عبد العظيم محمود حنفي

peshwazarabic16 نوفمبر، 20100

يرى بعض الرأي أنه رغم ما تمثله السودان من أهمية حيوية للأمن الوطني المصري، سواء فيما يتعلق بحماية كامل الجناح الجنوبي لمصر، وسواء فيما يتعلق بالمصالح المائية المصرية، إلا أن مصر فيما يبدو قد تجاهلت السعي لإيجاد حل لمشكلة الجنوب السوداني إما من قبيل الحذر، أو لأن السياسة المصرية قد حيل بينها وبين القيام بدور هذا المجال من جانب قوى سودانية أو من جانب قوي إقليمية ودولية. لقد كان التعامل المصري مع مشكلة جنوب السودان يسيطر عليه الحذر إلى حد كبير ذلك أن التدخل المباشر قد تكون عواقبه أسوأ بكثير من التزام الحياد، ثم إن التزام الحياد قد يسفر عن إضرار بالأمن الوطني المصري ربما لا يمكن تفاديه. وإزاء ذلك لجأت مصر إلى استخدام أسلوب الدبلوماسية الهادئة في سعي منها للحفاظ على علاقتها مع كل القوي الفاعلة في السودان والعمل على تعزيزها، وقد كان هذا أمراً صعب المنال إزاء اضطراب خريطة القوى السياسية السودانية وتغير مواقعها من وقت لآخر. ولذا فإن الدور المصري لتسوية مشكلة جنوب السودان ظل محدودا إما تهوينا من شأن هذه المشكلة عندما اندلعت عام 1955، أو ربما يكون انفجار هذه المشكلة عامل ضغط على السودان لتقرر مصيرها بالوحدة مع مصر بدل الاستقلال. وقد يكون تردد السياسة المصرية في التدخل لتسوية مشكلة جنوب السودان راجعا إلى أن التدخل المصري قد يؤدي إلى بزوغ الحساسيات التاريخية بين الشعبين بما يسمح لقوى داخلية سودانية مناوئة لمصر الاستفادة منها في اللعبة السياسية الداخلية. وقد تواكب هذا وذاك مع عدم رغبة الحكومات السودانية المتعاقبة في قيام مصر بدور فاعل في تسوية مشكلة الجنوب قد يزعزع مركزها أمام بعض القوي الداخلية المناوئة لأي دور مصري في السودان.
أن الناظر للمراحل للتعامل مع مشكلة الجنوب السوداني , يجد أنه طغت على الفكر السياسي المصري تجاه السودان مدرستان:
المدرسة الأولى: ترى أن السودان غير المستقر أفضل بكثير بالنسبة للأمن الوطني المصري بحكم أنها ستظل منشغلة بقضاياها الداخلية، عاجزة عن ممارسة ضغوط على مصر لتعديل حصص المياه الواردة في اتفاقية مياه النيل لعام 1959، بل وعاجزة عن تسخير مواردها الطبيعية والبشرية بشكل لا يجعل منها قوة تهدد الأمن الوطني المصري.
المدرسة الثانية: ترى أن السودان القوية المعافاة يمكن أن تشكل رصيدا استراتيجيا لمصر، وأن ضعفها، وسيادة حالة عدم الاستقرار فيها يمكن أن يسفر عن تفتيتها،، بشكل يهدد الأمن الوطني المصري، وترى هذه المدرسة أن منطق التكامل بين الدولتين يمكن أن يكون مصدر قوة لكل منهما،. أن السياسة المصرية تفضل اللجوء إلى مقتربات المدرسة الثانية. إلا أن تطورات مضادة لهذا الإتجاه برزت مع تردي العلاقات بين البلدين خلال الفترة ما بين 1985 – 2003 نتيجة توجهات وممارسات النظم الحاكمة في السوادن خلال تلك الفترة حيث اتجهت السلطة السودانية الحاكمة لتوطيد علاقاتها مع دول كانت على عداء لمصر آنذاك والبحث عن التحالف مع دول أخري لموازنة الدور المصري أو لتقويضه في حوض نهر النيل، كما قامت وبالتوازي مع ذلك بتدمير عملية التكامل، وعملت على فتح ملف الحدود، ومياه النيل بين الدولتين مرة أخري في نفس الوقت الذي كان الجيش الشعبي لتحرير السودان قد تمكن من تدمير ما تم إنشاؤه في قناة جونجلي، وهكذا تحالف كل من حزب الأمة والجنوبيين بطريقة غير مباشرة في تخريب ما تم إنجازه من مرحلة التكامل بين البلدين، دونما سعي من جانبهما لحل مشكلة الجنوب.
