عبد الغني الماوري

peshwazarabic28 يناير، 20110

مهما أعُطيت ثورة تونس من أوصاف، فإنها ومن دون مبالغة، تعد الثورة الأهم في التاريخ العربي المعاصر، فلأول مرة يستطيع شعب عربي إسقاط نظام لطالما وصف بأنه الأكثر قسوةً بين أقرانه في المنطقة عن طريق التظاهر والمسيرات الشعبية. وتتضاعف هذه الأهمية من كونها تؤسس لمرحلة جديدة في تعاطي الشعوب العربية مع أنظمتها، فالثورة التي قام بها الشعب التونسي من شأنها أن تعطي الطامحين للتغيير في العالم العربي أملاً في غد مختلف. ولعل هذا الأمر هو ما يزعج الأنظمة العربية التي تعاملت مع هذه الثورة بكثير من التجاهل والتشكيك، حيث تم وصمها بثورة الجياع تارةً، وبانقلاب قام به الجيش في اللحظات الأخيرة تارةً أخرى، فيما الحقيقة أن الشعب التونسي قرر التخلص من سلطة الأمر الواقع التي احتكرت كل شيء والتي واجهته بالرصاص على مدى شهرٍ كامل، وليس ذنبه أن يقف الجيش في نهاية المطاف على الحياد ويرفض أن يكون أداة قمع في يد شخص مهووس بالسلطة.
لا شك أن هذا التربص بالثورة التونسية وراءه خوفٌ عميقٌ من أن تمتد تأثيراتها إلى هذه الدول التي تغرق في الفوضى والاستبداد، والتي لا تنفك أنظمتها التأكيد على أن تونس حالة خاصة، وأن ما حدث لن يتكرر بأي صورة من الصور في أيٍ منها، وأن ما يقوله البعض من أن هناك تشابهاً بينها وبين تونس ليس إلا مجرد كلام فارغ.
والحال، إن التقليل من ما حصل في تونس ليس سوى محاولة بائسة لإبقاء الحال على ما هو عليه في تلك الدول، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه يلقى تأييداً من الشعوب التي اكتشفت فجأة أنها قوية بما يكفي لإسقاط أنظمتها برغم ما تملكه من جبروتٍ وقوة.
لقد أسقط التونسيون أساطير كثيرة، لعل أهمها أن ثمن التغيير كبير وباهظ بحيث لا يقدر على دفعه أحد، ومثّل سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين على يد القوات الأميركية وحلفاءها في العام 2003، وما تبع ذلك من حرب أهلية وانقسامات حادة ما تزال تهيمن على المشهد العراقي دليلاً على صحة هذه النظرية. ومن ضمن الأساطير التي أسقطتها الثورة التونسية استحالة التغيير في ظل انعدام حياة سياسية حقيقية، وما يترتب على ذلك من وجود أحزاب معارضة تقود الشارع في مواجهة السلطات القائمة، فقد قام الشعب التونسي بثورته متجاوزاً الطبقة السياسية التي تخلت عن دورها في تأكيد مبادئ وقيم الديمقراطية والحرية. وقد شكّل الشباب التونسي الفارق في هذا السياق، إذ تمكن من خلال شعارات غير مؤدلجة تتعلق بالخبز والحرية وبالكرامة الوطنية من إقناع فئات مختلفة من الشعب التونسي بالانضمام إلى حركة التغيير، فضلاً عن لعبه دور مؤثر في الدعاية لهذه الثورة من خلال تبادل الرسائل والصور عبر التويتر والفيسبوك وبث كل ذلك إلى العالم.
لكن أخطر هذه الأساطير التي أسقطتها الثورة التونسية، هي تلك التي تتعلق بالقوة المتخيلة للحاكم في الشرق، حيث دأبت كثير من النصوص “المقدسة” -أو التي اعتبرت كذلك في فترات مختلفة من التاريخ- على إعطاءه صفات خارقة، وقدرات استثنائية، ومزايا تختلف عن غيره من البشر.
والواقع أن كثير من حكام المنطقة قد استغلوا هذا الجانب على نحو سيء، فقد قدموا أنفسهم باعتبارهم نواب الله في الأرض يسألون الناس ولا يُسألون. وبالإضافة إلى هذه القوة المزعومة، فإن امتلاك الحاكم العربي لعشرات الأوصاف قد جعلته في أحيان كثيرة يبدو وكأنه رجل كل المهمات. فهو رئيس البلاد ورئيس الحكومة والقائد الأعلى للجيش، وزعيم الحزب الحاكم، وكبير القضاة، وراعي الفنون، والرياضي الأول، والمواطن البسيط عندما يتطلب الأمر ذلك. وهو فوق ذلك يملك الحكمة والقرارات الصائبة والحلول الناجعة لكل مشكلات الناس الكبيرة والصغيرة.
وقد ساعد في ترسيخ هذه الصورة، جيش من المنتفعين يتوزعون على أجهزة أمن قمعية، ووسائل إعلام تمارس قدراً كبيراً من التضليل، وكذا نخب سياسية تنازلت عن وعيها وعن وظائفها في الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، وكهنة لا يرون أبعد مما يراه الحاكم.
ولا شك أن تحالف هذه القوى المؤثرة والمؤيدة للنظام قد جعل المواطنين العاديين تحت ضغط عنيف ومستمر طوال الوقت، بحيث باتوا مطالبين في مناسبات كثيرة بتقديم آيات الشكر والعرفان لأنهم يعيشون تحت سلطته. والأخطر من ذلك كله، أن كثير من المواطنين العرب آمنوا بقدرة هذه الأنظمة على التحكم في حياتهم بشكل تام، بل ومعرفة ما في دواخلهم. لكن انهيار نظام بن علي على هذا النحو المفاجئ و بهذه السرعة أثبت للتونسيين ولشعوب المنطقة أن كل ما كان يقال عن قوة هذه الأنظمة أمرٌ مبالغٌ فيه. وهو الأمر الذي يؤشر إلى إمكانية حصول ذلك في دول عربية أخرى حتى ولو حاول زعماءها إقناع أنفسهم وإقناع الآخرين بعكس ذلك.
© منبر الحرية،28 يناير/كانون الثاني 2011

