شؤون سياسية

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تثير سلسلة من التطورات الاخيرة تساؤلات حول منطلقات الامن الاسرائيلية والتي اعتمدتها إسرائيل منذ نشوءها.  فمنذ بدايتها قامت اسرائيل على عقيدة أمنية تفرض على محيطها ان يتراجع امامها بسبب تفوقها العسكري ومقدرتها على نقل الحرب الى المناطق العربية. هذا اساس معظم حروب اسرائيل مع العرب. اما الاساس الثاني فهو الالتصاق بدولة كبرى فتتحول إسرائيل الى حامي مصالح تلك الدولة وقوة ضاربة بأسمها.  في البداية  تحالفت اسرائيل مع بريطانيا ثم مع فرنسا واخيرا مع الولايات المتحدة خاصة بعد حرب ١٩٦٧.   ان قلة عدد سكان أسرائيل نسبة لعدد سكان العالم العربي جعل اسرائيل تؤمن بأستخدام القوة المفرطة في التعامل مع العالم العربي.  لكن هناك تغيرات تجعل هذه العقيدة بصورتها القديمة في مأزق.
ان العقيدة الاسرائيلية الامنية هي التي تعود وتساهم في اضعاف اسرائيل.  فمن فرط استخدام القوة وشن الحروب برزت في العالم العربي قوى اكثر تشددا واكثر استعدادا للتمادي في المواجهة مع اسرائيل.  هكذا يسير العالم العربي كما رأينا في حرب غزة  في ٢٠٠٩ وفي الحرب ضد حزب الله في ٢٠٠٦ نحو نمط من المواجهة اكثر جذرية و عنفا وقوة. ان استمرار هذا الاتجاه في الساحة المحيطة بإسرائيل وضمن صفوف الشعب الفلسطيني يهدد الاساس الذي تقوم عليه فرضيات الامن الاسرائيلية بل يعرضها للخطر.  الشعب الفلسطيني من جهة والشعوب المحيطة بأسرائيل من جهة اخرى في طريقها لموجة جديدة من المواجهة  وذلك في ظل استمرار اسرائيل في استيطانها وتوسعها واهانتها للعالم العربي والاسلامي من خلال تهويد القدس.  وقد يفرض هذا الوضع  على اسرائيل سعيا لخيار الحرب  وذلك في محاولة منها لاستعادة سطوتها الاقليمية وقدرتها على اخافة الدول والمجتمعات المحيطة. سيكون من الافضل ان تسعي اسرائيل باتجاه تسوية حقيقية وعادلة. لكن هذا ليس مطروحا في هذه المرحلة.
ويعتمد الامن الاسرائيلي على عوامل اخرى. فأحد اهم اسس الامن الاسرائيلي منذ حرب ١٩٦٧ هو الاعتماد على الولايات المتحدة كدولة كبرى.  فالموقف الامريكي المؤيد لاسرائيل هو جزء لا يتجزأ من أمن اسرائيل. لكن دور الولايات المتحدة  ضعف كثيرا في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، و سوف يستمر في التراجع لاسباب كونية واقليمية مرتبطة ببروز الدور الصيني والروسي ودول اخرى. لقد دخلت الولايات المتحدة بنزاعات في المنطقة. كما ان اسرائيل تستمر في احراج الولايات المتحدة في مجالات عدة من اهمها الاستيطان وتهويد القدس وانشاء مساكن جديدة للمستوطنين. اضافة الى هذا تنشأ بين اليهود الامريكيين تساؤلات حول تهور السياسة الاسرائيلية. كل هذا يساهم في ضرب بعض اهم مرتكزات الامن الاسرائيلي. ان السياسة الاسرائيلية الاستيطانية والعسكرية تتحول كل يوم الى عبئ على الولايات المتحدة وعلى قواتها الموجودة في العراق وافغانسنات والشرق الاوسط.
ان الضعف الراهن في مرتكزات العقيدة الامنية الاسرائيلية سيجعل اسرائيل تمعن في سياسة اكثر تهورا، بل كلما أقتربت إسرائيل من اكتشاف ضعف مرتكزاتها الامنية كلما ازدادت تهورا ورفضا للتعامل مع الواقع والاعتراف به. هذا واضح في سياسة نتنياهو في  فلسطين والقدس كما نجد لهذه السياسة تعبيرا واضحا في عملية دبي الاخيرة وفي سياسة اسرائيل تجاه تركيا. اسرائيل في هذه المرحلة في تخبط. فقيادتها اليمينية ضعيفة انتخابيا، وطريقها لكسب الاصوات في الانتخابات اصبحت تعتمد علي التصعيد والتهور ونشر الكراهية. لهذا تمعن إسرائيل في الاستيطان، وتعلن عنه ابان زيارة نائب الرئيس الامريكي بايدن، وتذهب الى دبي، وتهدد تركيا بسبب مواقفها، وتهدد بشن الحرب على ايران. ان منطقتنا ستهشد الكثير في المرحلة القادمة في جبهات الصراع العربي الاسرائيلي. التاريخ لم ينتهي، بل بالكاد نجده قد بدأ.
المصدر: الاوان
© منبر الحرية، 15 مارس/آذار 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن التسليم بمقولة ( التاريخ يعيد نفسه ), قد لا يكون صائبا في أغلب الأحيان لكن الحالة التركية الراهنة تجعلنا نسلم ببعض الأدلة التاريخية التي تتكرر بصور مختلفة.
فعندما هرب (شاه سليمان) –جد السلطان عثمان- من بطش جنكيزخان من مناطق توران وخراسان إلى مناطق تركيا الحالية, لم يخطر لذلك الرجل بأن حفيده سيصبح سلطانا ذا شأن وعلى تلك المكانة والشهرة والنفوذ, لكنه تحقق بالفعل وحكم العثمانيون وأحفادهم المنطقة,بل ووسعوا في احتلالهم و حكمهم إلى قسم كبير من أوربا الشرقية( هذا عدا المناطق والدول العربية التي حكموها قرونا من الزمن),وكانت الخلافة الإسلامية عثمانية طيلة تلك الفترة إلى وصلت الحالة بهم إلى ( الرجل المريض) –بعد الحرب العالمية الأولى. كانت تركيا في ذلك الوقت مهددة بالانقسام ومستسلمة لشروط الدول الكبرى المنتصرة في الحرب, وأقرت بذلك في اتفاقية سيفر 1920 . لكن ظهور كمال أتاتورك غير في الموازين, فبفضل حنكته السياسية استطاع أن ينقذ تركيا ويتفق مع الفرنسيين والانكليز وكذلك مع الروس( السوفيت الجدد), ويلغي الاتفاقية السابقة ويخرج منتصرا في حربه مع اليونان ويعقد اتفاقية جديدة لصالحه في لوزان بسويسرا عام 1923 .
اليوم يبدو أن الأحفاد الجدد( ومنهم حزب اردوغان)  بدأوا  يشعرون بذلك الحنين إلى ارثهم التاريخي, خاصة بعد فشل مشروعهم السابق ( تركيا الكبرى) – بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق- وتغيير الموازنات والتحالفات الدولية بعد سقوط  نظام صدام.
فتركيا التي تقدم نفسها بوجوه متعددة مستفيدة من موقعها الجيوسياسي وعضويتها في الناتو, لا تقف عند حدود ( علمانيتها) التي تدعيها منذ كمال أتاتورك رغم غلبة الشعور والتعصب القومي على المجتمع التركي, وتحاول الانضمام إلى الاتحاد الأوربي رغم عدم التزامها بشروط الاتحاد( قضايا حقوق الإنسان, قبرص والقضية الكردية….), لهذا فهي تسعى جاهدة بأخذ العديد من المبادرات ومحاولة لعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط من خلال القضايا العربية والإسلامية وتساعدها في ذلك ظروف دول الجوار التي تتفق فيما بينها على القضية الكردية( وخطرها) المزعوم وتساهم دول عربية في إفساح المجال لتركيا رغم وجود إجماع عربي على التحفظ على دور إيران وتركيا في القضايا العربية.
ولعل الطموح التركي بدأ يأخذ حجما أكبر, فالسيطرة على منابع الثروات المائية( نهري دجلة والفرات) وإقامة أضخم السدود عليها, وإقامة أفضل العلاقات الإستراتيجية مع إسرائيل, عضويتها في حلف الناتو, لعب دور الوسيط والمصالحة في العديد من القضايا مثل المباحثات الغير المباشرة بين سوريا وإسرائيل, تدخلها المستمر في شؤون دول الجوار, بل وحتى احتلال( لواء اسكندر ون السورية), وأخيرا محاولاتها الحثيثة في تسلم الملف الفلسطيني وأخذ المبادرة من إيران التي تتحكم جيدا بهذه القضية من خلال أجندتها الإقليمية.
