لا تزال المعارضة الإيرانية مستمرة للنظام الإيراني منذ انتخابات حزيران 2009. ولا تزال الأزمة تراوح مكانها برغم كل المحاولات التي بذلت، وذلك دلالة واضحة على عمق الانقسام الذي تعيشه إيران فهي أسوأ أزمة تشهدها منذ الثورة، فهي تكشف عن عمق التوترات والأمراض التي تنخر في النظام الإيراني، وتطلعنا على حجم التحديات المستقبلية، فالمجتمع كائن عضوي تكشف حالة المرض عن مدى كفاءة الأعضاء التي تكون بدنه وأحشاءه معا. ومن المعروف أن النظام السياسي يبقى مستقرا طالما كان موفيا بمطالب أعضاء النظام في مختلف النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ولاستجلاء حقيقة المعارضة الإيرانية، يتعين وضعها في سياقها التاريخي، وبالتحديد منذ الثورة الإيرانية. هذا التاريخ يكشف عن تركيبة النظام وبنية المجتمع، ومستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. فالأحداث السياسية التاريخية هي التي تشكل خبرة الإنسان السياسية وتبقى مختزنة في الوعي السياسي للأمة وخزان وقودها، وتمد المجتمع السياسي بقوة دفع لا يستطيع إيقافها أي نظام مهما أوتي من قوة.
إن القراءة المتأنية لتاريخ المعارضة تساعد على الخروج بتعميمات نستطيع من خلالها فهم ما يجري في إيران في هذه الأثناء. هذه القراءة تؤكد أن المعارضة في تزايد مستمر، فضلا عن تزايد جرأتها ومطالبها. وعليه، لا نبالغ إن قلنا: إن مستقبل النظام مرهون بمدى استجابته للتحديات والآمال التي تكشف عنها ليس فقط الاحتجاجات الحالية، بل ما يكشف عنها تاريخ المعارضة منذ الثورة الإيرانية إلى الآن. فالنظام الإيراني يشهد بين الحين والآخر حالة مزمنة من التوترات شديد الحدة بما يشبه “الأزمة الممتدة”، وخصوصا الصراعات الحادة بين التيارات السياسية داخل الجهاز الحكومي أو بين الأخير والقوى المحيطة بالنظام. ولكن هذه التوترات لم تصل إلى درجة تهديد النظام وتقويض بنيانه، قد تصل إيران إلى هذه الحالة، أي إلى أزمة حادة وبنيوية يصعب حلها في ظل النظام القائم إن لم يقم الجهاز الحكومي بتغذية راجعة يتفادى من خلالها الوقوع في أزمة مستقبلية قد تكون أشد حدة وقد تعرض بنيان النظام إلى خطر ماحق. فضلا عن ذلك إن هذه القراءة تكشف عن ثوابت المعارضة الإيرانية، ومدى استجابة النظام لهذه الثوابت، وردود فعله تجاهها؛ لاعتقادنا أن هذا محدد رئيس لاستشراف مستقبل النظام الإيراني.
وجدير بالملاحظة أن المعارضة السياسية مسألة ضرورية ولازمة لأي نظام سياسي. وفي النظام السياسي الإيراني، فإن الحاجة إلى المعارضة تعتبر ضرورة مضاعفة عن مثيلاتها في النظم السياسية الأخرى، ليس فحسب لأنها تكشف عن مثالب النظام واحتياجات البناء الاجتماعي، بل لأنها تهز استقرار النزعة المحافظة للنظام الإيراني.
وبعد مسح لأشكال المعارضة الإيرانية منذ الثورة إلي الآن ومطالبها وردود فعل السلطة تجاهها، نعرض بعض الخلاصات التالية:
أولا: في إيران أكثر من شكل واحد للمعارضة. والمفارقة رغم تنوعها الشديد إلا أن فاعليتها محدودة. ويمكن تصنيف المعارضة إلى ثلاثة أصناف:
1- معارضة داخل الجهاز الحكومي
2- المعارضة الدينية
3- المعارضة المسلحة .
