الإصلاح الاقتصادي

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

تنزيل أغانٍ غير مرخصة من شبكة الإنترنت شيء رائع. الموت من دواء مزيّف ليس كذلك.

لكن، القرصنة وتطبيق القانون بشكل غير فعال يعطيانك شيئاً، وأيضاً يعطيانك شيئاً آخر—هناك حكومات كثيرة ومجموعات إنسانية ستقول لك إن هذا شيء جيد.

البرازيل وكينيا وتايلندا ومنظمتا “أكسفام” و”أطباء بلا حدود” ومنظمة الصحة العالمية يقولون إن براءات الاختراع تحرم الفقير من الأدوية المهمة، وإنه يجب إلغاؤها باسم الصحة العامة.

في الحقيقة، هذه الامتيازات هي التي جلبت هذه الأدوية إلى الوجود، بالإضافة إلى الملايين من المنتجات الأخرى، منها الرائعة ومنها العادية: شعار “المرضى قبل الامتيازات” سيؤذي الفقراء أكثر من غيرهم وذلك بحرمانهم من الاختراعات الجديدة.

لنقل إنك في فرقة موسيقية غير معروفة تعزف في الحانات. ألّفت بعض القطع الموسيقية التي أعجبت جمهورك. فجأة تم تسجيل أغانيك وترخيصها باسم شخص آخر من دون ذكر اسمك ومن دون أن يدفعوا لك مقابل التأليف. كيف ستشعر؟

لو كنت باحثاً أو اكاديمياً وقدّمت بحثاً في مؤتمر. وبعد بضعة أشهر، ترى دراسة منشورة في إحدى المنشورات تشمل أغلب ما قلته—منهجك العلمي والمعلومات والنتائج والاستنتاجات. كيف ستشعر؟

أنت اخترعت آلة يمكنها أن توفر في استهلاك الوقود ما نسبته 35%، وأنت تقوم ببيعها مقابل دولارات قليلة لأنه ليس لديك شبكة تسويق واسعة، أو لأنه ليس لديك القدرة على الإنتاج بكميات كبيرة. ثم، بعد بضعة أشهر، تجد آلتك مع بعض التغيير في التصميم والشكل الخارجي قد تم تسجيلها باسم شخص آخر، وبيعها بسعر عالٍ من دون ذكر اسمك. كيف ستشعر؟

كيف سيشعر المستهلكون عندما يحصلون على منتجات مزيّفة ومقلّدة؟ إذا اشتريت كتاب أو قرصاً مدمجاً غير مرخّص، واتضح أنه من نوعية سيئة، تكون فقط قد خسرت مالك. لكن، إذا اشتريت دواء غير مرخّص، فقد تخسر صحتك—وحتى حياتك.

اكتشفت كينيا هذا العام 20 ألف جرعة من دواء مزيّف للملاريا (ديو كوتكسين)، وهو واحد من أدوية كثيرة مزيّفة في سوق خارج عن السيطرة، حيث يموت 35 ألف شخص بسبب الملاريا سنوياً. الدواء المزيّف، وهو غالبا من الصين، لا يفشل في علاج المرض فحسب، بل يزيد من مقاومة الجسم للدواء، فيزيد حالة المرضى سوءاً.

تقول منظمة الصحة العالمية إن الدواء المزيّف الذي يباع في إفريقيا يصل إلى ما نسبته 30%، وإن تزوير الدواء هو تجارة عالمية يبلغ قيمتها 32 بليون دولار وفي نمو سريع.

كما أن الدول الفقيرة ليست الوحيدة التي تعاني. بعد عيد الميلاد المجيد من هذا العام، أصبحت مارشيا بيرجييرون الضحية الأولى في كندا لأدوية مزيفة تم شراؤها عبر الانترنت. حسب قول المحقق من مقاطعة بريتيش كولومبيا في سبب الوفيات المشتبه بها: الأدوية القادمة من أوروبا الشرقية تحتوي على الألمنيوم والزرنيخ.

وفي الولايات المتحدة، تسببت الأدوية المزيّفة لأمراض فقر الدم والسكري والكولسترول المطروحة في الأسواق في سحب كميات ضخمة من السوق في السنوات القليلة الماضية.

لكن الأطراف المذنبة ليست مجرد أشخاص يسعون للثراء السريع: الحكومات أيضاً لها صلة بالأمر. بعضها لا يحمي الملكية الفكرية والبعض الآخر يعاني من الفساد الكبير ولا يفرض قوانينه بالقوة، والبعض يقرر أنه سيخالف التراخيص ويصنع نسخه الخاصة.

تعتبر تايلندا منذ وقت طويل مأوى للتقليد التجاري وتنتج حقائب ماركة غوتشي وساعات رولكس مزيّفة. لكن، الحكومة أيضاً أصدرت رخص إلزامية لتقليد الأدوية الغربية المرخصة، مدّعية أن الفقراء بحاجة إلى أدوية رخيصة: واحدة من بين محاولاتهم لتقليد دواء للإيدز أدّت إلى زيادة مقاومة جسم المريض للدواء مما أذى المرضى وساعد على انتشار المرض.

والآن تقترح منظمة الصحة العالمية اتفاقية لإزالة الامتيازات من الشركات بحيث تسيطر الجهات الرسمية على الأبحاث والتطوير، وكل ذلك بحجة تخفيض الأسعار.

تحب الحكومات في أنحاء العالم أن تلعب دور البطل وذلك بالوعد بتخفيض الأسعار: بتحديد الأسعار أو بخرق الامتيازات، لكن، نادراً بتخفيض الضرائب!

تفرض جنوب إفريقيا ضريبة مبيعات مقدارها 14% على الأدوية، وفي إندونيسيا تصل الضرائب إلى أعلى من 20%، والموزع الحكومي في إثيوبيا يفرض “عادةً ما بين 20% و40% كمبلغ إضافي على سعر الجملة للأدوية المستوردة” كما تبيّن تقارير منظمة الصحة العالمية.

إذا أرادت حكومة ما تخفيض أسعار الأدوية، أو الأرُز، أو الملابس، أو السماد، أو ماكنات الزراعة أو أي شيء ضروري للحياة وللنمو الاقتصادي، فأول ما يجب فعله هو إزالة الرسوم على الواردات والضرائب عن المبيعات التي تضر الفقراء أكثر من غيرهم، وليس إزالة الامتيازات. فالعقود المدنية للملكية الفكرية، مثل سندات الملكية، تعزز التجديد والابتكار والنمو، بالإضافة إلى الحريات السياسية والشخصية.

يدّعي النشطاء بأن إلغاء تراخيص الدواء سيضر بالأخص شركات الأدوية الكبيرة—هذا صحيح، لكنّ الفقراء هم من سيتضرر أكثر من المنتجات السيئة ومن الركود الاقتصادي.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 14 تشرين الثاني 2007.

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

إن الهبوط العالمي في البورصة الصيف الماضي قد قضى على تريليونات من الدولارات. وقد كان أصحاب الأسهم الأغنياء الأكثر تأثراً، لذا انخفض عدم التكافؤ العالمي في الدخل بشكل كبير.

ومع هذا فإن فقراء العالم لا يحتفلون!

ولمَ لا؟ لقد أقلقت التباينات المرتفعة في الدخول المحللين عبر العالم لسنوات عديدة. وتنشر صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيات تعبّر عن قلق عظيم من نتائج مكتب إحصاء السكان الأمريكي بأن أجور الأغنياء في أمريكا ترتفع بشكل أسرع من أجور الفقراء.

ويخاف السياسيون الآسيويون من أن النمو السريع والتفاوتات المتزايدة في الدخول سوف تجعل التوترات الاجتماعية أكثر سوءً. ففي الهند، يبقى 300 مليون شخص فقراء حتى مع دخول عدد من الأشخاص في قائمة مجلة فوربز لأصحاب المليارات العالميين.

وتجد دراسة حديثة لبنك التنمية الآسيوي بعنوان “عدم التكافؤ في آسيا”، أن نيبال والصين قد شهدتا أعظم ارتفاع في حالات عدم التكافؤ في القارة. ويقول إفزال علي، كبير اقتصاديي البنك، إن التفاوتات المتزايدة في آسيا قد تؤدي إلى خلل في التماسك الاجتماعي وإشعال شرارة الحرب الأهلية.

إن الهبوط في البورصة يقدم تجربة طبيعية لاختبار هذه الدراسة. وبحلول منتصف شهر آب، خسر أغنى خمسة هنود بمجملهم أكثر من 10 مليار دولار. وبلغ مجموع خسائر جميع المساهمين الهنود 52 مليار دولار، وهو ما يساوي تقريبا الناتج المحلي الإجمالي لبنغلادش. ولم يكن بإمكان حتى أكثر الضرائب “دراكونية” أن تقلص الثروة بهذه الدرجة.

