دهام حسن

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

يعتبر الفقر همّا اجتماعيا كبيرا ! وهو فضلا عن ذلك، قضية سياسية واقتصادية بامتياز، والباحثون عادة، يعرّفون عادة على أساس مستوى دخل الفرد أو الأسرة، أو هو حصول الفرد أو الأسرة على قدر من الدخل يعبر عن مستوى منخفض من المعيشة…
لا شك هناك مؤشرات مختلفة على ظاهرة الفقر، منها معدل البطالة، كمية الإنتاج والاستهلاك، الأجر المنخفض، وعدم تكافؤ الفرص، من النواحي التعليمية والمهنية والأمور السياسية.. بيد أنه ليس ثمة معيار محدد أو ثابت لبيان خط الفقر، فالنسبة تختلف من بلد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، ومن زمن لآخر، كما لا يعد الحجم الكبير في دخل وميزانية الدولة، مؤشرا على غنى المواطنين ورفاهيتهم؛ ولا حتى مساحة الأراضي الشاسعة والصالحة للزراعة، وغناها بالموارد، أو حتى جدبها  وقحطها، ليس ذلك هو الدليل على حال المواطنين في الثراء أو الفقر، كل هذا بالأساس يعود إلى السياسة الزراعية، أو السياسة الاقتصادية على العموم , وإلى طبيعة النظم الحاكمة بوجه الحصر خصوصا…
إن مناولة مسألة الأمن الغذائي بالعرض والتحليل، ومحاولة تجاوز حالة الفقر، ليست بالمهمة السهلة، بل هي في غاية الصعوبة والتعقيد.. فكثير من الدول تفتقر إلى دراسات متخصصة للوقوف على أسباب الفقر والجوع والحرمان وبالتالي معالجة هذه الأسباب.. فمنهم من يحمّلون مؤشرات تزايد السكان بانخفاض المستوى المعيشي، وعلى العموم لا يمكن لنا أن نحمّـل الطبيعة  وحدها الفقر والجوع؛ ولا حتى تزايد السكان، فبدراسة معمقة يمكن لنا أن نضع حدا لقلقنا, ونتجاوز مشاعرنا بلوم أنفسنا، عندما نعي أن أسباب الفقر ليس لعيب فينا.؛ فإن الجائعين يمكن لهم أن يتحرروا من جوعهم، ويتجاوزوه، بعد أن يتعرفوا على أسبابه، فالطبيعة ليست هي السبب، بل أن جشع الإنسان، هوالمسبب في الحالة المزرية التي يعيشها أخوه الإنسان..
فالإحصائيات تشير وتؤكد عن إمكانية الطبيعة من توفير الغذاء لكل إنسان، وبالوسع استثمار الأراضي بمساحات أكبر، وزيادة الإنتاج كما ونوعا، واتّباع سبل التحديث الزراعي، ولا يتحقق ذلك إلا بالسيطرة العادلة والديمقراطية على إنتاج الموارد، واستثمار الثروة الناتجة عن الأرض للتنمية في حقول أخرى، وهنا ينبغي على الحكومة أن تساهم من جانبها في تنمية وتطوير الريف، وتحسين شروط القروض، لكي تحفز الفلاحين الفقراء، والعمال الزراعيين لتحسين كمية ونوعية محصولهم، والحقيقة أن هؤلاء لن يدخروا جهدا فيما لو أحسّوا أن شطرا محسوسا من ريع المحاصيل يعود إليهم، بحيث لا يستأثر بها المالك وحده، أو تصادرها الدولة بتعويضات زهيدة..