peshwazarabic21 نوفمبر، 20101

يختزل تاريخ الرياضة علاقة من نوع خاص مع الدين. فمنذ البداية، كانت الألعاب الرياضية على تماس مباشر وحاد مع التفسيرات ذات الطبيعة الدينية الخالصة. فحسب رودلف براش، فإن الرياضة بدأت كطقوس دينية. ومنشأ ذلك بحسب براش: إن الإنسان كان يخاف من قوى الطبيعة التي تحيط به وتنال منه، الأمر الذي غرس في الإنسان البدائي نزعة إحراز النصر على الأعداء المرئيين وغير المرئيين للسيطرة على قوى الطبيعة، ولزيادة الخصوبة في المحاصيل والماشية؛ فقد كان الملعب والألعاب طريقة الشعوب البدائية لضمان وإحياء الزرع والضرع.
وعلى سبيل المثال، فإن ألعاب الكرة كانت تمثل لشعب المايا في أميركا الوسطى جزءاً هاماً من عقيدته الدينية، كما أن الأولمبياد هو نتاج علاقة خاصة بين الدين والرياضة، حيث كانت احتفالات الإغريق الدينية تأخذ طابعاً رياضياً تنافسياً، وكان الاحتفال أو المهرجان الأكثر شهرة، بحسب الدكتور أمين الخولي في كتابه “الرياضة والمجتمع”، هو المهرجان الأولمبي الذي كان يقام على سفح جبال أولمبيا في بلاد الإغريق لتمجيد ما أطلقوا عليه اسم “رب”.
ومثلما كان الدين دافعاً قوياً لازدهار الألعاب الرياضية، كان سبباً في تراجعها. فقد قرر الإمبراطور تيودور الأول فور اعتناقه المسيحية عام 394 منع الألعاب التي كانت معروفة لدى الإغريق، بحجة أنها تمثل احتفالات وثنية. وقد ظل يُنظر إلى الرياضة مسيحياً على أنها تتعارض مع القيم الروحية والإيمان الحقيقي، لأنها تغرق الجسد في الملذات والمادية.
لكن منذ القرن التاسع عشر، حصل تحول جوهري في نظرة الكنيسة للرياضة، ويعود الفضل في ذلك إلى بعض رجال الدين المسيحي الذين أدركوا أن الرياضة لا علاقة لها بما قد يرتكبه الإنسان من آثام، بل على العكس يمكن للرياضة أن تساعد في بناء شخصيته بطريقة أفضل.
وفي الواقع، كان هناك سبب آخر جعل الكنيسة تتحمس لدعم الأنشطة الرياضية، وهو، كما يذكر عالم الاجتماع جورج سيج، خدمة الرب. وهو ذات السبب الذي من أجله اهتم اليهود بالرياضة، إذ كانت الأنشطة الرياضية تقام في يوم السبت، الأمر الذي أصبغ عليها صبغة دينية، وجعلها تبدو وكأنها عملية إيمانية بحتة.
في المقابل، فإن نظرة الإسلام إلى الرياضة كانت مختلفة بعض الشيء، إذ لم يكن هناك أي تعارض بين التعاليم الإسلامية والرياضة، بل إن كثير من كبار العلماء في التاريخ الإسلامي لم يخفِ إعجابه ببعض الألعاب الرياضية كالفروسية والرمي والمبارزة، باعتبارها حاجة ضرورية لبناء جسم قوي، وبالتالي لبناء مجتمع قوي ودولة قوية.
لكن انحطاط المسلمين الحضاري غيّر الرؤية تجاه كثير من المسائل ومنها الرياضة التي يُنظر إليها على أنها تضييع للوقت في غير فائدة. ورغم أن هذا العصر يكاد يكون عصر الرياضة، فإن هناك أصوات دينية ما تزال ترى في الرياضة مؤامرة “يهوصليبية” لإلهاء المسلمين عن أمور دينهم وعن قضايا أمتهم، فمتابعة كأس العالم، بحسب الدكتور يحيى إسماعيل، وهو عالم دين أزهري، يعادل “تعاطي المسكرات المحرمة شرعاً لأنها تلهي عقول الأمة وتغيّبها وتعمي بصيرتها عما يراد بها ويستهدفها”، مؤكداً في جوابه على سؤال لموقع “إسلام اون لاين” حول حكم الشرع في اهتمام العالم الإسلامي بكأس العالم أن “الوقت لا يسمح بأي حال من الأحوال أن تركز على متابعة مباريات الكرة، بينما يدافع النساء والأطفال عن المسجد الأقصى”، بالإضافة إلى أن الظروف المحيطة بالأمة سواء في العراق أو أفغانستان أو كشمير ليست كما ينبغي.
