عبد العظيم محمود حنفي

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

يعاني الوطن العربي من ظاهرة الأقليات التي وصلت إلى مرحلة خطيرة تهدد أمن العديد من أقطاره واستقراره، وهذه الظاهرة  هي –بلا شك- انعكاس لتعدد الهويات والانتماءات.
ولا شك –كذلك- أن ثراء المنطقة العربية بجماعاتها الثقافية فرض التمييز بينها استنادا إلى معايير شتى وفي مقدمتها معيار الدين واللغة. وتفاقمت خطورة هذه الظاهرة نتيجة عمليات الفصل والتجزئة التي مارسها الاستعمار الغربي في المجتمعات العربية، واستغلاله العديد من الجماعات الطائفية والعرقية من خلال منحها امتيازات خاصة أصبحت بمثابة الحقوق المكتسبة التي تسعى هذه الجماعات للحفاظ عليها، وزاد من حدة المعضلة عدم سعي النظم السياسية العربية  إلى الحكم على أساس المشاركة التي تأخذ في الاعتبار فئات المجتمع كافة، الأمر الذي زاد من مخاوف الأقليات في تلك النظم ودعا بعضها  إلى التمرد على أوضاعها.
وقد لاحظنا أن النظم السياسية العربية فشلت في توحيد الوطن العربي  في دولة قومية واحدة، بنفس الدرجة التي لم تنجح فيها الجهود حتى في توحيد جزء من أقطار الوطن العربي. لأن الفكر القومي لم يتناول عدة مسائل حيوية في الواقع العربي وهي ذات تأثير كبير على توحيد أقطاره ومنها موضوع الأقليات. فعلى الرغم من أن 85% من سكان الوطن العربي يشكلون مجموعة متجانسة لغويا ودينيا وثقافيا إلا أن هناك عدة تكوينات بشرية تختلف عن هذه المجموعة سواء في الدين واللغة والسلالة والثقافة. والفكر القومي لم يتعرض للدور الاجتماعي لهذه الأقليات بشكل متعمق ولم يحاول التعرف على مشكلاتها وهمومها، ولم يأخذ موقفا صريحا من رغباتها المشروعة في الحفاظ على تكاملها. كما لم تنجح النظم العربية  التي تعاني من تلك الظاهرة في التوصل إلى أشكال ملائمة للعلاقة بين الدولة والمجتمع (بتكويناته الاثنية المتعددة) حيث ظلت هذه الظاهرة موضع شد وجذب بين الجانبين بكل ما يترتب في أحيان كثيرة على هذه التوترات من انتكاسات سلبية على الاستقرار السياسي والأمن القومي. ففي دولة البحرين التي تعاني من انقسام طائفي بين سنة وشيعة، وانقسام طبقي على أسس طائفية يشكل السكان من ذوي الأصول العربية نحو 95 % من إجمالي السكان كما أنهم مسلمون. وفي  السودان  هناك تنوع اثني كبير، فهناك تعدد ديني بين مسلمين ومسيحيين ووثنيين، وهناك نحو 597 قبيلة و57 جماعة عرقية، وتعدد لغوي يربو على 400 لغة  ولهجة مختلفة.  ويصفه البعض بأنه نموذج مصغر لكل القارة الإفريقية وقد انعكس ذلك بوضوح في الانقسام بين مواقف القوى الجنوبية وبين الحكومة المركزية. وهناك نماذج أخرى في المنطقة العربية. إلا أن الجامع بين كل تلك الحالات – مع اختلاف الدرجة- أن الأقليات في المنطقة العربية يحملون أنظمتهم السياسية مسئولية تعميق شقة الخلافات  والانقسامات القائمة بين الجماعات المختلفة فيها وقيامها باتباع أسلوب سلطوي في استيعاب أقلياتها، وفرض الاندماج عليها بالقوة. مع وجود قناعة لدى النخب الحاكمة العربية بضرورة التلازم بين الإجماع السياسي من ناحية والإجماع الفكري والديني من ناحية أخرى، وبالتالي رفض الاعتراف بالتنوع والتعددية القائمة في مجتمعاتها. وقد ترجمت هذه النخب قناعاتها تلك في أساليب معالجتها لمعضلة الأقليات من خلال اتباعها سياسات الاعتقال والنفي، وإعادة التوطين خارج نطاق التمركز  الجغرافي للأقليات، والتضييق الثقافي والاقتصادي عليها، والحد من تمثيلها في مؤسسات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والأمنية، وتفضيلها لخيار القوة المسلحة باعتباره الحل الحاسم والسريع لهذه المشكلات.
وقد نتج عن تلك الممارسات بروز النزعات الانفصالية لدى الأقليات في بعض المناطق العربية، واستخدامها أساليب العنف والقوة لتغيير الأنظمة السياسية القائمة، الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد النزاع والحيلولة دون التوصل إلى رؤية مشتركة لطبيعة العلاقة بين الجماعة المسيطرة والأقلية. وقد لاحظ عدد من المحلليين أن ظاهرة الأقليات في المنطقة العربية تتفاقم في الدول العربية التي تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي يشكل ملتقى لخطوط  المواصلات الدولية، سواء في منطقة الخليج كما في حالة البحرين أو في إفريقيا في حالة السودان، وشكل ذلك العامل الجغرافي علاوة على العوامل الأخرى دافعا للتدخل الخارجي في الشئون الداخلية لتلك الدول تحت مبررات عديدة منها حق الدفاع عن الأقليات. وربما كان لمساحة القطر العربي اثر بارز على طبيعة مطالب الأقليات. حيث شكلت المساحة الشاسعة للسودان ووجود الأقليات في أقاليم  محددة نسبيا إلى بروز العديد من الدعوات لإعادة النظر في توزيع السلطة تبدأ بأشكال المطالبة بالحكم الذاتي وتمر بالفيدرالية وتنتهي بالانفصال. وفي المقابل شكلت المساحة الضيقة لدولة مثل البحرين قيدا على طبيعة المطالب التي تقدمها الطائفة الشيعية حيث ركزت على الدعوة للإصلاح السياسي والاقتصادي وفتح باب المشاركة السياسية والتعددية أمام فئات المجتمع، والمساواة في توزيع الموارد السياسية والاقتصادية، ولم تبرز أي دعوة إلى تبني مشاريع الحكم الذاتي أو الانفصال لعدم قابلية هذه المشاريع للتنفيذ.
ورغم أن حالة السودان هي الحالة الأوضح في التعدد والتنوع إلا أن هذا لا يعني شيئا في حد ذاته، أو تقطع يقينا بأن هذا التنوع هو بالضرورة ابتلاء للسودان، بل على العكس فانه في التاريخ السوداني ما يشهد بأن هذا التنوع والتعدد كان أحيانا عنصر إثراء وإغناء، ففي ظل مملكة الفنج في سنار ( في الثامن عشر ) تجسد التعايش السلمي بين الإسلام والوثنية لاسيما أن حكام سنار ( المسلمين ) كانوا من أصول قبلية زنجية وثنية. أكثر من ذلك فان احد جوانب المعضلة الجنوبية السودانية تنبعث من الجهل بخصوصية الديانات الإفريقية إسلامية كانت أو مسيحية، وهي الخصوصية التي تؤمن بمبدأ التفاعل الايجابي السمح بين عناصرها بعضها البعض، فتمكن رئيس مسيحي من تولي سلطة الحكم في بلد مسلم ( ليبولد سنجور في السنغال ) مثلما تدفع رئيسا كاثوليكيا لدولة مسيحية للتنازل عن السلطة لخلف مسلم ( الرئيس جوليوس نيريري في تنزانيا). لكن بقصور في فهم ظاهرة التنوع الثقافي في السودان والاستجابة لمقتضياتها، تعاملت النخبة المثقفة عموما وتلك الحاكمة منها خصوصا مع مفردات هذا التنوع على أساس الازدراء، فهي تشير للمتمردين ” بالعبيد ” أو ” الفروخ ” الطامحين لحكم البلاد، وتتعامل مع أهل دارفور على أنهم ” غرابة ” أي غرباء وتطلق على جماعاتهم التي تلف العاصمة ” الحزام الأسود ” ، وبذلك لا عجب أن أصبح شرق البلاد وغربها وجنوبها عبئا ثقيلا على كل الحكومات السودانية المتعاقبة منذ الاستقلال وحتى الآن، وان كان الجنوب هو الأسوأ. وما ينطبق على السودان قد يصبح عبرة لأقطار عربية أخرى تستهين بالتنوع والتعدد داخل بلدانها ليصبح مصدر قلاقل وتوتر.
© منبر الحرية،20 شتنبر/سبتمبر 2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20101

