نبيل علي صالح

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20100

استقر الغرب الحديث اقتصادياً على أسس أربعة هي:
–    ليبرالية اقتصادية وحرية تداول المنتج والسلعة في ظل سوق مفتوحة (مسنودة بنظام سياسي ديمقراطي حر تداولي).
–    سيطرة شبه مطلقة على موارد الطاقة الطبيعية. (ظاهرة الاستعمار القديم والحديث).
–    هيمنة كاملة على سوق تصريف المنتجات التي يصنِّعها (مستعمرات كبيرة وممتدة جغرافياً وبشرياً تحولت إلى سوق ضخم مستهلك لمنتج المستعمِر).
–    التحكم في مواقع الإنتاج ووسائل الاتصال وطرق النقل ومنافذ البيع الدولية.
ضمن هذا السياق، وفي هذه الظروف (البحث عن أسواق لتصريف المنتجات-البحث عن أيدٍ عاملة رخيصة-البحث عن مواد خام) ولدت فكرة الاستعمار، وأدت إلى التحكم بالدول والأوطان، والسيطرة على مواقعها وثرواتها، ونهب خيراتها وطاقاتها المادية والبشرية الهائلة، وعلى خلفية ذلك اشتعلت الحروب وساد الدمار والانقسام والتفكك في كثير من الأمم والحضارات، قديمها وجديدها..
ولم تخلو أوروبا –على عكس صورتها المستقرة الراهنة- من الأزمات والانهيارات.. بل إنها مرت بمراحل صعبة من التفكك والدمار عاشت خلالها حروباً أهلية على مديات زمنية طويلة، ثم عادت وهيمنت هي بدورها على شعوب وحضارات أخرى بأكملها، وانطلقت لتغزو العالم سياسياً واقتصادياً وعلمياً بعد ذلك.
وبعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية نشأت في أوروبا فكرة وجود تجمع أو تكتل اقتصادي يجمع بين عدة دول، وكان الهدف منه زيادة المزايا النسبية في الإنتاج المادي للسلع والبضائع ومختلف أنواع المنتوجات، ومحاولة التخفيف من الآثار السلبية المترتبة على حركة المنافسة (بطابعها السلمي الرمزي أحياناً والحربي العنيف أحياناً أخرى) التي كانت تهيمن على العلاقات الدولية، بعد خروج الدول الأوربية من الحرب منقسمة ومتعبة ومحمَّلة بأعباء وتكاليف باهظة الثمن، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، وقررت أن تستعيد وضعها ضمن القوى الدولية الكبرى من خلال عملها على ما يلي:
–    إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي.
–    قبول خطة مارشال الأمريكية لإعادة تعمير أوروبا.
–    إنشاء المنظمة الأوربية العليا للفحم والصلب.
–    وو.. وأخيراً السوق الأوربية المشتركة التي قادت بدورها إلى قيام الاتحاد الأوربي بعملته الاقتصادية وطابعه السياسي المؤثر والفاعل على الساحة الدولية..
وبعد فترة من الزمن قامت الدول الأوروبية بمجموعة فعاليات ونشاطات اقتصادية أفضت إلى توقيع اتفاقية التجارة الدولية (الغات)، وكان من أهدافها:
1.    تحرير التجارة الدولية من كل الحواجز والمعيقات على المستوى القطري والعالمي.
2.    تسوية المنازعات والخصومات التجارية التي قد تحدث بين الدول الأعضاء.
3.    الإشراف على تجارة السلع والخدمات في العالم.
في هذا المناخ “السياسي-الاقتصادي” الضاغط بقوة (عبر قواه الكبرى المالكة لثلاثية القوة: المعرفة والسلطة والثروة) نأتي إلى عالمنا العربي الكبير وبالأخص منه دولنا في مجلس التعاون الخليجي التي كانت تبحث عن تكتل اقتصادي يجمع ويوحد الطاقات والموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها بلدان الخليج العربي ضمن بوتقة واحدة فاعلة ومؤثرة في عالم مليء بالتحديات والمنافسات والمصالح.. أقول: نأتي، لنتساءل مع كثيرين هنا وهناك عن طبيعة هذا الموقع الذي يشغله الخليج العربي من تلك التحديات الاقتصادية على مستوى الهضم والاستيعاب والتأثير؟! وإلى أين وصلت أفكار القائمين على المجلس لجهة مواجهة النتائج العملية الناجمة عن وجود تلك التكتلات الاقتصادية الدولية الكبرى التي تعتنق مذهباً وحيداً هو مذهب المصالح والتبادلية والتنافسية والجودة؟!..