وتقود الاتفاقات التي عقدت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان
(الاتفاق الإطاري ماشاكوس 20 يوليو 2002 واتفاق الترتيبات الأمنية 25 سبتمبر 2003 واتفاق تقاسم الثروة 7 يناير2004، واتفاق تقاسم السلطة 26مايو2004 وبروتوكول تسوية الصراع في ولايات جنوبي كردفان والنيل الأزرق 26 مايو 2004وبروتوكول تسوية الصراع في منطقة ابيي 26 مايو2004، واتفاق الأمن والوقف الدائم لإطلاق النار، وترتيبات الفترة قبل الانتقالية، والانتقالية 21 ديسمبر2004 وأخيرا الاتفاق الشامل للسلام في31ديسمبر 2004) إلى أحد البدائل الثلاثة الآتية
البديل الأول : قيام دولة سودانية اتحادية عربية أفريقية
وهذا هو البديل المفضل، الذي يمكن أن يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل أبناء السودان على اختلاف معتقداتهم، وإثنياتهم، وأقاليمهم، ومن شأنه أن يحقق إجماعا وطنيا سودانيا من جهة، ويدفع بالعلاقات المصرية/ السودانية قدما في إطار من الندية والمساواة لأنه يمكن أن يخدم ويحافظ على المصالح الاستراتيجية لمصر في السودان، و بشكل يمكن أن يزيل الحساسيات التاريخية المترسبة لدى بعض فئات الشعب السوداني والمتمثلة في الخوف من هيمنة مصرية ” متوهمة ” على أقدار السودان. إلا أن هذا البديل المفضل يصعب تحقيقه في المستقبل المنظور.
البديل الثاني : انفصال جنوب السودان
ويساند هذا البديل سيطرة الحركة الشعبية على معظم أراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها إلى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الإفريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولايات المتحدة، ثم إن اتفاق ماشاكوس واتفاق نيفاشا قد كرسا هذا الوضع الانفصالي على طول الفترة الانتقالية.
إن خيار الانفصال – فيما لو تم – سيكون له آثار سيئة على المصالح الاستراتيجية المصرية، ولكن ليس بالصورة الخطيرة التي يروجها البعض، ذلك أن النيل الأزرق الذي يزود مصر بنحو 82% من احتياجاتها المائية لا يمر بجنوب السودان وبالتالي سيظل بعيدا عن التحكم في تدفقاته، و حتي النيل الأبيض والذي يزود مصر بالنسبة المتبقية يصعب بحال إقامة منشآت فيه تمنع تدفق مياهه إلى شمال السودان ومصر وإلا سيغرق الجنوب كلية، إضافة إلى انتشار المستنقعات الضخمة فيه. غير أن انفصال الجنوب لايعني بحال عدم الإضرار بالمصالح الاستراتيجية لمصر ذلك لأنه لا يعني انتهاء حالة الصراع بين الدولة الجنوبية “الأفريقية ” والدولة الشمالية العربية ” بشكل يدفع مصر إلى مساندة الشمال، والدول الأفريقية إلى مساندة الجنوب بشكل يؤدي إلى تدهور العلاقات المصرية مع دول حوض النيل.
البديل الثالث : قيام دولة سودانية ذات هوية أفريقية
وهذا هو البديل الأسوأ، الذي تتجه إليه السودان ويلقي ترحيبا من دول جوار جنوب السودان و من قبل الإدارة الامريكية.
© منبر الحرية، 15 يونيو/حزيران 2009

peshwazarabic16 نوفمبر، 20101

“جان جاك روسو”  من المفكرين الأحرار الأفذاذ دعاة الحق والعدالة وانتصار الحرية والمساواة والتآخي بين الشعوب.
يتوخى ” روسو” إرساء أسس الحياة السليمة التي تبنى عليها الأوضاع الاجتماعية في أي مجتمع ويستند في ذلك إلى قضية لا تخلو من خطورة وأهمية، فيرى أننا لا نستطيع أن نحدد طبيعة المجتمع إلا إذا تعمقنا في نظمه السياسية، فكأننا نستشف طبيعة الشعب من طبيعة نظام الحكم الذي ارتضاه. ويستبعد ” روسو ” من البداية قيام المجتمعات على أساس القوة والبطش، سواء اتخذ ذلك شكلا مسالما أم انبرى بحد السيف. ولئن قامت حكومات في غضون التاريخ على أساس القوة والعنف والبطش، ولئن كانت هنالك حكومات ما برحت مستندة إلى هذا الأساس، فإن هذا كله لا يبرر القوة ولا يصبغها بصبغة المشروعية. فالقوة لا يمكن أن تكون مصدرا للحق وإذا حدث وانبثق الحق من القوة فهو منعدم في عين اللحظة التي ينبثق فيها.
إننا لو تساءلنا من زاوية النظر الفلسفي البحت: هل يمكن أن تكون القوة دعامة للحق؟ وهل يلزم أن نسلم بذلك  تحت وطأة بعض الملابسات الواقعية، أم أن ننظر للأمن من زاوية الكرامة الإنسانية؟ إننا لو تساءلنا على هذا النحو لأتانا الجواب قاطعا حاسما: إن كرامة الإنسان في حريته، وفي قيام الحق على أساس القوة سلب لحرية الإنسان، وإهدار لكرامته. فثمة تنافر بالطبع بين الحق والقوة رغم قسوة التجارب التاريخية.
