الإصلاح الاقتصادي

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

لدى الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات قدرات مالية تفوق الناتج المحلي الإجمالي لبلدانٍ بأسرها. إن مساهمتها في إيجاد فرص العمل والنمو والإيرادات المالية تجعلنا نفهم لماذا أن الحكومات تجد تنمية الشركات المحلية وجعلها “أبطالاً وطنيين” أمراً جاذباً. ومع ذلك، فإن تنمية تلك الفِرق الوطنية العملاقة تجعلها معتمدة على مساعدة الحكومة بدلاً من إتاحة الفرصة أمامها لكي تصبح منافسة في الأسواق الدولية. إننا ننصح الحكومات بأن تكون حكيمة في التصرف بأموال دافعي الضرائب وأن تبتعد عن الأخطاء التي ارتكبها أقرانها في أوروبا وأمريكا.
هناك أمثلة عملية عديدة والتي أثبتت فشل السياسات الهادفة إلى خلق “أبطال وطنيين”. لقد صرفت الحكومة الفرنسية ملايين الفرنكات في عقدي الستينات والسبعينات على تطوير طائرات الكونكورد التي تتجاوز سرعة الصوت والتي انتهت إلى الفشل. وصُرِفت بلايين أخرى بلا طائل لإقامة صناعة كمبيوتر فرنسية. وأخيراً وليس آخراً، أقامت الحكومات الأوروبية صناعة طائرات إيرباص الأوروبية باهظة الثمن، لأنها كانت تشعر بعدم الرضى بوجود ثنائي بوينغ وماكدونل-دوغلاس اللتين كانتا قائمتين في الولايات المتحدة.
السياسيون يؤيدون فكرة الأبطال الوطنيين لأن لديها إمكانية إفادتهم مرتين. أولاً، سوف يحصلون على دعاية إيجابية عن طريق فتح مقرات رئيسية للبطل الوطني ضمن حدود صلاحياتهم. ثانياً، بعد أن يكون الأبطال الوطنيون قد استوعبوا نهائياً جميع أشكال الدعم الحكومي وأصبحوا مصابين بمرض مميت، فإنه يمكن للسياسيين أن يَظهروا كملائكة حماية. لقد وضع مستشار ألمانيا السابق شرويدر مثالاً على ذلك عندما اندفع متوجهاً إلى دائرته الانتخابية لإعطاء تأييده لشركة هولزمان للبناء المتعثرة، وبطبيعة الحال تم ذلك قُبيل الانتخابات، ثم ما لبث أن تُرِكت لتندثر بعد أن تمت الانتخابات!
عندما كانت شركة إنديسا الإسبانية العملاقة للكهرباء ضعيفة بحيث أصبحت عرضة للاستحواذ من قبل منافسين طامعين في أيلول 2005، رحب رئيس وزراء إسبانيا ثباتيرو بعرض الاستحواذ من قبل شركة الغاز الطبيعي التي تملكها حكومة إقليم كتالونيا الإسباني. لقد عرضوا دفع 21.3 يورو مقابل كل سهم من اسهم شركة إنديسا، وقد كانت النظرة إلى تلك الصفقة هي أنها كانت بمثابة “ثمن سياسي”. ذلك لأن الشركة الألمانية إي. أون دفعت لاحقاً 40 يورو. وقد بدا بأن ثباتيرو باختياره لشركة الغاز الطبيعي كان على وشك الموافقة على خسارة حوالي 20 بليون يورو لأسباب سياسية.
وفي النهاية اشترت شركة أكسيونا الإسبانية للإنشاءات 21% من أسهم إنديسا، كما استملكت شركة الكهرباء العملاقة إنيل المملوكة للدولة الإيطالية 25% من الأسهم الأخرى. ما تزال إنديسا شركة إسبانية وطنية، لأن الشركة الإسبانية تملك 50.01% من الأصوات في الشركة القابضة. وقد حالت الحكومة الإسبانية دون وجود سوق فعالٍ للتنافس والذي بسببه سوف تُجلب القضية أمام المحكمة من قبل المفوضية الأوروبية. لقد تم التركيز والتأكيد على قوانين الاستحواذ الوطنية والأنظمة المتعلقة بحَمَلَةِ الأسهم إلى درجة أن مراقب السوق المالي الوطني قرر الاستقالة من منصبه.
ما أن تتلقى الشركات الوطنية الدعم الحكومي حتى تُصبح أية حكومة تحت ضغط سياسي واسع لضمان أن الشركة سوف تظل تحت الهيمنة الوطنية. لقد أقامت الحكومة الإيطالية أنظمةً لمراقبة الاستثمارات الخارجية في قطاعات استراتيجية عدة. وكان قد صدر قرار وزاري من قبل الحكومة الفرنسية يفرض الحصول على موافقة الحكومة على أي استثمار دولي في قطاعات تغطي الصناعات الدفاعية وشركات الأمن الخاصة وحتى الكازينوهات. وأخيراً وليس آخراً، فإن اللجنة المختصة في الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة أثارت عناوين أخبار دولية عندما رفضت عرضاً تقدمت به الصين للاستحواذ على شركة البترول الأمريكية أونوكال وكذلك محاولةٌ من قبل شركة مرافق دبي العالمية لإدارة ستٍ من موانئ أمريكا البحرية.
وفي غضون ذلك، شهدت إنجلترا على امتداد السنوات الأخيرة اكتساحاً هائلاً في عمليات الاستحواذ. إلا أن أنظمتها الليبرالية قد سمحت للمستثمرين الدوليين بشراء أسهم مسيطرةٍ في شركات بريطانية كبرى، بما في ذلك الصناعة البنكية التي اشتهرت بها لندن، وكذلك صناعة السيارات. لقد كان أداء الاقتصاد الوطني جيداً إلى أقصى الحدود في ظل الأنظمة الليبرالية للاستحواذ، وللبيئة الجاذبة للأعمال التجارية التي تبقي الاستثمار والمقرات الرئيسية للشركات في المملكة المتحدة. وقد عُرف ذلك بشكل عمومي بـ”مؤثر ويمبلدن”: لم يعد هناك أبطال بريطانيون بيد أن المباريات تجري في بريطانيا.
في آسيا، تنتهج جمهورية الصين الشعبية سياسة الأبطال الوطنيين. قد يكون للصين الموارد المالية لانتهاج هذه السياسة. ولكن ما هو أهم من ذلك، في غياب الديمقراطية هو أن الصين لا تحتاج إلى إعلان مكاسبها أو خسائرها أو أن تبرر إنفاقها أمام دافعي الضرائب الصينيين.
أما العديد من الحكومات الأخرى في العالم، والتي تتبع أنظمة الديمقراطية التمثيلية، فإنها مضطرةٌ لتقديم حسابات عن الأموال التي تُنفقها. ومع ذلك، فكثيراً ما يكون هنالك علاقة وثيقة بين السياسات وكبريات الشركات، والتي تؤدي إلى قيام الثلاثي سيء السمعة “الفساد، والتواطؤ والمحسوبية”. كذلك، فإن العديد من الديمقراطيات ما زالت غير ناضجة، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف عام في أنظمة المراقبة، بما في ذلك تشريعات غير فعالة ومؤسسات مراقبة مالية غير سليمة، وفقدان للحرية الصحفية.
تحت تلك الظروف فإن سياسةً قائمة على بناء وحماية الأبطال الوطنيين، لن تُعيد فقط الأخطاء الأوروبية والأمريكية؛ بل إنها على الأغلب سوف تتم بثمنٍ أعلى بكثير. وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة استقرار المجتمعات وإساءة سمعة الديمقراطية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 16 أيار 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

من سوء حظ بول وولفوفيتز أنه يتسبب بمعضلة كلما حاول إجراء تغيير في نظام قائم. لقد ثارت كوادر البنك الدولي رداً على تسرب معلومات تفيد بقيام وولفوفيتز، الذي جعل الحملة العنيفة ضد الفساد سمة مميزة للفترة الوعرة لتوليه منصب رئيس البنك الدولي، بمنح صديقة له زيادة في الأجر مقدارها 60 ألف دولار. وطالب الموظفون الذين كانوا دائماً يكرهون العمل تحت إمرة منظّر الحرب على العراق باستقالته، وتُرك وولفوفيتز في عزلة تامة.
وإلى حد ما، كان السبب الأساس لهزيمته في البنك هو ذاته لفشله في العراق: العجرفة الفكرية في القمة التي تترفع عن الحقائق التي في القاع. لقد استسهل وولفوفيتز معالجة الحالة المرضية التي تعاني منها المعونات الأجنبية مثلما استسهل إنشاء الديمقراطية في الشرق الأوسط.
لقد جاء وولفوفيتز إلى البنك وهو عاقد العزم على محاربة الفساد، وربما تحرير نفسه وخلاصها بعد العراق، من خلال تقديم مساعدة ذات طابع رحيم ومحافظ لفقراء العالم. ولكن النجاح لم يكتب لبرنامجه أبداً.
لقد وضع وولفوفيتز حداً في أوزبكستان، حاجباً القروض عن إسلام كاريموف. وأعلن ان السبب في ذلك يعود إلى ان كاريموف سرق شعبه الفقير أصلاً وذبح المتظاهرين المدنيين. ولكن منتقدي وولفوفيتز يعترضون على ذلك ويزعمون ان السبب لهذا الموقف هو رفض كاريموف في تموز 2005 إعطاء إدارة بوش حق استخدام قاعدة عسكرية في أوزبكستان.
ولكن باستثناء حجب المعونة عن أوزبكستان وعن حالات قليلة أخرى، تعرض برنامج وولفوفيتز للخطر بسبب الأعمال الانتقائية. فوفقاً لمقاييس البنك، ينتشر الفساد في 54 دولة غير أوزبكستان أو ربما كان وضعها أسوأ. فهل يا ترى يتوجب على البنك حجب المعونة عنها كلها؟
لم يكن وولفوفيتز على استعداد للذهاب إلى هذا الحد، ما أوقع الجميع في حيرة حول معاييره الفعلية. فباكستان، وهي المحور الرئيس للحملة الأمريكية ضد “القاعدة” والتي لا تُعتبر نموذجاً للديمقراطية أو صلاح الحكم مثلها مثل أوزبكستان، استمرت في تلقي كميات كبيرة من أموال البنك الدولي. كذلك فتحت هذه الحملة العشوائية ضد الفساد المجال أمام مساعدي وولفوفيتز السيئي السمعة، روبن كليفلاند وكيفن كيليمز، وكانا يعملان سابقاً في إدارة بوش، لتهديد الموظفين المعارضين بوصفهم “متسامحين مع الفساد”. (هل يبدو هذا مألوفا؟)
لكن المشكلات المتعلقة بإدارة وولفوفيتز للبنك الدولي تجاوزت حملته الفاشلة لمكافحة الفساد وكانت أعمق. فقد تبنى أهداف سلفه جيمس وولفونسون الطوباوية الخيالية ووسّعها. فبينما كان وولفوفيتز أكثر صرامة مع “الحكومات السيئة” في أماكن مثل أوزبكستان، مثلاً، كان البنك يصر، في الوقت ذاته، على ان تُظهر برامج التنمية “ملكية الدولة”، ويعني هذا المصطلح ان تتولى الحكومة المستفيدة مسؤولية إدارة برامجها. ولكن كيف يمكن ان تكون صارماً مع الحكومات التي تسيء التصرف فيما تصر على ان تقوم هذه الحكومات بإدارة برامجك؟
هذه الحماقات ما هي إلا أحد أعراض الأزمة الفكرية العميقة حول ما إذا كان البنك يملك أدنى فكرة عن كيفية تحقيق أهدافه الطنانة الفخمة. وكانت الدروس المستفادة ازدهار الدول التي تجاهلت مبادئ البنك (الصين، فيتنام، الهند) في حين ضعف أداء الدول التي كانت تحت رعايته وإرشاده (روسيا، الأرجنتين، زامبيا).
كذلك استمر وولفوفيتز في الاتجاه المشؤوم ذاته الذي بدأه وولفونسون، والذي كان يرد على فشل البنك في تحقيق أحد أهدافه بإضافة ثلاثة أهداف جديدة أخرى. لقد وسع الإثنان الهدف الأصلي للبنك الذي يدور حول تعزيز النمو الاقتصادي بكل شيء بدءاً من ضمان حقوق الأطفال إلى تعزيز السلام العالمي. وفي هذه الأثناء، ضحى الإثنان بوضوح الاتجاه لصالح شعارات سخيفة وغير معقولة وملائمة فقط للعلاقات العامة مثل “تمكين الفقراء” و”تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية” (التي تغطي كل أوجه المعاناة الإنسانية).
وأدى هذا كله إلى زعزعة البنك وتداعيه. لقد ترك البنك العديد من أفضل الموظفين وأبرعهم بنزوح محبط مطرد، وبدأت الدول الفقيرة تهجر البنك وتسعى للحصول على قروض من أسواق رأس المال الخاصة أو منح من الجهات المانحة مثل الصين التي تسعى لتتبوأ المرتبة الأولى في ذلك. وفي هذه الأثناء، بدأت مؤسسات خاصة جديدة (مثل “مؤسسة بيل وميليندا غيتس”، و”غوغل دوت أورغ”، وغيرها) تستحوذ على المجالات التقليدية للبنك مثل الصحة والزراعة. وبإضافة الكارثة المتعلقة بصفقة صديقة وولفوفيتز إلى ذلك، يواجه البنك أخطر أزمة في تاريخه خلال العقود الستة الماضية.
يجب ان يتحمل البنك مسؤولية إطعام الجياع وتوفير المياه النظيفة الآمنة للعطشى ومعالجة المرضى. وقد حقق البنك تقدماً حقيقياً في كل هذه المجالات، وباستطاعته ان يحرز أكثر من ذلك إذا حُرر العديد من العاملين الموهوبين من جحيم البيروقراطية الحالية وسُمح لهم بأداء ما يحسنون عمله.
من المحزن ان هذه المبادئ الواضحة لم تُحتضن حتى الآن. ولا يسع المرء إلا ان يأمل في ان يكون الإصلاحيون، الذين يتميزون بمصدر قوة سياسية وحيد يتمثل في عطفهم على الفقراء، أقوياء بما فيه الكفاية في هذه الأزمة للتمكن من إنقاذ البنك لصالح أكثر الناس ضعفاً في العالم. وسيكون هذا مثابة تغيير لنظام يمكننا جميعاً ان نتعايش معه.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 7 أيار 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