لقد كان فيما مضي الجفاف والفيضانات والآفات الزراعية من المسببات القوية في المجاعة والفقر، لكن كثيرا من الدول قيض لها أن تحد من أخطار هذه المسببات، فعمدت إلى الاهتمام بشبكات الري،ومقاومة الآفات الزراعية، فأمدت الفلاحين بالمبيدات والسماد اللازمين، كما قامت بتشجيعهم بمزيد من الحوافز…
فالإصلاح في الاقتصاد والسياسة متلازمان، فلا بد هنا من سياسة اقتصادية سليمة، ونظام سياسي ديمقراطي عادل، وتحديث مضطرد، في التكنولوجيا، وتطوير وتحسين في علاقات الإنتاج…
نعود فنقول أن مساحة الأراضي، حتى حين جدبها الظاهر، ليس بمؤشر على سبب تفشي الفقر والجوع، إنما يعود ذلك إلى السياسة الزراعية لأية حكومة كانت، إلى سياسة سوء استخدام واستثمار الأرض.. فالسودان مثلا تعتبر سلة الغذاء العالمي لو أحسن التصرف من  قبل النظام الحاكم، ومع ذلك يعيش سكانها في فقر وجوع، وتجتاحها مجاعات بين حين وآخر حتى إلى وقت قريب، والسبب يعود إلى سوء إدارة النظام وسيطرته، والتحكم السيء في الموارد الإنتاجية، فلا بد هنا من إعادة النظر في سياسة توزيع الأراضي ، وأشكال الاستثمارات، وما يستلزم ذلك من إصلاحات مضطردة في أكثر من صعيد …
إن السلطات السودانية المتعاقبة على الحكم، هي التي تتحمل مسؤولية ما آل إليه وضع السودان، رغم هذا فالحالة السودانية غير ميئوس منها، لو جيء بمن يحكم بالعدل والديمقراطية وأحسن التصرف، وسعى جادا لمعالجة الحالة، واندار إلى التنمية والتطوير في مختلف الحقول، وركز على الاستثمارات، وادخل العلم في حيز الإنتاج…
إن الصين اجتاحتها موجات من المجاعة في الماضي، بسبب الفيضانات من ناحية ، والجفاف من ناحية أخرى، وكانت الضحايا البشرية  بالملايين، لكنها أولت أخيرا اهتماما كبيرا، لخلق نظام زراعي، يجنبها من كوارث الفيضانات والجفاف، فعمدت إلى تحسين مجرى الأنهار، وحفر ما يشبه الخزانات بين الجبال، وحبس المياه  في الأنفاق والانتفاع بالمياه الجوفية، ومن آلاف الآبار، فوضعت بالتالي حدا لمعاناتها، وجنبت البلاد من الكثير من الكوارث..
إن الزراعة التي كانت تؤكـّل الملايين في ظرف ما، لا بد أن تعود لتلعب دورها، لا بد من تجاوز القوانين الزراعية المتخلفة، والسياسة الاقتصادية المركزية المتشددة؛ إن التنمية البشرية، واكتساب الخبرة والكفاءة، وتشجيع الاستثمارات، واتباع سياسة اقتصادية رشيدة، مؤسسة على دراسات علمية، هي الطريق إلى النجاح الأكيد لأية أمة من الأمم..
ليس كافيا أن نقف عند معاني ومفاهيم الفقر بالعرض والتحليل، إذ لا بد أن يتبع ذلك التفكير عن البحث  وصناعة البدائل لتجاوز الحالة، وهذا يتطلب وعيا ونضالا مستميتا، فالفقر والجوع ليسا قدر الشعوب؛ فلا بد إذن من النضال السياسي في أكثر من صعيد، فما عرف عن دول النمور الآسيوية، أن بعضها كانت قاحلة، ضعيفة بالموارد، ومنها من اتسمت بمناخ وبيئة جغرافية غير مؤاتية، وكانت متخلفة وفقيرة، رغم كل ذلك شهدت هذه الدول مرحلة من التنمية البشرية والاقتصادية والثقافية، فأصبحت اليوم تضاهي الدول الأوربية في تطورها، وينعم شعبها  بحالة من الرخاء والاستقرار، أليس كل هذا يعود إلى طبيعة تلك النظم .؟ فالنمور الآسيوية اتبعت سياسة اقتصادية حرة( ليبرالية) ونبذت المركزية المشددة ، والتخطيط السلطوي، وأعطت الفرد كامل الحرية ففضلا عن الحقوق الفردية أمده بحرية النشاط  في مختلف الميادين، الاقتصاد والسياسة  نضع هذا التساؤل أمام السادة حكام العرب برسم الأمانة، ولننتظر الجواب ؛ فهل سينزعون  الأغلال عن أعناق شعوبهم لينطلقوا ويبدعوا.!؟
© منبر الحرية، 5 مارس 2009

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

كان الإنسان في  العهود السابقة، في أوربا مثلا في القرون الوسطى تحديدا، يعيش حالة مزرية من الفقر المدقع، أو يعيش حالة الكفاف في أفضل حالاته، وكانت الإقطاعيات المجاورة تعيش حالة من النزاع الدائم، والغزوات، واعتبرت مثل هذه النزاعات، والحروب، في فترات خلت من التاريخ أمرا واقعا،  وضرورة، بل كان هناك من يشيد بحسناتها..