والتجربة التاريخية لا تعني “روسو” بقدر ما يعنيه إرساء الأساس الأخلاقي الراسخ للحياة الإنسانية. وهنا يمكننا أن نربط بين موقف “روسو ” من الحق، وبين موقف الفيلسوف الألماني “امانويل كانط ” من الواجب، فالواجب لذاته هو غاية الفعل الأخلاقي في نظر ” كانط “، وهو أمر عام مطلق لا يتعلق بغرض ولا يرتبط بمنفعة ولا يرتهن بملابسات قائمة بالفعل. والإنسان في أدائه للواجب يشرع لنفسه وللإنسانية قاطبة في آن واحد. كذلك ينظر “روسو”  للحق من حيث هو على إطلاقه، وعلى هذا فالمجتمع المدني ينهض على أساس الحق، فهو ثمرة التراضي الحر بين الناس. والناس في الحالة الطبيعية الأولى يستقل كل منهم بذاته ويعول عليها، فيكون هناك ذوات فردية لا تنصهر في ذات عامة، وحينئذ يبذل كل منهم جهودا مضنية لافتقاره للتعاون مع غيره. فهي حالة ميئوس منها والمصير الحتمي فيها للإنسان تبدد طاقاته وهلاكه. فنهضة المجتمع وتطوره مرهون بتضامن الأفراد وتكاملهم، وحينئذ يكفل المجتمع لأعضائه القدرة على مواجهة أعباء الحياة. فالمجتمع المدني شرط لابد منه لتحقيق السعادة والرفاهية.
ولما كان إحساس الفرد بالحرية شرطا أساسيا لسعادته، فكيف يمكن التوفيق بين أفراد تختلف ميولهم ومشاربهم، ورغباتهم، وتعدد آمالهم وتتنوع اهتماماتهم بحيث يجمعهم إطار واحد تتوالى عليهم فيه واجبات والتزامات لم يألفوها من قبل، وحتى تتناغم هذه الواجبات والالتزامات مع الحق الطبيعي لكل فرد في أن يعيش حرا، فالمشكلة الأولى في المجتمع السياسي هي مشكلة المواءمة بين الفرد من جانب والجماعة من جانب آخر .. فهناك – دون ما ريب – ارتباط بين السلطة الحاكمة وبين حرية الفرد. وعلى ضوء هذا الوضع للمشكلة  يتساءل “روسو”: كيف يمكن أن نصل إلى صورة من التوافق الاجتماعي تتكتل في إطارها قوى الجماعة من أجل حماية حقوق الأفراد وحقوق الجماعة معا وفي آن واحد، من حيث أن هذه الأخيرة تعكس الوعي العام المشترك بين أعضائها؟ بعبارة أخرى: كيف يمكن أن تذوب شخصية الفرد كفرد في شخصية الجماعة، بحيث يحس الفرد بأن حقوقه مصانة وحريته مكفولة؟ وإجابة “روسو”  على هذا واضحة: ليس في الوسع أن ينهض مجتمع في هذا الإطار إلا على أساس الرضى والقبول أعني أساس العقد الاجتماعي.
فالعقد الاجتماعي – وإن يكن فرضا نظريا بحتا – له دلالاته العميقة في تفسير الأساس الذي تنهض عليه العلاقات المعقدة بين الناس، فلابد أن يكون هذا الأساس تراضيا وقبولا، لا قسرا وقهرا، حقا لا قوة. فالعقد الاجتماعي هنا أشبه برمز يتوسل به   “روسو ” ليبرز التصور الأساسي الذي تنضج من خلاله طبيعة المجتمع المدني، من حيث كون هذا  المجتمع ثمرة إرادة أصحابه.
فلكي يكون هناك حكم يلزم أن يكون هناك قانون يطاع. ولكي يطاع القانون ينبغي أن يكون محققا لإرادة المجموع، ومعنى هذا أن يكون في طاعة الناس للقانون رضوخ لحكم إرادتهم. فالقانون من ثم يعزز الاختيار والحرية ويستنكر القوة والتعسف. إن القانون على هذا الاعتبار هو صوت الإرادة العامة. وهذه الإرادة العامة هي دعامة السيادة. إن لكل فرد من أفراد المجتمع إرادته وحريته وهم يختلفون ويتباينون ولكنهم يلتقون عند أمر واحد: فهم يودون جميعا أن يحكموا حكما عادلا يحقق لهم الكرامة ويكفل لهم العزة ويؤكد لهم المساواة. ولا يمكن أن يأتي الحكم على هذا الوجه إلا إذا كان وليد إرادة المجموع الحرة.
والسيادة هي ممارسة الإرادة العامة للحكم ورسم خطوطه العامة وتخطيط أهدافه وينجم عن ذلك نتيجتان متلازمتان: أولاهما: أن السيادة للشعب بأسره، فلا يمكن أن تكون لفرد أو جماعة بل تتمثل في الأمة كلها. وثانيهما: أن سلطة السيادة لا تختص برعايتها أشخاصا معينين بل تنصب عنايتها على المصلحة العامة التي تهم المواطنين جميعا.
ومشروعية السلطة السياسية مستمدة من كونها مستندة إلى قاعدة السيادة الشعبية. فمشروعية السلطة تنهض على انبثاقها من الشعب واستهدافها خيره وسعادته. ومن أجل إبراز هذه الفكرة كتب “روسو ” ما كتب فأرسى أساس الديمقراطية الصحيحة.