وفق ماكس فيبر  يكون النظام الحاكم شرعيا عند الحد الذي يشعر مواطنوه أن ذلك النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة[1]، وأحد مصادر الشرعية السياسية لنظم الحكم  ما يسميها فيبر العقلانية القانونية الداعية إلى اعتماد قواعد مقننة لتحديد واجبات وحقوق منصب الحاكم، ومساعديه وطريقة ملء المناصب وإخلائها وانتقال السلطة وتداولها وممارستها وهو تحديد واضح ومفصل للحقوق والواجبات، يجعل مبادرات الحكم قابلة للتوقع لأنها مشروطة في أصولها وفي نتائجها بشبكة من القوانين المعروفة والمتفق عليها. أما ايستون فقد أطلق صفة ” البنيوية” في محاولة لتأكيد دور المؤسسات وأهمية عملية المؤسسات. ووصف صموئيل هانتيجتون هذه العملية بأنها مسار تكتسب فيه المؤسسات والمعاملات القانونية استقراراً وقيمة لذاتها (3)
مأسسة العملية السياسية تعنى احتواء عملية صنع واتخاذ القرارات السياسية ضمن إطار المؤسسات السياسية، مما يسهل على النظام السياسي اكتساب قدر يعتد به من الشرعية السياسية . ذلك أن التنظيم المؤسس للعملية السياسية بقدر ما يمكن المبادئ  والقيم الديمقراطية للممارسة السياسية فإنه يفيد في تحقيقه خصائص عديدة منها : قانونية العملية السياسية  إذا تمكنت المؤسسات من أن تنظم عملها شبكة معقدة ومحكمة من الضوابط والتوازنات، وتعمل وفقا لأحكام محددة وأسس للتوظيف والتمويل وتقويم الأداء، وتخضع لمقاييس معروفة وعلنية للنجاح والفشل وضوابط للمراقبة والمحاسبة وقواعد للتنسيق بينها. وعقلانية العملية السياسية، ذلك أن المؤسسات والمناصب تسمح في إطارها بالعمل على أساس الكفاءة المهنية، مما ينعكس مباشرة على واجباتها تجاه المواطنين.علاوة علىعمومية العملية السياسية حيث يلغى العمل المؤسسي بالاعتبارات الشخصية واعتماد اعتبارات المواطنة ويركز عليها .وأخيرا استقرار العملية السياسية لأن العمل في المؤسسات لا يتأثر بتغير الأفراد . ويمكن إنتاج القرارات الحكومية والعمل على تنفيذها إذا ما تمتعت بالدعم الذي تقدمه المؤسسات المركبة والقوية. ويربط بين وجود المؤسسات والعمل على تقوية الدولة من خلال علاقة تبادلية لفاعليته ، فالدول عديمة المؤسسات تكون على العكس دولاً ضعيفة وسيئة، لأنها عاجزة ولا تستطيع السيطرة لضمان المصالح الخاصة والعامة . وبناء المؤسسات السياسية لا يمثل استجابة لمطالب المشاركة السياسية وحدها، بل هي أداة للحفاظ على الاستقرار السياسي من جراء التهديد الذي يتعرض له بفعل اتساع حجم الضغط الموجه نحو النخب الحاكمة من جانب القوى الاجتماعية الساعية للمشاركة السياسية .
ولا تكاد تخلو دولة عربية من وجود مؤسسات حيث تتعدد الأحزاب السياسية في بعض الدول العربية وتنتخب فيها مجالس نيابية، ولكن يشوب البيئة التي تقوم فيها هذه الأحزاب وعملية انتخاب هيئة المجالس وأدائها وبخاصة دورها الرقابي نقائص تقلل من قيمتها كمكون عضوي في نسق النظام السياسي . والمعروف أن الانتخابات تدار إلى حد كبير من قبل السلطة المهيمنة في المجتمعات النامية، ومنها الدول العربية فتمارس السلطة التنفيذية التدخل في عملية الترشيح بداية وتؤثر جوهريا في مجريات عملية الانتخابات بكاملها، وتتعرض الانتخابات لأنواع متباينة من الإفساد، ومن بينها توظيف الحظوة من السلطة والمال وانتهاك الحقوق بل تقوم مؤشرات على معالجة النتائج محلياً ومركزياً . وفي أحيان أخرى يصدر القضاء أحكاماً ببطلان الانتخابات في بعض الــدوائر، ولكنها لا تنفذ وتتحول المجالس النيابية إلى ما يشبه إدارات متدنية الكفاءة للسلطة التنفيذية تتوسل لرضاها بأن تأتمر بأمرها، ولا ينتظر من مثل هذا المجالس أن تمارس جدياً دورها الأصيل في الرقابة على للسلطة التنفيذية . وبالنسبة لمؤسسة القضاء ، فيلاحظ أن الدساتير غالباً ما تضم نصوصا نبيلة مستمدة في الغالب من مصادر أجنبية ولكن كثيراً من نصوصها يبقى حبراً على ورق وكثيراً ما يعطل العمل بالقوانين العادية، وتفرض حالة الطوارئ لسنين طوال وتسن القوانين لصالح الاستبداد، وقد لا تنفذ القوانين الحامية للحريات حتى وإن حكم بها القضاء، ويعانى سلك القضاء في بلدان المنطقة من مشكلات عديدة تقلل من هيبته، وفي النهاية من استقلاله وفي مقدمة ذلك تعمد الحكومة عمداً الإحجام من تنفيذ أحكام الجهات القضائية والتحايل على استقلال القضاء  .
إن الدرس الذي تستخلصه من واقع تتبع خبرات مسالك النظم العربية ، أن هناك علاقة جد وثيقة بين درجة مؤسسات المنظمات والإجراءات السياسية والقدرة على التكيف مع المتغيرات الخارجية والتحديات الداخلية بنجاح  والتعامل مع قوى التغيير بفاعلية والاحتفاظ في ذات الوقت بتوازن النظام السياسي
© منبر الحرية ،24 يونيو / حزيران 2010


[1] Max Weber The Theory of Social and Economic Organization translated by AM. Henderson      and Talcott parson Edited with an introduction by Talcott parcons(New York Oxford Univ Press 1947 pp 120-126).
(3) Samuel p .Huntington , political order in changing societies (New Havern ct: Yale unin press,1968)p.24

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

بعد الرعيل الأول وقناعتهم الكاملة بالحرية كسبيل للتقدم، جاء رائدان للفكر العربي هما: السيد جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده .
وبالنسبة للأفغاني فعند بحث المناظرات الجدلية التي أسهم فيها بنصيب وافر ضد العالم الفرنسي ارنست رينان، والمفكر الهندي سيد احمد خان صاحب نظرية “النيتشارية “المتفرعة عن “البابية”، والمتصوف السوري الشيخ أبو الهدى الصيادي. هذه المناظرات تبين فهم السيد جمال الدين للإسلام، ويمكن حصر هذا الفهم في ثلاثة معان :
أولا- فكرة الوحدانية المطلقة التي تؤدى إلى فكرة المساواة بين البشر عند الله .
ثانيا – الإيمان بعقل الإنسان الذي يستطيع أن يدرك حقائق الكون، وذلك خلافا للهندوسية واليهودية اللتين لا تعترفان بهذه المساواة، كذلك المسيحية تنكر على البشر – ماعدا رجال الكنيسة – الفهم المباشر للحقيقة الإلهية. والإسلام وحده هو الذي يسوي بين الناس في القدرة على فهم أسرار الدين وحقائقه، لأن  الشريعة المنزلة على النبي العربي هي نفس قانون الطبيعة الذي يفهمه الإنسان من دراسته للكون .
أما ظهور الأنبياء بين الناس، فسببه أن الناس مع قدرة عقولهم على الوصول إلى حقائق الكون، فإن طبيعتهم البشرية لا تستطيع أن تطبق القرآن على جميع النظم في الحياة الحديثة، وإلا الحال هي الإشراف على التنفيذ وجبر الناس على مراعاة القواعد التي قضى بها العقل البشرى.
وينتج عن هذا أن باب الاجتهاد ينبغي أن يظل مفتوحا، وأن القرآن يجب أن يفسر تفسيرا عقليا منطقيا، وبهذا نستطيع أن ننفذ فهم العقل لهذه الحقائق. ويعتقد السيد  جمال الدين أن السر في قوة الأوروبيين لا يكمن في مسيحيتهم وإنما مرجعه أنهم نشأوا في إطار دولة قوية هي الدولة الرومانية، و أن ضعف المسلمين ليس سببه تدينهم بالإسلام، بل سببه أنهم لم يتبعوا تعاليمه إتباعا كافيا، وأن سر القوة كامن في الديانة الإسلامية التي تحث على الوحدة والتضامن .
ثالثا- هو أن الإسلام دين العمل والنشاط ، وبالتالي فإن المجتمعات لا تستقيم أمورها إلا بتنفيذ إرادة الله، وإرادة الله ماثلة في القرآن، فلو اتبع المسلمون ما في القرآن من تعاليم نفذوا إرادة الله، بشرط أن يكون تنفيذهم لها بمحض إرادتهم، وهذا هو معنى العمل والنشاط، أي العمل على تنفيذ إرادة الله تنفيذا اختياريا. والنتيجة التي يصل إليها السيد من هذا هي أن قوة المسلمين في اجتهادهم وسعيهم لا في تقليدهم .
وهذه المعاني الثلاثة هي نقطة البداية في تفكير ألمع تلاميذ السيد جمال الدين : الشيخ محمد عبده. فقد لاحظ – كما لاحظ أستاذه – تدهورا داخليا في المجتمعات الإسلامية لم يلحظ مثله في المجتمعات الأخرى. ولم يكن الشيخ معارضا للتقدم الذي منبعه الحضارة الأوروبية، إنما كان الخطر في نظره ناشئا عن نمو حركة مدنية في مجتمع جوهره غير مدني. وكان شغله الشاغل هو التوفيق بين قواعد الإسلام والحضارة الحديثة .
وتبدأ نظريته بالدفاع عن الإسلام الصحيح ، ومعنى الإسلام الصحيح في نظره ديانة تنظم سلوك البشر وتنير طريقهم في المشاكل الكبرى بالحياة ، ولا يتأتى هذا إلا بالكتاب المنزل والعقل . فالعقل هو الذي يدرك الرسالة الإلهية ، وما لا يستطيع أن يدركه فعلى النبي أن يعينه على فهمه ، وإذن فالاجتهاد أمر لابد منه . والمجتمع الإسلامي المثالي هو الذي يستند إلى الشرع والعقل في آن واحد ، فعلى المسلم الحق أن يستعمل عقله في العبادات والمعاملات حتى يدرك كلام الله إدراكا مستنيرا.
وحينما تفهم قوانين الشريعة الإسلامية فهما صحيحا وتنفذ تنفيذا بصيرا يزدهر المجتمع ويقوى. ويدلل الشيخ عبده على ذلك بأن العصور الإسلامية الأولى كانت قمة مجد الإسلام، ثم تدهور المجتمع الإسلامي بسبب البدع والمغالاة في التصوف. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى بسبب المبالغة في التمسك بشكليات الشرع لا بروحه وجوهره، كما حدث على أيدي الأتراك. وإذا أراد المسلمون أن يعيدوا مجد أسلافهم، فعليهم أن يعيدوا تأويل شريعتهم ويطبقوها على مشاكلهم الحديثة، مستنيرين في ذلك بمبدأين، مبدأ المصلحة، ومبدأ التلفيق –أي ذلك المبدأ الشرعي الذي يسمح للقاضي بأن يختار التأويل الشرعي الأنسب للظروف والحالات المعروضة أمامه،- ولو كان هذا التأويل لمذهب يخالف مذهبه – وعلى هذا فلابد من وضع قوانين إسلامية موحدة ذات نظام حديث، تستند إلى المذاهب الأربعة جميعها، مع الرجوع للقرآن والسنة وتقاليد السلف، ولا يقتصر الأمر هنا على مجرد الصحابة والتابعين، بل يشمل كذلك كبار الأئمة من علماء الكلام.
وعندما اتجه الشيخ محمد عبده إلى ميدان السياسة، شعر بأن الإصلاح المنشود يجب أن يبدأ في البيئة التي يعيش فيها وهي مصر، لذلك كان أغلب ما كتب في السياسة ينطبق على مصر، وقد كانت مصر في أمس الحاجة إلى تربية قومية صميمة، لذلك اتجه إلى إنشاء المدارس ، وكان على استعداد لأن يتعاون مع أية سلطة تساعده في تحقيق هذا الغرض، ومن هنا نشأ خلافه مع السيد جمال الدين، وعدم تحمسه للإسهام في الثورة العرابية .
© منبر الحرية ، 1 ماي /أيار 2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