تشكل المعارضة داخل الجهاز الحكومي مجموعة من التيارات السياسية شديدة التباين تعمل من داخل النظام، تعارض بعضها بعضا، وتعتبر ولاية الفقيه مقولة دستورية ملزمة. وتحكمها تباينات عميقة تتعلق بالحقوق المدنية، وسيادة القانون، والمجتمع المدني، والفصل بين السلطات الثلاثة، وحدود سلطات الدولة. فهناك التيار اليميني التقليدي، وتيار اليسار الإسلامي، والتيار الليبرالي، وتيار معتدل يغلب عليه الطابع الإداري والتكنوقراطي.
ولكل تيار قاعدة اجتماعية تناصره، وامتداد خارج مؤسسات الدولة، وصحف ناطقة باسمه. خلاصة ذلك أن هناك تنوعا شديدا في التيارات السياسية داخل الجهاز الحكومي بين يمين ويسار، متطرف ومعتدل، إصلاحي ومحافظ. يعكس هذا التباين التنوع في فئات وطبقات المجتمع الإيراني. وهكذا نجد أن لكل قاعدة اجتماعية ممثلين حكوميين. وهذه حقيقة في غاية الأهمية، فالتنوع السياسي- الاجتماعي والإيديولوجي، هو في الحقيقة ممثل بتيارات سياسية داخل الجهاز الحكومي. أهمية ذلك تكمن في أنه يحول دون وصول التناقضات السياسية والاجتماعية إلى ذروتها.
وبفضل وجود هذه التيارات في قلب النظام السياسي أمكن لصانع القرار مراعاة مصالح متعددة ومتنوعة. وهو متغير مهم يفسر لنا قدرة النظام الإيراني على الاستمرارية والبقاء في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة التعقيد، فضلا عن وضع داخلي ملتهب. وهذا ما يجعل النظام قادرا على تفادي أزماته ومعالجتها، دون حدوث ثورة أو تغيير انقلابي، كما يحدث في الأنظمة السياسية العالمثالثية. فقد أثبتت إيران قدرا عاليا على مواجهة التحديات والتصدي للأزمات الداخلية والخارجية. ولذلك فإن القوى المؤثرة في مصير النظام هي قوى “داخلية”- كما يقول الباحث الإيراني سعيد برزن- أي داخل الجهاز الحكومي، وليس للقوى التي تتخندق خارج النظام سوى تأثير قليل جدا قد يصل إلى درجة الصفر. وبالتالي فإن التغيير ينتج ليس نتيجة صراع بين قوى النظام الداخلية والقوى المحيطة به، بل إن المنافسة بين تيارات النظام الداخلية هي التي قادت إلى التغيير. فـ “كلما ابتعدنا عن مركز النظام شاهدنا انخفاض مستوى التأثير لدى القوى السياسية”. خلاصة القول، لقد كان تحرك الفكر والسياسة من داخل الجهاز الحكومي نفسه. فالتيارات التي تشكل جسم النظام هي التي حملت لواء التغيير، أما القوى المحيطة بالنظام لم تستطع التأثير في هذا التحول التاريخي بشيء يذكر. وعليه فحتى تؤثر المعارضة في النظام يتعين عليها جذب التيارات الممثلة داخل الجهاز الحكومي لصالحها، فإن إحداث التغيير لن يكون بدون مساندة ومساعدة هذه التيارات السياسة.