ولكن هل يحتفل الهنود الفقراء؟ هل خفّف انخفاض معدل التفاوتات في الدخول من التوترات الاجتماعية وليّن الماويين الهنود أو جعل المسلحين في كشمير أقل تسلحا ورغبة في القتال؟

وقد قلص الهبوط في وول ستريت حالات التفاوتات في الدخول بين الولايات المتحدة وإفريقيا. فهل أصبح الإفريقيون أكثر سعادة أو أقل ميلا للنزاع المدني؟

وحتى افتراض هذا سيكون أمرا سخيفا. إلا أن المفهوم يتضمن تحليلا أكبر.

يعتقد كثير من المحللين أن المجتمع يصبح أسعد عندما تنخفض التفاوتات في الدخول ويصبح أقل سعادة عندما ترتفع هذه التفاوتات. لكن الحقيقة أكثر تعقيدا. ففي أوقات الركود الاقتصادي، تنخفض الأرباح بشكل أسرع من الأجور، لذا تتحسن التفاوتات في الدخل. لكن الفقراء لا يستمتعون بفترات الركود لأنهم لا يريدون أن يفقدوا وظائفهم. فهم يفضلون ازدهارا اقتصاديا عندما ترتفع الأرباح بشكل أسرع من الأجور على الرغم من أن التفاواتات في الدخل تزداد أيضا.

وفي الهند، تعتبر الولايات مثل بيهار وأوريسا فقيرة جدا بينما تعد ماهاراشترا وغوا ولايتين غنيتين. ولكن بينما يغتاظ الاقتصاديون من تفاوت الدخول، فإن فقراء بيهار وأوريسا لا يفعلون. فهم يعرفون أن آلامهم لا يسببها الأغنياء في الولايات الأخرى بل مالكو الأراضي المحليون والعصابات الإجرامية والسياسيون. ويقلق الفقراء من التفاوت في الدخول عندما تبقيهم الطبقات المحلية المسيطرة في الأسفل. ولكنهم لا يرغبون في إفقار الصناعيين في الولايات الغنية، بل يريدون فقط أن يصبحوا هم أنفسهم أغنياء. فأسواق البورصة تجذب الوظائف والاستثمار، لذا يرحب الفقراء بها.

إن جل ما يريده الفقراء هو فرصة للارتقاء. ويستطيع كثير من الهنود المدنيين الحصول على التعليم والكهرباء والاتصالات وقد جنوا مكاسب كبيرة. ولكن مئات الملايين يفنون حياتهم في القرى من دون مدارس محترمة أو مراكز صحية أو طرق أو كهرباء أو هواتف. ولا يمكنهم الوصول بسهولة إلى المحاكم أو الحكم الجيد.

ويصل معدل التغييبية 25% بالنسبة للمعلمين في الهند، والنسبة أعلى بالنسبة لموظفي الصحة. كما تعد النسبة الأعلى في المناطق القروية النائية: فلا يرغب أي معلم يعيش في المدينة بأن يوظف هناك. وتصل الأمية إلى 65%، ونصف أولئك الذين ينهون تعليمهم المدرسي يُعدون أميين فعليا. كما أن أربعة من كل خمسة أطفال يعانون من فقر الدم، هذا بالإضافة إلى انعدام الكهرباء أو وجودها بشكل متقطع بحيث أن أكشاك الإنترنت القروية تستمد الطاقة من ألواح الطاقة الشمسية.

وبعد عقود من الاستقلالية ومليارات الدولارات من الدعم الأجنبي، يبقى التكافؤ في الفرص حلما في معظم الدول النامية. ويكمن الخطأ في الحكومات ووكالات التنمية ولا يرتبط كثيرا بنشوء الطبقة الصناعية وشركات برامج الحاسوب.

إن دراسة بنك التنمية الآسيوي محقة تماما في استنتاج أن الحكومات الآسيوية يجب أن تفعل المزيد لتحسن تكافؤ الفرص. حيث أن الحرمان الفظيع من الوصول إلى المنشآت الأساسية على مستوى القرى يؤسس عدم تكافئ في الفرص ويحول دون ارتقاء الفقراء. وفي المناطق الحضرية، ازدادت الفرص على مر العقود وتحسن التطور الاجتماعي والدخل. ولكن التسهيلات في القرى—وبعض الأحياء الفقيرة في المدن—مثيرة للشفقة بحيث أصبحت هذه الأماكن أشراك للفقراء.

وإنني أشعر بغضب شديد لأن 300 مليون هندي يبقون فقراء. كما أشعر بغضب، ليس لأن بعض الهنود قد أصبحوا من أصحاب المليارات بل لأن كثيرا آخرين لم يصبحوا كذلك. ومثل الناس في أنحاء العالم، فإنني وأبناء بلدي لا نريد رؤية زوال الثروة. فما نريده هو فقط أن نصبح أنفسنا أغنى.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 31 تشرين الأول 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

يواجه المستشارون الاقتصاديون لمرشّحي الرئاسة الأمريكية معضلة عندما يتعلق الأمر بالإصلاحات الضريبية. فلكي يرتفع الدخل الحكومي إلى حده الأعلى، يجب أن تكون نسبة الضريبة منخفضة على الفقراء والأغنياء معاً، لأن الفقراء ليس لديهم المال، والأغنياء يمكنهم دائماً أن يجدوا طريقة للتهرب من دفع نسب ضريبية عالية. وبنفس الوقت، فإن الطبقة المتوسطة، ولأسباب مفهومة، لن تساند فكرة أن تدفع ضريبة أكثر من الأغنياء!
وقد كتب وارن بافيت، ثاني أغنى رجلٍ في البلاد، مقالة مؤخراً ذكر فيها أن معدل نسبة الضريبة على دخله كان 17.7 بالمائة فقط، في الوقت الذي دفعت فيه سكرتيرته 30 بالمائة على دخلها! وأثناء الحملة الانتخابية لعام 2004، تم الكشف عن أن متوسط نسبة الضريبة لجون كيري (أغنى رجل ترشح للرئاسة في التاريخ الأمريكي) وزوجته كان 12 بالمائة فقط، وهي نسبة أقلّ بكثير مما يدفعه معظم الأمريكيين من الطبقة الوسطى!
إن العديد من الساسة اليساريين واتباعهم في الإعلام مشغولون في التشدّق بأن على الأغنياء أن يدفعوا أكثر. ولكن عندما تدقق في اقتراحاتهم المتعلقة بزيادة الضريبة على الأغنياء، تجدها على الدوام تتضمن زيادة الضرائب بشكل كبير على أولئك الذين يحاولون أن يصبحوا أغنياء، لكنها بالكاد تطال الأغنياء أنفسهم، مثل عائلة كينيدي أو عائلة كيري. ولاختبار حسن النية في أيّ اقتراح برفع الضرائب على الأغنياء، فأنا أستعمل مثال كيري، إذ أعود إليه وأنظر إلى ما دفعه لأرى إن كان لذلك أثر عليه وعلى زوجته (لاحظ أن أعلى 1 بالمائة من أصحاب المداخيل يدفعون 37 بالمائة من المجموع الكلي لضريبة الدخل).
إن الجدل السياسي حول وضع سياسة ضريبية تساعد على النمو الاقتصادي، بدل إعادة توزيع الضريبة، جدل بسيط. فاستطلاعات الرأي العام خلال العقود القليلة الماضية تبين، وبشكل ثابت، أن أكثر الأمريكيين يعتقدون أن لا أحد يجب أن يدفع أكثر من 25 بالمائة من دخله للحكومة.
وأسباب هذا أن أكثر الأمريكيين يعتقدون أنه من غير العدل أن تأخذ الحكومة أكثر من رُبع دخلِ أي فرد، وهناك كثير من الأمريكيين من غير الأغنياء ممن يعتقدون بأنه من الممكن لهم أن يصبحوا أغنياء ذات يوم—وذلك بالعمل لحسابهم، أو بتحقيق النجاح في مجال الترفيه أو الرياضة، أَو حتى الفوز باليانصيب! وأكثر الأمريكيين (بخلاف العديد من الأوروبيين) لا يستاؤون من الأغنياء؛ بل يعجبون بهم ويريدون أن يكونوا مثلهم. لذلك، يميل المرشّحون الذين يطالبون بالنمو الاقتصادي إلى تحقيق نتائج أفضل في الانتخابات من أولئك الذين يطالبون بإعادة التوزيع.
إذا كنت مستشاراً لمرشّح جمهوري، يجب عليك أن تلاحظ أن أكثر الناخبين في قاعدة الجمهوريين لا يهتمون بفرض ضريبة أعلى على الأغنياء؛ بل بتخفيض الضرائب التي يدفعونها هم أنفسهم وإلى كبح جماح الصلاحيات الاستبدادية لدائرة ضريبة الدخل. وفي الانتخابات العامّة، قد يصوّت البعض لصالح مرشّح أو مرشحة لأنهم يعِدونهم بجعل الأغنياء يدفعون أكثر، لكن من المؤكد تقريباً أن مثل هؤلاء الناخبين سيصوّتون لصالح مرشح ديمقراطي على أية حال. ومن غير المحتمل لمرشح جمهوري أن يكسب الأصوات بلعب لعبة صراع الطبقات، لأن هذا سيقوّض قاعدته بالتأكيد.
إن الجدل الاقتصادي لصالح عدم رفع نسب الضريبة على الأغنياء أكثر إلحاحاً، لأن نسب الضريبة العالية يمكنها تحطيم فرص خلق الثروة، وبنفس الوقت، فهي لن تضمن أن الأغنياء سيدفعون أكثر. فإحدى الميزات لكونك غنياً جداً أنك تتمتع بخيارات في الطريقة التي تستلم فيها دخلك، ومن أين تكسبه، وأي جزء منه يخضع للضريبة. والعديد من السويديين والفرنسيين الأغنياء هاجروا من بلدانهم الأصلية تهرباً من دفع الضريبة. عندما يهاجر الغني، فإن حكومته تحصل على لا شيء. وعندما يظن الناس أن معدلات الضريبة عالية جداً، فانهم يميلون إلى تفضيل الراحة على العمل، والاستهلاك على التوفير والاستثمار، وهذا بدوره سيؤدي إلى أن تصبح عوائد الحكومة أقل.
لقد حاول الاقتصاديون حساب نسبة الضريبة المثلى لكل شريحة دخل. وإذا كنت ممن يعتقدون أن الأغنياء يجب أن يدفعوا جزءاً أكبر من دخلهم من ذلك الذي يدفعه الفقراء، فأنت ستواجه مشكلة: فعندما تزيد نسبة الضريبة، فإن الحوافز للبحث عن طرق قانونية، أو غير قانونية، لتفاديها تنمو معها؛ وكلما زاد غنى الشخص، أصبح من الأسهل عليه أن يتجنب الضريبة. لذلك، إذا كان هدف الحكومة على المدى الطويل هو زيادة الدخل المتأتي من الضريبة، يجب عليها احتساب نسب منخفضة على ذوي الدخل المنخفض ونسب أعلى على الطبقة المتوسطة، ثم العودة لنسب أقل على الطبقة الغنية جداً.
السبب في هذا أن فرض مستوى ضريبة أعلى على الأغنياء سيدفعهم إما إلى التوقف عن التوفير أو إلى نقل مدخراتهم من شريحة الضريبة العالية. والتوفير بما ينتجه من أثر على الاستثمار هو ما يسميه الاقتصاديون بالتشكيل الرأسمالي، والتشكيل الرأسمالي الأكبر يمكن ترجمته إلى وظائف أكثر ورواتب أعلى. وهكذا، إذا فرض بلد ما نسب ضريبةٍ عالية جداً على الأغنياء، يصبح نموه الاقتصادي أبطأ.
وسياسياً، فإنه من غير المقبول أن تكون نسبة الضريبة على ذوي الدخول المتوسطة أعلى من تلك المفروضة على الأغنياء جداً بشكل واضح، لكن فرض نسبة ضرائب عالية جداً على الأغنياء له أثر مدمّر.
إن المخرج الوحيد من المعضلة هو التحول إلى نسبة متوسطة ثابتة أو نظام ضريبي مربوط بالاستهلاك، تحكمه ضوابط باستثناءات أو خصميّات لذوي الدخل المنخفض. ومرشّحو الرئاسة الذين يتمتعون بالحكمة سيقترحون سياسات كهذه—أما أنصاف الآلهة فلن يفعلوا ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 24 تشرين الأول 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