في الإجابة نشير إلى أن قادة وزعماء دول الخليج العربي وقعوا على قرارهم التاريخي بإنشاء مجلس التعاون الخليجي في العام 1981، بهدف مواجهة أخطار عديدة خارجية محدقة بهم، ربما كان التحدي الاقتصادي أحد أسباب هذه النشأة التكتلية الأولية..
ومنذ ذلك التاريخ لا تزال حزمة غير قليلة من القرارات الاقتصادية -التي وقع عليها القادة- حبراً على ورق، تنتظر اللحظة المناسبة للتحول من حيز الكلام إلى حيز الفعل.. حتى وصل الأمر أن اعتقد كثيرٌ من المراقبين أن ولادة سوق خليجي مشترك أو اتحاد جمركي موحد تحتاج إلى ما يشبه المعجزة لإثبات أن الأمل لا يزال مشروعاً في ظل التلكؤ والتباطؤ الذي ساد طوال فترة زمنية ليست بقليلة أحدثت شكوكاً واسعة تجاه أن يكون لهذا المجلس أصلاً أي طموح تكاملي يذكر في ظل الأسباب السياسية التي دفعت لإنشائه إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
إن المخاطر والأثمان الكبيرة المطلوب دفعها (بالنظر إلى حجم النتائج السلبية المترتبة على عامل التأخر الزمني في الاستجابة لمقتضيات التحولات الاقتصادية الكبرى) قد ارتفعت أسهمها، وتزايدت بوتائر عالية حيث الهيمنة الكاملة للتكتلات الاقتصادية للدول الكبرى على الساحة الدولية (مجموعة دول الثمانية)، بما لها من قدرات ضخمة وإمكانيات تنافسية هائلة في الإنتاج والتوزيع، مما جعلها تمتلك اليد الطولى التي تتحكم من خلالها في أسواق العالم النامي.
وهذا ما يظهر عملياً عند دخول مؤسسات ومجموعات غير مصرفية في الأسواق المالية وتطور أنظمة المدفوعات الالكترونية، وهذا من شأنه أن يفرض ضغوطاً على الأنظمة الرقابية وأنظمة المدفوعات والتسويات الدولي، وكذلك على مقدرة السلطات النقدية على احتواء الصدمات الاقتصادية والمالية داخل حدودها الجغرافية والحيلولة دون امتدادها عبر الحدود.
كما أن النظام الدولي -بكل ما يحمل من خصائص اقتصادية وسياسية فعالة- سيؤدي على الأرجح إلى زيادة دور آلية السوق، وبالتالي فرض اعتبارات وتأثيرات هذا السوق المفتوح على الأحداث والتطورات الاقتصادية والمالية بصورة أكبر من تأثير الحكومات والنظم السياسية القائمة. وفي هذه الأحوال فمن المتوقع زيادة درجة انتقال التأثيرات المالية عبر الحدود بين البلدان.
© منبر الحرية، 09 مايو 2009

نبيل علي صالح10 نوفمبر، 20101

وفرت العائدات النفطية الهائلة –التي نجمت عن الارتفاع الكبير في أسعار النفط والذي وصل إلى ذروته في صيف العام 2008 قبل أن تبدأ بالانخفاض الهائل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام نفسه- موارد إضافية ضخمة داعمة لميزانيات الدول الخليجية التي تعتمد بمعظمها على تصدير النفط والصناعات النفطية الملحقة به (حيث تملك دول مجلس التعاون حوالي 44% من الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام في العالم، وحوالي 15% من احتياطيات الغاز الطبيعي.. وهذه الدول تنتج حوالي 15% من الناتج العالمي للنفط الخام، وتصل صادراتها من النفط الخام إلى حوالي 20% من إجمالي الصادرات العالمية).. وهو ما تجسد عملياً في مضاعفة العائدات المالية من النفط إلى أرقام قياسية، وتحقيق فوائض في الميزانية العامة والحساب الجاري والناتج المحلي الإجمالي.