لكن الحالة بدأت بالتحسن ولو بشكل بطيء، بعد القرن السادس عشر، إثر التبادل التجاري بين الدول، وشاعت حالة الاعتماد المتبادل، فالتجارة خففت من الاحتقانات فيما بين الدول، بل ربما قلنا أن التجارة شرعت بإرساء أسس السلام بينها…
ثمة حكاية طريفة من القرن السادس عشر تقول : بينما كانت السويد والدانمرك في نزاع دائم، أقام مزارعون من البلدين على الحدود نقاط  التقاء تجارية، وأرسوا السلام  فيما بينهم، بالضد من رغبات حكام البلدين، عندما أخذوا يتبادلون المواد والبضائع، فيقايضون ( اللحم والزبدة، بالسمك والبهارات) لذلك شاعت نادرة تناقلها شعب البلدين تقول : ( أرسى الثور السلام )  فالثور هو عدة  المزارعين، وهو أيضا من عناصر قوى الإنتاج المهمة في ذلك العهد..
إن النمو الحقيقي والتحسن الملحوظ في أوربا، بدأ منذ القرن التاسع عشر، جرّاء الثورة الصناعية، حيث كان المزيد من الإنتاج، والتوسع في حجم الادخار، وتوظيف تلك الادخارات بإدخالها في حيز الاستثمار، كل هذا إلى جانب أسباب أخرى لا سيما السياسة الاقتصادية المتبعة، والتي سنوضح طبيعتها بعد قليل، كل هذا، دفع أوربا إلى النهضة الحقيقية بخطا وئيدة، لكن ثابتة.. هذا عن العالم الأوربي، عالم الغنى، فكيف كانت حال النمو والتنمية، بالنسبة لعالم الفقر.
إن النموّ في البلدان الفقيرة، ولنأخذ الهند مثالا، إذا لم يتحقق بمعدلات جيدة نسبيا، لكن النتيجة دفعت الإنسان الهندي في المحصلة، للبحث عن عمل، والتحرر من سطوة الإقطاعي، الذي ظلّ يتحكم في مصيره ومصير الملايين من أمثاله، حتى المرأة التي كانت عالة على أهلها، قابعة في البيت حبيسة المنزل، تابعة لمعيلها، أتيحت لها فرص العمل، بعيدا عن عبودية الزوج والأهل؛ كما صارت الأسر ترسل أبناءها للمدارس.. لهذا حق لبعضهم القول، من أن النمو يبقى أجدى وسيلة،  وأفضل سبيل لتجاوز حالات الفقر.
ترى أية سياسة اقتصادية ينبغي أن تتبع، حتى يكتب لتلك السياسات النجاح في التنمية، ومعالجة مسألة الفقر، وتوفير الثروة.؟ هذا هو السؤال المهم والأساسي المطروح، وهو غاية هذا  النص الذي بين أيدينا في التناول والمعالجة.
أمامنا نموذجان للاقتصاد: الاقتصاد الرأسمالي، أي اقتصاد السوق، أما الثاني فهو اقتصاد التخطيط المركزي، النموذج السوفييتي.. فلو أخذنا شعب بلد واحد في بلد منقسم، تتوزع شعوبه على النموذجين، ثم وقفنا على النتائج، نستطيع أن نستخلص بعض الأفكار ونخرج بالتالي بنتيجة ما؛ فالاقتصاد الرأسمالي، أي اقتصاد السوق، يدخل في إطارها ألمانيا الغربية، في حين أن ألمانيا الشرقية، أو ألمانيا الشيوعية، تدخل ضمن اقتصاد التخطيط المركزي، النموذج السوفييتي، وهما بلد واحد ينقسم، أو يتوزع شعبا وأرضا بين النموذجين كما قلنا، وكوريا الجنوبية الرأسمالية، إلى جانب كوريا الشمالية الشيوعية، مثال ثالث وأخير، تايوان الرأسمالية، والصين الشيوعية؛ كانتا من قبل كيانا واحدا، يمثلهما مركز واحد  ولنتأمل الآن في النتائج، نتائج السياسات الاقتصادية المتبعة في كل بلد..