المناقشات الحماسية حول ترشيحات الباكستان الرئاسية في شهر تشرين الأول هي كلها حول الانتخابات والقادة، بيد أن الرئيس الحالي والمرشح الوحيد وكذلك رؤساء الوزراء السابقين الذين يناورون من أجل احتلال مركزٍ ما جميعهم قد خذلونا في الماضي: الشرط الحقيقي لبقاء الباكستان هو الاستقرار والتقدم الاقتصادي.
الباكستان هي حليف رئيسي للولايات المتحدة، ولكنها أيضاً عنصر كبير في عدم الاستقرار الإقليمي، وهي تتأرجح على حافة كونها دولة فاشلة، يرأسها قائد عسكري ويعمّها الفساد والعنف السياسي والحزبي والتوترات الانفصالية.
من المدهش حقاً، أنه ما زال هنالك فرصة بأن تكون القاعدة الأساسية لحكم القانون قد ظلت حية إلى الحد الذي سوف يُأمِّن الاستقرار الذي تحتاج إليه الباكستان في إقامة اقتصاد مزدهر، وفي اقتصاد بالكاد أن يحافظ على بقاء البلاد.
يصنف اقتصاد الباكستان في موقع منخفض في أي معيار من المعايير، ومع ذلك فهنالك إشارات تدل على تحسنٍ تدريجي في الحرية الاقتصادية، كما يتبين من تقرير “الحرية الاقتصادية في العالم” السنوي الذي يصدره معهدا فريزر الكندي وكيتو الأمريكي: يضع التقرير معايير لقياس الانفتاح والمرونة والاستقرار وتدخل الدولة في اقتصادات 141 بلداً، ذلك لأن النشاطات الاقتصادية، وليست الحكومات، هي التي تخلق الازدهار.
لقد رأينا اندفاعاً غير متوقع هذا العام في موضوع المساءلة وحكم القانون عندما رفضت المحكمة العليا محاولة الحاكم العسكري “برويز مشرف” عزل قاضي قضاة الباكستان “افتخار محمد شودري”—وكان عاقلاً عندما احترم هذا القرار في وجه احتجاج شعبي.
إن مما يدعو إلى العجب أنه بعد ستة عقود من الاضطرابات والفساد ما زال هنالك أناس في مؤسساتنا يُؤمنون بالدفاع عن الدستور، وهذا يعطينا الأمل بأنه ما زالت هنالك أسس من القوة بحيث تمكننا من بناء دولة فاعلة عليها.
ولكن ذلك كله سوف يبقى نظريات سياسية شكلية إذا لم يعطى الباكستانيون الفرصة لتحسين أوضاعهم، وللعيش في حماية القانون، ولحماية حقوق الملكية الفردية.
مؤشر الحرية الاقتصادية يُحرر الجدل من النظريات والأفكار، وبالأخص تلك الفكرة المراوغة، ألا وهي الديمقراطية. هنالك ديمقراطية بالاسم وهي تعمل بشكل سيء بالنسبة لمواطنيها (مثل تركيا وبنغلادش) وهنالك أنظمة تخدم مواطنيها جيداً (سنغافورة، الكويت، أو، إلى حد ما، الصين).
من خلال التمسك بمعايير يمكن قياسها وتجنب النظريات السياسية، يجب أن لا يصيبنا العجب إذا وجدنا بأن الحرية الاقتصادية تفيد جميع المواطنين بما في ذلك المواطنين الفقراء: ذلك أن أفقر سكان سنغافورة أو سويسرا أو أمريكا يكسبون ضعفين ونصف الضعف أكثر مما يكسبه المواطن العادي الروسي والتركي أو السوري.
الأخبار السيئة هي أن باكستان يأتي ترتيبها في 101 من مجموع 141 بلداً، مسجلة 6 من مجموع 10، أي أسوأ من إندونيسيا وعلى مستوى موازٍ لإثيوبيا وهاييتي—بيد أن الأخبار الجيدة هي أنها زحفت إلى أعلى، منطلقة من 5.7 نقطة في العام 2006.
إننا في أمس الحاجة إلى تقدم كبير في حكم القانون وحقوق المُلكية (بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية، على الرغم من بعض التحسينات)، وتخفيض الحواجز التجارية والقضاء على الرشوة والبيروقراطية. المشاريع التي تديرها الدولة ما زالت تُكلف أموالاً طائلة وتخلق عدم الكفاءة والفساد والحمائية تماماً مثلما تفعل الأنظمة الحكومية: هنالك تقاليد موروثة عن تدخلات حكومة كثيفة وسيطرة حكومية تنساب في مفاصل الاقتصاد.
ومن ناحية أخرى، يجب أن نعترف بحدوث تقدم في مجال تحرير الاستثمار في الصناعات، وإزالة بعض العوائق غير الظاهرة، والمتمثلة في العوائق أمام الاستيراد والسماح بعقد الصفقات الرأسمالية مع الأجانب. كما أن ضعف التمويل الخاص والائتمان بدءا بالتحسن في العام 2004.
وفي الحقيقة، فإن التعامل الاقتصادي في الباكستان أصبح أكثر سهولة منه في الهند: وتُظهر أرقام البنك الدولي في تقريره بعنوان “مزاولة الأعمال” والذي نُشر لتوه، بأن الباكستان في هذا المجال تقع في الترتيب 78 بينما الهند في ترتيب أدنى هو 120 من مجموع 178.
هذا التقدم البطيء هو جيد في الحقيقة في ضوء تاريخ الباكستان السياسي والاقتصادي الذي كان مرتبطاً بالدولة والحكومة: فمنذ الاستقلال، كانت فكرة التنمية الاقتصادية ذاتها لا تنفصل بتاتاً عن السيطرة الحكومية.
الموضوع الرئيسي في ترتيب الحرية الاقتصادية وفي تاريخ الباكستان هو مستوى تدخل الحكومة: تستطيع الحكومات أن تقدم قليلاً من الأمور الجيدة ولكنها في الوقت ذاته تستطيع أن تحدث أضراراً كبيرة. الحكومة لا تخلق شيئاً، ولا تنبت شيئاً بل إنها تستهلك فقط، وتعيش على ما ينتجه الناس وتنفق أموالهم: إنها تستطيع فقط أن تفعل جيداً إذا سمحت بخلق الثروة عن طريق ضمان السلم العام وحماية المواطنين.
ومع وجود عبء تاريخي ثقيل من السياسات والأداء المتأرجحين في الباكستان، فإن مؤشر الحرية الاقتصادية يعطينا الأدوات لتثبيت ما يسير في الطريق الصحيح وإصلاح ما يسير في الطريق الخطأ: اقتصاد فعال سوف يدعم المحاولات لتحقيق الديمقراطية وحكم القانون، وهما يدعمان بعضهما بعضاً في دائرة من التفاعل الحميد.
الرئيس الجنرال مشرف ورؤساء الوزارات السابقون بنازير بوتو ونوّاز شريف، جميعهم يدّعون بأنهم يجب أن يُعطوا فرصة أخرى. لكن المسألة هي ما إذا كان قادتنا سيئو السمعة يستطيعون رؤية أن الأدوات الاقتصادية هي أملهم الوحيد لإنقاذ البلاد والبقاء في الحكم.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 تشرين الأول 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