ترى هل تستطيع تركيا حمل هذه السلة من التناقضات ؟ كيف بمقدورها التوافق بين علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل التي تحتل أرضا عربية وإسلامية وبين التزامها الديني في الدفاع عن الشعب الفلسطيني؟ كيف تبرر علمانيتها وإسلاميتها ودفاعها عن المظلومين, وهي لا تطبق ذلك في داخلها مثل( قضية أكثر من عشرون مليون كردي مسلم محرومين من كافة الحقوق, قضية قبرص, تهديداتها وتدخلها في العراق تحت ذريعة حماية التركمان….) . رغم ادعاء تركيا العلمانية, إلا أن الجزء الأكبر من المجتمع التركي ذو طبيعة إسلامية محافظة ومتعصبة قوميا وخير دليل على ذلك نتائج الانتخابات البرلمانية وسيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي بالأغلبية عليها, وهذا ما يثير الدهشة والتناقض والشك في العديد من التوجهات التركية, وكذلك سوف تدفع تركيا فاتورة تناقضاتها في تعاملها مع قضايا المنطقة, ولن يكون سهلا أخذ مبادرة وملف هام من دولة أو ( إمبراطورية مذهبية) مثل إيران والتي تملك أوراقا أكثر حسما من تركيا (اللهم إذا غيرت تركيا في حلفائها مثل إسرائيل), لكن الحلم شيء والواقع العملي شيء آخر, فمهما ادعت تركيا حرصها وبكائها على الشعب الفلسطيني, لن تكون على حساب علاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل, والكلام لن يكون سوى في إطار الشعارات والمزايدات واللعب بالعاطفة وكذلك الدعاية الانتخابية لحزبها في الداخل. لكن الذي يثير الدهشة هو هذا التطبيل والتهويل من قبل البعض في الإعلام العربي وكيل المديح لأردوغان وموقفه في دافوس والذي كان انسحابه بسبب عدم السماح له بالكلام واختصار الوقت وليس بسبب حرب غزة, وإذا كان أردوغان بالفعل حريصا على الشعب الفلسطيني لماذا لا يقوم  بقطع علاقاته مع المحتل الإسرائيلي؟!
إن الحلم بسلطنة عثمانية جديدة على أنقاض هذا الكم من التناقضات في السياسة التركية يبدو مستحيلا وليس هذا فقط , بل سوف تكشف يوما بعد يوم الوجه الحقيقي لهذه الأقنعة المزيفة والتي تتفنن في وضعها دولا أخرى مثل إيران التي تقمع شعوبها( من عربية, كردية, أذرية..) وتنفق الملايين لدعم أجندتها الإقليمية لحساب مصالحها ورهاناتها واتفاقياتها على حساب دماء الآخرين, وتحتل جزرا عربية(الإمارات) وتهددهم دائما (دول الخليج العربي), وبالمقابل تقدم نفسها بصورة المخلص والحريص والصديق للعرب والمدافع عن قضاياهم المصيرية, فكيف يكون ذلك؟؟ اعتقد بأن سياسة النعامة لن تمر بهذه البساطة على شعوبنا التي تعلم كل شيء في هذا العصر المتطور من التكنولوجيا والإعلام وسرعة إيصال ومعرفة الخبر.
© منبر الحرية، 26 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن الرهانات الدولية في ظل العولمة أضحت مرتبطة بشكل أقوى بالقضايا الاجتماعية, وأقل تفاعلاً مع الاستراتيجيات السياسية والعسكرية, والفاعلون الاجتماعيون أكثر حضوراً على الساحة الدولية حيث المجال الدولي لم يعد حكراً على الحكومات وحدها, بل هو فضاء عمومي تتداخل فيه كل من الحكومات والأفراد والمنظمات غير الحكومية, والذي يعبر عن نوع من التصالح ما بين الإنسانية والواقع الدولي.
وهناك منظور جديد للأمن بدأ يفرض نفسه متجاوزاً الإعتبارات الترابية والإقليمية والعسكرية, فالتحديات الجديدة جعلت مفهوم الأمن شمولياً ومتعدد الأبعاد وأكثر التصاقاً بالحياة الاجتماعية, وهذا ما جعل برنامج الأمم المتحدة للتنمية يتبنى فكرة “الأمن الإنساني” فالأمن لم يعد يقاس بمدى تقليص التهديدات, بل بمدى الاستجابة للحاجيات الأساسية للإنسان.
ونتيجة للظروف الناتجة عن اختلال التوازنات الاجتماعية وتزايد الاعتماد المتبادل بين مختلف القطاعات الإقتصادية والإجتماعية, تم التعجيل بالتفكير في مبدأ إدارة شؤون الدولة والمجتمع كنمط لتجديد أساليب الحكم وتفعيلها بشكل أفضل من خلال صياغة أشكال جدية في المشاركة , قائمة على التضامن والنهوض بالاحتياجات الأساسية للمواطن.
ومن الواضح بقدر ما هناك قوة في طموحات المشاريع الكونية على كافة الصعد إلا أن هناك قصور _ إلى حد ما _ حين تتجسد في الواقع .
فعندما نتكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك كثير من التساؤلات تطرح:
تاريخيا هل تم تحقيق الأمن العالمي؟
المضامين الجديدة للأمن العالمي هل متفق عليها عالمياً ؟
هل يمكن مقابلة منظور السيادة الوطنية بمواطنية كونية شبه مكتملة ؟
وإذا كان هناك أنماط معقدة من أنسنة الواقع الدولي, فهل نكون قد انتقلنا من منظور كلاسيكي يدافع بقوة عن عدم التطابق بين حقوق الإنسان والسياسة الدولية إلى نوع من التجاوب الفعلي والمستمر وغير المستقر بينهما ؟
هل مرجعية المضامين الجديدة للأمن العالمي ستنمو بسرعة واقعية السياسة الدولية؟
عندما يتم التكلم عن المضامين الجديدة للأمن العالمي يجب علينا الأخذ بعين الأعتبار حالتين :
1- الأمن العالمي القائم على العلاقة بين الإنسان والطبيعة ( البيئة ) .
2- الأمن العالمي القائم على العلاقة فيما بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة والدول فيما بينها (الأمن السياسي) من جهة أخرى .
فيما يتعلق بالعلاقة القائمة بين الإنسان والبيئة هناك تحديات تواجه الأمن العالمي, وقد يكون التضامن العالمي لإيجاد حلول لمواجهة التحديات في هذا الصدد أكثر إمكانية منه على صعيد الأمن السياسي بين الدول. والعقد الاجتماعي هو أساس شرعية القانون في المجتمعات البشرية, وفي النظام الدولي التقليدي, الدول تتمتع بقدر من الحرية والسيادة, ولا توجد أي سلطة فوقها, ولا قانون دولي إلا ما تختاره على أساس اتفاقيات أو معاهدات تم مناقشتها بحرية تامة أو أعراف تم قبولها ضمنياً, فحرية الدولة لا تحدها سوى حرية الدول الأخرى, وإذا كانت الحالة الطبيعية قد تم تجاوزها في النظام الداخلي فليس الأمر كذلك في النظام الدولي حيث القوة هي المقياس الوحيد للتصرف, على الرغم من أن الأمور قد تغيرت مع ظهور المنظمات غير الحكومية إلا أن علاقة القوة داخل هذه المنظومة ستبقى موجودة.
وإذا كان هناك حرص على المصلحة والسلطة والأمن القومي, إلا أنه على الجانب الآخر هناك تشديد على الحق والعدالة ومراقبة الحكام والتركيز على حقوق الإنسان, وهذا ما نجده في الصراع الفكري التاريخي بين هوبز الذي يرفض منح حقوق الإنسان أي اعتبار دولي باعتبار الأمن القومي هو وحده الذي يمنح المعنى للمصالح الوطنية. وبين غروسيوس الذي كان مناصراً للمواطنة العالمية ولنظام عادل يسمو فوق كل السلطات والسيادات.
على صعيد المضامين الجديدة للأمن العالمي هناك إشكالية على مستوى تأقلم الضوابط القانونية مع القضايا أو المشكلات العارضة, فكيف يتم معالجة قضايا في ظل غياب قواعد قانونية تضبط هذه الأوضاع العارضة, مثل قضية اللحوم الملوثة هرمونيا التي انقسم حولها الرأي العالمي بين الولايات المتحدة وكندا من جانب والمجموعة الأوروبية من جانب آخر.
هناك كثير من القضايا الشائكة التي تطرح علامات استفهام حول إمكانية الاتفاق عليها خاصة على الصعيد الثقافي , والخلاف الدائر ما بين منظمة الصحة العالمية ومصر حول ختان الإناث يعبر عن واقع هذه التناقضات, حيث تعارض منظمة الصحة العالمية هذه العملية من منطلق الدفاع عن حقوق الإنسان وتحديداً حقوق المرأة , بينما تدافع مصر عن موقفها من منطلق التمتع بالحقوق الثقافية الخصوصية للمجتمعات التي كرسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الجانب الاستراتيجي والمصلحي ما زال فاعلاً وحاضراً بقوة, وكثيراً ما تتحول حقوق الإنسان إلى أداة لضغط الأقوياء على الضعفاء, وهو ما يخلق التداخل بين ما هو دولي وما هو إنساني, وبالتالي من الطبيعي أن ينعكس ذلك فيما بعد على الأمن العالمي.
إن الأمن العالمي التي بدأت تتضح معالمة يوماً بعد يوم يجعلنا أكثر تفاؤلاً بمستقبل التعاون الدولي, وسيبقى القانون الدولي دعامة لهذا المستقبل وهنا نتساءل :
كيف يمكن للقانون الدولي أن يتطور؟
هل يمكن للقانون الدولي أن يتطور إلا في ظل الحياد السياسي الذي يسمح له بالمحافظة على استقلاليتة ؟هل ذلك ممكن ؟ تاريخياً هل تم تحقيق ذلك؟
© منبر الحرية، 18 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تراجعت شعبية التنظيمين الإسلاميين، حماس وحزب الله، في أوساط البلدان ذات الأغلبية المسلمة، رغم وجود بعض الجيوب التي تؤيد كل من التنظيمين في الشرق الأوسط.
ففي استطلاع للرأي أجراه مشروع غلوبال آتيتديودز التابع لمركز أبحاث بيو Pew Research Center   في الفترة بين الثامن عشر من مايو (أيار) والسادس عشر من يونيو (حزيران) من عام 2009 الماضي، لقيت حركة حماس، بعد مرور أربعة أعوام على فوزها بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية، استحسانا أو تقييما إيجابيا نسبيا بلغ (56%) في الأردن، و(52%) في مصر. أما الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، فكانت نسبة تأييدهم لحركة حماس أقل من ذلك، حيث ارتفعت نسبة المتحفظين على حماس في الأراضي التي تسيطر عليها هذه الحركة، ففي غزة كانت نسبة المؤيدين لحماس من المستطلعة آراؤهم 37% فقط، مقارنة بنسبة 47% في الضفة الغربية.


