالة المهاجرة، مع ضمان حق العامل المهاجر في التدرج المهني والترقية واكتساب الخبرة في إطار العمل بمبدأ المساواة ومبدأ الحق والاستحقاق.
نرى أن هذا الأمر بدأ يتحقق من خلال مبادرتين: التفت الليبراليون الأوروبيون من خلال وثيقة “نقطة تركيز حزب الإصلاح الديمقراطي الليبرالي الأوروبي لسنة 2010: تحديات التغيرات الديمغرافية” وهي الوثيقة التي أبرزت عدداً من الموضوعات من بينها التركيب السكاني الذي يتسم بزيادة معدلات الشيوخ وعلاقته بالهجرة. المنتدى الطبيعي للتعاون والتنمية في منطقة البحر المتوسط وما حولها هو ما يعرف باسم “اتحاد دول البحر المتوسط” الذي أطلق سنة 2008 ولا يزال العمل قائم. لذا يحث الليبراليون الأوروبيون والعرب الاتحاد الأوروبي والبلدان العربية والإفريقية على أخذ هذه المبادرة مأخذ الجد مع تحقيق الاستفادة القصوى منها.
ويمكن أن يحقق أيضا من خلال تكريس التضامن الإقليمي بالشكل الذي يجعل من الهجرة قوة في خدمة الاستقرار والنمو والتنمية، سواء داخل بلدان المصدر أو داخل بلدان الاستقبال، وبالشكل الذي يجعل من بلدان جنوب المتوسطَ، جذابة ومؤهلة بما يكفي لامتصاص يد عاملة مرشحة باستمرار للهجرة غير المنظمة. ولاجتذاب دياسبورا عربية قادرة على حمل خبرة جديدة تساهم في انطلاق تنمية حقيقية.
* السيدة انيمي نييتس: هي عضو البرلمان الأوروبي ورئيسة الحزب الليبرالي الديمقراطي الإصلاحي
* السيد محمد تمالدو: هو رئيس شبكة الليبراليين العرب
© منبر الحرية، 05 يونيو/ حزيران2010

نبيل علي صالح17 نوفمبر، 20100

يبدو الوضع السياسي والجيواستراتيجي الحالي في المنطقة العربية ملتبساً وغير واضح المعالم، وذلك بالرغم من اعتماد القوى الدولية الكبرى –الأكثر فاعلية في خارطة التغيير ورسم السياسات- لخطط وتوجهات سياسية (تقول أنها جديدة) خاصة بالمنطقة، وتتعلق بطبيعة مقاربتها للملفات الشائكة في أكثر من موقع هنا وهناك.. خصوصاً بعد وصول إدارة سياسية جديدة إلى البيت الأبيض، يبدو همّها الأساسي منصباً على مخالفة معظم التوجهات السياسية التي كانت تعتمدها الإدارة الجمهورية السابقة، أكثر من اهتمامها ببناء سياسات واضحة ومعروفة.
وفي ظل تضارب مصالح معظم دول المنطقة والإقليم، وتعارض سياساتها إلى درجة التناقض الجوهري فيما بينها من جهة وبينها وبين القوى الدولية الكبرى من جهة ثانية، تحاول بعض دول منطقتنا –وعلى رأسها تركيا- التعاطي مع مجمل التعقيدات القائمة بهدوء وعقلانية.. يمكن ملاحظتها ومتابعتها خلال السنوات القليلة الماضية، وبخاصة بعد استلام حزب العدالة والتنمية للسلطة فيها.
فهذه الدولة التي تشغل مساحة جغرافية وحيز استراتيجي نوعي مهم ومؤثر، لا تزال تشهد منذ وصول حزب العدالة والتنمية –ذي التوجه الإسلامي المعتدل- إلى السلطة في 2002م تحولات مفصلية متسارعة على صعيدها الداخلي والخارجي.
وهي تحاول استعادة بعض أو كل مكانتها التاريخية شبه المفقودة والضائعة بين إغراءات الدخول إلى النادي السياسي والاقتصادي الأوروبي والحصول على مقعد فيه، وبين العودة إلى أعماق التاريخ “العصملي” البهي والمتألق الذي كانت لتركيا فيه موقع القلب من الجسد، لتستعيد مكانتها “القديمة-الجديدة” ومقعدها المخصص لها وحدها، والذي لا نعتقد أنه يمكن لبعض الدول الأخرى (كإيران مثلاً) أن تحتله نظراً للعمق التاريخي والثقل الجيواستراتيجي السياسي والثقافي والديني الذي تحوزه تركيا في المنطقة العربية، والذي لن تجد أمام تحققه على الأرض أية عقبات تذكر.. على عكس إيران التي تتوجس منها شراً كثير من الحكومات والشعوب العربية، بسبب تدخلاتها المتكررة في الشؤون الداخلية لبعض تلك الدول، وبسببٍ من تضخم تطلعاتها المرتكزة على تصدير مبادئ ثورتها الدينية الشيعية ذات التوجه والنزعة الرفضية الجذرية، وربطها المصلحي النفعي بين الدين والسياسة، وطغيان نزعتها القومية وحضورها التاريخي على مجمل سياساتها الخارجية (قومنة التشيع).
ولكن تركيا تبدو أكثر قدرةً من إيران على القيام بدور أساسي في مجمل السياسات الإستراتيجية المتعلقة بالمنطقة، ليس فقط لأنها دولة كبيرة مترامية الأطراف، تمتلك من الثروات والموارد والطاقات والمزايا الأخرى الشيء الكثير، بل لأنها أيضاً على علاقة جيدة وطيبة مع معظم الدول، مما يمكنها من الحديث مع الجميع ومن دون مواربة حول أكثر من ملف معقد وشائك، والتحول إلى مركز تواصل أساسي في السياسة الإقليمية والدولية. خصوصاً بعد أن تبنت تركيا –بقيادتها الجديدة- ثابتة إستراتيجية في سياستها الخارجية وهي ضرورة التعدد في العلاقات، وعدم حصرها في خط أو مستوى واحد.
لقد ارتكزت القيادة التركية الجديدة على قاعدة شعبية عريضة وواسعة للمضي قدماً في تنفيذ سياستها الخارجية (الهادئة والعقلانية والنشطة)، بعد تحقيقها لنجاحات اقتصادية داخلية ملفتة جعلت من تركيا إحدى أهم دول العالم في رفع مستويات التنمية الداخلية، وتخفيض العجز المالي، وزيادة حجم الميزانية القومية. وهذا ما يمكن ملاحظته ومتابعته من قبل الجميع، وبخاصة لمن يزور هذا البلد، ويقوم بجولات ميدانية في بعض مدنها الصناعية والتجارية الهامة، ليقف عن كثب على مصداقية الأرقام المتعلقة بالتنمية الاقتصادية ونهوض الاقتصاد التركي التي تقدمها مختلف الأوساط والمنظمات الاقتصادية الدولية بخصوص قوة وتطور الاقتصاد التركي.
وباعتقادي أنه لو لم تتمكن قيادة أردوغان –القادم من زخم تحقيق نجاحات باهرة في استانبول- من بناء الداخل على أسس اقتصادية صحيحة ومتينة، لبقيت محصلة المعادلة التركية الخارجية –في دورها ومكانتها وتأثيرها- صفراً، كما كانت عليها في السابق عندما كانت تركيا إحدى مصادر أو مواقع الإثارة والتوتير في المنطقة.
لقد أدرك القادة الأتراك الجدد بأن الفرصة واللحظة الإستراتيجية القائمة حالياً –والناتجة بالطبع عن أخطاء الآخرين، وفشل سياساتهم الخاصة بالمنطقة، الأمر الذي أوقعها في حالة فراغ استراتيجي- أدركوا أن الفرصة سنحت لإعادة موضعة سياساتهم الخارجية، واستغلال اللحظة الحرجة (لحظة الفراغ والالتباس التاريخي) التي قد لا تتوفر لهم مرة أخرى، فانطلقوا في اتجاه بناء سياسات جديدة، تتداخل فيها عوامل جذب واستقطاب مختلفة ومتعددة ما كان من الممكن تصورها سابقاً..
وكانت قاعدة هذا التصور الجديد تقوم على أن تركيا دولة محورية في الشرق ليس فقط لنفسها ولجوارها وامتدادها الجغرافي الشرقي والجنوبي، وإنما هي كذلك للأوروبيين أيضاً الباحثين دوماً عن استقرار المنطقة (جوارهم الجنوبي والجنوبي الشرقي الدائم)، والذين كان عليهم أن يدركوا بأنه لا بد أن تمر سياساتهم في المنطقة العربية –المثقلة بالهموم والأزمات- عبر الأتراك قبل غيرهم، لأنهم مهيئون تاريخياً وحضارياً وجاهزون دينياً وجغرافياً للتحدث بعمق وصراحة مع كل دول المنطقة، وحول كل قضايا وشؤون وشجون دول الإقليم، بما فيها إسرائيل..
ولهذا رأينا تركيا تتوسط في المفاوضات بين سوريا وإسرائيل، وتحاول حالياً التوسط بين إيران وأمريكا، كما رأيناها تعمل على وقف غزو إسرائيل لقطاع غزة، مع تحميل إسرائيل كامل المسؤولية عن ذلك العدوان.
إن التصور السياسي التركي الجديد للمنطقة يحاول مقاربة الأمور من زاوية الضرورة الحيوية لتحقق السلام في المنطقة، والتفرغ لبناء أسس ومقومات الحكم الصالح في داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تشهد وعياً متزايداً بأهمية الترابط بين الأمان والسلام الداخلي والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان..
