الحريات الدينية

نوح الهرموزي11 ديسمبر، 20114

مظاهر من العنف الممنهج ضدّ بعض الفنانين والمثقفين وأساتذة الجامعات فضلا عن انتهاك حق النساء على اختلاف انتماءاتهن الطبقية والثقافية في اختيار زيّهن، وفي الأفق مشروع مجتمعي جديد يدعو إلى الفصل بين الجنسين والحدّ من مكتسبات النساء وتقييد الحريات يحدث هذا في تونس ما بعد الثورة.....

نوح الهرموزي29 أكتوبر، 20110

لقد قامت الثوراث العربية من أجل تحرير المواطن من الاستبداد والقهر، ولن يقبل أبدا أن يستبدل الاستبداد السياسى باستبداد ديني. إذا أراد الأصوليون أن يطبقوا مشروعهم السياسي فعليهم أن يعرضوه على الشعب صاحب السيادة المطلقة في الديمقراطيات.....

peshwazarabic21 يناير، 20113

في الثاني و العشرين من أغسطس عام 1999، بلغ عدد سكان كوكب الأرض ستة مليارات نسمة، يتوزعون على 189 دولة هم أعضاء الأمم المتحدة، كما يتوزعون علي عدد هائل من الجماعات القومية واللغوية والدينية و العرقية

peshwazarabic19 نوفمبر، 20103

في مستهل المقالة يجدر بنا القول، من أن حركة الإصلاح الديني التي انطلقت من أوروبا، قد توضّحت معالمها، واشتد عودها في القرن السادس عشر الميلادي، في عصر النهضة فتجلّى العالم المسيحي بعد بروز الحركة بثوب الانقسام الديني، تمثل الانقسام بالبروتستانت كمذهب إصلاحي جديد ببزوغ فروع عديدة له في أنحاء أوروبا، في مواجهة المذهب الكاثوليكي التقليدي السائد عموما في روما بإيطاليا حيث مقرّ البابوية، فجاءت حركة الإصلاح الديني بمثابة تمرّد على البابوية ورجال الدين في روما، حيث كانت إيطاليا لوجود البابوية في روما قبلة المسيحيين، لكن الانقسام شمل رجال الكنيسة أنفسهم في روما، فظهرت بابويات ادعت المرجعية خارج روما بل وحتى خارج إيطاليا، ومن ثمّ الطعن في المرجعيات الأخرى، مما أفقد البابوية هيبتها وقدسيتها، فضلا عن تهافت كبار رجال الدين على الاغتناء، والانهماك في الترف والمجون والفسق بعيدا عن روح التقشف والتضحية والروح المثالية التي عرف بها رجال الدين، وشاعت عن رجال الكنيسة سبل الغدر والخيانة، وعمليات التآمر والاغتيال بدس السم وسواه، كل هذا حدا بعض المصلحين للتنادي بإصلاح الكنيسة، وجاء القدح والذم بالقائمين عليها، ورأوا أن بعض طقوسها بدعة لا يمت إلى الدين الذي بشّر به السيد المسيح عليه السلام بشيء..
علينا ألا نغفل أنه بالتزامن مع معالم النهضة في أوروبا كانت ثمة عوامل مساعدة ومشجعة لحركة الإصلاح الديني، حالات تمثلت بظهور الحركة الفكرية، الإقبال على دراسة التراث اليوناني واللاتيني، تشجيع العلوم، إنشاء المكتبات، حلول لغات الشعوب القومية (الألمانية.. الفرنسية.. الإنجليزية ….إلخ) محل اللاتينية، فصار بمقدور هذه الشعوب القراءة والكتابة بلغاتها، اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، التي عدّها مارتن لوثر من أعظم فضائل الرب على عباده، ثم كان اختراع الورق وهكذا، فاختراع المطبعة والبوصلة والبارود جاء في فترات زمنية متقاربة، حتى أن أحد المفكرين قال بأن المطبعة والبارود والبوصلة غيرت وجه العالم، بل قل خارطة العالم…
بمجرد الكلام عن حركة الإصلاح الديني لا بد أن يقفز إلى ذاكرتنا شخصية الراهب مارتن لوثر (1483- 1546) كمصلح ديني ذائع الصيت، اقترن اسمه بحركة الإصلاح فهو مؤسس المذهب البروتستانتي، ومارتن لوثر وسواه من المصلحين  دعوا رجال الدين إلى الخلق القويم، وانتقدوا رجال الكنيسة لانصرافهم لجمع الثروة وإلى الحياة اللاهية الماجنة، وهاجموا حياة الرهبنة باعتبارها حياة ذل واستكانة، وتساءل مارتن لوثر عمّا يمنع هؤلاء من الزواج، ومارتن لوثر نفسه وكسرا للقاعدة السارية كونه راهبا بادر إلى الزواج من راهبة  تدعى كاترين بورا..
في إحدى زياراته الرسمية إلى روما، هاله ما رأى من انهيار للقيم الأخلاقية لدى رجال الدين الذين يحوطون بالبابوية لهذا راح يقول : (إن كل من يذهب إلى روما يشعر أن عقيدته الدينية تترنح تحت الضربات التي تصيبه جراء ما يرى هناك…) وهو القائل (كلما اقتربت من روما شاهدت أسوا المسيحيين)، لكن المفاجأة التي صدمته في الصميم هي قيام أحد الكهنة بتوجيه من الكنيسة ببيع (صكوك الغفران) فاحتج لوثر على ذلك غاضبا، ودعا علماء الدين لمناقشته  في هذه المسألة، وبأن هذا يتنافى مع حقيقة المسيحية، وبأن لا أحد حتى البابا نفسه لا يستطيع غفران الذنوب، والله وحده قادر على غفران ذنوب البشر، وأن صكوك الغفران بدعة، بل حتى البابوية نفسها اعتبرها مارتن لوثر بدعة ..
جرت محاولات للمس بحياة مارتن لوثر، لكن جاءت حمايته من قبل بعض المستنيرين في سلطة الدولة، لأنه هو الذي دعا رجال الدين إلى الخضوع للسلطة المدنية، كما دعا إلى الحد من الأديرة، وقام بنفي دعوى احتكار تفسير الإنجيل، وحصرها برجال الكنيسة، وعلى إثر اختراع الطباعة تمت طباعة الإنجيل بأعداد كبيرة، ليصبح في متناول من يريد الإطلاع عليه، وحتى لا يبقى حكرا على حفنة من رجال الدين في التفسير والتأويل حسب أهوائهم، كما نهض مارتن لوثر بعمل جليل، إذ قام بطباعة الإنجيل إلى اللغات القومية، كما قام هو نفسه بترجمة الإنجيل إلى اللغة الألمانية لما اتسم من مواهب أدبية، حتى يكون الإنجيل، في متناول الجميع، ومن يريد قراءته بلغة الأم، ولولا هذه الطباعة للإنجيل وباللغات القومية  كما يرى بعضهم لما تحقق برأي الكثيرين (تحرر الفرد المسيحي من سلطة رجال الدين القائمة على احتكار المعرفة الدينية وغيرها)..