تبدو قضية الحرية قضية محورية في رحلة الفكر العربي، وخاصة مع حالة التخلف المزمن في المجتمعات العربية, ونبدأ في القرن التاسع عشر، فنتيجة لنمو القوة الأوروبية وازدياد أثرها، اضطرت الدولة العثمانية أن تبذل عدة محاولات لتصلح نفسها من الداخل حتى تستطيع أن تقاوم الخطر الأوروبى الذي يهدد كيانها، وقد أدت هذه الحالة إلى اهتمام جديد بالأفكار والنظريات التي تكمن في المجتمعات الأوروبية، وكانت في نظر المجتمعات العربية سر قوة أوروبا، ولذلك حاولت هذه المجتمعات أن تقتبسها وتخضعها لظروفها. واتجه الفكر العربي المستيقظ إزاء ذلك اتجاهين: اتجاه مرتبط بجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا. وهذا الاتجاه  كان يهدف إلى تعريف جديد لمبادئ الإسلام الاجتماعية. أما الاتجاه الثاني فكان يرمى إلى فصل الدين عن السياسة وخلق مجتمع مدني مماثل للمجتمعات الأوروبية، ولا أثر للإسلام فيه إلا بوصفه عقيدة دينية .
وهذين الاتجاهين مع أنهما يبدوان متعاكسين إلا أنهما كثيرا ما تلاقيا في أذهان المفكرين العرب ومصلحيهم. بدليل أن القوميات العربية والمصرية في القرن العشرين تكونت من هذين العنصرين. و قد آلت هذه القوميات التي تبلورت في النصف الأول  من القرن العشرين إلى النظريات السائدة في العالم العربي إلى الآن.
وكانت الحملة الفرنسية على مصر  عام 1789 هي الاتصال  الأول بين الأوروبيين وشعوب الدولة العثمانية نتيجة للحملة الفرنسية من جهة، ومن جهة أخرى لإنشاء مدارس عسكرية في الدولة العثمانية وولاياتها مستعينة بالأساتذة الأوروبيين، ومن الضروري بيان  مواجهة  الجيل الأول من المفكرين العرب لمشكلة تأثير أوروبا في النظم الفكرية والاجتماعية للمجتمعات الإسلامية. ويمكن أن نختار من هذا  الجيل ثلاث شخصيات بارزة هي: رفاعة الطهطاوي في مصر وخير الدين باشا حسيب  في تونس  وبطرس البستاني في لبنان . وكل هؤلاء كانوا ينتمون  إلى هؤلاء المفكرين الذين  بدأت فكرة الإصلاح تشغل أذهانهم في منتصف القرن التاسع عشر، إلا أن هذه الفكرة كانت تثير التساؤل عن ماهية المجتمع الصالح، والناموس الذي يجب إتباعه في الإصلاح المنشود، وهل يمكن استخلاصه من الشريعة الإسلامية أو يجب أن يستمد من تعاليم أوروبا وتطبيقاتها، وهل هناك تناقض بين هذه الشريعة وتلك التعاليم، وإذا كان هناك تناقض فما هو الواجب إتباعه حيال هذا ؟
ففي كتابات الطهطاوي نجد أفكارا جديدة بالنسبة للعصر  -آنذاك-، ثم أصبحت مألوفة للأجيال التالية. من هذه الأفكار انه يوجد في داخل الأمة الإسلامية مجتمعات قومية يدين لها رعاياها بالولاء، ومنها أن الغرض من الحكم  هو خير الإنسان في الدنيا والآخرة، وان خيره في الدنيا يتطلب خلق حضارة مدنية، وان هذه الحضارة متبلورة في أوروبا الحديثة وفرنسا بصفة خاصة، وأن سر القوة والعظمة في أوروبا هو تنميتها لأنواع الفنون والعلوم .
ومع أن المسلمين كانوا قد عالجوا هذه العلوم والفنون إلا أنهم أهملوها تحت سيطرة المماليك والأتراك، وبذلك تأخروا، غير أن الفرصة لا تزال سانحة أمامهم إذا اقتبسوا علوم أوروبا وانتفعوا بثمارها. وكان رفاعة الطهطاوي ( 1801-1873 ) هو الذي نوه قبل غيره بفكرة الحرية، ووحد بينها وبين مفهوم”  العدل والإنصاف ” في التراث الإسلامي، ثم اعتبرها شرطا لتقدم الأمة وتمدنها. وبذلك خلق الطهطاوى مشكلة التوفيق بين القوانين الشرعية المنزلة وبين القوانين الوضعية والقواعد المنطقية التي تستند إليها الحضارة الحديثة، وكيف نجمع بين الولاء للأمة الإسلامية عامة والمجتمعات القومية الخاصة في داخلها .
وقد سيطرت هذه الحيرة أيضا على خير الدين باشا في تونس، ففي كتابه “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك ” تونس 1284-1285ه” ينظر إلى تقدم أوروبا، ويؤكد أن سره لا يكمن في كونه مسيحيا، إذ المسيحية  هي دين يرمى إلى السعادة في الآخرة لا في الدنيا،  فلا خوف على المسلمين أن يتأثروا بالديانة المسيحية إذا اعتنقوا الحضارة الأوروبية .
ويرى خير الدين باشا أن أركان الحضارة الأوروبية هي مسئولية الوزارة أمام الأمة، ووجود نظام نيابي، وحرية الصحافة، وهذه الأركان الثلاثة لها صدى في صميم النظم الإسلامية، فليس النواب سوى العلماء والأعيان، أي أهل الحل والعقد في الدولة الإسلامية. وليس الوزير المسؤول إلا الوزير الصالح في الإسلام، الذي يبذل النصيحة من غير خوف ولا تحيز. وما الحكم النيابي وحرية الصحافة إلا نظام يقابل مبدأ الشورى في الإسلام. فاعتناق النظم الأوروبية، في نظره تنفيذ لروح الشريعة الإسلامية وأغراضها. ويبرر آراءه هذه بالاستناد إلى مبدأ “المصلحة لابن قيم الجوزية “. و هكذا يقرن خير الدين التونسي (1825-1889 ) الحرية بجملة من الحقوق المتعلقة بها، فينوه بالحرية الشخصية وبالحرية السياسية ومشاركة الرعايا في إدارة شئون الدولة وكذلك بحرية “المطبعة ” أي حرية الرأي والكتابة والنشر التي تعدل عنده المبدأ الإسلامي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويبدو من كل هذا أن المشكلة الأولى التي واجهها الطهطاوي وخير الدين  حسيب هي تبرير إدخال المسلمين في العالم الحديث مع احتفاظهم بمبادئهم الإسلامية.
وبعد ذلك الرعيل الأول وقناعتهم الكاملة بالحرية كسبيل للتقدم جاء رائدان للفكرة العربية هما: السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ومثلا بذلك رحلة جديدة نحو الحرية في العالمين العربي والإسلامي.
© منبر الحرية، 01 مارس/آذار 2010