توفي رجل يوغسلافيا القوي جوزيف بروس تيتو يوم 4 أيار 1980 وحضر جنازته العديد من السياسيين ووفود الدول أكثر من أي رجل آخر في التاريخ. رغم أن المارشال تيتو قد توفي إلا أن أفكاره لا تزال حية وجيدة!
قام تيتو بخطوته بالانفصال عن ستالين في عام 1948 وكانت ردة فعل موسكو سريعة إذ دمغت شيوعية تيتو بأنها “حركة تصحيحية”. أما السمة المميزة لسياسة تيتو الخارجية فكانت حركة عدم الانحياز والتي اعتبرت الرئيس اليوغسلافي تيتو (إلى جانب الرئيس المصري جمال عبد ناصر والرئيس الهندي نهرو) عضواً مؤسساً. في يوغسلافيا عرض الشكل الفريد لـ”اشتراكية السوق” اللامركزية فكرة الشركات التي يديرها العمال. وهذه الفكرة جذبت الانتباه وكذلك العديد من أتباع المعسكر حول العالم. إلا أن هذا النظام في يوغسلافيا فشل في توفير الوظائف لكل اليوغسلافيين، لأن المديرين العمال الاشتراكيين اعتقدوا أن الإضافات الجديدة للقوى العاملة هم “صيادو أرباح” وسوف يشاركونهم في حصتهم من كعكة الأرباح. ونتيجة لذلك واجهت يوغسلافيا مشكلة العمالة الزائدة المزمنة. لحل المشكلة وللتعتيم على الأخطاء في نظام إدارة العمال، جاء تيتو باستراتيجية اقتصادية بسيطة ولكن إبداعية. فقد فتح حدود يوغسلافيا—حسب المعايير الشيوعية على الأقل—وصدر العمالة الزائدة.
في أوائل السبعينيات، كان أكثر من مليون يوغسلافي، حوالي 11% من القوى العاملة، يعملون في دول غرب أوروبا. وبلغت تحويلات أولئك اليوغسلافيين بالعملات الصعبة (المارك الألماني بالدرجة الأولى) حوالي 30% من صادرات يوغسلافيا. “مكنسة تيتو” عملت كالسحر!

إندونيسيا مثل يوغسلافيا تصدر العمالة الزائدة. القوانين التي تحكم التوظيف في الشركات وممارسات الفصل من العمل خلقت سوق عمل غير فاعل. كما هو موضح في الجدول، حصل سوق العمل في إندونيسيا على المرتبة 140 من 175 في تقرير البنك الدولي “بدء الأعمال لعام 2007” (مرتبة واحدة فوق إيران). من الصعب على الشركات الإندونيسية توظيف عمال جدد كما أنه من المكلف فصلهم من العمل. تقدر القوى العاملة في سوق العمل بحوالي 70% وتعمل في قطاع اقتصادي غير إنتاجي، و11% من القوى العاملة عاطلة عن العمل، وحوالي 3 ملايين إندونيسي يعملون في الخارج بصفة شرعية، وحوالي مليون شخص آخرين على الأقل يعملون بصفة غير شرعية، وبلغت تحويلاتهم المالية إلى إندونيسيا في العام الماضي حوالي 3.5 بليون دولار على الأقل.
وكما استخدمت إندونيسيا “مكنسة تيتو” في تصدير عمالتها الفائضة إلى الخارج، استخدمت أيضاً دولاً أخرى مثل سنغافورة وأستراليا وماليزيا كـ”حاوية القمامة”، إذ يوجد أكثر من نصف مليون من العمال الإندونيسيين العاملين يعملون بعقود في ماليزيا، والجالية الإندونيسية المهاجرة في أستراليا تنمو بنسبة 10% سنوياً منذ عام 2001 . السبب؟ أنظر إلى الجدول المرافق؛ فقد جاءت إندونيسيا في مرتبة متدنية (61) في تقرير البنك الدولي لعام 2007 بالنسبة لمؤشر صعوبة التوظيف، وهو مكون لمؤشرات سوق العمل والذي يقيس القيود التي يواجهها أصحاب العمل عند توظيف العمال. الدول المجاورة وهي سنغافورة وأستراليا وإندونيسيا لم تواجه أياً من هذه القيود، ولذلك سجلت كل منها علامة صفر في مؤشر صعوبة التوظيف.
تقرير البنك الدولي لعام 2007 يذكر رواية مماثلة عن المقاييس التالية: جمود الساعات وصعوبة الفصل من العمل وكلفته. قوانين العمل الإندونيسية تفرض قيوداً ونفقات وإجراءات على الشركات أكثر مما تفرضه الدول المجاورة. في الواقع أي شركة إندونيسية تطلب موافقة طرف ثالث قبل أن تقوم بفصل العمال الفائضين عن الحاجة، وكل عملية فصل تكلف ما نسبته 108 أسابيع من راتب العامل (مقارنة بتكلفة صفر في الولايات المتحدة). سوق العمل الإندونيسية غير مرنة وغير قادرة على الاستجابة للضغوط التنافسية وخلق عدد كاف من فرص العمل.
إن عجز سوق العمل يشرح جزئياً الأداء العام لاقتصاد إندونيسيا الضعيف منذ انهيار الروبية عام 1997. لقد زاد الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إندونيسيا بمعدل ضعيف بلغ 1.18%، واستغرق سبع سنوات لكي يعود إلى مستويات ما قبل الأزمة. ليس بمستغرب أن تقوم إندونيسيا برمي عمالتها في دول تشهد أداءً جيداً في أسواق العمل واقتصاديات تنمو بشكل سريع. لقد آن الأوان لإصلاح أسواق العمل في إندونيسيا لكي يتم إعادة “مكنسة تيتو” إلى الخزانة.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 أيلول 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