وقناعة الأتراك بهذه المقاربة حقيقة، وليست ناتجة عن أية مراوغة تكتيكية، باعتبار أن تركيا نفسها ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه -من مكانة ودور- لولا إدراك قادتها الجدد لأهمية البعد المؤسسي للدولة المرتكز على قاعدة ديمقراطية واسعة مدعومة من الشعب الذي تزداد عملية انخراطه في ممارسة السياسة والسلطة بمقدار ما تزداد عوامل الجذب والإغراء الاقتصادي والحريات العامة التي توفرها له الدولة.
إننا نعتقد أن لتركيا موقعها السياسي ودورها النوعي المؤثر في معظم القضايا والتحديات التي تلف منطقتنا العربية والإسلامية، والواضح أمامنا أن تركيا لم تحصل على هذا الدور هديةً من أحد، بل رسمت له وخططت للحصول عليه بوعي منها ومن تلقاء نفسها، نتيجة عقلانية سياستها الخارجية وسرعة تحركها وروح المبادرة الفعالة التي تمتلكها..
وقد أثبتت الأحداث السياسية والأمنية والعسكرية التي حدثت خلال السنوات الأربع الماضية الأخيرة أن تركيا لاعب محوري وأساسي في معظم المعادلات السياسية القديمة والجديدة للمنطقة، مما يحتم ويجبر الدول والقوى الكبرى على الحديث وفتح القنوات السياسية وغير السياسية بالكامل معها وباستمرار.
وهذا ما يجب على العرب أن يتنبهوا له بعد أن غابوا وغيبوا أنفسهم طويلاً عن بناء علاقات طيبة ومتينة مع الأتراك.. بالرغم أن ما يجمعهم بتركيا أكثر بكثير مما يفرقهم عنها..
© منبر الحرية ،يونيو / حزيران 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

بمناسبة عودة المفاوضات الغير مباشرة  بين إسرائيل والسلطة الوطنية برعاية أمريكية، يصعب أن نشرح لشاب أو شابة عربيين يعيشان  تحت الاحتلال الإسرائيلي أو حول العالم الإسلامي  المكون من مئات الملايين من الناس انه يوجد فارق كبير بين سياسة إسرائيل وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية. فحتى الساعة تذهب الأموال الأمريكية بصورة أو بأخرى إلى المستوطنات في القدس والضفة الغربية. وبينما توجد قوانين أمريكية ودولية صارمة لمنع وصول الأموال إلى القاعدة وإلى الطالبان، إلا انه لا يوجد جهد دولي قانوني عالمي وأمريكي لمنع وصول أموال الولايات المتحدة إلى المستوطنين في القدس وفي الضفة الغربية والجولان.  أليس صحيحا أن الكثير من الجمعيات الخيرية الأمريكية أكانت مسيحية أم يهودية تقوم بأعمال تبرعات كبرى تنتهي بمستوطنات القدس والخليل ونابلس؟
لكن المشكلة أعمق من مجرد تمويل الاستيطان في المناطق العربية، فلتفسير حالة عدم الثقة والشك وأحيانا كثيرة الكراهية التي تستفحل في العالم العربي تجاه الولايات المتحدة علينا أن نتساءل: أليس السلاح والمتفجرات الذي يقتل به العرب منذ  أواخر ١٩٦٨ حتى اليوم هو  الأخر سلاح أمريكي؟    ثم ألا يساوي مجموع التصويت بحق النقض الفيتو الذي مارسته الولايات المتحدة منذ السبعينات حتى اليوم وذلك لمنع إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على العالم العربي والشعب الفلسطيني في مجلس الأمن مجموع ما استخدم من حق النقض الفيتو من قبل بقية الأعضاء الدائمين؟  أليس صحيحا أن الرئيس الأمريكي جونسون عندما علم عام ١٩٦٩ بالبرنامج الإسرائيلي النووي من رئيس المخابرات المركزية الأمريكية قال له ”بأن لا يعلم احد انه يعلم بالأمر“ وذلك ليتفادى القيام بأي جهد لإيقاف البرنامج.
إن الالتزام الأمريكي منذ عقود بإبقاء إسرائيل قوة احتلال  واستيطان في الأراضي العربية وبنفس الوقت متفوقة على مجموع الدول العربية المحيطة بها ساهم في مقدرة القاعدة على كسب الأنصار، و قوي التشدد في إيران وبين أوساط حماس وعمق الإرهاب وأضعف الوسطيين العرب. إن هذا الوضع يتناقض مع سعي الولايات المتحدة للتغلب على الإرهاب، كما انه يثير تساؤلات كبرى حول مدى مقدرة الدولة الكبرى الأولى في العالم خط سير مستقل عن إسرائيل في ظل تسوية قادمة.
إن تأسيس عالم إسلامي وعربي اقل عنفا واقل تصادما مع السياسة الأمريكية سيتطلب ابتعادا أمريكيا عن تسليح إسرائيل وعسكرتها، ويجب أن يقترن هذا الابتعاد بإيقاف تدفق مليارات الدولارات العلنية والسرية التي تنتهي في مستوطنات عنصرية إجلائية على شكل بؤر عسكرية تؤسس لحروب ومواجهات لا نهاية لها بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي. إن الإدانة اللفظية الأمريكية للاستيطان ستؤدي في النهاية إلى جعل الدولة اليهودية خطر على نفسها وعلي الولايات المتحدة.  من هنا تنبع أهمية أن يكون  الرئيس أوباما قادرا على تغير المسار، وإلا ساهم من حيث لا يقوى بتعميق هذا الصراع وزيادة حدته في السنوات القادمة.
ومن الواضح الآن بأن الحسم العسكري والضربات الاستباقية لا تصنع عالما جديدا، فهذا ما أكدته تجربة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فلقد عادت الطالبان للقتال بقوة في أفغانستان مستغلة الأخطاء الأمريكية وفساد بعض الأطراف التي شكلت الحكومة الأفغانية الجديدة، والعراق انفجر قتالا وحربا بعد حل الجيش العراقي وأجهزة الأمن العراقية عام ٢٠٠٣. وعندما يلتئم العراق ستكون قدرات الولايات المتحدة على التحكم بشؤونه محدودة، وإيران هي الأخرى تحولت لقوة سياسية وعسكرية وذلك بفضل تدمير أهم منافسيها على حدودها( صدام والطالبان)، كما أن حرب ٢٠٠٦ بين إسرائيل وحزب الله ثم حرب غزة في ٢٠٠٩ أكدت أن  القوة العسكرية الإسرائيلية لا تستطيع حسم جميع المعارك.
وبينما ننتظر من الرئيس أوباما تغييرا، خاصة انه يعرف  الكثير عن المسألة الفلسطينية،  إلا انه في التاريخ المديد بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي لم يتغير المنطق الأمريكي المنحاز.  فقد دعمت الولايات المتحدة شاه إيران ضد الرئيس الشعبي الوطني مصدق، لكنها انتهت بثورة الخميني الإسلامية، ودعمت الولايات المتحدة إسرائيل ضد القومية العربية وعبد الناصر فانتهت بالحركات الأصولية المعادلة للغرب، ودعمت الولايات المتحدة قيام إسرائيل بغزو لبنان عام ١٩٨٢ فانتهت بحزب الله في جنوب لبنان. ودعمت المجاهدين الأفغان ومجموعات بن لادن ضد الاتحاد السوفييتي فانتهت بالطالبان والقاعدة وأحداث الحادي عشر من سبتمبر،  كما أنها أعاقت، في أوج دعوتها الديمقراطية في الشرق الأوسط في زمن الرئيس بوش، حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المنتخبة برئاسة حماس فانتهى الأمر بسيطرة حماس على غزة. لائحة  قصر النظر الأمريكية طويلة، رغم أننا نستطيع أن نستثني منها حرب تحرير الكويت ١٩٩٠ وبضعة مواقف صلبة ذات طابع مؤقت ضد الاستيطان الإسرائيلي أو لصالح حقوق الإنسان في العالم الإسلامي.
لقد أصبح العالم الذي تعيشه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عالم سريالي مليئا بالتناقضات والحروب والخسائر المالية والبشرية والسياسية. أصبح السؤال : إلى أين تسير الدولة الكبرى الأولى في العالم؟ هل تسير في ذات الطريق الذي سارت به من قبلها دول كبرى، وذلك من خلال تبديد مواردها في حروب واحتلالات؟ الدولة الكبرى في العالم تتعامل مع السياسة في الشرق الأوسط انطلاقا من هموم وحسابات  إسرائيلية أولا وذلك لأنها نتاج تأثيرات محلية وانتخابية. لكنها لا تتعامل مع بقية العالم كما هو الأمر في الشرق الأوسط. لقد أضاعت الولايات المتحدة العلاقة العربية الأمريكية في حمى الحسابات الضيقة وانتهى بنا الأمر إلى صدام اكبر كما هو حاصل في السنوات القليلة الماضية. على الولايات المتحدة أن تتحرر من هذا الضغط الداخلي أولا وذلك لكي تنجح في تحقيق تقدم في الشرق الأوسط. بدون صحوة حقيقة وتحرر من سيطرة أقلية صغيرة على مجرى السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط لن يتغير شيء، بل ستزداد الأمور سوءا وسريالية وعنفا.