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

في عصر ما بعد الاستقلال كانت السمة المميزة لسياسات المنطقة العربية.  هي انتشار حالة استيلاء العسكريين على الحكم . وقد مر العديد من الدول العربية في عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية بتجربة التعرض، لمرة على الأقل،  لمحاولات انقلاب جدية على نظام الحكم، إن لم يكن العديد منها. فما بين عامي 1960 و1969 مثلاً سجل ما لا يقل عن 27 انقلاباً ناجحاً أو محاولات انقلابية خطرة، كما سجلت محاولات جدية من قبل الجيش للاستيلاء على الحكم في تسع دول عربية.  ولكن ما يدعو للدهشة هو أن عهد الانقلابات ذاك حين انتهى خلف محله استقراراً في القيادات ملفتاً للنظر. فالملك حسين حكم الأردن لأكثر من أربعة عقـود ( منذ عام 1953 حتى وفاته في عام 1999). وحافظ الأسد تولى شؤون سوريا قرابة 30 عاماً (حتى توفي في عام 2000 وهو على سدة الرئاسة ). كذلك حكم صدام حسين العراق لحوالي 25 سنة، وحكم حسني مبارك مصر لفترة مقاربة منذ عام 1981. بل الأكثر من ذلك أن سوريا والأردن أفلحتا حتى في تحقيق انتقال سلمي للسلطة في السنوات الأخيرة بحيث أمكنهما، حتى الآن، تجنب الوقوع  في صراعات عنيفة من أجل السلطة، أو حدوث انقلابات وأعمال شغب. ويصبح هذا الاستقرار في القيادة أكثر مدعاة للانتباه عندما يؤخذ في الاعتبار ما للجيش من دور مركزي مستمر في هذه الأنظمة السلطوية.
فالمؤسسات العسكرية لا تزال تنهض بدور مركزي في السياسة، على الرغم من أفول زمن الاستعراضات الصريحة لنفوذ الجيش عبر القيام بالانقلابات العسكرية.  إن الدور المركزي للمؤسسة العسكرية ينبع من دورها كمستودع أساسي للقوة، وبالتالي كضامن نهائي لأمن النظام الحاكم. فمعظم الأنظمة الحاكمة تحافظ على وجود أجهزة أمن تتخصص في مراقبة وملاحقة الخصوم المحتملين للنظام. وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأجهزة كيانات عالية التدريب والكفاءة ولكنها، ومع ذلك، غالباً ما تضطر إلى التنازع مع دوائر بيروقراطية أخرى لها سطوتها ونفوذها في سبيل الحصول على الموارد، وهي قد تخسر أحياناً هذا النزاع. ففي مصر على سبيل المثال كان ينظر تقليدياً إلى قوة الأمن المركزية التابعة لوزارة الداخلية، البالغ تعدادها 300000 فرد، على أنها قوة من الدرجة الثانية مؤلفة من مجندين فشلوا وفق معايير القبول في القوات المسلحة التقليدية. ولكن حتى في تلك المواقع التي أعدت هذه الكيانات الأمنية لشغلها بالذات، من خلال التدريب الجيد ورفع الكفاءة لتكون الحارس الواقي في وجه المعارضة الشعبية، بقيت القوات العسكرية التقليدية تمثل الضامن الأعلى للنظام. بل أن القوات العسكرية النظامية دأبت على توفير الحماية للنظام حتى من الأجهزة البوليسية والأمنية نفسها. فعندما تظاهر قرابة 20000 من أفراد قوات الأمن المركزي احتجاجاً على قلة أجورهم في عام 1986 رد الجيش بنشر ثلاث فرق ، أي ما يعادل ربع قوة الجيش النظامي تقريباً، من أجل قمع هذا التمرد. وفي سوريا ردت على الموقف الذي اتخذه رفعت الأسد ضد النظام في عام 1984 القوات الخاصة ووحدات عسكرية أخرى موالية، رغم أن رفعت الأسد كان يومها هو نفسه المسؤول عن خط القوة الرئيسي لأمن النظام. وبنفس الكيفية تطلب الأمر، إبان  الاضطرابات التي وقعت في الأردن في مدينتي الكرك عام 1996، ومعان عام 1998، تدخل الجيش لتهدئة الوضع. فالجيش هو القوة الأساسية التي يلجأ إليها كحل أخير. ويصف أحد المحللين الأمر بقوله:
“لن يمكن لأية حكومة عربية أن تبقى ممسكة بزمام السلطة من دون مشاركة قادة الجيش مشاركة فعالة، أو من دون مباركتهم على أقل تقدير”.  مكونات السيطرة السياسية تقتضي إدامة السيطرة السياسية على الجيش  وتجريد قادةهذا الجيش من دوافع، ووسائل، تحدي النظام الحاكم. والقادة السياسيون يلجأون إلى أنواع من وسائل الإغراء والاحتياط بقصد التأثير على تكاليف، ومكاسب، التآمر على النظام الحاكم. ويتمثل العديد من هذه الوسائل في استخدام تكتيكات معينة في إدارة المنظمة العسكرية، في حين يتأثر بعضها الآخر بأحداث وقوى خارجية لا يكاد النظام الحاكم يملك قدرة التصرف بها بشكل فعال”. و أحد الأسيجة الأساسية التي توضع في وجه تدخلات الجيش هو الإبقاء على قاعدة دعم اجتماعي للنظام من خارج المؤسسة العسكرية، حيث من الممكن للمصالح الاقتصادية، والأقليات الدينية، والبيروقراطيات المدنية، والأداة الحزبية، والجماعات أو التكتلات الشعبية أن تكون عناصر مهمة في تكوين البنية الاجتماعية التحتية للأنظمة العربية الحاكمة. وتكون حصيلة ذلك أن يوازن الدعم المدني القوة العسكرية .
وتتراوح استراتيجيات القيادات  السياسية لمنع تدخلات الجيش فى الشئون السياسية ما بين الإبقاء على قاعدة دعم اجتماعي للنظام من خارج المؤسسة العسكرية، حيث من الممكن للمصالح الاقتصادية، والأقليات الدينية، والبيروقراطيات المدنية، والأداة الحزبية، والجماعات أو التكتلات الشعبية أن تكون عناصر مهمة في تكوين البنية الاجتماعية التحتية للأنظمة العربية الحاكمة. وتكون حصيلة ذلك أن يوازن الدعم المدني القوة العسكرية. او  إقامة التحالفات مع جماعات الأقلية.
فبهذا الأسلوب تتشكل جماعة من المستفيدين من بقاء النظام ودوامه. وإذا ما أمكن توريط جماعات الأقلية هذه في نشاطات النظام القمعية، أو إذا ما جُعلت هدفاً للسخط بسبب ما تحظى به من امتيازات، أصبحت لها أسباب مرتبطة بمصالحها الذاتية تدفعها لحماية الوضع الراهن وإبقائه على ما هو- عليه. وبذلك، تكون هذه الجماعات حلفاء مأمونة الجانب تماماً. فخلال الفترة التي حكم فيها البعثيون العراق احتل أبناء عشائر الأقلية السنية، ومعظمهم يقطنون بلدات وقرى تقع في وسط العراق، المناصب الأساسية المهمة في النظام الحاكم. كما يبدو الانحياز الطائفي جلياً في سوريا أيضاً، حيث يتبوأ أفراد طائفة العلويين، وهي الطائفة الدينية التي تنحدر منها عشيرة الأسد، الكثير من المناصب المهمة، بما في ذلك المناصب العليا في الجيش. أما في الأردن، فإن العوائل البدوية التي تسكن الضفة الشرقية لنهر الأردن تكون الأرضية الصلبة التي يرتكز عليها النظام، ودعمها المستمر للسلالة الهاشمية مسألة حيوية حاسمة وأبناء هذه العوائل البارزة يحتلون مناصب عالية في الجيش ومواقع البيروقراطية المدنية.
© منبر الحرية، 15 دجنبر/كانون الأول2009