‎© منبر الحرية،29 أكتوبر/تشرين الأول 2010

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

إذا كان الشيخ محمد عبده قد غرس بذور التوفيق بين الإسلام ومبادئ الحضارة الحديثة وفي قلبها الحرية،فانه لم يكن يرى أن هناك تعارضا خطيرا بينهما، وعلى فرض وجود تعارض فالواجب إتباع مبادئ الإسلام،ولكن بفتحه باب الاجتهاد أوجد جيلا من أتباعه ومريديه بالغوا في فهم هذا المبدأ وفي إتباع الحضارة الحديثة. وتلاميذ الشيخ محمد عبده اتجهوا اتجاهين : اتجاه يرمي إلى زيادة التقيد بالحضارة الحديثة، ويتمثل في قاسم أمين ولطفي السيد وأمثالهما، واتجاه ثان يهدف إلى الإصلاح داخل إطار المبادئ الإسلامية، ويتمثل هذا الاتجاه في أمثال الشيخ رشيد رضا والشيخ علي عبد الرازق. وكان أصحاب هذا الاتجاه يرون أن الخلافة خير ضمان لجميع أنواع الإصلاح في دائرة قواعد الشريعة الإسلامية بشرط أن يكون الاجتهاد هو المؤهل للخلافة ، وأما الاتجاه الأول فيعتبر الأساس الذي بنيت عليه فكرة القومية المصرية،فالمثال الليبرالي الأوربي هو الذي ألهم في  هذه الفترة نفسها طلائع الفكر الاجتماعي الحر المتمثل في أعمال قاسم أمين وكتابه الفذ ” تحرير المرأة “، وهذا المثال هو الذي ولد النزعة الليبرالية التي عبر عنها في الفترة التالية لانسحاب الدولة العثمانية المفكر المصري الرائد أحمد لطفي السيد، وهو إمام الليبراليين نظرا لما امتاز به من وضع دقيق لمسألة الحرية والحريات في إطار منظومة شاملة للمجتمع والدولة والاقتصاد، وهو القائل “خلقت نفوسنا حرة، طبعها الله على الحرية ، فحريتنا هي نحن، هي ذاتنا ومقوم ذاتنا، هي معنى أن الإنسان إنسان، وما حريتنا إلا وجودنا، وما وجودنا إلا الحرية”. وإيمان أحمد لطفي السيد بحق الخلاف والاختلاف، فقد كان شعار جريدته ” الجريدة ” كلمة للفيلسوف الأندلسي” ابن حزم ” وهو من قرائه في مسائل الأخلاق والعقائد واختلاف الطوائف والعبادات . وكان” ابن حزم”  يقول : ” من حقق النظر وراضى نفسه على السكون إلى الحقائق إن ألمتها أول صدمة، كان اغتباطه بذم الناس إياه أشد وأكبرهم من مدحهم إياه”. وهكذا مثلت الحرية في الثقافة العربية رغبة عارمة وحاجة حيوية ومطلبا رئيسيا وشعارا قويا يرفعه على وجه الخصوص تيار “لفكر الحر” وتيار “الاستقلال الوطني” على حد سواء ولدت قوة الدعوة إليها –أفرادا وجماعات وأحزابا- ” قطيعة ” مع أحوال الماضي و”غاية ” منشودة للحياة والمستقبل. ومع أن تلاميذ الشيخ محمد عبده تياران، فإن هذين التيارين لم يسيروا في اتجاهين متعاكسين تماما، فان مصطفي  كامل مثلا مع انه كان يعتقد أن سر قوة الأمم هو الوطنية إلا انه كان يدعو في الوقت نفسه إلى خلافة إسلامية صالحة، فهو بذلك يتجه الاتجاهين المتقدمين في آن واحد.
ومما يلاحظ أن الحركة في عهد مصطفى كامل وأتباعه الأولين كانت مقصورة على نخبة من المثقفين، أما حينما انتقلت القيادة إلى سعد زغلول وأنصاره أصبحت الحركة شعبية عامة وسياسية الغرض منها التحرر والاستقلال لمصر، من غير تفكير في النظريات العامة. لذلك كانت وحدة التفكير عند سعد هي مصر واستقلالها غير أن سعدا في بادئ حياته السياسية كان متأثرا بآراء الشيخ محمد عبده، إذ كان يرى أن الاستقلال لا يتأتى إلا بإصلاح النظم القانونية والتربوية.
أما رشيد رضا فقد كان يرى أن القضية العامة لرفع مستوى المسلمين هي الوحدة، فالأتراك في نظره كانوا يمثلون القوة السياسية، كما كان العرب يتمسكون بالروح الحقيقية للإسلام. ومراده بالوحدة وحدة القلوب والعقيدة، ولو اختلف الجنس، والمسلمون كافة لا يمكن أن يجتمعوا على ضلال .
كما دعا إلى الوحدة بين الشيعة وأهل السنة، ورأى أن حصر الخلافة في سلطان تركيا أمر دعت إليه الضرورة بصفة مؤقته أي إلى أن يحين الوقت الذي تجتمع فيه كلمة المسلمين على اختيار من هو أصلح بدرجة اجتهاده للخلافة. وحبذا لو كان قرشيا فيعيد مجد العرب من جديد. ولكن القومية لم تكن تطورا مباشرا لهذه الفكرة، بل إن الضرورات والظروف وانحلال الدولة العثمانية والثورة ضد الاستعمار الأوروبى والصهيونية كل هذه دعت إلى إقامة وحدة قومية أعم من الوحدة الدينية . إن القومية العربية مدينة بأصولها إلى عبد الرحمن الكواكبي أكثر من أية شخصية أخرى، ففي كتابه “أم القرى “شرح نظرية تدهور المجتمع الإسلامي لأسباب تشبه تلك التي أدلى بها جمال الدين ومحمد عبده، غير أنه أتى فيها بشيء جديد هو أن الدولة العادلة المنشودة هي تلك التي يشعر فيها الفرد بأنه حر في خدمته للجماعة، وبأن الحكومة مسئولة عن حماية هذه الحرية أمام الشعب، وهذه هي المبادئ الصحيحة للمجتمع الإسلامي، لا تلك المبادئ التي كانت تسوده في عهد الدولة العثمانية من الاستبداد وكبت الحريات.