لقد شهدت ألمانيا الرأسمالية ( معجزة اقتصادية) في الوقت ذاته كانت ألمانيا الشيوعية تنحدر نحو الفقر، كما أن  كوريا الرأسمالية عرفت تطورا اقتصاديا وتكنولوجيا هائلا، تعرض في ذات الحين اقتصاد كوريا الشيوعية، إلى ركود ثم الميل باتجاه الانهيار.. وفي حين كانت الصين الشيوعية تعاني من الفقر والمجاعة، شهدت تايوان تطورا هائلا، مما حدا بالصين أخيرا مضطرة إلى فتح أسواقها أمام عالم التجارة والاستثمار.. ولا ننسى النموذج السوفييتي في أوربا الشرقية كيف أنه انهار بالكامل، حيث شمل الانهيار الاتحاد السوفييتي وكافة دول أوربا الشرقية.. وهنا حق القول، من أن السياسة الاقتصادية للرأسمالية (السوق الحرة) هي التي كسبت الرهان، وانتصرت على اقتصاد التخطيط المركزي، الذي اندحر أي اندحار..!
عمد كثير من القادة اليساريين بغية التخفيف من وطأة الفارق الكبير بين بلدان النموذجين ــ الاقتصاد الحر, والتخطيط المركزي ــ إلى الترنم بهذه المقولة، في الاقتصاد الحر، حيث البلدان الرأسمالية ( الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا ).
من خلال قراءتي للأدبيات الماركسية، لا تجد في هذه المقولة سوى نصف الحقيقة، صحيح أن الأغنياء يزدادون غنى، لكن أيضا أشار ماركس بالتحسن الذي يطرأ على وضع الطبقات الدنيا أيضا؛ لكن ربما أن نتفق بأن البون، أو الفارق بين الطبقتين، يزداد اتساعا، لكن القول بأن الفقراء يزدادون فقرا، فهذا لا يقره الواقع، وإلا فلماذا يدعو بليخانوف إلى التنمية الرأسمالية لتحسين وضع الطبقات الدنيا، فقد قال في عام 1883: ( نحن لا نعاني في روسا من نمو الرأسمالية، بل نعاني من عدم كفاية نموها ) وبعد أكثر من عقدين عاد لينين ليكرر نفس الكلام، ويمضي به أكثر وضوحا، عندما قال ما معناه من إن معاناة الشعب الروسي ليست بسبب الرأسمالية في روسيا، وإنما بسبب تأخر الرأسمالية فيها، ونحن مع تطور الرأسمالية بشكل مطلق ودون تحفظ، إن هذا الكلام  يستدعي منا أن نقف عنده ونتمعن فيه عندما يقول: ونحن مع تطور الرأسمالية  على الإطلاق.. فماذا يعني هذا الكلام، أنه يعني فسح المجال أمام القطاع الخاص الرأسمالي، أي أصحاب الملكيات الخاصة للتنمية الرأسمالية والاستثمار، وتقديم التسهيلات اللازمة لهم، أي ( دعه يعمل، دعه يمر ) تلك المقولة الاقتصادية القديمة، أو الترنيمة المعروفة، والتي أثبتت جدواها ومثال دول النمور الآسيوية ماثل لعيان، فقحط الأرض، وفقرها لم يحولا دون تنميتها أمام الإرادة الحرة…
علينا أخيرا إدراك أهمية الاقتصاد الحر، وبالتالي ضرورة فسح المجال أما الناشطين اقتصاديا للعمل بكامل الحرية وألا نقيدهم بمركزية السلطة، بقراراتها المتشددة إذا أردنا لبلدنا الازدهار ولشعبنا الوفرة والعيش الكريم
© معهد كيتو، منبر الحرية، 9 ديسمبر 2008.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