peshwazarabic18 نوفمبر، 20100

بيقع إقليم دارفور في أقصي الغرب، والشمال الغربي للسودان بين خطي عرض 9- 20 شمالاً، وخطي طول 16-  27.7 شرقا.  وتصل مساحته إلي ما يقرب من 20% من مساحة السودان وهو أكبر من نصف مساحة جمهورية مصر العربية وأكبر من فرنسا حيث تصل هذه المساحة إلي 200 ألف ميل مربع ، وتشترك في حدودها مع ثلاث دول أفريقية هي ليبيا من الشمال الغربي، وتشاد من الغرب، وأفريقيا الوسطى من الجنوب الغربي. ويتكون إقليم دارفور من ثلاث ولايات هي: شمال دارفور، وجنوب دارفور، وغرب دارفور.
ساعدت الحدود المفتوحة والتداخل القبلي بين دارفور وتشاد (التي شهدت حرباً أهلية خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي) على انتشار السلاح في إقليم دارفور، كما ساهمت الحكومة السودانية في إذكاء الصراع في دارفور، حيث قامت (منذ عهد الصادق المهدى وحتى نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير)  بتزويد بعض القبائل العربية بالسلاح من أجل إحكام قبضتها على الإقليم ومنع الحركة الشعبية لتحرير السودان من مد نفوذها أو مسرح عملياتها إلي دارفور، وأدي ذلك إلي تفاقم الصراع وتدهور الأوضاع الأمنية في الإقليم، حيث استخدمت القبائل العربية الأسلحة التي حصلت عليها من الحكومة في صراعها مع القبائل الأفريقية الأخرى. ووفقا لبعض التقديرات فقد أدت المواجهات المسلحة والعمليات العسكرية التي وقعت فى دارفور (منذ فبراير 2003) إلي مقتل نحو 300 ألف شخص، بالإضافة إلى 180 ألف آخرين ماتوا جوعاً، ونزوح نحو 1.6 مليون شخص داخل دارفور، وفر نحو 200 ألف لاجئ إلي الدول المجاورة وخاصةً تشاد . وإذا ما استعرضنا أسباب الأزمة في دارفور يمكن الإشارة إلي عديد من الأسباب أهمها :
1.    أسباب بيئية: حيث تعاني المنطقة منذ سنوات عديدة من تدهور بيئي وأمني، مع تعاقب موجات الجفاف وبالتالي تعدد المجاعات .
2.    أسباب تنموية: وتتلخص في إهمال الحكومات المركزية المتعاقبة لعملية التنمية في الإقليم رغم إسهامه الكبير في الدخل القومي .
3.     أسباب سياسية: وترجع إلي الانشقاق الذي حدث في صفوف الجبهة القومية الإسلامية عام 2000 حيث بدأ العمل المعادي للحكومة المركزية يبرز في دارفور نظراً لأن عدداً من القيادات السياسية للجبهة القومية الإسلامية ينحدرون من إقليم دارفور.
4.    العسكرية القبلية: أدت الصراعات القبلية علي الأرض ومصادر المياه بسبب التصحر والجفاف إلي تشكيل ميليشيات قبلية من قبائل متعددة متصارعة .
إن  الأمر الذي لا شك فيه أن مشكلة دارفور تعكس بامتياز صراعاً دولياً واضحاً بين مختلف القوي الكبرى فيما أطلق عليه صراع المحاور في الإقليم .
أولاً :  تشكل الولايات المتحدة الأمريكية  محوراً قائماً بذاته لمصالحها الكبرى في السودان وتسعي للإنفراد به إذ تعتبره منطقة نفوذ طبيعية لها استنادا إلي علاقاتها بأغلب الأنظمة التي حكمت السودان. وتؤيد الولايات المتحدة الانتشار السريع لقوة حفظ السلام المشتركة في دارفور (يوناميد) المكونة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وقوامها 26 ألف جندي.
ثانياً :  تشكل بريطانيا محوراً ثانياً، وتنطلق في ذلك مما تعتبره حق تاريخي بصفتها المستعمر السابق للسودان، وتحاول مقاومة فكرة أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية  وريثة جديدة لمناطقها القديمة.
ثالثاً :  أبدت فرنسا اهتماماً كبيراً بتطورات الوضع في دارفور، وهو أمر منطقي وطبيعي حيث أن إقليم دارفور يجاور مناطق نفوذ فرنسية غاية في الحساسية والأهمية، تاريخياً واقتصادياً واستراتيچياً، ونعني بها جمهورية تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، كما أنه بوابة رئيسية إلى منطقة غرب أفريقيا. ولفرنسا قاعدة عسكرية في تشاد.  ومن هنا ينطلق الموقف الفرنسي أيضاً من ظروف تدفق اللاجئين إلي تشاد، وتهديد الولايات المتحدة بالتدخل، مما يشير إلي تغير الوضع في إقليم دارفور وما حوله، وهى مناطق ذات علاقات ومصالح مع فرنسا ومجموعة الدول الفرانكفونية المرتبطة بها، لذا تدخلت فرنسا في مشكلة دارفور لحماية مصالحها في المنطقة ولإبعاد الولايات المتحدة عن مجالها الحيوي
رابعاً :  انطلقت دول أوروبية أخري مثل ألمانيا والنرويج لتزج بنفسها في هذا السباق القائم علي المصلحة، لتشكل في النهاية محورا أوروبياً في وجه المحور الأمريكي.
خامساً : شكلت الصين محوراً قائماً بذاته، حفاظاً علي مصالحها النفطية في السودان يعد النفط وضمان الحصول عليه واستمرار ذلك هو عنصر المصلحة الرئيسي والأكبر للصين في التعامل مع قضية دارفور . حيث أن شركة النفط الصينية الوطنية هي أكبر مستثمر أجنبي للنفط فى السودان منذ عام 1999 ، حيث استثمرت الصين 15 مليار دولار علي الأقل في السودان وتمتلك 50 بالمائة من مصفاة للنفط تقع بالقرب من الخرطوم بالمشاركة مع الحكومة السودانية . وتحصل الصين علي 65 إلى 80 بالمائة من النفط الذي تنتجه السودان ويبلغ 500 ألف برميل.
ومن هنا لا يمكن فصل الاضطراب الحاصل في دارفور عن دائرة الصراعات الدولية علي النفوذ في أفريقيا .ولابد من قيام تأييد دولي واسع لجهود الوسيط الدولي المشترك للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي من أجل إحياء العملية السياسية بين الحكومة السودانية وجماعات المتمردين غير الموقعين علي اتفاق سلام دارفور في العام 2006، بما في ذلك المحادثات الجارية في العاصمة القطرية الدوحة. وتأييد  التوصل إلى حل سياسي للنزاع ، بما يتضمنه من فقرات تتعلق بالأمن والتعويضات حسبما تحدد في إتفاق سلام دارفور، وهو ما أوجد أطراً عريضة من أجل التوصل إلي نتيجة نهائية تسمح في نهاية المطاف لملايين من أهالي دارفور بالعودة إلي ديارهم وإعادة بناء حياتهم من جديد والعيش في سلام.
*د. عبدالعظيم محمود حنفي باحث في العلوم السياسية مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات القاهرة.
© منبر الحرية، 04 أبريل 2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