ليس هناك أفضل من التيارات الأصولية في استغلال معاناة الناس العاديين والتحريض على الرياضة ومن يمارسها؛ فالمرتبات العالمية التي يحصل عليها اللاعبون هي “جنون وسفه”، فيما لا يتحدث أحد عن فساد كبار المسئولين واستيلائهم على مئات الملايين بغير حق.
لكن هذا الموقف المتشدد تجاه الرياضة يعبر عن ازدواجية مفرطة، فالحركات الإسلامية التي لا تتوانى في انتقاد الإنفاق على المسابقات الرياضية هي ذاتها من تحاول الاستفادة منها لفرض آرائها وتوجهاتها. وفي هذا الإطار يقال أن “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الجزائرية استطاعت الفوز في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 كانون الأول/ ديسمبر 1991 بواسطة الرياضة، حيث كان يتم ترديد شعاراتها في الملاعب الرياضية.
كما أن حركة الإخوان المسلمين وهي تُعد أم الجماعات الإسلامية والتي تأسست في 1928، كان تولي الجانب الرياضي وخصوصاً الألعاب القتالية عناية خاصة، لإدراكها أن الرياضة هي إحدى البوابات الرئيسية لتحقيق أهدافها في الاستيلاء على الحكم.
ولسوء الحظ، فإن هذه الازدواجية تحقق لهذه التيارات الأصولية ما تصبو إليه، فهي من خلال اهتمامها بالرياضة غير الاحترافية (أي بالأندية الصغيرة على صعيد القرى والحواري) تحصل على الشعبية المطلوبة بأموال ليست كبيرة، فهي غير معنية بالمنافسة على الصعيد الدولي التي تتطلب صرف الكثير من الأموال، لأن الوطن بالنسبة لها لم يتحقق بعد على أرض الواقع، ذلك أن الوطن بحسب معتقداتهم لا بد أن يجمع تحت لوائه جميع المسلمين في دولة واحدة هي “دولة الخلافة”، على العكس من الأصولية المسيحية التي تجاوزت الكثير من آرائها المتشددة تجاه الرياضة لإظهار تفوق الديانة المسيحية في هذا المجال، فهذا يساعدها في حملاتها التبشيرية في دول العالم المختلفة، وخصوصاً في أفريقيا وآسيا.
وقد توصل بافو سبانين، في دراسته عن الأولمبياد من المنظور الديني المقارن خلال الفترة (1869- 1968)، إلى أن الأمم البروتستانتية تأتي في المرتبة الأولى لناحية الإنجازات الرياضية، يليها الأمم الكاثوليكية والأرثوذكسية، فيما حلت الأمم الإسلامية والكونفوشيوسية واليهود في ذيل القائمة.
هذا “التفوق المسيحي” – إن جاز القول – في المسابقات الدولية يزيد من فرص الجهات والهيئات ذات الطابع التبشيري في تحقيق أهدافها؛ فالانتصارات التي تحققها الفرق المسيحية يمكن اعتبارها    “حروب صليبية” ناجحة. في المقابل، تبرز أندية المساجد في الدول العربية والإسلامية بوصفها “خطوط الدفاع” الأخيرة ضد “الغزو المسيحي” الأجنبي، إذ دائماً ما تكون الندوات ذات الطابع الديني المتشدد من أهم الأنشطة التي يحرص على وجودها القائمين على هذا النوع من الأندية إلى جانب ألعاب كرة القدم وكرة الطائرة والألعاب القتالية على وجه الخصوص للتذكير بالعدو، وللتصدي لموجات ما يسمى “الغزو الثقافي”.
ختاماً، بات من الصعب تجاهل صعود الظاهرة الدينية المستمر منذ منتصف القرن الماضي، وهذا بلا شك يؤثر في طريقة تفكير الناس، ومنها الجماهير الرياضية التي تعرف ماذا يعني أن يقدم لاعب على أداء حركات وإشارات دينية. إنه ببساطة يريد أن يقول “إن هذه المواجهة الرياضية تتطلب دعماً إلهياً”، وهذا بالتأكيد ما تحرص الأصوليات المختلفة على إظهاره، لكن ذلك – لسوء الحظ – يجعل الرياضة في خطر دائم.
© منبر الحرية، 14 نوفمبر/تشرين الأول2009