وقد أحدث هذا الوفر الكبير (الذي يمكن تسميته بالطفرة النفطية) صدمةً حقيقية عملية لدى كثير من النخبة الاقتصادية وصناع القرار السياسي والاقتصادي الخليجي ممن يعملون على تطوير مجتمعاتهم على مختلف الأصعدة والمستويات الاقتصادية والتنموية.. بما يزيد من فرص ازدهارها وتقدمها وتأمين مستقبلها، وتمكنها من الاندماج التقني والاقتصادي في السوق الدولية، ويوفر لأبنائها عمالة متقدمة علمياً وتكنولوجياً..
وقد لاحظنا أن معظم الدول الخليجية أنشأت مؤسسات وشركات إعمارية وبنائية عملاقة وتكتلات صناعية (ظاهرة المدن الصناعية والعلمية في السعودية والكويت مثلاً) وصناديق تنموية ليس فقط في داخل بلدانها وإنما تخطت حدودها لتستثمر في بلدان مجاورة عربية وإقليمية وحتى في كثير من الدول الكبرى في أوروبا وأمريكا..
ولكن السؤال المطروح هنا، أنه ومع ازدياد أعداد سكان دول مجلس التعاون الخليجي، والحجم الهائل في زيادة الطلب على الاستهلاكيات والاحتياجات اليومية، وتعاظم القوة الشرائية لدى المواطن الخليجي الذي أدى إلى إقباله الشديد على الشراء في ظل تنوع (وضخامة) العروض المقدمة: كيف يمكن –في ظل ذلك كله- معالجة الخلل الهيكلي القائم في أسواق العمل الخليجية المتمثل حصراً في ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل من المواطنين مع الازدياد المطرد في أعداد الأيدي العاملة الخارجية المستقدمة من دول عربية مجاورة ودول أخرى آسيوية، حيث نلاحظ مثلاً وجود ما نسبته 60%من الأيدي العاملة الخارجية تقوم بتشغيل مختلف القطاعات الاقتصادية في كل من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين وسلطنة عمان؟!!.. ثم وفي حال قررت الدول الخليجية الاعتماد على عمالة مواطنيها، فهل تتوفر لدى هؤلاء الخبرة العلمية الميدانية خصوصاً وأن الشركات والمؤسسات الاقتصادية الخاصة تطلب خبرات علمية وكوادر مدربة ذات مواصفات دولية محددة، حيث أن ميزان الربح والخسارة –في النهاية- هو المعيار الحاكم في أية شركة تجارية أو صناعية أو زراعية، أما منطق الشعارات والخطابات فهذا هراء لا طائل منه إطلاقاً؟!..
إذاً أين الخلل: هل هو موجود في ذهنية وعقلية الفرد والمواطن الخليجي (وطبيعة تصوراته وثقافة العمل عنده) العازف عن الانخراط في بعض مجالات العمل، أم أن الخلل قائم في طبيعة السياسات التعليمية والاقتصادية المطبقة في البلدان الخليجية والتي لا يمكن أن تساهم في تأمين شروط التأهيل العلمي الحقيقي لأبنائها ومجتمعاتها كشرط للانخراط في العمل الميداني مما يساهم في زيادة الطلب على تأمين العمالة الوافدة المدربة والمؤهلة لتنفيذ مشاريع التنمية والإعمار والبناء في دول الخليج؟!..
في الواقع لقد أدى الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة إلى زيادة تعقيد عملية تجزئة أسواق العمل في تلك الدول، حيث لاحظنا أن القطاع الخاص الخليجي هو الذي يستقدم ويستقطب العمالة الوافدة، بينما تركزت العمالة الوطنية في القطاعات الحكومية العامة، وهذا ما جعل من غير الممكن الاستمرار في توظيف كامل العمالة الوطنية عندما بلغت قيود الميزانية حدودها القصوى، وازدادت بالتالي معدلات البطالة بين المواطنين.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن حكومات مجلس التعاون الخليجي –وفي سياق سعيها لحل إشكالية البطالة، وعدم الاعتماد الكلي على النفط في تطوير مختلف أوجه نشاطات مجتمعاتها- استفادت من تلك الزيادات الهائلة للإيرادات النفطية في تأمين النمو للكثير من القطاعات غير النفطية، ولكن على ما ظهر هناك أن الهياكل الاقتصادية الحالية لتلك الدول غير جاهزة فعلياً للتحول المذكور، مما أثر سلباً على تلك التغيرات المطلوبة في هيكل توزيع الناتج.