الأمريكيون في هذه الأيام بالتحديد أكثر استعدادا للاستماع. ففي سلسلة محاضرات لي في مدن أمريكية مختلفة على فترات مختلفة في الشهور القليلة الماضية حول أوضاع الشرق الأوسط والمسألة الفلسطينية بدأت أرى عالما أكثر تساؤلا عن العلاقة مع العالم الإسلامي والعربي. فوجئت على سبيل المثال في مدينتي دينفير وبولدر في ولاية كولورادو بالأعداد الضخمة المكونة من مئات الحاضرين التي جاءت للاستماع عن ”العالم العربي على مفترق الطرق.“ التعطش الأمريكي للتساؤل يعكس الفراغ الذي يعيشه الشعب الأمريكي بعد حربي العراق و أفغانستان.
فبعد الحادي عشر من سبتمبر ساد الأمريكيون سؤال أساسي عن العرب: ”لماذا يكرهوننا،“ لكن السؤال بدأ يتراجع الآن أمام سيل من الأسئلة منها ”هل قامت السياسة الأمريكية بشيء يساهم في هذه الكراهية ؟“.   التيار العام في الولايات المتحدة لم يصل بعد للسؤال الأساسي عن دور إسرائيل في العنف بين الشرق والغرب.  ولكن عندما تعلن أمام جمهور أمريكي: ”لا حل عسكري في العراق لا حل عسكري في أفغانستان لا حل عسكري للصراع العربي الإسرائيلي ولا حل عسكري للازمة مع إيران، بل إن الحل الوحيد هو الحل العادل الذي ينطلق من حقوق الإنسان والمساواة بين الشعوب وحق تقرير المصير“، تشعر بمدى تجاوب الأمريكيين مع منطق ناقد لسياساتهم الخارجية تجاه الشرق الأوسط.
وفي إحدى الندوات أكدت متحدثة:  ”منذ خمس سنوات كنت من اشد المؤيدين لإسرائيل، لكن الأمر اختلف الآن“. سألتها: ”ما الذي تغير؟“ فقالت: ”الحرب في العراق وفي أفغانستان وجنوب لبنان وحرب غزة جعلتني أتساءل عن صحة تدخلنا ودقة موقفنا، لقد انتخبت الرئيس بوش في السابق والآن أوباما باحثة عن التغيير. لم أكن اعرف في السابق أن إسرائيل تضطهد شعبا أخر، كنت اعتقد أن هذه الأقوال دعاية عربية معادية لليهود وللسامية، والآن اكتشف ان الأمر ليس كذلك، وان إسرائيل تضطهد شعبا آخر .“
كان الأمريكيون على الصعيد الرسمي كما والشعبي في زمن الحرب الباردة مقتنعين بان إسرائيل تقوم بدور أساسي في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وفي هذا القول بعض من الصحة، لكن الأمر اختلف الآن، فالولايات المتحدة تقاتل في كل مكان في الشرق الأوسط نيابة عن إسرائيل بأكثر مما هو نيابة عن الولايات المتحدة ومصالحها.  وقد تنجر الولايات المتحدة لمواجهة مع إيران أيضا نيابة عن إسرائيل وهذا سيؤدي لكوارث في العلاقة بين العالمين الإسلامي والغربي.
التغيرات الأمريكية عديدة، فهناك نمو في الجمعيات الأمريكية واليهودية ( منها J street اليهودية) التي تعي خطورة استمرار الاحتلال في فلسطين والتي تعي خطورة ابتلاع القدس.  في ندوة علنية حاشدة وقفت مواطنة إسرائيلية من مؤيدي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني تشرح كم تعاني من الملاحقة في إسرائيل لأنها تقول برأي آخر.  هناك بداية وعي بأن مصلحة الولايات المتحدة لم تعد تتطابق مع مصلحة إسرائيل، وان مصلحة إسرائيل الرسمية لم تعد تتطابق وعقلية الاستيطان ومصادرة القدس.
إسرائيل مكونة اليوم ، في ظل حكومة نتنياهو، من مجموعة من المتعصبين المغامرين الساعين لجر دولة كبرى إلى نهاية عالمها. إذ يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي نمط من الإسرائيليين ممن يسعون لاستيطان مزيد من الأرض لأنهم يشعرون بأن إسرائيل تقف على مساحات ضيقة وأراضي قليلة. ولا يختلف رئيس الوزراء نتنياهو عن غيره من الإسرائيليين الذين لا زالوا ينطلقون من مبدأ التوسع على حساب العرب. ليس هذا بالأمر الجديد، إذ يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي  نتنياهو استمرارا للعقيدة الصهيونية التي تؤمن بأن مشروعها مشروع اقتحام واستيطان. إن نتنياهو لا يرى فارقا بين  الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٤٨ وتلك التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٦٧،  وهو لا يرى أيضا فارقا بين القدس الشرقية التي احتلت عام ١٩٦٧ والقدس الغربية التي احتلت عام ١٩٤٨. فهذه العقلية هي أساس الفكرة الصهيونية منذ بداياتها ومنذ نشوء دولة إسرائيل في قلب فلسطين وعلى حساب الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين. فالذي يبرر اخذ الأرض عام ١٩٤٨حيث لم يمتلك اليهود منها أكثر من ٦٪  يبرر اليوم قضم ما تبقى من فلسطين والقدس والجولان.
وبينما يزداد الصراع حدة على ارض فلسطين، تزداد حكومة نتنياهو انحدارا نحو اليمين. إن المغالاة ستكون صفة ملازمة للسياسة الإسرائيلية في المرحلة القادمة. لكن هذا لا يعني أن كل الإسرائيليين يرون الواقع من خلال هذا المنظار، هناك قوى أخرى في إسرائيل ترى حدود مشروعها الصهيوني، لكن نمو هذه القوى ودورها معطل حتى الآن في ظل هيمنة اليمين واستفحاله.
إن تغير العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم العربي والإسلامي يتطلب  تغير قواعد اللعبة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي في ظل سعي أمريكي للتحرر من الانحياز لإسرائيل.  إن  جوهر التغير يبدأ في فلسطين، فهي النقطة المركزية التي سببت الانقطاع الثقافي والمعنوي بين العالمين وهي التي وضعت الولايات المتحدة في كفة والعالم  العربي والإسلامي في كفة أخرى وهي المسؤولة عن سيطرة الديكتاتورية في العالم العربي.  إن انسحاب الولايات المتحدة من حالة الصدام مع العالم العربي والإسلامي لن يكون ممكنا بلا حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وانسحاب إسرائيل والمستوطنين، وتأمين حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.   كما ويجب أن يتضمن الحل انسحابا من الجولان السورية وتسوية مشرفة مع إيران وبقية العالم العربي. إن حل كهذا لن يكون ممكنا بلا تحرر أمريكي من سطوة الانحياز والضغط الانتخابي الداخلي الذي يرهق الولايات المتحدة ويزيد من جراحها ويحملها ما لا طاقة لها به. إن  إسرائيل بوضعها الراهن عبئ كبير على السياسة الأمريكية وعلى الأمن العالمي.
© منبر الحرية ، 16 ماي /أيار2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

مازال الرئيس الأمريكي السابق بوش يدافع عن تركة وحصيلة رئاسته والتي دامت ولايتين رئاسيتين متمتعا بالجرأة والتحدي حتى آخر لحظة. إذ قال في مراسيم احتفال  في قاعدة ماير آرلنغتون العسكرية في فرجينيا: “إن القرارات التي اتخذتُها بصفتي قائدكم الأعلى لم تكن محببة دائما لدى عموم الناس، ولكن القضية التي خدمتموها كانت دائما عادلة ً وصحيحة .”
مرة أخرى، يُظهِر الرئيس المنتهية ولايته براعته في استخدام شجاعة الجيش الأمريكي ليصرِف َ الانتباه عن سياساته الكارثية، إبتداءا من العراق وانتهاءً  بأفغانستان.
ما برِح الرئيس السابق يكرر بلا هوادة، ولسنوات عديدة، كيف أصبحنا –نحن الأمريكيون- “أكثر أمنا” منذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والحمد والشكر لقيادته. ولكن الخبراء العسكريين، وكبار ضباط المخابرات، والدبلوماسيين يتفقون على أن تَمسّكْ الرئيس بوش بالبقاء في العراق لم يجعلنا أكثر أمنا.
على الرغم من كل المكاسب التي جنيناها من ذلك “الاندفاع”، إن الحرب على العراق خلقت جيلا جديدا من الناشطين الإرهابيين، مما يزيد عدد الجهاديين العالميين، ورقعة انتشارهم الجغرافية على حد سواء. كما أنها عمقت من انعدام الثقة بأمريكا في شتى أنحاء العالم، حتى وإن نظر رؤساؤنا إلى أنفسهم، وبقناعة تامة، على أنهم خيّرين. كان هدف أسامة بن لادن هو إثارة الولايات المتحدة واستفزازها لتقوم بهجوم مفرط وغير واضح المعالم ضد العالم الإسلامي. وكان له ما أراد حيث كانت سياسة إدارة بوش في العراق لعبة في يديه.
أما الأسوأ من قيام بوش بتوحيد أعداءنا، فهو تشتيت صفوف أصدقائنا. ففي الخارج، أدى وَلعُ القائد الأعلى بخطاباته البلاغية العصماء، التي تنادي بشعار “نحن مقابل الآخرين”، إلى قيامه بتوبيخ حلفاءنا المحتملين، وعدم الإصغاء إلى جميع الأصوات المحذّرَة. بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بأيام، أصدر حلف الناتو وروسيا بيانا مشتركا لدعم الحرب الأمريكية على الراديكالية الإسلامية. حتى إيران عرضت تقديم مساعدة البحث والإنقاذ إذا ما أصيب الطيارون الأمريكيون وأسقطوا فوق أفغانستان. أما في أيام إدارته الأخيرة، حتى حلفاء أمريكا في حلف الناتو قد انقسموا حول التزام قواتهم بمهمة اعتبروا أن بوش قد أساء إدارتها. كما يحذّر الخبراء من نشوء حرب القرن الحادي والعشرين الباردة مع روسيا. والأسوأ من ذلك، فقد انتشر تأثير قيادة طهران الدينية في منطقة الشرق الأوسط، والفضل في ذلك يعود إلى قيام بوش بإزالة القوة الموازِنة الإستراتيجية الرئيسية لذلك البلد، ألا وهي صدام حسين.