إذا كان النصف الأول من القرن العشرين، قد شهد حربين كونيتين، جلبتا للعالم كارثة إنسانية، ففي النصف الثاني من القرن نفسه، لاسيما العقود الأخيرة منه، شهدت  كثير من الدول الرأسمالية المتقدمة، ذات الاقتصاد الحر نموا مضطردا في الاقتصاد، كما شهدت هذه الدول تحسنا كبيرا في مستوى المعيشة، حيث ازدادت الأجور، وشهدت بلدان كثيرة كأمريكا، وكندا، ودول أوربا الغربية، واليابان في شرق آسيا، ثراء ورفاهية، كما اتسعت دائرة الديمقراطية، لتشمل دولا عديدة، بالترافق مع ازدياد الحريات الشخصية…
وكان أهم حصاد ـ بالمقابل ـ في العقدين الأخيرين من القرن المنصرم، هو تساقط الأنظمة الشمولية، في كل من الاتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية، بعد أن دب فيها الوهن، وعانى الإنهاك، وما عادت الشعوب تسوغ لحكامها، أسباب الركود، واستمرار الصعوبات الاقتصادية، وغياب المؤسسات الديمقراطية؛ فقد تنعمت الشعوب بالثراء  في النظم الرأسمالية المتقدمة لدرجة كبيرة نسبيا..
فالأمريكيون عادوا إلى مفهوم سياسة الأمس البعيد نسبيا.. أن لا سبيل للعزلة والانغلاق على أنفسنا، فمثل هذه السياسة ستفضي بنا، إلى خفض في مستويات المعيشة لدى شعبنا الأمريكي، إذن، لابد من الانفتاح الاقتصادي على العالم، إذا أردنا لاقتصادنا النمو والازدهار، ولشعوبنا مزيدا من الرفاه، ولأوطاننا قصب السباق في التقدم؛ هكذا كان لسان حالهم …
تتعدد المدارس الفكرية في الاقتصاد العام، وتختلف في رؤاها، لكن في المحصلة، أن هذا الانقسام، والتنافس النظري، لا بد له أن يكون إغناء  للفكر الاقتصادي، ودفعا لمزيد من الإمعان، والتفكر، وأن هذا الاختلاف خير من إجماع خامل في التطابق والتوافق، يفتقد إلى روح الحماس والتقصي في البحث؛ هذا الأمر يذكرنا بمسألة إجماع أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي. في مسألة زراعية  جاء الإجماع  برفع الأيدي  بخمول دون بحث،  أو تقص  واستمزاج  الآراء، فسرعان ما بان خطؤها بعد ذلك؛ بل يرى كثير من العلماء والاقتصاديين ، من أن التنوع في المدارس الفكرية حتى في ميدان الاقتصاد، يغني ذهن الطالب مستقبلا في التحليل الاقتصادي لمشكلات العالم العديدة والمتنوعة، ويساعده في السعي للرقي والإعلاء من المستويات المعيشية للمجتمعات التي يعيش هو في كنفها..
إن حاجتنا للمعرفة الاقتصادية أمر مهم في حياتنا، فهي تحفز الذهن والفكر للوقوف على مسائل اقتصادية عديدة، منها استكشاف حالات السوق، من حيث تقلبات الأسعار، ومعدلات النمو، وتوزيع الدخل، والسبيل الأنسب في كيفية استغلال الموارد، فلا بد للتاجر، للإنسان المتعامل مع السوق، أن يكون على دراية،  بنوعية وكمية السلع التي ينبغي إنتاجها، ولمن يتم استهلاكها، وهنا يقتضي معرفة مستويات الدخول، والقدرة الشرائية، والاستهلاك عند طبقات الشعب وفئاته وشرائحه..
من المعلوم أنه في القرن التاسع عشر؛ أصبح الاقتصاد الحر، هو السائد، في أوربا وأمريكا، وتصدر مبدأ الاقتصاد الحر المعروف: دعه يعمل، دعه يمر.. وجاء مضمونه ملبيا لدعوة العاملين في الشؤون الاقتصادية….