طبعاً القطاع الخاص الخليجي –وغير الخليجي- يريد لسهمه أن يبقى في حالة ربح وصعود، ولذلك فهو يفضل توظيف العمالة الوافدة الخبيرة على العمالة الوطنية غير الخبيرة التي تطلب – في حال توفرت الخبرة والتدريب عندها- أرقاماً كبيرة لا تقارن مع مستويات الأجور المعطاة لنظرائهم الأجانب. وفي المقابل نجد أن أجور العمال الأجانب أقل من نظرائهم الوطنيين، وأنهم يعملون لساعات أطول خاصة في القطاع الخاص، فضلاً عن انخفاض المزايا الممنوحة لهم بالمقارنة بالعمالة الوطنية. وهذا ما ساهم أيضاً في زيادة نسبة البطالة بين صفوف الشباب الخليجي.
ويبدو أن استمرار القطاع العام الخليجي في الهيمنة على مختلف القطاعات الإنتاجية، وقبوله توظيف العمالة المحلية من دون خبرات علمية سيؤدي إلى تضخمه ولاحقاً إلى انخفاض كفاءة المشروعات التي ينفذها، وذلك بالمقارنة بالقطاع الخاص.
ويعتقد كبار المحللين الاقتصاديين أن تضخم القطاع العام له أيضاً آثار سلبية على مستويات الرفاهية العامة. لأنه سيجعل من عملية التحول إلى الخصخصة مسألة معقدة بسبب تزايد فاتورة عملية إعادة هيكلة المشروعات العامة، والتكلفة الفادحة التي ستترتب على تحويل العمالة الوطنية بالقطاع العام نحو القطاع الخاص، وتعد النقطة الأخيرة من الأسباب الأساسية لبطء عمليات التحول نحو القطاع الخاص.
انطلاقاً من ذلك لابد من البدء بتطوير التعليم وتنمية القوة البشرية، لأن ذلك سيسهم مساهمة فعالة في عملية الإصلاح الاقتصادي وتصحيح الاختلالات الهيكلية القائمة في صلب الاقتصاد الخليجي وتحديداً منها مشكلة البطالة.
فالفرد هو العنصر الحاسم في أي عمل، وهو الثروة الحقيقية لأي مجتمع على مستوى الهدف والغاية والطموح. وبقدر ما ينجح أي مجتمع في تفعيل قدرات أفراده والارتقاء بإمكانياته فإن النجاح والفلاح سيكون من نصيبه، وسيحقق في النهاية طموحاته وأهدافه المتوخاة في التنمية والتطور والازدهار.
والفرد القادر على العطاء والإنتاج هو الفرد الخبير المدرب، ومن هنا تتأكد أهمية التعليم والتدريب كنشاط رائد في عملية التنمية، حيث يقع على كاهل النظام التعليمي مهمة تأهيل القوى البشرية الوطنية لمواجهة احتياجات التنمية في الأجلين المتوسط والطويل، كما تبرز أهمية التدريب في ضوء الحاجة لإعادة تأهيل وتدريب مخرجات التعليم لمواجهة احتياجات سوق العمل على المدى القصير، فضلاً عن التهيئة المستمرة لقوة العمل لمواجهة الاحتياجات المتطورة لأسواق العمل في ظل التقدم التكنولوجي المتواصل. وبالإضافة إلى التأهيل العلمي الحديث، تحتاج نظم التعليم إلى تطوير مناهجها بشكل واضح كي يتماشى مع متطلبات العصر، والانتقال من التركيز على الحفظ إلى الفهم والاستيعاب والابتكار، وتنمية مواهب الابتكار والتعامل مع وسائل التعليم الحديثة والحاسب الآلي ووسائل الاتصال الحديثة واللغات الأجنبية.
وعندما يتوفر العنصر البشري الخبير والمدرب، سيكون من الطبيعي جداً أن تعتمد عليه قطاعات العمل الخاصة في مجتمعاته، وسيحدث نوع من الشراكة والتكامل بين القطاعين العام والخاص على مستوى التنافس في الاعتماد على العمالة الداخلية المستقرة في بلدانها.