أما المعارضة الدينية، فهي تنتقد النظام على أساس ديني، وتعارض أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة للنظام. وتلعب دورا مؤثرا داخل النخبة السياسية الحاكمة خصوصا عندما يكون الصراع بين التيارات السياسية على أشده، فقد ينتهي الأمر بأن ترجح المعارضة الدينية كفة الإصلاحيين. وتتنوع مواقف المعارضة تجاه ولاية الفقيه. ثمة من يرفضها بالمطلق، ويعتبرها ” شرك بالله وفرعونية”. وثمة من لا يرفضها وإنما يرفض ولاية المرشد الحالي على خامنئي؛ لافتقاده المؤهلات الدينية الكافية لتولي الزعامة الدينية. هذه المعارضة تطالب بإحلال شخص أكثر كفاءة من خامنئي. وثمة من يطالب باستبدال قيادة الفرد الواحد وإبدالها بقيادة جماعية من خلال مجلس فقهاء يتكون من فقهاء حاصلين على أعلى درجات العلم الديني لضمان الطابع الإسلامي للدولة. وثمة من يطالب بولاية محدودة تتمتع بصلاحيات سياسة محدودة؛ لتقييد سلطان ولاية الفقيه. وثمة من يطالب بانتخابه مباشرة من الشعب، أي ولاية الأمة. وثمة من يرفض ولاية الفقيه جملة وتفصيلا، ويرون أن مبدأ ولاية الفقيه استباقا لفكرة المهدي المنتظر، ويشككون في شرعية أي حاكم قبل عودة الأمام الثاني عشر، هذا التيار يدعو إلى انسحاب علماء الدين من السياسة. وأخيرا من المعارضة الدينية من يطالب بتحويل ولاية الفقيه إلى ولاية شرفية فقط أي لا تتمتع بأي صلاحيات سياسية.
يتضح مما سبق أن المعارضة الدينية عبارة عن خليط غير متجانس، وتتشكل من جماعات تترابط برابط هش وضعيف، وتفتقر إلى التنظيم. وهذه نقطة ضعف قاتلة، تفقدها القدرة على التأثير في النظام. وعليه فهي لا تشكل تهديدا له، بل يسهل على النظام اختراقها وتفتيتها وإضعافها. ومرد ذلك ليس لضعف في تكوين علماء الدين المعارضين، بحكم ثقافتهم وتكوينهم العقلي والديني، بل في تفكيرهم المثالي، وبالتحديد رفضهم الانجرار وراء المناورات السياسية وألاعيبها، ويفضلون البقاء بعيدا عن ألاعيب السياسة والاكتفاء بدور المرشد والموجه والتعبير عن المبادئ الروحية السامية. وبالتالي فهم لا يصلحون لإدارة أجهزة الدولة.
لذلك تستغل النخبة الحاكمة والمؤيدة لـ “خامنئي” نقطة الضعف هذه جيدا. ونقطة الضعف الثانية، تتمثل في أن الصراعات الدينية بين علماء الدين الشيعة سواء أكانت فيما بينهم أو بينهم وخصمهم “خامنئي”، نقول إن هذه الصراعات تكون غالبا وراء الكواليس ونادرا ما تتسرب أخبارها إلى الخارج، لذلك فهي بمثابة “حرب باردة” وصامته وبخاصة بين رجال الدين وخامنئي. وبالرغم من حدة الاختلافات بين المعسكرين والعداء بين الجانبين إلا أن بين المعسكرين اتصالات كثيرة وروابط متشعبة، ومتشابكين عبر الزيجات والروابط الأسرية والتجارب المشتركة التي جمعت بينهم خلال سنوات الدراسة ومعارضتهم للشاه. المهم هنا أن بقاء هذه الصراعات وراء الكواليس يجعل الرأي العام الإيراني غير مطلع عليها، وهذا خسارة سياسية لهؤلاء غير الممثلين داخل جهاز الدولة، وبالتالي لا يتم توظيفه سياسيا لصالح التيارات المعتدلة، وهذا يعد مكسبا للنظام ونخبته الحاكمة وخصوصا تيار اليمين المؤيد لـ”خامنئي”.
أما بخصوص تعامل النخبة الحاكمة مع المعارضة الدينية، فكان ولا يزال تعاملا سلبيا إما بالترهيب والإقصاء، أو بالسجن والإقامة الجبرية، أو من خلال الإهمال والرفض والعزل.