هل تعتقد بأنه يتوجب إلغاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؟ من الواضح لكل إنسان بأن المنظمتين كليهما في ورطة كبيرة.
لقد تم تشكيل المنظمتين في مؤتمر بريتن وودز في ولاية نوهامبشر، الذي انعقد في تموز من عام 1944. لقد أعطي صندوق النقد الدولي المسؤولية الرئيسية لضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي، وبشكل محدد إدارة نسب تبادل محددة للعمولات مرتبطة بسعر الذهب والتي أُقيمت يومئذ (ولكنها أُلغيت في عام 1973).
أما البنك الدولي فهو في الحقيقة مجموعة من منظمات دولية خمس مهمتها الرئيسية تقديم التمويل للتنمية وإسداء النصح من أجل القضاء على الفقر على امتداد العالم. وعلى مدى عقود عدة كان نقاد البنك (بما في ذلك عدد من كبار موظفيها السابقين، مثل كبير الاقتصاديين السابق، والحائز على جائزة نوبل، جوزيف ستيغليتز، وعالِم الاقتصاد البارز وليم إيسترلي) كان هؤلاء النقاد قد قدموا إثباتات كثيرة بأن المؤسسة قد خلقت مشاكل أكثر كثيراً مما كانت قادرة على حلها.
الرسالة الأساسية للبنك الدولي قد تم تصورها بشكل خاطئ منذ البداية، وبالتالي فقد كان محكوماً عليها بالفشل. فبالرجوع إلى عام 1944، كان هنالك اعتقاد واسعٌ بأنه إذا ما زوِّدت حكومات البلدان الفقيرة بمبالغ من المال لإقامة البنى التحتية وغيرها من أسباب التطوير فإن بإمكانها أن تصبح أكثر رخاءً وبسرعة. وكما نعلم الآن فإن موظفي الحكومات الذين ينفقون أموال شعوب غيرهم على مشاريع يتم تقريرها على أسس سياسية تؤدي في نتائجها إلى إنفاقٍ زائد وأداء ضعيف، حتى في البلدان الديمقراطية الغنية. أما في البلدان الفقيرة، فإن النتائج هي على الدوام أسوأ من ذلك. لذا فإن أموالاً كثيرةً جداً اكتسبها البنك الدولي من دافعي الضرائب من الطبقات الوسطى في البلدان الغنية إنما ذهبت لإثراء موظفي الحكومات وقادتها الفاسدين في البلدان الفقيرة.
إن البنك الدولي، وبسبب غياب رقابات حسابية والإشراف المناسب والشفافية، قد ساهم في إذكاء الفساد والاضطهاد في القارة الإفريقية وغيرها. يُضاف إلى ذلك أن الناس الفقراء الذين لم يستفيدوا مما أنفقه البنك قد انتهى بهم الأمر بأن أصبحوا مُكبّلين بديون توجب عليهم إعادة دفعها إليه.
في عام 1990، كنتُ رئيساً مشاركاً للفريق الاقتصادي البلغاري الإنتقالي، الذي كانت ترعاه مؤسسة الغرب الوطنية التجارية والحكومة البلغارية. وكجزء من جهودنا، كنا نحاول خصخصة معظم الشركات التي تمتلكها الحكومة، بما في ذلك شركة الهواتف التي تملكها الدولة. ومن وراء ظهورنا قدم البنك الدولي قرضاً إلى احتكار الدولة للهاتف، يرافقه شرط بأن الحكومة لا يمكن أن تسمح بالمنافسة الخاصة. وعندما واجهت المسؤول في البنك الدولي، قال لي أن الأكثر أهمية للبنك هو أن يسترجع ما قدمه وليس أن يكون لشعب بلغاريا نظام اتصالات منافس خاص (أي أسعار أقل وخدمة أفضل). وحتى هذا اليوم ما زالت هذه العقلية تهيمن بشدة على البنك الدولي. لقد تم تحقيق بعض التقدم في الإشراف والشفافية خلال السنين الأخيرة، ولكن كثيراً جداً من مشاريع البنك الدولي كانت ضعيفة الدراسة وسيئة الإدارة وبطبيعة الحال فاسدة.
عندما تسلم بول وولفويتز رئاسة البنك الدولي في حزيران عام 2005، جعل مكافحة الفساد من قبل المقترضين من البنك الدولي، والمتعاقدين معه، وحتى من موظفي البنك أولوية مركزية. بطبيعة الحال فإن الحكومات الفاسدة ومؤيديها، والمتعاقدين الفاسدين، وحتى بعض موظفي البنك قد اشتكوا. عندها ارتكب السيد وولفويتز خطأً أحمق بإعطاء عدد من الأشخاص الذين جلبهم معه وصديقته (وهي موظفة في البنك الدولي) زيادات كبيرة في الرواتب وبالتالي أساء إلى حملة مكافحة الفساد ووضع نفسه على المشرحة ليتم ذبحه من قبل أعدائه.
قضية صندوق النقد الدولي هي أكثر تعقيداً من حيث أنه ارتكب أخطاءً فادحةً، من حيث أنه أرغم البلدان الفقيرة على زيادة الضرائب، ومن حيث كونه الملجأ الأخير لتقديم القروض لبلدان غير مسؤولة وبالتالي زيادة المخاطرة بالنظام العالمي. بيد أن صندوق النقد قد حقق بعض النجاحات من حيث المساعدة في إقامة أنظمة بنكية ومالية ونقدية في عدد من البلدان الشيوعية السابقة. إلا إن مشاكله الحالية تتأتى من حقيقة كونه يتلقى أمواله العاملة من القروض التي يكون قد منحها إلى الحكومات في حالات عُسرها، وحيث أن معظم المدينين الكبار للصندوق قد أعادوا دفع تلك القروض، فإن دخل صندوق النقد الدولي هو بضع مئات من ملايين الدولارات أقل من نفقاته. وعندما كانت محفظة الصندوق عامرة، انغمس في سلسلة لا تنتهي وغير ضرورية من الانتفاخ البيروقراطي العام وبأعداد كبيرة جداً من الموظفين الذين يتلقون رواتب عالية.
فإذا استطاع صندوق النقد الدولي أن يُخفض تخفيضاً راديكالياً من حجمه وأن يُقيّد نفسه بمهمة جمع المعلومات، وتشجيع الدفعات الدولية المنتظمة، وتوسيع التجارة وبعض مهام المساعدات التقنية المحدودة (وجميع تلك المهام يُمكن إنجازُها بِعُشر عدد جهاز صندوق النقد وموازنته) فإنه يمكن عندها للصندوق أن يُبرر استمرار وجوده.
إن قول “وداعاً” للبنك الدولي وإلى جزء كبير من صندوق النقد الدولي سوف يكون لهما نفس الفوائد والنتائج التي تمخضت عنها الإصلاحات التي أُدخلت في برامج المساعدات الاجتماعية في الولايات المتحدة. عندما لا يعود أمام الحكومات، مثل الأفراد، أي خيار لديهم سوى تحمل مسؤولياتٍ أكبر إزاء أفعالهم، فإن معظمهم سوف يفعلون ذلك.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 أيار 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

لماذا يكره العالم الأمريكيين أو على الأقل الحكومة الأمريكية على هذا النحو؟ هل السبب ان وزارة الخارجية الأمريكية تعتقد بأن عليها التصرف بفظاظة وبأسلوب مهين ومتغطرس؟
في آذار الماضي، سجلت وزارة الخارجية الأمريكية رقماً قياسياً جديداً إذ أهانت مواطني 123 دولة في وقت واحد. ووردت الإهانة في “تقرير إستراتيجية مكافحة المخدرات الدولي: المجلد الثاني، تبييض الأموال والجرائم المالية”.
وفي التقرير المؤلف من 450 صفحة، نوقشت تصرفات الدول الأخرى للتقليل من حجم تبييض الأموال والجرائم المالية، ما يُعتبر أمراً جيداً. ولكن بعد ذلك، ألقى واضعو التقرير محاضرة مجانية على كل دولة من الدول التي ذُكرت بالاسم حول الطريقة التي يمكن من خلالها إنجاز تلك الأمور في شكل “أفضل”. ولكي يُفهم النفاق الكلي للمناكدين في وزارة الخارجية الأمريكية، من المهم الإشارة إلى ان حجم تبييض الأموال المصرّفة في الولايات المتحدة أكبر منه في أي مكان آخر على وجه الأرض، وأن الولايات المتحدة أكبر سوق للمخدرات غير الشرعية في العالم.
والتقرير، الذي أعده مناكدون عالميون في وزارة الخارجية الأمريكية، مليء بطلبات لا نهاية لها يجب على الدول الأخرى ان تلبيها لتحقيق المهمة في شكل أفضل، وتشمل تطبيق قوانينها النافذة، وإصدار مزيد منها، وتوقيع مزيد من المعاهدات الدولية، والاشتراك في ممارسات تعتبر غير قانونية وغير دستورية في الولايات المتحدة.
وشن واضعو التقرير هجوماً حاداً على الأصدقاء والأعداء على حد سواء، كما لو ان الفساد وعدم الكفاءة غير موجودين في واشنطن ومكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية وغيرها. وفي ما يلي بعض الأمثلة التي أوردها التقرير:
بالنسبة إلى البلجيكيين، “عليهم تعزيز التمسك بالمتطلبات الخاصة بالتبليغات التي تُقدم من قبل بعض الهيئات غير المالية كالمحامين وكتاب العدل”، وهذا ما تقوله وزارة الخارجية الأمريكية بينما تتجاهل تماماً أهمية سرية عمل المحامين.
أما بريطانيا، فتفيد وزارة الخارجية أيضاً “بأن على المملكة المتحدة ان تطور التشريع لديها وتطبق الأنظمة لضمان تغطية كاملة لقطاعات المقامرة والمراهنة مثلما هي الحال مع الأعمال التجارية والمهن المالية والأعمال المخصصة لغير الشأن المالي”. وربما لم يخطر على بال العاملين في وزارة الخارجية الأمريكية ان البريطانيين يتمتعون بالديمقراطية منذ أمد طويل وأنهم قادرون على ان يقرروا في شكل جيد تماماً اعتماد تلك القوانين والأنظمة التي يفضلون ان يعيشوا في ظلها.
ثم يأتي دور الصين، التي تفيد وزارة الخارجية الأمريكية بأن عليها “تنفيذ العقوبات الجنائية بحق عدم الممتثلين لشروط تحديد هوية الزبون من قبل المؤسسات المالية والمواظبة ومسك الدفاتر”. وهكذا، فإن لدينا أفراداً في الحكومة الأمريكية يقولون بأن على دولة بوليسية ان تعزز العقوبات “الجنائية” الخاصة بالجرائم التي يجب، بحسب اعتقاد خبراء قانونيين كثيرين، ان تكون جرائم مدنية، سواء في الولايات المتحدة أم في أي مكان آخر في العالم.
كما ترى الخارجية الأمريكية ان على الألمان ان “يقوموا بتعديل التشريع والتخلي عن القيود المفروضة على تجميد الموجودات لدى غرفة مقاصة الاتحاد الأوروبي بالنسبة إلى الجرائم المالية والإرهاب بحيث لا تستدعي عملية تجميد الموجودات إجراء تحقيقات جنائية”.
ربما لم يكن لدى المرشدين الروحيين في وزارة الخارجية الأمريكية دراية بأن هناك أسباباً تاريخية معينة تجعل الألمان يصرون في الوقت الحالي على الحمايات القانونية ضد أي خداع محتمل من دولة أخرى.
ويقول واضعو التقرير ان على حكومة جمهورية الدومينيكان “أن تتخلص من برنامج حق المواطنة الاقتصادية الصادر عنها”. لكن، أيضاً وأيضاً، ربما لم يكن لدى هؤلاء علم بأن عدداً كبيراً من الدول، ان لم يكن معظمها، بما في ذلك الولايات المتحدة، تسمح بالإقامة الدائمة و/أو المواطنة لغير المواطنين الذين يستثمرون مبلغاً معيناً من المال في المكان الذي اتخذوه موطناً لهم.
ودعا التقرير سنغافورة إلى “إضافة الجرائم الضريبية والمالية إلى قائمة الجرائم الخطيرة الخاصة بها”. وهنا أيضاً، ربما لم يخطر على بال أفراد وزارة الخارجية الأمريكية بأن مواطني سنغافورة المتعلمين تعليماً عالياً والذين يعيشون في ازدهار اقتصادي، قادرون تماماً على ان يقرروا بأنفسهم نوع الجرائم التي يجب ان تُعتبر قانونياً “جرائم خطيرة”.
ومع كل ذلك، وجدت فعلاً بنوداً متعددة في التقرير أقبلها وأتفق معها. فعلى سبيل المثال، هناك بند يقول: “على إيران ألا تدعم الإرهاب أو تموله”. وإنني بكل تأكيد آمل ان تقرأ هذه الجملة في طهران وأن تأخذ على محمل الجد. هناك إشاعة مفادها أن تقرير السنة المقبلة سيطالب المزارعين في إفريقيا بوقف إنتاج مادة الكاكاو الخاصة بصنع الشوكولاته وأن يوقف البرازيليون إنتاج مادة السكر نظراً لأن هاتين المادتين تجعلان الأمريكيين بدناء!
© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 نيسان 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20101

برحيل عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان في شهر تشرين الثاني الماضي، فقدنا بطلاً عظيماً من أبطال السوق الحر. وفي النعوات والتعليقات التي سجلت الأحداث التي تتعلق بحياة الفقيد من ناحية أعماله وتأثيره الهائل فقد تم التنويه وبشكل لم يتغير بمناصرته ودفاعه عن أسعار الصرف المرنة والتي تركت انطباعاً على أنه يستحسنها ويحبذها على الدوام. إلا أن ذلك ليس على هذا الحال.
بالنسبة لفريدمان هناك ثلاثة أنواع مميزة من أنظمة أسعار صرف العملات: سعر الصرف المرن، وسعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط (أنظر الجدول المرفق). ويوجد لكل نظام من هذه الأنظمة الثلاثة خصائص متباينة ونتائج مختلفة.

وبالرغم من كون سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت يبدوان وكأنهما غير متماثلين، إلا أنهما عضوان في نفس أسرة السوق الحر. فكلاهما يعملان دون وجود قيود على النقد، كما أنهما آليتان من آليات السوق الحر الخاصة بتصحيحات ميزان المدفوعات.
بوجود سعر الصرف المرن، بإمكان البنك المركزي أن يضع السياسة النقدية، إلا أنه لن يملك سياسة سعر الصرف، إذ سيكون سعر الصرف وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي. وتبعا لذلك، سوف يتم تحديد القاعدة النقدية على المستوى المحلي من قبل البنك المركزي. أما بوجود سعر الصرف الثابت، فسيكون هناك احتمالان: إما أن يقوم مجلس العملة بتحديد سعر الصرف—إلا انه سوف لن يكون لدى البنك سياسة نقدية، حيث سيكون عرض النقد وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي—أو، أن يتم اتباع نظام “دولرة” الاقتصاد واستخدام عملة أجنبية كعملة خاصة به. وبناء عليه، وبموجب نظام سعر الصرف الثابت سوف يتم تحديد القاعدة النقدية للدولة من قبل ميزان المدفوعات والذي سوف يتحرك بمطابقة تتم حسب الطلب (من واحد لواحد) مع تغييرات تطرأ على الاحتياطيات من العملات الأجنبية. وبوجود هذين النظامين الخاصين بالسوق الحر وآليتي سعر الصرف فسوف لن يكون هناك تعارض بين السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، وسوف لن تتمكن أزمات ميزان المدفوعات من أن تقوم برفع رؤوسها البشعة. وبالفعل، ستقوم قوى السوق بالتصرف لإعادة توازن التدفقات المالية بشكل تلقائي ولتفادي وقوع أزمات ميزان المدفوعات بموجب نظامي سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت.
ويبدو بأن سعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط وكأنهما شيء واحد. ومع ذلك، فهما من الناحية الأساسية مختلفان كالتالي: في معظم الأحيان تقوم أنظمة سعر الصرف المرتبط باستخدام تقييدات على النقد، وهي لا تعتبر من آليات السوق الحر بخصوص تصحيحات ميزان المدفوعات العالمية. كما تتطلب أسعار الصرف المرتبطة وجود بنك مركزي ليقوم بإدارة كل من سعر الصرف والسياسة النقدية. وكذلك، بوجود سعر صرف مرتبط، فسوف تتضمن القاعدة النقدية عناصر محلية وأجنبية كليهما. وبشكل لا يشبه سعري الصرف المرن والثابت، فإن أسعار الصرف المرتبطة ستؤدي بشكل لا يتغير إلى حدوث تعارضات بين السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. فعلى سبيل المثال، عندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الداخل “زائدة عن الحد الأدنى” بموجب نظام سعر صرف مرتبط فسوف يقوم البنك المركزي في معظم الأحيان بمحاولة تحييد تلك الزيادة الناشئة في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات البيع، بحيث تعمل على خفض عنصر القاعدة النقدية المحلي. وعندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الخارج “زائدة عن الحد الأدنى” فسوف يقوم البنك المركزي بمحاولة تعويض ذلك النقص في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات الشراء، بحيث تعمل على زيادة عنصر القاعدة النقدية المحلي. ويتم نشوب أزمات ميزان المدفوعات عندما يبدأ البنك المركزي بالمقاصة بشكل متزايد بغرض خفض عنصر القاعدة النقدية الأجنبي مع أموال أساسية مستحدثة محلياً. وعندما يحدث مثل ذلك، فسيكون الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يقوم مضاربو العملات بفرز التناقضات الموجودة بين سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية (كما قاموا بعمله بالأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998) وبفرض خفض في قيمة العملة أو بفرض قيود على سعر الصرف.
من حيث المبدأ، قام فريدمان بتفضيل واستحسان كل من أسعار الصرف المرنة والثابتة. وبموجب هذين النظامين من أنظمة السوق الحر، يتم تدفق رأس المال بشكل حر ودون أية قيود. وقد قام فريدمان، وعلى الدوام، برفض نظام سعر الصرف المرتبط.
لقد أثبتت الأعمال التي قام بها فريدمان—وهو رجل صاحب أعمال وليس أقوال—على أن مخزونه الفكري يحتوي على أكثر من أسعار الصرف المرنة. ففي العام 1992، قمت بالمشاركة في تأليف كتاب باسم “الإصلاح النقدي الخاص بجمهورية إستونية حرة” والذي يحمل تظهير تعزيزي من قبل فريدمان كالتالي: “يعتبر مجلس العملة، كالذي يقترحه (هانكي)، نظاماً ممتازاً ومناسباً لدولة في مركز إستونيا”. وخلال ستة شهور قامت إستونيا بإغراق الروبل الروسي (ببيعه برخص زهيد جداً) وكان مجلس عملتها يقوم بصرف “الكرون” الإستوني بسعر صرف ثابت مقداره ثمانية كرونات مقابل المارك الألماني الواحد (والذي اصبح في وقت لاحق 15.65 كروناً مقابل اليورو الواحد). ومنذ ذلك الوقت، ازداد الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بمقدار عشرة أضعاف، وهو أداء يعتبر مثيراً للإعجاب.
وخلال الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998، قام فريدمان بالدخول في العراك. وبصفتي مستشاراً للرئيس الإندونيسي السابق (سوهارتو) فقد اقترحت بأن يتم تثبيت سعر صرف الروبية الإندونيسية بالنسبة للدولار من خلال مجلس عملة. وبعد ذلك بوقت قصير، قامت النشرة الاقتصادية للشرق الأقصى (فار إيسترن ايكونوميك ريفيو) بنشر مقالة بعنوان: “أقوال رئيس مجلس الإدارة ميلتون (فريدمان)”. لقد كانت أفكاره حول مجلس العملة بخصوص إندونيسيا كالتالي: “إذا أراد الإندونيسيين أن يمتثلوا بنظام معين، فسوف يكون ذلك شيئاً حسناً. وما الشيء الآخر الذي بمقدورهم أن يفعلوه؟” حسناً، قد يكون من الممكن أن يتم إجبارهم من قبل التكتل الرئيسي بين الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي كي يتخلوا عن فكرة مجلس العملة! وهو ما حدث بالضبط، والذي نجم عنه نتائج اقتصادية مدمرة.
أين يقف فريدمان فيما يتعلق باقتصاد السوق الحر؟ لقد قام فريدمان بالانحياز إلى سعر الصرف الثابت الذي تم في هونغ كونغ، بقوله: “تشير تجربة هونغ كونغ بكل وضوح إلى أن دولة معينة كهونغ كونغ سوف لن تكون بحاجة إلى بنك مركزي. فهي بالفعل دولة محظوظة جداً لأنها ليست لديها مثل ذلك. فنظام مجلس العملة الذي تم إدخاله في العام 1983 قد حقق نجاحاً جيداً جداً بالنسبة لهونغ كونغ، وإنني اعتقد بأن من المحبذ الاستمرار به”.
وبذلك، وبشكل مخالف للمعتقد الشائع، قام فريدمان باستحسان والانحياز إلى كل من نظامي سعر الصرف المرن والثابت.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 نيسان 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