كما أن توفر العمالة الداخلية سيسهم من جهة ثانية في معالجة الخلل السكاني القائم في الدول الخليجية على مستوى ترشيد استخدام العمالة الوافدة، والعمل على توطين الوظائف من خلال تشجيع عمليات الإحلال، وتنمية القوى البشرية في المنطقة من خلال الدعوة إلى إلزامية التعليم لكل من البنين والبنات، والاهتمام بالتعليم الفني والمهني، وفتح مجالات العمل أمام المرأة، والعناية بمراكز التدريب. وبالرغم من الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في هذا الجانب إلا أن استعداده في هذا المجال ما يزال محدودا. وتلعب السياسات الحكومية دوراً هاماً في تعقيد هذه المشكلة. حيث أدى ارتفاع معدلات الأجور للوطنيين –كما ذكرنا سابقاً- إلى عزوف القطاع الخاص عن توظيف مواطني دول المجلس، كما ساعد هيكل الحوافز للعاملين بالحكومة إلى عزوف العمالة المحلية عن الانخراط الميداني في العمل لصالح القطاع الخاص، وجاءت مخرجات قطاع التعليم لتعقد من المشكلة، حيث يوجد تفاوت واضح وصريح بين مستوى وطبيعة مخرجات التعليم واحتياجات القطاع الخاص. ولذا ينبغي التركيز في المستقبل على قضايا التعليم والتدريب وحل مشكلة البطالة، وذلك بهدف التغلب على اختلالات هيكل البنية السكانية واختلالات سوق العمل بما له من انعكاسات سلبية على دول المجلس.
ومن الممكن أن تلعب الاتفاقية الاقتصادية الموحدة دوراً مركزياً في هذا المجال من خلال تفعيل اتفاقيات حرية انتقال عنصر العمل بين الدول الأعضاء، ويمكن الاستفادة من التجربة الأوروبية في هذا المجال عن طريق الإعلان عن الوظائف المتاحة بكافة دول المجلس بشكل مركزي، وبحيث يتم إعطاء أفضلية في عملية شغل الوظائف بدولة ما إلى مواطني تلك الدولة أولا ثم مواطني دول المجلس الآخرين ثانياً، قبل أن يتم شغل تلك الوظائف من خلال العمالة الوافدة.
ولا بد من التأكيد أخيراً على أن بداية الحل الذي يمكن تصوره لمشكلة البطالة (التي تفتح أمامها مشاكل أخرى على الطريق نفسه) هو في الاعتراف الحقيقي بحجم المشكلة التي تواجهها الهياكل الاقتصادية الخليجية، وهي وجود بون شاسع وواسع لا يزال قائماً بيننا وبين أسس ومعايير قواعد التقدم العلمي والتقني الحديث بالمعنى العملي، ولذلك سنبقى ولسنوات طويلة بحاجة ماسة للكثير من الخبرات والكفاءات والكوادر الأجنبية غربية أم غير غربية وفي كافة المجالات، وأما ادعاؤنا بأن لدينا ثروات هائلة طبيعية (كالنفط مثلاً) فإنه لن يمكننا من الاستمرار في العيش الطويل والآمن في بلداننا عند مستويات رفاهيتنا المتوفرة حالياً بين أيدينا (خصوصاً وأننا مهددون بالركود الاقتصادي بعد أزمة أسواق المال وبدء انهيار كثير من البورصات والبنوك الدولية)، ما لم نعمل مباشرةً وعلى الفور، على إعادة النظر (وتركيز النقد الفكري) في مجمل طرائق تفكيرنا وأساليب عيشنا، وإعادة دراسة وموضعة ما بين أيدينا من القدرات والإمكانيات والمهارات والطاقات الهائلة التي لا نزال نمتلكها حالياً أو تلك التي يمكن أن نوفرها لأنفسنا في المجالات الأخرى في الحاضر والمستقبل ضماناً لنا ولأجيالنا اللاحقة كي يبقى لنا أثر طيب يمكن أن تذكرنا به في حياتها المستقبلية.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 12 يناير 2009

نبيل علي صالح9 نوفمبر، 20101

من خلال تجربتي المتواضعة في بعض مواقع الإدارة والتوجيه والإشراف –وأحياناً الإنتاج العملي- يمكنني استخلاص نتيجة عملية مفادها أنه لا يمكن السير في طريق التنمية الصحيح من دون وجود نظام معرفي قيمي عملي يمكنه دفع وتحريض وتحفيز أجمل وأرقى ما في داخل الفرد العربي من طاقات ومواهب وإمكانات هائلة، فالإنسان العربي –لم يصبح مواطناً بعد- يمتلك قدرات وطاقات خلاقة ومبدعة إذا ما تم استثمارها على طريق العمل والبناء والتطوير بعد معرفتها ووعيها من الداخل أولاً، وثانياً بعد خلق الأجواء المجتمعية الملائمة لنموها وتكاملها على مستوى الخارج والفعل العملي التجريبي..
