ستيف إتش. هانكي

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

كما يعرف كل إنسان، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً دراماتيكياً في السنوات القليلة الماضية. وقد ساهم ارتفاع أسعار الأرز مساهمة كبيرة في ارتفاع الأسعار، حيث بلغ ضعف ما كان عليه منذ بداية العام. ومع إدراكنا لذلك، فإن الأسواق المستقبلية للأرز والتي ندرك بأنها متشعبة وهشّة تدل على أنه لا يوجد في الأفق نقص حاد في كميات الأرز المتاحة.
وبالنظر إلى الاضطرابات التي أحدثتها أزمة الغذاء، وزيادة حجم التغطية الإعلامية حول نقص كميّات الأرز والذعر السياسي الذي نشأ بسبب سياسات الأرز—فإن هذه الأخبار من أسواق الأرز المستقبلية تبدو مغايرة للأحداث.
إن اقتصاديات أسواق السلع تقدم لنا مفتاحاً لحل هذا اللغز. إن الكلفة الصافية لملء المستودعات تساوي نسبة الفائدة يُضاف إلى ذلك تكلفة التخزين الفعلية ناقص “المحصول الملائم.”
المحصول الملائم يدفعه الطلب التحوطي للتخزين. عندما يكون المحصول التحوطي صفراً يكون السوق في حالة “تحميل كامل،” وفي هذه الحالة فإن الأسعار المستقبلية تتجاوز الأسعار الآنية، وتكون المستودعات مليئة بتلك السلع.
وعلى الخلاف من ذلك، عندما يكون الطلب التحوّطي لسلعة ما عالياً تكون الأسعار الآنية قوية وتتجاوز الأسعار المستقبلية، وتكون المستودعات في مثل تلك الحالة منخفضة بأكثر من المعتاد.
في معظم البلدان، فإن إنتاج الأرز والتجارة به يخضعان إلى مجموعة كبيرة من القوانين والأنظمة. الدعم الذي يُقدّم إلى مُنتجي الأرز وإلى مستهلكيه هو دعم واسع. والتعرفة على الاستيراد والتصدير شائعة مثلما هي شائعة الكوتات الخاصة بالاستيراد والتصدير.
كثير من تلك السياسات تتأتى عن منطق تأمين الطعام، والرغبة في الاحتفاظ بجزء كبير من إنتاج الأرز في الوطن. ونتيجة لذلك، فإن أسواق الأرز مُجزأة وتوجد فيها فروق واسعة في الأسعار (مكيّفة في ضوء النوعية ونفقات النقل) بين البلدان.
ليس غريباً إذاً أن نجد بأن جزءاً صغيراً نسبياً—فقط 6-7%—من الإنتاج العالمي للأرز هو ما يتم تصديره.
وحتى نفهم الاختلالات، وعدم الكفاءة والأعباء الاقتصادية والمالية الناتجة عن تدخل الحكومة في إنتاج الأرز في إندونيسيا والتجارة به، كل ما علينا فعله هو قراءة العدد الحالي من “نشرة دراسات إندونيسيا الاقتصادية” التي خرجت لتوها من المطابع. هذا العدد الخاص من النشرة مكرّس لسياسات الأرز الإندونيسية، وبعض من النتائج في هذا العدد يعطينا فكرة عن الموضوع:

  • تُنفّذ الحكومة سياسات من شأنها رفع أسعار الأرز المحلي في إندونيسيا من أجل حماية المزارعين وتخفيض نسب الفقر. هنالك مشكلة منبثقة عن سياسة الحكومة هذه: ألا وهي أن النتائج الميدانية تفشل في دعم تلك النظرية. وفي الحقيقة، وكما جاء في النشرة، فإن أسعار الأرز العالية تضر الغالبية العظمى من الإندونيسيين—ربما 80% منهم.
  • تحليل مفصّل للمعلومات الخاصة بإنتاج واستهلاك الأرز يدل على أن التقديرات المتعلقة بالفوائض والعجز هي تقديرات لا يُعتمد عليها. وفي الحقيقة فإنها من عدم الدقّة بحيث لا يمكن تقرير ما إذا كان هنالك فائض أم عجز. هذا أمر مثير لأن تقديرات الفوائض والعجز هي تماماً الأسس التي تعتمد عليها الحكومة في تقرير حجم الاستيراد الرسمي. وبإيجاز، فإن عدم مصداقية البيانات الخاصّة في الإنتاج والاستهلاك هي بكل بساطة تجعل استراتيجيات التخزين المرحلية، وغيرها من الخيارات والتي يقترحها الداعون إلى التخطيط المركزي، أمراً غير ذي جدوى.
  • وإذا كان كل ما تقدم ليس مثيراً للقلق بشكل كافٍ، فإن “نشرة دراسات إندونيسيا الاقتصادية” تقدم لنا من الدلائل ما يُظهر بأن تعاظم دور الديمقراطية البرلمانية في إندونيسيا قد زاد من القوة السياسية للمزارعين والمصنعين الزراعيين. هذه الحقيقة، جنباً إلى جنب مع اعتناق البرلمانيين للحمائية التجارية، قد أعطت قوّة للذين يؤيدون حماية صناعة الأرز.

والآن، وحيث أن الحكومات في البلدان المستهلكة للأرز قد قرعت جرس الإنذار، فإننا نشاهد تدافعاً لتقديم إجراءات أكثر تدخلاً وحلول ثبت فشلها من قبل مؤيدي التخطيط المركزي، ومزيد من الصفقات التجارية التي يتم التعاقد عليها بين الحكومات.
هذا يعني محاولة معالجة المشاكل التي سببتها الاختلالات الضخمة التي أوجدها تدخل الحكومة في أسواق تجارة الأرز عن طريق إدخال مزيد من الاختلالات. وإن من شأن ذلك دون شك تعظيم المشاكل الناشئة حالياً عن أزمة الأرز.
إن قوانين وأنظمة الأرز تسير الآن في الاتجاه الخاطئ. إنها تُعيدنا إلى قوانين الذرة البريطانية. كانت تلك القوانين قائمة على أساس تحكم حكومي شبه كامل في الزراعة البريطانية في مطلع القرن التاسع عشر.
لحسن الحظ، أن ذلك الكابوس قد أُزيل في عام 1846. لقد تم إلغاء تلك القوانين بفضل جهود ريتشارد كوبدين، وجون برايت، والرابطة المناوئة لقوانين الذرة. وقد أدى ذلك إلى تنمية التجارة الحرّة واستيراد الغذاء بأسعار منخفضة وإلى ارتفاع كبير في مستويات معيشة البريطانيين.
ما يحتاجه الأرز اليوم ليس مزيداً من التدخل الحكومي ولكن صيغة حديثة لما قامت به الرابطة المناوئة لقوانين الذرة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 20 حزيران 2008.

peshwazarabic10 نوفمبر، 20100

اختتمت البنوك المركزية العام بضخ سيولة ضخمة لتسيير عجلة الاقتصاد. ففي 18 كانون أول (ديسمبر) الماضي، ضخ البنك المركزي الأوروبي 502 بليون دولار (تساوي 130 في المئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي لسويسرا)، في أسواق الائتمان. وأعلن مسؤولون في البنوك المركزية عن نيتهم مواصلة ضخ أموال “طالما تطلب الوضع ذلك”. بيد أن ضخ هذه السيولة الكبيرة تزامن مع أنباء مقلقة عن التضخم. فعلى أساس حساب سنوي، قفزت مؤشرات أسعار الاستهلاك والإنتاج في أمريكا لتشرين الثاني (نوفمبر) إلى 4.3 في المئة و7.2 في المئة، تباعاً. وحتى القياس المحبب لدى مجلس الاحتياط الفيدراليالأمريكي لقياس التضخم (مؤشر الأسعار الأساسية لنفقات الاستهلاك الشهري) ازداد 2.2 في المئة على امتداد السنة، فاخترق سقف التضخم البالغ 2 في المئة.