يشترك أعداء العولمة ودعاة المحافظة على البيئة في إبداء خشيتهم من الأعداد المتزايدة من سكان العالم والاستهلاك المتعاظم للطاقة والسلع، والتي جاءت مع النمو الاقتصادي والتغيرات التكنولوجية والتجارة الحرة.
وبالفعل، فقد شهد القرن العشرون ازدياداً في عدد السكان، ومع ذلك، فان عمر الإنسان قد ازداد بحيث تعدى الضعف، حيث ارتفع من سن الحادي والثلاثين في العام 1900 إلى سن السابعة والستين في الوقت الحالي. وفي كل من الهند والصين، كان عدد حالات وفيات الأطفال الرضع في كل منهما قد تجاوز 190 حالة وفاة لكل ألف حالة ولادة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، أما في الوقت الحالي فقد وصلت إلى 62 حالة وفاة في الهند و26 حالة وفاة في الصين. وفي الدول النامية أيضاً، فقد انخفضت نسبة السكان الذين يعانون من الجوع المزمن من نسبة 37 في المائة إلى 17 في المائة بين أعوام 1970 و2001 بالرغم من الزيادة التي طرأت على عدد السكان في هذه الدول والتي بلغت 83 في المائة. وعلى المستوى العالمي، ازداد متوسط الدخل السنوي بالدولارات الحقيقية بمقدار ثلاثة أضعاف منذ العام 1950. وتبعاً لذلك، فقد وصلت النسبة المئوية للسكان الذين يعيشون في فقر مدقع في الدول النامية المنتشرة في كافة أنحاء العالم إلى النصف منذ العام 1981، حيث هبطت من نسبة 40 في المائة إلى 20 في المائة. كما انخفضت عمالة الأطفال في الدول ذات الدخل المنخفض من 30 في المائة إلى 18 في المائة في السنوات التي امتدت من العام 1960 والعام 2003.
وبنفس المستوى من الأهمية، أصبحت دول العالم أكثر علماً وثقافةً بوتيرة لم تشهدها من قبل على الإطلاق. فمن الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية أصبح الناس أكثر حرية في السعي نحو رفاهيتهم وفق ما يروق لهم. وهناك كثير من الشعوب الذين يقومون باختيار حكامهم ويتمتعون بحرية التعبير، فهم، بشكل أكثر احتمالاً، يعيشون تحت حكم القانون.
ولم يسبق أبداً وأن كانت التنقلية (أو حرية التنقل) الاجتماعية والمهنية أكبر مما هي عليه الآن حيث أصبح، وبشكل أكثر سهولة من ذي قبل، على الناس في مختلف بقاع العالم أن يتجاوزوا الروابط الطبقية ومكان الولادة وجنس المولود. فالأفراد، في الوقت الحالي، يعملون بساعات أقل عدداً ولديهم أموالاً بمقادير أكبر ويتمتعون بصحة أفضل والتي تتيح لهم أن يتمتعوا بأوقات فراغهم وراحتهم أكثر من أسلافهم.
يعتبر سجل الإنسان السابق حول البيئة أكثر تعقيداً. ومن الممكن أن تكون مراحل التطور الأولى للإنسان قد تسببت ببعض التدهور البيئي فعلاً بما أن المجتمعات البشرية كانت عندئذ منهمكة في مشاكل من الدرجة الأولى كان لها تأثير على رخاء الإنسان. وتشتمل تلك المشاكل على الجوع وسوء التغذية والأمية ونقص التعليم وخدمات الرعاية الصحية الأساسية والمياه السليمة والصحة العامة والانتقالية ومصادر الطاقة الجاهزة.
ولأن الثروات الأضخم هي التي تعمل على التخفيف من هذه المشاكل وتقوم في الوقت نفسه بتوفير وسائل راحة أساسية للمخلوقات البشرية، فإن الأفراد والمجتمعات يركزون بشكل مبدئي على التطور الاقتصادي وهم يقومون، في أغلب الأحيان، بإهمال الجوانب الأخرى من جوانب الجودة النوعية للبيئة. وبالرغم من ذلك، فقد أقروا، في الوقت نفسه، بأن التدهور البيئي سيعمل على التقليل من جودة حياتهم. وتبعاً لذلك، قاموا بتخصيص المزيد من الثروة التي اكتسبوها حديثا وكذلك تخصيص المزيد من رأس المال البشري في سبيل التطور ولتطبيق تقنيات تكنولوجية تعتبر أكثر نظافة للبيئة، الأمر الذي عمل على استحداث عبور بيئي ينتقل بواسطة تلك القوتين التوأمين وهما التطور الاقتصادي والتقدم التكنولوجي واللتان قامتا بالبدء في توفير الحلول للمشاكل البيئية بدلاً من أن تقوما بخلق تلك المشاكل.
ولكن ما هو السبب وراء تخلف بعض أنحاء العالم بينما الأنحاء الباقية تشهد ازدهاراً ونجاحاً قوياً، ولماذا توقفت تلك التحسينات التي جرت في مجال رفاهية الإنسان في مناطق معينة كالمناطق التي تقع جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية والعالم العربي؟
إن السبب التقريبي لتلك التحسينات التي طرأت على رفاهية الإنسان هو بفعل “دورة التقدم” والتي تتألف من القوتين الداعمتين المشتركتين (التطور الاقتصادي والتقدم التكنولوجي). غير أن تلك الدورة نفسها قد جرى تحريكها من قبل شبكة من المؤسسات الأساسية وبوجه خاص حقوق الملكية والأسواق الحرة وحكم القانون. كما أن هناك مؤسسات أخرى هامة تضم أساليب مستندة إلى العلم والمعرفة وإلى التكنولوجيا، كلها تعمل على حل المشاكل وقد تم تأسيسها اعتماداً على الشكوكية (أو النزوع إلى الشك)؛ وعلى التجريب؛ وعلى التقبلية للتقنيات التكنولوجية والأفكار الجديدة والتجار الحرة.
بالرغم من كل هذا التقدم وهذه الأخبار الجيدة، ما زال هناك، فوق ذلك، الكثير مما لم يتم إنجازه. فهناك الملايين من الناس يموتون بسبب الجوع وسوء التغذية وأمراض قابلة للوقاية والعلاج كالملاريا والسل والإسهال. وهناك أيضا ما يزيد عن مليار إنسان ما زالوا يعيشون في فقر مدقع. كما أن ثلث عدد سكان العالم المؤهلين للدخول في المدارس الثانوية ما زالوا غير مسجلين فيها. أما الحواجز التي يتم وضعها أمام العولمة وأمام التطور الاقتصادي والتغير التكنولوجي كاستخدام، مثلاً، مادة الـ”دي. دي. تي” للقضاء على مرض الملاريا واستخدام هندسة الجينات والتكنولوجيا الحيوية، فهي التي تشكل المصدر الأكبر للمشاكل.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 3 نيسان 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