كما أن جانبا آخر من مزاعم بوش بعالم “أكثر أمنا” منذ الحادي عشر سبتمبر (أيلول)، قد تقوّض على يد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال بيتر بايس. ففي عام 2007 أكد بايس، في تقرير سرّي إلى الكونغرس، أن أعباء العمليات في العراق وأفغانستان قد تمنع أمريكا من الاستجابة الكاملة لأية أزمة عالمية. وبوجود جيش منتشر على مسافات مترامية، ونقص في كوادر الاستجابة السريعة هنا في داخل أمريكا، وقدرة منهكة في التصدي للتهديدات العالمية، من السهل جدا معرفة السبب وراء تأييد 27% فقط من الأمريكيين لطريقة بوش في إدارة السياسة الخارجية، حسب استطلاع صحيفة وول ستريت جيرنالوقناة  الأن بي سي في ديسمبر (كانون الأول) عام 2008.
لا شك أن غزو العراق سيُذكر لأشياء عديدة، ليس أقلها شأنا الوثائق المزورة المتعلقة بكعكة اليورانيوم الصفراء النيجيرية، والمزاعم الخاطئة حول علاقة صدام بالقاعدة. ولكن الأكثر لعنة من أن يُذكر هو حماقة بوش الكبرى: رفضه النظر في تكاليف تشتيت انتباهنا ومواردنا العسكرية في العراق، بعيدا عن أفغانستان. ونتيجة لذلك، أصبحت المهمة في أفغانستان الآن في خطر، حيث تستمر الظروف الأمنية في ذلك الإقليم بالتدهور. أما التأثير العكسي الكامل لقرار بوش فقد لا نشعر بآثاره قبل سنوات.
كان عام 2008 العام الأكثر فتكا وهلاكا بالنسبة للقوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في أفغانستان. أما طالبان، فبالرغم من تفشي الانقسامات الداخلية فيها، فلديها الآن حضور بارز في العديد من المحافظات الجنوبية والشرقية للبلد. وبعض هذه المحافظات الآن مناطق محظورة على قوات التحالف. ونتيجة لضغوطات وارتباكات في القوة، لم يعد الـ 70.000 مقاتلا أمريكيا ولا جنود حلف الناتو، يكفون لمنع المسلحين من اختراق المناطق التي تمت تصفيتها وتطهيرها سابقا.
والأسوأ من ذلك أن بعض المقاتلين الذي يعملون عبر الحدود مع باكستان ذات الأسلحة النووية قد بدأوا بمهاجمة شاحنات إمدادات حلف الناتو المتجهة إلى أفغانستان المغلقة. ففي الشهر الماضي، أحرق مسلحون 160 شاحنة كانت تروم قوات التحالف قرب بيشاور في باكستان، وهي المركز الإداري للمناطق القبلية وعاصمة المحافظة الحدودية الشمالية الغربية. وقد خلقت هذه البيئة المتدهورة على طول الحدود الأفغانية – الباكستانية بيئة مثالية لانتعاش القاعدة وطالبان. فقد انتعش تهديد القاعدة، الذي وصل إلى حافة الهزيمة عام 2002، وقد وصل الآن إلى مستوى مخيف. إن هذا التطور لم يجعل أمريكا “أكثر أمنا” دون شك.
يستحق الرئيس بوش أن يُذكر لسوء تقديراته الإستراتيجية في تشتيت حملتنا العسكرية بعيدا عن هؤلاء الذين هاجمونا في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، نحو غزو بلد لم يهاجمنا، وبفعله هذا، لم يترك البلد أكثر أمنا من السابق.
© منبر الحرية ، 6 ماي /أيار2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي نمط من الإسرائيليين ممن يسعون لاستيطان مزيد من الأرض لأنهم يشعرون بأن إسرائيل تقف على مساحات ضيقة وأراضي قليلة. ولا يختلف رئيس الوزراء نتنياهو عن غيره من الإسرائيليين الذين لا زالوا ينطلقون من مبدأ التوسع على حساب العرب. ليس هذا بالأمر الجديد، إذ يمثل رئيس الوزراء الإسرائيلي  نتنياهو استمرارا للعقيدة الصهيونية التي تؤمن بأن مشروعها مشروع اقتحام واستيطان. إن نتنياهو لا يرى فارقا بين  الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٤٨ وتلك التي تم الاستيلاء عليها بالقوة عام ١٩٦٧،  وهو لا يرى أيضا فارقا بين القدس الشرقية التي احتلت عام ١٩٦٧ والقدس الغربية التي احتلت عام ١٩٤٨. فهذه العقلية هي أساس الفكرة الصهيونية منذ بداياتها ومنذ نشوء دولة إسرائيل في قلب فلسطين وعلى حساب الفلسطينيين سكان البلاد الأصليين. فالذي يبرر اخذ الأرض عام ١٩٤٨حيث لم يمتلك اليهود منها أكثر من ٦٪  يبرر اليوم قضم ما تبقى من فلسطين والقدس والجولان.
ولكن العقدة التي يواجهها الليكود على الأخص والأحزاب اليمينية في إسرائيل مرتبطة بحقيقة وجود شعب عربي صار له ألوف السنين يقطن تلك الأرض ويزرعها ويبني فيها ويدافع عنها. مشكلة الصهيونية كانت ولازالت في مقاومة سكان البلاد الأصليين لمشروعها، بالإضافة للتحديات القانونية والدولية التي حالت حتى الآن دون مقدرتها ابتلاع كل الأرض وطرد كل السكان. لازال الصراع مفتوحا حتى اليوم بين ملايين الفلسطينيين والعرب وبين ملايين الإسرائيليين من دعاة التوسع.
إن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي القبول بدولة فلسطينية ليس إعلانا صادقا. ففي أسلوب رئيس الوزراء الإسرائيلي الكثير من المناورة لتحقيق المكاسب، وفي  أفكاره  قناعة بأن السلام غير ممكن في الشرق الأوسط، فهو يؤمن بسلام مفروض أو هدنة طويلة تمهد لمزيد من الاستيطان.
إن سياسة نتنياهو تتلخص الآن في كسب الوقت لأطول مدة ممكنة بينما يقوم بفرض الوقائع الجديدة في القدس والضفة الغربية، انه ينتظر بلا مواربة الفرص التي قد تأتي مع تضييق حرية الحركة الداخلية والخارجية على الرئيس الأمريكي اوباما. ربما ينتظر نتنياهو حالة حرب جديدة ليحسم الأمر مع إيران وحزب الله وحماس وليسعى لطرد السكان من الضفة الغربية والقدس. لكن التاريخ يؤكد بأن هذه الحلول تنتج وقائع مشوهة غير متوقعة وان الاستفراد الإسرائيلي في الشرق الأوسط ولى عهده وان قدرات العرب بتنوعهم وإيران رغم اختلافها أصبحت اكبر من الخطط الإسرائيلية.
إن مشكلة الشعب الفلسطيني الأهم هي في التواجه مع جماعة تؤمن بأساطير دينية تقوم على ارض الميعاد لتحقيق مكاسب سياسية تقوم على اضطهاد من يختلفون عنها عرقيا أو دينيا أو قوميا. فإسرائيل قامت أساسا على أساطير دينية، ومعها جاءت حروب وانتهاكات وكوراث عمت العالم العربي كله. إن التمدد جزء من عقيدة الصهيونية، والعنصرية تجاه الغير جزء من تفكير الدولة الإسرائيلية حتى اليوم، كما وان البقاء في الأرض واستيطانها أساسي لنجاح الحركة الصهيونية.
إن العودة نحو  طريق الحل السلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون من أصعب الاحتمالات، فكيف تتعامل إسرائيل مع وجود نصف مليون مستوطن في القدس والأراضي المحتلة في الضفة الغربية؟ فأي حل سلمي سينجح في سحب المستوطنين من الضفة الغربية والقدس؟  من الذي سيفرض على نتنياهو حلا يضمن انسحاب المستوطنات وتأمين انسحاب من القدس وفرض نهاية للمشروع الصهيوني بصورته العنصرية والتوسعية؟   لقد ابتلعت إسرائيل الأرض من خلال الاستيطان، وهي عاجزة في المدى المنظور عن الاعتراف للشعب الفلسطيني بالحقوق والمساواة والعدالة.   لهذا فإن استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني في ظل السعي لبناء موقف عربي ناضج يسعى لفرض تغير في المعادلات يمثل أمرا أساسيا لإنجاح آفاق الحل الشامل.
من جهة أخرى لن يقع تقدم باتجاه سلام حقيقي بلا وعي أمريكي بأن الصراع العربي الإسرائيلي والانحياز الأمريكي الحاسم تجاه إسرائيل هو احد أهم  الأسباب التي تجعل العالم الإسلامي في صراع مفتوح مع الولايات المتحدة.   إن التداخل الكبير بين السياسة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية هو الذي يجب أن يتغير وهو الذي يجب أن يتحدد وإلا دخل الشرق والغرب في كوارث لا حدود لمخاطرها. إن الحرب على الإرهاب التي تسعى الولايات المتحدة لمواجهتها لن تهدأ بلا حل صائب وعادل للقضية الفلسطينية.  إذا لم تعي الولايات المتحدة هذا في الزمن القريب، وإذا لم تعي أن إسرائيل تحولت لعبئ عليها،  فستجد أنها في مستنقع أكثر صعوبة في أفغانستان والعراق واليمن وبؤر أخرى في العالم.