لكن تبين ان التضخم ليس ضمن نطاق السيطرة بعكس ما يؤكده بعضهم. فهبوط قيمة صرف الدولار أبرز منذ زمن طويل أن السياسة النقدية كانت رخوةً إلى حد كبير، وأن التضخم سيطل برأسه البشع في النهاية.

هذا التطور لم يقلق دعاة الحمائية التجارية في واشنطن، الذين ابتهجوا لرؤية الدولار يخسر نحو 30 في المئة من قيمته امام اليورو على امتداد السنوات الخمس الماضية. فبالنسبة اليهم، تشكل إعادة تقويم أعلى للعملة الصينية في مقابل الدولار وفك ارتباط عملات أخرى به، الجائزة الكبرى.

وكما يراها دعاة الحمائية، فإن الدولار الضعيف سيخلق مفاجآت كبيرة بالنسبة الى العجز في ميزان التجارة الأمريكي. فهذه سياسة اقتصادية سيئة، وهي أكثر سوءاً من الناحية السياسية المحضة. ففي الاقتصادات المفتوحة، يعتبر فقدان التوازن في الموازين التجارية دليلاً على القدرات في صافي الادخارات، وليس على تغييرات في قيمة صرف العملات. ويكفي تذكر العجز الكبير في الميزان التجاري منذ 1980، من دون أن يتأثر بالتذبذبات في أسعار صرف الدولار.

إذاً، ما هو الحل؟ حان الوقت لتتخذ إدارة بوش إجراءات للوصول الى دولار قوي بدلاً من القاء الخطب حول الموضوع، من طريق تشجيع تدخل منسق ومشترك تؤديه البنوك المركزية الرئيسة في سبيل تقوية الدولار ووضع سقف له.

إن ضعف الدولار الحالي ظاهرة دورية. فأزمة العقارات دفعت بمجلس الاحتياط الفيدرالي الى خفض الفوائد على موجودات الدولار نقطة مئوية كاملة منذ آب (ربما كان ذلك اكبر مما يجب). وعادةً، ينتعش الدولار كلما انتعش النمو وكلما فُرضت إجراءات نقدية تقييدية. بيد أن أسواق تبادل العملات الأجنبية يمكن أن تعاني حماساً غير عقلاني ومؤثراته المصاحبة التي تقود إلى ما هو أبعد من الهدف المنشود. هذا بالضبطالسبب الذي يجعل الدولار محاصراً. فإذا كانت الحكومة الأمريكية تؤمن حقاً بأنه يمكن الحفاظ على دولار قوي ومستقر على المدى البعيد، يتوجب عليها أن تتدخل في القريب العاجل لتقويته.

لكن هناك تحفظاً حيال الموضوع. فبموجب العمليات الاعتيادية لمستوى الدولار العالمي، الذي كان سائداً منذ عام 1945، فإن الحكومة الأمريكية تحافظ على أسواق رأس المال المفتوحة، وتظل صامتة في شكل عام في أسواق صرف العملات الخارجية، في الوقت الذي تتدخل فيه الحكومات الأخرى في شكل يؤثر في نسب صرف العملات.

واليوم، وخارج عدد قليل من دول شرق أوروبا المرتبطة باليورو، فإن بلداناً في آسيا وأمريكا اللاتينية وجزءاً كبيراً من إفريقيا والشرق الأوسط، تستخدم الدولار عملة رئيسة مشتركة. ما يجنبها استهداف معدلات صرف العملة. وعلى سبيل المثال، إذا أقدم البنك المركزي الكوري على خفض قيمة عملته المرتفعة من طريق شراء الين وبيع الوون، فإن الاول، وهو الأعلى قيمة، سيؤثر سلباً على اليابانيين.

بدلاً من ذلك، يجب الاحتفاظ بالدولار كعملة تدخّل مشتركة من البلدان الأخرى، ويعتبر من العبث، أن تتدخل الحكومة الأمريكية منفردة ضد أيٍّ من العملات الأجنبية لدعم قيمة الدولار بل من باب الجهل، لأن ذلك يتعارض مع الطريقة المقبولة التي جرى التعامل بها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي طريقة جلبت فوائد كبرى للولايات المتحدة وللاقتصادات العالمية.

ان توقيت التدخل المشترك هو الآن أفضل من أي وقت آخر. فقد أبدى أهم شركاء أمريكا التجاريين انزعاجهم بسبب تقهقر الدولار. وإذا اتخذ البنك المركزي الأوروبي، والبنوك المركزية في اليابان، وكندا، وبريطانيا وغيرها، زمام المبادرة، فإن من الحكمة للولايات المتحدة أن تتعاون معها، فالتدخل المشترك على هذا النطاق سوف يتجنب التدخلات ذات الأغراض المتناقضة. كذلك، فإن التدخلات الرسمية هي أكثر فعالية بكثير عندما تكون كل البنوك المركزية ذات العلاقة مشتركة في الموضوع، لأن الأسواق في تلكالحالة تتلقى إشارة أقوى بأن الحكومات الوطنية المختلفة ألزمت نفسها بصدقية.

التعاون حالة، كل طرف فيها رابح: التقويم المبالغ فيه في مستوى العملات الأوروبية سيخف، ومالكو الأرصدة الدولارية الكبيرة سيتفادون خسائر رأسمالية كبيرة، كما أن الولايات المتحدة ستنجو من خطر تضخم كبير ناتج من خفض عام لقيمة الدولار. لكن في انتظار ان توافق الصين على كل ذلك، فإن على الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية أن تؤيد سياسة الدولار القوي، من طريق إنهاء انتقادها الصين الذي ينطوي على مردود عكسي.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 17 شباط 2008.

peshwazarabic9 نوفمبر، 20100

التاريخ العسكري يكتبه المُنتصرون. أما التاريخ الاقتصادي فيكتبه إلى حدّ ما البنوك المركزية. وفي الحالتين كليهما، عليك أن تأخذ آراء المسؤولين الرسمية بدرجة كبيرة من الحذر. ولسوء الحظ، فإن من الصعوبة بمكان أن تتغلب الحقائق على المعتقدات المزيّفة. وتلعب تلك الآراء المزيّفة دوراً بارزاً في الأبحاث المتعلقة بالسياسات الاقتصادية.

حتى نضع يدنا على الأوضاع الراهنة فيما يتعلق بالآراء التي تُطرح بشأن مجلس الاحتياط الفيدرالي، لا يوجد مكان أفضل لذلك من البدء فيما ذكره رئيس البنك السابق آلان غرينسبان في كتابه “عصر الاضطراب”. ووفق ما جاء في الكتاب، فإن الاحتياطي الفيدرالي كان على صواب في كل ما فعله غرينسبان خلال فترة ولايته: آب (أغسطس) 1987 – كانون الثاني (ديسمبر) 2006.

دعونا نأخذ نظرة أكثر تعمقاً. هل كانت هنالك أية أخطاء أو أنماط سياسات غير سوية خلال فترة ولاية غرينسبان؟ إن أسهل طريقة للإجابة على هذا السؤال هو قياس توجه نسبة النمو في المبيعات النهائية الإسمية للمشترين الأميركيين (إجمالي الناتج المحلي – الصادرات + الواردات – التغيرات في المخزونات) ومن ثم التفحص في الانحرافات عن ذلك التوجه.

خلال ولاية غرينسبان، نمت المبيعات الإسمية النهائية بمعدل 5.4% سنوياً. هذا يعكس مجموع النمو الحقيقي للمبيعات بمعدل 3% مضافاً إليه التضخم بمعدل 2.4%.

الانحراف الأول من هذا التوجه بدأ بعد فترة وجيزة من تولي غرينسبان رئاسة مجلس الاحتياط الفيدرالي. فاستجابة لانهيار السوق المالي في تشرين أول (أكتوبر) 1987، فتح البنك مفاتيح مضخة ماله، وعلى امتداد السنة اللاحقة ارتفعت نسبة المبيعات النهائية بـ7.5% وهو معدل أعلى من المعتاد.