اندارت المنظومة الاشتراكية، بدورها، بعد انهيارها، إلى الاقتصاد الحر، مفضلة اللامركزية، على المركزية المتشددة، التي كانت تتمسك بها الأحزاب الشيوعية في إدارتها لاقتصاد البلد؛ والتي أثبتت عدم فاعليتها ونجاعتها..
في النظم الرأسمالية ذات الاقتصاد الحر، غالبا ما  تؤخذ القرارات الاقتصادية، انطلاقا من استكشاف السوق، وهذه الواقعة تشغل اهتمام الملايين من السكان، وآلاف الشركات الإنتاجية، حيث تتدفق إلى السوق كميات من السلع والبضائع، فكيف تكون عليها الحال، لو انقطع ذلك التدفق ؟ فالسوق بهذي الحالة، هي الوسيط بين المنتج والمستهلك، ويتم على أساس ذلك ومن خلالهما، تحديد الأسعار، وعند زيادة كمية الاستهلاك، من قبل الفرد أو الأسرة، تزداد قيمة السلعة بسعرها، وفقا لمبدأ العرض والطلب، مما يدفع المنتج بالتالي إلى عرض المزيد من السلع، وبالمقابل، إذا ما خف الطلب على سلعة ما، تدنى سعرها، وخف عرضها، ومثل هذا ينسحب على عناصر أخرى عديدة، مثل الأرض، وأجور العاملين رفعا وانخفاضا؛ ويسبب هذا تنافسا بين المنتجين، فيعمد المنتج، بالتالي، للاستعانة بالآلة الأكثر كفاءة، والأغزر إنتاجا، وربما الأفضل جودة، للسلعة المنتجة..لتعالج هذه المعادلة.
لاشك، أنه في العقود الأخيرة الماضية، ومع نهاية الحرب الباردة، توسع نطاق السوق الرأسمالية بانضمام دول أوربا الشرقية إلى سوق الاقتصاد الحر، بعد تفكك المعسكر الشيوعي،  فهل تفلح هذه الدول في التنمية والتطور؟ وهل وصفة الاقتصاد الحر هي العلاج الوحيد للتنمية والتطور؟
في ظل هذا التناقض والتنافس، ظهرت دول جديدة على الساحة، وما زال أمامها المستقبل ينبئ بمزيد من التطور؛ فإلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، برزت كل من اليابان باقتصاد قوي، وتقانة متقدمة متطورة فالصناعة اليابانية هي التي أصبحت تغزو الأسواق دون منافسة قوية، والناس يقبلون على اقتناء منتجاتها على نطاق واسع لجودتها كما هو شائع ومتداول، وأيضا! غدت أوربا المشكّلة بحجمها الكبير، وسوقها الجديدة، وعلاقاتها الواسعة والمتشعبة، هي الأخرى منافسة قوية في السوق، وربما في غضون عقود قادمة، تظهر دول أخرى  جديدة كالصين والهند وسواهما  تتنافس على الساحة الدولية، ومن هنا ينجلي الواقع عن صراع سياسي بين هذه الدول المتطلعة للسيادة الاقتصادية، فالسياسة هو تعبير مكثف عن الاقتصاد بتعبير أحد كبار المفكرين، فمن يخفق اقتصاديا، لا يمكن له أن يكسب سياسيا، فكثير من الشعوب الفقيرة، ترى مستقبلها في صورة الدول المتقدمة اقتصاديا، وعلى هذا الأساس تناضل، لترقى ببلدانها إلى مصاف تلك الدول، والعائق أمام  ذلك هو طبيعة النظم القائمة على شمولية الحكم، لهذا فلا سبيل أمام تلك الشعوب إلا بتغيير تلك النظم، فبعض تلك النظم تنتبه للخطر المحدق بسلطتها فتبدأ بإصلاحات، وتصالح شعوبها، لكن بعضها الآخر يتشبث بالسلطة، ويستميت في الدفاع عن امتيازاته، هذا الفريق في طريقه إلى الزوال حتما..!
© منبر الحرية، 16 أغسطس/آب 2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018