ونحن عندما نتحدث هنا عن التنمية نعني بها بدايةً تنمية الفرد، وتنظيم مهاراته، باعتباره حجر الزاوية في بناء وتطوير ومن ثم تنمية أي مجتمع، حيث أنه لا يمكن لأي بلد أن ينمو ويتنامى ويتقدم على طريق الرقي الحضاري العلمي والتقني من دون تنمية أفراده ثقافياً وعلمياً ومعرفياً، وهذا شرط أساسي لازم، وكذلك العمل أيضاً على رفع مستواهم ودخولهم عبر زيادة إنتاجية الفرد من خلال تهيئة وبناء مختلف قطاعات الدولة لخدمة وإنجاز ذلك الهدف الكبير.
وحتى يشارك الفرد في اجتماعنا العربي والإسلامي في تنمية مجتمعاته، بصورة فعالة يمكن من خلالها تحقيق نتائج مثمرة على صعيد التنمية والبناء المجتمعي ككل، لا بد من وجود قناعة فكرية، وحالة رضى وطواعية ذاتية في داخل نفس هذا الفرد عن طبيعة العمل الذي يريد الاضطلاع به وتنفيذه.. لأن الفرد الذي يعمل في ظل مناخ ثقافي ونظام معرفي يقتنع به عن وعي وإدراك كاملين، لا بد وأنه سيصل مع باقي الأفراد المقتنعين والمتفهمين إلى إنجاز غايات تنموية صحيحة ومنتجة وفعالة. والعكس صحيح أيضاً، وهو أن الفرد الذي يعمل تحت ظل بيئة ثقافية مناقضة ومعادية –إلى حد ما- لما يختزنه في داخله من قيم وأفكار ومشاعر وتراكيب نفسية وشعورية وتطلعات وغايات (أنظمة قيم ومعنى) هو بالضرورة فرد غير قادر على العطاء والإثمار الحضاري، وغير قادر أيضاً على تحقيق أبسط شروط التنمية الحقيقة، مما ينعكس سلباً على حركة وتنمية المجتمع ككل.
إذاً، نقول وبصورة أكثر تركيزاً وضبطاً، أنه وحتى تنمو مواهب الأفراد وتنمو مقدراتهم وقابلياتهم الذاتية لابد من وجود مناخ اجتماعي وثقافي وسياسي مناسب يشكل حاضنة ملائمة لنمو وبروز واستثمار تلك الاستعدادات والقابليات الفردية، وهذا بدوره يحتم توفر فضاء سياسي قانوني دستوري يمارس الناس فيه حقوقهم في التعبير عن معتقداتهم وآرائهم وقناعاتهم السياسية والثقافية والمعتقدية بصورة صحية وسلمية تداولية يكون فيها المشترك العام هو خدمة الناس والأفراد تحت سقف القانون والنظام العام الذي يتفق عليه كل أفراد المجتمع ضمن آليات ديمقراطية سلمية بعيداً عن توسل واستخدام أدوات العنف الرمزي والمادي.
وحتى يحدث في أي مجتمع نوع من التشارك والاندفاع الجماعي الحقيقي المؤثر في اتجاه خدمة عملية التنمية الهادفة إلى تطوير واقع الفرد والمجتمع على مستوى بناء أسس ومعايير اقتصادية صحيحة تساهم في زيادة الإنتاج والدخل الفردي والوطني، لابد من تعميم ثقافة التنمية بين جميع مكونات المجتمع، وعلى مختلف المستويات، بدءاً من أصحاب القرار، إلى مختلف البنى الاجتماعية والاقتصادية البشرية، حيث أن التنمية المنظمة والشاملة، التي تشارك فيها كل المؤسسات والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويساهم فيها الجميع طوعياً لا قسرياً هي الشرط اللازم الحقيقي للنهوض الذي لا يمكن أن يتحقق فجأة، وإنما عبر سلوك طريق طويل منظم من العمل والتعب والجهد والمثابرة والكدح والإيمان بأن الوطن لا يقوم إلا بمحبة كافة أبنائه له، وبمشاركتهم الفاعلة والمنتجة في العمل الميداني المسؤول.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عملية التنمية باتت حالياً ثقافة عمومية ومسؤولية عامة، لا تختص بفئة أو شريحة معينة، كما أنها لم تعد حصراً وحكراً على نخب اقتصادية أو غير اقتصادية بذاتها، لأنه إذا كان مطلوباً رفع وزيادة دخل الفرد، فلابد من رفع إنتاجيته وفاعليته عبر توفير المناخ السياسي والاجتماعي الأنسب والأفضل لتبلور طاقاته ومواهبه كما ذكرنا..، وهذا المناخ الصحي التداولي التشاركي هو الذي يمكن أن يسمح للفرد ذاته بالمشاركة المبدعة في عملية التنمية وعياً وثقافة وعملاً..