خلفت السياسة النقدية الأمريكية في السنوات الأخيرة توقعاً بأن بنك الاحتياط الفيدرالي سيُنقذُ المستثمرين، عندما تحدث فقاعات في الممتلكات، تؤدي إلى إنقاص قيمتها. والأزمة الأخيرة في سوق الرهن الثانوية هي نتيجة هذا التوجه الجديد على الأقل جزئياً. وأثرت الأزمة في شكل كبير، على أصحاب المنازل والمستثمرين.
وفي شباط 2007، اكتشفت الصحافة الشعبية الواسعة الانتشار القروض التحتية، عندما كشفت مؤسستان كبيرتان مسؤولتان عن إطلاق برنامج الإقراض، وهما “إتش إس بي سي” القابضة و “نيوسينتشري فايننشال”، النقاب عن خسائر متزايدة نتيجة تلك القروض. وبنك “إتش إس بي سي” شركة مالية عالمية متنوعة النشاطات. ومع أن هذه المؤسسة كانت من كبار المقرضين في السوق، فإن مجموع إقراضها التحتي لم يكن يشكل سوى جزء بسيط من مجموع موجوداتها الاستثمارية.
كانت “نيوسنتشري فايننشال” أقل حظاً بكثير من الأولى بسبب تركيز إقراضها على هذه الفئة المفعمة بالأخطار. وانهارت أسعار أسهمها، بعد اكتشاف أمرها في 8 شباط الماضي، ثم أشهرت إفلاسها في النهاية.
وواجه مقرضون آخرون في هذه السوق التحتية مصاعب. فتعاظمت المخاوف من انهيار سوق العقار، حتى من تراجع عجلة الاقتصاد، عندما أخذ المستثمرون يحسبون حجم الأزمة في سوق الرهن ومداها.
وكان في الإمكان توقع الأزمة قبل أكثر من عام على وقوعها. وكان أصحاب البنوك والمحللون، وحتى المسؤولون عن تنظيم التعامل، يعرفون أن هنالك فوضى تلوح في الأفق. وعندما تبينت معالمها، لم يكن من الصعب اكتشاف موطن الخلل.
واليوم، السياسة النقدية تُشجع الأخطار؛ فهي تستطيع خلقها إذا استخدمت السياسة لإنقاذ المستثمرين من أوضاع وحالات خطرة، والتزامات مالية غير حصيفة. وإذا أصبح المستثمرون يتوقعون استمرار تلك السياسة، سيُقدِمون عمداً، على تحمل أخطار إضافية، من دون المطالبة بمردود عالٍ يوازيها. وفي الواقع سيقرضون بفائدة لا مغامرة فيها، لمشاريع محفوفة بالمغامرة، أو، على الأقل، بنسب أقل مما يجب أن تكون عليه. وستحصل عمليات إقراض واستثمار محفوفة بالأخطار، ينتج منها سوء تخصيص في رؤوس الأموال.
إن الأخطار الجديدة في الأسواق المالية مردُّها إلى ما يمكن تسميته بـ”مبدأ غرينسبان”. وقد شرح آلن غرينسبان مبدأه بوضوح في خطاب ألقاه في 19 كانون الأول 2002. وأعرب عن رأيه بأن فقاعات الممتلكات لا يمكن اكتشافها، وأنه لا يجب في أي حال من الأحوال أن تستخدم السياسة النقدية لمعالجة نتائجها. بيد أنه يمكن اكتشاف الفقاعات، ويجب أن تسخّر الأدوات النقدية لمعالجة تداعياتها.
وأعلن المجلس الفيدرالي مسبقاً أنه لن يتخذ أي إجراء ضد الفقاعات، بيد أنه سوف يتخذ إجراءات قوية لإبطال نتائج انهيارها. وفي الواقع، يَعِدُ “المركزي” الأمريكي على الأقل، بإنقاذ جزئي للاستثمارات السيئة. والمنطق الذي كان وراء نظام ضمان الودائع ما زال قائماً: على واضعي السياسة حماية المستثمرين من الخسائر، بغض النظر عن حماقاتهم. أو، بعبارات غرينسبان “يجب على السياسة النقدية أن تخفف من تداعيات فقاقيع الممتلكات، عندما تقع، آملين أن يُسهِّل ذلك الانتقال إلى التوسع المقبل”.
في الإطار الحالي فإن “التوسع المقبل”، قد يمكن أن يعني “فقاعة الممتلكات المقبلة”. فإذا وعد البنك الفيدرالي بـ”تخفيف التداعيات من الحماسة غير العقلانية”، فمن المنطقي أن يشعر المستثمرون بالحماسة. وقد يتعرض المستثمرون لشيء من المغامرة وبعض الخسارة، مثل ما يقتطع من شهادة تأمين اعتيادية، ومع ذلك فإن الخسائر تكون قد خُفضت.
خفض الفيدرالي فائـــدة الخصــم لديه في شكل حاد، بعد انفجـــار فقاعات سوق الأسهم المالية في آذار عام 2000. وفي عيون الكثيرين، ذهبت الخفــوضات الى حد بعيد ودامت طويلاً جداً، ما أدّى إلـــى توســـع اقتصادي قوي، وإلى فقاعة الإسكان.
كم كان رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي مخطئاً! إذا لم يكن غرينسبان قلقاً حول إعادة تصنيف نسب الفوائد، فلماذا يتوقع من بنوك الرهن العقاري وملاّك المنازل أن يقلقوا؟ كان منطقياً أن يُقرأ بين سطور تأملات رئيس المركزي، ما يشير إلى ضمان استمرار فوائد منخفضة. وصاحب المنزل على حق في تقرير موقفه في ضوء ما هو متوقع إذا أراد. ولكن، هل يحق للبنك المركزي أن يشجع على ذلك؟
إن سياسة نقدية تتضمن دعماً قوياً سينتج منها حقائق كثيرة، بما في ذلك فقاعات العقار، التي لها أثمان حقيقية وتحتوي على سوء توزيع لرأس المال. فعلى سبيل المثال، في قمة انتعاش التكنولوجيا والتيليكوم في آذار 2000، قدّم مجلس الاحتياط عدداً من الاقتراحات القوية لمكافحة الانكماش. وكان الانحياز للدعم مفهوماً في حينه. بيد أن انحيازاً مستمراً ضد الانكماش، وبأي ثمن، سيؤدي إلى تصاعد في أسعار التضخم. ومع انفجار كل فقاعة عقار، والخشية من الضغوط الانكماشية، على “المركزي” أن يخفف من إجراءاته. فمبدأ غرينسبان يعطي دعماً يصل إلى الضربة القاضية، التي تؤدي إلى دورة اقتصادية جديدة. عندها، ستثبت المكاسب التي تحققت في عهد غرينسبان ضد التضخم أنها كانت مؤقتة. إن المبدأ الذي ابتدعه سيكتب شهادة الوفاة لتراثه، وهو تراث يشمل من الآن فقاعة عقارات وما يتبعها من تداعيات.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 14 أيلول 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