وبخصوص المعارضة المسلحة، فهي تمثل جماعات وأحزاب إيرانية يعيش معظمها في المنفى. تكرس نفسها لمقاومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالسلاح، وتصارع الأخيرة على الدولة وعلى الإستراتيجية العليا للدولة الإيرانية. وتهدف إلى الإطاحة بالنظام أو انتزاع حكم ذاتي للأقليات العرقية أو الدينية. ومن هذه المعارضة “الحزب الديمقراطي الكردستاني” و” المعارضة السنية المسلحة” و”منظمة مجاهدي خلق” . هذه المعارضة لا تمثل أي تهديد حقيقي للنظام، دع عنك عن إطاحته. ولا تمتلك أي فرصة للاستيلاء على السلطة. وترفض الأغلبية العظمى من الإيرانيين، في داخل البلاد وخارجها، “منظمة مجاهدي خلق” وتحتقرها أغلبية الإيرانيين، وكانت دائما غريبة على جو “الحوزة” “ولها أراء غير تقليدية عن الإسلام”. وبالتالي فالمعارضة المسلحة ليس لها تأثير، وهي أيضا مفتتة وليس بينها رابط مشترك أو أهداف جامعة متفق عليها توحدهم في مناوئة النظام، فضلا عن مشاكل بنيوية تعتورها. وعليه، فهي عاجزة عن التأثير في مجريات الأمور في إيران، لا يمكن التعويل عليها لإحداث اختراق في بنية النظام.
ثانيا: تشكل المعارضة الإيرانية موقفا حرجا للجمهورية الإسلامية التي تتجاذبها القوى المعارضة. فلا تزال القضايا التي تثار متعلقة بمسألة ولاية الفقيه المطلقة التي تشكل الركيزة الرئيسية للحكم في إيران. المشكلة التي مابرحت تهيمن على النظام منذ الثورة إلى الآن هي كيف يمكن الجمع بين الدولة الدينية والمدنية في وقت واحد؟، حيث يؤخذ على النظام بأنه أخفق في تحقيق المصالحة بين المذهب الشيعي والعصر، وأخفق في تحقيق التوفيق بين الإيمان والحرية، دع عنك الاستجابة لطموح الأجيال الشابة. فالدستور مثلا يحاول أن يجمع بين المتناقضات، فيقر الحريات المدنية ويضيق في آخر كل مادة فيها هذه الحريات “ما لم يخل بالقواعد الإسلامية والحقوق العامة” أو “بشرط أن لا تناقض أسس الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية والقيم الإسلامية”. أو “بشرط أن لا تكون مخلة بالأسس الإسلامية”. ومن المعروف أن الأسس والقواعد الإسلامية التي يشترطها الدستور لممارسة الحريات، هي مبادئ عامة ومجردة يستطيع كل تيار سياسي تفسيرها حسب معتقداته ومبادئه؛ لأنها غامضة وتحتاج إلى تفسير وثمة تفسيرات عديدة لهذه المبادئ، وكل التيارات تستطيع تفسيرها لصالحها.
فمثلا يعتبر تيار اليمين التقليدي أن كل نقض موجه للنظام أضحى نقدا موجها للإسلام نفسه. ناهيك أن النظام يلقي بتهمة “الحرابة” على من يخالفه، وقد أعدم الكثير بسبب هذه التهمة.
هذه التحفظات حاصرت حريات الصحافة، والاجتماع، ومكنت السلطات من الالتفاف عليها؛ لعجز النظام عن إيجاد التوازن بين “ولاية الفقيه” وبين ولاية الشعب، بين المدني والديني. وهذا يعد من المطالب الأساسية التي تكشف عنها المعارضة، بل ومن ثوابتها. ولا غرو أن الحركة الخضراء يعتبر جزء كبير من همها متعلق بالحريات، ويكشف عن ذلك المبادرة التي قدمها الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوس التي تطالب بوضع حدود للسلطة، وأن تعمل في إطار القانون، وإعداد قانون للانتخابات يضمن منافسة نزيهة وعادلة، والإفراج عن جميع السجناء، وضمان حريات الصحافة والتعبير، والسماح للصحف الموقوفة بالعودة مجددا، والاعتراف بحق الشعب بالتجمعات القانونية، والسماح للأحزاب بالعمل وفق القانون. وعليه يرتكز تاريخ المعارضة الإيرانية على مسألتي في غاية الأهمية وهما: الحريات المدنية، وحدود سلطة الدولة وسياستها الخارجية، وتأخذ المعارضة على النظام أنه مفرط في سياسته الخارجية، وهذا الإفراط هو الذي يجلب المواجع داخليا؛ لأنها تبدد أموال الشعب.