بعد أن ذهب البنك المركزي بعيداً جداً، تحوّل ليعود مرة أخرى في الاتجاه المعاكس. وكان من نتيجة التشديد الذي فرضه الاحتياطي الفيدرالي حدوث تراجع اقتصادي معتدل في عام 1991، وما بين عام 1992 وحتى 1997 كان النمو في القيمة الإسمية للمبيعات النهائية مستقراً. بيد أن الانهيارات المتلاحقة التي لحقت ببعض العملات الآسيوية، والروبل الروسي، وإدارة صندوق الأمان الطويل الأمد، وأخيراً ما أصاب الريال البرازيلي، أدى كل ذلك إلى قيام البنك بضخ كمّيات زائدة من السيولة، الأمر الذي أدى إلى انتعاش في أرقام المبيعات الإسمية النهائية.

وقد أعقب ذلك دورة أخرى من التشدد من قبل الاحتياطي الفيدرالي ترافق مع انفجار فقاعات الأسهم في عام 2000 وانخفاض في النشاط الاقتصادي.

وكان آخر قفزة كبيرة في نسبة المبيعات النهائية الإسمية نتيجة لقيام الاحتياطي الفيدرالي بضخ سيولة في الأسواق لمعالجة مخاوف الانكماش المزيَّف الذي وقع عام 2002. في ذلك الوقت، كانت الزيادة السنوية في جدول الأسعار بالنسبة للإنفاق الشخصي الأساسي الاستهلاكي ينحدر إلى ما هو أدنى إلى 1%، بحيث أعطى إشارة بوقوع انكماش اقتصادي.

خلال ولاية غرينسبان، تبدو الحقائق واضحة: كان رد فعل مجلس الاحتياط الفيدرالي للأزمات الحقيقية أو المُفترضة رداً مبالغاً فيه وخلق ثلاث فقاعات للطلب في فترة ما بعد الأزمات. وقد تبع تلك الفقاعات تشديد في السياسة النقدية والذي كان ضرورياً للقضاء عليها.

إن الانكماش الحالي في الاقتصاد الأمريكي يحمل جميع علامات “الدورة الاقتصادية النمساوية”. في مثل هذا النمط من الدورات، فإن انتعاشاً في توفر السيولة يؤدي إلى ارتفاع في مستوى الأسعار ويؤدي في النهاية في زرع بذور دمارها—أي إلى حدوث انكماش اقتصادي.

الدورة الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي جرت في أواخر 1920 وأوائل الثلاثينيات كانت نموذجاً للدورات النمساوية التقليدية. والازدهار الياباني، ثم الانهيار الذي وقع في أواخر الثمانينيات، كان أيضاً تجسيداً لشكل من أشكال الدورة النمساوية.

بموجب الدورة النمساوية، تلعب البنوك دوراً مفصلياً سواءً في الصعود أو في الهبوط. فعندما تتكشف دورة الهبوط، تبدأ أسعار الموجودات بالانكماش. ونتيجة لذلك، فإن رؤوس أموال البنوك تصبح مهددة وتجهد البنوك لإعادة بنائها.

يكون الاقتصاد مكشوفاً لما يسميه علماء الاقتصاد في المدرسة النمساوية بالانكماش الثانوي حيث تستدعي البنوك القروض وتُصبح متشددة في إعطاء تسهيلات مالية أخرى. أما العائلات فتُنتج صيغتها الخاصة بها حيث تُسيّل الموجودات الأكثر تعرضاً للخطر (مثل سندات الصناديق المشتركة) وتُحول موجوداتها إلى نقد وإلى سندات حكومية، وبالنسبة للاقتصاد بشكل عام، تُعاني الاستثمارات ويعاني الاستهلاك سواءً بسواء.

عندما يقع هذا السيناريو، فإن صفقة الإنقاذ التي يعمد الاحتياطي الفيدرالي إلى اتخاذها تصبح موضع شكّ ذلك لأن البنوك تُصبح أكثر تشدداً في إعطاء التسهيلات وتعمد إلى إعادة بناء أرصدتها وتستخدم السيولة المتوافرة لديها لشراء السندات الحكومية. وباختصار، فإن آلية خلق السيولة تتعثّر وتصبح غير قابلة للتنفيذ.

فإذا كان هنالك إمكانية بأن تفشل السياسة النقدية في إنقاذ الاقتصاد الأميركي المُنكمش، ماذا إذاً عن سياسة الدولة المالية؟ لقد وقّع الرئيس بوش على صفقة إنعاش للاقتصاد بقيمة 170 بليون دولار في 13 شباط (فبراير) الماضي. معظم ذلك المبلغ كان على شكل خصم ضريبي—شيكات من الحكومة. الفكرة وراء ذلك هي أن الناس سوف يتراكضون لإنفاق هذه الثروة التي نزلت عليهم وأن الاستهلاك سوف يشهد نشاطاً.

هنالك مشكلة فيما يتعلق بهذا النمط من السياسة المالية الكينزية. فالناس يُقيّمون استهلاكهم بالنسبة للمتغيرات في توقعاتهم البعيدة المدى أو مداخيلهم (الثابتة)، ولا يعطون سوى أقل اهتمام للتغيرات المرحلية.

ونتيجة لذلك، فإن الخصم الضريبي لمرة واحدة (مثل تلك التي حصلت في عام 1975) لا يؤدي إلى مزيد من الاستهلاك، ذلك لأنه لا يغير من مداخيل الناس الثابتة.

وحيث يغرق الاقتصاد الأمريكي، تُستخدم الوسائل النقدية والمالية لرفعه وانتشاله. ولكن هنالك أسباب قوية للشكّ في فعالية تلك العمليات الإنقاذية.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 27 آب 2008.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

توفي رجل يوغسلافيا القوي جوزيف بروس تيتو يوم 4 أيار 1980 وحضر جنازته العديد من السياسيين ووفود الدول أكثر من أي رجل آخر في التاريخ. رغم أن المارشال تيتو قد توفي إلا أن أفكاره لا تزال حية وجيدة!
قام تيتو بخطوته بالانفصال عن ستالين في عام 1948 وكانت ردة فعل موسكو سريعة إذ دمغت شيوعية تيتو بأنها “حركة تصحيحية”. أما السمة المميزة لسياسة تيتو الخارجية فكانت حركة عدم الانحياز والتي اعتبرت الرئيس اليوغسلافي تيتو (إلى جانب الرئيس المصري جمال عبد ناصر والرئيس الهندي نهرو) عضواً مؤسساً. في يوغسلافيا عرض الشكل الفريد لـ”اشتراكية السوق” اللامركزية فكرة الشركات التي يديرها العمال. وهذه الفكرة جذبت الانتباه وكذلك العديد من أتباع المعسكر حول العالم. إلا أن هذا النظام في يوغسلافيا فشل في توفير الوظائف لكل اليوغسلافيين، لأن المديرين العمال الاشتراكيين اعتقدوا أن الإضافات الجديدة للقوى العاملة هم “صيادو أرباح” وسوف يشاركونهم في حصتهم من كعكة الأرباح. ونتيجة لذلك واجهت يوغسلافيا مشكلة العمالة الزائدة المزمنة. لحل المشكلة وللتعتيم على الأخطاء في نظام إدارة العمال، جاء تيتو باستراتيجية اقتصادية بسيطة ولكن إبداعية. فقد فتح حدود يوغسلافيا—حسب المعايير الشيوعية على الأقل—وصدر العمالة الزائدة.
في أوائل السبعينيات، كان أكثر من مليون يوغسلافي، حوالي 11% من القوى العاملة، يعملون في دول غرب أوروبا. وبلغت تحويلات أولئك اليوغسلافيين بالعملات الصعبة (المارك الألماني بالدرجة الأولى) حوالي 30% من صادرات يوغسلافيا. “مكنسة تيتو” عملت كالسحر!