كما كان هذا من أهم الأسباب التي ساهم في سقوط سلطة الكنيسة مع توءمها سلطة الإقطاع، ليتوّج أخيرا بفصل الدين عن الدولة، كما نبذ مارتن لوثر إحراق (المارقين) بفتاوى رجال الدين، وبأن المسيحية لا تبيح كهذه العقوبة، فقد استنكر حرق المصلح الدوميناكاني عندما تصادم مع البابا اسكندر السادس، هذا المصلح الذي تصدّى لسلوك رجال الدين في الفساد والرذيلة، وقد ساعد مارتن لوثر في انتشار حركته الإصلاحية بعض الفلاسفة الألمان الذين شايعوه أفكاره، ونستطيع القول أن الحركة تجاوزت ميدانها الديني حيث غدت حركة سياسية استغلها الألمان ضد سلطة الكنيسة، وكل هذا تطور فيما بعد طوال القرنين السادس عشر والسابع عشر إلى ثورة دينية داخل العالم المسيحي، بين المذهب الكاثوليكي المتزمت، والبروتستانت بفروعه التي تعود إلى مارتن لوثر كمؤسس لهذا المذهب، والداعي إلى إصلاح أمور الدين…
دون شك، إن حركة الإصلاح الديني كانت حركة جريئة، وربما متقدمة في تاريخيتها إذا نظرنا إليها بنظرة اليوم وقارناها بالحركات الإسلامية المختلفة في الإصلاح أو في المحافظة والأصولية في الظرف الراهن، لقد كانت اللوثرية ثورة على أصول الفكر الديني السائدة في الكنيسة بالتواطؤ ربما مع سلطة الإقطاع في تلك الحقبة البعيدة عنا نسبيا، وذلك جراء تلاقي مصالح الطرفين الكنيسة وسلطة الإقطاع  المتمثلة وقتها في بعض البلدان بحكم الأباطرة.
قلنا عن حركة الإصلاح أنها حركة جريئة، وقد قيض لها أيضا قائد جريء هو مارتن لوثر (الذي حمل لواءها قرابة ثلاثين عاما) بوقوفه في وجه البابوية أكبر قوة دينية متحالفة مع الإقطاع حينذاك، حتى أن بعضهم اتهمه بالتهور ومازال إلى اليوم ينظر إليه بنظرة توقير وإعجاب رغم التباين في التقييم النهائي له ..
رغم أن حركته (اللوثرية) نشأت من منطلق ديني، إلا أنها توافقت زمنيا مع الحركات السياسية في ظل الوعي القومي المشرئب لتأسيس كيانات ذات طابع قومي في بدايات عصر النهضة، فجاءت موالاة الحركات السياسية القومية لحركة الإصلاح الديني، وبالمقابل فقد ظلّت كثير من الأرستقراطية الإقطاعية في شك من هذه الحركة المتمثلة بفروع البروتستانت المنتشرة في مختلف أنحاء أوروبا، فمالوا بهذا إلى المذهب الكاثوليكي المحافظ، ويعد هذا الحلف غير المقدس حلفا لتلاقي المصالح، ولم يهدأ القتال بين أنصار المذهبين امتد لقرنين رغم سعي جهات عديدة لإصلاح ذات البين لكن دون توصل لوفاق تكتب له الديمومة، كما جرت ملاحقة فروع مذهب البروتستانت في أوروبا من قبل محاكم التفتيش، ولقي أنصار المذهب الويلات ومختلف أنواع التنكيل على أيدي زبانية تلك المحاكم الجائرة…
على العموم ترتب عن حركة الإصلاح الديني، أن التهب الصراع الديني المذهبي في إسبانيا وإنجلترا وفرنسا.. دون أن يذهل عن بالنا، أن حركة الإصلاح الديني ترافقت مع الدعوات السياسية التي دعت إلى مختلف الإصلاحات السياسية وقد تكللت جهودها لاحقا في الوحدة الإيطالية والاتحاد الألماني..
إن الحركتين إن أردنا الدقة، كان رائدهما الإصلاح، فهذا ينادي بالإصلاح الديني، وذاك  يطالب بالإصلاح السياسي، ويبدو لي أن كلا الإصلاحين السياسي والديني متلازمان دوما، فالإصلاح السياسي لن يقبل حتما لا بالطغيان السياسي ولا بالطغيان الديني، وسيأتي الرفض حتما للحكم باسم الدين، ونقد ممارسات رجال الدين، أو أي ادعاء من أية سلطة بأنها تحكم بالتفويض من الله، مع النزوع الأكيد إلى الليبرالية من جانب حيث سرت العبارة الشهيرة التي تقول (كلّ حر في دينه) وأيضا التطلع إلى العلمانية الداعية إلى فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة، أما فصل الدين عن المجتمع وعن الحياة فقد روج  لها الخطاب الديني لدى الإسلام السياسي اليوم، فهي بغية محاربته للعلمانية التي روجت لهذا، لا بغاية تشخيص الواقع، ثم كان لقاء المصالح في الإصلاح الديني والسياسي، في وجه رموز الإبقاء على السكون السائد والخنوع المتوارث للقائمين على أمور الدين، وقت هبوب رياح عصر النهضة حيث تفتحت الأبصار والبصيرة على كل جديد، وتفهمه الناس وربما تقبلوه، وبالتالي جاء نبذ كل قديم ولّى أوانه..
إن الجمود هو جوهر كل دين بتعبير بلانكي، وبالمقابل فبقدر ما يتقدم الفكر وتنتشر العلوم تتقهقر سطوة الدين، لا سيما تلك الأضغاث وجانب الغيبيات في الدين، وتتبدد تلك التخيلات الموروثة من الماضي البعيد شيئا فشيئا..
أخيرا تكلل  نضال حركة الإصلاح الديني، بجانب تقدم حركة الفكر والسياسة عموما إلى فصل الدين عن ميدان الدولة والسياسة بالضد من رغبة رجال الكنيسة، وحليفه الإقطاع الذين خسروا معركة التاريخ جراء صيرورته، فقد تمت إزاحة طبقة ولّى عهدها لتحلّ طبقة أخرى مكانها، كانت هذه الطبقة الجديدة هي الطبقة البرجوازية البازغة حديثا والتي سيكون لها شأن كبير في مسار التاريخ والتحولات الاجتماعية الكبرى، وأيضا الاقتصادية والسياسية، حيث من آثارها سنرى الثورة الصناعية، كل هذا بوتيرة قوية لاسيما ابتداء من النصف الثاني من القرن الثامن عشر إلى تاريخنا الراهن اليوم…
© منبر الحرية،1 نونبر/تشرين الثاني 2010