ثالثا: ما برح ميزان القوى يميل لصالح النظام الحاكم وبخاصة لصالح تيار اليمين التقليدي المساند للمرشد والمدافع عن ولاية الفقيه. فالتيارات السياسية التي تشكل الجهاز السلطوي جميعها رغم اختلاف التوجهات السياسية، لا يمكنها تجاوز الأسس الدينية والسياسية والمبادئ العامة التي يقوم عليها النظام. فـ”مير حسين موسوي” زعيم الحركة الخضراء مؤمنا بكل أسس الثورة والمبادئ العامة التي أرستها. ورفسنجاني وخاتمي وكروبي يعتبرون أنفسهم أبناء النظام، ويرتبط بعضهم بالنخبة الحاكمة وبعلاقة مصاهرة ونسب وتجمعهم تجارب وآلام مشتركة. وهذا ينبئ بقدرة النظام على معالجة هذه الأزمة، فثمة ما يشي بذلك وخصوصا أن الحركة الخضراء بدأت تضعف وتتراجع وهناك انحسار ملموس في حجمها. بيد أن المستقبل لا ينبئ بذلك؛ لأن تاريخ المعارضة يشير بتزايدها وتزايد جرأة مطالبها، فلأول مرة نشاهد هجوما على المرشد، وصورة تحرق وتمزق وهتافات تنادي “بموت الدكتاتور”. ولأول مرة نرى حدة التنافس والاختلاف بين المحافظين والإصلاحيين فضلا عن حدة الانقسام في النخبة السياسية والدينية. ولأول مرة نرى المرشد يعلن بوضح انحيازه لتيار بعينه، والخروج عن دوره المتعارف عليه وهو الحياد والمحافظة على التوازن داخل الجمهورية الإسلامية. ولأول مرة نجد هذا التدخل العسكري الواسع والعنيف في التصدي للمعارضة بهذا الشكل وما صاحبه من إعدام وسجن للخصوم. وعليه لا غرو أن البعض يصفها بالأزمة الأكبر والأخطر منذ الثورة إلى الآن، والأكثر كشفا لطابع النظام، الذي يكشف عن عمق الانقسام في المجتمع الإيراني. لذا فقد تفتح فصلا جديدا في تاريخ إيران تشكل هذه المعارضة مقدمته.
رابعا: إن التأثير السياسي للمعارضة الدينية التقليدية الرافضة لولاية الفقيه جملة وتفصيلا، يكاد يكون تأثيرا معدوما. فولاية الفقيه تمثل اجتهادا متطورا في الفقه الشيعي، فلا يعقل مطالبة المعارضة الدينية التقليدية تعليق قضية الحكم بحجة انتظار المهدي المنتظر. أما المعارضة الدينية الفاعلة والمؤثرة تنقسم إلى قسمين : الأول، أنصار ولاية الفقيه المطلقة. والثاني، أنصار الولاية المحدودة للفقيه. والمعلومات تشير إلى أن التوجه الشعبي يسير نحو تأييد الخيار الثاني، فضلا عن أن هناك طائفة من النخبة تؤيد هذا الخيار وتدعم باتجاهه. وجدير بالذكر أن انقسام المرجعيات بعد انقسام الزعامات يعني أن إيران دخلت المرحلة الأخطر، بعد أن نالت حدة الانقسام ولاية علي خامنئي وهزت مرجعيته وشرعيته.