© منبر الحرية ، 4 ماي /أيار2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن احتكام الولايات المتحدة الأمريكية للمصالح الإسرائيلية أصبح مع الوقت احد أهم مسببات العنف الإسلامي /العربي الأمريكي. وقد أصبح من الضروري بل من الحتمي أن تناقش هذه المسألة بوضوح من قبل أصدقاء الولايات المتحدة قبل أعداءها ومن قبل حلفاءها قبل خصومها. إن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في العشر السنوات الأخيرة أصبحت تهدد بمزيد من التوتر في العلاقة بين العالم الإسلامي والعربي من جهة و الولايات المتحدة من جهة أخرى. والسبب واضح في هذا، فالسلاح الذي يقتل به العرب في الأراضي المحتلة هو سلاح أمريكي، والمتفجرات التي تلقى فوق مناطق عربية وفلسطينية هي أمريكية، والمستوطنات التي تبنى في المناطق العربية وفي القدس تتم بأموال أمريكية تصل لعشرات المليارات، كما أن الولايات المتحدة ساهمت بحماية إسرائيل سياسيا على الصعيد الدولي من خلال حق النقض الفيتو. إن مجموع الفيتو الذي مارسته الولايات المتحدة منذ السبعينات حتى اليوم لحماية إسرائيل في مجلس الأمن يساوي مجموع  ما استخدم من حق النقض الفيتو من قبل بقية الدول من الأعضاء الدائمين.  و يصعب على العالم العربي التظاهر بأن كل هذا لم يقع.
إن هذا الوضع يثير تساؤلات كبرى  حول حيادية  الدولة الكبرى الأولى في العالم، كما يثير التساؤلات عن مدى مقدرتها اتخاذ خط سير مستقل عن إسرائيل. والمشكلة الأخطر في الموقف أن الولايات المتحدة لا تساعد إسرائيل الآن للدفاع عن وجودها أو حماية أمنها الوطني أو استقلالها بل تساعد إسرائيل أساسا( بوعي أم بغير وعي) في قمع الفلسطينيين وتمكين إسرائيل من البقاء في الضفة وفي القدس والجولان.
حتى الآن يصعب أن نشرح لشاب  تحت الاحتلال أو للشعوب العربية التي تشاهد كيف تستباح القدس انه يوجد فارق كبير بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. بينما يعي أفراد مثلي الفارق في أمور كثيرة وعديدة، إلا أن الصورة العامة للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين ترى في الولايات المتحدة منفذا لرغبات إسرائيل.   ألا تذهب الأموال الأمريكية بصورة أو بأخرى إلى المستوطنات في القدس والضفة الغربية كما تذهب الأموال العربية والمسلمة إلى المقاتلين في القاعدة؟ وهل هناك فارق حقيقي بين الاثنين. فهذا يقتل المدنيين ويعتدي عليهم وذاك يفعل نفس الشيء بحق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين؟.
وبينما توجد قوانين واضحة لمنع وصول الأموال العربية الإسلامية إلى القاعدة وإلى الطالبان ، إلا انه لا يوجد جهد دولي قانوني عالمي لمنع وصول أموال الولايات المتحدة إلى المستوطنين في القدس وحولها وفي الضفة الغربية والجولان.   أليس صحيحا أن الكثير من الجمعيات الخيرية الأمريكية أكانت مسيحية أم يهودية تقوم بأعمال تبرعات كبرى تنتهي بمستوطنات القدس والخليل ونابلس؟
ثم نتساءل عن إيران والنووي الإيراني ثم النووي الإسرائيلي. أليس صحيحا أن الرئيس الأمريكي جونسون عندما علم عام ١٩٦٩ بالبرنامج الإسرائيلي النووي من رئيس المخابرات المركزية الأمريكية قال له “ بأن لا يعلم احد انه يعلم بالأمر وذلك ليتفادى القيام بأي جهد لإيقاف البرنامج”.   إن استمرار هذا المنهج اليوم كما في السابق يعود ويؤكد للعالم العربي  والإسلامي أن المنطق في النهاية هو للأقوى وليس للاحق. لكن لمنطق القوة حدود.
إن تأسيس عالم إسلامي وعربي اقل عنفا واقل كرها للسياسة الأمريكية سيتطلب ابتعادا أمريكيا عن تسليح إسرائيل وعسكرتها حتى النهاية، سوف يعني هذا سياسة أمريكية جديدة توقف تدفق المليارات من الدولارات العلنية والسرية التي تنتهي في مستوطنات تؤسس لحروب ومواجهات لا نهاية لها بين إسرائيل والعالم الإسلامي.  إن الإدانة اللفظية الأمريكية للاستيطان ستؤدي في النهاية إلى جعل الدولة اليهودية خطر على نفسها وعلي الولايات المتحدة. من هنا تنبع أهمية الرئيس اوباما وإمكانية أن يكون قادرا على تغير المسار.  لقد تحولت إسرائيل لعبئ كبير على الولايات المتحدة، كما أن الالتزام الأمريكي بإبقاء إسرائيل متفوقة على مجموع الدول العربية المحيطة بها بينما تقوم إسرائيل بالاعتداء على محيطها لن يساهم في السلام العالمي والإقليمي. هذه سياسات  ستقوي القاعدة، كما أنها تقوي إيران أو حماس بل على العكس ستضعف كل الوسطيين العرب.
ويبقى عالمنا حتى الآن عالم غير عادل، ولهذا يصعب أن ينتهي فيه العنف.  إن الولايات المتحدة التي تقاتل في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى تزيد العداء لها في العالم الإسلامي والعربي بسبب دفاعها الأعمى عن إسرائيل التي لا تواجه خطرا.   إن انسحاب الولايات المتحدة من الصدام مع العالم العربي والإسلامي لن يكون ممكنا بلا حل القضية الفلسطينية حلا عادلا  يتضمن القدس وانسحاب إسرائيل والمستوطنين، وحل عادل لقضية اللاجئين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة،  كما ويتضمن انسحابا من الجولان السورية. إن حل كهذا لن يكون ممكنا بلا تحرر أمريكي من سطوة اللوبي الداخلي الذي يرهق الولايات المتحدة ويوجهها كما يريد. إن  إسرائيل بوضعها الراهن عبئ على السياسة الأمريكية.
© منبر الحرية ، 29أبريل /نيسان2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

منذ انهيار الحرب الباردة بعد سقوط المعسكر الاشتراكي في العقد الأخير من القرن الماضي، وصعود ما يعرف بالعالم الجديد، ينحكم العالم، في مجمله، إلى السياسة الأمريكية وحراكها في كل مكان، بحيث ينعكس هذا الحراك في كل خطوة أميركية، سواء أكانت ذات اتجاه سلبي أم ايجابي. هذا الواقع يجعل العالم، دائما، مشدودا إلى الرئاسة الأمريكية، ومن سيكون على رأسها، وهو الواقع نفسه الذي يدفع العالم إلى تقويم دوري لهذه السياسة في عهد هذا الرئيس أو ذاك، وهو أمر لا يحظى به أي رئيس آخر في أي بلد في العالم. لذا اكتسب، ولا يزال، الرئيس الأمريكي أوباما، في العام الأول على عهده، اهتماما استثنائيا في التقويم، وتعيين الايجابيات والسلبيات في هذه الفترة الزمنية، التي تؤشر عادة إلى مسار السنوات اللاحقة من عهده.
يرتبط التقويم لعهد أوباما الأول بالآمال أو الأوهام التي علقت على سياسته التغييرية الموعودة، في الداخل الأمريكي وفي الخارج العالمي. من الطبيعي أن تشكل هذه “الآمال” قياس النجاح والفشل، وتدفع إلى استعادة الثوابت الأمريكية. ترافقت حملة ترشيح أوباما مع وعود التغيير والخروج من المشكلات التي زج الرئيس بوش الولايات المتحدة بها. كان شعار التغيير تعبيرا عن حاجة موضوعية، في الداخل الأمريكي والخارج أيضا، وهو تغيير يفرضه حجم المشكلات البنيوية في الاقتصاد الأمريكي وحاجات المواطن، من مثل مشكلات البطالة والانكماش الاقتصادي وقانون الحماية الصحية.. وغيرها من المعضلات السائدة. أما خارجيا، فتنتصب في وجه الولايات المتحدة مسائل الحرب والسلم التي “تغرق” الولايات المتحدة في وحولها، من قبيل الحرب في أفغانستان والعراق، أو من قبيل التدخل في الصراع العربي الإسرائيلي ومشكلات البرنامج النووي الإيراني، وغيرها من القضايا المتصلة بصلب السياسة الأمريكية خارجيا. وهي جميعها معضلات، كان المجتمع الأمريكي والعالم الخارجي، يشكوان من سياسة الرئيس السابق في التعايش معها.