والعرب وحدهم –في نظر الكواكبي –هم الذين يستطيعون إعادة مجد الإسلام لأنهم في منطقة وسطى بالنسبة للعالم الإسلامي ولأن إسلام العرب خلا من البدع التي شابته في عهد الدولة العثمانية، ولأن المجتمعات البدوية خالية من التدهور الخلقي والسلبية أمام الاستبداد، ولأن اللغة العربية هي الوعاء الذي صبت فيه المبادئ الإسلامية، فهذه خطوة نحو القومية العربية من جهة، ومن جهة أخرى فإن الطوائف المسيحية الشرقية في الهلال الخصيب بدأت تصبغ كنائسها بالصبغة العربية مقاومة بذلك مطارنتها الأروام .
وهناك سبب أخر لوجود فكرة القومية العربية هو أنها ظهرت كرد فعل لمغالاة الشبيبة العثمانية في عثمنة النظم في مراكز القوة والحكم، ولظهور القوميات الأخرى في هذه الدولة المتداعية مثل القومية الأرمينية والكردية. وقد نمت فكرة القومية العربية أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، ولابد من  ذكر   ثلاثة  من المفكرين هم : عبد الرحمن البزاز الذي يرى أن الإسلام الحقيقي يتصل بالصبغة العربية لا العكس، وبالتالي فالإسلام هو القومية العربية ، وقسطنطين زريق الذي يعتقد انه يجب فهم الإسلام بوصفه روحا دينية لا عصبية طائفية، واعتباره حضارة يتساوى فيها المسيحي والمسلم، وساطع الحصري الذي هو أكثر من توسع في تحديد معنى الأمة العربية، والعرب في رأيه هم من يتكلمون العربية ويشتركون في ماض واحد.
© منبر الحرية ، 25 ماي /أيار2010

peshwazarabic11 نوفمبر، 20100

لا تزال الأفكار الخاصة بحقوق الإنسان، وتطوراتها المتعددة، تلاقي ضروباً مختلفة من اللامبالاة، أو الفهم المنقوص، أو الوعي المغلوط والمبتسر في قطاعات واسعة من المواطنين في المنطقة العربية، وربما يرجع ذلك إلى أن منظمات حقوق الإنسان، تركز دائماً على الانتهاكات الجسيمة للحقوق السياسية، وهي أمور تهم الصفوة السياسية المعارضة في البلاد، أكثر من القطاعات الشعبية، التي تركز غالب اهتماماتها على أمور الحياة اليومية ومشاكلها وضغوطها المتعددة. وهناك أسباب أخرى تركز على بعض الجوانب الهيكلية التي تواجه دعاوى حقوق الإنسان، وخاصة في ظل المرحلة الراهنة في التطور السياسي في المنطقة العربية، ولاسيما في ظل تفاقم المشكلات الاقتصادية – الاجتماعية وتفجر العنف الاجتماعي والسياسي ذي الأقنعة الدينية، وتبلور اتجاهات سياسية- دينية يطرح بعضها مجموعة من التصورات والمفاهيم التي قد تشكل في نظر دعاة حقوق الإنسان موقفاً مضاداً لهذه الحركة العالمية الإنسانية.
ما هي المصادر التي تقاوم نظام حقوق الإنسان؟ ثمة مصادر متعددة تغذي الوعي والمخيلة الجماعية بتيارات من اللامبالاة، أو الرفض والعداء لفكرة حقوق الإنسان وتطوراتها المتعددة. أول هذه المصادر الربط بين نظام حقوق الإنسان والنموذج الحضاري والثقافي الغربي، واعتبار هذا النظام أجنبياً، ومن ثم يحدث ارتباط ذهني وشعوري ووجداني بين هذا النعت أجنبي- غربي وبين كل المواريث المرتبطة بالصراعات مع الغرب، وتتدفق النعوت السلبية، كالهيمنة والاستعمار والاستغلال والاختلاف الديني والتحلل الأخلاقي، كل هذه الصور السلبية النمطية التي صيغت عن الغرب في علاقته بالعالم العربي.
وتزداد هذه العقبات من مصدر هام، هو طبيعة النظام الثقافي والقيمي الذي تطرحه بعض الجماعات الإسلامية الراديكالية، وفقاً لتفسيرات متشددة تركز على الجوانب الخاصة بالحاكمية والألوهية والإلهيات على وجه العموم وعلى الشريعة في جوانبها الخاصة بالحدود.