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

عقب اندلاع الثورة الإسلامية في إيران نهاية سبعينيات القرن الماضي، تساءل أحد المسئولين المنفعلين في حكومة الولايات المتحدة باستنكار، قائلاً: “من منا يأخذ الدين مأخذ الجد؟”. فإلى ذلك الوقت، كان الكثيرون من أبناء الصفوة الثقافية والسياسية، في الغرب والشرق على حدٍّ سواء، يتفقون حول الحكمة السائدة التي كانت تقول بأن “الحداثة ستقضي لا محالة على الحيوية الدينية”. وقد بلغت الثقة بهيمنة العلمانية والأيديولوجيات المنبثقة عنها وقتئذٍ ذروتها، حتى أن مجلة “تايم” الأميركية نشرت في نيسان/أبريل عام 1966 موضوع غلاف، يطرح سؤالاً صارخاً: “هل مات الرّب؟”
لكن الوضع يبدو اليوم مختلفاً تماماً. فالمُقدّس يتبدّى في كل مكان حولنا، نراه يتوغل بمهارة ويتغلغل، إن لم يكن في اهتماماتنا العميقة، فعلى الأقل في عالمنا الأقرب. وجغرافية انتشار الدين والانبعاث الديني في زمننا الحاضر لا تكاد تستثني بعنفوانيتها بقعة من بقاع العالم، فحتى في أوروبا التي تعد معقل العلمانية الحديثة بدأ الدين يدُبُّ في أحشائها، وحدث التزام غير معهود بالتدين. وتشير الأرقام إلى أن النسبة بين من يرتادون الكنائس وبين أولئك الذين لا يفعلون قد بدأت تضيق في الدول البروتستانتية العريقة في تبنّي العلمانية، بالإضافة إلى فرنسا الكاثوليكية حيث أصبحت نسبة غير المتدينين 53% مقابل 47% هم المتدينون. ورغم التدني النسبي في عدد المتدينين لكنهم يتفوقون على نظرائهم من غير المتدينين من خلال تمتعهم بمزية مهمة، تتمثل في خصوبة الإنجاب التي تزيد عندهم بنسبة تتراوح بين 15% و20% مقارنةً بغير المتدينين. وعليه، فثمة من يتوقع أن يفوق عدد المتدينين المسيحيين في أوروبا في نهاية القرن الحالي عدد المتدينين في بداياته.
لقد برهن العالم الحديث بحق على أنه يتقبل المعتقد الديني بسخاء. وبعكس الاعتقاد الذي كان يسود معظم عقود القرن العشرين، تُثبِت مجتمعات القرن الحادي والعشرين في كل يوم يمرّ أنها مجتمعات اعتقادية بامتياز، والنتيجة: طفرة غير مسبوقة في الحيوية الدينية أخذت تشمل كل أرجاء الكوكب. فمن ناحية، أخذ المؤمنون – سواء أكانوا من المسلمين أو المسيحيين (كاثوليك وبروتستانت) أو الهندوس – في التزايد بشكل مضطرد. فإذا كان المنتمون إلى هذه المجموعات الدينية الأربع يشكلون بالكاد نصف سكان العالم في مطلع القرن الفائت، إلا أنهم في بداية القرن الحالي يشكلون ما نسبته 65% من سكان المعمورة، وقد تصل هذه النسبة إلى 70% تقريباً بحلول عام 2025.
ومن ناحية ثانية، بقدر ما تعكس هذه العودة العالمية إلى الدين، الأهمية التي ينطوي عليها المعتقد الديني بوصفه شبكة خلاص فردي وجماعي، فإنها – ومن خلال اتكاءها على التداخل الحاصل عن حركية الأفراد وتواصل الثقافات في ظل العولمة، التي يسرت عرض الأديان والعقائد في سوق ديني ممتاز، واقعي وافتراضي في آن –  تُبيّن بجلاء أن زخم العودة للمقدس وتمظهراتها هذه ليست مقصورة على دين من الأديان أو على رقعة جغرافية محددة من الأرض، ومن ثمّ فإن تضميناتها – سلبية كانت أم إيجابية – ستكون عالمية بالمثل. فعلى سبيل التدليل، لم يكن المسلمون متفردين في إظهار استيائهم وغضبهم من الطريقة المهينة التي صوّر بها الرسول محمد (ص) في الرسوم الكاريكاتورية التي نشرت – وتكرر نشرها – خلال السنوات القليلة الماضية في الصحف الدنماركية والأوروبية الأخرى، فبالمثل أبدى المسيحيون الهنود مؤخراً غضبهم من رسم كاريكاتوري ظهر به السيد المسيح، وهو يحمل في إحدى يديه زجاجة خمر وفى اليد الأخرى سيجارة مشتعلة، بأحد الكتب الخاصة بتعليم الحروف الأبجدية بالمدارس الابتدائية الهندية، وسرعان ما تحوّل الغضب إلى موجة عنف وأعمال شغب ومواجهات دامية بين المسيحيين والهندوس.
ومن ناحية ثالثة، تعمل ظاهرة صعود الدين والانبعاث الديني على إعادة تشكيل السياسة في دول مختلفة من العالم ودمغها بطابع أكثر محافظة، لاسيما في البلدان التي تتمتع بهامش معقول في مجال الديمقراطية والحرية السياسية. وهكذا أصبحت الحركات الدينية المسيسة تملأ المجال العام، وتفوز في سباقات سياسية رئيسية. وتجيء هذه الحركات في أشكال مختلفة للغاية وتوظف أدوات متباينة إلى حد كبير. ولكن، سواء أكانت ساحة المعركة الانتخابات الديمقراطية أو الصراع الأكثر أولية من أجل كسب الرأي العام العالمي، تصبح الجماعات الدينية أكثر قدرة على المنافسة بصورة متزايدة. وفي السباق تلو السباق، عندما تمنح الشعوب الخيار بين القدسي والعلماني، ينتصر الدين (لاحظوا: فوز حركة حماس في فلسطين، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، والأحزاب الدينية في عراق ما بعد صدام).
ومن ناحية رابعة، ينبثق عن مظاهر العودة إلى الدين – كما لاحظ البعض بدقة – بيان مغاير للسياسة الدولية. ويبدو هذا البيان ذو الطابع الديني، أول ما يبدو، في اللغة والاستدلال، حيث يستعاض عن الإشارة الصريحة إلى المصلحة القومية وإلى مقتضيات التعايش السلمي بين الدول، بخطابٍ أخلاقي. وهكذا ينتقل العمل الدولي من الواقعية إلى المُطلق، إذ لم يعد يستند إلى مجرد الاتفاق والمناسبة، وإنما إلى الإحالة لقيمٍ لا تصمد للمناقشة أو للتسوية. وهكذا يصبح البيان الديني مكوناً لتناقض ظاهري: فهو جمعي في جوهره، ويرجع إلى تنوع وتنافس الأديان العالمية، ولكنه يدّعي، بحكم تعريفه، شرعية مطلقة ومانعة لكل ما عداها. ولاشك أن عملية “إضفاء صفة الشيطان” على العدو ليست خاصة يتفرد بها البيان وحده، غير أنها تتسم بأهمية بارزة وتؤدي بصفة خاصة إلى تنظيم جديد للمعايير. ويشير إلى ذلك بوضوح بالغ مثال احتلال السفارة الأميركية في طهران، عقب اندلاع الثورة الإسلامية، فقد أصبحت محاربة “الشيطان الأكبر”، بحكم التعريف، صورة أسمى من احترام اتفاقية فيينا بشأن الحصانات الدبلوماسية.
ومن نفس المنطلق، فإن الصراع العربي – الإسرائيلي يظهر أن البيان الديني لحقوق دولة إسرائيل ينتج مجموعة من الفرضيات تقلل أيضاً ما يبدو قابلاً  للتفاوض داخل هذا الصراع ذاته: سواء فيما يخص ما يسمى “الحقوق التاريخية” للشعب اليهودي على يهودا والسامرة، أو رفض التسوية بشأن وضع القدس أو طبيعة إنشاء دولة إسرائيل، ونشهد تحول القاموس القانوني إلى قاموس ديني، ومن ثمّ تحول نظام الاتفاق الحرّ إلى نظام المبدأ المقدس، والنسق البشري إلى النسق فوق الطبيعي. ويكشف تشابك الخطاب الإسلامي في قلب الشعب الفلسطيني، وكأنه أرجع الصدى عن الراديكالية المنبثقة عن هذا الانزلاق في النبرة. السلطة الفلسطينية (ومن خلفها منظمة التحرير)، بقدر ما هي مقبولة كمحاور من جانب المجتمع الدولي، تحافظ بصعوبة متزايدة على تمسكها بهويتها القومية والعلمانية، وعليها أن تتصدى لطغيان حركة منافسة، ذات هوية إسلامية، تعيد صياغة القضية الفلسطينية من قضية قومية إلى قضية دينية، وتحولها إلى نزاع يتم استبعاده من أي مجال تفاوضي.
هكذا إذن تبدو عودة الدين إحدى حقائق عصرنا الذي كان يظن أن العلمانية – كمنظومة إنسانية، ونهج حياتي، وخيار سياسي – قد عززت مواقعها فيه، وأضحت من ثمّ محل إجماع بين النخب السياسية والمثقفة في أرجاء شتى من العالم، والمفارقة أن هذه العودة قد أخذت زخمها من خلال عبورها من بوابة العلمانية والحداثة وعبر منافذ الحريات التي تكفلها هذه الأُطُر بالذات، وهذا الأمر يشير إلى البراجماتية الكامنة في معظم الحركات الدينية، والتي عادةً ما كانت ترفض في البداية أدوات الحداثة ومخرجاتها، لكنها سرعان ما أدركت أنها لن تنتصر، ولن يُقيض لها الفوز في نهاية المطاف، سوى باستخدام هذه الأدوات المُعصرَنة مطيّة لانبعاثها وانتشارها العالمي أفقياً ورأسياً، والعمل تالياً على الالتفاف على الحداثة والعلمانية والبدء بتقوي
© منبر الحرية ، 22 ماي /أيار2010