وفي اعتقادي أن أحد أهم أسباب الفشل الذريع الذي لحق بكل مشاريع التنمية في عالمنا العربي حتى الآن، الذي لا يزال مجرد حقل تجارب لأفكار اقتصادية تأتي من هنا وهناك من دون وجود أدنى قناعة ووعي علمي صحيح بها داخل نفوس وعقول الناس عندنا (تبيئة مفاهيم)، يكمن في ابتعاد الفرد وتغييبه قسرياً –بالرغم من كونه أساس ولب وجوهر عملية التنمية- عن المشاركة الواعية والفاعلة في العملية التنموية الفردية والمجتمعية.
وهذا يقودنا لإعادة التأكيد على أن نجاحنا في تحدي التنمية الاقتصادية للتخلص من ألبسة التخلف المهترئة التي تلف واقعنا العربي والإسلامي عموماً، لا يمكن أن يكون مضموناً، إلا إذا اكتسبت التنمية العربية الفردية والمجتمعية إطاراً يستطيع أن يدمج الأمة ككل ضمنه، وقامت على أساس ثقافي قيمي يتفاعل معها.. فحركة الأمة كلها شرط أساسي لإنجاح أي تنمية، كما كان يؤكد السيد محمد باقر الصدر أحد متنوري الفكر الإسلامي.. لأن حركتها تعبير عن نموها ونمو إرادتها وانطلاق مواهبها الداخلية..، فالتنمية للثروة الخارجية والنمو الداخلي للأمة يجب أن يسيرا في خط واحد.
من هنا نعتقد بضرورة تهيئة الأجواء الثقافية والإعلامية والاجتماعية المناسبة لإطلاق المبادرات الجادة الهادفة إلى دفع الفرد باتجاه الانخراط الجدي والحقيقي في مختلف مشروعات التنمية، وذلك عبر التوجيه الصحيح الدائم، والاستمرارية في العمل الدؤوب والصادق. لأن الواقع العربي العام صعب ومعقد وينذر كوارث حتمية أكثر مما هو قائم حالياً على مستوى السياسة من خلال سيطرة الاستبداد ونزع ممارسة السياسة –وما ينتج عنها من حقوق وواجبات وحريات فردية وعامة مسؤولة- من المجتمع، وعلى مستوى الاقتصاد من خلال وجود ما يزيد على 140 مليون مواطن عربي يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وارتفاع معدلات البطالة حيث تصل نسبة الشباب العاطل عن العمل إلى ما يزيد على 50% من نسبة عدد السكان بالنسبة لمعظم الدول العربية، مما يجعل معدل البطالة بين الشباب في الدول العربية الأعلى في العالم كله. وهنا يتمثل التحدي العربي الأكبر –كما تؤكده كل تقارير التنمية- في ضرورة توفير 51 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنوات العشر القادمة أي بحلول عام 2020م.

نبيل علي صالح1 نوفمبر، 2010

باحث وكاتب مهتم بشؤون وإشكاليات الثقافة العربية والإسلامية.
ينشر مقالاته وبحوثه في كثير من الصحف والمجلات والدوريات العربية والدولية مثل: الانتقاد-الكفاح العربي-الديار-مجلة الوحدة الإسلامية (بيروت)-مجلة آراء حول الخليج (الإمارات)-الآوان- المنهاج-الاجتهاد-الكلمة الطيبة-رسالة التقريب-… الخ.. وكثير من مواقع الانترنت المحلية والعربية والدولية.
شارك في مؤتمرات وندوات فكرية وعلمية عديدة.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018