في خطابه عن “حال الاتحاد” الفيدرالي، يعترف الرئيس أوباما ببعض ما واجهه عهده حين يقول :”كانت حملتي الانتخابية مبنية على وعد التغيير، وشعار التغيير الذي يمكن أن نؤمن به .. والآن أنا أدرك أن هناك العديد من الأمريكيين ليسوا واثقين من أننا نستطيع أن نتغير أو نحقق التغيير.. حكومتنا تعرضت لبعض النكسات السياسية هذه السنة، وبعضها استحققناها..”. وهي اعترافات تخاطب المواطن الأمريكي بشكل أساسي، فيما تستوجب شعارات التغيير في السياسة الخارجية نظرة مدققة إلى ما يدخل في الثوابت الأمريكية التي تحكم كل عهد، أكان ديمقراطيا أم جمهوريا، والبناء على هذه الثوابت في رؤية الحقائق والأوهام التي علقت  على مشجبها آمال الكثير من القوى السياسية في العالم العربي، الرسمية وغير الرسمية. يكاد جميع القارئين بموضوعية لعهد أوباما الإقرار بالفشل أو المراوحة في مواجهة الملفات المتصلة بسياسة السلم أو الحرب في الشرق الأوسط، وهي معضلات تتناول الصراع العربي الإسرائيلي، الحرب في العراق، الملف النووي الإيراني، الحرب في أفغانستان، مكافحة الإرهاب… وغيرها الكثير، حيث لم تقدم السياسة الخارجية الأمريكية حلولا متقدمة للحد الأدنى من هذه المعضلات.
خلافا للأوهام التي علقت على التغيير في السياسة الأمريكية في الشرقالأوسط وسعيها لإيجاد حلول”عادلة”، ظلت سياسة أوباما ملتزمة ثوابت أميركية تعود إلى عقود من الزمن تتصل بقضيتين مركزيتين هما : حماية نفط الخليج وتأمين سلامة إنتاجه وتصديره إلى الخارج، وتثبيت مواقع الشركات الأمريكية في هذا المجال، والثاني التزام امن إسرائيل وحماية موقعها ومنع قيام تسويات على حساب مصالحها، ودوام تفوقها وهيمنتها على العالم العربي المحيط بها. في ضوء هاتين الثابتتين نقرأ ما تحقق على صعيد السياسة الأمريكية الخارجية لعهد أوباما. في الجانب الأول، وتحت حجة مكافحة الإرهاب، تسعى السياسة الخارجية إلى توظيف السياسات العربية، بل وتوجيهها، لجعل هذا الموضوع في رأس اهتماماتها، من دون أن تعالج الأسباب الموضوعية التي تجعل من العالم العربي أرضا خصبة لازدهار هذا الإرهاب. ونظرا للثقة الضعيفة بقدرة هذه الأنظمة على مواجهة هذا الملف، تحتل سياسة الوجود الأمريكي العسكري المباشر في أكثر من منطقة عربية أولوية حاسمة تجعل الولايات المتحدة قادرة على التدخل الفوري لمنع حصول أي خلل يؤثر على امن النفط في المنطقة، وهو موضوع لم يرد في خطابات أوباما أي وعد بانسحاب وخروج الجيوش الأمريكية من المنطقة. أما في الصراع العربي الإسرائيلي، فخلافا لكثير من الأوهام “الساذجة” حول تغيير أميركي لصالح إيجاد حل يعطي العرب والفلسطينيين حدا من الحقوق المشروعة، تراجعت السياسة الأمريكية عن الوعود، والتزمت سياسة إسرائيلية بالكامل، لا تقل في فجاجتها عن سياسة الرئيس بوش لجهة الانحياز المطلق للسياسة الإسرائيلية، برز في الموقف من الاستيطان الصهيوني والطلب إلى الفلسطينيين تقديم التنازلات، وبلغ أوج تعبيره في تجاهل الرئيس أوباما لموضوع الصراع العربي الإسرائيلي في خطابه عن حال الاتحاد.
مقابل هذه الثوابت الأمريكية خارجيا، تجب رؤية الثوابت التي تتحكم بالقرار الأمريكي وسياسة الإدارة الأمريكية. عل رغم الصلاحيات الواسعة للرئيس الأمريكي، إلا أن عوامل “خفية” تمثلها قوى مقررة تفرض نفسها على كل رئيس أميركي، من هذه الثوابت المؤسسات المتمثلة بالمجمعات الصناعية والعسكرية التي تحتاج إلى “مدى حيوي” لإنتاجها، وتصريف مخزونها تمهيدا لتجديده في ضوء ما استجد من تقنيات جديدة. من هنا، وخلافا لما يعتقده كثيرون، تبدو الحاجة إلى الحروب خارج الولايات المتحدة حاجة ضرورية وماسة لهذه المؤسسات، في وصفها شرطا لتطورها واستمرار تفوقها التقني على سائر الدول. لا تهتم السياسة الخارجية الأمريكية بحلول السلم في الغالب، بمقدار انشدادها إلى “حروب صغيرة” تساهم في تطوير وتجديد الصناعة العسكرية الأمريكية. أما القوى الأخرى المقررة للسياسة الأمريكية الخارجية، فهي الشركات الأمريكية العابرة للقارات والتي تشكل أخطبوطا حقيقيا يتحكم اليوم في الكثير من مصائر الشعوب. تقتضي مصالح هذه الشركات تحكما بالبنى السياسية للكثير من الأنظمة، وإقامة سلطات سياسية متوافقة مع مصالحها، وهي أمور تفسر الكثير من الانقلابات العسكرية أو التمردات التي تقف الشركات الأمريكية وراءها في أكثر من مكان في العالم العربي وسائر مناطق العالم.
لا تهدف هذه المقاربة إلى نعي أي إمكانية في تعديل السياسة الأمريكية عربيا، بمقدار ما تشير إلى أن العرب في إمكانهم التأثير على هذه السياسة والحد من انحيازها لصالح العدو القومي، وهو أمر ينجم عن مصادر القوة التي يملكها العرب، خصوصا منها المواقع المالية التي تلعب دورا في استقرار ما للسياسة العالمية عبر الأرصدة الموظفة في الخارج، أو من خلال النفط العربي الذي يظل يشكل نقطة القوة الأهم. لكن ذلك يستوجب سياسة عربية مختلفة وتضامنا على الحد الأدنى من هذه المصالح العربية.
© منبر الحرية ، 27أبريل /نيسان2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

يفتقد العرب للأسف للقدرة على تحويل التحديات إلى فرص والاستفادة منها لتحويلها أيضا إلى مغانم، على عكس كل من إسرائيل وإيران، اللتان تتقنان فن التملّص من الالتزامات والمراوغة، والاهم من ذلك تحويل التحديات إلى فرص ومكاسب بيّنة.
وربما يعود ذلك إلى عدم وجود دولة عربية قائدة، والى الافتقار لسياسة خارجية قوية وفعّالة تعرّف الصديق والعدوّ والحليف والخصم والمنافس والمهدد، والى غياب التصور الواضح لقدراتنا الذاتية من جهة ولطبيعة دورنا إضافة إلى افتقارنا الشديد لتصور موضوعي واضح عن مدى قدرات “الآخر” دون التهوين أو التضخيم من شأنه.
من الواضح أنّ إسرائيل تعاني مؤخرا وفي موقف حرج جدا على المستوى الدولي في مواجهة الدفع باتجاه تحقيق عملية سلام فعّالة. ونحتاج إلى أن نكمل الطوق عليها بما استطعنا من وسائل وأدوات ولا ندعها تفلت منها، وهي تعرف أنّها باتت في موقع لا يحتمل وتسعى للتفلّت من هذا الوضع إما بشن حرب ما وإمّا بخطوة تعيد خلط كل الأوراق. وللأسف في الوقت الذي ندعو فيه إلى تحقيق هذا، هناك بعض الأطراف التي توفّر بخطواتها الرعناء، لأجندات خارجية أو لخطأ في الحسابات -إذا أحسنّا الظن بها- المنفذ الذي تحتاجه إسرائيل للهروب إلى الأمام وآخرها قضية صواريخ “سكود” المستجدة في لبنان.
لا شك أنّ الملف النووي الإيراني بات يثير مخاوف العديد من القوى الدولية والإقليمية في ظل التطور الحاصل فيه من جهة، وفي ظل عدم الشفافية الإيرانية حول النوايا الحقيقة من الوصول به إلى هذا المستوى. وتعدّ العقوبات الوسيلة الوحيدة المتوافرة إلى الآن في وجه التصعيد الإيراني، وكما قال الرئيس أوباما في قمّة الأمن النووي، فالمأمول  أن تجعل العقوبات تكاليف الاستمرار في البرنامج النووي أكبر بكثير من الفوائد التي يمكن جنيها. لكنّ الملاحظ أنّ مسالة العقوبات تحتاج إلى جهد كبير والى إجماع دولي وإقليمي في التنفيذ حتى تحقق الفعاليّة المرجوّة منها، وهنا بالذات تتوافر عناصر دور عربي فاعل.
الولايات المتّحدة بحاجة إلى إقناع ثلاث جهات أساسية بضرورة تطبيق عقوبات قاسية (وذات أظافر) لمواجهة التصعيد الإيراني ولمعاقبتها على تجاهلها المجتمع الدولي وازدرائها لقرارات مجلس الأمن السابقة، وذلك بعد أن ضمنت الموقف الروسي عبر مساومات طويلة:
1- الصين: إذ تزوّد إيران الصين بحوالي 11%من وارداتها النفطية، كما تبلغ حجم التجارة الثنائية بينهم 23.3 مليار دولار، وهو الأمر الذي دفع الصين إلى أن تحتل صدارة قائمة شركاء إيران التجاريين في شهر آذار الماضي وتنتزعها من الإتحاد الأوروبي. إضافة إلى الاستثمارات الصينية الضخمة في قطاع الطاقة الإيراني وآخرها اتفاق بقيمة حوالي 5 مليارات دولار في نهاية العام 2009 لتطوير المنطقة 11 من حقل “جنوب فارس” الغازي. ومخاوف الصين في الملف الإيراني تتعلق بالأمن الاقتصادي للبلاد وبأمن الطاقة أكثر من كونه موقفا أيديولوجيا.