peshwazarabic19 نوفمبر، 20101

قال تعالى:”لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” وقال تعالى “لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك”.
إذن، في البدء الحرية، فلا إكراه، بل اختيار.. وفي البدء كان الكلمة.. “كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء” و” وكلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من الأرض فما لها من قرار”
الكلمة الطيبة هي أصل التجذر والافتراع والتوغل في العقول والنفوس والقلوب.. ولأن الأديان كلها تدعو إلى الله، فإنها توسلت الكلمة المتسمة بالأخلاق وجماليات الأخلاق، وهذا ما أكد عليه الأنبياء جميعاً وأكمله محمد صلى الله عليه وسلم”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”..
فرغم الأذى البشري الذي تعرض لـه الأنبياء والرسل ـ وما زال بعض الذين لا يفقهون يسيئون إليهم ـ من أبناء جلدتهم إلا أنهم لم يقابلوا السيئة بالسيئة بل اعتمدوا الحسنى والإحسان “ادفع السيئة بالتي هي أحسن” مع الإعداد للقوة في حال الاعتداء. وهذا هو الدين بمعناه المتجوهر الحقيقي بين أطرافه الثلاثة:
1ـ المخلوق والخالق.
2ـ المخلوق بينه وبين نفسه كمخلوق.
3ـ المخلوق والمخلوقات.
وببساطة، نتبين بأن الدين حر، والدين للحر..الحر لـه دين.. والدين الحر للحر هو الأخلاق.. أليست الأخلاق هي الجـِــبـلـّـة الأولى التي فطر الله عليها الإنسان؟
إذن، لماذا الكذب والنفاق والأقنعة والتزأبق والدجل والقتل والزنى والنهب والسلب والشتم والإيذاء وكل كلمة مؤذية أو فعل مؤذ ٍ معنوياً وروحياً ومادياً؟ ولماذا  طرائق التفكير التي تضطهد، وتعنـّـف، تسجن، وتهدر الدماء، تذبح، وتحرق، وترتد ّ من ظلمة إلى ظلمة أشد إظلاماً بحجة الدين أو الأدلجة أو التحزب أو..إلخ؟
ألم يكتب الإنسان منذ القدم على بوابة معبد دلفي:”اعرف نفسك”؟ ألم يقل أرسطو:”من عرف نفسه عرف الله”؟ ولنكمل النص الغائب من الدلالة نقول:”ومن عرف الله عرف مالـه وما عليه”؟
الكلمة الطيبة والفعل الطيب هما الصولفيج الحقيقي للوجود الإنساني في هذا الكون ومع هذا الكون، وهما الغاية التي على كل إنسان أن يعزف روحه عليها بأجمل سيمفونية منافسة للموسيقى والبياض السلوكي الإنساني..
ولأجل هذه الموسيقى علينا أن نرى الدين من معناه المنير، الساطع، الذي رآه الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي:
“لقد صار قلبي قابلاً كل صورة، فمرعى لغزلان، ودير لرهبان، وبيت لأوثان، وكعبة طائف..وألواح توراة، ومصحف قرآن.. أدين بدين الحب أنى اتجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني”
ولأن الله محبة، وكل دين يصل إليه حر، “وإن الدين عند الله الإسلام” الإسلام بمعناه القرآني المحمدي لا كما أطره البعض، فهو بمعنى ما “حرية”.. لكن أية حرية؟
إنها حرية التصرف بمحبة وأخلاق عالية مع خالقنا وأنفسنا والآخرين.. ولا أشك بأن أي دين جاء إلا ليهدي للتي هي أقوم..
الحرية المسؤولة كينونة مثقفة، حرة، تحاورية، متكاملة، لا تقبل النقصان ولا الانتقاص كما لا تقبل الأدلجة والمنح والهبة.. ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”..
لكن، متى يكون الإنسان حراً؟
ليكون الإنسان حراً لا بد لـه من وعي واع ٍ بالحرية نفسياً واجتماعياً وروحياً.. وما المشكلات والحروب والنزعات والأحزاب والنزاعات التي تحدث في العالم البشري إلا نتيجة لعدم الاتفاق على مفهوم الحرية وتوظيفه فعلياً في نسقه المشرق المطلوب..
وعليه، برأيي، المشكلة لا تكمن في الدين لأن الدين حرٌّ ومحرِّرٌ، بل تكمن في الإنسان وكيفية فهمه للدين والحرية والحب والأخلاق والجمال والسلام وكيفية توظيف هذه المفاهيم في التعامل مع الأنا والآخر، أياً كان هذا الآخر الإنساني..
الدين موجّـه للذين يعقلون وبالتالي يفهمون ومن ثمة يؤمنون..
العقل أساس الدين.. وكما قال المتنبي:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله  وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
والعقل الحر، هو العقل الفاعل، المتدين بالضرورة دون تعصب أو تطرف أو شوائب، المدرك كيف ينزح عن الظلمات إلى النور.. وببديهية، كل ما يؤذي الإنسان والموجودات والأكوان هو الظلمات، وكل ما ينفع ويضيف إلى المنافع هو النور..
فلماذا لا أضيف ديني، من خلال أخلاقي وعلمي ومعرفتي وإبداعي إلى العالم؟ ولماذا لا أوظف طاقتي الإنسانية في نهر الحياة الذي لا يكرر العبور في مياهه مرتين؟
إنني مؤمنة بأن الله دائماً سيكون معي حين أكون معه، بل سيمدني مداً لأنه الخير الصافي.. ويكون لي عوناً في الإبصار والتجلي.. فلماذا لا نتآخى في النور، ونتنافر مع الظلمات؟
العديد من المسلمين قد لا يعون بأن الحجاب الإسلامي ليس فقط هو حجاب الرأس، بل هو، قبل أي شيء، حجاب العقل والقلب والحواس عن كل دونية، غرائزية، وهمجية..! وقد لا يدركون بأن كتاب الله موجه إلى الإنسان “العاقل” ذكراً وأنثى! كما أن العديد من أهل الكتاب لا يعون بأن عيسى عليه السلام جاء من أجل المحبة والسلام لا من أجل الحروب الصليبية الصهيونية.. وكذلك موسى عليه السلام جاء من أجل المحبة والتآخي لا من أجل التمييز بين البشر كما تروج التوراة المزيفة التي تجعل اليهود شعب الله المختار وبقية البشرية قطعاناً مسخـّـرة لهذا الشعب! ألمْ يدع ُ موسى ربه قائلاً:” ربِّ لا تجعلني ظهيراً للمجرمين”؟ أ ليس في ذلك براءة موسى مما يفعله الصهاينة والصليبيون باسم الديانتين اليهودية والمسيحية؟ ألمْ يترك عيسى عليه السلام وصاياه العشر التي تكفي أي إنسان لأن يكون حراً، متديناً؟
ترى، “ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه”؟ وأضيف النص الغائب: ماذا ينفع الإنسان لو ربح نفسه وخسر الله؟!
هل هناك إنسان عاقل يعتقد بأن البشر ليسوا كلهم لآدم وآدم من تراب؟!
وهل هناك إنسان عاقل لا يؤمن بأن الكون لم ينشأ بلا دين؟
دعوة واحدة من موسى، ووصية واحدة من عيسى، وآية واحدة من القرآن الكريم، تعيد الإنسان إلى إنسانيته فيما لو عقل وشاء..
فهل من مدّكر؟
يبدو أن الإعاقة الروحية في مجتمعنا البشري بلغت هاويتها الأخيرة، فدفعت الناس لكي يموج بعضهم في بعض، فهذا من المذهب الفلاني، وذاك من الدين الفلاني، وثالث من الطائفة العلانية..!
ولولا التلوث الروحي والعفن الأخلاقي هل تباهت جرائد دانماركية بإساءاتها الكاريكاتيرية إلى نبي البشرية صلى الله عليه وسلم والذي لن يطاله أحد مهما فعل لأن الإعجاز للقرآن الكريم، وهو كان قرآناً يمشي على قدمين كما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟!!!
ولولا هذا الاستنقاع الروحي والتشبّـع بالعنصرية والعبودية هل سخرتْ القناة الصهيونية العاشرة من مريم العذراء وابنها النبي عيسى عليهما السلام! بحجة التعبير عن الرأي! وحرية التعبير وحرية الرأي؟!
هل هناك عاقل واحد على هذه الأرض يوافق على أن هذه الإساءات الحاقدة، والتشويه المقصود، وإثارة النعرات الدينية والعنصرية، هي من حرية الرأي أو حرية التعبير؟! أين الحرية هنا؟! إنها العبودية بكل أبعادها حيث يتحول الكائن إلى عبد لحقده، وانتقاماته، وفساده، وعنصريته، وكل سيئ ما أنزل الله به من سلطان.
أليست هذه العبودية المتبرجة بلفظة الحرية هي العنصرية الصهيونية التي لا تنتمي إلى اليهودية كديانة بأي خصلة أخلاقية؟ أليست اليهودية بحد ذاتها تتبرأ من أمثال هؤلاء الذين يقتلون الأنبياء والأبرياء ويسرقون العالم بحجة الإفلاس، ويغتصبون الأراضي العربية ويشحذون الفتائن أو الفتن ـ جمع فتنة ـ بين الأخ وأخيه، بين دولة ودولة، بين شعب وشعب؟
هل الحرية تعني الإساءة العمدية للأنبياء؟ وهل تعني شن الحروب على الآخرين لتمويتهم، وتذبيح صغارهم وكبارهم، وسرقة ثرواتهم الطبيعية وإرثهم الحضاري واغتصاب نسائهم وأراضيهم وسمائهم؟!!!
هم أنفسهم يعترفون بأن العرب عامة، والمسلمين خاصة، أناس يحملون رسالة إنسانية لا تريد إيذاء الآخرين، بل تريد توعيتهم أكثر بوجودهم الإنساني الذي عماده الروح، وصولفيجه الفعل، ولولا ذلك لما قالوا عنا: “لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب (الإسلام)”؟
وبكل تأكيد، لولا وصول حضارتنا إليهم لما تم انتشالهم من ظلماتهم التي عادت في هذا العصر أشد قتامة، رغم كل الثورة التكنولوجية الحديثة المبنية ـ أصلاً ـ على لوغاريتميات الخوارزمي؟
ألا يدل ذلك على ذروة القتامة الروحية والظلمات الضمائرية التي وصل إليها الآخر؟ أليست هي الدرجة العظمى للسواد خاصة وأن هذا الآخر لم يوظف العلم والمعرفة في إضاءة المدنية والحضارة، بل أوصل البشرية إلى التهلكة؟
يعرف كل إنسان مؤمن أن يحترم الشعوب الأخرى ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، كما يعرف كيف تتكامل حضارته مع الحضارات الأخرى ثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وإنسانياً، لأن الحضارات لا تتصارع كما شعوذ هنتغتون، ولا تقف عند الحوار كما يجتهد المعاصرون، بل تتكامل.. وبالتالي، فإن هذا الإنسان المؤمن بكل ذلك لا بد وأن يحترم كل الأنبياء، ويعرف كيف يتلقى الكتب السماوية تبعاً لطاقته الفكرية والثقافية والأخلاقية والقلبية.. وتبعاً لهذه الطاقة تتفاوت الأفهام والمدركات والمقامات الروحية.. وهذا التفاوت في الأفهام هو “الصولفيج” الذي يتناغم مع درجاته كل منا ليرتقي بنفسه، فيهذب جوانيته، لتنكشف أعماقه عن المخفي المشع، فيزداد نوراً وعطاء ومحبة وقرباً.. وتنتفي المسافة الرمزية، فلا يبقى البعد بعداً، ولا القرب قرباً، وإنما تتألق البصائر، وتفتتح نغماتها على عالم يرتفع إلى الأعلى.. ومن ارتفع إلى الملكوت، لا ينظر إلى الأسافل إلا ليعلـّـم أهلها كيف يحلـّـقون بعيداً عن جاذبية الظلمات.. فيظل طامحاً إلى آلاء اللاهوت متخلـّـصاً من الناسوت، موقناً بأن الرسول الأعظم هو لكل البشرية:” بعثتُ للناس كافة”.. وهنا، في هذه النقطة التي امتدت لتصير ألـِـفاً، ينتفي التمييز بكل أشكاله وأنواعه وأجناسه، فلا إرهاب ولا عنصرية ولا جنسوية، بل كلمة طيبة وفعل طيب يستمر في موسيقاه منذ أزل الأكوان وإلى أبدياتها و قياماتها..
أليست الحرية هي هذه الحرية بمفهومها الإنساني الأجمل الذي كان منذ قال الله:”كن” وأتبعها:”فيكون” أي أنه المفهوم الأكثر إشعاعاً وعدالة وجمالاً وإبداعاً واستمراراً في دومان الكينونة والخلق والتشكل؟.
أخيراً،
أليس السجن الإنسان؟ والحرية الأديان؟