ماذا يستطيع السياسيون أن يفعلوا لخلق وظائف تُدرّ أجوراً أعلى؟ لا بد أن السياسيين يظنون بأن معظمنا يعتقد بأن الجواب هو: الكثير. إن أحد أكثر الوعود الانتخابية تكراراً هي خلق وظائف جديدة بأجور جيدة. إنني سوف أحاول أن أُدلل بأن السياسيين يستطيعون عمل عدد من الأشياء لزيادة الوظائف ذات الأجور العالية. ولكن هذا لا يعني أنني أحبذ أن يحافظ السياسيون على وعودهم الخاصة بالأجور العالية، ذلك لأن الأشياء التي يستطيع السياسيون عملها لتحسين الوظائف ليست هي الأشياء التي سوفيفعلونها.
السياسيون يستطيعون تشريع سياسات من أمرين عامين اثنين، لتحقيق النتائج المرجوة، بما في ذلك خلق وظائف عالية الأجر: 1) السياسات القابلة للتنفيذ، ولكن بطريقة لا يستفيد منها السياسيون؛ 2) السياسات غير القابلة للتطبيق (وعادة ما تجعل الأمور أكثر سوءً)، ولكنها مع ذلك تخلف سراب الفعالية بطرق تخدم السياسيين.
وفق الترتيبات الديمقراطية السائدة، فإن النجاح الانتخابي يتطلب من السياسيين أن يظهروا كدعاة لتحقيق أهداف اجتماعية مرغوبة، مع عمل مباشر وحاسم يخدم جماعات المصالح الخاصة المنظمة. وحتى عندما تكون تلك المصالح مضرة اجتماعياً، وهي عادة كذلك، فإنها تفعل أكثر لخدمة مصالح السياسيين، بدلاً من السياسات التي تخدم الأهداف الاجتماعية العامة، بشكل غير مباشر، عن طريق خلق بيئة يستطيع الناس فيها تحقيق مصالحهم المختلفة من خلال التفاعل الإيجابي. المعضلة السياسية بالنسبة للتوجه غير المباشر تتألف من أمرين: الفوائد التي تتأتى تدريجياً وتعمّ ساحات واسعة بحيث أن القلائل فقط هم الذين يلاحظونها، وبذا يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل على السياسيين ادعاء فضل لهم في خلقها. وكما أوضح إف. إيه. هايك في مجلده الثالث بعنوان: القانون، والتشريع والحرية، فإن السياسيين “الذين يتطلعون إلى إعادة انتخابهم، على أساس ما حقق حزبهم خلال السنوات الثلاث أو الأربع التي مضت، في إعطاء مزايا خاصة وبارزة لناخبين، ليسوا في ذلك المركز الذي يتيح لهم إصدار القوانين العامة، والتي تكون بالفعل أكثر ما تكون خدمة للصالح العام.” عندما ننظر إلى السياسات التي تهدف إلى خلق وظائف عالية الأجر، فإننا بسهولة نجد أمثلة حيث يُفضل السياسيون “الفوائد” البارزة التي تسيء إلى الجمهور، بدلاً من الفوائد غير البارزة التي هي حقاً في صالح جماهير المواطنين.
كثير من السياسات تزيد من عدد الوظائف التي تعطي أجوراً عالية بشكل غير مباشر، ويبدو أن كثيراً منها تزيد العدد مباشرة، ولكنها في الحقيقة، تُنقص تلك الوظائف وتخفض مستوى أجورها. السياسات السابقة جميعها تفعل الشيء الضروري الوحيد لزيادة الأجور والرواتب: رفع إنتاجية العمل، بينما السياسات الأخرى جميعها تُخفض أو تؤخر زيادة الإنتاجية، وبالتالي تُخفض الأجور إلى ما هو أدنى مما كان يجب أن تكون عليه. التحيّزُ السياسي ضد السياسات الفعالة يبدو واضحاً من القائمة التالية، ومن البحث الموجز. لننظر أولاً في بعض السياسات التي تؤدي إلى زيادة الأجور.
 إلغاء القيود على الواردات: أحد أكثر الإجراءات فعالية يمكن للحكومة اتخاذها لزيادة إنتاجية العمل والأجور هو إلغاء التعرفة الجمركية والقيود على الاستيراد. تخفيض القيود على الاستيراد يزيد من المداخيل الحقيقية بوسيلتين. أولاً، إنه يخفض السعر الذي يدفعه العمال لتلك البضائع والخدمات التي يمكن إنتاجها بكلفة أقل في بلدان أخرى من تلك التي يدفعونها داخل بلادهم. ثانياً، إنه يزيد التنافس أمام المنتجين المحليين من قبل المنتجين في الخارج، وهذا يُوجه العمال إلى تلك المجالات التي تكون فيها إنتاجيتهم أعظم، والتي يتمتعون فيها بميزة نسبية.
رفع الإنتاجية هو أمر ضروري وكاف لرفع الأجور، على الأقل بشكل عام. لا يستطيع أي إنسان عاقل أن ينكر بأن هنالك كلفة تتأتى عن انتقال العمال إلى وظائف ذات إنتاجية أعلى، أو أن القليلين سوف لا يجدون وظائف تعطيهم أجوراً مساوية لتلك التي كانوا يتقاضونها. ولكن لا يمكن لأي اقتصاد أن يزدهر في غياب منافسة مفتوحة، والتي تبقي جميع الموارد، بما في ذلك الموارد العمالية، متنقلة من الوظائف الأقل قيمة إلى الوظائف الأعلى قيمة (من وجهة نظر المستهلكين)، استجابة لأحوال متغيرة على الدوام. لكن حتى أولئك الذين ينتهي بهم الأمر إلى قبض أجور أقل، بسبب التأقلمات الخاصة المطلوبة منهم، يظلون يكسبون أجوراً أعلى كثيراً من تلك التي كانوا سيتقاضونها لو ظل الاقتصاد مغلقاً على نفسه ضد إحداث مثل ذلك التأقلم.
 وضع نهاية لرفاه الشركات الكبرى الاحتكارية: القيود على الاستيراد هي شكل من أشكال الرفاه بالنسبة للشركات الكبرى، ولكنها ليست لسوء الحظ الشكل الوحيد. لقد نجحت تلك الشركات عن طريق لوبيات الضغط على الحكومة باكتساب عدد كبير من أساليب الدعم والأنظمة التي تجلب لهم الثروات، عن طريق فرض القيود على المنافسات التي تواجههم. إلغاء جميع أشكال المحاباة من شأنه زيادة عدد الوظائف التي تدفع أجوراً أعلى عن طريق تخفيض الضرائب والتأثير المشوِّه الذي تحدثه، وإتاحة المجال أمام التنافس الداخلي والخارجي بتوجيه الأيدي العاملة ورأس المال إلى أكثر الميادين إنتاجية، وفق ما يراه المستهلكون وليس كما يراه السياسيون الذين يخدمون مصالح عملائهم الخاصة.
 فئات ضرائب هامشية أقل: بغض النظر عن مدى كفاءة أية حكومة، فإن عليها أن تجمع الإيرادات للإنفاق على نشاطاتها، وهذا يعني فرض الضرائب. لسوء الحظ فإن جميع الضرائب تُخفض الإنتاجية عن طريق: 1) وضع فجوة بين السعر الذي يتلقاه المورد وبين ما يدفعه صاحب الطلب على البضاعة، وبالتالي، الحيلولة دون حدوث تبادل تجاري مُثمر؛ 2) دفع الناس إلى اتخاذ قرارات لتفادي دفع الضرائب، بدلاً من خلق الثروة. تلك التشوهات تسمى عادة بخسائر الأحمال الثقيلة، وهي كلفة لا مفر منها في دفع ضرائب فوق وبالإضافة إلى كلفة الفرصة لجني المال. إن تخفيض الخسائر الناتجة عن الأحمال الثقيلة نتيجة رفع نسب الضرائب يزيد من فعالية التعامل بين أصحاب العمل والعمال وإلى توجيههم إلى مناحي تستجيب لرغبات المستهلكين، ورفع مستوى الإنتاجية العامة، وكلاهما من شأنه رفع الأجور الحقيقية للعمالة. إذن، فإن طريقة فعالة لزيادة عدد من يتقاضون أجوراً عالية هي عن طريق تخفيض نسب الضرائب وتوسيع قاعدة دافعي الضرائب عن طريق إغلاق منافذ الهرب من دفعها. فكلما كانت نسبة الضرائب الهامشية أقل، كانت الفجوة أقل بين ما يتلقاه البائعون وما يدفعه المشترون. وكلما نقصت منافذ التهرب من دفع الضريبة (مصحوباً بنسب ضريبة أقل)، قلت الفائدة الضريبية من تحويل الموارد من الإنتاج ذي القيمة العالية إلى القيمة المنخفضة التي تتأتى عن تجنب دفع الضريبة.
 تجنب التضخم: تستطيع الحكومة أن تفعل الكثير لرفع أعداد الوظائف التي تدفع أجوراً عالية، وذلك عن طريق تجنب التضخم. التضخم يستنفذ الإنتاجية العمالية، ويخفض الأجور الحقيقية، تماماً مثلما يأكل من قيمة العملة. إن أكثر الأمور ضرراً بالنسبة للتضخم هي أنه يشوّه المعلومات التي تنقلها أسعار السوق، وتخفيض قدرة سوق المال على توجيه الموارد، بما في ذلك العمالة، إلى حيث تحقق أعلى إنتاجية لها. ومثلما أن المسطرة للقياس تفقد فائدتها في قياس ومقارنة المسافات، إذا كان طولها خاضعاً لتغييرات مفاجئة، كذلك، فإن أسعار السوق هي أقل فائدة لتقرير ومقارنة القيم، عندما تكون قيمة المال خاضعة لتقلبات فجائية. كذلك، فإن التشوهات الناتجة عن التضخم تجعل من المستحيل معرفة ما هي نسبة الفائدة المناسبة عندما يقترض الناس أو يقرضون مالاً لتمويل استثمارات طويلة الأجل. لذا، وفي أجواء من التضخم، فإن كثيراً من الاستثمارات الكفؤة، والتي تزيد من إنتاجية العمال في المستقبل، وتزيد من أجورهم المستقبلية، لا تأخذ طريقها إلى التنفيذ أبداً.
تجنُّب الترف
 خفض الإنفاق المترف: ليس هنالك من شك بأن تخفيض الإنفاق المُترف من شأنه زيادة الأجور الحقيقية عن طريق زيادة إنتاجية الاقتصاد. إن جزءاً كبيراً من الإنفاق تُحركه قدرة بعض دوائر المجلس التشريعي، أو جماعات المصالح الخاصة، على الاستحواذ على فوائد ومزايا عن طريق توزيع الكُلف على قاعدة دافعي الضرائب كلها. وحيث أن أولئك الذين يستفيدون أكثر من غيرهم يدفعون جزءً بسيطاً من الكلفة، فإن الضغط يتجه نحو توسيع الإنفاق إلى ما هو أبعد كثيراً من المستوى الأكثر كفاءةً اجتماعياً. الموارد تنتقل من الاستخدامات ذات الفوائد العالية إلى الاستخدامات الأقل فائدة بالنسبة للمستهلكين، وبالتالي تخفيض قيمة البضائع والخدمات المتاحة، وبالتالي تخفيض القيم الحقيقية للرواتب والأجور. الإنفاق الحكومي الزائد هو عنصر سلبي خارجي، تماماً مثلما هو التلوث الزائد، والأول ليس أقل هدماً للإنتاجية وليس أقل فعلاً في إذابة الأجور الحقيقية من الأخير. فإذا كان السياسيون قلقين بسبب النتائج السلبية الناتجة عن سياسة البذخ في الإنفاق، مثلما هم قلقون، كما يقولون، من التلوث الزائد، فإن النتيجة ستكون إنفاقاً حكومياً أقل مضيعة ووظائف برواتب وأجور أعلى.
 إلغاء الحد الأدنى للأجور: إن هذا سوف يزيد من الأجور عن طريق زيادة رأس المال البشري، والذي هو لكثير من الشباب الصاعدين يمكن تكوينه أفضل تكوين بالتدريب العملي في العمل. التشريعات الخاصة بالحد الأدنى للأجور تخلق البطالة بشكل واضح بين الشباب اليافع، والذين هم، ولأسباب عديدة، بما في ذلك مدارس عامة عديمة الجدوى، لا يملكون المهارات التي تستحق الحد الأدنى للأجور المنصوص عليه في القانون. النتيجة لن تكون فقط البطالة، التي قد تكون قصيرة المدى، بل تخفيضاً في الفرص لكثير من الشباب لكي يكتسبوا المهارات التي تجعلهم أكثر إنتاجية على المدى الطويل. وحتى أولئك الذين يحصلون على وظيفة بالحد الأدنى من الأجر هم أقل احتمالاً في الحصول على وظيفة يقدم فيها صاحب العمل فرص تدريب لهم، على حساب إنتاج فوري بشكل من الأشكال. الحد الأدنى يحرم الكثير من الشباب من فرص قليلة لمواصلة تعليمهم الرسمي من أجل كسب المهارات الضرورية التي تمكنهم من الحصول على مداخيل أعلى في المستقبل نتيجة العمل بأجور منخفضة عندما تكون عليهم مسؤوليات مالية قليلة. إلغاء قانون الحد الأدنى يجعل أمراً شرعياً للشباب الأقل حظأً بأن تتوفر لهم الفرص نفسها للحصول على وظائف في المستقبل بأجور أعلى، مثل تلك التي تتوفر لمن هم أكثر حظاً من خريجي الجامعات الذين يتلقون الدعم فيها.
 إنقاص سلطة نقابات العمال: إن إزالة بعضٍ من الامتيازات التشريعية المعطاة للنقابات العمالية سوف يكون أحد الوسائل الفعالة لزيادة الأجور. نقابات العمال تعمل على زيادة أجور بعض العمال، ولكنها تفعل ذلك عن طريق تخفيض أجور آخرين بقدر يؤدي إلى تخفيض الأجور بشكل عام. وبسبب الامتيازات التشريعية التي تتلقاها الاتحادات، فإن من الصعب، وفي بعض الأحيان من المستحيل على العمال أن يتأهلوا لبعض الوظائف، بدون الانتماء إلى أحد الاتحادات. وهكذا، فإن الاتحادات تستطيع رفع بعض الأجور عن طريق حظر الانتماء إلى بعض مجالات العمل وجعل أولئك العمال أقل كفاءة، مع وجود قوانين عمل صارمة.
جميع هذه الممارسات تؤدي إلى تخفيض في الإنتاجية للقوة العاملة. إن منع الدخول إلى بعض مجالات العمل يزيد من أجور بعض أعضاء النقابات الذين يعملون في تلك المجالات، بيد أن ذلك يزيد من عدد العمال في مجالات أخرى، حيث مهاراتهم أقل قيمة. هذا لن يؤدي فقط إلى تخفيض أجورهم، بل إنه يخفض من إنتاجية وأجور العمال بشكل عام، عن طريق الحيلولة بينهم وبين الالتحاق في وظائف تعطيهم مردوداً أعلى. وبسبب تقليص مرونة أصحاب العمل على نقل العمال من مجال عمل إلى مجال عمل آخر، استجابة لظروف متغيرة، فإن قوانينَ عملٍ غير مرنة تخفض كذلك من إنتاجية وأجور العمال.
اتحادات العمال على امتداد القطاع الصناعي قد خفَّضت أيضاً من الإنتاجية الاقتصادية العامة عن طريق تجمع العمال الذي يحول دون المنافسة. فإذا ما وافقت الشركات في صناعة ما بشكل صريح على تخفيض الإنتاج من أجل رفع الأسعار، فإنها تكون قد خالفت القانون الذي يمنع التواطؤ بين الشركات لتحديد الأسعار (والذي استُثني من تطبيقه نقابات العمال) والذي يفرض عقوبات صارمة، بما في ذلك السجن، لكبار المديرين. ومن الناحية الأخرى، فإن الشركات في الصناعات لا تقلق كثيراً إذا ما تم تنقيص الإنتاج بسبب إضرابٍ من الاتحادات. لذا، فإن أرباح الشركات وأجور أعضاء الاتحادات يمكن زيادتهما بسبب عدم كفاءة “الكارتل” (الاتفاقات لتحديد التجارة) التي تظل ضمن القانون فقط بسبب أن وراءها اتحادات العمال. (إنني لا أجادل بالنسبة لقوانين مكافحة التواطؤ لتحديد الأسعار، وحتى لو أمكن جعل تلك القوانين بمعزل عن الاعتبارات السياسية، وهذا لم يحدث أبداً ولن يحدث، فإنها سوف تظل تحد من التنافسية في المجتمع، بسبب نظريات الكتب الجامدة التي تفترض تنافساً كاملاً، وهو ما بُنيت عليه.)
جميع هذه النقائص الآتية من قوى اتحادات العمال تُخفض التنافس وبالتالي تؤدي إلى تناقص الأجور الحقيقية. إن تلك النواقص سوف تتناقص كما أن الأجور الحقيقية للعمال سوف تتزايد إذا تم تحجيم نفوذ اتحادات العمال. وكما بيّنت، فإن جميع السياسات التي بحثتها لها قاسم مشترك واحد: إن من شأنها زيادة الأجور عن طريق رفع الإنتاجية الاقتصادية. كما أن شيئاً آخر يجمعها: أنها ترفع الأجور على مستوى عريض، وبشكل غير مباشر، وتدريجياً، عن طريق خلق بيئة يتعاون الناس فيها تعاوناً منتجاً، من خلال السوق وبطرق تخدم مصالحهم المشتركة أفضل خدمة. هذا يعني أن الوظائف الأفضل والأجور الأعلى لن يظهرا على الفور، وحتى لو كان الأمر كذلك، فلن ينظر إليهما على أنهما نتيجة عمل حكومي تستحق عليه الثناء. وعليه، فإن فعالية تلك السياسات في خلق ذلك النوع من الوظائف التي يعد السياسيون دوما بخلقها لن تترجم إلى تأييد سياسي كبير بالنسبة لهم. يفضّل السياسيون تلقي الامتنان عندما يبدون وكأنهم يخلقون وظائف أفضل مصحوبة بنتائج عكسية، بدلاً من نيل الامتنان لسياسات تخلق بالفعل وظائف أفضل. وسوف نبحث الآن في سياسات لها شعبية سياسية لأنها ظاهرياً تعد بزيادة الوظائف ذات المداخيل الأعلى، بينما هي في الواقع تؤدي إلى انخفاضها.
السياسات التي تخفض الأجور

