في وقت قريب سيقوم الكونغرس الأمريكي بمناقشة القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس بوش ببيع أسلحة متطورة بمبلغ 20 مليار دولار إلى عدة دول عربية. هذه الصفقة كان قد تم عرضها من قبل البيت الأبيض على أنها إحدى السبل الخاصة بنشر الاستقرار في الشرق الأوسط الذي يتعرض للتهديد من قبل مطامع إيران ومن خلال بروز الإرهاب. وينبغي على الكونغرس أن يرفض هذا البيع تماما استنادا إلى كون التسليح الذي سيقدم إلى العالم العربي لا يعتبر من المصلحة المثلى للمنطقة ولا هو من مصلحة الولايات المتحدة.
وعلى ما يبدو فان الافتقار إلى الاستقرار هو الذي سوف يهيمن على الشرق الأوسط، فكل بقعة من بقاع العالم العربي عبارة عن مجموعات مختلفة من معضلات متزايدة، حيث يشكل الركود الاقتصادي، ونشوء النزعة الأصولية والإرهاب، وتآكل الحريات الشخصية مسائل من المسائل الساخنة. كما أن الرخاء الاقتصادي الذي يشهده معظم العرب يزداد سوءا حتى مع ارتفاع أسعار النفط التي سجلت أرقاما قياسية.
وفي حال استثناء النفط والغاز الطبيعي من الوفورات المتنوعة التي توفرت لدى ما نحن نسميه ونحدده على أنه العالم العربي بسكانه البالغين 350 مليون نسمة، فإن ناتجهم المحلي الإجمالي سوف يبلغ أقل من ناتج فنلندا، والتي هي دولة يبلغ عدد سكانها اكثر بقليل من خمسة ملايين نسمة. وعند استبعاد عدد قليل من الجيوب المعزولة في العالم العربي، فقد أخفقت دوله بشكل يدعو إلى الشفقة في اللحاق بالنمو الاقتصادي الذي شهدته معظم دول العالم الأخرى. فالعالم العربي ليس بحاجة إلى إدخال أسلحة سوف تعمل على إطلاق سباق تسلح إقليمي وعلى إضافة المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
والى جانب المبيعات المعروضة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي بوش، هناك قوى عظمى أخرى تعمل على التصعيد في عملية تكديس السلاح. فالفرنسيون منهمكون في متابعة بيع أسلحة إلى ليبيا بمبلغ 400 مليون دولار، والروس يقومون بالتفاوض حول صفقة أسلحة ذات أرقام قياسية ليتم عقدها مع الجزائر وهم مستمرون في الاستكشاف والتحري عن بيع أسلحة إلى إيران. هذه الأمور تحدث في المنطقة في الوقت الذي يبلغ التوتر ذروته في كل أنحائها. فلو كان هناك جزء من العالم لا يحتاج إلى مزيد من الأسلحة، فإن ذلك الجزء هو الشرق الأوسط.
والسؤال الجوهري الذي يتم طرحه هنا هو لماذا تحتاج هذه المنطقة إلى هذه الأسلحة المتطورة ومن هم الذين سوف تتم محاربتهم؟ هل هي إيران؟ فمن غير المرجح أن يكون كذلك. كما أن ليس من مصالح إيران المثلى أن تتورط عسكريا في عمليات حربية مع المملكة العربية السعودية أو مع الكويت أو مع الإمارات العربية المتحدة. وسوف لا تسمح الولايات المتحدة ولا الحلفاء الغربيون الآخرون بحدوث ذلك، وإيران تعرف ذلك. أما الشيء الذي تقدر إيران على فعله وترغب في عمله فهو أن تقوم بدعم حركات قتالية تعمل على إثارة القلق والاضطراب في كافة أنحاء العالم العربي. ويشكل العراق ولبنان حالة تقع في صميم هذا الموضوع.
هذه المبيعات من الأسلحة التي يتم عرضها على الدول العربية تعتبر أداة خاطئة للاستعمال في مكافحة مثل تلك الحركات. فالتهديد الحقيقي الذي تواجهه الكثير من الدول العربية يكمن في التطرف الديني المحلي وفي الإرهابيين المقاتلين. فشراء أسلحة من اكثر الأسلحة تطورا في السوق بقيمة 20 مليار دولار، أو حتى بقيمة 100 مليار دولار سوف لن تجعل التطرف العنيف يختفي. لكن القيام بإصلاح النظام التعليمي والسماح للسوق بالازدهار هو الذي سيقوم بعمل ذلك. يجب أن يتم تحرير التجارة وان تتم حماية الحقوق وان يتم تحديث التعليم. هناك الجامعات العربية التي تقوم بشكل منسجم بتخريج طلبة يواجهون صعوبة في إيجاد مكان لهم للعمل في اقتصاد معولَم يتصاعد أكثر فأكثر. هؤلاء الخريجون العاطلون عن العمل سوف يكونون ممتعضين ويائسين وسيتحولون إلى أهداف بحيث يتم تجنيدهم من قبل مجموعات متطرفة.
هناك حاجة شديدة لإجراء تغييرات في السياسة التعليمية بحيث تسمح للمواطنين مستقبلا بالتنافس بشكل فعال على المستوى العالمي، وان تكون تغييرات مستندة إلى نظام تعليمي سليم يقوم بتركيز منهجه الدراسي على الرياضيات والعلوم، وليس على الدراسات الدينية. وينبغي على الطلبة العرب أن يتعلموا كيف يفكرون بدلا من أن يتعلموا ماذا سيفكرون.
هذه هي الأزمنة المقلقة في الشرق الأوسط. فبيع أسلحة متطورة سوف يعمل فقط على إشعال وضع متفجر. فمن الناحية التاريخية، قام الكونغرس الأمريكي بالاستجواب، وفي أحيان أخرى بالاعتراض على بيع الأسلحة إلى دول عربية على أساس أن تلك الأسلحة تعرض وجود إسرائيل للخطر. فهي قد شكلت مسرحا سياسيا لكثير من أعضاء الكونغرس لإظهار دعمهم وتأييدهم لإسرائيل مع إدراكهم بأن إسرائيل لم تكن معرضة للخطر على الإطلاق. أما في الوقت الحالي، فينبغي على الكونغرس أن يحول دون إتمام البيع لأن عمل ذلك سيكون عملا صحيحا وأخلاقيا. فالعرب هم بحاجة إلى مساعدة ودعم جديين بما أنهم يقومون بالمناورة تجاه التحديات الضاغطة التي تواجههم. ويجب أن لا تكون الأسلحة مدرجة على تلك القائمة.
© معهد كيتو، منبر الحرية، 5 كانون الأول 2007.
One comment
chaker
28 أكتوبر، 2013 at 5:45 ص
شكرا جزيلا على التوضيح وعلى الاقتراحات الهامة و الموضوعية