كما أظهرت نتائج الاستطلاع نسبة محدودة جدا من التأييد لتنظيم حزب الله اللبناني الشيعي، فبينما أيد معظم الفلسطينيين (61%) وحوالي نصف الأردنيين (51%) حزب الله وكانت لديهم آراء إيجابية تجاهه، كانت هذه النتائج أقل إيجابية في مناطق أخرى، حيث بلغت نسبة المؤيدين لحزب الله في مصر (43%) فقط، وفي لبنان (35%). فكما هو الحال في التعاطي مع العديد من القضايا في لبنان، تباينت الآراء حول حزب الله كثيرا بحسب الانتماءات الدينية: فجميع اللبنانيين الشيعة تقريبا (97%) قدّموا آراءً إيجابية تؤيد حزب الله، أما المسيحيون فبلغت نسبة المؤيدين منهم لحزب الله (18%)، وبلغت نسبة اللبنانيين السُنّة (2%) فقط.
وفي تركيا، اختلفت النسب تماما، حيث أظهر الأتراك رفضا كبيرا للمجموعتين – 5% فقط من الآراء الإيجابية لحماس و3% لحزب الله. كما أن سكان عرب إسرائيل لم يظهروا استجابات عالية لا لحماس ولا لحزب الله، فقد حصلت الأولى على 21% فقط من التأييد، وحصل الأخير على 27%. وفي خارج منطقة الشرق الأوسط، كان العديد من المستطلعة آراؤهم في الباكستان، واندونيسيا، ونيجيريا، لم يتمكنوا من تقديم أي رأي حول هذين التنظيمين.
لم يكن هذا الفتور في تأييد الجماعات الاسلاموية بين الشعوب المسلمة منافيا أو مختلفا عن نتائج الاستطلاعات الأخرى التي قامت بها غلوبال آتيتديودز في السنوات القليلة الماضية، والتي أظهرت جميعا تراجعا في التأييد الشعبي للتطرف والتفجيرات الانتحارية بين أوساط الشعوب المسلمة. كما أن هذه الاستطلاعات نفسها أشّرت تراجعا ملحوظا في الثقة بأسامة بن لادن. فضلا عن ذلك، فإن استطلاع غلوبال آتيتديودز في الباكستان، وهو بلد يرزح الآن تحت وطأة العنف والتطرف — لعام 2009 قد كشف عن وجود رفضا متناميا للقاعدة ولطالبان على حد سواء.
كما أن نصيب القادة السياسيين المسلمين الذين شملهم الاستطلاع من التأييد لم يكن كبيرا هو الآخر، باستثناء الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان الأكثر شعبية. حيث حصل على نسبة تأييد (92%) في الأردن، و (83%) في مصر، وقالت الأغلبية أن لديهم ثقة بأن العاهل السعودي سيقوم بالشيء الصحيح في الشؤون العالمية. كما تلقى الملك نسبا ايجابية عالية نسبيا حتى خارج منطقة الشرق الأوسط، في باكستان 64% وفي إندونيسيا 61%. لكن العاهل السعودي لم يتلق نسبا عالية في تركيا حيث أعرب 8% فقط من الأتراك عن ثقتهم به. غير أن شعبيته بشكل عام قد تراجعت عما كانت عليه عام 2007.
على صعيد آخر، حصل قائد حزب الله حسن نصر الله على آراء إيجابية أقل. فقد عبّر 37% فقط من اللبنانيين عن ثقتهم بنصر الله، ولكن شيعة لبنان قد أعربوا وبالإجماع تقريبا، عن ثقتهم به (97%). كما حصل نصر الله على تأييد عال نسبيا في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في الضفة الغربية، حيث قال 71% من المستطلَعين أنهم يعتقدون أن نصر الله سيفعل الشيء الصحيح في الشؤون الدولية.
وتراجعت الثقة برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس منذ عام 2007، وعلى الأخص في البلدان المجاورة. ففي مصر، مثلا، حصل عام 2009 على نسبة 33% بينما كان قد حصل على نسبة 67% عام 2007، وفي الأردن حصل على 33% عام 2009 وكان قد حصل فيها على نسبة 53% عام 2007. وتراجعت نسبة تأييد عباس بين الفلسطينيين بشكل عام (من 56% عام 2007 إلى 52% عام 2009، وقد تراجعت هذه النسبة بشكل حاد بين أهل غزة حيث كانت 69% وأصبحت 51%.
أما الزعيمين الأفغاني حامد كارزاي والإيراني محمود أحمدي نجاد، فحتى قبل انتخابهم المصحوب بالكثير من الجدل العام الماضي، فلم يتمتعا بشعبية تُذكر في البلدان المسلمة التي أجري فيها الاستطلاع. كانت أعلى نسبة حصل عليها أحمدي نجاد هي في الأراضي الفلسطينية (45%) وفي اندونيسيا (43%). ولم يحصل كارزاي على ثقة  بنسبة 40% في أي بلد من البلدان المستطلعة، ففي الباكستان حصل على 10%، وفي تركيا 7%، وفي لبنان 7% فقط.
وكما ذكرنا آنفا، تراجع تقييم زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بشكل عام في السنوات الأخيرة، حيث تلقى تأييدا قليلا بين أوساط المسلمين. ولكن 51% من الفلسطينيين أعربوا عن ثقتهم به، أما في نيجيريا فقد حصل على نسبة 54% من مسلمي البلد. في الباكستان، حيث يعتقد الكثيرون أن بن لادن مختبأ ً، لم يحصل على أكثر من 18% من التأييد. أما نسبة تأييده في تركيا فكانت 3% وفي لبنان 2% فقط.

أما الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فعلى الرغم من أن النسب التي حصل عليها هي أعلى من نسب تأييد الرئيس السابق جورج بوش، إلا أنها تراجعت أيضا. حيث أن 33% فقط في تركيا أعربوا عن ثقتهم به، ولكن هذه النسبة لا تزال أعلى من النسب التي حصل عليها محمود عباس، وحسن نصر الله، والملك السعودي، وأحمدي نجاد، وحامد كارزاي. ولا يزال الرئيس الأمريكي يتمتع بشعبية واسعة بين الشعوب ذات الأغلبية المسلمة، ولا سيما في اندونيسيا، حيث عاش عدة سنوات من طفولته، حيث 71% من الاندونيسيين المستطلعين عبروا عن ثقتهم به. وحصل أوباما على نسبة 81% بين مسلمي نيجيريا، و69% بين عرب إسرائيل، و65% بين اللبنانيين السُنّة.
* للإطلاع على تفاصيل الاستطلاع الأخرى أنظر:
www.pewglobal.org
© منبر الحرية، 10 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تخبو حدة المواجهة الفلسطينية الاسرائيلية ثم لا تلبث وأن تنفجر. اخر الحروب هي حرب غزة، ولكنها ليست الاخيرة.  ففي فلسطين يتواجد خمسة ملايين ونصف انسان عربي فلسطيني على الارض وذلك بالاضافة الى ملايين الفلسطينيين( بحدود الخمسة ملايين) الذين شردوا من بلادهم على مدى الستين عاما الماضية. يعيش في الضفة الغربية اكثر من مليونان ونصف فلسطيني بينما يعيش في غزة مليون ونصف في حالة حصار، و يعيش مليون وثلاثمائة الف فلسطيني عربي في اسرائيل الرسمية ويعدون مواطنون اسرائيليون( ناقصي الحقوق الوطنية والانسانية). ولو نظرنا لحالة الانسان العربي في فلسطين لوجدنا ان الذي يربط فلسطينيوا غزة بالضفة واسرائيل بفلسطينيي العالم هو الاضطهاد والشعور بالخسارة التاريخية للارض امام الة عسكرية اسرائيلية تسعى لاحلال مستوطنين يهود مكان سكان البلاد الاصليين، كما وتسعى لافقار ومحاصرة سكان البلاد الاصليين في احزمة من البؤس والفقر.  أن اساس الحركة الصهيونية لازال كما كان في السابق:  اخذ الارض من اصحابها والقيام بتهجيرهم الى مناطق عربية اخرى.
الحالة الاسرائيلية التي تمارس الاحتلال والحصار و المتواجدة على ساحل فلسطين و المتفوقة عسكريا علي العرب هي اقرب للحالة الاوروبية من حيث الدخل وقوة الطبقة الوسطى والامتيازات والاقتصاد والعلم الحديث وطريقة الحياة والرفاه.  من جهة اخرى نجد ان عالم الفلسطينيين يتكون من اسلاك شائكة وحياة شائكة، مناطق فقر وحصار وانتهاكات يومية وقمع واعتقال . في هذا يعيش الشعب الفلسطيني حالة فصل عنصري تفرضه أسرائيل في الحياة والامن وفي العمل والاقتصاد والاحتلال وطريقة الحياة  كما ويعزز هذا الفصل جدار كبير لم تجرؤ حتى جنوب افريقيا في السابق على تشييد مثيل له. ويقوم بحماية نظام الفصل العنصري الجيش الاسرائيلي بالاضافة الى نصف ميلون مستوطن وضعتهم اسرائيل في كل من القدس الشرقية والضفة الغربية  المحتلة.  من هنا ظلامية الموقف الراهن وصعوبته.
ان وضع كهذا قابل للاشتعال في اي وقت. صراع البلدين في بلد واحد او الشعبين في ارض واحدة متداخل مع صراع التحرر من الاحتلال. هذه مواجة بين الخمسة ملايين فلسطيني المتمسكين بالارض وهم يعيشون عليها وليس خارجها وبين الخمسة ملايين يهودي اسرائيلي الساعين لاخذ الارض وتهويدها.  هذا الصراع لم يتوقف ليوم في المائة عام الاخيرة ولكنه بالتأكيد لن يتوقف في العقدين او الثلاثة القادمين.