إندونيسيا مثل يوغسلافيا تصدر العمالة الزائدة. القوانين التي تحكم التوظيف في الشركات وممارسات الفصل من العمل خلقت سوق عمل غير فاعل. كما هو موضح في الجدول، حصل سوق العمل في إندونيسيا على المرتبة 140 من 175 في تقرير البنك الدولي “بدء الأعمال لعام 2007” (مرتبة واحدة فوق إيران). من الصعب على الشركات الإندونيسية توظيف عمال جدد كما أنه من المكلف فصلهم من العمل. تقدر القوى العاملة في سوق العمل بحوالي 70% وتعمل في قطاع اقتصادي غير إنتاجي، و11% من القوى العاملة عاطلة عن العمل، وحوالي 3 ملايين إندونيسي يعملون في الخارج بصفة شرعية، وحوالي مليون شخص آخرين على الأقل يعملون بصفة غير شرعية، وبلغت تحويلاتهم المالية إلى إندونيسيا في العام الماضي حوالي 3.5 بليون دولار على الأقل.
وكما استخدمت إندونيسيا “مكنسة تيتو” في تصدير عمالتها الفائضة إلى الخارج، استخدمت أيضاً دولاً أخرى مثل سنغافورة وأستراليا وماليزيا كـ”حاوية القمامة”، إذ يوجد أكثر من نصف مليون من العمال الإندونيسيين العاملين يعملون بعقود في ماليزيا، والجالية الإندونيسية المهاجرة في أستراليا تنمو بنسبة 10% سنوياً منذ عام 2001 . السبب؟ أنظر إلى الجدول المرافق؛ فقد جاءت إندونيسيا في مرتبة متدنية (61) في تقرير البنك الدولي لعام 2007 بالنسبة لمؤشر صعوبة التوظيف، وهو مكون لمؤشرات سوق العمل والذي يقيس القيود التي يواجهها أصحاب العمل عند توظيف العمال. الدول المجاورة وهي سنغافورة وأستراليا وإندونيسيا لم تواجه أياً من هذه القيود، ولذلك سجلت كل منها علامة صفر في مؤشر صعوبة التوظيف.
تقرير البنك الدولي لعام 2007 يذكر رواية مماثلة عن المقاييس التالية: جمود الساعات وصعوبة الفصل من العمل وكلفته. قوانين العمل الإندونيسية تفرض قيوداً ونفقات وإجراءات على الشركات أكثر مما تفرضه الدول المجاورة. في الواقع أي شركة إندونيسية تطلب موافقة طرف ثالث قبل أن تقوم بفصل العمال الفائضين عن الحاجة، وكل عملية فصل تكلف ما نسبته 108 أسابيع من راتب العامل (مقارنة بتكلفة صفر في الولايات المتحدة). سوق العمل الإندونيسية غير مرنة وغير قادرة على الاستجابة للضغوط التنافسية وخلق عدد كاف من فرص العمل.
إن عجز سوق العمل يشرح جزئياً الأداء العام لاقتصاد إندونيسيا الضعيف منذ انهيار الروبية عام 1997. لقد زاد الناتج المحلي الإجمالي للفرد في إندونيسيا بمعدل ضعيف بلغ 1.18%، واستغرق سبع سنوات لكي يعود إلى مستويات ما قبل الأزمة. ليس بمستغرب أن تقوم إندونيسيا برمي عمالتها في دول تشهد أداءً جيداً في أسواق العمل واقتصاديات تنمو بشكل سريع. لقد آن الأوان لإصلاح أسواق العمل في إندونيسيا لكي يتم إعادة “مكنسة تيتو” إلى الخزانة.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 18 أيلول 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100

في شهر آذار ارتفعت الأسعار بأكثر من 50% ملازمة مع دخول زيمبابوي في جحيم التضخم المنفلت. وقد أتبع ذلك في 26 نيسان تخفيض العملة الرسمية للدولار الزيمبابوي بمقدار 98%. عمال المناجم والمزارعون ووكلاء السياحة والمنظمات غير الحكومية والسفارات ومواطنو زيمبابوي الذين يعيشون في الخارج يستطيعون الآن شراء 15000 دولاراً من زيمبابوي بدولار أمريكي واحد. وبالنسبة لآخرين يظل سعر الصرف الرسمي 250 دولاراً زمبابوياً مقابل الدولار الأمريكي.
لذا وبحيازة ورقة مئة دولار يستطيع السائح الآن تحويلها إلى 1.5 مليون وحدة من وحدات بنك زيمبابوي المركزي، بدلاً من 25000 وهو السعر السابق لصرف الدولار. وفي السوق السوداء يستطيع نفس السائح أن يفعل أحسن من ذلك، إذ يحصل على 3.5 مليون دولار زيمبابوي مقابل 100 دولار أمريكي.
الدمار الاقتصادي نتيجة عقد من التضخم الجامح، والأعلى في العالم، تحول إلى انفلات تام واضح كل الوضوح. فقد بدأ اقتصاد زيمبابوي بالانفجار داخلياً، واصبح البنك المركزي عاجزاً عن الدفع، وأصبح عمال زيمبابوي يتسللون إلى جنوب إفريقيا بحثاً عن عمل. مثل هذا الوضع سوف يأتي إلى نهايته، كما هي الحال مع جميع حالات التضخم الجامح، أي بتغيير للنظام: فإما نظام نقدي جديد، أو نظام سياسي جديد، أو كلاهما.
فكر للحظة فيما حدث خلال آخر انفلات تضخمي عاشه العالم. فقد بدأ في كانون الثاني عام 1992، فيما كان يُعرف بيوغوسلافيا، ووصل ذروته في كانون الثاني عام 1994، عندما ارتفع التضخم الرسمي الشهري بنسبة 313 مليون بالمئة (أسوأ شهر في التضخم المنفلت الذي عانته ألمانيا في عصر جمهورية وايمر عام 1922-1923، شهد ارتفاعاً بالأسعار مقداره 32400%). كانت النتائج مدمرة. وبوقت طويل قبل أن يضرب حلف الناتو يوغسلافيا 1999، كان الجنون النقدي لنظام سلوبودان ميلوسوفيتش رئيس يوغوسلافيا في ذلك الوقت قد دمر اقتصاد بلاده.
في عام 1999 كان إقليم مونتينيغرو (الجبل الأسود) ما زال جزءاً من هذه الفوضى، حيث كانت عملته الرسمية الدينار اليوغوسلافي سيء السمعة. بيد أن المارك الألماني الجبار كان العملة غير الرسمية للبلد، وعندما كنت مستشاراً اقتصادياً لرئيس مونتينيغرو مايلو دجيوكانوفيتش، أعدت إلى مسامعه قول عالم الاقتصاد النمساوي العظيم لودفيغ فون ميزس والذي وصف فيه العملة السليمة بأنها “الأداة لحماية الحريات المدنية ضد أخطاء الحكومات. ومن الناحية الأيديولوجية فإن العملة السليمة هي في نفس المستوى من الأهمية كالدساتير السياسية والحقوق المدنية.”
كان الرئيس دجيوكانوفيتش يدرك بأن المارك الألماني هو الكرت الرابح في يديه، سلاح لا يستطيع فقط تحقيق استقرار الاقتصاد بل يمهد الطريق أيضاً أمام استعادة مونتينيغرو لسيادتها. وفي 2 تشرين الثاني 1999 أعلن بشجاعة أن مونتينيغرو قد جعلت المارك الألماني عملتها الوطنية. وقد استُبدل المارك الألماني باليورو بعد عامين من ذلك.
ونتيجةً لذلك فقد حقق الاقتصاد في مونتينيغرو استقراراً فورياً، وبدأ يتصاعد تدريجياً بانخفاض نسبة التضخم. وما أن جاء عام 2005 حتى كان الناتج المحلي الاجمالي ينمو بمعدل 4.1% بينما ينخفض التضخم إلى مجرد 1.8%. إزاء ذلك لم يكن مفاجئاً قيام المقترعين في مونتينيغرو في أيار من عام 2006، وبأرقام قياسية، بإسقاط الوحدة مع جمهورية صربيا. فأصبحت مونتينيغرو مستقلة مرة أخرى. وفي 15 آذار 2007 وقعت جمهورية مونتينيغرو “اتفاقية تعاون واستقرار” وهي الخطوة الأولى نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي (تبني العملة عادة يأتي في مرحلة لاحقة). الرئيس دجيوكانوفيتش قلب هذه العملية، بحيث تمكن بشكل فعال من إدخال مونتينيغرو في محيط اليورو من اليوم الأول.
وكما فعل الرئيس دجيوكانوفيتش بالنسبة لمونتينيغرو، يمكن لرئيس دولة جنوب إفريقيا ثابو مبيكي أن يكون المفتاح لوقف انهيار زيمبابوي. فقد عينته مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي—وهي مجموعة تتألف من تسعة بلدان جنوب إفريقية بما في ذلك زيمبابوي—للتوسط لمعالجة أزمة زيمبابوي الاقتصادية. وبضربة شجاعة يستطيع مبيكي وقف تعفن زيمبابوي النقدي، وفي الوقت ذاته دعم مصالح جنوب إفريقيا وغيرها من أعضاء المجموعة الإفريقية.
جنوب إفريقيا هي مركز منطقة العملة المشتركة والتي تضم أيضاً ليسوثو، وسوازيلند وناميبيا. فكل واحدة من تلك البلدان تُصدر عملتها الخاصة بها ولكنها تربطها بعملة الراند الجنوب إفريقية بقيمة متساوية. يضاف إلى ذلك، إن الراند يُتداول قانونياً في ليسوثو وناميبيا.
مجموعة البلدان التسع يجب أن تقترح توسيع منطقة عملة الراند المشتركة لتشمل زيمبابوي. ويجب إنشاء مجلس عملة شبيه بذلك الذي كان يعمل في زيمبابوي ما بين 1940 إلى 1956 (وكانت زيمبابوي تسمى في ذلك الوقت روديسيا). يجب أن تصدر دولاراً لزيمبابوي يكون مدعوماً دعماً كاملاً وقابلاً للتحويل بالراند بنسبة صرف محددة. ويجب أن يُدعَم مجلس العملة في بداية الأمر برأس مالٍ تقدمه جنوب إفريقيا، على أن يُسمح بتداول عملة الراند بصفة قانونية في زيمبابوي. إن إقرار مثل هذه الخطة هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى من حطام زيمبابوي الاقتصادي.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 31 تموز 2007.