في شهر آذار ارتفعت الأسعار بأكثر من 50% ملازمة مع دخول زيمبابوي في جحيم التضخم المنفلت. وقد أتبع ذلك في 26 نيسان تخفيض العملة الرسمية للدولار الزيمبابوي بمقدار 98%. عمال المناجم والمزارعون ووكلاء السياحة والمنظمات غير الحكومية والسفارات ومواطنو زيمبابوي الذين يعيشون في الخارج يستطيعون الآن شراء 15000 دولاراً من زيمبابوي بدولار أمريكي واحد. وبالنسبة لآخرين يظل سعر الصرف الرسمي 250 دولاراً زمبابوياً مقابل الدولار الأمريكي.
لذا وبحيازة ورقة مئة دولار يستطيع السائح الآن تحويلها إلى 1.5 مليون وحدة من وحدات بنك زيمبابوي المركزي، بدلاً من 25000 وهو السعر السابق لصرف الدولار. وفي السوق السوداء يستطيع نفس السائح أن يفعل أحسن من ذلك، إذ يحصل على 3.5 مليون دولار زيمبابوي مقابل 100 دولار أمريكي.
الدمار الاقتصادي نتيجة عقد من التضخم الجامح، والأعلى في العالم، تحول إلى انفلات تام واضح كل الوضوح. فقد بدأ اقتصاد زيمبابوي بالانفجار داخلياً، واصبح البنك المركزي عاجزاً عن الدفع، وأصبح عمال زيمبابوي يتسللون إلى جنوب إفريقيا بحثاً عن عمل. مثل هذا الوضع سوف يأتي إلى نهايته، كما هي الحال مع جميع حالات التضخم الجامح، أي بتغيير للنظام: فإما نظام نقدي جديد، أو نظام سياسي جديد، أو كلاهما.
فكر للحظة فيما حدث خلال آخر انفلات تضخمي عاشه العالم. فقد بدأ في كانون الثاني عام 1992، فيما كان يُعرف بيوغوسلافيا، ووصل ذروته في كانون الثاني عام 1994، عندما ارتفع التضخم الرسمي الشهري بنسبة 313 مليون بالمئة (أسوأ شهر في التضخم المنفلت الذي عانته ألمانيا في عصر جمهورية وايمر عام 1922-1923، شهد ارتفاعاً بالأسعار مقداره 32400%). كانت النتائج مدمرة. وبوقت طويل قبل أن يضرب حلف الناتو يوغسلافيا 1999، كان الجنون النقدي لنظام سلوبودان ميلوسوفيتش رئيس يوغوسلافيا في ذلك الوقت قد دمر اقتصاد بلاده.
في عام 1999 كان إقليم مونتينيغرو (الجبل الأسود) ما زال جزءاً من هذه الفوضى، حيث كانت عملته الرسمية الدينار اليوغوسلافي سيء السمعة. بيد أن المارك الألماني الجبار كان العملة غير الرسمية للبلد، وعندما كنت مستشاراً اقتصادياً لرئيس مونتينيغرو مايلو دجيوكانوفيتش، أعدت إلى مسامعه قول عالم الاقتصاد النمساوي العظيم لودفيغ فون ميزس والذي وصف فيه العملة السليمة بأنها “الأداة لحماية الحريات المدنية ضد أخطاء الحكومات. ومن الناحية الأيديولوجية فإن العملة السليمة هي في نفس المستوى من الأهمية كالدساتير السياسية والحقوق المدنية.”
كان الرئيس دجيوكانوفيتش يدرك بأن المارك الألماني هو الكرت الرابح في يديه، سلاح لا يستطيع فقط تحقيق استقرار الاقتصاد بل يمهد الطريق أيضاً أمام استعادة مونتينيغرو لسيادتها. وفي 2 تشرين الثاني 1999 أعلن بشجاعة أن مونتينيغرو قد جعلت المارك الألماني عملتها الوطنية. وقد استُبدل المارك الألماني باليورو بعد عامين من ذلك.
ونتيجةً لذلك فقد حقق الاقتصاد في مونتينيغرو استقراراً فورياً، وبدأ يتصاعد تدريجياً بانخفاض نسبة التضخم. وما أن جاء عام 2005 حتى كان الناتج المحلي الاجمالي ينمو بمعدل 4.1% بينما ينخفض التضخم إلى مجرد 1.8%. إزاء ذلك لم يكن مفاجئاً قيام المقترعين في مونتينيغرو في أيار من عام 2006، وبأرقام قياسية، بإسقاط الوحدة مع جمهورية صربيا. فأصبحت مونتينيغرو مستقلة مرة أخرى. وفي 15 آذار 2007 وقعت جمهورية مونتينيغرو “اتفاقية تعاون واستقرار” وهي الخطوة الأولى نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي (تبني العملة عادة يأتي في مرحلة لاحقة). الرئيس دجيوكانوفيتش قلب هذه العملية، بحيث تمكن بشكل فعال من إدخال مونتينيغرو في محيط اليورو من اليوم الأول.
وكما فعل الرئيس دجيوكانوفيتش بالنسبة لمونتينيغرو، يمكن لرئيس دولة جنوب إفريقيا ثابو مبيكي أن يكون المفتاح لوقف انهيار زيمبابوي. فقد عينته مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي—وهي مجموعة تتألف من تسعة بلدان جنوب إفريقية بما في ذلك زيمبابوي—للتوسط لمعالجة أزمة زيمبابوي الاقتصادية. وبضربة شجاعة يستطيع مبيكي وقف تعفن زيمبابوي النقدي، وفي الوقت ذاته دعم مصالح جنوب إفريقيا وغيرها من أعضاء المجموعة الإفريقية.
جنوب إفريقيا هي مركز منطقة العملة المشتركة والتي تضم أيضاً ليسوثو، وسوازيلند وناميبيا. فكل واحدة من تلك البلدان تُصدر عملتها الخاصة بها ولكنها تربطها بعملة الراند الجنوب إفريقية بقيمة متساوية. يضاف إلى ذلك، إن الراند يُتداول قانونياً في ليسوثو وناميبيا.
مجموعة البلدان التسع يجب أن تقترح توسيع منطقة عملة الراند المشتركة لتشمل زيمبابوي. ويجب إنشاء مجلس عملة شبيه بذلك الذي كان يعمل في زيمبابوي ما بين 1940 إلى 1956 (وكانت زيمبابوي تسمى في ذلك الوقت روديسيا). يجب أن تصدر دولاراً لزيمبابوي يكون مدعوماً دعماً كاملاً وقابلاً للتحويل بالراند بنسبة صرف محددة. ويجب أن يُدعَم مجلس العملة في بداية الأمر برأس مالٍ تقدمه جنوب إفريقيا، على أن يُسمح بتداول عملة الراند بصفة قانونية في زيمبابوي. إن إقرار مثل هذه الخطة هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى من حطام زيمبابوي الاقتصادي.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 31 تموز 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

كتب عالم الاقتصاد آلن بلايندر في صحيفة الواشنطن بوست بأن “تصدير الوظائف الخدماتية من البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة إلى البلدان الفقيرة مثل الهند، قد يُشكل مشاكل رئيسية لعشرات ملايين العمال الأمريكيين على مدى العقود القادمة. وفي الحقيقة، فإنني أعتقد بأن تصدير الوظائف خارج الولايات المتحدة قد يكون أكبر قضية سياسية في الاقتصاد على امتداد جيل قادم.” التعبير الملفت للنظر هنا هو أن الظاهرة “قضية سياسية”.
كلمة “أوفشورنج”، أي تصدير الوظائف، هي كلمة قصيرة وخاطفة بحيث تجتذب المصالح الوطنية المحلية ودعاة الحمائية، سواء من اليسار أو من اليمين.
السيد بلايندر يتكهن حول “العقد أو العقدين القادمين،” ومع ذلك، فإن الظاهرة التي يصفها اصبحت قائمة في يومنا هذا. “إنفوسيس”، وهي أكبر شركات تصدير البرمجيات في الهند، بدأت في عام 1981، وتوظف الآن أكثر من 72000 موظفاً على امتداد العالم، بما في ذلك موظفين في 16 مكتباً في الولايات المتحدة. “ويبرو” توظف 66000، بما في ذلك 11 مكتباً في الولايات المتحدة. “بيرو سيستمز” توظف 5000 موظفاً من بين 22000 موظفاً في الهند. فإذا كان تصدير خدمات تجارية قد عرَّض للخطر “عشرات ملايين الوظائف الأمريكية”، كان يتوجب علينا أن نرى بعض العلامات على ذلك الآن. ولكننا لم نلاحظ أية علامات.
وفي دراسة وضعها لمركز أبحاث السياسة الاقتصادية في برينستون، انتقى السيد بلايندر 22 مجالاً رئيسياً في قطاع الخدمات، وقد صنفها في أربع مجموعات وفق قابليتها لتصدير الوظائف (أوفشورنج).
إن قائمته النظرية الافتراضية مع ذلك، توضح توضيحاً كبيراً، أي من الوظائف الخدماتية هي الأكثر عرضة للتهديد. وهذا بدوره، يجعل من الممكن فحص نظرياته في ضوء التغيرات التي وقعت فعلاً ما بين 2002 و2005. تلك الوظائف القابلة للتصدير ازدادت بمقدار 8.2 في المائة ما بين 2004 و2005، ولكنني افترضت زيادة صغيرة ما بين 2002 و2004.
مجموع قائمة بلايندر الـ22 الرئيسية، الأكثر احتمالاً للتصدير، بلغت 15732670 في أيار 2005. كان هذا زيادة بنسبة 7.7 في المائة من 14603140 وظيفة في أيار 2002. الوظائف ازدادت في 18 من مجموع 22 من مجالات العمل، كما أن الأجور ارتفعت في جميعها.
أما الوظائف الأكثر عرضة للتصدير فهي برمجيات الكومبيوتر والتسويق الإلكتروني. يتبعها في رأس المجال ذاته محللو أنظمة الكومبيوتر، وكتبة حفظ الدفاتر الحسابية، ومهندسو مستهلكي البرامج “السوفت وير”، ومحللو الأنظمة.
الفئة الثانية، الأقل عرضة تشمل المحاسبين وعدداً من الوظائف التي لا يبدو من السهل تمريرها إلكترونياً بسهولة عبر الحدود الدولية، مثل أعمال اللحام، على سبيل المثال، ومساعدي عمال الإنتاج، والتغليف، وعاملي الماكنات، والمفتشين وحتى “مراقبي ومديري الخطوط الأمامية.”
وفي المجموعة الثالثة، يطلب منا بلايندر أن نُصدق بأن “مديري المبيعات” قد يعاد توزيعهم على بلدان أجنبية. قد يتلقى العملاء رسائل بريد إلكتروني أو مكالمة هاتفية، ولكن لا تتوقع وجبة غداء أو مصافحة يد!
الوظائف ارتفعت ما بين 2002 و2005 في 18 من مجموع الـ22 فئة وظائفية، قيل إنها مهددة بتقديم الخدمات إلكترونياً. انخفضت الوظائف 4 في المائة بين التسويق الإلكتروني، وهو انخفاض بحوالي 19000 وظيفة، ولكن هذه الوظيفة متدنية وقليلة الأجر. وحتى توضع خسارة 6000 وظيفة سنوياً في سياقها الصحيح، فإن الولايات المتحدة تخسر بشكل روتيني حوالي 30 مليون وظيفة كل سنة، وفي الوقت ذاته تكسب عدداً يفوق ذلك. الكسب الصافي في التوظيف هو الذي يفسر بقاء نسبة البطالة في حدود 4 في المائة.
التوظيف في قطاع مُبرمجي الكومبيوتر انخفض بمقدار 68000 وظيفة، أي حوالي 15 في المائة. إنني لست غير متعاطف ذلك أن ابني “جون” يعمل كواضع برامج “بي. إتش. بي.” ولها تطبيقات على شبكة الإنترنت (في نيويورك وليس في الهند). معظم محترفي “السوفت وير” في الهند هم واضعو رموز، وهو عمل لا يتطلب سوى القليل من الجهد الخلاق. بجانب ذلك، فإن الوظائف في أربع فئات لها صلة بالكومبيوتر والتي تم تصديرها، مثل مهندسي الـ”سوفت وير،” ارتفعت بمقدار 210570 وظيفة بين 2002 و2005، متجاوزة إلى حد كبير خسارة الوظائف البرامجية المتدنية، قليلة الأجر.
السيد بلايندر احتاج فكرة قصيرة خاطفة مصممة بحيث تكون “قابلة للتسويق في الساحة السياسية.” إنه يحاول بيعنا أفكاره في السياسة العامة. وكما لاحظت الدراسة الأكاديمية “فإن الأجوبة السياسية المناسبة—إذا كان هنالك ما يستدعي ذلك—لهذه القضية، ربما تتوقف على كم من الوظائف قد تتعرض لخطر التصدير.” إنه يريد رداً سياسياً كبيراً، وهذا يتطلب أعداداً كبيرة.
من الضروري أن نكون حذرين وأن ينتابنا الشك كلما طرحت ادعاءات جامحة مثيرة لتسويق سياسة عامة. السيد بلايندر يريد قدراً أكبر من مخصصات ما يدفع للعاطلين عن العمل (وهو ما يثبط التوجه للعمل)، وبرامج أكثر كلفة لإعادة التدريب (والتي تفشل دائماً). إنه يتوقع حتى من “خبراء التخطيط المركزي” إعادة صياغة نظامنا التعليمي بحيث نُخرج أعداداً أكبر من الناس الذين يتدربون على الوظائف التي تبقى في الولايات المتحدة، وأعداداً أقل لتلك الوظائف التي سوف تهاجر خارج الولايات المتحدة. فإذا أردت أن يكون أطفالك من مبرمجي الكومبيوتر أو محاسبين، فإن عليهم ببساطة أن يتأقلموا مع المخطط الوطني!
الوظائف في ازدياد في جميع المجالات التي يتصور السيد بلايندر بأنها أمام تهديد فوري بأن تصدَّر من خلال الاتصالات الإلكترونية إلى بلد ما بعيد في الخارج. وما لم تتغير الحقائق، فإن تكهنات وتقديرات منتقدي تصدير الوظائف لا ضرورة لأخذها على محمل الجد.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 25 تموز 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