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

كان للحرية الدينية في المجتمعات العربية والاسلامية ؛ اكبر الأثر الايجابي في تطور تلك المجتمعات خلال العصور الاسلامية المتلاحقة ، حيث شملت أوجه التطور والتحديث ؛ مختلف ميادين الحياة مثل علوم الطب والاقتصاد والفن و الفلك والفلسفة والترجمة والادب والرياضيات والكيمياء والملاحة البحرية وصناعة السفن ؛ وادوات التنمية الاساسية في قطاعات الزراعة والصناعة ولتجارة .
ولعل جُل ما طلبه المسلمون من اهل الكتاب وهم اليهود والنصارى؛ وكذلك الصابئة والمجوس والزرادشت ؛ اذا لم يرغبوا بدخول الاسلام ، دفع الجزية وعدم التعرض للاسلام والمسلمين بسؤ . واصبحوا يٌعرفون في بلاد المسلمين بأهل الذمة؛ سواء  في صدر الاسلام زمن الخلفاء الراشدين ، اوفي العصور الاسلامية اللاحقة ؛ الاموية والعباسية وما تبعهما من خلافات وسلطنات وامارات ؛كالفاطمية والايوبية والمملوكية ؛ ثم الامبراطورية العثمانية. وكان ذلك إمتثالاً لقول الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبرّوهم وتقسطوا إليهم ان الله يحب المقسطين) – سورة الممتحنة الآية 8 – . ولقول رسول الله (ص) : “من آذى ذميا فقد آذاني  “.
وقد امتدح الكتاب الاجانب مثل (آدم متز) ؛ مستوى الحرية الدينية في ظل الدولة الإسلامية، قائلاً : ” لم تكن الحكومة الإسلامية تتدخل في الشعائر الدينية لأهل الذمة، بل كان يبلغ من بعض الخلفاء أن يحضر مواكبهم وأعيادهم ويأمر بصيانتهم …” ،  ويـضيـف ( متز) : ”  قضت الضرورة أن يعيش اليهود والنصارى بجانب المسلمين، فأعان ذلك على خلق جو من التسامح لم تكن تعرفه أوروبا في القرون الوسطى …” . ويقول (غولد تسيهر) :” إن المؤمنين بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة كاليهود والنصارى والزرادشت، كان بوسعهم متى دفعوا ضريبة الرأس (الجزية) ؛أن يتمتعوا بحرية الشعائر وحماية الدولة الإسلامية …”.
وفي العصور الوسطى ؛ وصلت الحرية الدينية ذروتها ، وبلغ التطور والتقدم والرقي داخل المجتمعات العربية والاسلامية القمة . فكان ذلك فكراً وممارسةً ؛ أي منهجاً نظرياً وتطبيقاً عملياً . كما ساهمت الحرية الدينية في ظهور حضارة ثقافية مترابطة الابعاد ، ذلك لأن الحضارة الاسلامية استقطبت المثقفين المسلمين والمسيحيين واليهود ، الأمر الذي ساعد على وجود أكبر حقبة فلسفية إبداعية في العصور الوسطى ، وذلك  خلال فترة القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين .
ولعل من اهم جوانب تطور المجتمعات العربية والاسلامية والعالمية المعاصرة؛  التي تهتم بها  اليوم ، ما يعرف بدراسات علوم البيئة كالتلوث والتي كانت سائدةً آنذاك . ومن الأمثلة على تلك الدراسات ؛ ما كتبه الكندي والرازي وابن الجزار والتميمي وابن النفيس ؛ حيث غطت كتاباتهم عدداً من الموضوعات المرتبطة بالتلوث مثل : التلوث الجوي وتلوث المياه وتلوث التربة ، وسؤ التصرف بالمخلفات الصلبة وتقييم التأثير البيئي في اماكن معينة . فقد شهدت  قرطبة بالاندلس أول صندوق قمامة واول منشأة لجمع القمامة والتخلص منها . كما شٌيدت المؤسسات التعليمية المثيرة للدهشة في ذلك الحين ؛ كالمستشفيات العامة و المصحات النفسية و المكتبات العامة  و المراصد الفلكية والجامعات. وذكر كتاب جينيس للارقام القياسية ؛ أن جامعة القيروان في فاس بالمغرب ، كانت اقدم جامعة في العالم ؛ إذ جرى تأسيسها في عام 859 م ، وجامعة الازهر التي تأسست في القاهرة في القرن العاشر الميلادي ، كانتا تمنحان شهادات اكاديمية متنوعة ، من بينها  شهادت جامعية عليا .
وعند منتصف القرن الثاني للهجرة ؛ حينما بدأت حركة التدوين والتأليف لدى المسلمين بالنهوض ؛ اتجه بعض علمائهم للكتابة التخصصية في المقارنة بين الأديان، ومنهم النوبختي (202 هـ) الذي يعتبر أول من ألف في هذا المجال وكتب كتابه : (الآراء والديانات) ؛ وبعده كتب المسعودي (346 هـ) كتابين عن : (الديانات) ؛ ثم جاء المسبحي (420 هـ) فكتب كتابه : (درك البغية في وصف الأديان والعبادات) ، وهو كتاب مطوّل يقع في حوالي ثلاثة آلاف ورقة.
ثم نشطت حركة التأليف بصورة ملفتة للنظر ، وكان من أبرز الكتب المشهورة كتاب : (الملل والنحل) لأبي منصور البغدادي (439 هـ) ؛ وكتاب : (الفصل في الملل والأهواء والنحل) لابن حزم الأندلسي (456 هـ)؛  وكتاب : (الملل والنحل) للشهرستاني (548 هـ)؛  وهناك كتاب : (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة)؛  لأبي الريحان البيروني .
وفي ميادين البناء والادب ؛ كان بحلول القرن العاشر الميلادي في قرطبة – على سبيل المثال لا الحصر – سبعماية مسجداً ، وستين الف قصراً، وسبعين مكتبةً حوت أكبرها ستماية ألف كتاب ؛ كما نُشر ما مجموعه ستين الف دراسة وقصيدة ومؤلفة كل عام ، في حين كان يوجد في مكتبة القاهرة نحو مليوني كتاب.
لقد نبغ بعض العلماء المحدثين بجهودهم الذاتية الخاصة مستفيدين من مؤلفات السابقين ، كالعلامة المرحوم الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (1282هـ ـ 1352 هـ) ؛الذي أتقن اللغة الإنكليزية والعبرية (بالإضافة إلى لغته العربية والفارسية)؛  فقرأ مصادر المسيحية واليهودية وناقشها بموضوعية وعمق في كتبه القيمة المتخصصة بذلك مثل كتابه : (الهدى إلى دين المصطفى) ؛ ويقع في سبعماية صفحة، وكتابه : (الرحلة المدرسية والمدرسة السيارة) ؛نحو ستماية صفحة ورسالته حول : (التوحيد والتثليث) ؛ وأخرى بعنوان : (أعاجيب الأكاذيب)؛  وكتاب : (أنوار الهدى) في الرد على الماديين؛  وكتاب:  (نصائح الهدى والدين) حول البهائية… ،  وكلها مطبوعة ومترجمة إلى مختلف اللغات العالمية.
وفي ايامنا هذه ؛ قال الفيلسوف الجزائري محمد أركون ، الحائز على جائزة ابن رشد  للفكر الحر عام 2003 : ” لقد أٌنشأت المكتبات والجامعات في البلاد الاسلامية، وعلماء المسلمين هم الذين حافظوا على التراث العقلاني الاغريقي والروماني القديم ، هذا التراث الذي  لم يكن غائباً عن عقول الغرب فحسب ؛ بل أٌهمل ذكره في العلوم الغربية على وجه الاجمال …” .
وفي الختام يمكن القول ان الحرية الدينية التي خيمت بسلام وأمن وطمأنينة على المجتمعات العربية والاسلامية خاصةً في العصور الوسطى ؛ كانت أحد العوامل الأساسية التي أظهرت ورعت ابداعات وعبقرية العلماء المسلمين الماثلة حتى اليوم ؛ مثل البيروني والجاهز والكندي والرازي وابن سينا والادريسي وابن باجه وعمر الخيام وابن زهر وابن طفيل وابن رشد وعلي بن حزم الاندلسي وغيرهم . وكان ذلك هو واقع الوضع العام  للحضارة العربية الإسلامية؛ فكان عدد العلماء الذين تواجدوا في الحقب الذهبية للعصور الوسطى ملفتاً للنظر؛ وانتاجاتهم وانجازاتهم كانت مدهشة للعالم المتحضر حتى اليوم .