2- الدول المجاورة لإيران: وخصوصا تركيا العضو غير الدائم في مجلس الأمن حاليا، واللاعب الجديد العائد إلى الساحة الإقليمية. فتركيا خامس اكبر شريك تجاري لإيران بعد الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا. وقد تجاوز حجم المبادلات التجارية بينهما العائم الفائت الـ 10 مليار دولار، كما أنّ أنقرة تعتمد بشكل كبير على موارد الطاقة الإيرانية من النفط والغاز الذي يصل إلى تركيا بواسطة أنبوب يحمل يوميا ما بين 18 إلى 25 مليار م3 من الغاز. وتخاف تركيا من أن تؤدي العقوبات إلى تقويض الاستقرار الإقليمي والإضرار بالعلاقات الثنائية المباشرة في الوقت الذي يتم فيه تجاهل مصالحها كما حصل سابقا في الملف العراقي خلال الحروب السابقة.
3- الدول الفاعلة: الهند والبرازيل ولديها مصالح مشتركة أيضا.
المفتاح الأساسي لدى كل هذه الأطراف يكمن في النفط والمال. والجهة الوحيدة القادرة على لعب دور قوي وفاعل ومؤثر في هذا المجال هي الدول العربية ولا سيما الخليجية التي تتمتع بالنفط والمال، بشرط أن يتم اللعب في هذا الإطار بمبدأ توزيع الأدوار المدروس ووفق خطة موحدة.
فالصينيون ليسوا أيديولوجيين، وتديرهم عقلية الربح والخسارة، ولديهم هامش واسع من المناورة، وتمتلك المملكة السعودية وهي أكبر مصدّر للنفط إلى الصين القدرة على إقناع بكيّن بالموافقة على العقوبات القاسية عن طريق سياسة التطمين و/أو الإغواء، وذلك عبر ضمان تعويض أي نقص من الممكن أن يطرأ على الواردات النفطية الصينية بسبب العقوبات المفترضة على إيران، وأيضا عبر إمكانية بيعها النفط بسعر أقل من ذلك الذي تعرضه إيران.
وباستطاعة الإمارات أيضا المساهمة بشكل حقيقي وفعّال في تطبيق العقوبات من خلال الرقابة الصارمة على التجارة الثنائية مع إيران التي بلغ حجمها حوالي 12 مليار دولار العام 2008، سيما وان دبي تعدّ المصدر الأول لعبور المواد الممنوعة إلى طهران عبر تجارة الترانزيت إلى جانب جهات أخرى مثل ماليزيا واندونيسيا والصين وهونغ كونغ.
كما تستطيع قطر على سبيل المثال تعويض تركيا أو مدّها بما يكفي من الغاز فيما يتعلق بالمخاوف من أمن الطاقة، دون أن ننسى مقدرة دول الخليج مجتمعة على دعم هذه الدول المترددة أو التي تبحث عن مساومات مقابل الموافقة على دعم عقوبات قاسية على إيران، عبر الاستثمار المباشر فيها أو من خلال منحها الأولوية في المشاريع الضخمة الداخلية أو المشتركة، علما أنّ هذه الخطوات سيكون لها فوائد ضخمة على المستوى البعيد، منها على سبيل المثال:
أولا: تعزيز العلاقات العربية- الصينية والخليجية- الصينية مما من شانه أن يؤدي إلى التخلي تدريجيا عن سياسة الحليف الأوحد (أمريكا) باتجاه تعدد الحلفاء (أمريكا-روسيا- الصين- أوروبا)، بما لذلك من فوائد يمكن استغلاها على الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو حتى العسكري.
ثانيا: بناء العلاقات العربية-التركية الصاعدة حاليا، على أسس متينة وثابتة من المصالح الراسخة والمشتركة عبر مشاريع اقتصادية بفوائد متبادلة بما يدعم مشروع السياسية الخارجية التركيّة لأحمد داوود اوغلو، ويمهّد لتحالف مع تركيا قائم على معطيات حقيقية وليس على مجرّد عواطف وأهواء وردود فعل آنيّة.
ثالثا: استعراض مدى فعالية القدرات العربية وحاجة الآخرين إليها، والمساهمة الفعّالة في تحقيق رغبة المجتمع الدولي بما يخدم المصالح العربية بطبيعة الحال.
ومن هنا، باستطاعة العرب مقايضة تحرّكهم هذا بمطالبة المجتمع الدولي والدول الكبرى وأمريكا تحديدا الضغط على إسرائيل في عدد من الجهات في هذا الوقت بالتحديد، ليس أقلّه في الملف النووي لتل أبيب حيث يمكن:
1- المطالبة بالضغط على إسرائيل للانضمام لمعاهدة الحد من انتشار السلاح النووي (NPT) والتي ستسمح عندها بالتمهيد لعمليات تفتيش، وهو ما يتوافق مع دعوة الرئيس الأمريكي في قمّة الأمن النووي في واشنطن بضرورة انضمام جميع الدول إلى هذه المعاهدة.
2- إعادة إحياء مشروع شرق أوسط خال من الأسلحة النووية عبر تحرّك دبلوماسي عربي متكامل.
وهو ما يتطلّب على الأقل، أن تنفض مصر عنها الصدأ الذي أصاب سياستها الخارجية التي لا تتناسب حاليا مع متطلبات المرحلة والتحديات الجسيمة التي تواجهها المنطقة، كما تتطلّب من المملكة العربية السعودية اعتماد سياسة خارجية شرسة وليس محافظة، ومن سوريا توظيف الأوراق المتوافرة لديها لهذا الغرض وليس لغرض خدمة مشاريع خارجية.
ويمكن للمشروع الدبلوماسي العربي عبر هذا المثلث مدعوما بجهود الدول الأخرى هنا أن يشرح الفوائد التي يجنيها المجتمع الدولي من هذه الخطوة التي من شأنها أن تعطي مصداقية للتحركّ الدولي على الجبهة الإيرانية، فيما يخص ازدواجية التعامل، كما من شأنها أن تضمن المصالح الأمريكية في شرق أوسط مستقر وآمن وتسهل مهمة الأمريكيين وتؤمن مصالح اللاعبين الدوليين بمن فيهم الروس والصينيين والأوربيين، وإلا فانّ الأمور قد تتطور باتجاه حرب مع إيران ليس من الواضح عمّا إذا كان هناك احد يريد أن يغامر بتحمّل تكاليفها الإقليمية والعالمية، أو باتجاه مواجهة سباق تسلّح نووي في أكثر منطقة متوترة في العالم، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على مصالح الجميع.
© منبر الحرية ،26أبريل /نيسان2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تعج الولايات المتحدة بالكثير من التساؤلات عن الأوضاع في العالم العربي والإسلامي. ففي سلسلة محاضرات لي في مدن أمريكية مختلفة حول أوضاع الشرق الأوسط والمسألة الفلسطينية كان أهمها مؤخرا في مدينتي دينفر وبولدر في ولاية كولورادو، بدأت أرى عالما أكثر تساؤلا حول العلاقة مع العالم الإسلامي والعربي. في تلك المدينتين فوجئت بالأعداد الضخمة المكونة من مئات الحاضرين الذين جاءوا للاستماع عن ”العالم العربي على مفترق الطرق.“ التعطش الأمريكي للتساؤل يعكس الفراغ الذي يعيشه الشعب الأمريكي بعد حربي العراق و أفغانستان. فالسؤال المبسط الأول الذي سرى مثل النار في الهشيم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام ٢٠٠١: ”لماذا يكرهوننا،“ بدأ يتراجع الآن أمام سيل من الأسئلة منها ”هل قامت السياسة الأمريكية بشيء يساهم في الكراهية بين الشرق والغرب؟“.
بعد كل محاضرة  جاءني من يقول” لا اعرف إلى متى سيبقى ممثلوا الشعب الأمريكي رهائن للسياسة الإسرائيلية“، وجاء آخر يتساءل عن الشبان الذين يقتلون من الولايات المتحدة في كل من أفغانستان والعراق: ”هل نقاتل هناك من اجل إسرائيل أم من اجل أمريكا“. بدأت أرى في عقول ووجوه الأمريكيين ما يؤكد أنهم بدأوا يسأمون من طبيعة السيطرة التي تمارسها جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل على صناع القرار. وكما قال سفير سابق ” هناك سيطرة على نظامنا السياسي من قبل أقلية صغيرة  من اجل مصالح ضيقة وعسكرية وغير إنسانية، هذا يأخذنا نحو كارثة.“
الواضح أن حرب أفغانستان والعراق ثم حربي ٢٠٠٦ في جنوب لبنان ثم حرب غزة في فلسطين أثاروا التساؤلات في الولايات المتحدة عن سياساتها الإقليمية. بل كانت مرافقتي إبان احد البرامج تكرر على مسامعي: ”كنت منذ خمس سنوات من اشد المؤيدين لإسرائيل، الآن اختلف الموقف“. سألتها لماذا؟ فقالت: الحرب في العراق وفي أفغانستان وحرب غزة جعلتني أتساءل. يجب أن لا نتدخل هكذا، يجب أن لا نكون مؤيدين لطرف ضد الآخر. لم أكن اعرف في السابق أن إسرائيل تضطهد شعبا أخر، كنت اعتقد أن هذه الأقوال دعاية عربية فقط، والآن اكتشف أن الأمر ليس كذلك.“ .