 تقييد الاستيراد: عندما يجادل السياسيون بشأن زيادة القيود على الاستيراد، أو ضد تخفيضها، فإنهم يدَّعون دائماً بأنهم يريدون حماية الوظائف التي تعطي أجوراً عالية. القيود على الاستيراد تحمي بالفعل بعض الوظائف ذات الأجور العالية، ولكن على حساب تخفيض خلق وظائف أخرى، حتى بأجور أعلى، بسبب الانخفاض العام في الإنتاجية والتي تخفّض معدل الأجور الحقيقية. بيد أن الوظائف المحمية يحتلها حالياً عدد معروف وقليل نسبياً من الذين يتمتعون بتمثيل سياسي جيد، وهم على وعي تام بالمزايا التي يحصلون عليها من السياسيين، الذين يدلون بأصواتهم إلى جانب فرض قيود على الاستيراد تحميهم من المنافسة الأجنبية. إن الخسائر الناتجة حتى عن وظائف أعلى إنتاجية يمكن أن يتجاهلها السياسيون، ما دام أنها مبعثرة وغير مركزة وليس من السهل ملاحظتها، ذلك أننا لا نفتقد ما لم نكن قد حصلنا عليه أصلاً. وحتى لو لوحظت الخسارة فإن السبب—تقييد الاستيراد—لا يُرى بسهولة.
 وضع الشركات الكبرى على قائمة من يتلقون المنح والعطايا: السياسيون يتأرجحون بين مهاجمة رجال الأعمال وبين الثناء عليهم، ويتوقف ذلك على نوعية الموضوع السياسي والجو المحيط به. بيد أنهم ثابتون في دفع كميات كبيرة من المنح والعطايا لصالح الشركات الكبرى، والتي يدفع ثمنها دافعو الضرائب، من خلال ضرائب أعلى وإنتاجية اقتصادية أقل. أكثر الأقوال شيوعاً في تبرير تلك العطايا هي أنها تخلق وظائف جديدة.
وفي الحقيقة فإنها تخلق وظائف جديدة، ولكن على حساب تدمير فرص قيام وظائف أكثر إنتاجية، كان يمكن أن تنشأ لو لم توضع قيود على التنافس، ولو كان قد سمح للمستهلكين بصرف أموالهم التي يدفعونها كضرائب لشراء ما يفضلون من بضائع، بدلاً من دفعها كعطايا لرفاهية الشركات الكبرى.
لسوء الحظ، فإن الوظائف التي تنشأ هي مرئية ويمكن رؤيتها بسهولة كنتيجة لإجراء حكومي، بينما الوظائف ذوات المردود الأعلى والتي لا تنشأ تظل غير مرئية—ذلك أن من الصعب افتقاد ما لم ينشأ أصلاً.
 رفع الضرائب: كثيراً ما يدعو السياسيون لفرض ضرائب أعلى كأفضل وسيلة لدعم النمو الاقتصادي، وخلق وظائف أكثر وأعلى مردوداً. الفرضية هي أن الضرائب الأعلى سوف تخفض العجز في الموازنة، والذي بدوره يخفض الفوائد التي تدفع على الاقتراض الحكومي. إن شعبية رفع الضرائب من أجل خلق وظائف جيدة يتعارض مع جوهر هذا البحث. إنها تقول بأن السياسيين مستعدون لاتخاذ قرار غير محبوب—رفض الضرائب—من أجل تحقيق فائدة أعم، ألا وهي نمو اقتصادي عام وخلق للوظائف. بيد أن رفع الضرائب ليس طريقة ناجعة لزيادة النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل. وحتى لو أدى رفع الضرائب إلى تخفيض عجز الموازنة، فإنه ليس من المحتمل أن يكون له تأثير كبير على نسب الفوائد. الذي يقرر نسبة الفائدة هو سوق رأس المال العالمي، حيث كثيراً ما تنخفض الفائدة في ذات الوقت الذي يرتفع فيه عجز الموازنة، وترتفع عندما يكون في حالة انخفاض. ثانياً، رفع الضرائب قلما يخفّض العجز في الموازنة، على الأقل ليس لأمد طويل. وحتى عندما تؤدي الضرائب الأعلى إلى موارد ضريبية أكبر، فإن الأموال الإضافية تُستخدم في جميع الحالات لتوسيع الإنفاق الحكومي والصرف على برامج الرفاه، مع نمو الإنفاق بأكثر من نمو الواردات. والنتيجة هي استبدال الإنفاق الخاص بالإنفاق العام الذي يكون خاضعاً للمؤثرات السياسية بدلاً من الاعتبارات الاقتصادية—وهي وصفة أكيدة لتخفيض الإنتاجية وتخفيض الأجور الحقيقية. كذلك، وبنسب ضرائب أعلى، فإن أصحاب المصالح الخاصة مستعدون لدفع مزيدٍ من المال للسياسيين مقابل إعطائهم منافذ للتهرب من الضريبة، ومن شأن ذلك إدخال اختلالات إضافية على الإنتاجية في توزيع الموارد بين الإنفاق والاستثمار. إن الثمن السياسي لرفع الضرائب يُعوَّض بما هو أكثر منه في المزايا السياسية الناشئة عما يبدو بأنه خلقٌ لوظائف جديدة، في الوقت الذي يُستخدَم فيه المزيد من الدخل القومي لشراء مزيدٍ من التأييد الانتخابي.
 زيادة الإنفاق الحكومي: إن قائمة الفوائد التي تنشأ من زيادة الإنفاق العام على بناء الطرق والتعليم ودعم الزراعة والمتنزهات العامة وتوسيع المطارات وتحويل منتوجات المياه وغير ذلك، تنطوي دائماً على وظائف إضافية. بيد أن الوظائف التي تنشأ تشكل جزءاً كبيراً من نفقات تلك المشاريع وليست فوائداً. إن الوظائف الضرورية لبناء طريقٍ أو لإعادة تحويل علب الألمنيون مليئةٌ بأناس لا ينتجون قيمة في غير ذلك من النشاطات. وما لم تؤخذ هذه الكلفة بعين الاعتبار، فإن الوظائف التي يتم إنشاؤها سوف تدمر الثروة الهامشية، لأن القيمة التي يصنعها العمال الذين يعملون في المشاريع التي تمولها الحكومة سوف تكون أقل من القيمة (في معيار تفضيل المستهلكين) التي كان يمكن لهم إنجازها في مناحي أخرى. إذن فالحوافز السياسية تجعل سوء التوزيع هذا للعمالة أمراً لا مفر منه.
 تنظيم سوق العمل: يستطيع السياسيون أن ينالوا الفضل في حماية وخلق الوظائف عن طريق فرض عددٍ من القيود التي تخفض الإنتاجية في أسواق العمل. لنذكر اثنين: أولاً، تنفيذ قوانين العمل الإلزامي يضع الضغط على أصحاب العمل لتوظيف عمال على أساس التنوع العرقي للمجتمعات التي يعملون فيها، ويزيد من صعوبة التخلص من العمال غير المنتجين. ثانياً، إن الذي يُعيَّن بإرادة سياسية يقلل من المرونة المتاحة لدى صاحب العمل بتعديل التعويضات بوسائل تجذب أفضل تشكيلةٍ من العمال في مصانعهم، وبأقل الكلف.
إن خيرة السياسات التي تخلق وظائف ذات مردودٍ أعلى بشكل غير مباشر يكمن في أنها تفعل ذلك عن طريق خلق مجموع إطار إيجابي يتم في كنفه تعامل الناس وتفاعلهم بشكل أكثر فاعلية. الزيادة ذاتها في الإنتاجية، التي ترفع المداخيل، ترفع كذلك المستوى العام للثروة، وترفع من مستوى حياتنا في العديد من المجالات. وعلى سبيل المثال، كلما ازدادت الثروة، فإن وفيات الأطفال تنخفض، وترتفع توقعات الحياة (ونوعية الحياة أيضاً) في جميع مستويات العُمر، وينخفض الفقر، وتصبح البيئة أكثر نظافة، ويزيد ارتياد النشاطات الفنية، وتزداد أوقات الراحة، وتصبح الوظائف أكثر أماناً وأبهجَ وأعلى مردوداً.
المشكلة في السياسات التي تعمل على خلق وظائفٍ ذات مردود أعلى مباشر هو أنها تفعل ذلك عن طريق التحويلات الحكومية وسياسات الحماية، وهي بمجموعها سلبية. ومع ذلك، فإن هذه السلبية مفروضة بدوافع سياسية لأن السياسيين يتلقون الكثير من الثناء والتقدير لتوفيرها، بينما لا يعانون أي ملامة للخسائر الأكبر التي تنتج عنها.
بالتنسيق مع مجلة فريمان، نيسان 2006.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 8 شباط 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

قد يبدو واضحا أن النمو الاقتصادي يحد من الفقر، ومع ذلك، يبقى هذا الموضوع مثار خلاف. اذ أكد بعض الباحثين أن النمو الاقتصادي لا يقضي على الفقر بل من الممكن أن يُفاقم مشاكل الفقراء (الأمم المتحدة 1997). فعلى سبيل المثال، أشار كل من دريز وسين (1990) أن النمو الاقتصادي لا ينتج عنه مردود يحسن الرفاه في العديد من الإجراءات غير المالية. إن الدعوة لزيادة الإنفاق الحكومي (سكويرز 1993) أو لإعادة توزيع الثروة (تودارو 1997) هما الامتداد المنطقي للنقاش حول القول أن النمو الاقتصادي لا يكفل القضاء على الفقر.
ويسمي تودارو (1997) هذا الزعم بأن النمو يقلل الفقر بشكل فعلي بـ “نظرية انسياب الفوائد إلى الأسفل.” وفي الظروف الأقل مثالية، لا يوجد حتى “انسياب” للأسفل. وببساطة، فإن التقدم الاقتصادي العام “لا يحسن من مستويات شديدي الفقر” (تودارو 1997: 155). وفي الواقع، أكد بعض اقتصاديي التنمية أن “عمليات النمو” “تنساب عادة للأعلى” إلى الطبقات الوسطى و”خاصة طبقة الأغنياء جدا” (تودارو 1997: 163).
من المواضيع التي لم يتم بحثها بتوسع هو تأثير الثروة النسبية للأغنياء والفقراء على مستوى الرفاهية. هناك الكثير من المؤلفات التي تؤكد على أنه يترتب على تحسين دخل الفقراء تأثير أكبر على متوسط مستوى الرفاهية والازدهار في بلد ما عن ذلك الذي يترتب على تحسين دخل الأغنياء (تودارو 1997). ولم تتم دراسة هذا المقترح بشكل مستفيض كما أن التحليل المتأني يشكل جدول أعمال هام للبحوث.
توزيع الثروة والفقر

من الممكن فحص السؤال الأول المتعلق بالعلاقة بين الأغنياء والفقراء عن طريق تقدير علاقة دخول الفقراء والأغنياء بعضها ببعض. وعلى سبيل المثال، من الممكن تقدير المعادلات التالية:

باعتبار أن Yp و Yr يمثلان معدل الدخل الفردي للفقراء والأغنياء، على التوالي، وأن βp و βr يمثلان مُعامِلات “تحويل دخل الفئة الاجتماعية”. وتظهر β الزيادة النسبية في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة واحدة كدالة لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة الأخرى. فعلى سبيل المثال، تمثل βr التغير الذي يطرأ على دخل الفقراء بسبب التغير الذي يطرأ على دخل الأغنياء. فإذا كانت نظرية “انسياب الفوائد للأسفل” صحيحة، يجب أن تكون قيمة βr موجبة. وفي حال كون نظرية “الإنسياب للأعلى” صحيحة، فيجب أن تكون قيمة المعامل سالبة.
وعند تقدير المعادلات 1 و2 أعلاه، قد تبرز مشكلة محتملة للمتغيرات الإضافية التي من الممكن أن تؤثرعلى الدخل. ولقد تم فحص المتغيرات الهامة في كتاب بارو وسالا-إي-مارتن (1995) وتشمل رأس المال البشري والمؤسسات ومتغيرات أخرى. ويفترض أن تتجلى هذه التأثيرات في دخل الطبقة الأخرى. وهكذا، ستكون المتغيرات الإضافية الوحيدة المطلوبة هي تلك المتغيرات التي غالبا ما يتم حذفها في معادلات النمو عبر الوطنية. إن أكثر المتغيرات وضوحا هي المتغيرات الجغرافية. حيث تقع العديد من البلدان الفقيرة في العالم في بيئآت استوائية وغير ساحلية. ويقول كل من ساكس (1997)، وساكس وورنر (1997) وسويل (1994) بأن هذه العوامل منهكة وخاصة لرفاهية الإنسان. وغالبا ما تكون البلدان غير الساحلية معزولة عن الممارسات التجارية والافكار والابتكارات ومؤسسات تعزيز الأسواق. بينما تعاني البلدان الاستوائية من الأمراض وانعدام المرافق الصحية والمجاعات. وتهدد هذه الظروف قدرة السكان على الاستمرار في الحياة كما تؤثر بشكل معاكس على الدخل وتؤدي إلى إستدامة الفقر. وأخيرا، يقول لوكاس (1988) أن اقتصادات المدن تستتبع زيادة إنتاجية بشكل أعلى من اقتصادات الريف بسبب تأثيرات خارجية تعزى إلى رأس مال بشري يمتاز بإنتاجية أكبر.
السؤال الثاني المتعلق “بالانسياب للأسفل” هو سؤال مباشر بشكل أكبر ويرتبط بالعلاقة بين الفقر والدخل النسبي للفقراء والأغنياء. لنأخذ بعين الاعتبار مثالا بسيطا لمعدل مستوى الفقر (HP) لبلد ما:

وتمثل β درجة حساسية الفقر بالنسبة إلى الدخل، وp وr يمثلان الفقراء والأغنياء، على التوالي. ويفترض أنه في حال زيادة ثروة السكان في بلد ما سيؤدي ذلك إلى تخفيض الفقر، إلا إذا تم افتراض نظرة ماركسية بأنه سيتم انخفاض دخل الفقراء بسبب المكاسب التي حصل عليها الأغنياء—وهذه هي حجة “الانسياب للأعلى”—عند بعض اقتصاديي التنمية. وفي مثل هذه الظروف، تكون سياسات إعادة التوزيع أو السياسات التي تُعظم “نوعية التنمية” بدلا من التنمية فحسب، هي السياسات المفضلة لأن مثل هذه السياسات ستؤدي إلى تخفيض معدل مستوى الفقر في بلد ما.
وبالرغم من تأكيدات الماركسيين، هناك أسباب بسيطة للاعتقاد أن قيمة βr يمكن أن تتجاوز قيمة βp. وباعتبار التأثيرات الخارجية غير المسيطر عليها، فإذا قام الأغنياء في بلد ما بالاستثمار في بعض الخدمات التحتية التي تساعد الأغنياء، فقد يساعد ذلك الفقراء أيضا حيث أن تأثيرات هذه الخدمات التحتية سوف تنتشر وتمتد كمنافع للفقراء. وعلى سبيل المثال، فإن الاستثمار في مجال التعليم ينتج مؤثرات إيجابية للمجتمع بدرجة محسوسة وتعم على نطاق واسع.
ويمكن الأخذ بعين الاعتبار أيضا التفاعل بين دخل الأغنياء واقتصادات الحجم ودخل الفقراء. فإذا تم اعتبار اقتصادات الحجم في توفير الخدمات المختلفة (مثل الخدمات الصحية والصرف الصحي)، فان زيادة الطلب المرتبطة بارتفاع دخل الاغنياء ستدفع مستوى الاسعار الى الانخفاض، وبناء عليه، سيتيح ذلك المجال للفقراء لزيادة الاستهلاك (زيادة دخولهم الحقيقية)، شريطة أن لا تكون اقتصاديات الحجم قد أدت إلى سعر أعلى لقلة التنافس.
إذا أُخذ بالاعتبار أنماط الاستهلاك والاستثمار النسبي للأغنياء والفقراء، فانه، بافتراض أن الفقراء ينفقون معظم دخلهم على استهلاك الحد الادنى لمقابلة احتياجات معيشتهم، وأن الاغنياء يقومون باستثمار الجزء الأكبر من دخلهم، فانه في مثل هذه الظروف، فإن الزيادة في دخل الأغنياء ستؤدي إلى رفع معدل النمو الاقتصادي وبالتالي خفض معدل مستوى الفقر في بلد ما.
إستقراء من واقع التجربة العملية

لكي نفحص العلاقة بين دخل الأغنياء والفقراء فمن الممكن تقدير المعادلتين 1 و2 لعدد من الدول الواردة في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية (1997) والتي تم احتساب وتسجيل مؤشر الفقر الانساني لها. ولقد تم احتساب هذا المؤشر لـ 78 دولة. ولكن فقدان مدخلات خاصة بفئآت دخل الأغنياء والفقراء تقلل عدد العينة التي يتم تقديرها.
تم احتساب هذا التقدير باستخدام التحليل باسلوب الانحدار البسيط، واستند الى نسبة السكان في المدن (الحضري) ونسبة المساحة الاستوائية من البلد واختير متغير إضافي للبلدان غير الساحلية. ويعرَّف الأغنياء بأنهم يشكلون ما نسبته 20% من الشريحة العليا لتوزيع الدخل بينما يعرف الفقراء بأنهم الذين يشكلون ما نسبته 20% من الشريحة الدنيا من توزيع الدخل. هذه التقديرات محسوبة باللوغارثمات الطبيعية. ولقد تم تسجيل نتائج التحليل الانحداري في الجدول 1.
وتبين البيانات الواردة في الجدول 1 أن زيادة دخل الأغنياء بمقدار دولار واحد يرتبط بزيادة تقدر بحوالي 75 سنتا في دخل الفقراء، وأن هذه العلاقة متماثلة. ولكن عندما يتم شمول متغيرات إضافية في التقديرات، فمن الواضح أن دخل الأغنياء والفقراء يتأثران بطريقة مختلفة. وعلى سبيل المثال، فإن نسبة الأرض والمياه في البلدان الاستوائية لها تأثير سلبي شديد على دخل الفقراء وليس على دخل الأغنياء، بينما يبدو أن نسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الحضرية ذات تأثير إيجابي شديد على دخل الأغنياء ولكن ليس على دخل الفقراء. إن الزيادة في دخل الأغنياء مرتبطة بشكل وثيق مع الزيادة في دخل الفقراء، حتى في حال أن أدرجت المتغيرات الجغرافية. فزيادة دخل الأغنياء بمقدار دولار يزيد من دخل الفقراء بحوالي 71 سنتا. وفي المقابل، فإن إضافة المتغيرات الجغرافية، عندما يكون دخل الفقراء هو المتغير المستقل، يبين أن دخل الأغنياء أقل حساسية بالنسبة لدخل الفقراء. فإن زيادة دخل الفقراء بمقدار دولار سيؤدي إلى زيادة دخل الأغنياء بحوالي 41 سنتا فقط. هناك انسياب للأعلى بمعنى أن زيادة دخل الفقراء يزيد من دخل الأغنياء، ولكن زيادة دخل الأغنياء له تأثير إيجابي أكبر على زيادة دخل الفقراء.