peshwazarabic15 نوفمبر، 20100

في اليوم التالي للانتخابات اللبنانية الاخيرة نشرت صحيفة “السياسية” التي تصدر عن الوكالة الرسمية اليمنية صورة لرجل وعروسه، وهي في ثوب الزفاف، وهما يدليان بصوتهما في مدينة بيروت. وقد حصلت هذه الصورة على اعجاب كثير من القراء، لكن جهات دينية متشددة عبرت عن غضبها، وهددت برفع هذا الأمر إلى القضاء مالم تعتذر الصحيفة، وتعاقب الصحفي الذي قام باختيار الصورة، وقد حصلت هذه الجهات على ما تريده، فقد اعتذرت الصحيفة، وتم ايقاف المسؤول عن ذلك لمدة شهر، ومنعه من الدخول الى مبنى الوكالة اثناء فترة العقوبة. ورغم أنه قد تم التراجع عن هذا القرار إلا أنه يكشف بوضوح مدى تأثير هذه التيارات الدينية، خصوصاً تلك التي لديها موقف معادي من الحرية على من يفترض أنهم طليعة المجتمعات وهم الصحفيون.
كثيرون استغربوا إثارة عاصفة حول صورة عادية بثتها وكالات الانباء ونشرتها صحف عربية مختلفة، خصوصاً وأن صحيفة “السياسية” تعودت نشر صورة كبيرة في الصفحة الأخيرة على غرار صحيفة الحياة اللندنية وصحيفة القدس العربي، وغالباً ما تكون هذه الصور لنساء وهنّ في كامل آناقتهن.
في الحقيقة، إن الاعتراض الذي أبداه المتشددون الدينيون على الصورة لم يكن فقط بسبب ما قيل أن فستان العروسة فاضح!، وإنما لأن الصورة تحرّض على القيام بعمل أكثر فضائحية، وهو الانتخابات، التي تعد بحسب هؤلاء اغتصابا لحق الله في الحكم والتشريع، لذلك وبحسب أهم علمائهم وهو الشيخ محمد الامام في كتابه “تنوير الظلمات لكشف شبهات وملابسات الانتخابات” لا يصح إسلام المرء حتى يكفر بالديمقراطية.
تكمن خطورة هذا الفكر أنه يجعل من الحرية عدواً يجب مواجهته، في حين أن الحرية تعادل الحياة، وهي معنى في غاية الاهمية التفت إليه المفكر الاسلامي الكبير ابن باديس عندما قال “إن حق الانسان في الحرية كحقه في الحياة، فمقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية” .
قبل نحو عامين، أعطاني أحد زملائي مشروع كتاب قام بتأليفه أحد أصدقائه، من أجل أن أطلع عليه وأسعى لنشره في المكان الذي أعمل فيه.
قرأت الكتاب، وصُعقت، فقد كان الكتاب يتحدث عن ما أسماه ألاعيب يهودية، وكان من ضمن هذه الألاعيب، الحرية التي تمثل بحسب وجهة نظره سلاحاً يهودياً لتدمير الإسلام والسيطرة على العالم.
قلت لزميلي: قل لمؤلف الكتاب، لقد بذلت جهداً جيداً، لكن عليك أن تترك هذا الفكر المتشدد الذي يتعامل مع القيم الانسانية مثل: الحرية والمساواة باعتبارهما مؤمرات يهودية، سيكون اليهود في غاية السعادة إذا تم الصاق هذه التهمة بهم! .