ان التركيز الكبير في الخطاب العربي على خلاف فتح مع حماس لا يغير من ان فتح وحماس تعبير لحركة مجتمع عربي مضطهد يواجه سياسة حصار وأقتلاع بوسائل مختلفة.  ان أسرائيل في وضعها الراهن ليست مستعدة للسلام مع الفلسطينيين  وذلك لانها تعرف جيدا ان السلام سيجعلها تدفع ثمنا لا تقوى الصهيونية على دفعه، أسرائيل لن تتخلى الان عن الاستيطان  وهي لن تتخلى عن النصف مليون مستوطن في القدس والضفة الغربية، كما انها غير قادرة على التعامل مع الفلسطينيين بعدالة و مساواة بما يعني ذلك من تعامل مع مشكلة اللاجئين بجدية ومسؤولية.  كما ان اسرائيل تواجه تحديا حقيقيا في مقدرتها التعامل مع يهود العالم، اذ تنظر اليهم بصفتهم مشروع هجرة وتجنيد للجيش وقتال ودعم مالي لبناء مزيد من المستوطنات في اراضي عربية محتلة.
لهذا من الصعب في هذه المرحلة الاجابة على السؤال: هل تقوم دولة فلسطينية أم دولة واحدة ديمقراطية لجميع الديانات، فالاجابة الان على السؤال: لا هذا ولا ذاك.  ان الامر الاساسي الان هو في كيفية تحدي الاحتلال والحصار والسعي لبقاء الفلسطينيين على الأرض في ظل تنمية المجتمع الفلسطيني. شعار اليوم هو المقاومة. لكن المقاومة لا يشترط ان تكون عسكرية، فأشكالها كثيرة وطرقها عديدة، وهي تعني في الجوهر تحدي التمدد الاسرائيلي وايقاف سعيه لابتلاع الارض وطرد السكان ومحاصرتهم مع العمل على تنمية قدرات المجتمع الفلسطيني ومؤسساته .
ان السلام لن يكون ممكنا بلا تغير كبير في المجتمع الاسرائيلي والرأي العام الاسرائيلي لصالح الاقتناع بأن مستقبل اسرائيل غير مضمون وغير ممكن في ظل الحرب والاحتلال.  ان مستقبل  إسرائيل الآمن يتطلب تغير جوهري في العقيدة الصهيونية تؤدي إلى مصالحة تاريخية تقوم على الحقوق والاعتراف بما قامت به الصهيونية بحق سكان البلاد الاصليين من العرب الفلسطينيين، لكن هذا سيتطلب من اسرائيل التعامل مع القضايا الحقوقية الاساسية الخاصة بالفلسطينيين كما حصل مع مجتمعات كثيرة تحررت من الاحتلال وكما حصل في جنوب افريقيا.  سيتطلب الامر صراعا مريرا قبل وصول الشعب الاسرائيلي لنتائج من هذا النوع.
المصدر: الأوان بتاريخ 08 فبراير 2010.
© منبر الحرية، 08 فبراير/شباط 2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

الموقف الإيراني الدولي ينفخ في جذوة الخلافات العربية  المشتعله بين الحين والآخر بتصريحات تستفز الجانب العربي في مغازلة للإدارة الأمريكية الجديدة، هدفها الرهان على ردود أفعال كلا الطرفين .
هذه الحالة من التناغم و التنافر في العلاقات الإيرانية العربية نغمة ليست جديدة الإيقاع على هذه العلاقة الإجبارية الأزلية بين الطرفين، و لكنها أصبحت نغمة أكثر حدة و توتر في ظل التصعيد الإيراني لمناقشة ملفات لا حاجة لفتحها في الوقت الراهن، و التدخل المقصود في  الأزمات العربية التي لعبت إيران دور كبير في تفاقمها، بل و كان لها دور أكبر في نشوب بعضها من الأساس ،   بالإضافة لسياسة افتعال الأزمات وحرب الحناجر التي تنتهجها إيران بحدة مع الجانب العربي في الفترة الأخيرة .
لماذا صرحت إيران منذ عدة أشهر على لسان مستشار بارز لآية الله على الخامنئي أن البحرين المحافظة الإيرانية الرابعة عشر ؟
لماذا تصعد هذا الملف المفتوح منذ عام 1970 و له سوابقه التاريخيه حسب الزعم الإيراني؟، وما معنى التلويح لدول الخليج بالصمت إزاء هذه القضية حتى تسقط إيران من حساباتها المطالبة بحقها في الجزر الإماراتية الثلاث في الوقت الحالي ؟
لماذا جاء رد الفعل المغربي عنيفاً واستثنائياً  في دعمه للمنامة ؟
ماذا تعني الزيارات المعلنة وغير المعلنة للرئيس العراقي جلال طالباني والرئيس الإيراني أحمدي نجاد ؟
لماذا تدعم إيران البشير ؟
هل المنافسة غير المعلنة بين أحمدي نجاد وشمعون بيريز للتغلغل في أمريكا اللاتينية تعد دليل على نجاح السياسة الإيرانية في تحقيق أهدافها؟ وهل ثمة تهديد للمنطقة إذا صحت هذه الفرضية؟
الامتداد الشيعي في الدول العربية يمثل بيت القصيد في التوتر العربي الإيراني. والهاجس التاريخي هو الخلفية التي تستند عليها إيران في التبرير لأطماعها في الجزيرة العربية التي كانت تحت النفوذ الفارسي ثم استقلت عنه منذ أربعة قرون تقريباً حيث استولى عرب عتبة- آل خليفة- على الجزيرة، وطردوا الفرس منها واستقلو في حكمها .
و السؤال الذي يطرح نفسه منذ حرب تموز 2006 في جنوب لبنان و تصاعدت حدته بعد حرب غزة لماذا الآن تفتح هذه الملفات القديمة  ؟
الحقيقة أنه كما أشرنا آنفاً فمغازلة البيت الأبيض في ثوبه الجديد هي اللعبة النارية  الإيرانية الجديدة،  لكن اللعب بالنار لابد أن يؤذي في أقل خسائره المحتملة  أصابع من يحمل جذوتها ، لكن إيران ترى أنه قد حان وقت إعادة التوازنات في القوى السياسية في المنطقة العربية مهما كان الثمن المبذول لذلك .
وفيما يبدو فمساعي إيران لذلك ستؤتي ثمارها، فحضور إيران مؤتمر دولي حول أفغانستان بدعوة من واشنطن، ومن ثم سعيها للتفاوض معها بالرغم من التعنت البادي في الموقف الإيراني تجاه الملف النووي و عدم التزامها بقرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير،  يعني أن إيران استطاعت أن تمتلك أوراق ضغط جيدة لتسوية الملفات المفتوحه بينها و بين أمريكا. وإذا أحسنت استغلالها فور جلوسها على مائدة المفاوضات ، وفي ظل حالة الانقسام العربي تجاه التعامل مع الملف الإيراني وعدم وجود أجندة عربية موحدة من الأصل للتعامل مع القضايا العربية المشتركة أو مواجهة الأطماع الدولية، فسيظل التخوف من تسوية الملف الإيراني الأمريكي على حساب إعادة توازنات القوى في المنطقة لصالح إيران قائماً، والمد الشيعي في المغرب و العراق ومصر والسودان سيلعب دوراً أكثر خطورة في حرب طائفية إيرانية عربية عربية لن يسلم من نيرانها أحد، وستكون الأخطر على أمن المنطقة، ومما لا يخفي على أحد أن  تاريخ الحروب المذهبية دائماً هو الأعنف منذ عرفت الأرض لغة القوة .
لذا نجد المغرب وهي ليست دولة من دول الجوار الإيراني ولا مستهدفة في طموحاتها الاستعمارية ولا توازناتها الدولية، تأخذ موقفاً معادياً لها بقطع العلاقات بين البلدين في رسالة تحذير ليس المقصود بها إيران وحدها، ولكنها أيضاً تحمل في طياتها رسالة  قوية وجهتها الدولة المغربية لنشطاء التيار الشيعي بالمغرب وحتى داخل الجاليات المغربية المتواجدة في أوروبا .
والتخوف المصري من المد الشيعي الذي أعلن عنه الشيخ يوسف القرضاوي منذ عدة أشهر، وتصاعد حدة لهجة الخطاب السياسي بين إيران الشيعية،  و السعودية  السنية، و الدعم الإيراني للشيعة في العراق، و لكل الفصائل المسلحة المعادية للحكومات يبدو جلياً في لبنان  و فلسطين، ورأينا ثمرة هذا الدعم في حرب  حزب الله الأخيرة في جنوب لبنان و حرب غزة الأخيرة مع إسرائيل  بدعم إيراني لحماس.