أحد أبرز العقبات إزاء حركة حقوق الإنسان تستمد من طبيعة الممارسة التسلطية السياسية على مدى عقود تاريخية طويلة. مثل هذه الممارسة رسخت في الوعي الجماعي للعرب إحساسا بعدم جدوى الحريات العامة التي تنتهك يومياً، ولاسيما وأن أغلب النظم التسلطية، إن لم يكن كلها، كانت تطرح خطاب الحريات العامة والديمقراطية باعتباره من أهم وعود وأساطير دولة ما بعد الاستقلال، وأن هذه الوعود- الآمال سقطت بالتجربة في مجال الحريات المدنية التي تعرضت لمحن عديدة في ظل حكومات دولة ما بعد الاستقلال الوطني. وثمة مصادر هيكلية ترتبط بالتطور التاريخي لهياكل المجتمعات العربية، وهو أن الفرد ذاته لم يولد ككيان اجتماعي- سياسي فاعل له حرياته، وهوامشه وفكره الحر، وهناك قيود على ميلاد الفرد كفاعل اجتماعي وهي قيود تأتي من نظام القيم والتنشئة الاجتماعية البطريركية-الأبوية ودور الأسرة ودور الأشكال المختلفة من الرقابة السرية التي تمارس باسم الأسرة والدين والسياسة.. الخ، و التي تحدد هيكل المحرمات السائد في المجتمع.لا يمكن أن نكون إزاء مجتمع بالمعنى الدقيق للكلمة، ومجتمع مدني- كما حدث في الغرب- في ظل سيولة اجتماعية، وابتسارات هيكلية للنظام الاجتماعي، إذن لا مجتمع دونما فرد وبلا هيكليات طبقية متبلورة، ولها آلياتها في التضامن، وقواعدها في الصراع والتنافس السياسي- الاجتماعي، وأيضاً آليات للتوازن، وإعادة التوازن الهيكلي. وما يسرى على الفرد والمجتمع يسري أيضاً على مستوى بنية السلطة السياسية، وأيضاً الصفوة الحاكمة. حيث تختلط شخصية من بيدهم زمام السلطة وبين السلطة ذاتها، وبينهم وبين الدولة، ناهيك عن شيوع أنماط الفساد السياسي والهيكلي والوظيفي بين أصحاب السلطة والصفوة السياسية وزبائنها وبين الموظفين العموميين. كلها أمور تقف عائقاً ضد شيوع نظام حقوق الإنسان والتطور الديموقراطي السلمي في الدول العربية.
هناك تركيبات اجتماعية لا تزال تشكل عوائق ضد نظام حقوق الإنسان تحت دعاوى الخصوصية، لعل على رأسها مفاهيم الطائفة والعائلة والعشيرة والعصبيات المحلية –وأساطيرها المختلفة- والتي تتساند وتتفاعل في ديناميكية فريدة مع مفهوم الأبوية –البطريريكية- التقليدية، أو الحديثة الممثلة في الدولة وقائدها. ومثل هذه المفاهيم تتسم بالفاعلية، والرسوخ المستمد من طبيعة التطور الاجتماعي في العالم العربي والتشكيلات الاجتماعية والثقافية الأساسية والفرعية في هذه البلدان. هذه التركيبات الفسيفسائية، وأسسها العرقية والقومية والطائفية واللغوية والمللية والدينية، تمثل عقبات بنائية ضد نظام حقوق الإنسان بل أن العائلة الممتدة في مناطق عديدة، داخل هذه التركيبات لا تزال تمثل عقبة أخرى من العقبات.
ولعل أخطر هذه العقبات قاطبة هو سيادة العقل المغلق والسلفية الفكرية – لدى غالب القوى السياسية والثقافية والحزبية- حيث يعاد إنتاج مصادر الأفكار داخل كل جماعة، دونما تجديد أو اجتهاد، مما يعيد إنتاج الحدود بين المدارس الفكرية والسياسية والعملية في هذه المجموعة من الدول ومجتمعاتها. وتتفاقم مشكلات العقل المغلق مع انتشار موجة من العنف السياسي ذي الوجوه الدينية والطائفية. وانكسار الجسور بين مدارس الفكر والعمل كافة يزيد الأمر خطورة في ظل غياب التسامح الديني والفكري إزاء الأغيار بالمعنى الديني أو السياسي، ناهيك عن لجوء الأفراد والجماعات لممارسة الاغتيال المادي للمغايرين لهم فكرياً، بما يمثل تهديد للحقوق الأساسية للإنسان.
وتتزايد خطورة الأوضاع الراهنة، والانتهاكات التي تحفل بها تقارير المنظمات غير الحكومة العاملة في مجال حقوق الإنسان –بكل مواءاماتها- في ظل طرح إشكاليات الخصوصية والهوية إزاء الأطروحات الغربية لحقوق الإنسان.
إن الخصوصية تبدو في خطاباتها المتعددة- سواء من الدولة أو من القوى السياسية غير الحكومية- وكأنها دعاوى للدفاع عن انتهاكات الدولة، وأطراف غير حكومية، أو للتغطية على هذا النمط الفظ من الانتهاكات. وكأن الخصوصية تقتضي عدم احترام الإنسان.
ثمة تواطؤ ما بين قطاعات من المثقفين أشباه الحداثيين مع السلطة، جلباً للمنافع الذاتية، وتغاضيهم عن ظاهرة توحش قوة الدولة البوليسية، وآلاتها القمعية “المشروعة”! مما أدى ولا يزال إلى تآكل دولة القانون الحديث وسيادته. و مما زاد الأمر تعقيدا  تشكيك قوى سياسية، وفئات اجتماعية واسعة في مفاهيم سيادة القانون والقيمة التي يحملها خطاب الحداثة القانوني، وحقوق الإنسان. مثل هذه الممارسات ساهمت في تآكل وانهيار التقدم والحداثة وحقوق الإنسان في الدول العربية.