في هذا الصدد قد يكون من المناسب التذكير بأن الكتب المعادية للحرية التي تصدر في العالمين العربي والاسلامي أكثر من تلك التي تنادي بها، وهي مسألة محيرة فعلاً، وتحتاج الى نقاش هادئ وعميق، فهذا السبيل الأكثر صواباً لفهم الأسباب الحقيقية التي جعلت الحرية تتحول من مطلب حضاري وإنساني إلى مؤامرة خارجية.
لا يكفي القول، أن الخلط الواضح والمتعمد بين الحرية والانحلال، هو السبب وراء هذا الانقلاب في التفكير الإسلامي على الرغم من أن الحرية هي أحدى المبادئ الأساسية التي دعا إليها الإسلام، ولاتزال مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب “متى أستعبدتهم الناس وقد ولادتهم أمهاتهم أحرارا” تملئ المكان.
اليوم يوجد داخل التيار الإسلامي وخارجه من يحاول رد الإعتبار للحرية، لكن هؤلاء يواجهون خصماً لديه إرث من التسلط يستند على قداسة دينية، قادر على تحوير النصوص المقدسة لمصالحه الضيقة، وبسب الأمية العلمية والدينية على حد سواء تزيد قدرة هذا الطرف على التأثير على البسطاء الذين يتعامل معهم بقسوة وتعالٍ.
قبل عدة أشهر، سعى بعض رجال الدين في اليمن إلى تكوين هيئة للدفاع عن الفضيلة، على غرار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد توقف المشروع مؤقتا، إذ لم تسمح الظروف التي تمر بها البلاد بتمرير هكذا مشروع. ثمة اتجاه لدى هؤلاء للوصاية على الناس الذين غالباً ما يثقون بهم.
في المقابل، هناك من يصمم على التفاؤل، ويعولون على تطور المجتمعات العربية، وعلى رجال الدين البارزين الذين يملكون فكراً متحرراً، واجتهادا مغايراً للسائد، لكن أغلب هؤلاء يريدون الحرية من أجل استخدامها كمطية للوصول إلى التحكم بالسلطة والناس. الداعية الاسلامي الدكتور يوسف القرضاوي أحد هؤلاء الذين يشار إليهم بالبنان عندما يتعلق النقاش بالتجديد الديني، وقد طالب مؤخراً بإطلاق الحريات العامة بين أفراد الشعوب الإسلامية، معتبراً أن ذلك أمرٌ مقدمٌ على تطبيق الشريعة. وهو رأيٌ يشاركه فيه الكثير من المرجعيات الإسلامية المختلفة التي تحاول أعطاء الحرية معايير خاصة جداً تتفق وأفكارهم التقليدية، تحت حجة رفض الأفكار الآتية من الغرب الكافر!، ما يعني أننا قد نحتاج الى زمن طويل حتى نغيّر من أفكارنا تجاه الحرية التي تُعد بحق أهم القيم الإنسانية على الإطلاق.
© منبر الحرية، 20 دجنبر/كانون الأول2009

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018

فايسبوك

القائمة البريدية

للتوصل بآخر منشوراتنا من مقالات وأبحاث وتقارير، والدعوات للفعاليات التي ننظمها، المرجو التسجيل في القائمة البريدية​

تواصل معنا

جميع الحقوق محفوظة لمنبر الحرية © 2018