فإلى متى ستظل إيران تلعب دور نافخ الكير في المنطقة  ساقطة من حساباتها  دماء آلاف الضحايا من المدنيين؟
إلى أي مدى يمكن للهاجس الشيعي الإيراني أن يشعل فتن طائفية داخل الدول لتتحول لمذابح كبرى ؟
و هل هذا كله من أجل استعادة الإمبراطورية الساسانية في إطار جديد لنموذج فارسي أكثر تطوراً يحمل كل وسائل التكنولوجيا ويسعى للتفوق في امتلاك كل أسلحتها ؟
إلى أي مدى  سيمتد الهاجس الطائفي و التاريخي الفارسي الشيعي  ليلتهم كل الأعراف والقواعد الإنسانية و احترام المذاهب  المفروض بين الدول الإسلامية ؟
© منبر الحرية، 03 فبراير/شباط 2010

حواس محمود17 نوفمبر، 20100

السلطة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان الذي يتزعم حزبه حزب العدالة والتنمية مقاليد الحكم في تركيا ، قامت وتقوم بأدوار إقليمية باتت مكشوفة إلى حد كبير ، فابتداء بالتوسط بين سورية وإسرائيل عبر مفاوضات غير مباشرة لإيجاد تسوية سلمية بين الطرفين، وانتهاءا بالتوسط بين حماس وإسرائيل عبر منافذ قطرية عربية كمصر وسوريا وقطر، ودولية كفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الأدوار باتت   تؤتي ردود فعل  مكشوفة  – ولو في إطار النخبتين السياسية والثقافية العربية –  تتسم بالتشكيك والريبة والتساؤل ، وكل ذلك بسبب ما يحيط بالتحرك التركي في المنطقة من مخاوف عودة ” العثمانية” إلى العالم العربي عبر القضايا العربية ودرج على تسمية هذه العثمانية ب” العثمانية الجديدة”.
إن تركيا الأردوغانية لم تكن لتستطيع أن تقوم بهذه الأدوار الإقليمية لولا الضعف العربي الذي بات مكشوفا إلى حد كبير أمام اللوحتين الإقليمية والدولية، مما أدى ويؤدي إلى إغراء العديد من القوى الإقليمية والدولية للتحرك وبسط النفوذ من خلال هذا الانكشاف الواضح، فهنالك الانقسام الواضح ضمن النظام الرسمي العربي بين دول الاعتدال  ودول الممانعة ، وتأخر الدول العربية في المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والتنموية. هذا التأخر أثر وبشكل كبير في المستوى  السياسي مما أدى إلى غياب الديناميكية السياسية القادرة على التعامل مع قضايا العالم العربي الداخلية والخارجية بحيوية فائقة.
ومن المفارقات العجيبة حقا أن يتعاطف زعماء تركيا مع قضية أهل غزة وفلسطين الذين تعرضوا للعدوان الإسرائيلي، وهم يقومون  بنفس الوقت بقمع الكرد في تركيا ويمنعون عنهم لغتهم وتراثهم، وتمنع أحزابهم من العمل السياسي ويزج بالسجون آلاف المناضلين الكرد في سبيل حقوقهم القومية المشروعة !  علما أن القضيتين  تتشابهان في الظلم وإنكار الحقوق القومية ومنع تقرير المصير سواء للشعب الفلسطيني  من قبل إسرائيل أو للشعب الكردي من قبل السلطة التركية ، فهل الشعب الفلسطيني شعب والأكراد هم ليسوا شعبا أو كما يسميهم الشوفينيون  الأتراك  ب “أتراك الجبال ” !
إن قيام تركيا بهذا الدور الذي يتلخص في منع حقوق الكرد القومية داخلها والبكاء على حقوق الفلسطينيين في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة خارج نطاق الإقليم التركي، يمكننا إدراجه ضمن ازدواجية  واضحة المعالم والتجليات ، إذ كيف يمكن تصديق   هذه اللعبة الازدواجية المثيرة للاستغراب والاندهاش للمراقب السياسي؟  ، الذي ينظر برؤية سياسية دقيقة ومتمعنة وثاقبة ،ولكن من المستغرب حقا  أن  تنطلي لعبة  السلطة التركية هذه على قطاعات واسعة من الشعب العربي ، فإذا كانت تركيا تريد حقا أن تتعاطف مع العرب فهل ستضحي بعلاقاتها الإستراتيجية مع إسرائيل ؟ وهل ستلجأ إلى إلغاء  الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل في وقت قريب ؟
ويتجلى النفاق التركي أيضا  في الرغبة بانضمام تركيا إلى السوق الأوربية المشتركة وفي نفس الوقت تحسب نفسها ضمن الدول الإسلامية في المنطقة، وهذا يأتي كانعكاس عن الثقافة الإسلامية  على صعيد الشارع التركي من جهة والثقافة العلمانية الكمالية على صعيد العسكر والنخبة السياسية ذات النفوذ القوي في دوائر السلطة والقرار في تركيا ( الأمن القومي التركي) من جهة أخرى.
وإلى حين أن تستطيع تركيا حل تناقضاتها الداخلية والخارجية ستظل تلعب أدوارا مزدوجة خارجيا بإقامة علاقات مع  إسرائيل والغرب وبنفس الوقت نسج علاقات مع الدول العربية والإسلامية.
إن مشكلة العالم العربي أنه بقي عصيا – حتى الآن- على التحولات الديمقراطية على الصعيد العالمي مما أخرها عن ركب الحضارة العالمية ، وما أدى ويؤدي  إلى أن تأتي قوى إقليمية ودولية للتدخل في قضايا هي في صميم مسؤوليات دول هذا العالم
ولذلك نرى أن دولة أخرى تتدخل وبقوة وهي إيران، وتحاول بسط نفوذها الإعلامي والسياسي على سطح القشرة الدماغية للإنسان العربي بإقناعه بأنها قوة إسلامية قادرة على حل العديد من القضايا العربية وأهمها قضية فلسطين.
© منبر الحرية، 02 فبراير / شباط 2010

عياد البطنيجي17 نوفمبر، 20100

تلتقي “حماس” وإيران بمصالح متبادلة؛ فمن جهة تحتاج إيران لـ”حماس”، ليس فقط كما يروج إعلاميا كورقة ضغط في وجه إسرائيل، بحكم أن “حماس” لديها منظومة عسكرية قادرة على إقلاق إسرائيل بضربات موجعة بيدٍ “حمساوية” موجهة من صانع القرار القابع في طهران، لاسيما أن “حماس” ترفض عملية “السلام” وتتبني المقاومة كخيار استراتيجي ومنضوية تحت لواء ما يسمى بـ”الممانعة” بزعامة إيران. وما “حماس”- والحالة كذلك – إلا يد إيران الضارية في خاصرة إسرائيل الجنوبية.  وتحتاج “حماس” إلى إيران كرافعة وسند في مواجهة جبهتين تنظر إليهم “حماس” كعدوين وهما: إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية ومن ورائها حركة “فتح”. وفي الوقت الذي وجدت “حماس” نفسها محاصرة والأبواب العربية موصدة أمامها، وفي الوقت ذاته تستفيد السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” من الدعم العربي، تحرم “حماس” من هذا الدعم بعد فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية الثانية في يناير 2006. لذا تجد “حماس” أن علاقتها مع إيران وسورية مهمة لها لكي توازن علاقة السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” مع أطراف عربية كمصر والسعودية. لذا تصبح إيران مهمة بالنسبة إلى “حماس” كي تتكئ عليها وتستقوي بها في إطار صراعها الداخلي وكذلك لمساومة محور ما يسمى بـ “الاعتدال” العربي، خاصة أن هذا المحور قاطع “حماس”.
في الحقيقة أن الدعم الإيراني لـ”حماس” ليس هذا هدفه، أي إقلاق إسرائيل وتشكيل نتوء يوخز خاصرتها كالنصل المسنونه، واختراق المجال الحيوي لإسرائيل، فالهدف أعمق وأشمل من ذلك، لاسيما أن “حماس” لا تشكل رافعة لإيران ولا مصدر قوة يمكن أن تتكئ إيران عليها في حال وصل التناقض إلى ذروته مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في ما يخص المسألة النووية، بل إن الدعم الذي تحتاجه إيران أكبر من قدرات “حماس” أو أي تنظيم  فلسطيني آخر.
نعم تستطيع حماس أن تثير المتاعب والقلاقل لصالح إيران، أو تسخين الجبهة الجنوبية ضد إسرائيل، ولكنها لا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك. وحتى الآن لم يثبت بالفعل إن كانت “حماس” خاضعة للقرار الإيراني أم لا. ليس معنى ذلك إنها ليست كذلك، أي تابعة لإيران، بل القصد هنا أن الحكم على مدى خضوع “حماس” لصانع القرار الإيراني لم يحن بعد. فمن الناحية الموضوعية لم تحن لحظة الحكم على مدى تبعية “حماس” لإيران، وأي حكم في هذا الخصوص هو حكم أيديولوجي وليس حكما علميا. وسنتحدث عن ذلك بعد سطور.
فلإيران أهداف إستراتيجية كبرى من جراء دعمها لـ”حماس”، أبعد من استعمال الأخيرة كورقة كما يروج. فلإيران دور إقليمي تسعى إليه بما يتواءم مع إمكانياتها وقدراتها كدولة محورية في المنطقة،  لذا فهي ترى نفسها تستحق دورا إقليما  متميزا وإن لم يعترف بهذا الدور فستعمل على انتزاعه عنوة.
وعليه، فإن أي دور لأية دولة في منطقة المشرق العربي لا بد أن يكون العبور إليه من خلال البوابة الفلسطينية. ودعم إيران لـ”حماس” يهدف إلى  الدخول لهذه البوابة التي ستفتح آفاقا لها في المشرق العربي كون القضية الفلسطينية هي “قضية العرب الأولى”. “فقضية فلسطين واستمرار الاحتلال والغطرسة الإسرائيليين هي بوصلة القيادة الإقليمية. شئنا أم أبينا، مللنا من القضية أم لم نمل، طالت أم قصرت، برزت قضايا وحروب أخرى «تنافس» على ترؤس الأجندة الإقليمية أم لم تبرز، تظل قضية فلسطين (طالما لم تحل) هي الباروميتر الذي يحكم من خلاله الرأي العام وغيره على أهلية ودور وموقع هذا البلد أم ذاك” (خالد الحروب، حتى لا يصل جدار غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، الحياة, 27 ديسمبر 2009).