بدأ ذلك في إستونيا، تلك الدولة التي أثبتت أنها إحدى أكثر دول أوروبا الشرقية جرأةً في الإصلاح الاقتصادي. ففي عام 1994، طبقت حكومة مارت لار نظام الضريبة الثابتة. الفكرة كانت سهلة: بغض النظر عن كمية ما يجنيه الناس فإنهم يدفعون ضريبة دخل واحدة، وقد كانت منخفضة نسبياً في حدود 26%.
الفكرة لم تكن جديدة نظريا؛ فقد اقتُرحت الضريبة الثابتة قبل 25 سنة من قبل رجلي الاقتصاد الأمريكيين ألفن رابوشكا وروبرت هول. بيد أنها حديثة العهد من الناحية العملية، وقد نجحت في ذلك: ضرائب سهلة—من السهولة بمكان دفعها ومن الصعب التحايل عليها—رفعت من مقدرة إستونيا التنافسية، وجذبت الاستثمارات الأجنبية وساعدت في جعل هذه الجمهورية البلطيقية أسرع الاقتصادات نموا على امتداد القارة الأوروبية. فانتشر الإصلاح الاقتصادي وثورة الضريبة الثابتة إلى سائر بلدان البلطيق، ومن ثم اجتاحت روسيا وصربيا وأوكرانيا وسلوفاكيا ورومانيا وجورجيا ومقدونيا ومونتينيغرو.
وقد تدعمت مناقشات الإصلاح الضريبي في روسيا عندما بحث آندريه إلاريونوف، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس فلاديمير بوتين آنذاك، نجاح الضريبة الثابتة في بلدان البلطيق وإمكانية تطبيقها بشكل فعال في روسيا.
واستجابة لاقتراح إلاريونوف، نفذ الرئيس بوتين ضريبة ثابتة مقدارها 13% على الأفراد جنباً إلى جنب مع نسبة 15% على مداخيل معظم النشاطات الاقتصادية الأخرى. لقد جاءت النتائج مذهلة من حيث أن العاملين في سوق روسيا السوداء قرروا بأن الضريبة كانت منخفضة إلى درجة لم يعد من المجدي معها التحايل على دفعها. وبعد كفاح استمر نحو عقد من الزمان فقد نما الاقتصاد الروسي بمقدار 5% سنوياً محسوباً بعد التضخم في عامي 2002 و2003 كما ارتفع إلى 7.3% في العام الماضي. وقد كان فرض الضريبة الثابتة هو السبب الرئيسي لنمو دخل البلاد من ضريبة الدخل الفردية بمقدار 150% منذ العام 2001.
حتى روسيا لا تود أن تلعب بالضريبة الثابتة التي أثبتت نجاعتها. فقبل شهرين فقط، رفض المشرعون الروس اقتراحا لاستبدال الضريبة الثابتة بضريبة دخل تصاعدية تدريجية.
هنالك الكثير للإصلاحيين الاقتصاديين في العالم لتعلمه من قصص النجاح العظيمة التي تحققت في أوروبا الشرقية، والضريبة الثابتة هي من أعظمها.
لذا، فإن من العجيب أن نسمع إيفان سوكر، وزير خارجية كرواتيا، يصف نظام الضرائب في بلاده بأنه نظام “كامل”. ألق نظرة: كرواتيا تلقي على عاتق دافعي الضرائب نسبا ثقيلة تصل إلى 45% كضريبة دخل و20% كضريبة على الشركات، وفي غضون ذلك تُغرِقُهم في واحدةٍ من أكثر نُظم الضرائب تعقيدا في جنوب شرق أوروبا.
أما بالنسبة للضريبة الثابتة فإن كرواتيا هي بطيئة التعلم: صربيا (14% ضريبة ثابتة على الدخل الشخصي و10% ضريبة دخل على الشركات)، مونتينيغرو (9% ضريبة ثابتة على دخل الشركات) ورومانيا (16% ضريبة ثابتة على المداخيل الشخصية ودخل الشركات)؛ كل هذه الدول اشتركت في ثورة الضريبة الثابتة، وما زالت قائمة المؤمنين بنجاعتها تزداد بشكل سريع. وفي 1 كانون الثاني من هذا العام، أقرت مقدونيا ضريبة ثابتة مقدارها 12% على المداخيل الشخصية ومداخيل الشركات، وهي تعتزم إجراء مزيد من التخفيض إلى 10% عام 2008. وفي 1 تموز، من المقرر أن تطبق مونتينيغرو ضريبة ثابتة مقدارها 15% على المداخيل الفردية، على أن تخفضها إلى 12% في عام 2009 و9% عام 2010. وفي ألبانيا فإن أعضاء البرلمان يدرسون إمكانية اعتماد ضريبة ثابتة بمقدار 10% على مداخيل الشركات والمداخيل الشخصية.
بلغاريا أيضاً قد تنضم إلى هذه القائمة. فمؤيدو الضريبة المقطوعة هناك يعدون لعقد مؤتمر كبير، مشيرين إلى قلقهم بأن بلغاريا قد تفقد الاستثمارات لديها ما لم تتخلّ عن ضريبة الدخل الهامشية التي تبلغ 24%، و15% كضريبة على الشركات.
الاستثمارات الخارجية ليست الاعتبار الوحيد. فالضرائب الثابتة تحمل أيضاً إمكانية تحرير الاقتصاديات من أجل النمو، وإرغام النشاطات التجارية في اقتصاد الظل على الرجوع إلى الأسواق القانونية، وكذلك تسهيل جمع تلك الضرائب، وإعطاء أرقام صحيحة عن المداخيل وتخفيض التهرب الضريبي. لقد كانت النتيجة في جميع البلدان التي طبقت نظام الضرائب الثابتة حتى الآن زيادة في تحصيل الضرائب في غضون عام واحد.
في إقليم مثل جنوب شرق أوروبا يجب أن تحظى هذه التغييرات بالترحيب. ذلك أن بلدان الإقليم يواجهون تحديات تتمثل في الفساد، والتطبيقات العشوائية للقوانين والانظمة، والحجم الكبير من التجارة غير المسجلة، والمستوى المتردي من حماية الملكية الخاصة. إن الضرائب الثابتة تساعد في مكافحة مثل هذه المشاكل عن طريق إغلاق المنافذ وكشف وسائل التحايل على القانون.
لقد عززت ثورة الإصلاح الضريبي من التنافس الضريبي في أوروبا. إذ أخذت أوروبا الغربية علماً بذلك، وهي في صدد تخفيض نسبة ضرائبها. النمسا خفضت من ضريبة الشركات من ارتفاعٍ يبلغ 34% إلى 25% بعد أن خفضت سلوفاكيا من الضريبة الثابتة إلى %19. والآن تعمل ميركل، رئيسة ألمانيا، على تخفيض ضريبة الشركات إلى 29.8% بدلاً من 38.7%. وقد أكد نيكولا ساركوزي على أهمية تخفيض نسبة الضريبة على الشركات من 33% إلى 25%، وقد أعاد تأكيد هذه الرسالة بعد أن تم انتخابه رئيساً جديداً لفرنسا.
عدد متزايد من بلدان أوروبا الشرقية قد اعتنقوا فكرة الإصلاح الضريبي. وغيرهم يُقدمون على خطوات جديدة جريئة مثلما فعلت إستونيا. لقد بدأ السباق. وعلى المتباطئين نحو الإصلاح أن يأخذوا علماً بذلك.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 27 حزيران 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100