peshwazarabic8 نوفمبر، 20100
تُصدر البنوك المركزية العملة وتمارس سلطة واسعة على تصرف السياسة النقدية. وبالرغم من انتشار هذه البنوك المركزية بشكل واسع في هذه الأيام، إلاّ أنها تُعتبر أنظمة مؤسسية جديدة نسبيا. ففي عام 1900، بلغ عدد البنوك المركزية في العالم 18 بنكا فقط. وبحلول عام 1940، أصبح لدى أربعون دولة بنوكا مركزية؛ أما اليوم فهناك 164.
قبل حدوث الزيادة في الصناعة المصرفية المركزية (القومية النقدية)، كانت مناطق أو كتل العملة الموحدة تهيمن على العالم، وكان أكبرها الكتلة الإسترلينية. لقد حذر كبير الاقتصاديين النمساوي فريدرك فون هايك منذ عام 1937، من أنه في حال استمرار نزعة الصناعة المصرفية المركزية، فإن ذلك سيؤدي إلى فوضى في العملة وانتشار الأزمات المصرفية. لقد كانت هواجسه مبررة. فلقد أحاطت أزمات العملة والأزمات المصرفية النظام المالي الدولي بقوة وتواتر متزايدين، على الرغم من عدم توقع حدوث ذلك في الوقت الراهن. والواقع أن حرية حركة رؤوس الأموال النسبية قد أنتجت، ولمعظم دول الأسواق الناشئة ذات البنوك المركزية، تدفقات الأموال الساخنة وأزمات متكررة لأسعار الصرف والأزمات المصرفية المحلية. فماذا يجب أن نفعل؟
إن الجواب الواضح لهذا هو تخلص دول الأسواق الناشئة الحساسة من بنوكها المركزية وعملاتها المحلية واستبدالها بعملة أجنبية متينة. ويمكن اعتبار بنما مثالا رئيسيا لمنافع استخدام هذا النوع من النظام النقدي. فلقد قامت بنما، ومنذ عام 1904، باستخدام الدولار كعملة رسمية لها. وبذلك، يكون اقتصاد بنما المبني على الدولار جزءا من أكبر كتلة عملة في العالم، وبشكل رسمي. وبهدف دمج نظامها المصرفي في أسواق العالم المالية القائمة على الدولار، قامت بنما بتغيير القوانين المصرفية في عام 1970. ونتيجة لذلك، كانت البنوك الدولية متلهفة للمشاركة في الثورة المالية الخارجية. ويشهد نمو النظام المصرفي في بنما على حقيقة أن الإصلاحات المصرفية التي حدثت في عام 1970 قد أتاحت لبنما الاستفادة من اتجاهات العولمة والتدفق الحر لرؤوس الأموال.
يلغي النظام النقدي المبني على الدولار في بنما مخاطر سعر الصرف واحتمال حدوث أزمة في العملة مقابل الدولار الأمريكي. كما أن إمكانية حدوث أزمات مصرفية قد خُففت إلى حد كبير بسبب اندماج نظام بنما المصرفي في النظام المالي الدولي. وتوفر طبيعة البنوك البنمية المفتاح لفهم كيفية عمل النظام ككل بشكل سلس. وعندما تكون محافظ هذه البنوك متوازنة، لا يهمها توزيع السيولة، بفتح أو سحب ائتمان، سواء في الأسواق المحلية أو في الأسواق الدولية. وبتغيّر إمكانات خلق الائتمان في هذه البنوك، يتم تقييم معدلات العائد المضمونة في الأسواق المحلية والدولية وتعديل محافظها المالية بناء على ذلك. حيث يتم توزيع السيولة محليا إذا كانت العوائد المحلية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للأسواق الدولية، وتوزيعها دوليا إذا كانت العوائد الدولية المعدلة حسب المخاطر تفوق تلك للسوق المحلية. ويتم عكس هذه العملية عندما ينشأ عجز في السيولة.
إن تعديل محافظ البنوك هو الآلية التي تتيح انسياب السيولة والائتمان من وإلى النظام المصرفي والاقتصاد. ويتم التخلص من تجاوزات أو عجز السيولة في النظام بسرعة لأن البنوك لا تبالي فيما إذا كانت ستوزع السيولة في الأسواق المحلية أو الدولية. إن بنما بمثابة مجرد بركة صغيرة تتصل عبر نظامها المصرفي بمحيط دولي ضخم من السيولة. فعندما تتجاوز معدلات العوائد المعدلة حسب المخاطر في بنما تلك العوائد في الخارج، تقوم بنما بالسحب من محيط السيولة الدولي، وعندما تتجاوز العائدات في الخارج تلك في بنما، تقوم بنما بإضافة سيولة (ائتمان) إلى المحيط في الخارج. ولمواصلة التشبيه، يعمل نظام بنما المصرفي مثل قناة بنما في الإبقاء على توازن مستويات المياه على جانبي القناة. ولا غرابة في أن تكون مستويات الاعتماد والودائع غير مرتبطة بعلاقة متبادلة في بنما بالنظر إلى الدرجة العالية الموجودة من التكامل المالي.
لقد كانت نتائج نظام بنما المالي المبني على الدولار ونظامها المصرفي المندمج دوليا ممتازة بالمقارنة مع دول الأسواق الناشئة الأخرى (أنظر الجدول المرفق).
– كانت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لبنما مرتفعة نسبيا وكانت تقلباتها منخفضة نسبيا. وهذا أمر رائع وجدير بالملاحظة عندما يؤخذ بعين الاعتبار أن بنما نموذج تقليدي للاقتصاد المزدوج. فمن ناحية، يمتاز قطاع الخدمات المصرفية بأنه موجه نحو التصدير وذو كثافة رأسمالية ومرتفع الإنتاجية ويولد وظائف قليلة وخالٍ، إلى حد كبير، من تدخل الحكومة. ومن ناحية أخرى، فإن قطاعي الزراعة والتصنيع يمتازان بالركود والضبط الكبير والدعم المالي المرتفع وعدم الكفاءة والحاجة إلى أيدٍ عاملة كثيفة وعدم القدرة على التنافس.
– عكست أسعار الفائدة أسعار السوق العالمية، معدلة بالنسبة إلى تكاليف ومخاطر المعاملات.
– كانت معدلات التضخم أقل قليلا من تلك التي في الولايات المتحدة.
– كان سعر الصرف الحقيقي لبنما مستقرا للغاية ويسير باتجاه انخفاض طفيف قياسا بسعر الصرف للولايات المتحدة.
– أثبت نظام بنما المصرفي، الذي يعمل دون وجود بنك مركزي مقرض كملاذ أخير، على أنه شديد المرونة. والواقع أنه قد تعرض لأزمة سياسية رئيسية بين بنما والولايات المتحدة في عام 1988 وعاد عودة قوية في أوائل عام 2000.