في الواقع، إن التقديرات المستقلة لدخل فئتي الأغنياء والفقراء كدالة للطبقة الأخرى غير ذات معنى. ويتم تحديد دخل جميع الطبقات معا. غير أن جوهر قصة “الانسياب للأعلى” والمضمون العادي لمصطلح “الانسياب للأسفل” هو أنه هناك عوائق للتحديد المشترك لدخول الأغنياء والفقراء، وعليه، لا يستفيد الفقراء من الزيادة في دخل الأغنياء. ولكن حتى لو أخذنا فرضية الانسياب للأسفل لمحددات الدخل المستقلة لفئات الدخل المختلفة ظاهريا، فإن البيانات لا تدعم انسيابا قويا للأعلى ولا انسيابا ضعيفا للأسفل.
وللتمكن من دراسة تأثير دخل الأغنياء والفقراء على مقاييس الفقر، يمكن تقدير المعادلات 3 و4 مع شمول تأثيرات المتغيرات الجغرافية. إن أحد الاعتبارات الهامة هي كيفية قياس الفقر الإنساني. إن أحد المقاييس الملائمة والرسمية للفقر هو مؤشر الفقر الإنساني الذي تم تطويره من قبل الأمم المتحدة.
ويستند مؤشر الفقر الإنساني على فكرة سين (1997) عن الفقر وتعريفه على أنه حرمان الإنسان. ويقر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية هذا “المنظور عن الحرمان.” ويحاول هذا المقياس أن يضع قيمة للرفاه “لأكثر الناس حرمانا في المجتمع.” ولقد تم تصميمه كأداة مدافعة باسم الفقراء في العالم وكأداة تخطيط لتحديد المناطق التي تحتاج إلى سياسات محددة لمكافحة الفقر.
تم تأسيس مؤشر الفقر الإنساني باستخدام مجموعة معقدة من المعادلات. وتشتمل مكوناته على ثلاثة مقاييس رئيسية للرفاه، هي: طول العمر والمعرفة ومستوى معيشة لائق. يُقاس طول العمر في بلد ما بنسبة السكان الذين لا يتوقع لهم أن يعيشوا حتى سن الـ 40. وتقاس المعرفة بنسبة البالغين الأميين المستثنين من وسائل القراءة والكتابة. كما تُقاس نسبة من لا يتوفر لهم مستوى لائق من المعيشة في المجتمع بنسبة من لا يتوفر لديهم مياه آمنة وخدمات صحية، وكذلك النسبة المئوية للأطفال تحت عمر الخمس سنوات الذين يعانون من سوء التغذية (نقص الوزن).
ولا يوجد مجال للشك لمناقشة إن كانت هناك بعض المقاييس الأخرى للحرمان والتي قد لا تشكل مقياسا أفضل للفقر. ولكن من الصعب تصور أن معظم المراقبين لن يتفقوا مع وجهة النظر القائلة بأن هذه المقاييس تقيس في الواقع الرفاه الإنساني المتضائل وبذلك تشكل مقياسا صحيحا لمقارنة الحرمان الإنساني.
في ضوء هذه الاعتبارات، يمكن تقدير المعادلتين 3 و4 باستخدام مؤشر الفقر الإنساني كمتغير تابع وإضافة مقاييس لنسبة المساحة الاستوائية من البلد ونسبة الحضر من السكان وكذلك متغير صنفي يعادل 1 إذا كانت البلد غير ساحلية و صفرا فيما عدا ذلك.
يتم الحصول على اختبار مباشر للرابطة بين الفقر/الدخل بتقدير مؤشر الفقر الإنساني لدخل الفقراء والأغنياء بالإضافة إلى باقي المتغيرات التي يفترض أنها تؤثر على مستوى الفقر في بلد ما. ويبين الجدول 2 نتائج التحليل بأسلوب الانحدار. تظهر البيانات أن مؤشر الفقر يرتبط سلبيا بدخل الفقراء والأغنياء. وفي كلتا الحالتين، تبدو التأثيرات واضحة وبالتأكيد قوية إحصائيا، بيد أن النتائج تنطبق بشكل أكبر على دخل الأغنياء مقابل دخل الفقراء. إذ يبلغ معامل دخل الأغنياء ضعف معامل دخل الفقراء تقريبا. وبالمثل، فإن قيمة القوة التوضيحية (R2 المعدلة) للتقدير الذي يشمل دخل الفئة الغنية كمتغير مستقل أعلى مقارنة مع التقدير الذي يشمل على دخل الفئة الفقيرة كمتغير مستقل.

إحدى الصعوبات التي تواجه النتائج الواردة في الجدول 2 هي صعوبة تفسير حجم التأثيرات. ومن أجل الحصول على نتائج سهلة التفسير، يتم تقدير مكونات مؤشر الفقر الإنساني كمتغيرات تابعة مع المتغيرات المستقلة نفسها. أما المتغيرات التابعة فتشمل نسبة السكان الذين لا يعيشون ليصلوا لسن الأربعين ونسبة السكان البالغين الأميين ونسبة السكان التي لا يوجد لديها سبيل للمياه الآمنة ونسبة الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية. ويبين الجدول 3 نتائج هذه التقديرات.[1]
النمط الذي يبرز في الجدول 3 يعكس أن مكونات مؤشر الفقر الإنساني غالبا ما تكون مرتبطة سلبيا مع دخل الفقراء ودخل الأغنياء، إضافة إلى المتغيرات الجغرافية. وعليه، فإن ارتفاع الدخل لأي مجموعة يميل إلى خفض معدلات الفقر.
إن السمة الأبرز في الجدول 3 هي أن تأثير مُعامِلات دخل الأغنياء على الحد من الفقر أقوى من تأثير معاملات دخل الفقراء. وهذه الملاحظة صحيحة لجميع الحالات. وتكشف اختبارات تقديرات المعاملات المحدودة أن معاملات فئة دخل الأغنياء تفوق حتما معاملات فئة دخل الفقراء لمتغيرات البقاء والأمية والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وتُشير اختبارات الدلالة لسبل الوصول إلى المياه الآمنة والخدمات الصحية أنه في حين كون هذه المقاييس أكثر تأثرا وحساسية لدخل الأغنياء منها لدخل الفقراء إلا أن الفروقات غير ذات أهمية من ناحية إحصائية. وبشكل عام وأهم من ذلك، لا يوجد ما يدل على أن الفقراء لا يستفيدون من مكاسب الدخل للأغنياء، كما تدل عليه مقاييس الفقر الواسعة والراسخة على الأقل.
وتستحق نتائج الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية اهتماما خاصا. فيكون معامل دخل الأغنياء سالبا وهاما وذا مغزى حيث يشير إلى أن الزيادة في دخل الأغنياء تقلل من مقياس سوء التغذية للأطفال. في حين يكون معامل دخل الفقراء موجبا ولكن بشكل ضئيل وغير ذي أهمية. ويفترض أن يعكس التقدير علاقة خطية متعددة. إن إجراء تحليل انحداري لمتغير نقص التغذية على دخل الفقراء فقط يؤدي إلى خفض نسبة الأطفال الذين يعانون من نقص التغذية. ومع ذلك، يكون تقدير التحليل الانحداري البسيط المشابه لدخل الأغنياء أكبر بشكل جوهري.[2] وعليه يكون التفسير الأسهل والأكثر احتمالا أن العلاقة بين دخل الأغنياء والأطفال الذين يعانون من نقص التغذية سالبة وقوية، ولكن العلاقة بين دخل الفقراء والانخفاض في سوء تغذية الأطفال أضعف وربما تكون غير موجودة.
يبدو واضحا من البيانات المتوفرة لدينا أن زيادة دخل الأغنياء تؤدي إلى تناقص في مستوى الحرمان الإنساني بدرجة أكبر من زيادة دخل الفقراء. التفسير الآخر هو أن قياس الخطأ لدخل الفقراء أكبر من قياس الخطأ لدخل الأغنياء. هناك العديد من المشاكل المتعلقة بالقياس والمرتبطة بالدخل والرفاه البشري في بلدان العالم ذات الدخول المنخفضة. ويفترض أن تكون مشاكل القياس أكثر حدية لسكان المناطق الريفية. ووفقا لذلك، من الممكن إظهار أن العلاقة الأضعف بين دخل الفقراء مقابل دخل الأغنياء في علاج الفقر الإنساني تعزى إلى صعوبة قياس الدخل الحقيقي لأكثر الشعوب فقرا في العالم. ولكن هذه الحجة نفسها تعاني من بعض الضعف لأنه وللمدى الذي يمكن لنا أن ننسب هذه المشكلة إلى الانقسامات بين المدن (الحضر) والريف، يجب أن يعتبر متغير الحضر ما يفسر هذه الحقيقة في التقديرات.
إن الأمر الأكثر ارتباطا هو دور النمو الاقتصادي في الحد من الفقر. فالرأي المتعلق بنظرية الانسياب للأعلى والنظرة المتحيزة لنظرية الانسياب للأسفل—والانسياب هنا يشير إلى انسياب طفيف—يستندان بشدة على الرأي القائل أن “نوعية النمو” وإعادة توزيع منافع النمو الاقتصادي يؤديان إلى التخلص من الفقر وليس النمو بحد ذاته. النتائج الموثقة في الجدولين 2 و3 يتحديان ذلك التصريح. لنفترض على سبيل المثال أن البلدان الفقيرة في العالم تعاني من معدل نمو اقتصادي يبلغ 5% سنويا. بعد خمسة سنوات سينتج عن الدخل المركب زيادة تقدر بحوالي 27.62%. وبتجاهل أثر مجموعة الدخل الأخرى، فإن تأثير نمو دخل الطبقة الغنية سيخفض معدل الوفيات (“الوفاة قبل 40”) بنحو 3.76%، في حين أن زيادة دخل طبقة الفقراء ستخفض معدل الوفيات بنحو 2.55%.[3] وبالتالي، وإذا تساوت جميع العوامل الأخرى، فإن تخفيض الفقر بواسطة نمو دخل الطبقة الأكثر ثراء سيولد أثراً أعظم من تخفيض الفقر الذي يُنسب إلى نمو دخل الطبقة الفقيرة. ومع ذلك، فإن دخل الأغنياء والفقراء لا ينموان بهذه الطريقة، بل في الواقع ينموان سويا كما هو موثق بوضوح في الجدول 1. والأهم من ذلك أن البيانات تُشير إلى إنخفاض الفقر عندما يزداد الغني ثراء. وعليه، يجب أن يُعزز النمو الاقتصادي رفاه الفقراء والأغنياء.

من الممكن أن يتم فحص دور النمو الاقتصادي في تحسين الفقر مُقاسا بواسطة مؤشر الفقر الإنساني مباشرة. ويحتوي الجدول 4 تقديرات التحليل الانحداري لتأثير النمو الاقتصادي، مقاسا بالنسبة المئوية لمعدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي للفرد لمراحل زمنية متعددة، على مؤشر الفقر الإنساني. ولأغراض التحقُّق، تم شمول المستويات الأولية للناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في التقديرات لضمان من أن النتائج تتعامل مع النمو ولا تقتصر على توزيع الدخل عبر البلدان.[5] وتبين النتائج أن معدلات النمو لجميع الفترات تُعتبر محددات هامة لمعدلات الفقر، وتكون الإشارة سالبة في جميع الحالات—أي أن النمو الاقتصادي يؤدي إلى خفض معدلات الفقر. علاوة على ذلك، فإن القوة التفسيرية لمعدلات النمو تزداد نوعا ما بطول الفترة، مع حدوث القوة القصوى في تقديرات الفترة 1970-90.

إن استعمال مكونات مؤشر الفقر الإنساني في تحليلات انحدارية مماثلة في الجدول 5 وباستخدام التقديرات الواردة في الجدول 4 ذات القيمة الأعلى لـ R2 المُعدلة (تقدير 1970-90) يُعطي مزيدا من الدلائل على منافع النمو الاقتصادي للفقراء. وعلى الأخص، في حالة زيادة النمو الاقتصادي بمقدار انحراف معياري واحد عن متوسط النمو للفترة 1970-90 (أي بمقدار 0.44)، عندها ستزداد نسبة السكان الذين سيتجاوزون سن الأربعين بحوالي 6 نقاط مئوية. وعند متوسط العينة، سيكون هناك انخفاض في النسبة المئوية لأولئك الذين لا يعيشون ليبلغوا سن الأربعين من 21% إلى حوالي 15%.
إن الفقر في جنوب صحراء إفريقيا مسألة مزعجة للغاية. وأحد اختبارات قوة النمو الاقتصادي للحد من الفقر هو البحث في سجلات 25 دولة إفريقية. وبإجراء تحليل انحداري لمؤشر الفقر الإنساني على المتغيرات الجغرافية ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ونمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (باللوغارثمات)، يتم الحصول على التقديرات التالية:[6]

وبإجراء تحليل انحداري لنسبة السكان الذين لا يعيشون ليبلغوا سن الأربعين، وعلى نفس المتغيرات، فإن ذلك يؤدي إلى التقديرات التالية:

تُظهر التقديرات أعلاه أن البيانات في الجداول 4 و5 تتماشى أيضا مع النتائج لجنوب صحراء إفريقيا. وفي كلا التقديرين، يكون معامل النمو طويل الأمد سالبا وشديدا—أي إن النمو الاقتصادي هو أقوى متنبىء بالانخفاض في درجة الحرمان. وتُبين اختبارات F لمساواة المعاملات أننا لا نستطيع أن نرفض المقترح أن معاملات عينة إفريقيا لا تختلف بشكل ذي أهمية عن معاملات العينة الكاملة.[7]

الخاتمة
يرتبط دخل الفقراء بشكل وثيق مع دخل الأغنياء. وبينما هذه العلاقة ليست تناسبية بالتساوي، فهي جديرة بالذكر. حيث ترتفع دخول الفقراء بارتفاع دخول الأغنياء بمقدار أكبر من العكس. والأهم من ذلك أن لدخل الأغنياء الأثر الملموس في الحد من مقياس الأمم المتحدة التقليدي للفقر. وبشكل ملحوظ، يؤدي النمو في دخل الأغنياء إلى التخفيض التناسبي لآثار الفقر وبمقدار أكبر من الحالة التي يزداد فيها دخل الفقراء. إضافة إلى ذلك، فإن النمو الاقتصادي يخفض الفقر بشكل واضح. والنتائج التي تم الحصول عليها لبلدان جنوب صحراء إفريقيا لا تختلف بشكل ملحوظ عن باقي دول العالم.
إن مصطلح “الانسياب للأسفل” مصطلح مغلوط: فالنمو في الحقيقة يستلزم شلالا وليس قطرة. وقد تكون نوعية النمو مهمة، ولكن النمو نفسه هو أضمن السبل نحو التقليل من الحرمان الإنساني حول العالم.
ملاحظات:
[1] تم استعمال منحنى لوغارثم الأرجحية. ولقد تم إضافة الرقم 1 إلى المتغير التبعي لمتغيرات مياه الشرب الآمنة والخدمات الصحية لتفادي أن يكون اللوغارثم صفرا.
[2] معامل دخل الفقراء هو -0.46 ومعامل دخل الأغنياء -0.82.
[3] تم الحساب على أساس مقاييس متوسط العينة “الوفاة قبل الأربعين”.
[4] إحصاء F في العمود الأول هو الاختبار بأن معامل الدخل للفقراء يساوي معامل الدخل للأغنياء؛ إحصاء t يظهر بين القوسين.
[5] يمكن اعتبار متغير مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي كمعدل “مستقر” طويل الأمد بالمعنى التقليدي للاقتصاد الكلي، واعتبار معدل النمو الفعلي بمعدل النمو الفائض.
[6] تم استعمال منحنى لوغارثم الأرجحية مرة أخرى للمتغير التبعي.
[7] لمؤشر الفقر، F = 0.03 و p = 0.034. ولنسبة الوفاة قبل سن الأربعين،F = 1.01 وp = 0.327.
[8] ∆(النتاتج المحلي الإجمالي) هي النسبة المئوية لمعدل النمو للنتاتج المحلي الإجمالي الواقعي للفرد بين عامي 1970 و1990؛ إحصاء t يظهر بين القوسين.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 4 تشرين الأول 2006.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