وهذا ما تقوم به تركيا، فـ”التشدد التركي حيال إسرائيل لقي استحساناً جماهيرياً، ونخبوياً عربياً ولو من الباب العاطفي والشوق العربي إلى قيادة عربية أكثر جرأة في مواجهة الإذلال المتواصل الذي تمارسه إسرائيل حيال الفلسطينيين والعرب”. وتعود تركيا إلى الشرق الأوسط من بوابة الصراع العربي – الإسرائيلي، تماماً كما أمنت إيران حضوراً سياسياً طاغياً في المنطقة أيضاً من بوابة هذا الصراع. فالتأييد الذي يلقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لدى العرب الآن، مصدره الموقف التركي المعارض بشدة للحرب الإسرائيلية على غزة قبل عام. لذا ليس مستغربا أن ترفع صور طيب رجب اردوغان في غزة.
وبالتالي إن الدعم الإيراني لفلسطين من خلال “حماس” ما هو إلا تعبير رمزي ليس إلا. ومن هنا  فالدعم الإيراني-كما تريد إيران- لـ”حماس” أصبح رمزا دالا على مقاومة المشروع الصهيوني في المنطقة، ورفض الهيمنة الأمريكية، والدفاع عن القضية الفلسطينية، والقدس، والشعب الفلسطيني المغبون، كل ذلك له مكانته المقدسة لدي العرب والمسلمين. وبذا تحصل إيران على المكانة التي ستجنيها من جراء ذلك.
وهكذا فإن الدعم الإيراني  لـ”حماس” ما هو إلا تعبير رمزي تريد إيران أن تظهر من خلاله بأنها رمز يدل على القوة والعظمة الإيرانية؛ لأنها تسير بخط مناقض لاتجاه المشروع الصهيوني وهو أمر مرغوب عند الشعوب العربية. وتريد إيران أيضا أن تظهر من خلال هذا الدعم أنها حاملة المشروع “النضالي المقاوم والممانع” ضد الوجود الصهيوني والشيطان الأكبر، وحامية حمى القدس والملة،  في وقت خذلان النظام العربي، من تقديم أي دعم للمقاومة وتعزيز صمود الفلسطينيين. وتصبح إيران-والحالة كذلك- رمز “المقاومة” والصمود في المنطقة، مقابل تراجع واستسلام وتخاذل النظام العربي. ورمز التحدي والقوة، مقابل الرضوخ والضعف، ورمز الجرأة والمبادرة والفعل، مقابل الجبن والبقاء كطرف مفعول به.
وبالتالي تكتسب إيران رصيداً وأهمية في الشارع العربي حين يبدو أنها تتبنى “قضية العرب الأولى” التي تخلت عنها الأنظمة العربية والتفتت لقمع شعوبها. في الوقت الذي تبدو فيه طموحات إيران النووية رامية عموماً لأن تصبح لاعباً رئيساً على الساحة الإقليمية وتتبوأ لقيادة العالم الإسلامي(أم القرى بالتعبير الإيراني) على نطاق أوسع. وهذا ما يفسر ميل الشارع العربي إلى إيران، وهو ميل ليس حبا في إيران بقدر ما هو تأييد لها كتعبير رمزي أيضا مبعثه الشعور بالغبن في عالم يتجاهل العرب وقضاياهم، في عالم يناصر الأنظمة العربية التسلطية ويغض الطرف عما تفعله بالشعوب التي تتحكم بها، في ظل مجتمعات عربية مكبوتة، مهانة، محتقرة، وأمراض تنخر في أحشائها. وهنا يجنح المظلوم لردود الأفعال، فعندما يتشيع هذا في فلسطين، أو ذاك في المغرب العربي  فهو تعبير رمزي عن فعل له معنى عند هؤلاء المتشيعين، تعبير عن حالة الظلم والاستهانة والضعف، وجد هؤلاء بإيران كحالة نقيضه لما أصاب المشروع النهضوي العربي من تردي وانهيار وضعف.
بالتأكيد إن إيران لن تطلق طلقة واحدة من أجل فلسطين، ويبقى دعمها فقط دعما معنويا وشعاراتيا. فماذا فعلت إيران لأهل غزة  في محنتهم إثر  العدوان الإسرائيلي على القطاع، حيث اكتفت بالتنديد والشجب والاستنكار، وعمليا لم تفعل شيئا، بل جيرت العدوان وما ترتب عليه من نتائج لخدمة مصالحها وإستراتيجيتها الشاملة في المنطقة من خلال إضعاف خصومها وإحراج النظم العربية الحاكمة  وإظهار نفسها كقوة تدافع عن الحق الفلسطيني في الوقت الذي يتراجع العرب عن ذلك. وماذا فعلت إيران بالحصار المضروب على غزة، اكتفت فقط بالتنديد بالصمت الذي تلتزمه الدول العربية تجاه الحصار متهمة بعض الرؤساء العرب بالتآمر على غزة مثلما تآمروا على لبنان خلال العدوان الإسرائيلي عام 2006، وشنت هجوما إعلاميا ودبلوماسيا ضد السعودية ومصر. هكذا جيرت إيران العدوان والحصار لإضعاف خصومها في المنطقة وإظهارهم بمظهر الضعفاء وتعريتهم أمام شعوبهم، من خلال لومها للعرب في تقصيرهم بحق القضية الفلسطينية، وإضعاف النظم العربية والقيادات الحاكمة، وإظهارها بمظهر النظم الراضخة للمشروع الصهيوني، لاكتساب أرضية جديدة وإحراز النقاط في مرمى الحكام العرب .  وبالتالي فإيران لم تقدم للفلسطينيين سوى الشعارات والخطابات. إذن لم يختلف الموقف الإيراني عن نظيره العربي. ولكن الاختلاف فقط في حدة اللغة والخطاب والشعار الذي لامس مشاعر وأحاسيس الجماهير العربية المغبونة وهي جماهير تعشق الخطاب المشحون  المفعم  بالانفعالات واللغة الحادة البعيدة كل البعد عن الفعل العملي العقلاني. وهو خطاب يجد طريقة في تربة  محرومة ومتعطشة للخطاب الحماسي والعاطفي؛ لأن مستوى عواطفها (الجماهير) يزيد كثيرا عن مستوى وعيها وفهمها العقلاني. هذا الخطاب استطاع أن يغزو عقلها سريعا. وبالفعل وجدت إيران تأيدا لها في الشارع العربي.
والهدف الآخر من الدعم الإيراني لـ”حماس”، هو تجسير الفجوة بين المصلحة القومية الإيرانية وأيديولوجيا الثورة الإسلامية المتجسدة في النظام الحاكم(الثيوقراطي). إن السياسة الخارجية الإيرانية تأسست على ركيزتي المصلحة الوطنية والأيديولوجية الإسلامية داخل إطار الإرث الإمبراطوري التاريخي ضمن أفق للتطلع للعب دور الدولة الإقليمية المهيمنة. والفكرة الرئيسية هنا أن أحد المرتكزات الرئيسية للسياسة الخارجية الإيرانية-كما ينص الدستور الإيراني- هو الدفاع عن المستضعفين والعداء للمستكبرين، والدفاع عن وحدة الأمة الإسلامية. المشكلة هنا  أن السياسة لا تعمل ولا تتحرك من منطلقات أخلاقية ومبدئية، فالسياسة هنا هي فن الممكن، وهي تقوم على أساس المصلحة أولا وقبل كل شيء. وهذا صحيح فجميع الأنظمة تتعامل مع الأحداث والصراعات والخلافات السياسية من منظور المصلحة السياسية، وأن مصالح الأمن هي أكثر ما يحرك الدول، ويستنهض هممها، لذا فإن الدول تهتم أشد الاهتمام بالمحافظة على قواتها وتعزيزها. وبالتطبيق على إيران التي تحاول أن تجمع بين مصلحتها القومية وإيديولوجيتها الإسلامية، نجد في سياستها الخارجية الكثير مما يخالف هذه الرؤية، أي إيديولوجيتها الإسلامية، فالعراق وأفغانستان يمثلان الدليل الناصع على ذلك . لذا تكون فلسطين أو بالأحرى “حماس” والمنظمات الفلسطينية الأخرى التي تتلقى الدعم الإيراني، حلا لهذا الإشكال. فمن خلال دعمها لـ”حماس” تؤكد  إيران التزامها الإيديولوجي(العقدي) تجاه القضية الفلسطينية، ويشكل ذلك الأنموذج لنشاطها  المرتكز على البعد الإسلامي للصراع. وهكذا تثبت إيران أنها ملتزمة بمرجعيتها الدينية في أهم قضية إسلامية ألا وهي القضية الفلسطينية. وبذا تعطي لنفسها الحق في الاعتراض على كل من يدعي أن ما يحرك سياستها هو مبدأ مصلحي أناني فقط منزوع من أي بعد إسلامي عقدي، فبدعمها لـ”حماس” تثبت إيران العكس.
قلنا في مقدمة المقال إن الحكم على تبعية  “حماس” لإيران يصعب إثباته بطريقة علمية، حيث أن المحك أو المعيار العلمي في الحكم على مدى استقلالية “حماس” أو تبعيتها هو تناقض مصلحة الأخيرة مع المصلحة الإيرانية مع بقاء استمرار “حماس” تأدية دور يصب في مصلحة إيران لا مصلحتها هي.  وفي الحقيقة أن هذه المرحلة لم تأت بعد. يمكن أن يقال- مثلا -أن “حماس” تعرقل المصالحة الوطنية بقرار إيراني، وهو ما قيل بالفعل. نقول إن هذا لا يعتبر مؤشر على التبعية؛ لأنه “حماس” لا تريد المصالحة في هذا الوقت، أي قبل ضمان الاعتراف الأمريكي أولا والاعتراف العربي ثانيا بها كقوة لها دورها في النظام السياسي الفلسطيني، أي اعتراف الخارج بها كقوة بديلة عن “فتح” ومنظمة التحرير وأنها بوابة الدخول إلى القضية الفلسطينية. لذا فإن المصلحة متطابقة وليست متعارضة بين “حماس” وإيران.