وللتأمين ضد أزمات العملة والأزمات المصرفية، يتحتم على دول الأسواق الناشئة أن تتبع قيادة بنما وتحذو حذوها عن طريق: التخلي عن القومية النقدية عبر التخلص من البنوك المركزية والعملات المحلية، ودمج أنظمتها المصرفية مع أسواق رأس المال الدولية.
© معهد كيتو، مصباح الحرية، 2 حزيران 2007.
peshwazarabic8 نوفمبر، 20101

برحيل عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان في شهر تشرين الثاني الماضي، فقدنا بطلاً عظيماً من أبطال السوق الحر. وفي النعوات والتعليقات التي سجلت الأحداث التي تتعلق بحياة الفقيد من ناحية أعماله وتأثيره الهائل فقد تم التنويه وبشكل لم يتغير بمناصرته ودفاعه عن أسعار الصرف المرنة والتي تركت انطباعاً على أنه يستحسنها ويحبذها على الدوام. إلا أن ذلك ليس على هذا الحال.
بالنسبة لفريدمان هناك ثلاثة أنواع مميزة من أنظمة أسعار صرف العملات: سعر الصرف المرن، وسعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط (أنظر الجدول المرفق). ويوجد لكل نظام من هذه الأنظمة الثلاثة خصائص متباينة ونتائج مختلفة.

وبالرغم من كون سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت يبدوان وكأنهما غير متماثلين، إلا أنهما عضوان في نفس أسرة السوق الحر. فكلاهما يعملان دون وجود قيود على النقد، كما أنهما آليتان من آليات السوق الحر الخاصة بتصحيحات ميزان المدفوعات.
بوجود سعر الصرف المرن، بإمكان البنك المركزي أن يضع السياسة النقدية، إلا أنه لن يملك سياسة سعر الصرف، إذ سيكون سعر الصرف وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي. وتبعا لذلك، سوف يتم تحديد القاعدة النقدية على المستوى المحلي من قبل البنك المركزي. أما بوجود سعر الصرف الثابت، فسيكون هناك احتمالان: إما أن يقوم مجلس العملة بتحديد سعر الصرف—إلا انه سوف لن يكون لدى البنك سياسة نقدية، حيث سيكون عرض النقد وفقاً لأسلوب التوجيه التلقائي—أو، أن يتم اتباع نظام “دولرة” الاقتصاد واستخدام عملة أجنبية كعملة خاصة به. وبناء عليه، وبموجب نظام سعر الصرف الثابت سوف يتم تحديد القاعدة النقدية للدولة من قبل ميزان المدفوعات والذي سوف يتحرك بمطابقة تتم حسب الطلب (من واحد لواحد) مع تغييرات تطرأ على الاحتياطيات من العملات الأجنبية. وبوجود هذين النظامين الخاصين بالسوق الحر وآليتي سعر الصرف فسوف لن يكون هناك تعارض بين السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، وسوف لن تتمكن أزمات ميزان المدفوعات من أن تقوم برفع رؤوسها البشعة. وبالفعل، ستقوم قوى السوق بالتصرف لإعادة توازن التدفقات المالية بشكل تلقائي ولتفادي وقوع أزمات ميزان المدفوعات بموجب نظامي سعر الصرف المرن وسعر الصرف الثابت.
ويبدو بأن سعر الصرف الثابت وسعر الصرف المرتبط وكأنهما شيء واحد. ومع ذلك، فهما من الناحية الأساسية مختلفان كالتالي: في معظم الأحيان تقوم أنظمة سعر الصرف المرتبط باستخدام تقييدات على النقد، وهي لا تعتبر من آليات السوق الحر بخصوص تصحيحات ميزان المدفوعات العالمية. كما تتطلب أسعار الصرف المرتبطة وجود بنك مركزي ليقوم بإدارة كل من سعر الصرف والسياسة النقدية. وكذلك، بوجود سعر صرف مرتبط، فسوف تتضمن القاعدة النقدية عناصر محلية وأجنبية كليهما. وبشكل لا يشبه سعري الصرف المرن والثابت، فإن أسعار الصرف المرتبطة ستؤدي بشكل لا يتغير إلى حدوث تعارضات بين السياسة النقدية وسياسة أسعار الصرف. فعلى سبيل المثال، عندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الداخل “زائدة عن الحد الأدنى” بموجب نظام سعر صرف مرتبط فسوف يقوم البنك المركزي في معظم الأحيان بمحاولة تحييد تلك الزيادة الناشئة في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات البيع، بحيث تعمل على خفض عنصر القاعدة النقدية المحلي. وعندما تصبح تدفقات رأس المال إلى الخارج “زائدة عن الحد الأدنى” فسوف يقوم البنك المركزي بمحاولة تعويض ذلك النقص في عنصر القاعدة النقدية الأجنبي من خلال سندات الشراء، بحيث تعمل على زيادة عنصر القاعدة النقدية المحلي. ويتم نشوب أزمات ميزان المدفوعات عندما يبدأ البنك المركزي بالمقاصة بشكل متزايد بغرض خفض عنصر القاعدة النقدية الأجنبي مع أموال أساسية مستحدثة محلياً. وعندما يحدث مثل ذلك، فسيكون الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن يقوم مضاربو العملات بفرز التناقضات الموجودة بين سياسة سعر الصرف والسياسة النقدية (كما قاموا بعمله بالأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998) وبفرض خفض في قيمة العملة أو بفرض قيود على سعر الصرف.
من حيث المبدأ، قام فريدمان بتفضيل واستحسان كل من أسعار الصرف المرنة والثابتة. وبموجب هذين النظامين من أنظمة السوق الحر، يتم تدفق رأس المال بشكل حر ودون أية قيود. وقد قام فريدمان، وعلى الدوام، برفض نظام سعر الصرف المرتبط.
لقد أثبتت الأعمال التي قام بها فريدمان—وهو رجل صاحب أعمال وليس أقوال—على أن مخزونه الفكري يحتوي على أكثر من أسعار الصرف المرنة. ففي العام 1992، قمت بالمشاركة في تأليف كتاب باسم “الإصلاح النقدي الخاص بجمهورية إستونية حرة” والذي يحمل تظهير تعزيزي من قبل فريدمان كالتالي: “يعتبر مجلس العملة، كالذي يقترحه (هانكي)، نظاماً ممتازاً ومناسباً لدولة في مركز إستونيا”. وخلال ستة شهور قامت إستونيا بإغراق الروبل الروسي (ببيعه برخص زهيد جداً) وكان مجلس عملتها يقوم بصرف “الكرون” الإستوني بسعر صرف ثابت مقداره ثمانية كرونات مقابل المارك الألماني الواحد (والذي اصبح في وقت لاحق 15.65 كروناً مقابل اليورو الواحد). ومنذ ذلك الوقت، ازداد الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بمقدار عشرة أضعاف، وهو أداء يعتبر مثيراً للإعجاب.
وخلال الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت بين عامي 1997-1998، قام فريدمان بالدخول في العراك. وبصفتي مستشاراً للرئيس الإندونيسي السابق (سوهارتو) فقد اقترحت بأن يتم تثبيت سعر صرف الروبية الإندونيسية بالنسبة للدولار من خلال مجلس عملة. وبعد ذلك بوقت قصير، قامت النشرة الاقتصادية للشرق الأقصى (فار إيسترن ايكونوميك ريفيو) بنشر مقالة بعنوان: “أقوال رئيس مجلس الإدارة ميلتون (فريدمان)”. لقد كانت أفكاره حول مجلس العملة بخصوص إندونيسيا كالتالي: “إذا أراد الإندونيسيين أن يمتثلوا بنظام معين، فسوف يكون ذلك شيئاً حسناً. وما الشيء الآخر الذي بمقدورهم أن يفعلوه؟” حسناً، قد يكون من الممكن أن يتم إجبارهم من قبل التكتل الرئيسي بين الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي كي يتخلوا عن فكرة مجلس العملة! وهو ما حدث بالضبط، والذي نجم عنه نتائج اقتصادية مدمرة.
أين يقف فريدمان فيما يتعلق باقتصاد السوق الحر؟ لقد قام فريدمان بالانحياز إلى سعر الصرف الثابت الذي تم في هونغ كونغ، بقوله: “تشير تجربة هونغ كونغ بكل وضوح إلى أن دولة معينة كهونغ كونغ سوف لن تكون بحاجة إلى بنك مركزي. فهي بالفعل دولة محظوظة جداً لأنها ليست لديها مثل ذلك. فنظام مجلس العملة الذي تم إدخاله في العام 1983 قد حقق نجاحاً جيداً جداً بالنسبة لهونغ كونغ، وإنني اعتقد بأن من المحبذ الاستمرار به”.
وبذلك، وبشكل مخالف للمعتقد الشائع، قام فريدمان باستحسان والانحياز إلى كل من نظامي سعر الصرف المرن والثابت.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 نيسان 2007.