1. عملية التحـــول

إن ما سأطرحه في هذه الورقة سوف لن يكون لا أكثر ولا أقل ملخصا نموذجيا وصفيا للمرحلة الراهنة من عملية التحول في بلادي وفي كل مكان في أوروبا الوسطى والشرقية. لقد وجدت من المناسب أن أقوم بالدفاع عن النتائج التي تحققت، نظرا لان عملية التحول التاريخي هذه، بالرغم من كافة المشاكل القائمة، تعتبر عملية تحول ناجحة من الناحية المبدئية. ومن هنا، فإن من واجبنا أن نفهم بشكل أكثر عمقا الآلية الاجتماعية المذهلة التي تجعل من تحقيق مثل تلك العملية ممكنا وتصف التفاعل الدقيق بين العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية أثناء التطبيق.
إن خلفيتي النظرية وخبرتي العملية تنبئاني بان التغير في النظام، والذي كنا قد خبرناه عندما كان يجري تفكيك الشيوعية في بلادنا، هو عملية تطورية وليس عبارة عن ممارسة في مجال الاقتصاديات التطبيقية أو في العلوم السياسية. فالتغير في النظام يعتمد على مزيج معقد جدا من الأحداث المخطط لها وغير المخطط لها والمقصودة وغير المقصودة، أو هو، عند صياغته بطريقة مختلفة، قائم على مزيج من النوايا المقصودة والعفوية. ومن خلال المشاركة في مثل هذه العملية قمنا بفتح فصل آخر من فصول كتاب لم يجر إكماله مطلقا مخصص لدراسة الدور النسبي للعمل الإنساني والتصميم الإنساني في تاريخ البشرية، وقد تم تكريس الكتاب لدراسة “الأنظمة الصنعية” و”نظريات المبادلات” (من الاقتصاد السياسي)، عند استخدام المصطلحات “الهايكية” الشهيرة (نسبة إلى عالم الاقتصاد هايك). وآمل أن نتمكن من إضافة شيء ما إلى تلك الدراسة. وربما يجوز لنا أن نؤكد بأن التحول الناجح لا يكون نتيجة برامج عمل إصلاحية تفصيلية موضوعة بين أيدي سياسيين إصلاحيين من ذوي السلطة المطلقة، والأصح هو أن النجاح يعتمد على نشاط غير مقيد تقوم به كائنات بشرية إضافة إلى “استدلالية متواضعة” في انتقاء قواعد أساسية وفي تشكيل سياسة تحولية.
إنني اعتقد بأن أي موقف سلبي تجاه أية استدلالية طموحة وتجاه كافة أشكال تنظيم مواطنين أحرار هو أحد إفشاءات الحقيقة الأساسية بالنسبة لنا جميعا. ولقد تعلمنا بأن لهذه الفكرة صلة وثيقة بموضوع توضيح التغيرات التي تطرأ داخل نظام قائم بقدر صلتها بالانتقال من نظام اجتماعي إلى نظام اجتماعي آخر. وبالنسبة لبلداننا التحولية، يجب عليها، مرة بعد مرة، أن تأخذ حذرها ضد محاولات إتباع قواعد تتابعية يتم إعدادها بطريقة علمية بهدف إعادة هيكلة وبناء مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية.
إن قدرتنا على التحكم بأحداث اجتماعية تعتبر قدرة مقيدة وأن من غير الممكن أن يتم القيام بإجراءات إصلاحية (أو انتقالية) بشكل مدبر. إنني أشدد على هذه الاستحالة لأننا، من الناحية التقليدية، كان لدينا “إقرار مسلم به” ضد كافة أشكال الاستدلالية السياسية والهندسة الاجتماعية. إضافة لذلك، لقد تعلمنا من الخبرة بأنها من الناحية العملية غير قابلة للتحقيق. ولكي تتم المساعدة في استحداث وسيلة نظام اجتماعي جديد فإن علينا أن نقوم بتنفيذ إجراءات لبرلة ورفع قيود التنظيم (وهي مساهمة غير فعالة تقريبا). ومع ذلك، يجب علينا أيضا أن نستنبط وأن نسن أحكاما جديدة تعمل على تحديد ملامح تلخيصية معينة للنظام الجديد (وهي أكثر من مساهمة إيجابية). وفي النهاية، يجب علينا أن نقبل وجود عملية تطورية عفوية تعمل على تأسيس ترتيبات سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة.
والسؤال الذي يتم طرحه هو هل يتوجب وكيف يتوجب على الآليات المتعددة أن تتفاعل وكيف يمكن للجانب العفوي من عملية التحول أن يكتمل بفضل العقل والإجراءات المقصودة التي تهدف إلى الابتعاد عن الفوضى وعن التكاليف الباهظة للتحول. إنني، قطعا، من خلال طرح هذا السؤال، لا ارغب في الدفاع عن مبدأ الاستدلالية الاجتماعية اليوتوبية بل بالأصح أرغب في التركيز على إجراءات مقصودة منتظمة تعمل على التقصير في عملية التحول والتقليل من تكاليف التحول.
إن التغير في النظام، الذي يبدأ عادة وبشكل غير متوقع بانفجار فجائي من عدم الرضى على المستوى الشعبي، عبارة عن مزيج معقد من النوايا المقصودة والعفوية. ويبدو لي بأن عملية التحول تنتقل عبر ثلاث مراحل أساسية حيث يوجد لكل مرحلة جانب عفوي وآخر مقصود.
2. المرحلــــة الأولى

الجــانب العفوي

تبدأ كامل العملية بانهيار يحدث في مؤسسات وقواعد قديمة بحيث يتم سحبها بعيدا أو جعلها غير فعالة. ولتحقيق هذه النتيجة في الأيام الأخيرة من الشيوعية، كان الوصول إليها بسيطا إلى حد ما ولم يكن الخطر الوشيك يكمن في احتمالية رجوعها بل كان بدلا من ذلك في المبادأة التي بدرت عن دائرة فاسدة من دوائر أنصاف الإجراءات ودوائر التغيرات التطورية المبتورة والتي أدت إلى عدم تحسن سواء في الخصائص الأخلاقية أو في خصائص الفعالية للنظام الجديد. وهذه اللحظة هي التي تمثل أول خطر من أخطار التحول الحاسم. والبديلان الكامنان لذلك هما: وجود عملية فوضوية طويلة، من جهة، والقيام بتشكيل سريع ومحدود تقريبا لنظام جديد متماسك، من جهة أخرى.
من الناحية السياسية، سيتوقف الحزب الشيوعي الحاكم عن السيطرة (حتى أنه في بعض الأحيان يتوقف عن الوجود) ويتم الوصول إلى موقف سياسي بسيط ومحبب جدا والذي هو عبارة عن وحدة مؤقتة على نطاق الوطن. ومع ذلك، سيكون وجود هذه الوحدة وجودا وفق إحساس سلبي فقط (أي أنها ستكون ضد النظام القديم).
عندئذ، سوف تسود غبطة نفسية فريدة جدا من نوعها لا تتكرر وسيكون هناك استعداد كبير للمشاركة الفعالة في السير عكس الماضي وفي التخلص من المؤسسات القديمة وغير الشعبية وحتى في “شد الحزام” وستكون هذه اللحظة هي اللحظة المناسبة من أجل التنفيذ السريع لإجراءات عديدة ومؤلمة.
من الناحية الاقتصادية، سوف يختفي التخطيط المركزي (وقد استخدمت هذا التعبير مع بعض التردد نظرا للغياب المطلق لشيء شبيه بحالة التخطيط المركزي التي تقررت دراسيا في بلادنا) وسيكون اختفاؤه بشكل عملي وفي ليلة وضحاها وستختفي معه الآلية الاقتصادية القديمة وغير الفعالة تماما، لكنها، بالرغم من ذلك، تنسيقية، فتبدأ الأسواق غير المعلنة بالعمل والتي ستكون ضعيفة جدا ومقيدة إلى درجة كبيرة. ومع ذلك، نظرا لعدم رفع قيود التنظيم بشكل رسمي ولعدم لبرلة الأسعار ولعدم التطبيق الواسع لحقوق الملكية المعلنة فسوف يتم منع الأسواق من أداء وظائفها بفعالية. ولكي يتم خلق أسواق حقيقية، يجب على المرء أن يتفاعل وان يطبق مجموعة متماسكة من إجراءات تغييرية للنظام.
الجانب المقصـــود

بالنسبة للنظام السياسي، إننا نفهم بأن اتخاذ إجراءات غير مباشرة ضد الحزب الشيوعي يعتبر غير ضروري أو حتى أنه سوف لن يكون مساعدا، لكن القيام بلبرلة البيئة السياسية يعتبر شيئا كافيا، أي بمعنى أن يتم تأمين دخول حر لأحزاب سياسية ناشئة حديثا. ونتيجة لذلك، فان الحزب الشيوعي، الذي لم يتم إصلاحه أساسا، سيبقى كيانا سياسيا غير هاما وفي المعارضة، في حين إذا تم منع الحزب الشيوعي الأصلي فإن الشيوعيين في الأحزاب التي تمت إعادة تسميتها سوف ينجحون في السيطرة على البرلمان في وقت لاحق كما حدث في في بولندا وهنغاريا.
تبدأ الأحزاب السياسية الجديدة التي يتم إنشاؤها بشكل عفوي في تشكيل رؤى إيجابية عن المستقبل وتحاول أن توضح هذه الرؤى أمام مواطنيها، وهذا يمثل الطريق الوحيد المتبع كي تتحول الوحدة الوطنية (والإجماع) من أمر سلبي إلى أمر إيجابي.
وفي المجال الاقتصادي، يعتبر إنهاء الطريقة الأبوية الاقتصادية القائمة والتي تم انتهاجها—كإجراء راديكالي جريء إلا أنه إجراء “غير بناء”—أمرا حاسما. فالتخلص السريع من الإعانات المالية بكافة أنواعها، والتي تجلب معها تغيرا صاعدا مفاجئا في الأسعار، يجب القيام به دون تردد حيث سيكون في وقت لاحق من الصعب أو من المستحيل القيام بذلك نظرا لأن مجموعات الضغط التي تشكلت حديثا سوف تحاول اعتراضه بطريقة ناجحة. ويجب على السلطات أن تقاوم الالتماسات الخاصة التي تطالب بإجراءات تكميلية “بناءة” بهدف مد يد المساعدة للمؤسسات التي تواجه مشاكل من خلال انتقاء فائزين وخاسرين مستقبليين. وستعمل مثل هذه الحركة المفاجئة على تغيير مناخ البلاد الكلي الذي سيعمل، من الناحية العملية، على تغيير النظام نظرا لأن السلع والخدمات وجميع أنواع الملكيات الاقتصادية سوف تحوز على القيم الحقيقية لها وبشكل فجائي، وسوف لن يكون في هذه العملية مكانا بالنسبة لأي شكل من أشكال النهج التدرجي وبهذا يتوجب القيام بهذا الإجراء الخاص وفق أسلوب “المعالجة الصدمية”. بعد ذلك، سوف تظهر النتيجة والتي هي عبارة عن نشوء طريقة تفكير مغايرة كليا والتي تكون بالضبط ما يعتبر ضروري لكسر السلوك والعادات القديمة، فليس هناك بديل عن ذلك، وليس من الممكن أن تؤدي أية “تعاليم” إلى إتباع سلوك جديد بل يمكن تحقيقها كنتيجة لضرورة محضة فقط.
ويجب، مع إزالة الإعانات المالية، أن يتم البدء باستقرار الاقتصاد الكلي لكونه شرطا مسبقا من شروط لبرلة الأسواق ورفع قيود الأنظمة عنها. وبعد عقود من اختلال التوازنات الاقتصادية الجسيمة على مستويي الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي كليهما، فإن السياسات المالية والنقدية يجب أن تكون تقييدية جدا، وإلا فان التضخم السريع سيبدأ بالسيطرة على الأمن الاقتصادي والاجتماعي. ففائض الموازنة (أو، على الأقل، الموازنة المتوازنة) والسياسة النقدية الحذرة جدا (بحيث يكون معدل نمو عرض النقد أكثر بطئا من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي) ليس بالإمكان تجنبهما. وعلى النقيض من ذلك، يجب أن تكون الماليات العامة مستقلة بالكامل. وبدون اتخاذ مثل تلك الخطوات التمهيدية، فان إجراءات لبرلة الأسعار والتجارة الخارجية سوف تمثل حركة غير مسؤولة لا تحل شيئا بل تعمل على تفاقم الصعوبات الاقتصادية القائمة وتجعل من الإجراءات الإصلاحية الأخرى مستحيلة من ناحية التنفيذ.
إن خطوات اللبرلة ليس باستطاعتها الانتظار، ففتح أسواق محلية (عن طريق لبرلة الأسعار) وفتح أسواق خارجية (عن طريق لبرلة التجارة الخارجية) يجب أن تتبع هذه الخطوات. وبدون اللبرلة، لا يستطيع أفراد السوق أن يتصرفوا بعقلانية ولا تستطيع الحكومة أن تخطو خارج التدخل الاقتصادي وليس من الممكن أن تكون لأية آلية تنسيق جديدة فعالية. ويجب أن يصاحب اللبرلة قابلية تحويل عملات داخلي، وتنبئنا خبرتنا بأنه بالنسبة لأي اقتصاد صغير مفتوح، سيكون من المساعد جدا حينما يكون سعر الصرف ثابتا، وبموجب ذلك سوف يصبح ذلك هو المرتكز الإسمي الذي يرتكز عليه الاقتصاد كله والمتغير الثابت الوحيد في النظام. (هناك مرتكزات إسمية بديلة وهي أقل موثوقية وأكثر صعوبة بالنسبة لإدامتها).
وباختصار، تشتمل المهام الرئيسية للمرحلة الأولى على لبرلة سياسية؛ وإزالة الإعانات المالية القديمة؛ وسياسات استقرار مالي ونقدي؛ واستقلالية البنك المركزي؛ وموازنة متوازنة؛ ولبرلة الأسعار والتجارة الخارجية.
3. المرحلة الثانيـــة
رد الفعل العفوي على مرحلة اللبرلة ورفع قيود التنظيم