ومع ذلك أرى كباحث ومراقب لعلاقة الفصائل الفلسطينية وطريقة تعاملها مع الخارج وبخاصة مع إيران وسورية، أن بعض هذه الفصائل لا تستند في علاقتها مع الخارج على أساس القوة والندية والاعتزاز بالنفس كونها تحمل قضية مقدسة لدى المسلمين والعرب، أي القضية الفلسطينية، بل تتعامل بضعف وبمستوى متدني من القوة والثقة بالنفس، وهذا قد يكون شرطا نفسيا لقبول الاستتباع  للخارج. ومن مؤشرات ذلك إن بعض القيادات الفلسطينية في مقابلتها لدول كإيران أو سورية كانت تطالب بأن تكون علاقتها عبر وزارة الخارجية لا عبر الأجهزة الأمنية كتعبير عن القوة والندية في العلاقة، ومع رفض هذا المطلب، تقبل هذه القيادات في النهاية أن يكون التنسيق من خلال الأجهزة الأمنية، وهو الشكل الغالب في علاقة هذه القيادات مع هذه الدول. وهذا يدفعنا إلى التشكك والتوجس من تبعية الفصائل الفلسطينية لسورية وإيران رغم عدم ثبوت ذلك بأدلة علمية وموضوعية قاطعة كما بينا سابقا. ونتمنى بأن نكون مخطئين في ما ذهبنا إليه وأن لا ينطبق ذلك على علاقة “حماس” بإيران.
وما يدعو للدهشة أيضا ويضع علامة استفهام على طبيعة هذه العلاقة، هو ما صرح به خالد مشعل زيارته إلى طهران في ديسمبر 2009، “إن الحركات الإسلامية في المنطقة ستقف جبهة واحدة مع إيران إذا تعرضت لهجوم من جانب إسرائيل”. وبرغم أن مشعلا ليس ناطقا باسم الحركات الإسلامية في المنطقة لكي يحدد ردود أفعالها؛ إلا إذا كان مطلعا على ذلك وأن هناك تنسيقا بالفعل بين هذه الحركات وأن لديهم رؤية واضحة تجاه هذه المسألة. والتساؤل هنا ما هو طبيعة الدعم الذي يمكن أن تقدمه الحركات الإسلامية لإيران؟ إلا أن هذا ما يدفع إلى التخوف والتشكك في مدى استقلالية “حماس” عن  إيران. ومع ذلك نقول إن لحظة الحسم لم تأت بعد، ويمكن أن يكون موقف مشعل موقفا تكتيكيا بغرض الحصول على المال الإيراني ليس أكثر من ذلك.
© منبر الحرية، 20 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تمر الولايات المتّحدة بحالة تاريخية من الوهن والضعف نتيجة لقرارات إدارة بوش الابن السابقة الخاطئة، التي أغرقت القوة العظمى في وحول العراق وأفغانستان والعبء المالي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الناتج عن هذه الحروب. ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتعقّد وضع واشنطن في النظام العالمي، وكان نتيجة ذلك أن أتت إدارة جديدة بقيادة الرئيس أوباما تحت عنوان التغيير في محاولة لتدارك الأمر.
هذا التغيير يحمل ضمنا عدّة مفاهيم طارئة على الوضع دفعت الأمريكيين إلى إعادة النظر في عدد من الأمور التي كان ينظر إليها كمسلّمات. فالقوة العسكرية على سبيل المثال لم تعد الملجأ القادر على حل المشاكل، بل أصحبت مشكلة تعقّد الأوضاع وتضعف من مكانة الولايات المتّحدة العالمية. على الصعيد الديبلوماسي أيضا أصبح هناك شعور راسخ بأهمية التعاون مع القوى أخرى في المنظومة العالمية لانّ المشاكل والتحدّيات أكبر من أن تقوم دوما لوحدها بحلّها مهما بلغت من قوّة وعظمة.
ومن ضمن المواضيع التي شهدت إعادة نظر أيضا القضية الفلسطينية. فالأمريكيون بشكل عام والإدارة الأمريكية بشكل خاص، تدرك أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والصراع العربي-الإسرائيلي أصبح يقوّض وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم. ولان أمريكا لم تعد بالقوّة التي كانت عليها من قبل، ولان مشاكلها تفاقمت، ولان القضية الفلسطينية أصبحت محرّكا لكل من يريد معاداة أمريكا، ولان الأمن القومي الأمريكي أصبح مهددا بسبب هذه الإشكالية قبل هذا وذاك، أصبح حل هذه المعضلة أمرا أساسيا.
نتانياهو يعلم الحقائق الضاغطة باتجاه إسرائيل، ولذلك هو منذ انتخابه عمد إلى اللجوء لعدد من التكتيكات الديبلوماسية المهمة التي تعطينا درسا في كيفية التملّص من الالتزامات والتهرّب من الضغوط:
1- الملف الإيراني: تذرّعت إسرائيل بداية بالخطر النووي الإيراني والتهديد الوجودي الذي يفرضه على إسرائيل في محاولة لاستعطاف أمريكا والغرب وتحويل الأنظار عن شرط الوقف الكامل للاستيطان كمقدمة لإجراء مفاوضات تفي إلى التوصل لتسوية ليست لصالح إسرائيل ولا تريدها. وكانت الولايات المتّحدة قد عبّرت سابقا عن حنقها من التصرفات الإسرائيلية عبر رفض استقبال رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي في زيارته في بداية العام إلى واشنطن، حيث تفادى أي مسؤول أمريكي رفيع المستوى مقابلته وشمل ذلك حتى نظيره الأمريكي مايكل مولن، واقتصر لقاؤه على مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونس الذي رفض الخوض معه في الملف النووي ودعاه إلى التركيز على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
كما رفضت الإدارة  الأمريكية منح مبعوث نتنياهو إلى واشنطن مستشار مجلس الأمن القومي “عوزي أراد” تأشيرة دخول علما أن الأخير ممنوع أصلا من دخول الولايات المتّحدة لعلاقته بمسؤول البنتاغون لاري فرانكلين في فضيحة نقل خطط أمريكية حول إيران إلى إسرائيل عبر اللوبي اليهودي “ايباك”.
2- فخ التجميد المؤقت للمستوطنات: لجأت حكومة نتانياهو في مرحلة لاحقة إلى طرح فخ التجميد المؤقت للاستيطان (مدّة 6 أشهر)، للالتفاف على الضغوط الأمريكية وحشر الفلسطينيين، أي انّها تكون بذلك نفّذت شرط وقف الاستيطان “شكليا” وأرضت الأمريكيين، ثمّ أجبرت المفاوض الفلسطيني على التفاوض من دون الحصول على أية مكاسب حقيقية خاصةّ أنّ الاستيطان سيتواصل فيما بعد. وأمام التعنّت الإسرائيلي والتمسّك بهذا الطرح، قام الأمريكيون بنقل الضغط على الجانب الفلسطيني للقبول به، لكن الموقف السعودي أطاح بهذا الالتفاف عندما أعلن بشكل وزيرة الخارجية سعود الفيصل بشكل واضح وقوي وفي خطوة نادرة في نيويورك رفضه المماطلة والتسويف الإسرائيلي عبر تكتيك الوقف المؤقت للاستيطان، أو طرح التطبيع الشامل قبل الحصول على خطوات إسرائيلية جدّية.
3- التلاعب على الانقسام الفلسطيني وتعميقه: اعتمدت الديبلوماسية الإسرائيلية أيضا على التلاعب على مسالة الانقسام الفلسطيني، والمفارقة في الأمر أنّ الحكومة الإسرائيلية عملت على تعميق الانقسام من خلال تقويض السلطة الوطنية لصالح خصومها على اعتبار أنّ الأولى منخرطة في الجهد الأمريكي والعربي لانتزاع تنازل من إسرائيل في حين أنّ خصومها يعارضون العملية السلمية وهو ما يخدم إسرائيل حاليا، وذلك لان المصالح الإسرائيلية الحالية تتقاطع مع مبدأ هؤلاء من حيث رفض التفاوض. فلا إسرائيل تريد خوض مفاوضات من موقع المضغوط عليه، ولا خصوم السلطة يريدون مفاوضات من أساسه، ولذلك شهدنا تحركات باتجاه هذا التقاطع الذي يعزل السلطة وبالتالي يفشل الجهود الأمريكية من خلال تسريب الإسرائيليين لإمكانية عقد صفقة للأسرى وهو بالتأكيد ما سيعزز من وضع حماس في الداخل الفلسطيني، كما عبّر موفاز في محطات عديدة عن إمكانية استبدال السلطة بحماس عن طريق التفاوض مع الأخيرة.
4- التذرّع بعدم وجود شريك فلسطيني: بعد تعميق الانقسام الفلسطيني والتلاعب عليه، طرحت الحكومة الإسرائيلية موضوع عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، على اعتبار أن حماس لا تفاوض وانّ الرئيس الفلسطيني لا يصلح لان يتم التفاوض معه، فهو ضعيف ولا يمثّل كل الفلسطينيين في ظل الانقسام الحاصل، وطلبت إسرائيل بالتالي تأجيل التفاوض إلى حين حل المشكلة الفلسطينية المتمثلة في الانقسام. وكأن الإسرائيليين يأبهون للوحدة الفلسطينية، بل إن هذا الانقسام يخدمهم في التهرب من مسؤولياتهم ومن الضغوط المفروضة عليهم ويحررهم من أي تنازل ممكن.