هذه التغيرات هي بداية شعور ينتشر بين الأمريكيين مفاده أن إسرائيل أصبحت عبئا كبيرا وان احتلالها يسمم العالم العربي والإسلامي وان سعيها لمصادرة القدس يفجر الصراع بين الشرق الإسلامي والعربي من جهة وبين الغرب من جهة أخرى. هناك نمو في الجمعيات الأمريكية واليهودية أيضا التي تعي خطورة استمرار الاحتلال في فلسطين. في إحدى الندوات وقفت إسرائيلية من مؤيدي حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني تشرح كم تعاني في إسرائيل من الملاحقة لأنها تقول برأي آخر.  هناك تنامي للشعور بأن مصلحة الولايات المتحدة لم تعد تتطابق مع مصلحة إسرائيل، وان مصلحة إسرائيل لم تعد تتطابق وعقلية الليكود واليمين المستمر في سياسة الاستيطان ومصادرة القدس.
لكن من جهة أخرى هناك هجوم كبير على الرئيس أوباما من قبل جماعات الضغط الإسرائيلية التي استطاعت في السابق أن تسقط مرشحين وتبرز آخرين. ففي قناعة جماعات الضغط مجرد انتخاب أوباما أثار جميع هذه التحفظات والآراء المعارضة بين قطاعات من الشعب الأمريكي. إن حصول بعض التغير في الرأي العام الأمريكي يجعل أنصار إسرائيل واليمين أكثر استعدادا للتصعيد ضد أوباما مع السعي لإيقافه مهما كلف الأمر.
وبينما يزداد الصراع حدة على ارض فلسطين، تزداد حكومة تننياهو انحدارا نحو اليمين. إن المغالاة ستكون صفة ملازمة للسياسة الإسرائيلية في المرحلة القادمة. لكن العالم من جهة أخرى لن يعترف لإسرائيل بالقدس عاصمة موحدة أبدية، ولن يقبل باحتلالها واستيطانها وحصارها وقمعها لشعب آخر. رويدا رويدا هناك تغير. هذه التغيرات قد توصل إسرائيل للحظة صدام مع الولايات المتحدة ومع جزء كبير من العالم الغربي. قد لا يكون هذا في المدى القريب، لكن بوادره في طور التكوين. إن إنضاج هذه الظواهر تتطلب جهدا عربيا منظما في العالم وفي الولايات المتحدة لا نجده الآن.
المصدر: الأوان
© منبر الحرية،14 أبريل /نيسان 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

اجتمعت منذ ايام مجموعة “الجدال الثقافي العربي واثره على جهود التواصل بين الولايات المتحدة والعالم العربي” لدراسة العديد من المسائل التي تفرق بين العالم العربي والولايات المتحدة. اطلق على المجموعة اسم مجموعة مالطا لانها جمعت منذ ٢٠٠٣ في مالطا مثقفين عرب ومثقين امريكيين لتبادل الرأي والمعرفة.  وقد قاد المجموعة سؤال اساسي:   ماهي الاسباب التي دفعت بالولايات المتحدة والعالم العربي الى طريق التصادم؟ كان اخطر ما وقع هو بالتأكيد احداث الحادي عشر من سبتمبر ونتائجها المباشرة على العالمين الاسلامي والغربي، اذ دخلت الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت في حربين كبيرتين الاولى في افغانستان والثانية في العراق، وذلك بالاضافة الى حروب صغيرة في مناطق مختلفة في العالم ضد القاعدة. ولقد دفع هذا الوضع بالعلاقة العربية الامريكية الى مأزق ، وهو ذات المأزق اليوم في العلاقة الايرانية الامريكية . اذن نحن امام صراع يتطلب تفسيرا واجابات.
لكن الاهم بأن هذا اللقاء الاخير الذي عقد في مركز كارتر في مارس ٢٠١٠ في مدينة اتلانتا الامريكية بدأ بمفاجأة من العيار الثقيل: حضور الرئيس السابق جيمي كارتر والقاءه كلمة نقدية تجاه اسرائيل ومستوطناتها وتوسعها واحتلالها للقدس والضفة والجولان. ركز كارتر على ضرورة ان تتوقف اسرائيل الان والا فات الاوان. كلمة كارتر التزمت بأهمية حل الدولتين، لكنها لم تغلق الباب امام فقدان هذا الاحتمال وبروز احتمال الدولة الواحدة. لكن هذا سيخلق صراعات جديدة في ظل الرفض الاسرائيلي لمبدأ المساواة بين العرب واليهود في الارض الواقعة بين نهر الاردن والبحر المتوسط.
هكذا تحولت هذه الجرأة في الطرح للرئيس كارتر والذي يخرج عن المسار الامريكي العام الى بداية لنقاش الفوارق بين الرؤية الامريكية و العربية. وقدم ايضا اندرو يونع الذي عمل ممثلا للولايات المتحدة في الامم المتحدة قبل ان يستقيل نتاج ضغط من اللوبي المؤيد لاسرائيل بسبب لقاءه عام ١٩٧٩ مع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في نيويورك. وتحدث فوكوياما مقدما تحليلا عالميا على قدر كبير من الاهمية عن دور الدولة في منطقة الشرق الاوسط، كما تحدث رضوان السيد طارحا رؤيته للفوارق والتصادم بين الشرق العربي والغرب الامريكي. وتحدث حسن منيمنة منظم اللقاء ثم ديفيد بلانكين هورن  رئيس مؤسسة القيم الامريكية ومفكرين اخرين عن اهمية هذا الحوار والابعاد التي يمكن ان تحقق تقدم. لقد اكتسب اللقاء بعدا شموليا وثقافيا في عمقه.
لكن الاساس في هذا اللقاء هو اهمية الوعي الصريح بالابعاد التي تفرق بين الولايات المتحدة من جهة وبين العرب من جهة اخرى.  فهناك نظرة تبلورت في العالم العربي بأن السياسة الامريكية في معظم الاحيان تصب مباشرة بمصلحة اسرائيل. فقد نجحت اسرائيل على مدار العقود باستخدام نفوذها في الولايات المتحدة لجلب الدعم لتوسعها و لاحتلالها. لهذا فحتى اليوم تمثل المسألة الفلسطينية احد اهم اسباب التصادم الامريكي العربي والاسلامي الامريكي. المسألة الفلسطينية هي اكبر صخرة مانعة بين الحضارتين والثقافتين.
لكن هناك قضايا اخرى لا بد من التعرف عليها تلقي الضوء على تاريخ الاختلاف بين الولايات المتحدة والعالم العربي. ففي التاريخ دعمت الولايات المتحدة شاه ايران ضد مصدق، لكنها انتهت بثورة الخميني، ودعمت الولايات المتحدة اسرائيل ضد القومية العربية وعبد الناصر فانتهت بالحركات الاصولية، ودعمت المجاهدين الافغان ومجموعات بن لادن فانتهت بالطالبان والقاعدة، ودعمت الولايات المتحدة غزو اسرائيل للبنان عام ١٩٨٢ او غضت النظر عنه والذي استهدف إجتثاث منظمة التحرير من لبنان فانتهت بحزب الله في جنوب لبنان. كما انها اعاقت وفق الرغبة الاسرائيلية حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية  المنتخبة برئاسة حماس فأنتهى الامر بسيطرة حماس على غزة. لائحة  قصر النظر الامريكية طويلة. فالدولة الكبرى في العالم تتعامل مع السياسة في الشرق الاوسط انطلاقا من هموم وحسابات  مباشرة تأتي من تأثيرات محلية وانتخابية وإسرائيلية. لقد ضاعت العلاقة العربية الامريكية في حمى الحسابات الضيقة وانتهى بنا الامر الى صدام اكبر كما هو حاصل في السنوات القليلة الماضية.
لكن اسباب المواجهة  بين العالم العربي والولايات المتحدة في هذه المرحلة اخذت بعدا ثقافيا يضاف على البعد السياسي.  فهناك ثقافة رافضة للولايات المتحدة كمصدر للثقافة العالمية ومصدر لطرق الحياة الجديدة. أذ اصبح الانقسام العربي العربي بين اسلامي وغير اسلامي وبين قومي واقل قومية وبين مؤيد لحل الدولتين ورافض لحل الدولتين في فلسطين احد مصادر الاختلاف حول التعامل مع الولايات المتحدة.  هذا التناقض هو الاخر يصب في الصراع الاوسع حول دور الولايات المتحدة الاقليمي.
ان تغير العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الاسلامي يتطلب  تغير قواعد اللعبة الامريكية تجاه الصراع العربي الاسرائيلي.  جوهر التغير يبدأ في فلسطين، فهي النقطة المركزية التي سببت الانقطاع الثقافي والمعنوي بين العالمين وهي التي وضعت الولايات المتحدة في كفة والعالم الاسلامي في كفة اخرى .  ان الرفض الاسلامي للولايات المتحدة ينطلق اساسا من الصراع العربي الاسرائيلي. فهناك شعور قديم جديد يزداد تأصلا ويزداد عمقا في العالم الاسلامي بأن الولايات المتحدة ستؤيد اسرائيل مهما فعلت تجاه العرب.  ان هذا الجانب المؤثر على العلاقة الامريكية العربية بحاجة لحل حقيقي وصادق والا ازدادت العلاقة تأزما وتلونت بأبعاد يصعب التنبؤ باثارها.
المصدر: الاوان
© منبر الحرية، 25 مارس/آذار 2010

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018