عادت ظاهرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا بقوة في السنوات الأخيرة وآخر سلسة الانقلابات، كان انقلاب النيجر الذي قاده سالو جيبو، قائد وحدة الدعم في نيامي. والذي عين نفسه رئيسا للمجلس الأعلى لإعادة الديمقراطية”.والذي أطاح بالرئيس مامادو تانجا “71 عاما” الذي كان قد  اعتلى سدة الحكم في البلاد منذ العام‏1999‏ ليخلف داودا مالام وانكي في رئاسة البلاد.
ومسمى إعادة الديمقراطية وهو مسمى براق له مسوغه باعتبار أن الرئيس المخلوع قد  أراق دم الديمقراطية اثر الأزمة التي  اندلعت عندما أعلن انه اعتمد “صلاحيات استثنائية” استنادا إلى البند 53 من الدستور الذي ينص على انه “عندما يتعرض الاستقلال والجمهورية للخطر” يمكن للرئيس أن يحكم بالمراسيم.
واتخذ الرئيس هذا الموقف اثر قرار المحكمة الدستورية اعتراض مشروع استفتاء يهدف إلى تعديل الدستور لتمكينه من الترشح لولاية ثالثة  وهذا الدستور يمنحه -أيضا – سلطات أوسع ويمدد فترة حكمه. وفي اليوم التالي سارعت المعارضة المنضوية في جبهة الدفاع عن الديمقراطية، إلى “إدانة انقلاب” نفذه الرئيس ودعت قوات الأمن والدفاع إلى “عصيان أوامر رجل اختار عمدا انتهاك الدستور وفقد بالتالي أي شرعية سياسية وأخلاقية”. وأمر ممادو تانجا بحل المحكمة الدستورية التي اعترضت ثلاث مرات  على مشروع الاستفتاء وحصل  الرئيس بعد ذلك على تمديد مثير للجدل لولايته في ختام استفتاء ‏ولذا رأى سالو جيبو انه وجب خلعه.
ويعتبر هذا ثالث انقلاب تشهده النيجر الغنية باليورانيوم منذ التسعينيات. الطريف أن الاتحاد الإفريقي على خلفية انقلاب غينيا وما سبقه من انقلابي موريتانيا وانقلاب إفريقيا الوسطى  كان له موقف محدد  في هذا الشأن..، وهو أي سلطة تصل إلى الحكم من خلال الانقلاب العسكري لا يتم الاعتراف بها ولا يسمح لها بالتالي بالمشاركة في أعمال القمة. وينظر الاتحاد الإفريقي إلى الانقلابات العسكرية باعتبارها من أكبر معوقات التنمية في القارة التي شهدت 186 انقلابا و26 صراعا كبيرا في الخمسين عاما الماضية، وهو الأمر الذي لم يجد هوى في نفس بعض القادة -مثل – فرنسوا بوزيز رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى الذي استولى  على السلطة في انقلاب عسكري قائلا أن من الصعب على إفريقيا وضع قواعد صارمة على الانقلابات لان كل دولة تختلف عن الأخرى.
وقال بوزيز انه كان مجبرا على الاستيلاء على السلطة في عام 2003 لان الحكومة في ذلك الوقت لم تكن تمارس “حكما رشيدا.” واستولى بوزيز على السلطة بمساعدة مرتزقة من تشاد في عام 2003 عندما اجتاح العاصمة وأطاح بالرئيس انج فيليكس باتاسيه الذي يقيم حاليا في المنفى. وشهدت  إفريقيا الوسطى (المستعمرة الفرنسية السابقة)  11 محاولة انقلاب أو تمرد في الأعوام العشرة الماضية.
ويمكن القول أن التراجع الديمقراطي في إفريقيا هو امتداد للتراجع الديمقراطي العالمي الذي لا تحبذه شعوب العالم التواقة إلى الحفاظ على المثل الديمقراطية. فما الذي يدعو الجيوش إلى التدخل في السياسة في إفريقيا وإلى انتشار ظاهرة النظم العسكرية ولو بلباس مدني ؟
يمكن القول انه يوجد  اتجاهان رئيسيان في هذا الشأن :
– الأول: يرى بأن تدخل العسكريين في نظم الحكم يعود إلى أسباب تخص العسكريين أنفسهم مثل شيوع روح الخدمة العامة لديهم، وبنيان مهاراتهم والتي تجمع بين القدرة الإدارية ومواقفهم البطولية، وأصولهم الاجتماعية المستمدة من الطبقة المتوسطة والطبقة المتوسطة الدنيا، وفضلا عن تماسكهم الداخلي يضاف إلى ذلك أيضا درجة التعليم التي يتمتعون بها، ومدى اعتقادهم في الشرعية، وطبيعة العلاقات المدنية العسكرية القائمة كما يمكن أن يعود تدخل العسكريين في الحياة السياسية إلى أسباب تخص العسكريين كفئة اجتماعية كانخفاض الرواتب، أو المساس بكرامة وشرف المهنة، أو التأثير السلبي على الجيش من جانب المدنيين، أو شعور بعض العسكريين بتهديد مصدره ضباط آخرون. إن هذا الاتجاه ينظر إلى المجتمع كجماعات مستقلة ولكنها متنافرة لكل منها ميدانه الخاص، ومن هنا لم يمد أنصارهم بصرهم إلى المجتمع كله وخصائصه التي قد تدفع العسكريين إلى التدخل أو تبعدهم عنها.
الاتجاه الثاني : ويترأسه هانتنجتون والذي  كان يرى بأن أهم الأسباب التي تدفع إلى تدخل العسكريين في السياسة ليست أسبابا عسكرية، ولكنها أسباب سياسية لا تعكس الخصائص الاجتماعية والتنظيمية للمؤسسة العسكرية، ولكنها تعكس البنيان السياسي والمؤسسي للمجتمع ففي دول العالم الثالث حيث تفقد السياسة أهم خصائصها سواء من حيث الاستقلال الذاتي  أو التركيب، أو التماسك أو التكيف، تنخرط كافة القوى والجماعات الاجتماعية في العمل السياسي المباشر، والدول التي تشهد جيوشا وعسكريين، تشهد كذلك رجال دين سياسيين، وجماعات سياسية، وبيروقراطية سياسية، واتحادات ونقابات سياسية، وشركات كبرى ورجال أعمال سياسيين، ويصير تدخل العسكريين في هذه الحالة بدافع الحرص على مسألة التوزيع الخاص بالقوة والمكانة داخل النظام السياسي، فالدوافع إذن ليست عسكرية، كما أنها لا تقتصر على خصائص العسكريين ولكنها تمتد إلى المجتمع ككل وخاصة ما يتعلق بالبنيان السياسي والمؤسسي للمجتمع، وهو الذي يدفع بالعديد من القوى الاجتماعية إلى الإقدام على العمل السياسي.
© منبر الحرية،14 تموز/يوليو  2010

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن التفاعلات التي تحدث في الساحة الداخلية السودانية وكان آخرها الإعلان عن تجمع جوبا الذي يجمع الحركة الشعبية والأحزاب الشمالية المعارضة لحكومة الإنقاذ في الخرطوم، وما أعقبها من تعثر العلاقة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لا تنبئ إلا بازدياد احتمالات انفصال الجنوب السوداني.
وقد تم ذلك وفق الاتفاقات التي عقدت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان (الاتفاق الإطاري ماشاكوس 20يوليو 2002 واتفاق الترتيبات الأمنية 25 سبتمبر 2003 واتفاق تقاسم الثروة 7 يناير2004، واتفاق تقاسم السلطة 26 مايو2004  وبروتوكول تسوية الصراع في ولايات جنوبي كردفان والنيل الأزرق 26  مايو  2004وبروتوكول تسوية الصراع في منطقة ابيي 26 مايو2004، و الاتفاق الشامل للسلام في   31 ديسمبر 2004 ) مما يثير تساؤلات حول موقف واشنطن من انفصال الجنوب السوداني.
هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة
الأول : قيام دولة سودانية اتحادية عربية أفريقية
وهذا هو السيناريو الأسوأ لواشنطن رغم انه السيناريو الأفضل للسودان، لأنه يحقق مفهوم المواطنة المتساوية لكل أبناء السودان على اختلاف معتقداتهم وإثنياتهم، ويحقق إجماعا وطنيا سودانيا، إلا أنه يصعب تحقيقه نظرا لعدم وجود تنظيم سياسي حديث يرفع أجندة وطنية يمكن أن تلتف حولها كل فئات المجتمع السوداني بصرف النظر عن المعتقد أو العامل الإثني أو الإقليمي، خصوصا وأن كل المفاوضات التي دارت وتدور برعاية من الولايات المتحدة لم تناقش من قريب أو بعيد مسألة هوية السودان.
الثاني : انفصال جنوب السودان
وهذا السيناريو وارد الحدوث بشدة في ظل الظروف التي حدثت وتحدث حاليا. نتيجة إدراك الحكومة السودانية أن زمام الأمور تفلت من يدها، وهي ستبادر إلى إعلان اعترافها بدولة جنوب السودان –فور إعلانه – حفاظا على ما تبقي تحت يدها من الشمال كي تطبق فيه الشريعة الإسلامية بدليل الاتفاق الأخير الذي تم بين الحكومة والحركة الشعبية في شهر ديسمبر /كانون الأول 2009 وكأنه إقرار مبكر من حكومة الخرطوم بالتسليم بالانفصال. وتلك الرؤية يعتنقها العديد من أنصار التيار الإسلامي الأصولي في السودان، ويساند هذه الرؤية سيطرة الحركة الشعبية على معظم أراضي جنوب السودان وامتداد نفوذ عملياتها إلى شرق وغرب السودان وتمتعها بدعم من دول الجوار الإفريقي، وبمساندة غير محدودة من جانب الولايات المتحدة.
وعلى أية حال فإن خيار الانفصال تواجهه مصاعب للأسباب التالية :
إن جنوب السودان لا يتمتع بالجدارة الاجتماعية، ذلك أن طبيعة الصراعات فيه بين الدنكا في جانب والنوير و الشيلوك في جانب آخر تبدو أعقد بكثير من الصراع بين الشمال والجنوب. وبهذا فإن انفصاله قد يؤدي إلى اندلاع صراع اجتماعي ممتد تشيع فيه حالة الفوضى والاضطراب في منطقة حوض النيل ككل.
إن دول الجوار الجغرافي لجنوب السودان لن تسلم بانفصاله واستقلاله لأنها كلها تعاني من ذات المشكلة، ومن شأن قيام دولة جنوبية معترف بها امتداد هذا الوضع وبمنطق العدوى إلى كل دول الجوار، حيث تسعى الجماعات المعارضة هي الأخرى إلى الانفصال.
إن الشرعية الأفريقية وعلى نحو ما ورد في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي ترفض عملية الانفصال مخافة تمزيق أوصال معظم الدول الأفريقية حيث ينص هذا القانون على الحفاظ على الحدود التي ورثتها الدول الأفريقية ساعة الاستقلال.
ورغم أن ذلك السيناريو ليس المفضل للإدارة الأمريكية – لأسباب عدة نذكر منها :
أن الإدارة الأمريكية تضع السودان ضمن ما أسمته القرن الأفريقي الكبير، وهي بهذا تريد أن تنتزعه كلية من الحظيرة العربية.
•    أن مصالح الشركات البترولية الكبرى وعلى رأسها الشركات الأمريكية ليس من مصلحتها تقسيم السودان بالنظر إلى اكتشاف النفط في الشمال بكميات واعدة، وامتداد حقول النفط بين الجنوب والشمال بشكل يؤدي الانفصال معه إلى عرقلة نشاط هذه الشركات من جهة وسيادة حالة عدم الاستقرار من جهة أخرى.
•     ثم إن انفصال جنوب السودان وتشجيع دول الجوار الأفريقي له قد يؤدي إلى زيادة الصراع بين الدولة الجنوبية والدولة الشمالية، ويضع على الأخيرة ضغوطا قد تدفعها دفعا للوحدة مع مصر وليس من شك في أن وضعا كهذا لن يخدم المخطط الأمريكي الذي يستهدف إضعاف مصر، بل وربما تمزيقها بحسبان كونها ركيزة لأي توجه وتجمع عربي. ومع ذلك فان الإدارة الأمريكية ستساند الحكومة الوليدة إذا ما أعلنت.
الثالث : قيام دولة سودانية ذات هوية افريقية
وهذا هو السيناريو المفضل الذي يلق تأييدا من قبل الإدارة الأمريكية، ودليلنا على ذلك هو أن قيادات الحركة الشعبية كثيرا ما أعلنت عن هذا البديل تحت مسمى السودان العلماني الموحد الجديد، وكثيرا ما أعلنت عن عدائها للعرب في السودان، ووصفتهم “بالجلادة”، وأشارت إلى أن نسبتهم لا تتجاوز 31% من شعب السودان، فإذا ما أضفنا إلى ذلك وجود مابين مليون إلى مليوني جنوبي يعيشون في معسكرات حول الخرطوم معظمهم من الشباب لأدركنا مدى صدق مقولة جارانج في بداية التسعينيات ” سأصل إلى الخرطوم على قرع الطبول مثلما فعل أخي يوري موسيفيني عندما دخل كمبالا على قرع الطبول ”
إن دول جوار جنوب السودان (إرتيريا – إثيوبيا – أوغندا..الخ ) يمكنها أن تقمع أي دعاوي انفصالية فيها، وستستريح من توجهات نظم الحكم المتعاقبة على السودان والتي لم تنفك عن الدعوة إلى اعتناق دستور إسلامي، أو العمل على تصدير الأصولية الإسلامية إليها، وهنا يمكن للمخطط الأمريكي أن يلحق الضرر كل الضرر بمصالح مصر الإستراتجية كلية، ويمكن أن يضر بمصالح مصر المائية ويمكن للسودان الأفريقي في هذه الحالة بحكم ثروته البترولية أن يقيم مشروعات زراعية ضخمة بحيث يصبح “سلة الغذاء ” ليس للعالم العربي وإنما للعالم الغربي.
© منبر الحرية، 28 ديسمبر/كانون الأول 2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