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

تعددت تعاريف مفهوم الحرية الدينية من مجتمع لآخر ومن ديانة لأخرى ، على أن التعريف الذي يرتضيه الكاتب لمنهجية مقالته هو أن الحرية الدينية تمثل ” الشعور بالحرية في اعتناق المعتقدات والأديان دون جبر أو إكراه” ، انطلاقاً من تفسير دلالة كلمتي “الحرية والدين” من جهة ، ومن جهة أخرى من النص القرآني الذي لا يأتيه الباطل أبداً والذي حدد أهمية هذه الحرية منذ البداية بقول الله تعالى في سورة البقرة :”لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” .
ولأنه لا يوجد مقياس عملي لتحديد شكل وواقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإٍسلامي سوى التقارير الدولية “المؤدلجة” في أغلبها ، فان تلك التقارير ليس بالضرورة أن تعكس صورة وواقع الحرية الدينية في المجتمعات العربية والإسلامية كما هي بالفعل ، وإنما على الأرجح تعطي إشارات محددة لواقع تلك الحرية الدينية ، لا سيما أنه لا يجوز بأي شكل القبول دوما بتعميم نموذج واحد من نماذج الحرية الدينية الواردة في التقارير الأمريكية السنوية على جميع بلاد العالم . فهذا ضرب من ضروب العولمة السياسية المرفوضة .
والدراسات التي أنجزتها اللجنة الأمريكية لحرية الأديان الدولية المستقلة التي أسسها الكونغرس الأمريكي عام 1998 لرفد الحكومة الأمريكية بالمشورة حول أفضل السبل لتحسين حق حرية الفكر والدين وأوضاع الحرية الدينية في البلدان العربية والإسلامية، تشير في كل تقرير سنوي إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان وحرية الدين في بلدان إسلامية وعربية معينة وتحسن لتلك الحرية في بلدان أخرى ، وهو ما يتناقض مع الوثائق الدولية التي تنص على ضرورة حماية هذا الحق في الحرية الدينية والابتعاد عن سياسة التمييز والاضطهاد الديني .
وبينت إحدى دراسات هذه اللجنة والمتعلقة بالفصل بين الدين والدولة والحريات الدينية ، أن  عدد الدول التي يسود فيها الإسلام هي 44 دولة وبعضها من الدول العلمانية التي لا تسمح للدين التدخل بشؤون الدولة ولا بالسياسة والبعض الأخر لم يفصح عن إن الإسلام دين الدولة الرسمي ، بينما تتبنى 15 دولة منها القانون الإسلامي كمصدر للتشريع .
ومن المفارقات أن يكون أكثر من نصف المسلمين في العالم يعيشون في بلدان غير إسلامية يتمتعون بحق الحرية الدينية، بينما لا يتمتع بمثل هذه الحرية أتباع الديانات الأخرى من غير المسلمين في كثير من البلدان الإسلامية .
وبعض النصوص الدستورية في الدول العربية والإسلامية لم تذكر صراحة حرية الدين والمعتقد والمذاهب كما أشارت إلى ذلك المؤسسات الدولية ، رغم اعتراف بعض تلك النصوص بان بلدانها متعددة القوميات والأديان والمذاهب .
وفي التقرير الجديد الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية مطلع عام 2009م عن حالة حقوق الإنسان والحريات الدينية في العالم للعام 2008م، لاحظ التقرير وجود ثلاثة محاور رئيسية لممارسات حقوق الإنسان وحرية الأديان في العالمين العربي والإسلامي في العام 2008م، وهي:
1. تزايد الاهتمام بـ”الطلب العالمي” على قدرٍ أكبر من الحريات الفردية والسياسية.
2. وجود جهود حكومية أكبر من سابقتها في العام 2008م لدفع هذه الحريات إلى الخلف.
3. التأكيد على “حقيقة تاريخية أمريكية”، وهي أنَّ حقوق الإنسان والدين “تزدهر على أفضل وجه” في الديمقراطيات التي تشارك في عملها منظمات المجتمعات المدني.
وركَّز التقرير في تقييمه السلبي على أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي أو ما تسمى منطقة “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”؛ حيث أكد التقرير أنه لا يزال هناك تحديات جدية مستمرة لترويج الحريات في هذه المنطقة، خاصة الحريات السياسية والدينية ، إلا أنه أشار إلى وجود بعض التقدم في بعض الدول كما في العراق ومصر.
وانتقد التقرير بعض الدول العربية والإسلامية ، خاصة مصر وقطر والسودان وسوريا وإيران وباكستان وموريتانيا وتونس وأوزباكستان ، لوجود المزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في التعبير عن رأيه ، والاستمرار في اعتقال الناشطين الحقوقيين والسياسيين، وكذلك الصحفيين بسبب أفكارهم. وجود قيود على الحريات الدينية؛ في إشارة إلى الأقباط والمسيحيين في مصر والسودان.
كما سلط التقرير الضوء على قيام السلطات الإيرانية باعتقال سبعة من زعماء المذهب البهائي في البلاد، كما ركَّز على إنكار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وجودَ الكيان الصهيوني، وكأن هذا لوناً من ألوان انتهاك الحرية الدينية !!
فيما أشار تقرير وزارة الخارجية الخاص بالحرية الدينية والصادر عام 2003م إلى حدوث تحسن بالنسبة لاحترام الحكومات للحرية الدينية في كل من مصر، وقطر والإمارات العربية المتحدة، ونوه بالإجراءات الأولية التي اتخذتها السلطات السعودية لتشجيع تسامح ديني أعظم في المملكة العربية السعودية.
وفي حالة مصر، التي تصنف بين الدول التي “تهمل مشكلة التمييز ضد الأقلية أو الديانات غير المعتمدة”، فقد أشار التقرير إلى أن هناك احتراما وتسامحا عظيمين  لأقلية مصر القبطية المسيحية.
وقد وجد تقرير عام 2003 تحسنا في احترام الحرية الدينية في قطر أيضا مشيرا إلى أن دولة قطر تبنت دستورا من شأنه توفير حرية العبادة بشكل واضح الأمر الذي  منح عددا من الكنائس الوضع القانوني. وقد أقامت قطر علاقات ديبلوماسية مع الفاتيكان وشاركت في حوار التفاهم الإسلامي المسيحي.
إلا أن التقرير أشار إلى أن الحكومة تضع قيودا قانونية على الدعوة والتبشير وأيضا على نشر واستيراد النصوص الدينية غير الإسلامية. وعلق التقرير أنه لا يوجد موظفون كبار في مناصب حساسة في الأمن القومي من الشيعة بالرغم من وجود أقلية شيعة كبيرة تقدر بين 7 إلى 12 في المئة من عدد السكان.
ولم يجد التقرير تغييرا بالنسبة لوضع الحرية الدينية في المملكة العربية السعودية والتي تصنف على إنها من الدول المعادية للأقليات أو للأديان غير المعتمدة، لكنه نوه بأن الحكومة “بدأت حملة محدودة لتشجيع الاعتدال والتسامح حيال التنوع الديني.”
ومع ذلك، فقد استشهد التقرير “بحالات متكررة استخدم فيها خطباء المساجد الذين تدفع الحكومة مرتباتهم لغة معادية لليهود والمسيحيين في خطبهم بشكل عنيف.”