خامسا: إن تزايد المعارضة وتصاعد وتيرة الأزمة أو خبوها في المستقبل، يتوقف على انفتاح النظام على مطالب المعارضة واحتياجاتها وأن تستثمر السلطة الحاكمة المطالب والاحتياجات وتستدخلها جميعها في نظامها وفي مشروعها، والقدرة على هضمها في بنية قرارات النظام السلطوية، لأن تسكين الأزمة ليس علاجا ناجعا. فثمة مرحلة جديدة من التحديات لم يألفها النظام، وهو مقبل عليها قسرا إذا استمرت استجابته بهذه النمطية.
نعم لدى النظام الحالي من القوة ما يمكنه من مواجهة المعارضة الحالية، ولكن العبرة بقدرة النظام على المحافظة على استمراريته وثباته وقوته، كيف يتم ذلك؟ هذا متوقف على التعامل البرجماتي مع الاحتياجات والمطالب التي تمظهرت. ولا ينفع النظام تهميش هذه المطالب بحجة أن الظروف الإقليمية والدولية المحيطة بإيران غير مواتية، بسبب المخاطر والتهديدات التي تواجهها، وبخاصة ارتفاع وتيرة المواجهة مع الغرب بسبب أزمة الملف النووي الإيراني. ولا ينفعه اعتبار المعارضة صنيعة أجنبية ومدعومة من أمريكا والغرب. فاستمرار ذلك يعني أن النظام لا تزال استجابته للمعارضة استجابة لا تنم عن الفهم الكامل للحق في الاختلاف؛ لعدم إضفائه عليها أية مشروعية بل يعتبرها نشازا. ولا ينظر لهذه الاحتياجات بأنها تشكل لائحة مطالب ضرورية وتقريرا كاملا يكشف عن تحولات اجتماعية في شرائح المجتمع الإيراني، وتكشف عن فصل جديد ينتظر إيران، ومن مصلحة النظام التصالح مع مطالب واحتياجات المعارضة. ويتحتم التعامل معها من خلال إيجاد صيغة توفيقية تضمن احتياجاتها وتستوعب مطالبها بدلا من شيطنتها؛ لأن استمرارها ورد فعل الأجهزة السلطوية المسلحة تجاهها يعني تشويه صورة إيران ونموذجها وصدقيه نظامها الأخلاقي. لاسيما أن الفكر الإسلامي المنفتح يؤكد على وجود مفهوم المعارضة في الإسلام. فلا ينفع القمع لأن العوامل البنيوية ترجح كفة المطالب الشعبية الحيوية والثابتة. واستمرار القمع سيقود إلى إضعاف النظام في المستقبل، وبخاصة أن إيران مقبلة على تحديات مستقبلية من قبيل نمو تعدادها السكاني، فلا تزال إيران من أعلى المعدلات في العالم. ونظرا لوجود عدد كبير للغاية من الشباب فإن النظام يواجه تحديا يتمثل في مواجهة القلق المحتمل والتوقعات التي فشلت والتي تطالب بها المعارضة. ناهيك أن النظام الإيراني لا يعمل طبقا للظروف التي نمت فيها الثورة الإيرانية في نهاية السبعينات، عندما كان بمقدورها الانعزال، فاليوم يعيش النظام في عصر العولمة والانفتاح والعالم السريع والسهل والمنفتح، لذا فان عصر الثورة قد ولى. وعليه يتعين على النظام أن يبدأ بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات تدريجيا إذا أراد أن يحافظ على وضعه، بدلا من تآكل النظام من الداخل والتحطم على صخور الواقع.
© منبر الحرية، 15 فبراير/شباط 2010
2 comments
Pingback: المعارضه الايرانيه
عبداللهر
5 أغسطس، 2016 at 1:40 م
أرجو تزويدي في المعلومات
بخصوص هذا الموضوع
لأَنِّي أعمل موضوع بحث .
( موضوع البحث :-
َالمعارضه الإيرانية الواقع والمستقبل في المرحله المقبلة —)