سوف تكون توقعات المواطنين هائلة لكن النتائج الإيجابية الملموسة سوف لن تكون ملحوظة. وبعد عقود من انعدام التضخم وانعدام البطالة ونمو اقتصادي بطيء ومختل، لكنه ممتاز، ومعيشة بسيطة وغير مجهدة إلى حد ما، فإنه يتوجب دفع تكاليف غياب انعدام التحول. فالتضخم والبطالة (اللذان تتوقف ضخامتهما على نجاح أو فشل خطوات إصلاحية سابقة) يظهران للعيان ويصبح الهبوط المفاجئ في الناتج المحلي الإجمالي وفي مستويات المعيشة شيئا حتميا لا يمكن تجنبه. ومن الصعب أن نقوم بالتوضيح لعامة الناس بأننا سوف لن نعاني من أزمة اقتصادية أو من ركود في نشاط اقتصادي ناجم عن سوء إدارة الاقتصاد الكلي، بل إننا سوف نعاني من غربلة تحولية صحية تتم في الأنشطة الاقتصادية غير القادرة على البقاء.
وكنتيجة لتكاليف التحول الباهظة وغير السارة، فان الغبطة التي تم الشعور بها في السابق سوف تتبخر وسيتم فقدان الوحدة على نطاق الوطن (في الغالب بحسب المفهوم السلبي لها) وستتم الهيمنة بشكل تدريجي على المشهد من قبل رؤى مستقبلية إيجابية متصارعة، وينتج عن هذا الصراع مدى هائل من التذرية السياسية وعدم الاستقرار السياسي المتزايد.
سوف تقوم مجموعات الضغط التي جرى تشكيلها بالبدء بإساءة استخدام الفراغ المؤسسي المتواجد والأسواق الضعيفة والفجوات والفراغات العديدة الموجودة في التشريع المتغير بسرعة وفي عملية الخصخصة التي تم الشروع بها (وخصوصا أثناء الخصخصة العفوية التي تتم لمؤسسات الدولة في لحظة معاناة خصخصتها). فالتباينات بين الثروة والدخل تنمو وتبقى الأسواق غير كاملة مفتقرة إلى شروط المنافسة الكاملة وتقوم الخصخصة بإحداث ثورة في كامل التركيبة الاجتماعية.
عند تلك اللحظة، تأتي نقطة التحول الثانية وهي: إما الالتزام باستراتيجية التحول الأصلية والموقف المنتصر الإيجابي اللاحق أو الفوضى ودائرة نصف الإجراءات الفاسدة والتنازلات التي سيتم تقديمها إلى جماعات الضغط مع خسارة “الكل” الحتمية.
الترتيبات المقصــودة
يجب أن تستقر قواعد النظام الجديد وأن يقوم تشريع جديد بإعادة تحديد قواعد اللعبة. ويجب على السياسيين مقاومة الإغراء بأن يحكموا عن طريق القوانين بدلا من صنع قوانين بشكل فردي خاصة بتحديد قواعد اللعبة.
ويجب أن يستمر استقرار الاقتصاد الكلي، فليس هناك على نحو جازم مكان خاص لسياسة نقدية توسعية أو مكان خاص لسياسة مالية نشطة. ويجب أن يمضي خفض معدل التضخم قدما وأن تتم المحافظة على سعر صرف ثابت.
ويجب أن لا يتم خلق أية اختلالات سوقية جديدة ويجب عدم التباطؤ في رفع قيود الأنظمة المتبقية عن كافة الأسعار وفي التخلص من الإعانات المالية المتبقية وفي الكفاح الضاري ضد كافة أشكال مبدأ الحمائية، كما يجب عدم تقديم تنازلات إلى مجموعات الضغط التي تضج بالأصوات.
هناك مؤسسات خاصة جديدة انبثقت بشكل عفوي لكن الخصخصة المنظمة المستندة إلى مزيج من أساليب نموذجية وغير نموذجية، ما تزال تمثل لب الجانب المقصود من المرحلة الثانية. ويوجد لخصخصة كامل البلاد نطاق وأسلوب ومعنى وهي مختلفة عن الخصخصة في بلاد تكون بها الخصخصة مجرد نشاط هامشي. ويجب أن تكون الخصخصة على نطاق البلاد سريعة وأن تكشف عن مالكين جدد وأن لا تحاول تضخيم إيرادات خصخصة الدولة وعليها أن لا تكون مربكة بحيث تختلط مع إعادة هيكلة (وتحديث) المؤسسات الفردية.
يجب على السياسيين عرض قواعد واضحة وعليهم أن يكونوا عرضة للمساءلة. ويجب عليهم عدم تقديم وعود زائفة. ويجب أن يكون هناك جهدا ناميا لشرح الدور الذي تلعبه الخصخصة بهدف إدامة أو حتى تقوية الإجماع السياسي الهش. وبدون توفر دعم واسع فإن عملية التحول لا يمكنها أن تستمر.
والأحزاب السياسية النموذجية (بدلا من المبادرات المدنية والجبهات الوطنية والمنتديات المدنية) سوف تبدأ بالسيادة، وستتحول، وبشكل بطيء، التذرية السياسية المفرطة إلى بنية سياسية عادية بوجود حفنة فقط من أحزاب سياسية محددة جيدا من الناحية الأيديولوجية (مع حمل أسماء نموذجية).
يجب على السياسة الاجتماعية المعقولة، والتي تتركز على مساعدة أولئك الذين هم فعلا بحاجة إلى المساعدة، أن تلازم التغيرات السياسة والاقتصادية التي تم ذكرها آنفا، ويجب الابتعاد عن برامج الإنعاش المستهدفة بطريقة خاطئة وذات التكلفة الكبيرة بحيث يتوجب إحلال نهج اجتماعي “يسلط عليه ضوء موضعي” محل نهج اجتماعي “تسلط عليه الشمس”، ويجب القيام بسياسة اجتماعية مع بذل الاحترام المطلوب لتلك المجموعات الاجتماعية التي تعتبر خاسرة على المدى القصير في عملية التحول.
يجب، على المستوى الفردي والوطني، أن تتوافق المكافآت مع الأداء، إلا أنه، وعلى المستوى الفردي، لا بد للأجور (وأشكال الدخل الأخرى) أن تكون دون معدل الإنتاجية لبعض الوقت، وأن يبقى، وبشكل مؤقت، سعر الصرف (الذي تم خفض قيمته بشكل مفاجئ قبل لبرلة التجارة الخارجية) دون مستوى تعادل القوة الشرائية. وهذان المبدءان يمثلان أساس “نظرية الفترتين الفاصلتين للتحول” التي قمت بصياغتها مؤخرا. فالأسواق الضعيفة وأصحاب الأملاك الخصوصيين الناشئين حديثا هم بحاجة إلى مثل تلك الفترة الفاصلة لبعض الوقت، فكلما كانت عملية التحول اكثر سرعة كلما كانت الفترة الفاصلة ضئيلة بشكل أكبر. ولتحقيق هذه المهمة، تعتبر الطرق غير المباشرة (سياسات الاقتصاد الكلي التقييدية) مع المقاومة التي تبذل أمام مطالب نقابة العمال المفرطة مهمة أكثر أهمية من الإجراءات المباشرة (تنظيم الأجور).
وباختصار، فان الخصخصة هي ما يميز المرحلتين الأولى والثانية، ويجب أن تتلازم مع استقرار اقتصاد كلي مستمر وترشيد في السياسة الاجتماعية.
4. المرحلة الثالثـــة

إذا كانت الترتيبات المقترحة في القسم السابق ستحقق النجاح فسوف يتم الوصول إلى مرحلة يمكن أن تسمى باسم “مرحلة التحول اللاحقة المبكرة”. والدور الاستثنائي والمؤقت والبناء الذي تلعبه الدولة سيكون قد انتهى وعليها أن تبدأ من جديد بلعب دور نموذجي، بحيث يكون تقريبا غير فعال وغير بناء.
وفي هذه المرحلة أي “مرحلة التحول اللاحقة المبكرة”، من الطبيعي أن تتصف البلاد بوجود أسواق وبنيات اقتصادية وسياسية ضعيفة، وأن تعمُّقها واتساعها (أي الأسواق والبنيات الاقتصادية والسياسية) سوف يعتبر بمثابة التحدي الرئيسي للدولة بما أن من غير الممكن القيام بهما مباشرة من قبل الدولة. ويجب على الحكومة أن تحاول فقط إزالة كافة العوائق أمام الحريات السياسية والاقتصادية قبل أن يستولي في النهاية الأبطال “الشومبيتريون” (نسبة إلى الاقتصادي شومبيتر) على هذه المرحلة وقبل بدء العملية التطورية النموذجية. لقد وصلت جمهورية التشيك إلى هذه المرحلة المبكرة اللاحقة للتحول، ومن الطبيعي أن تكون الأخطار والشراك المتأصلة في هذه المرحلة بحاجة إلى بذل انتباهنا وتدقيقنا بشكل محكم بقدر ما كانت المرحلة السابقة من عملية التحول بحاجة له.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 2 تشرين الأول 2006.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

حاول أن تتكهن من الذي قال ما يلي: “الضرائب المرتفعة على الدخل المكتسب من شأنها تخفيض العمالة المتاحة، وتخفيض العائد على المبادرات الاقتصادية والتعليم العالي. النمو، والابتكار وتنمية رأس المال البشري، جميعها تصاب بالضرر نتيجة لذلك.”
قد يخطر ببالك بأن الملاحظة قد صدرت عن أحد تلامذة ريغان في سياساته المبنية على مستوى العرض كعنصر أهم في الاقتصاد مثل آرت لافر أو لاري كودلو. أما حقيقة الأمر فهي أن الملاحظة وردت ضمن دراسة واسعة بعنوان “نحو النمو: 2005” صادرة عن مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية، مقرها باريس، وهي جماعة معروفة بانتمائها للاقتصاد التقليدي.
إحزر من قال هذا: “الضرائب على الدخل المتأتي من العمل والنفقات الاستهلاكية، من شأنها تشجيع أرباب المنازل على الاستعاضة عن السوق القانوني بالنشاطات الخالية من الضرائب—الراحة والاستجمام، الإنتاج المنزلي، واقتصاد السوق السوداء.” قد تظن بأن هذه الملاحظة جاءت من أتباع سياسة ريغان بإبراز عامل مستوى العرض، أمثال جاك كمب، ستيف إنتن، أو مني. والحقيقة أنها جاءت من ستيفن جيه. ديفس من جامعة شيكاغو وماجنس هنريكسون من مدرسة ستوكهولم للاقتصاد.
لقد جاءت شهادتهما في تحليل عدد من البلدان في مؤلفهما عام 2005 بعنوان “العمالة المتاحة وحوافز العمل في أوروبا”، تأييداً لوجهة النظر القائلة بأن الفروق في نسب الضرائب بين البلدان الغنية، تشكل سبباً أساسياً للفروقات الدولية الكبيرة في عدد ساعات العمل.
ديفس وهنريكسون قدّرا بأن زيادة ضريبة من 12.8 نقطة مئوية—بغض النظر عما إذا كانت تلك الزيادة على ما نكسب (ضريبة الدخل)، أو ما نصرف (ضريبة القيمة المضافة)، من شأنها انكماش عدد الشعب العامل بنسبة 4.9 نقطة مئوية، وانخفاض الساعات المقررة بـ122 في السنة بين أولئك الذين ظلوا على رأس عملهم في القطاع الخاضع للضريبة، ورفع نسبة العاملين في اقتصاد السوق السوداء التي لا تخضع للضرائب بنسبة 3.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
الضرائب تلعب دوراً مهماً. نحن لسنا في حاجة إلى اقتصاديين لامعين من فرنسا والسويد لإثبات ذلك. لقد ذكرتُ بعض الدراسات الأمريكية في تعليق نشرتُهُ في شهر آب 2002 تحت عنوان “اقتصاديات العرض تذهب إلى هارفارد” بما في ذلك بحث وضعه إدوارد بريسكوت، الذي نال فيما بعد جائزة نوبل. وقد وضع نصف دزينة أو اكثر من الحائزين على جوائز نوبل أبحاثاً تتصل بالطرق المعوجة التي تشوه الحوافز نتيجة الضرائب المرتفعة.
هذه سنة انتخابية للكونغرس، لذا فإن السياسيين وكبار الكتّاب يفضلون كثيراً الحديث عن النفقات الفيدرالية كنعمة لا كعبء. إنهم يحاولون بما وسعهم الجهد تغيير الموضوع إلى عجز الموازنة. ولكن وصف الموضوع في إطار كم تقترض الحكومة، بدلاً من كم هي تنفق، يجعله يبدو كأن سقوفاً أعلى للضرائب هي حلول عملية، وليست خطراً داهماً.
إن التركيز على عجز الموازنة هو التظاهر بأن عبء النفقات الحكومية سوف يختفي بطريقة سحرية لو أمكن فقط تمويله كلياً من مداخيل الضرائب القائمة، بدلاً من اقتطاع نسبة صغيرة (2.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي) يتم تمويلها من بيع السندات الحكومية، وهذه هلوسة خطرة.
فلو لم تكن الحكومة قد اقترضت مطلقاً حتى سنتاً واحداً (وهو افتراض ليس له معنى بالنسبة للحكومة مثلما أنه لا معنى له بالنسبة للشركات وأصحاب المنازل)، فإن جميع ما يمكن توفيره هو الفائدة على الدين. بيد أن الفائدة على الدين على امتداد الأعوام الأربعة الماضية كانت مجرد 1.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي—وهي أقل نسبة منذ عام 1977، وأقل مما كانت عليه عندما كانت الموازنة تتمتع بالوفر.
وإلى جانب الفائدة، فإن الإنفاق الحكومي هو إما للدفعات التحويلية (الاستحقاقات) أو المشتريات. التمويلات والمشتريات تفرضان عبءً مباشراً على الاقتصاد الخاص، بغض النظر عن كيفية تمويلهما. الدفعات التمويلية عادة، تنوي أخذ المال من دافعي الضرائب الذين كسبوه وإعطائه لأناس آخرين، شريطة أن يتعهد الذين يتلقون المال بأن لا يجهدوا أنفسهم بالعمل، أو يدّخروا الكثير، أو أن يزرعوا محاصيل كثيرة. فإذا سمح بالعمل على الإطلاق، فإنه يعاقب بشدة. أولئك الذين يعملون وهم فوق سن الـ65 عاماً يدفعون ضريبة دخل عقابية على معظم دخلهم من الضمانات الاجتماعية المختلفة، في الوقت الذي يدفعون فيه ضريبة ضمان اجتماعي لصالح فوائد يتلقاها بلا دفع أية ضريبة شخص كسول لا يعمل.
إن مشتريات الحكومة من المباني والأعتدة والمواد والأراضي تقلص توفر تلك الثروات للأعمال الخاصة وترفع من كلفتها. عندما تعين الحكومة بيروقراطيين أو تجند جنوداً، فإن ذلك يرفع من كلفة العمالة في القطاع الخاص. لسوء الحظ، وعلى امتداد فترة السنوات الثلاث القادمة، فإنني متأكد بأننا سوف نتعرّض لاقتراحات غير ذي صلة أو موضوع، حول كيفية تغطية العجز عن طريق رفع نسب الضريبة على أغنى 15 بالمائة في البلاد. ولكن ذلك سوف يتضح بأنه ذو مردود عكسي لأسباب شرحتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وديفس-هنريكسون. حتى كسياسة مبنية على مساواة حاسدة، فإنها لن تنجح.
ليس أن الولايات المتحدة لم تجرب أبداً نسب ضرائب وصلت إلى 50 بالمائة أو أكثر على المداخيل العالية، لقد فعلنا ذلك في فترة قريبة هي عام 1986. لقد كان من نتائج فرض نسب ضرائب عالية على ذوي الدخل العالي أن لم يبق من تلك الطبقة من تضخ عليهم تلك الضريبة. فإذا أعيدت الضريبة على الأرباح إلى 35 بالمائة، على سبيل المثال، فإنني سوف أتوقف بسرعة عن اقتناء أسهم خاضعة للضريبة في حسابي وبدلاً من تحصيل 15 بالمائة على شيء موجود، فإن دائرة الضريبة سوف تحصل على 35 بالمائة من دخل غير موجود.
وقد قدرت دائرة الموازنة التابعة للكونغرس بأن مجموع نسبة الضرائب الفعالة على أعلى مداخيل الـ1 بالمائة من دافعي الضرائب، قد ارتفع من 25.5 بالمائة في عام 1986 (عندما كانت نسبة الضريبة الأعلى 50 بالمائة) إلى 31.4 بالمائة عام 2003 (عندما كانت الضريبة الأعلى 35 بالمائة على الرواتب و15 بالمائة على الأرباح الرأسمالية والأرباح على الاستثمار) وكان مجموع الضرائب يضم الضمان الاجتماعي وضرائب المكوس.
وعلى نقيض صارخ من ذلك، فإن الـ20 بالمائة من أصحاب المداخيل الأدنى في المجتمع وجدت أن مجموع الضرائب الفيدرالية عليها قد انخفضت إلى النصف من 9.6 بالمائة في عام 1986 إلى 4.8 بالمائة عام 2003. والطبقة التي تليها علواً والمشكّلة من 20 بالمائة، وجدت عبء الضرائب عليها يهبط من 14.8 بالمائة إلى 9.8 بالمائة. والخمس في الوسط دفع فقط 13.6 بالمائة من دخولهم في ضرائب فيدرالية عام 2003 بانخفاض من 18 بالمائة عام 1986.
منذ اللحظة التي خُفضت فيها الضرائب الفيدرالية الأعلى تخفيضاً حاداً على الرواتب والأرباح، والأرباح الرأسمالية، كانت هنالك أعداد أكبر كثيراً من الأمريكيين الأغنياء، يدفعون ضرائب أكثر، وبالتالي إتاحة المجال أمام تخفيضات غير مسبوقة على ضرائب الآخرين. فإذا كان هنالك إنسان أحمق يحاول وضع ذلك التاريخ وضعاً عكسياً، عن طريق رفع نسب الضرائب على المداخيل العالية والأرباح، فإن مجموعة أقل من الناس لها مداخيل عالية، سوف تدفع ضرائب أقل كثيراً مما كانت تدفع من قبل. وكل إنسان آخر سوف يدفع أكثر.
النفقات الفيدرالية مشكلة كبيرة وهي في ازدياد. محاولة إصلاح تلك المشكلة بفرض ضرائب عالية على المداخيل العالية، لن يُقدم شيئاً لتخفيض العبء الاقتصادي الذي تمثله النفقات الفيدرالية. ولكنه سوف يخلق قضايا مزعجة أخرى كثيرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 28 تموز 2006.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018