خالد وليد محمود19 نوفمبر، 20101

لا شك أن الكفاح من أجل الحرية الدينية أو المعتقد الديني  قائم منذ قرون؛ وقد أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة . وعلى الرغم من أن الصراعات حول حرية المعتقد مازالت قائمة إلا أنه يمكن القول بأن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد. وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام 1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن:
“لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره” .
وقد تلى اعتماد هذا الإعلان محاولات عدة لوضع اتفاقية خاصة بالحق في حرية الدين والمعتقد إلا أن كافة تلك المحاولات قد باءت بالفشل.
من هذا المنطلق؛ فإن تأطير هذه المسألة في القوانين الدولية ومنظمات حقوق الانسان كان لها اثراً على واقع الحريات الدينية في المجتمعات العربية والاسلامية وإن كان بشكل متفاوت ، ولم يأت ذلك من فراغ بقدر ما جاء  بسبب الاهتمام بالحريات التي تعرضت وتتعرض  للضغط والتأزيم بين فترة وأخرى ولا زالت مثار نقاش بين النخب والساسة وصناع القرار لتأثيرها على النسيج المجتمعي الداخلي أولاً واستقرار المشهد السياسي – الإجتماعي والثقافي ثانياً.
ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين بدأت الكثير من الدول في العالمين العربي والاسلامي تدرك أهمية هوية الانتماء الديني كقيمة تضيف لاستقرار المجتمع وأن غيابها وشن حروب عليها سيجعلها تنهار  أمام واقع الحاجة الإنسانية وميولها نحو الدين والعبادة والإيمان.و لم يعد الكلام عن حرية المعتقد اليوم مجرد كلام لاهوتي أو كلامي أو فقهي بالمعنى الفرداني؛ فالدين بات يمثل ركيزةً تأسيسية لصياغة وجوه الدول والمجتمعات وان أي خلل في العلاقة بين هذه الدول من جهة والمجتمع والدين من جهة ثانية فإنه يؤسس لقمعية وحشية لا رحمة فيها ولا إنسانية وهذا ما رأيناه وما نراه من تطرف الكثير من الدول في العالمين العربي والإسلامي التي أقصت الروح الدينية وحرية الممارسة للمعتقدات ؛ حتى تحولت إلى دول دكتاتورية وان تلبست لبوس الديمقراطية ،كما دفعت الجماعات الدينية إلى توسط سبل عنفية كرد على مثل هذا الإقصاء.
لذا؛ فإن حقائق الواقع وشرعة ومبادئ حقوق الإنسان وقبل هذا أو ذاك فان الشرائع والرسالات السماوية تؤكد ان الأصل في الاهتمام هو رابط الأخوة في الإنسانية وأن قمع حرية اي عزيز في هذه الأرض هو جريمة نكراء، ومواجهة مثل هذه الجرائم واجب ديني وإنساني.
ومن واقع الحرية الدينية في العالمين العربي والإسلامي يتضح لي كمراقب أن هذه المسألة وهذا الموضوع لا زال يشكل حساسية في الطرح لدى العديد من الدول العربية والاسلامية  ويبدو انها  صارت مثارًا لتوتر في في مجتمعات تلك الدول بخاصة في السنوات الأخيرة، ومثال على ذلك مصر التي تتهمها بعض التقارير الدولية التي تراقب الحريات الدينية في العالم  بـ “اضطهاد المسيحيين، وممارسة التمييز ضد البهائيين، بينما شرطتها تتحرش بمن يترك الإسلام إلى دين آخر، فضلا عن مواصلة حملات الملاحقة والإعتقال بحق أعضاء وقيادات في جماعة الإخوان المسلمين ، ومراقبة خطباء المساجد الحكومية والأهلية ،وهناك مسألة الشيعة في بعض الدول الخليجية وحقوق بعض الأقليات الدينية..الخ. فمثلا جاءت كل من مصر والجزائر والأردن وإيران في مقدمة الدول الإسلامية التي اتهمتها وزارة الخارجية الأمريكية بانتهاك الحريات الدينية في تقريرها الذي أصدرته بعنوان “الحريات الدينية حول العالم” للعام ٢٠٠٨، وأشادت فيه بكل من السعودية والعراق وأفغانستان والكويت..الا أن هناك من يعتقد أن مثل هذه التقارير التي تصدر عن مؤسسات حكومية أو منظمات دولية ترتفع حرارتها وتنخفض طبقا لحالة العلاقات مع العواصم التي تعنيها تلك التقارير.
ربما يعتقد البعض أن طبيعة المجتمعات العربية والإسلامية المتنوعة وتكويناتها سمحت عبر التاريخ بتأسيس قواعد وسلوكيات مشتركة اعتاد الناس على احترامها والتقيد بها، وفي مقدمتها احترام الآخر مهما كان معتقده ودينه؛ولكن من المؤكد أن سماحة الإسلام كدين في الدول العربية والاسلامية ساهم في بروز خاصية احترام التعدد وحرية الاعتقاد؛ لأن طبيعة الإسلام المتسامحة كانت تعطي الآخر غير المسلم حرية التعبير عن كينونته دون إكراه ولا تضييق.
ولكن اليوم وبعد أن فقد  الدين قداسته لصالح المشاريع الطائفية والعنصرية في بعض من المجتمعات العربية والاسلامية ، انحدر الكثير من الناس المسلمين والعرب من برج الدين إلى حضيض الطائفة وتلبستهم أفكارها الجامدة والضيقة، باتوا  يتقوقعون في حدود الطائفة ويرون كل من هو خارج عنها بمنظار التكفير والارتداد عن الملة، وهذا يرجع إلى ما يتركه زعماء الأديان ودعاتها في نفوس أتباعهم من تعاليم تزرع الحقد وعدم قبول الآخر؛ وهو ما ادى إلى استعمال أشد أنواع العنف والإكراه لحمل الآخر على الدخول في دينهم أو مذهبهم مما تسبب في وردة فعل الكثير من الناس  وكان لها ارتدادات و تداعيات سلبية على النسيج المجتعمي الداخلي للدول.
بلا شك أن  حرية المعتقد صانها الاسلام وكذلك الديانات السماوية الأخرى  إلا ما كان منها منافياً لكرامة الانسان وكرامة العقل.وكان لحرية المعتقد وحرية الممارسة للشعائر الدينية أثر كبير في ارساء الأدبيات المتعلقة بها والتي كفلها الاسلام ، اذ أقر الأخير حرية الاعتقاد وترك لكل فرد الحرية في اختيار عقيدته بناء على ما يصل اليه عقله ونظره الصحيح وذلك أن الاسلام جعل أساس التوحيد والأيمان البحث والنظر ، لا القهر والإلجاء، ولا المحاكاه والتقليد ، وكما هو معروف فقد جعل الإسلام لغير المسلمين الحرية التامة  في إقامة شعائرهم الدينية في كنائسهم ومعابدهم حيث أنه أباح للنصارى أن يقيموا الكنائس ويظهروا الصلبان ويسيروا بها في المواكب..الخ.
ولأن الحرية الدينية لا تتقيد إلا بما تفرضه الحقوق والحريات الأساسية للغير، فإن هذا المبدأ ينسجم مع المنطق فالحريات الفردية لا تتقيد إلا بالنظام العام وبما تقتضيه حريات الآخرين.
وعود على بدء أقول: بأن واقع حرية المعتقد في بعض المجتمعات العربية والاسلامية لازالت أسيرة لعقلية ضيقة ، تتنازعها المصالح أحياناً والأجندات الخاصة أحايين أخرى ، البعض حاول التعامل مع هذه المسألة ونجح والبعض الآخر لا زال يستخدمها كوسيلة لتحقيق مآرب والحفاظ على مكاسب ، و قد باتت الحريات الدينية والمعتقدية لدى الدول العربية والاسلامية  كلمات حق يراد بها باطل وسلاحا  من جهة تبتز به شعوبها  ومن جهة أخرى تحاول من خلاله التقرب للغرب والمنظمات الحقوقية الدولية  بالإقدام على تغييرات سطحية لا تنفذ إلى عمق المشاكل، ويظل المواطن في تلك المجتمعات  أسيراً بين الإثنين على خط النار مما ينسيه أن حرية الدين والمعتقد  تُعَدّ في الأساس من صميم حقوقه الفردية شديدة الالتصاق بالإنسان وبطبيعته وكرامته !