تحتفل برلين ومعها العالم بذكرى 9 تشرين الثاني/نوفمبر بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين ، قد نوافق جميعنا على التداعيات الاستراتيجية الجغرافية التي تلت سقوط جدار برلين: بدأت الإمبراطورية السوفياتية تختفي ومعها بدأت الدول الدائرة في فلكها، ومن بينها ألمانيا الشرقية، الخروج من السيطرة السوفياتية.  وقد ساهم سقوط جدار برلين بدرجة كبيرة في سقوط النظام الشيوعي في الكتلة السوفياتية بكاملها. وقد شكل سقوط جدار برلين رمزاً دراماتيكياً للحرية التي استعيدت في تلك السنة العجائبية 1989، حينما أصبح الأمر الذي لم يكن من الممكن تصوره في الحياة السياسية في أوروبا الوسطى.
لقد سبق هذا الحدث عدة إرهاصات. فقد شارك الملايين من الناس في أوروبا الشرقية والوسطى في مظاهرات سلمية ضد أنظمة الحكم القائمة وبدت الشيوعية وكأنها تتلاشى.. و العملية بدأت بشكل واسع في آب/أغسطس 1980 عندما ألغى إضراب كبير في حوض إصلاح السفن في غدانسك شرعية ديكتاتورية الحزب الشيوعي، الذي كان يدعي أنه يمثل “ديكتاتورية الطبقة العاملة”. كان حدثاً استثنائياً. وشكّل ذلك أشد هزيمة معنوية للشيوعية.
بدأ تفكيك جدار برلين الحقيقي من هنا بالذات وفي ذلك الحين. وشكلت التسوية التي تم التوصل إليها في اجتماع الطاولة المستديرة البولندية والانتخابات شبه الحرة التي أعقبتها في حزيران/يونيو 1989 ضربات المطارق الثقيلة على النظم الشمولية.
تفكك الستار الحديدي قبل وقت طويل من تحطّم جدار برلين في تشرين الثاني/نوفمبر 1989. كان النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية يعيش أيامه الأخيرة لسنوات عديدة. فقد خنقت أنظمة الحزب الواحد حقوق الإنسان والحريات السياسية وكانت عاجزة عن توفير الشيء الجوهري الرئيسي الذي يبرر الشيوعية: الأداء الاقتصادي. التفاوتات بين الشرق والغرب ازدادت وضوحاً خلال الثمانينيات من القرن العشرين، ولا سيما مع تكامل السوق الأوروبية الذي عزز ازدهار أوروبا الغربية في الحين الذي أظهر حلف وارسو الخاضع للسيطرة السوفياتية أنه لم يعد بديلاً موثوقاً لأوروبا الموحدة. لم يكن قد بقي لدى الشيوعية القوة اللازمة لمقاومة موتها. أثبتت الماركسية-اللينينية، المفلسة عقائدياً، وغير الكفؤة اقتصادياً، والبدائية سياسياً أنها تجربة أخرى وصلت إلى نهايتها. علاوة على ذلك، لم يعد لدى النظام السوفياتي الذي دعم حكومات وكيلة له عبر أوروبا الشرقية، الإيمان القوي أو الموارد للقمع القسري لتطلعات الشعوب “الشقيقة” نحو التعددية والاستقلال  القومي.
وكانت ألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية) في كافة مظاهرها دولة شيوعية، ومع ذلك كانت دولة فريدة نوعاً ما. كانت تحكمها حكومة غير كفؤة يديرها حزب معروف بالفساد، والمراقبة البوليسية لكل شيء، وأزمة اقتصادية تزداد خطورة. لكن الأمر الشاذ كان وجود الدولة الألمانية الأخرى، الديمقراطية والغنية، ووجود الحاميات العسكرية السوفياتية على أراضي جمهورية ألمانيا الديمقراطية. كان يقال في السابق إن بروسيا لم تكن دولة لها جيش بل كانت جيشاً له دولة. لم تكن جمهورية ألمانيا الديمقراطية دولة توجد فيها حاميات سوفياتية بل كانت دولة للحاميات السوفياتية. كان ذلك السبب والضمانة لوجود جمهورية ألمانيا الديمقراطية بذاته.
استنتج الحلفاء الغربيون بسرعة انه ما لم تكن ألمانيا ودول أخرى في أوروبا ديمقراطية ومزدهرة فإن القوة السوفياتية قد تتوسع عبر باقي القارة. ساهمت المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة في ظل خطة مارشال، والتي بلغت كلفتها أكثر من 13 بليون دولار، في تأمين هذا الازدهار. لكن الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية الدائرة في فلكه رفضت المساعدات المقدمة بموجب خطة مارشال. وفي المقابل، بدأ الجيش الأحمر الموجود في منطقة الاحتلال السوفياتي بتفكيك المصانع والمنشآت الصناعية الألمانية الأخرى ونقلها إلى روسيا للتعويض عن الأضرار الهائلة التي ألحقها الجيش الألماني بالاتحاد السوفياتي.
لقد بقيت برلين الرمز والبؤرة الأكثر خطورة خلال الحرب الباردة، واستخدمت ككوة لهروب الألمان الشرقيين الذين أرادوا تغيير حياتهم من واحدة كانوا يعيشون تحت سيطرة ديكتاتورية تعاني من الضعف الاقتصادي إلى أخرى ينعمون فيها بالحرية وإمكانية الحركة في ألمانيا الغربية، التي كانت تتمتع آنذاك “بمعجزة اقتصادية” وباقتصاد سوق يتسم بالمسؤولية الاجتماعية.
في حزيران/يونيو 1989، فتحت الحدود فعلياً بين المجر والنمسا، و يعنى هذا أنه أصبح بإمكان الألمان الشرقيين، الذين كانوا يستطيعون بسهولة السفر إلى دولة المجر الشيوعية والصديقة، من الوصول إلى ألمانيا الغربية عبر النمسا بدون الحاجة إلى القفز فوق جدار برلين. لجأ ألمان شرقيون آخرون إلى سفارات ألمانيا الغربية في براغ وبودابست مصممين على البقاء في أرض السفارة إلى أن يتم تأمين وسائل دخولهم إلى ألمانيا الغربية. كان الألمان الشرقيون، يعرضون أنفسهم للخطر الواضح، ويسيرون في المظاهرات، إما في الخارج أو حتى بدرجة أكثر أثراً في شوارع وطنهم. في 9 تشرين الثاني/نوفمبر،  أصبح فتح جدار برلين إلى أول انتصار سلمي وناجح في النهاية للثورة الألمانية و انتصاراً للحرية والديمقراطية.
شكل سقوط جدار برلين فاتحة لحركة التحرير القومي لدول أوروبا الوسطى والشرقية من السيطرة السوفياتية. وفي حين ان الشيوعية لم تعد سوى كابوس يتلاشى تأثيره في هذه الدول.  ولكن كان لهدم جدار برلين وانتهاء الشيوعية أكثر من وجه واحد. تماماً كما ان المجزرة في ساحة السلام السماوي في بكين شكلت تأثيراً معادلاً مناقضا للانتخابات البولندية في حزيران/يونيو 1989 التي ألحقت الهزيمة بالشيوعيين، فإن الثورات المخملية في أوروبا الوسطى، كان لها ما يوازيها من أعمال موازية مظلمة ظهرت عبر الأحداث الدموية في رومانيا والحرب الطويلة في يوغوسلافيا السابقة. تلطخ القماش المخملي بالدم ولا تزال رائحة هذا الدم فوّاحة في أوروبا. فمسيرة الحرية في العالم هي مسيرة مضنية وقاسية.
سوف ينهمك المؤرخون طويلاً في مناظرات حول كافة الأمور التي ساهمت في هذا التحرير وكيف حدث، ولكن كان من الواضح أن سلسلة من العمليات المتسلسلة غير المتوقعة هي التي أحدثت هذا التحرر. كانت أحداث برلين رمزاً وواقعاً حقيقياً لانتصار المثل العليا : مثل التوق البشري الى فضاء  الحرية والتحرر ورفضه للشمولية وكافة ما يعوق حرية الانسان وابداعاته.
ومن هنا كان الامل كبيرا أن تمتد العدوى الديمقراطية الى الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد…
© منبر الحرية، 8 نوفمبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic17 نوفمبر، 20100