هناك عوامل أخرى تساهم في إعاقة وحجز دعاوى حقوق الإنسان منها ضعف المنظمات الوسيطة، وأزمة مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان ذات الطابع النخبوي، وتحول الأطروحات السياسية والأيديولوجية المهزومة ودعاتها ومناصريها إلى مجال حقوق الإنسان.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 21 ديسمبر 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

عطش الصين للنفط في تزايد مستمر. ذلك البلد الذي يمتلك اقتصادا يحقق نموا استثنائيا بمعدل سنوي كبير مابين 8- 10 % جعلها تعتمد اعتمادا متزايدا على النفط المستورد. وأضحت ثاني اكبر مستهلك للنفط فى العالم بعد الولايات المتحدة. ولذا يقوم أمن الدولة الصينية حاليا على تأمين وضمان تدفق الطاقة. ويعتبر النفط أحد أهم محددات السياسة الخارجية الصينية ويلعب دوراً كبيراً في صنع السياسة الصينية. ومن هنا تحظي القارة الأفريقية باهتمام صانع القرار الصيني حيث تحركت الصين، من أجل تأمين تدفق هذا النفط والحصول عليه من القارة الإفريقية من خلال إستراتيجية تقوم على عدة محاور: من أهمها إنشاء عدد من الإدارات الخاصة لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول الأفريقية وتوسيع اختصاصات بعض الأجهزة والإدارات القائمة لتشمل كل أطر التعاون المشتركة. وتيسير إنشاء عدد من المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدنى الصينى المختصة بالشئون الأفريقية.ومنها أن بكين تلعب دور المورد للسلاح لأفريقيا، كما استطاعت الصين تقوية علاقاتها الاقتصادية مع أفريقيا عبر منتدى التعاون الصينى الأفريقى الذى انشىء بمبادرة من بكين عام 2000 وضم ست وأربعين دولة أفريقية، ومن أهم إنجازاته اسقاط 1,2 مليار دولار من ديون القارة. وهناك أيضا ًمجلس الأعمال الصينى – الأفريقى الذى أنشىء فى نوفمبر 2004 بغرض دعم إستثمارات القطاع الخاص الصينى فى كل من الكاميرون، وغانا، وموزنبيق، ونيجيريا،وجنوب أفريقيا، وتنزانيا كما أن التجارة المتبادلة بين الصين وأفريقيا تزيد حاليا على ثلاثين مليار دولار.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، كان هنالك إجماع بشأن السياسات الاقتصادية التي ينبغي تبنيها من أجل تحسين الإدارة الاقتصادية، ومن ثم بالتالي استعادة النمو في الدخل وخلق الوظائف فيما يعرف بإجماع واشنطن.
لكن هذا المنهج (إجماع واشنطن)، قد أثمر نتائج غير مرضية، بل ومدمرة في بعض الأحيان. حيث أن العديد من اقتصاديات المنطقة العربية، وغيرها قد عانت من الركود أو التراجع. و لم يتحسن مستوى المعيشة في كثير من الدول العربية ذات الاقتصاديات الفقيرة. تتجلي خطورة الوضع الاقتصادي وتداعياته السياسية في أزمة الركود الاقتصادية الحالية. فالركود الاقتصادي من شأنه أن يقوض شرعية الأنظمة العربية الحاكمة، بل وحتى قدرتها على ممارسة عملية الحكم في بعض الأحيان. وتشتد خطورة المشكلة بوجه خاص لكون الاقتصاديات الراكدة لا تستطيع توفير وظائف كافية لذلك المد المتنامي من الشباب الباحثين عن عمل في منطقة تعاني نظمها فشلا مديدا في حل تلك المعضلة. إن هذه الخلطة التي تجمع بين عجز الأنظمة، وتصاعد معدلات البطالة والفقر، ووجود قطاعات كبيرة من الشباب لخلطة سريعة الالتهاب جداً على الصعيد السياسي. إن الأداء الاقتصادي الباهت يسبب إحباطات شعبية تجاه قيادة النظام، ويفاقم نمو السكان من خطورة تلك المشاكل الاقتصادية ليجعل من الأشق على الأنظمة أن تحافظ على مستويات المعيشة الراهنة، ناهيك عن أن ترفع تلك المستويات. كذلك فإن الفساد الواسع النطاق يولد المزيد من الإحباطات هو الآخر عندما يضطرون للإنفاق من دخولهم المحدودة لدفع الرشاوى وغيرها من المدفوعات من أجل أن يؤمنوا لأنفسهم الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، ولكن التعبير عن أي من تلك الإحباطات لن يكون ممكناً من خلال هياكل الحكومة، وهذا بحد ذاته قد يتسبب في إحباطات إضافية تجاه الجهاز الحكومي. ويصبح الاحتمال أكثر وروداً هو أن تؤدي تلك الإحباطات إلى ازدياد المطالبات بالإصلاح السياسي الذي يسمح للمواطنين بان يكون لهم على الأقل صوت في عملية صنع القرار. والأنظمة العربية الحاكمة وفق خبرة الرصد لاستجابتها لتلك المتطلبات تكون دوما بإحدى طريقتين : فهي إما أن تزيد من حجم المساهمة الشعبية بهدف نزع فتيل الاستياء المتنامي، أو أن تلجأ إلى المزيد من القسر والإكراه.