peshwazarabic6 نوفمبر، 20100

كلما مر أسبوع، أصبح تخبط وزير الخزانة الأميركية هنري بولسون أكثر إثارة وحبساً للأنفاس. ففي نهاية شهر آذار (مارس) الماضي أخرج وزير الخزانة خطة كبيرة لتتويج مجلس الاحتياط الفيدرالي (بنك أميركا المركزي) كعامل استقرار مالي جديد للأمة. هل الاحتياطي الفيدرالي هو من يوفر الاستقرار حقا؟ بل إنه هو الذي خلق المشكلة المالية التي نعاني منها!

وإذا لم يكن ما فعله سيئاً بما فيه الكفاية، فقد تقمص وزير الخزانة دور القائد المشجع لبكين طالباً منها رفع قيمة اليوان الصيني مقابل الدولار. وبينما يعمل بولسون كل ما بوسعه لتخفيض قيمة العملة الأميركية، فإنه يدعونا إلى البقاء هادئين وواثقين بدعوى أن العوامل الاقتصادية ما زالت سليمة. إنه بذلك يذكرني بالمتعامل في السندات المالية الذي يُقدم خدمة غالية لشركائه عن طريق كونه مخطئاً طوال الوقت.

خلال فترة ولاية غرينسبان– بيرنانكي، اعتنق الاحتياطي الفيدرالي وجهة النظر القائلة بأن الاستقرار في الاقتصاد، والاستقرار في الأسعار شيئان منسجمان يتمم احدهما الآخر. فما دام التضخم باقٍ على المستوى المحدد أو أقل منه، فإن قاعدة العمل هي الإصابة بالذعر لرؤية أي اضطراب حقيقي أو متصوّر للاقتصاد، وتقديم إغاثة طارئة سريعة. ويفعل الاحتياطي الفيدرالي ذلك عن طريق تخفيض نسب الفوائد إلى ما هو أدنى من سعر السوق لو كان السوق هو الذي يحددها. وعندما تُصبح نسب الفوائد منخفضة بشكل غير طبيعي فإن المستهلكين يخفضون من مدخراتهم لصالح الاستهلاك، كما يرفع المستثمرون من نسب إنفاقهم على الاستثمار.

ثم يتكون لديك اختلال بين التوفير والاستثمار. ويكون لديك اقتصاد غير قابل للنمو المستمر. وهذا باختصار هو الدرس الذي تعلمناه حعن النظام النقدي المركزي الذي تم تطويره في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. فقد حذّر علماء الاقتصاد النمساويون من أن استقرار مستوى الأسعار قد يتعارض مع الاستقرار الاقتصادي وقد ركّزوا تركيزاً كبيراً على حقيقة أن مستوى الأسعار، كما يُقاس في العادة، إنما تشمل البضائع والخدمات فقط. وتُستثنى منها أسعار الموجودات. (اذ لا يشمل جوهر القياس الذي يتبعه الاحتياطي الفيدرالي لقياس أسعار المستهلكين جميع البضائع والخدمات ، بطبيعة الحال). وقد توصّل النمساويون إلى نتيجة مفادها أن الاستقرار المالي يجب أن يشتمل على بُعد يمتد إلى إدخال أسعار الموجودات، وان التغيّرات في الأسعار المقارنة لمجموعة مختلفة من السلع والخدمات والموجودات هي أمر بالغ الأهمية. فبالنسبة للمدرسة النمساوية للاقتصاد، يمكن أن يكون الاقتصاد المستقر متوافقاً مع سياسة نقدية تكون فيها الأسعار في انخفاض طفيف.

الأزمة المالية الأميركية الحالية تتبع النمط الكلاسيكي. ففي عام 2002 صدرت عن المحافظ بيرنانكي صفارات إنذار تقول بأن التباطؤ الاقتصادي يُهدد الاقتصاد الأميركي. وقد أقنع زملاءه أعضاء المجلس بذلك الخطر. وكما عبّر غرينسبان عن ذلك قائلا: “إننا نواجه تحديات جديدة في الحفاظ على استقرار الأسعار، وبشكل خاص بتجنب هبوط التضخم إلى مستويات منخفضة أكثر من اللازم.”

ففي مواجهة احتمال انكماش اقتصادي، أصاب الاحتياطي الفيدرالي الذعر. وما أن جاء شهر تموز (يوليو) 2003 حتى أصبح معدل نسب الأموال الفيدرالية بمستوى قياسي منخفض بأقل من 1% حيث ظلت في ذلك المستوى المنخفض على امتداد سنة كاملة. وقد أدى ذلك إلى وقوع اكبر جميع دورات السيولة الحديثة، وكما توقع أعضاء المدرسة النمساوية، انتهى انتعاش التسهيلات المالية نهاية سيئة.

وحفاظاً على النمط الذي دأب الاحتياطي الفيدرالي على اتباعه، فقد أصابه الذعر مرة أخرى، بحيث أقدم على تخفيض نسب الفائدة وإغراق الاقتصاد بالسيولة. واذا ما أجري قياس اولي لكمية الإصدارات النقدية، لتبين أن الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس زاد من إصداراته بمعدل سنوي بلغ 37.7% ما بين نهاية كانون الثاني (يناير) وحتى 24 آذار (مارس). وبهذا الاندفاع الكبير لكميات النقد ومكاسب الأسعار التي تحققت في شهر شباط (فبراير) 2007 والتي بلغت 4% لسلع الاستهلاك، و6.4% لسلع الإنتاج، و13.6% للسلع المستوردة، فليس عجيباً أن نرى ارتفاع توقعات التضخم.

وليس غريباً أيضاً أن يظل الدولار عليلاً. وهو الأمر الذي يجعل من رسالة وزير الخزانة بولسون إلى بكين رسالة شاذة، ولا سيما أنها مبنية على معطيات غير صحيحة قدّمها عدد كبير من الاقتصاديين المرموقين. أعرب، مارتن فلدستاين، بروفيسور الاقتصاد في جامعة هارفرد، عن وجهة نظره بأن ميزان التجارة الثنائي بين الولايات المتحدة والصين يتقرر نتيجة لسعر تبادل العملة بين اليوان والدولار. لذلك، ولكي يمكن تخفيض فائض التجارة لصالح الصين مع الولايات المتحدة، فإنه يدعو إلى رفع قيمة اليوان.