إن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط غالباً ما تواجه ضغوطاً و توترات متضاددة. فيمكن للمتتبع للسياسة الخارجية الأمريكية أن يلاحظ  تحركات تهدف إلى إشاعة و تكريس الاستقرار السياسي من جهة ومحاولات تهدف  إلى تشجيع الإصلاح السياسي من جهة أخرى. أما التوتر الثاني فمرده الحاجة إلى تحديد ما إذا كان الأصح تركيز السياسات على الأنظمة أم على الجماهير. إذ على الرغم مما للولايات المتحدة من عظيم مصلحة في تحقيق الإصلاح السياسي في عموم المنطقة، فإن لها اهتمامات استراتيجية لا تقل شأناً بصدد الانعكاسات والآثار القصيرة المدى التي ستنجم عن تزايد المشاركة الشعبية. فالمستويات العالية من المشاعر المناهضة للولايات المتحدة  في مختلف أرجاء المنطقة  تعني أن أي انفتاح في الأنظمة السياسية في المنطقة قد يكون من نتائجه ظهور سياسات تعكس التوجهات الشعبية في صيغة علاقات أكثر تباعداً مع الولايات المتحدة. وأية تحركات في هذا الاتجاه يمكن أن تؤدي إلى تعقيد بلوغ الولايات المتحدة أهدافها الإقليمية، بالإضافة إلى الأهداف الأوسع التي ترمي إليها.
وإذا كان البعض يعلق أمالا على دور ما للرئيس أوباما في اشاعة التطور الديمقراطي في المنطقة، فإن  دور الأشخاص في العملية السياسية الأمريكية رغم أهميته الكبرى في التأثير على قرارات بعينها، فإنه يظل خاضعا للاعتبارات المؤسسية قبل أي شيء آخر. والمؤسسة هنا تعبير يراد به ذلك المزيج ما بين التوجه الفكري والتنظيم والأداء السلوكي استنادا إلى قناعات فكرية وأهداف بعينها فضلا عن توازنات كبرى تحكم علاقة هذه المؤسسة بغيرها من المؤسسات الأساسية.
ترى المؤسسة الأمريكية أن زيادة الإصلاح السياسي  في الشرق الأوسط قد تمكن مستقبلاً بعض الأصوات الجديدة  المعارضة من الاندماج بالحكومة. وبروز القوميين والإسلاميين، أو أي منهما، في حكومات منفردة قد يثير مشاعر الحذر والتطير لدى أنظمة الحكم الأخرى. وإذ يناضل صانعو القرار في الإدارة الامريكية  لإيجاد الموازنة الصحيحة بين الإستقرار والديمقراطية، تبقى تلوح على سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة معالم التناقض في معظم الأحيان. فالشعارات الحماسية الداعمة للإصلاح السياسي في المنطقة كانت تطرح دائماً مصحوبة بتقبل السياسات اللاديمقراطية التي يمارسها شركاء الولايات المتحدة، مع التغافل في الوقت ذاته عن أية تطورات ديمقراطية تتحقق على أيدي الخصوم المتوقعين. وحين كان يتحتم على الولايات المتحدة أن تختار ما بين الديمقراطية والإستقرار الإقليمي كان خيارها شبه الثابت هو الاستقرار. وهذا الخيار كانت له انعكاساته على كلا الأنظمة الحاكمة والجماهير في المنطقة.
تفضيل الاستقرار على الدمقرطة جعل الولايات المتحدة تقف على نحو فعال في صف مصالح الأنظمة الشرق أوسطية أكثر منها في صف مصالح الجماهير. والمشاعر المناهضة لأميركا في المنطقة ليست بالظاهرة الجديدة. وقد جعلت هجمات 11 أيلول صانعي القرار في الولايات المتحدة أكثر تحسساً تجاه طريقة فهم الناس للولايات المتحدة ولسياساتها. وتواصل المؤسسة الأمريكية  إطلاق حملة من البرامج والنشرات الدعائية التي تمولها الحكومة الأميركية تهدف إلى شرح أسلوب الحياة الأميركية وعرض حياة المسلمين الأميركيين بشكل يبرز أجمل ما فيها. وقد افترضت هذه الاستراتيجية ضمناً أن العقبة الرئيسية التي تواجهها الولايات المتحدة في المنطقة هي العجز عن فهم القيم الأميركية والهوية الأميركية. أي أنها تخلص باختصار إلى أن العرب والمسلمين لو عرفونا على حقيقتنا لأحبونا، أو لقل ضيقهم بنا على أقل تقدير. إن العيب الرئيسي في هذا الافتراض، على ما يبدو، يكمن في أن المشكلة المركزية هي الخلاف مع الولايات المتحدة بشأن سياساتها، وليس النقص في المعلومات المتوفرة عن الولايات المتحدة.
ولكن لا ينكر أن سوء الفهم من شأنه جعل الأمور أسوأ بكثير. فالولايات المتحدة تنسب إليها غالباً أسوأ الدوافع على الإطلاق، ويندر أن تذكر واشنطن بخير على أية سياسة تتبعها حتى لو أدت إلى إنقاذ حياة المسلمين، مثل تدخلها في البلقان.
كما أن الولايات المتحدة تفضل الاستقرار على التغيير في الشرق الأوسط لقناعتها أن
القادة في المنطقة  يواجهون عددا من التحديات لحكمهم. و بوصف أكثر دقة، تحديات لقدرة الحكام على الاحتفاظ بروابط مع الولايات المتحدة أو تقوية هذه الروابط. فأن الأحزاب السياسية الوليدة، والصحافة التي تنعم بقدر أكبر من الحرية، وباقي عناصر المجتمع المدني النامي آخذة كلها في تقليص هيمنة الحكومات على السياسة بعد أن كانت في يوم ما هيمنة مطلقة بلا قيود. ويكون من نتائج هذا أن القادة يغدون أقل مرونة في سياساتهم الخارجية، وربما يأخذون في الاستجابة للضغوط الشعبية أكثر من ذي قبل.
ومن هنا فإن الولايات المتحدة لا تناصر-حتى-  اتخاذ اجراءات محدودة لتقاسم السلطة  لأن ذلك-من وجهة نظرها – يحمل معه محاذير تزايد المعارضة والتنظيمات المناهضة للأنظمة، وهذا قد يؤدي إلى تعاظم خطر حدوث تبدل الأنظمة أو زيادة زعزعة الاستقرار على الأقل.
كما ترى واشنطن أنه ستكون لعمليتي التحرر والدمقرطة آثار عميقة على الأمن  وعلى المصالح الأمريكية في البلدان التي تحكمها حكومات موالية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات كافية، فإن استفتاءات أجرتها مؤسسات أمريكية ذات خبرة مثل  ( بيو ) أوحت  بأن الكثير من المواطنين في المنطقة يعادون سياسة الولايات المتحدة.
إن إتاحة المجال أمام مشاركة شعبية أكبر في صناعة القرار سوف تمكن هؤلاء المواطنين من الضغط على حكوماتهم لكي تعمل على الحد من تعاونها مع واشنطن، لاسيما فيما يتعلق بالسياسات التي تعتبر مؤيدة لإسرائيل. كما أن استمرار العنف في المناطق الإسرائيلية والفلسطينية من شأنه أن يزعزع الاستقرار أكثر فأكثر ويؤدي إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وأوثق حلفائها الإقليميين ويؤدي إلى انفضاض الأنظمة الصديقة من حول واشنطن.
© منبر الحرية، 20 سبتمبر/أيلول 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018