peshwazarabic19 نوفمبر، 20100

في بداية حياتي، وأنا، على مقاعد الدراسة. ما زلت أذكر اول كلمة لمفهوم الحرية التي عرفتها في نطاق عائلتي .
سالت والدي سؤالا ،إلى اليوم ما زال حاضرا في ذاكرتي .
سألته: أبي كيف نفهم القرآن الكريم؟ ونحن  نخضع في قراءته لتفسيرات  مختلفة ، تفسيرات أهل السنة، وتفسيرات أ هل الشيعة ،وكل منها يفهم، ويشرح القرآن ،بمنظوره الخاص ؟.
أجابني ببساطة : عندما تقرأين  القرآن ، فكري! ما يقبله عقلك خذيه ! وما يرفضه عقلك ارفضيه ! !.
ومن يومها، إلى اليوم .لم افهم، لماذ هذا الخلاف، المهين حول لله،و حول وجوده وفكرته، كونه، منزّلا للديانات السماوية الثلاث .
الحياةُ اجملٌ، من أن نناطح صخورها الصماء،  التي لم تجرفها التغييرات التي حدثت على سطح الارض، سواء هزات علمية أو هزات أرضيه .
ولكن، هزة الحب ،التي انفجرت في داخلي، قادتني، إلى اكثر من سؤال وإلى أكثر من صدمة .!
الزواج ،من رجل غريب: بعيد عن مجتمعي وطائفتي.
وقائع حقيقية :
في مدينة جبلة بتاريخ 25آب1986. قصدت، مع ولي امري ،انا البالغة العاقلة،الراشدة، ومع من أخترته بكامل ارادتي، إلى القاضي الشرعي، في مدينة ” جبلة” -مدينة تقع على الساحل السوري – لاتمام عقد الزواج ولكن القاضي، رفض اتمام العقد، لاسباب لم يعلن عنها.!
وباعتقادي، أن  القاضي ، بموروثه الديني وبفطرته الداخلية ،رفض هذا الزواج . وهكذا لم يكتمل العقد ، بسبب أختلاف الانتماء الطائفي . إذ لم يكن هناك اي خلل في شروط عقد الزواج .
حزن والدي ، وكانت له اسبابه، افهمها ،اليوم وأشعر بها .
المشاعر العظيمة لا تكون إلا من إنسان عظيم ، ترفع عن موروثه الديني وتجاوز الطائفة، والمذهب، ليبارك زواجي برجل من طائفة أخرى.
قالي لي: لا تخافي سنذهب إلى اللاذقية .
في اللاذقية ،قابلنا القاضي الشرعي ،مع كافة الاوراق الثبوتية والشهود .
والمفأجاة الكبرى أن القاضي، كان من طائفة اخرى أي  من طائفة زوجي “- بعكس الطائفة التي ينتمي إليها قاضي جبلة، وهي- طائفتي-، وهذا ما ساهم في تسهيل ا لأمور ،التي تعقدت في جبلة.
وعلى باب القصر العدلي في مدينة اللاذقية، أخذني أبي بين ذراعيه، وقال لنا:أرجو من الله أن يكون زواجا كنسيا .. !!
ضحكنا وبكينا، فالحب طار بنا، فوق الطوائف، ومن فوقٍِِِ ننظر إليها بعيون ابي الذي ترفع عنها، وقال: “الطائفية ستموت يوما ما” .. !!
الدين خّناق الحب :
اسئلة كثيرة بدأت تنهال عليّ!!
لماذا الزواج من رجل من غير طائفتك؟
الم تجدي في كل رجال الطائفة من يصلح زوجا لك؟
وأصبحتُ مثلا تضربٌ به الأمثال، ويشار له بالبنان  “اللي ما بياخد من “ملتو بيموت بعلتو ”
وطبعا هذا من امثال العامة يستخدمونه في حياتهم اليومية، لمن يعتبرونه  قد خرج ،على رأيهم ومذهبهم. !
فرحنا بالاولاد ، وبالحب الذي لا يزال يقف على قدميه، وما زلت أذكر المواجهة التي تعرض لها أهلي، وكانت أجاباتهم كحد السيف ،والاسئلة التي لا تنقطع الموجهة لأهلي ، ألم تجدوا غير هذا”السني تزوجوه لأبنتكم.”
وكا ن الجواب دائما :
” افضل ما في هذا الرجل إنه سني ّ”.
وللصدق والحقيقة ، خلال سنوات حياتي، التي قضيتها ،وانجبت فيها الاولاد لم يكن الدين، رابطا مهما في علاقتنا ، لم نتعرف إليه كفكرة تفرقنا.
ديٌننا ، الحب والتفاهم، وحتى في ساعات الخلافات المتوقعة بين الزوجين لم يكن احدنا يتطرق إلى دين الاخر .
ولقد كان “أبن عربي “عزائي في حياتي، تعلمت منه الحب كما تعلمته من أبي الذي كان يردد دائما ،وما زلتُ من بعده ارددُ :
‏ “أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني‏ .”
لقد عشنا حياة متقلبة في محيطنا .كنا بين طرفي طائفتين، لا تحملان غير ، التخلف الفكري، ولم ينجو أولادي من ثقل هذا الموروث.
كانوا، لا يفهمون، الاجابة عن أسئلة توجه إليهم، من الاصدقاء والزوار والمعارف :
هل أنت سني؟
أم علويّ؟
وهكذا مضت حياتي بين أولادي والمجتمع ،كفراشة كلما اقتربت من الناس احترقت  .ولكنني كنت أقوي نفسي ، وأقول: زوجي “سني” وأنا “علوية” وهذا لا يفسد للحب قضية.
الفتح الجديد :
هنا في نيوزلندة، وجدت الطائفية على أشدها، وكم كانت رحيمة  في سورية، تجاه العرب والمسلمين ،المهاجرين ، من مختلف الدول .خليط بائس،من عقول واجساد، حملت كل مصائبها، و حطت رحالها في بلاد الفتح الجديد، “بلاد الصليبين” كما يسمونها ،ويعتبرون، ما يتقاضونه، من حقوق ومنافع حقٌ لهم “كالجزية “التي كان يدفعها النصارى في زمن الرسول.
هنا وجدنا الغربة الحقيقة ،في نيوزلندة . الغربة الاجتماعية. فالعرب منقسمون على ذواتهم .كل حسب طائفته. وباعتقاده ،انه يحافظ على ثقافتة ومعتقداته في التماسك الطائفئ ، فالشيعة لهم نظامهم، والسنة، ايضا لهم نظامهم وكل منهما حريص ان يبتعد عن الآخر وان لا يتشاركا في ما وحّد الله ويجمع بين البشر من صيام وصوم وصلاة وكل انواع العبادة وكأنهم على” مبدا فرق تسد” .
ولم يكن هذا حصرا ، على المسلمين وحدهم ،وإنما الجاليةالمسيحية أيضا بكل طوائفها .!
ما زلت، مع عائلتي الصغيرة، غير قادرة على الانسجام مع كلا الطرفين وللحق يقال هم بيعدون عنا، ولايريدون، الأقتراب منا ،او التقرب إلينا .
ما أحوجنا اليوم الى “ابن عربي” . ما أحوجنا إلى رسالتة الانسانية الخالدة التي حملها من الاندلس. وطار بها  فوق السحاب، والبشر، ليوزع الحب على القلوب .
ما احوجك أيتها ،ا لاديان المتفرقة ،أن تنشدي مع ابن عربي اجمل ما قالته البشرية :
“وقد صار قلبي قابلاً كل ملة فمرعى لغزلان ودير لرهبان‏ ”
“وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن‏ ”
الطيران، فوق الاديان والطوائف والمعتقدات،هو، حلم الطيور، ايضا تذهبُ جماعات ،وتعود جماعات، في هجرتها، صيفا وشتاء وربيعا . لا يهمها إلا، العلو. هذا العلو، الذي اراه في الخالق الاعلى ،الذي أعلم أولادي ، الارتفاع ،والسمو إليه .!
المنفى ضياع حقيقي ،ضياع للهوية ، وللانتماء فنحن في نظر السكان الاصليون مهاجرون وبحسب الجاليات ، المسلمة،وغير المسلمة ، غرباء عنها .!!
وهكذا خلقت لنا الهجرة، ضياعا مزدوجا.
ما زالت الروح، في داخلي تصعد إلى  السماء. تخاطب ربا واحدا لأديان عدة ،ومتعددة ،ومتفرقة .!!
حريتي طائرٌ منتوف الريش، سقط بأحلامه على أرض الواقع ليجد نفسه حائرا في زحف هائل من الأفكار والمعتقدات البالية التي تسيطر على الحياة وتسيّرها .
حريتي، حلمٌ قاصرٌ، لأنني لا أملك الاجابة على سؤال حقيقي يطرح عليّ : امي .. امي  أنا سني ّ ؟أم علوي ؟
اضحك واضحك .. وأجيبه لك أن تختار يا بني .. !!
فالاجابة  مستحيلة ، وقد تكون كاذبة أما م ما يتجلى اليوم في حال واقعنا العربي ، من مناحرات  طائفية وعنصرية وحتى عرقية تمتد من لبنان إلى سورية إلى العراق . !!
مهما علمنا أولادنا الطيران، ومهما علونا، وسمونا، لابد أن نسقط على صخرة أسمها “الدين” وما يتفرع عنه من شقاق ونفاق في مجتمعاتنا العربية منها والاسلامية .
ما أحوجنا اليوم، الى  الشعور، باهمية الحب ،في الاديان .
باطنها واحد، وظاهرها واحد،ولكن، فرقة ، النفوس، والعقول، اخذتنا في مهاوي التفرقة والطائفية .
.وما زلت أومن بان الدين هو” افيون الشعوب” ولا بد علينا أن نتخلص من هذا المرض ونداويه بالحب  ، بالحب الانساني!
أحلامي ترفرف ،عاليا ،عاليا ،واحمل صغاري على ظهري ارفف بهما في الفضاء .
طائرٌ انا لا أجد دينا للهبوط إليه .!!
وفي نهاية المطاف والحب يملؤني ، اشعر بانني على مدار حياتي، تحررت من عبء  الدين، ومن عبء الشعور بالزواج من رجل من غير طائفتي .
اشعر انني اقرب الى الله ،وروح الدين، التي تتمثل بابن عربي.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018