4- الاستفتاء الشعبي: آخر أسلحة الديبلوماسية الإسرائيلية كانت اللجوء منذ أيام إلى إقرار مشروع قانون يلزم الحكومة الإسرائيلية بإجراء استفتاء شعبي قبل أي انسحاب إسرائيلي من أراض محتلة. والمراد طبعا من إقرار هكذا المشروع، التحصّن ببعد شعبي يدعم التعنّت الحكومي بعدم الاستجابة للضغوط الأمريكية والمطالب العربية. ومن شأن هذا التشريع أن يفرغ أي مفاوضات مستقبلية أو أي قرار دولي أو حتى إسرائيلي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، إذ سيتم التحجج بوجود أغلبية شعبية معارضة للانسحاب، وبالتالي نقل الضغط من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني والعربي باتجاه دفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات والتراجعات.
يحسب للرئيس أوباما وعلى العكس من الرؤساء الأمريكيين السابقين انّه تحرّك منذ توليه لمنصبه، وان لم يكن قد توصل إلى أيّة نتائج تذكر بعد، ومن غير المعروف ما إذا قادرا أصلا على تحقيق أية نتائج في هذا الإطار. لكن الوضع الإسرائيلي يعطينا مؤشر بتعرّضه لضغوط كبيرة، لكن المطلوب أن تبقى هذه الضغوط الأمريكية موجهة إلى الجانب الإسرائيلي وان تزداد وان لا تتحول باتجاه الفلسطينيين أو أن يتم فقدان الأمل وبالتالي إعطاء الحرية لإسرائيل في غيّها ومماطلتها. هناك العديد من التجارب التاريخية التي تشير إلى أنّه وعند التضارب بين مصالح الأمن القومي الأمريكي وبين مصالح إسرائيل، فان واشنطن تدافع بشراسة وقوة عن أمنها القومي حتى وان تطلب ذلك إجبار إسرائيل الحليف الاستراتيجي على التراجع واتخاذ خطوات لا يحبّذها. في العدوان الثلاثي على مصر على سبيل المثال، أجبرت واشنطن الحكومة الإسرائيلية على الانسحاب والتراجع وقالت جولدامائير في حينه بما معناه بانّ القرار الأمريكي أذل إسرائيل وأجبرها على فعل ما لا تريد. وقد تكرر الأمر أيضا في عهد بوش الأب التي هدد إسرائيل بوقف المساعدات المالية والعسكرية المخصصة لها فما كان منها الاّ أن لبّت طلبه.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تستعمل بعد كل الأوراق ولم تضغط بالشكل القاسي المفترض ، لكن المطلوب عربيا تزويد أوباما بالأدوات التي يحتاجها أيضا في الضغط على إسرائيل، لا التفرج على جهوده ومن ثمّ القول بأنه لم يغير شيئا. ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالتحرّك الأوروبي الأخير سواء عبر المشروع السويدي الذي طرح مؤخرا أو عبر بيان المجلس الأوروبي حول عملية السلام والاعتراف بالقدس ورفض قيام إسرائيل بفرض أمر واقع عبر تغيير الوقائع على الأرض وتهجير الفلسطينيين وإقامة المستوطنات وتغيير التركيبة السكانية للقدس، والذي يصب أيضا في دعم المجهود الأمريكي خاصة أنّ العديد من التقارير البحثيّة الأمريكية الصادرة حديثا تعترف بضرورة حل القضية الفلسطينية وان لزم الأمر الضغط على إسرائيل، علما أن هذه التقارير تشير أيضا إلى إمكانية أن يتسبب هذا الضغط بمشاكل للرئيس اوباما في الداخل الأمريكي ويعرقل بالتالي مسيرته وتقدمه سواءا عبر اللوبي الصهيوني أو عبر أعضاء الكونجرس المواليين لتل أبيب.
© منبر الحرية، 14 يناير/كانون الثاني2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تحتل إيران مجددا واجهة ومركز مسرح الأحداث الدولية. إذ تواصل إدارة أحمدي نجاد تصعيدها و الدفع نحو رد فعل عالمي قد لا يخلو من هجمة عسكرية. خلال ذلك، يواصل الرئيس أحمدي نجاد تعزيز سلطته ليظهر بمظهر الرئيس الأقوى منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وما تصعيد التوتر بين إيران والمجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي سوى مظهر آخر من العسكرة الفعلية للنظام الإسلامي. وقد أصبح هذا التوجه واضحا جدا غداة  القمع الوحشي للإحتجاجات الشعبية التي تلت الانتخابات الرئاسية المزوّرة في حزيران (يونيو) الماضي.
لقد صمم هذا القمع للقضاء المبرم، وإلى الأبد، على الحركة الديمقراطية الواسعة، وتأسيس نظام عسكري بدلا عنها. فقد أسس أحمدي نجاد وحلفاؤه سيادتهم على حساب النخب الدينية للتغطية عن سلطة الخميني القائد الأعلى، وعلى مختلف المجالس الحاكمة ذات الغالبية الدينية.
لقد تغيرت مجموعة من المعطيات مع انتخاب أحمدي نجاد عام 2005. فبالرغم من أن السلطة السياسية مركزة بين يدي القائد الأعلى — إلا أن أحمدي نجاد أستخدم سلطاته الإدارية ليقوم بتعيين الموالين له في الحكومة المركزية وحكومات المحافظات، فضلا عن منحهم المناصب الرئيسة، الاقتصادية منها والتربوية.
كما أنه أولى أهتماما خاصا بهيئات الشرطة الأساسية، واستبدل قادتها الكبار، وحوّل الموارد الاقتصادية إلى أتباعه الموالين له – ومن بين هؤلاء شركة خاتم النبيين التي فازت بأول عقد لها بقيمة العديد من المليارات من الدولارات لتطوير أحد الحقول النفطية. وعلى مدى السنوات القليلة القادمة، ستمتد سيطرة قوات الأمن لتهيمن على الجيش، والإعلام، وجميع نواحي الاقتصاد الإيراني.
كما أن عسكرة النظام الإسلامي قد أتسعت لتحكم قبضتها على السياسة الخارجية للبلد. فموقف المواجهة المتزايد الذي تتخذه إيران بشأن برنامجها النووي إنما يعكس مصالح قوات الأمن في إبقاء إيران معزولة متغطرسة – فتطبيع العلاقات مع الغرب، ولا سيما مع الولايات المتحدة، يعبر تهديدا قويا لبقاء النظام ودورهم القوي.
سيكون الشرق الأوسط  أول من يعاني من هذه السياسة الخارجية العدائية، سيما وأن النظام يستغل الفراغ الإقليمي من القوى الموازية، وغياب القوى القومية العربية المهيمنة.  ولم يكن سقوط صدام حسين مجرد ضربة أخرى للقومية العربية، بل أنه أعطى لإيران فرصة ذهبية لبسط نفوذها إلى ما وراء حدودها. حيث أعطى التغيير السياسي في العراق فرصة لظهور سيطرة شيعية، و التي تبدو اليوم في انسجام تام مع القيادة الإيرانية. لكن هذه الفرصة الأولية للتأثير قد تفاقمت لتصبح نفوذا لا يُنكر، توّسع بشكل دراماتيكي وغير مقصود مع إعادة تشكيل الحكومة في العراق.
كما أن هذه التغيرات قد مكّنت إيران أيضا من توسيع دورها في الإقليم. فهي الآن قادرة على ممارسة نفوذها السياسي الإستراتيجي على البلدان العربية ذات الكثافة السكانية الشيعية الكبيرة.
فعلى سبيل المثال، لقد برز شيعة لبنان كقوة متحدية بمساعدة من إيران. كما أن ميزان القوى قد تحوّل لصالح إيران كدولة ذات نفوذ قوي. وبتطوير برنامجها النووي القادر على إنتاج الأسلحة النووية، هناك إمكانية متزايدة لإيران بأن تزيد من تهديدها للاستقرار في المنطقة.
كما أن الشيعة في العالم العربي اليوم – الذين كانوا يعاملون عادة كمواطنين من الدرجة الثانية من قبل بعض الحكّام السنة المسيطرين – ينظرون إلى إيران كسلطة سياسية ومعنوية. فبالنسبة للعديد من العرب الشيعة، تتمتع طهران بأهمية تضاهي أهمية الفاتيكان للكاثوليك.
وقد استغلّ أحمدي نجاد هذه المشاعر الدينية بذكاء. إذ لا يستطيع المرء أن يجادل أن الفائز الوحيد في حرب العراق عام 2003 هي إيران.   فقد حصدت انتصارا دون إراقة قطرة دم واحدة، مستفيدة من الدين، ممثلة دور المدافع عن الشيعة. فالهوية الدينية الشيعية قد انتشرت الحدود السياسية العربية وتخللتها. فكانت هذه الهوية أقوى من أن تقف بوجهها أية حدود سياسية. إن معطيات الأمور تتغير بسرعة لصالح إيران.
في غضون ذلك، لا يأبه النظام الإيراني العقوبات الاقتصادية العالمية، على الرغم من أن الناس في إيران لا يزالون يعانون سياسيا واقتصاديا، و التهميش التام لحقوق الإنسان. أما العقوبات العشوائية الجديدة فمن شأنها أن تزيد الطين بلّة، فتزيد من معاناتهم، وتقوي شوكة النظام.
تبرز الحاجة هنا إلى ضرورة إيجاد صيغة مزدوجة للتعامل مع إيران، تركّز على حقوق الإنسان وتوجّه العقوبات الاقتصادية نحو القادة السياسيين والعسكريين. ربما سيحظى ذلك الأمر بانتباه أحمدي نجاد وتمهد الطريق الطويل لاستعادة موازين القوى في المنطقة.
*رجا كمال : عميد  كلية هاريس لدراسات السياسات العامة في جامعة شيكاغو.كريم باكرافان هو أستاذ مشارك زائر في العلوم المالية في جامعة دي باول.
© منبر الحرية، 31 دجنبر/كانون الأول2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018