تُصدر البنوك المركزية العملة وتمارس سلطة واسعة على تصرف السياسة النقدية. وبالرغم من انتشار هذه البنوك المركزية بشكل واسع في هذه الأيام، إلاّ أنها تُعتبر أنظمة مؤسسية جديدة نسبيا. ففي عام 1900، بلغ عدد البنوك المركزية في العالم 18 بنكا فقط. وبحلول عام 1940، أصبح لدى أربعون دولة بنوكا مركزية؛ أما اليوم فهناك 164.
قبل حدوث الزيادة في الصناعة المصرفية المركزية (القومية النقدية)، كانت مناطق أو كتل العملة الموحدة تهيمن على العالم، وكان أكبرها الكتلة الإسترلينية. لقد حذر كبير الاقتصاديين النمساوي فريدرك فون هايك منذ عام 1937، من أنه في حال استمرار نزعة الصناعة المصرفية المركزية، فإن ذلك سيؤدي إلى فوضى في العملة وانتشار الأزمات المصرفية. لقد كانت هواجسه مبررة. فلقد أحاطت أزمات العملة والأزمات المصرفية النظام المالي الدولي بقوة وتواتر متزايدين، على الرغم من عدم توقع حدوث ذلك في الوقت الراهن. والواقع أن حرية حركة رؤوس الأموال النسبية قد أنتجت، ولمعظم دول الأسواق الناشئة ذات البنوك المركزية، تدفقات الأموال الساخنة وأزمات متكررة لأسعار الصرف والأزمات المصرفية المحلية. فماذا يجب أن نفعل؟
إن الجواب الواضح لهذا هو تخلص دول الأسواق الناشئة الحساسة من بنوكها المركزية وعملاتها المحلية واستبدالها بعملة أجنبية متينة. ويمكن اعتبار بنما مثالا رئيسيا لمنافع استخدام هذا النوع من النظام النقدي. فلقد قامت بنما، ومنذ عام 1904، باستخدام الدولار كعملة رسمية لها. وبذلك، يكون اقتصاد بنما المبني على الدولار جزءا من أكبر كتلة عملة في العالم، وبشكل رسمي. وبهدف دمج نظامها المصرفي في أسواق العالم المالية القائمة على الدولار، قامت بنما بتغيير القوانين المصرفية في عام 1970. ونتيجة لذلك، كانت البنوك الدولية متلهفة للمشاركة في الثورة المالية الخارجية. ويشهد نمو النظام المصرفي في بنما على حقيقة أن الإصلاحات المصرفية التي حدثت في عام 1970 قد أتاحت لبنما الاستفادة من اتجاهات العولمة والتدفق الحر لرؤوس الأموال.
يلغي النظام النقدي المبني على الدولار في بنما مخاطر سعر الصرف واحتمال حدوث أزمة في العملة مقابل الدولار الأمريكي. كما أن إمكانية حدوث أزمات مصرفية قد خُففت إلى حد كبير بسبب اندماج نظام بنما المصرفي في النظام المالي الدولي. وتوفر طبيعة البنوك البنمية المفتاح لفهم كيفية عمل النظام ككل بشكل سلس. وعندما تكون محافظ هذه البنوك متوازنة، لا يهمها توزيع السيولة، بفتح أو سحب ائتمان، سواء في الأسواق المحلية أو في الأسواق الدولية. وبتغيّر إمكانات خلق الائتمان في هذه البنوك، يتم تقييم معدلات العائد المضمونة في الأسواق المحلية والدولية وتعديل محافظها المالية بناء على ذلك. حيث يتم توزيع السيولة محليا إذا كانت العوائد المحلية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للأسواق الدولية، وتوزيعها دوليا إذا كانت العوائد الدولية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للسوق المحلية. ويتم عكس هذه العملية عندما ينشأ عجز في السيولة.
إن تعديل محافظ البنوك هو الآلية التي تتيح انسياب السيولة والائتمان من وإلى النظام المصرفي والاقتصاد. ويتم التخلص من تجاوزات أو عجز السيولة في النظام بسرعة لأن البنوك لا تبالي فيما إذا كانت ستوزع السيولة في الأسواق المحلية أو الدولية. إن بنما بمثابة مجرد بركة صغيرة تتصل عبر نظامها المصرفي بمحيط دولي ضخم من السيولة. فعندما تتجاوز معدلات العوائد المعدلة حسب المخاطر في بنما تلك العوائد في الخارج، تقوم بنما بالسحب من محيط السيولة الدولي، وعندما تتجاوز العائدات في الخارج تلك في بنما، تقوم بنما بإضافة سيولة (ائتمان) إلى المحيط في الخارج. ولمواصلة التشبيه، يعمل نظام بنما المصرفي مثل قناة بنما في الإبقاء على توازن مستويات المياه على جانبي القناة. ولا غرابة في أن تكون مستويات الاعتماد والودائع غير مرتبطة بعلاقة متبادلة في بنما بالنظر إلى الدرجة العالية الموجودة من التكامل المالي.
لقد كانت نتائج نظام بنما المالي المبني على الدولار ونظامها المصرفي المندمج دوليا ممتازة بالمقارنة مع دول الأسواق الناشئة الأخرى (أنظر الجدول المرفق).
– كانت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لبنما مرتفعة نسبيا وكانت تقلباتها منخفضة نسبيا. وهذا أمر رائع وجدير بالملاحظة عندما يؤخذ بعين الاعتبار أن بنما نموذج تقليدي للاقتصاد المزدوج. فمن ناحية، يمتاز قطاع الخدمات المصرفية بأنه موجه نحو التصدير وذو كثافة رأسمالية ومرتفع الإنتاجية ويولد وظائف قليلة وخالٍ، إلى حد كبير، من تدخل الحكومة. ومن ناحية أخرى، فإن قطاعي الزراعة والتصنيع يمتازان بالركود والضبط الكبير والدعم المالي المرتفع وعدم الكفاءة والحاجة إلى أيدٍ عاملة كثيفة وعدم القدرة على التنافس.
– عكست أسعار الفائدة أسعار السوق العالمية، معدلة بالنسبة إلى تكاليف ومخاطر المعاملات.
– كانت معدلات التضخم أقل قليلا من تلك التي في الولايات المتحدة.
– كان سعر الصرف الحقيقي لبنما مستقرا للغاية ويسير باتجاه انخفاض طفيف قياسا بسعر الصرف للولايات المتحدة.
– أثبت نظام بنما المصرفي، الذي يعمل دون وجود بنك مركزي مقرض كملاذ أخير، على أنه شديد المرونة. والواقع أنه قد تعرض لأزمة سياسية رئيسية بين بنما والولايات المتحدة في عام 1988 وعاد عودة قوية في أوائل عام 2000.

وللتأمين ضد أزمات العملة والأزمات المصرفية، يتحتم على دول الأسواق الناشئة أن تتبع قيادة بنما وتحذو حذوها عن طريق: التخلي عن القومية النقدية عبر التخلص من البنوك المركزية والعملات المحلية، ودمج أنظمتها المصرفية مع أسواق رأس المال الدولية.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 2 حزيران 2007.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018