وقد اختارت العديد من دول المنطقة العربية إستراتيجية تجمع بين عناصر من كلا الخيارين، وذلك باتخاذ إجراءات محدودة للإصلاح السياسي بينما يشن في الوقت نفسه هجوم على المعارضة التي تتجاوز الحدود المقبولة التي أقرها النظام. وقد لاقت هذه الإستراتيجية نجاحا كبيرا لأنها مكنت الأنظمة الحاكمة من أن تسيطر على شكل الإصلاح السياسي وإيقاعه. ومع ذلك فإنه ليس من الواضح بعد أن كان من المستطاع الثبات على هذه الإستراتيجية على المدى البعيد. كما أن هذه التحديات تهدد إدارة الدولة والاستقرار السياسي بطريقتين : طريقة مباشرة، طالما أن بعض التحديات تجعل المواطنين يتحدون الحكومات ( كالشباب العاطلين عن العمل مثلاً ) وطريقة غير مباشرة، من خلال ردود فعل الدول تجاه التحديات ( كالتقشف في الميزانية على سبيـل المثال) وقد يجادل البعض، بطبيعة الحال، بأن الفشل الاقتصادي لا يترجم تلقائياً إلى كارثة سياسية، كما أن ليس هنالك إجماع على مدى عمق التهديدات التي تمثلها هذه التحديات الاقتصادية للأنظمة الحاكمة القائمة.
ورغم أن المصاعب الاقتصادية المتصاعدة تجابه إدارات حكومات جميع الأنظمة بتحديات جسيمة، فإن شكوكاً كثيرة تحوم حول مدى قدرة الحكومات المختلفة في المنطقة العربية على التعامل مع هذه التحديات. فعند أقصى أحد الطرفين تهدد هذه التحديات بإمكانية تقويض، لا إدارة الدولة فقط، بل ومدى رضوخ المحكومين أنفسهم لسلطة الحكم.
ففي بعض البلدان، وبالأخص الأشد فقراً منها، قد تتغلب التحديات على أي هيكل حكومي، مفضية إلى انهيار النظام، كما حدث في أفغانستان والصومال. إلا أن حتى المشاكل الاقتصادية العميقة قد لا تتمكن من إسقاط الأنظمة التي لها قدرة مواصلة ضخ الامتيازات والمكاسب إلى مؤيديها الرئيسيين، وإخماد أصوات المعارضين. ولا توجد هناك علاقة بسيطة بين الركود الاقتصادي وانصياع المحكومين لسلطة الحكم.
لقد أبدت حكومات المنطقة وجماعات النخبة لحد الآن تفضيلا ملحوظاً لإتباع نمط إصلاح يمضي بخطوات تدريجية، أو حتى متثاقلة. والأسباب وراء ذلك تتفاوت ما بين حالة وأخرى، ولكنها عادة ما تكون مزيجاً من عاملين:
العامل الأول يتمثل في خشية بعض الأنظمة – ولها بعض الحق أن تخشى- من أن الإزاحة الاجتماعية التي سيسببها الإصلاح الاقتصادي الشامل سينتج عنها الوقوع في مخاطر زعزعة الاستقرار السياسي. أما العامل الثاني فهو أن ذوي المصالح المكتسبة وأقوياء النفوذ سوف يعملون أما على سد الطريق بوجه الإصلاحات، أو على ضمان أن يعود عليهم نوع معين من الإصلاحات بمكاسب لا تتناسب وحقيقة ما يستحقون على حساب الجماعات الأخرى في المجتمع. وتكون الحصيلة صورة مختلطة متداخلة تبدو فيها الأنظمة وقد أخذت بتطبيق شيء من الإصلاحات الاقتصادية، بل وفي أغلب الأحيان الكثير منها (وبالذات في مجال سياسة الاقتصاد الواسع). في حين ترجئ أو تتحاشى الإصلاحات الأكثر تعقيداً، كالخصخصة، وإصلاح القواعد التنظيمية، وتطوير حكم القانون.
وقد كانت نتائج ذلك النمط من الإصلاح مخيبة للآمال، سواء بسبب المصاعب المصاحبة التي لابد أن تواجهها أية سياسة اقتصادية، أو بفعل انعدام التوافق في عملية الإصلاح. ورغم أن الأداء الاقتصادي لدى بعض الأقطار كان أفضل بدرجة ملحوظة في أواسط التسعينيات وأواخرها منه في الأعوام العشرة الماضية، فإن سرعة النمو لم تبلغ في أي قطر من الأقطار العربية حتى اليوم حداً يكفل خفض نسبة البطالة أو رفع معدلات الأجور الفعلية ومستويات المعيشة.
© منبر الحرية، 5 فبراير 2009

peshwazarabic1 نوفمبر، 2010

مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات بالقاهرة, حاصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية  من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية  جامعة القاهرة  2007 عن موضوع تأثير العوامل الخارجية على الإصلاح السياسي في مصر والسعودية وسوريا.
زمالة  في الإستراتيجية القومية كلية الدفاع الوطني /  أكاديمية ناصر العسكرية العليا بالقاهرة.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018