هذه النصيحة كلام فارغ. فالموازين التجارية تتقرر نتيجة لقدرات التوفير الوطنية، وليس نتيجة لأسعار الصرف. إن فائض التوفير الصيني وعجز التوفير الأميركي يقرران إلى حد كبير اختلال التوازن التجاري بيننا وبين الصين. يتوجب على وزارة الخزانة الأميركية أن تكون قد تعلّمت هذا الدرس بعد سنوات من إرغام اليابانيين على رفع قيمة الين الأمر الذي أدى إلى النيل من استقرار الاقتصاد الياباني وبدون إعطاء أية فائدة للتوازنات التجارية.

وإلى أن يتخلى مجلس الاحتياط الفيدرالي عن تحديد التضخم وتتخلى الولايات المتحدة عن سياستها القائمة على ضعف الدولار، فإن التضخم سيكون هو سيد الموقف.

.

© معهد كيتو، منبر الحرية، 10 أيلول 2008.

peshwazarabic5 نوفمبر، 20100

لوهلة الأولى، بدا هبوط أعوام 2001-2003 في معدلات الفائدة الأمريكية وكأنه قد حرّر السلع: إذ ان النمو في الناتج والعمالة قد تسارع على نحو بطيء، وبقي التضخم ضمن النطاق المريح للمجلس الاحتياطي الفيدرالي، تحت الـ2%. وعلى كل حال، بحلول منتصف عام 2004، أدرك مجلس الاحتياطي الفيدرالي ان نسبة التضخم كانت تزحف إلى الأعلى، بعد ان وصلت إلى القاع عام 2003. وهكذا فقد رفع (أي المجلس) الكلفة المالية قصيرة الأمد، على نحو بطيء ولكنه ثابت. ارتفعت نسبة الاحتياط الفيدرالي مجددا إلى 5%. ليس بالضرورة ان يكون إحكام الضبط قد انتهى. على هذا النحو، على الأقل، قرأ وول ستريت تحذير بن بيرنانكي، مدير مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الخامس من حزيران حول الأسعار.
ان الخط المعياري لمجلس الاحتياطي الفيدرالي هو قيامه بالنظر إلى كافة مؤشرات التضخم. بعد قول هذا، لا يخفى على احد ان المقياس المفضل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي هو القياس الجوهري لنفقات الاستهلاك الشخصي. وقد ارتفع هذا المقياس، الذي يتقصى ما ينفقه الناس بشكل عام (باستثناء الطعام والطاقة)، في العام المنصرم، ارتفع بواقع 2.1% فقط. بينما فاقت هذه النسبة الهدف غير الرسمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ذي الـ2%، فهي ما زالت واطئة بما فيه الكفاية بالنسبة للمجلس ليدّعي باحتواء التضخم. وعلى كل حال، فان مقاييس التضخم الأخرى تتحدى ذلك التشخيص الحميد. ارتفعت نفقات الاستهلاك الشخصي التي تتضمن الطعام والطاقة، على سبيل المثال، بـمستوى 3% في العام الماضي. كما ان مؤشر أسعار المستهلك، المستند على سلة ثابتة من البضائع والخدمات (بما فيها الطاقة والطعام)، قد ارتفع إلى 3.6%.
علاوة على ذلك، هنالك أسباب جيدة للاعتقاد بأن مؤشرات أسعار الحكومة، مع المكونات المتقلبة من الطعام والطاقة او بدونها، تعطي إشارات تضخم ضعيفة على نحو مصطنع. على سبيل المثال، ان الازدهار الأخير في أسعار الإسكان لا يظهر مطلقا في مؤشر أسعار المستهلك. ان ما يسمى بـ”الإيجار المكافئ للمالك” يستخدم كبديل لكلفة ملكية المساكن. لم يتماش هذا المقياس مع أسعار المساكن.
إذا ما نظرنا إلى بيانات السوق الحقيقية، مثل تلك التي ينتجها سوق السلع، فان صورة التضخم قد تغيرت بشكل دراماتيكي. في العام الماضي ارتفع سعر الذهب إلى 51% وسعر النفط الخام إلى 35%. أما المؤشرات التي تتضمن أسعار تصفية السوق بالنسبة لنطاق واسع من السلع الزراعية والصناعية قد ارتفع أيضا بشكل كبير. كما ان مؤشر مكتب أبحاث السلع لـثلاثة وعشرين سلعة قد ارتفع إلى 15% مما كان عليه قبل عام. وسواء نظرنا إلى إحصاءات الحكومة، او إلى أسعار السوق، من الواضح جدا ان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد ضغط على دواسة تسريع الائتمان المالي بشكل أكثر شدة ولوقت أطول.
وكما أشرت في عمودي الصحفي في الثامن من أيلول لعام 2003 في مجلة فوربز، فان إحصاءات الحكومة، مثل نفقات الاستهلاك الشخصي ومؤشر أسعار المستهلك، قد تراجعت وراء أسعار السلع. بناءا على ذلك، أتوقع المزيد من الارتفاعات في مقاييس التضخم الحكومية والمزيد من إحكام مجلس الاحتياطي الفيدرالي. إذا كنت لم تتبع نصيحة الاستثمار التي ذكرتها في ذلك العمود، فافعل ذلك الآن: تخلّص من السندات التقليدية واستبدلها بسندات خزينة محصنة ضد التضخم. ضع 10% من محفظتك المالية في السلع، والذهب هو الاختيار المثالي.
ان معدلات الفائدة الواطئة والأرباح الزائدة بشكل مفرط قد أنتجت تشوهات ولاتوازنات أخرى. ان هؤلاء الذين تتلمذوا في نماذج دورة الأعمال التجارية التي طوّرها فريدرك هايك في الثلاثينيات (من القرن العشرين)، يعرفون ان معدلات الفائدة المنخفضة بإفراط تنجم عن فجوة كبيرة بين المدّخرات والاستثمار. لا يرغب الناس في تأجيل الاستهلاك ان كان الرجوع إلى المدّخرات ضئيلا، أما مستخدمو رأس المال فهم ميالون إلى تمويل المشاريع الهامشية عندما تكون كلفة المال منخفضة. ومما لا شك فيه ان إجمالي المدخرات كان 16.7% من الناتج القومي الإجمالي عام 2000. وبحلول عام 2005، تدهورت إلى 13.8% من الناتج القومي الإجمالي. اما إجمالي الاستثمار (أي الاستثمار قبل استخراج استهلاك رأس المال) بوصفه نسبة مئوية من إجمالي الناتج، فبدأ عند 20.7% وانتهى عند 20% خلال هذه الفترة. وبالتالي، فان فجوة المدخرات-الاستثمار قد انتفخت من (-4%) من إجمالي الناتج القومي إلى(-6.25%).
على المستوى القومي، تلك المدخرات ناقصة الاستثمار في الولايات المتحدة يساوي صافي الاستثمار الأمريكي الخارجي. وهذا بدوره يساوي الموازنة في الحساب الجاري الأمريكي، والذي هو الفرق بين صادرات أمريكا ووارداتها بشكل عام. إذا ما فاق الاستثمار المحلي مجموع مدخرات الأمريكيين، كما يفعل الآن، ستكون الواردات اكبر من الصادرات، وسنحصل على رأس مال أجنبي لتمويل الفرق. وبعبارة ابسط، إن عجزنا التجاري المتزايد هو دالة للتفاوت السلبي بين مدخراتنا ومعدلات الاستثمار.
السياسيون، وكما هو متوقع، يلومون الصينيين لعجزنا التجاري. ولمَ لا؟ مَن مِن السياسيين الأمريكيين قد خسر الانتخابات بواسطة لوم الأجانب على مشكلة وقعت في أمريكا؟ توقعوا المزيد من اللكمات الصينية، والمزيد من السياسات التجارية الحمائية، ودولاراً متزايد الوهن.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 7 آب 2006

منبر الحرية1 نوفمبر، 2010


أستاذ علم الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، وهو زميل أقدم في معهد كيتو في واشنطن العاصمة. عمل مستشاراً اقتصادياً لعدة حكومات: كاقتصادي أقدم في مجلس المستشارين الاقتصاديين إبان عهد الرئيس الأمريكي ريغان، بالإضافة كمستشار لرؤساء يوغوسلافيا السابقة، وليتوانيا، والأرجنتين، وبلغاريا، وإندونيسيا.

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018